معلومات البحث الكاملة في مستودع بيانات الجامعة

عنوان البحث(Papers / Research Title)


الابداع الادبي بين التربية والموهبة


الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)

 
سيف طارق حسين العيساوي

Citation Information


سيف,طارق,حسين,العيساوي ,الابداع الادبي بين التربية والموهبة , Time 6/5/2011 6:50:30 AM : كلية التربية الاساسية

وصف الابستركت (Abstract)


التربية الابداعية طريق يجب ان تتبعه المؤسسات التعليمية لتنمية الطلبة

الوصف الكامل (Full Abstract)


        الإبداع الأدبيّ بين التربية والموهبة
 
 
إذا كانت منهجيّة البحث تُلزم الباحث بالتريث والأناة في أثناء الحديث عن تربية الإبداع الأدبي لدى الأطفال، فإنها تفرض عليه بادئ ذي بدء الاعتراف بأن أدبيّات الإبداع الفنّي تشير إلى أن الرابعة عشرة هي الحدّ الأدنى للعمر الذي يظهر فيه الإبداع لدى المبدع في الحقل الفنّي(1). ففي هذه السنّ قاد موزارت أوبرا في ميلانو، ونظّم بيتهوفن حفلات موسيقية في الساحات العامة. وفي السنّ نفسها أو بعدها بقليل شرع عدد من الشعراء العرب ينظمون الشعر، كطرفة بن العبد وكعب بن زهير وأبي تمام والمتنبي ودعبل الخزاعي وعلي بن الجهم والمعرّي وجبران والشابي والجواهري وإبراهيم طوقان وغيرهم(2).
وعلى الرغم من أن أسماء المبدعين تكثر كلّما ارتفع العمر فوق الحدّ الأدنى فإن الأمر الذي لا يخطئه الباحث هو أن الإبداع الفنّي يبدأ في مرحلة المراهقة، ثم يستمر دون أن يعرف سنّاً يقف عندها. وهناك باحثون ينصّون على أن الإنتاج الإبداعي ينمو بين الثلاثين والأربعين ثم يهبط تدريجيّاً. وقد رفع بعضهم هذه السنّ إلى الخامسة والأربعين، ونصّ على أن ذلك لا يعني التحديد الدقيق للعمر الذي يظهر فيه الإنتاج الإبداعي. فقد أبدع فيردي أوبرا فالستاف وهو في الثمانين، وكتب مارك توين (جورنال حوّاء) في الحادية والسبعين، وطوَّر غراهام بيل الهاتف في الخامسة والخمسين، وحل مشكلة ثبات التوازن في الطائرة وهو في السبعين(3). أما مرحلة الطفولة فليس لدّي مايبعث على الاطمئنان بإمكانية عدّها مرحلة زمنية صالحة لظهور الإبداع الفنّي. وليس في تاريخ الأدب العربي، في حدود ماأعلم، أمثلة وافرة تُعين على القول إن الطفل قادر على الإبداع قدرة الراشد عليه. وربّما لاحظنا لدى الأطفال أحياناً شيئاً من الإنتاج الأدبي، إلاّ أن المفهوم العلمي للإبداع لا يعدُّ هذا الإنتاج إبداعاً فنّياً، بل يعدّه عملاً ابتدائياً لا يرقى إلى المستوى الفنّي، ولا يعبِّر عن خبرة جمالية ناضجة.  
أستطيع القول؛ بعد الحذر المنهجي السابق، اقتراح العناية بالأمور الأربعة الاتية، وأنبِّه قبل تفصيل القول فيها إلى ضرورة توافرها كلها مجتمعةً، لأن الخلل في أمر منها يقود إلى خلل تربية الإبداع الأدبي لدى الأطفال.
1- المناخ العام للإبداع:  المراد بالمناخ العام للإبداع طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه المبدعون. فإذا كان هذا المجتمع ديمقراطيّاً يشجِّع أبناءه على الحوار وحريّة التعبير، ويقبل الرأي الآخر، ويُقدِّر الشريف المفيد العامل على خدمة الأمة ورفعة شأنها، نما المبدع في مناخ ملائم للإبداع. وإذا كان هذا المجتمع تسلُّطياً قمعياً، يشجِّع أبناءه على النفاق والزيف، وكمّ الأفواه، ويرفض الاعتراف بحقوق الإنسان، ويُقرِّب المخادع المداهن، شعر المبدع بالاختناق وأحسّ بالقيود التي تُكبِّل رأيه وعمله، فسكت خوفاً أوهاجر إشفاقاً على نفسه من مواجهةٍ هو وحده الخاسر فيها.
