معلومات البحث الكاملة في مستودع بيانات الجامعة

عنوان البحث(Papers / Research Title)


الشعر السياسي


الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)

 
عيسى سلمان درويش المعموري

Citation Information


عيسى,سلمان,درويش,المعموري ,الشعر السياسي , Time 6/6/2011 7:22:29 AM : كلية العلوم الاسلامية

وصف الابستركت (Abstract)


الشعر السسلسي ابن هانئ الاندلسي

الوصف الكامل (Full Abstract)


    الشعر  السياسيابن هانئ الأندلسي أنموذجا"
 
كان للشيعة منذ تكونهم دور مهم في بناء الفكر السياسي الإسلامي ، اذ حاولوا جادين الالتزام بوصية رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  بتولية علي بن  أبي طالبعليه السلام  خليفةٌ له ونائباً بعد وفاتهِ ، لما لعلي عليه السلام   من مكانة قد رسخها الرسول الأعظم وآتت  أُكلها يومَ بيعة الغدير 0 ولمّا لم تجر الأمور كما قد قدّر لها ، كان من الطبيعي أن يبقى الشيعة سائرين ، ضمن ثوابت اختطها تفكر مسؤول فبويع ابو بكر بالخلافة ، فكان لعلي)عليه السلام  وأصحابه موقف  لكنّ الضرورة أملت عليهم فسايروا الأمر  وقال في ذلك الشأن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ، من البسيط  :    ما كنت أحسب أن الامرَ منتقلٌ أليس أوّل مَنْ صلىّ لقبلتهم وآخرُ  الناس عهدا ًبالنبيّ ومنماذا الذي ردكم عنه فنعلمهُ                                                        عن هاشمٍ ثم عن أبي حسنٍواعلم الناسِ بالآيات والسُننِجبريلُ عونٌ له في الغسلِ والكفنِها أن بيعتكم من اوّل الفتن
وعلى النحو الذي أصبح فيه أبو بكر خليفة ، كذلك جاء عمر بن الخطاب ، خليفة ، وعثمان بن عفان الذي أطاحت به فتنةٌ ، انشق على أساسها المسلمون ، فتمرد معاوية يحارب عليّاً ، وخرج أصحاب الجمل للطلب بدم الخليفة المقتول ، وعلى وفق ذلك ما جت الدولة العربيّة الإسلاميّة بحروب وفتن ، انتهت ملابساتها بمقتل عليعليه السلام  ، وكان من بعدهِ الحسن  عليه السلام الذي سلم الخلافة لمعاوية بناءً على مواثيق وعهود لدرء الفتنة عن المسلمين على ان تعود الخلافة إليهم ثانية  ، ثم انتهى الأمر بقتل الحسين بن علي  عليه السلام  ابشع قتلة   ، مما أثار حفيظة بعض الشيعة الذين خذلوه في حربه مع يزيد ، فشكل هذا الحزب حركة تمرد صدامي ، محاولاً الأخذ بثأر الحسين  عليه السلام  فاحتدم الصراع مع السلطة الأموية التي حاولت كبح جماح أيّة حركة تحاول الخروج عليها ، وحسب خروج زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام  دليلاً على ذلك   وتنتهي الدولة الأموية في المشرق ، ويتلون المشهد السياسي بصبغة الانتصار لآل محمدعليهم السلام  ، ولمّا تمّ الأمر على وفق ذلك حادّ العباسيون الذين تذرعوا بذلك عن تلك الوجهة ، وابتدأ حكم اسوأ من أن يذكر فبلغ بنو العباس  شأواً في تعسف آل البيت عليهم السلام ، ومشايعيهم ، لم يرتق إليهم الأمويون ، وما حصل بوقعة فخ للحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب شاهدٌ على ذلك  0    وعلى هذا النحو بقي الصراع سائداً يشتعل مرّة ويخبو في أخرى وفي هذه الأثناء كان ان ظهرت بوادر دولة شيعيّة في المغرب الا وهي الدولة الفاطميّة ، وهي كما معلوم لدينا دولة شيعيّة قد بينا الأسباب التي دعت إلى نشوئها واتساع سلطانها ،  مما بات يقلق الأمويين اللذين اتخذوا الأندلس دار حكم لهم في المغرب العربي وفي الشرق هاج قلق العباسيين ، اذ كانت تلك الدولة الناشئة ذات اتجاه ديني سياسي في آن معاً 0      مما ولد بينها وبين هاتين الدولتين صراعاً ذا طابع سياسي فكري ، انعكس أثره بعد انعكاسه على الحياة على الأدب بوجهٍ عام والشعر منه بوجه خاص ، بعد ان قوي نفوذ تلك الدولة وحققت ما حققت من انجازات سياسيّة ، و لا سيما حينما سيطر الفاطميون على مصر ، مما أقضّ مضاجع الدولة العباسيّة ، ومن جهة أخرى كان الفاطميون يهددون حدود الدولة الأمويّة في الأندلس ، مما جعلهم يخوضون معهم صراعات كثيرة  ، وإذ نحن نتناول الشعر السياسي ، فإننا لم نجد سوى ابن هانيء الأندلسي الذي اقترن زمن وجوده ، بجملة من الانتصارات السياسيّة والفكرية في زمن الخليفة الفاطمي الرابع المعز لدين الله ، الذي قد لبىّ الطموح السياسي في شعره ، وكان العباسيون والأمويون هما المرمى الذي يقرطس فيه الشاعر سهامه ، منافحةً عن الحق الشرعي لآل البيت في الخلافة ، مدعياً أنهم الأولى في تولي ذلك الأمر ، لقد حاول ابن هانيء ان يمثل صورة هذا الصراع ـ السياسي و المذهبي ـ التي اتسم بها القرن الرابع الهجري ، فالشيعة هم أعداء للعباسيين والأمويين ، لذلك كان لابد لكلِّ طرف من الانتصار لرؤاه ، لأن تلك الأمور لا ينظر إليها الاّ من وجهة نظر تقتات على العواطف ، فالعباسيون الذين ناصبوا العداء للفاطميين وطعنوا في صحة أنتسابهم لآل بيت النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم   ، لذا كان لا بد للفاطميين من يقفوا موقفاً معيناً ،وما كان اشد نقمة العباسيين حينما نافسهم الفاطميون على مصر، لذلك راح يقول فيهم ابن هانيء :   تقول بني العباس هل فتحت مصروقد أشرقت خيلُ الإله طوالعاًوذا ابن نبي الله يطلبُ وترهُفكونوا حصيداً خامدينَ أو ارعووا وإلاّ فبعداً للبعيد فبينهُأفي ابن أبي السبطين أم في طليقكم  بني نتلةٍ  ما اورثَ الله نتلهًوأنى بهذا وهي اعْدَتْ برقِّهاذروا الناس ردّوهم إلى من يسوسهم  فقل لبني العباسِ قد قُضي الأمرُ على الدين والدنيا كما طلع الفجر ُوكان حرٍ أن لا يضيع له وترُإلى ملك في كفّه الموتُ والنشرُ وبينكم ما لا يقرّبه الدهرُتنـزلت الآيات والسورُ الغرٌّوما نسلت ، هل يستوي العبدُ الحرُّ ؟أباكم فإياكم ودعوىً هي الكفرُفما لكم في الأمرِ عرفٌ ولا نُكْرُ
 