2- المناخ الخاص للإبداع:  إذا كان المناخ العام يعني المناخ الديمقراطي المواتي للإبداع ضمن دائرة العناية بالأطفال كلهم دون تمييز بينهم، فإن المناخ الخاص يعني وعي طبيعة الموهوبين والمبدعين. وقد مرّ وقت طويل كنّا نعتقد فيه أن الإنسان المبدع شخص مختلف عن أقرانه في الذكاء والاستعدادات الوراثية والسلوك الاجتماعي والإلهام. ومن ثمَّ لم نكن قادرين على أن نوفرّ له مناخ الإبداع، وأستطيع اختزال ماقدَّمته أدبيّات الإبداع الحديثة في النقاط التالية(11): أ- كل فرد يملك القدرة على الإبداع. أيْ أن لديه (الاستعداد) أو (الإمكانية) أو (الطاقة) على ذلك. وهذا الأمر لا يمنع من القول إن هذه القدرة تختلف وتتفاوت بين الأطفال تبعاً للفروق الفردية بينهم في القدرات والسمات، ومن ثمَّ لابدَّ من أن تُوجّه التربية عنايتها بادئ ذي بدء إلى الأطفال كلهم بغية حفز طاقاتهم على الظهور.
ب- بروز القدرة على الإبداع في هيئة أعمال إبداعية يتوقّف على أمور كثيرة، يرجع بعضها إلى العوامل الوراثية والدوافع الشخصية، ويرجع بعضها الآخر إلى الظروف البيئية.
ت- العوامل الوراثية لا تقود وحدها إلى الإبداع:  ولعلّ الذكاء أبرز العوامل الوراثية التي اختلط أمرها على الدارسين حتى الخمسينيات، ومازال اللبس سائداً حولها لدى العامة. إذ كان الدارسون يعتقدون بأن ارتفاع درجة الذكاء فوق الحدّ المتوسّط أو العادي (وهو 100درجة) يقود إلى الإبداع، ثم اكتشفوا بعد أن نشر (تيرمان) تقاريره الثلاثة (في الأعوام 1925-1957-1959)(12). أن درجة الدنيا اللازمة للإبداع هي (120) درجة تزيد أو تنقص قليلاً ولا أهمية للارتفاع الكبير في هذه الدرجة، مما قادهم إلى أن نسبة الذكاء ليست معياراً دقيقاً للموهبة الإبداعية. فقد كان بين الموهوبين الذين تتبّع تيرمان حياتهم من الحادية عشرة إلى الخامسة والأربعين أربعون موهوباً ارتفعت نسبة ذكائهم فوق (180) درجة، ولكن نتائج هؤلاء لم تختلف عن نتائج أقرانهم الذين وصلت نسبة ذكائهم إلى (140) درجة.
ث- دلالات التفوّق العامة كالتحصيل المدرسي والتوافق المهني والاجتماعي والصحة النفسية والجسدية ليست معايير دقيقة للموهبة الإبداعية. فقد كان دارون غبيّاً في المدرسة، ونيوتن بليداً، وباستور مخفقاً، وهيوم مخيِّباً للآمال، ولكنهم في مراحل حياتهم اللاحقة أصبحوا عباقرة يُشار إليهم بالبنان.
ج- يظهر السلوك الابتكاري لدى الأطفال في أحد مجالات المعرفة، ويندر أن نجد طفلاً مبدعاً في المجالات كلّها.
ح- القدرات التي تُشكِّل التفكير الإبداعي نوع من المهارات العقلية قابل للتنمية والتحسين والرعاية عن طريق التدريب والممارسة. ومن العبث الظن بأن هذه القدرات وراثية لا يستطيع الإنسان تعديلها وتبديلها.
3- سمات الإبداع الأدبي وقدراته: لا يستطيع أحد الادعاء بأنه راغب في تربية الإبداع الأدبي لدى الطفل إذا لم يكن يملك معرفة كافية بسمات الإبداع وقدراته. ذلك لأن الباحثين بذلوا كثيراً من الجهد لتعرُّف سمات شخصيّات المبدعين والقدرات الإبداعية التي يملكونها بغية الإحاطة بعملية الإبداع وضبطها والسعي إلى تنميتها. وعلى الرغم من أن هذه الدراسات تناولت المبدعين بعد أن اشتهروا في حقل الإبداع، فإن نتائجها قابلة للتعميم والتنبّؤ بالإبداع. وبتعبير آخر، فإن هناك سمات شخصية وقدرات عقلية معيّنة عملت معاً في أثناء إنتاج الآثار الإبداعية لدى المبدعين، ومن المتوقّع أن تؤدي العناية بهذه السمات والقدرات لدى الطفل إلى الإبداع في مراحل حياته اللاحقة، استناداً إلى إمكانية تعميمها وإنْ لم تكن شاملة المبدعين كافة. تمثّل السمة عند علماء النفس (استعداداً عاماً أو نزعة عامة تطبع سلوك الفرد بطابع خاص، وتُشكّله وتلوّنه وتُعيِّن نوعه وكيفيّته. وهم يقصدون من استخدام هذا المفهوم للسمة إلى محاولة تفسير السلوك الظاهري للأفراد عن طريق افتراض وجود استعدادات معيّنة عندهم، تكون مسؤولة عن هذا السلوك وعن الثبات والأتساق الذي نلاحظه فيه...وأكثر الناس تسيطر على سلوكهم وتُشكّله مجموعة قليلة من السمات التي يمكن وصف شخصيّاتهم من خلالها، إضافة إلى أن كل فرد من الأفراد يتمتّع بعدد من السمات الصغرى التي تثيرها مجموعة من المنبّهات المحدودة الضيِّقة، وتنتج عن آثارها كذلك مجموعة من الاستجابات المحدَّدة الضيِّقة المكافئة لها. ويمكن أن نطلق على هذه السمات الثانوية اسم الاتجاهات بدلاً من السمات، وذلك لتعدُّدها واتصالها بمواقف محدَّدة)(13) ثم إن هذه السمات التي تستعمل في وصف الشخصية متنوِّعة، تبدو أحياناً متناقضة وغير شاملة المبدعين كلهم، ولكنها في الحالات كلها تُشكّل الدوافع الداخلية والمزاجية للإبداع، ومن أبرزها: السيطرة، والاستبطان (التأمُّل الذاتي)، وتقبُّل الذات، والرصانة، والاستقلال، والبعد عن الانصياع، والصحة النفسية، والتحرُّر من الانضباط الزائد، والبعد عن العصابية، وغير ذلك. أما القدرات العقلية للإبداع فقد سُمِّيت قدرات التفكير الابتكاري، كما سُميِّت أيضاً الخصائص العقلية للإبداع. ومهما تكن التسميات -وهي مترادفة تقريباً- فإن هناك إجماعاً على اعتماد ماقدَّمه (جيلفورد) حولها. إذ نصَّ على ثلاث قدرات هي: الطلاقة والمرونة والأصالة (14). ولكن أحد الباحثين العرب (15) أضاف إليها قدرتين أخريين هما: مواصلة الاتجاه واللغة. ويكاد الإجماع ينعقد على أن (الأصالة) أكثر القدرات الإبداعية أهمية، بل إن بعضهم أطلق عليها تسمية (حجر الرحى في تكوين العقل الإبداعي). والمراد بهذه القدرة إنتاج أفكار جديدة أو طريفة. وقد لاحظ الدارسون(16) أن استجابات المبدع الأصيل تتسم بالمهارة والبراعة أو تكون غير شائعة، أو تبدو العلاقات بعيدة بينها. كما لاحظوا أن المبدع نفسه ميَّال إلى التعبير الجمالي والتفكير التأمُّلي المنطلق. أما الطلاقة فهي القدرة على إنتاج عدد كبير من الأفكار في وقت واحد، أو هي السهولة والسرعة التي تتم بهما التداعيات(17). في حين يُراد بالمرونة السهولة التي يُغيِّر بها الشخص موقفاً ما أو وجهة عقلية معيّنة(18).... كما يُراد بمواصلة الاتجاه قدرة المبدع على تركيز انتباهه وتفكيره في مشكلة معيّنة زمناً طويلاً جداً.(19).
إن الإطار العام السابق للسمات والقدرات مفيد في تعرّف عملية الإبداع العلمي والفنّي معاً. فإذا رغبنا في تخصيص القول بالإبداع الفنّي عموماً وبحقل من حقوله، هو الإبداع الأدبي، خصوصاً واجهتنا قضايا دقيقة، كالخبرة الجمالية والقدرة المعرفية والتخييليّة واللغوية والتعلُّق بالأدب ومهارة اختيار الأدوات الفنيّة واستعمالها وتوظيفها، وغير ذلك مما يُعين على الصناعة الأدبية ويُنمِّي موهبة الطفل فيها.
4- تربية الإبداع الأدبي:إذا توافر المناخان العام والخاص للإبداع، وأضحت السمات والقدرات معروفة، غدت الطريق ممهَّدة أمام التربية للإسهام في تنمية الإبداع الأدبي لدى الأطفال. وأودّ قبل أن أُقدِّم اقتراحي الخاص الإشارة إلى الأمور الآتية:
أ- هل نربي الإبداع الأدبي لدى الطفل الفرد أو لدى جماعة الأطفال؟! الحقّ أن غالبية أدبيّات الإبداع ميَّالة إلى تربية الإبداع لدى الطفل الفرد لأنها مؤمنة بأن الإبداع عملية فردية لا يلتقي فيها مبدعان، ولا يمكن للجماعة أن تنهض بها للفروق الفردية بين المبدعين ولتنوُّع سماتهم وقدراتهم. بيد أن هناك أدبيّات أخرى قليلة تميل إلى الإبداع الجماعي(20) وتراه ممكناً، انطلاقاً من إيمانها بالجماعة وابتعادها عن الفردية. على أن واقع الإبداع يشير إلى أن الحقل الأدبي يحتاج إلى العناية بالطفل الفرد، في حين يستطيع حقل البحوث الأدبية العناية بالإبداع الجماعي والاستعانة بتقنيات العصف الذهني وغيرها. ولكن الواقع العربي لا يسمح بتربية الإبداع الأدبي لدى الطفل الفرد، ولهذا السبب لابدَّ من وضع الطفل الموهوب ضمن أقرانه، على أن يكون عدد الموهوبين في مكان التدريب قليلاً بحيث يستطيع المشرف العناية بهم فرداً فرداً. وعلى الرغم من أن هذا الحل واقعي بالنسبة إلى المجتمع العربي، فإن اللجوء إليه يحمل معه دائماً خطر الابتعاد عن الإنجازات الإبداعية الجيدة في الأعمال الأدبية التي تستند إلى الرؤى والخبرات الجمالية المتنوّعة. 
 
ب- يتصل بالأمر السابق سؤال آخر هو: هل نعزل الموهوبين أو نتركهم صحبة أقرانهم العاديين؟ إن الإجابة عن هذا السؤال مازالت موضع خلاف، فقد جرّبت دول العالم النوعين. والمعروف أن الاتحاد السوفييتي السابق عزل الموهوبين في الموسيقى والبالية في مدارس خاصة، وترك الباقين في صفوف عادية خلال السنوات الثماني الأولى من الدراسة، ثم أخضعهم لبرامج معيّنة تلائم مواهبهم. وقد أثبتت إحدى الدراسات العربية(21) ضرورة عزل الموهوبين في صفوف خاصة لأن ذلك يضاعف تفوٌّقهم، ويجعلهم يحافظون على مركز الصدارة، ويتيح لهم فرص النشاط القيادي ومصاحبة أقرانهم الموهوبين والابتعاد عن مشاكسات أقرانهم العاديين، إضافة إلى التنافس والرضى النفسي وجودة المناخ الاجتماعي(22). على أنني لم أعثر على مثال واحد يعزِّز القول بضرورة عزل الموهوبين في الأدب، في حين تترى أمثلة العزل في حقلي الموسيقى والباليه، وتكثر جداً في حقول الإبداع العلمي. وربّما رجع ذلك إلى حاجة الإبداع الأدبي إلى الفردية، أو رجع إلى اهتمام المجتمعات الحديثة بالعلم وإهمالها الأدب. ومهما تكن الأسباب فإن الواقع الموضوعي في الوطن العربي لا يسمح في الغالب الأعم بإنشاء مدارس خاصة، وماتوافر من هذه المدارس في بعض دول الخليج وفي مصر يُعدُّ إرهاصاً لابدَّ من الاستمرار في دراسته دراسة علمية للنهوض ببرامجه وأساليب رعاية الموهوبين فيه. والسائد الآن أن تلجأ غالبية الدول العربية إلى زجّ الموهوبين في الصفوف صحبة أقرانهم العاديين، وتخصيص أمكنة معيّنة لهم يمارسون فيها نشاطاتهم خارج الدوام المدرسي.

تحميل الملف المرفق Download Attached File

تحميل الملف من سيرفر شبكة جامعة بابل (Paper Link on Network Server) repository publications

البحث في الموقع

Authors, Titles, Abstracts

Full Text




خيارات العرض والخدمات


وصلات مرتبطة بهذا البحث