    هذا المقطع من قصيدة قيلت بمناسبة فتح مصر من قبل الفاطميين بقيادة جوهر قائد جيش المعز ولعل ابن هانيء حينما يقدم على إبداء ما في نفسه يستثمر الجانب الوجداني عند المتلقي وليحدثه بتلك الكيفيّة التي تعزز بين السياق النصيّ وبين الواقع الموضوعي الذي استفزَ وجدان الشاعر ، ويلجأ احياناً إلى ما يسمى ((بالحوار الافتراضي)) تعزيزاً لأدائيّة النصّ من دون اعتماد على اي نوع من المقدمات التقليدية ، رجاء الاستضاءة بالأساليب الأدائيّة ، كما انه في الوقت ذاتهِ يقدم المسوغ الذي يجعل كفّة ممدوحه راجحةً في وضعهِ في مقارنة يمثل فيها ، بين ما عليهِ ممدوحه وبين الحال الذي وصل إليه العباسيون ، بعد فتح مصر فخيل الإله يقودها المعزّ ، لأنه يطلب وتراً والأحرى بهذا الوتر أن يؤخذ اليوم لأن العباسيين اغتصبوا حق آل البيت في الخلافة بعد ما دعوا في ثورتهم على الأمويين بالخلافة لبني عليّ )عليه السلام ( ، فلما تمّ لهم الأمر حادوا عن الذي قالوا بهِ ، وهنا يتساءَل الشاعر ايّ حق بتلك المنزلة ، أبناء علي )عليه السلام ( أم أبناء نتلة ، الأصل  نُتيلة وهي امّ العباس جد العباسيينِ ، وهل أنّ ما نزل من القران كان في حقهم  أم في حقّ آل الرسول ؟ لذلك يرى ان الحق قد عاد إلى أصحابه ، لأن تلك الدعوى التي أدعاها  العباسيون هي أشبه بالكفر ، فلا عرف لديهم اليوم ولا نكر ، لان المعزّ لدين الله  قد أعاد الحق إلى نصابه ثم نلحظ الشاعر في أبيات أخر ، وهو لم يزل يسأل بني العباس في أن يبينوا للناس هل أنهم هم الأحق بهذا الأمر ، أم غيرهم ، وعلى نحو يحاول   الشاعر خلاله  أن يعبر عن أفكاره بموضوعيّة ، خاضعة للسياق من حيث بساطة الأداء ، ومن حيث توضيح أدق واشمل ، يكشف من خلالِهِ هذه المقارنة التي تبدو في اغلب احوالها معتمده على منحى فكري يتصل بالدور الذي اضطلع به بنو العباس في محاربة آل البيت ومن يتشيّع لهم ، وليكشف انعكاسات هذا الصراع من خلاله هذا التساؤل المؤثر الذي افتتح به النصّ ، ثم يضعهم إزاء الواقع ليبين لهم أن يأتوا بأشهادهم ، ليعرف من احق بهذا الأمر :  فجييئوا بمن ضمت لُؤيُّ بن غالبولا تّذروا عليّا معدٍّ وغيرهاالا تكلم الأرضُ العريضةُ اصبحتْ فقد دالت الدنيا لآلِ محمّدٍ
   وجيئوا بمن ادّت كنانة والنضرُ ليعُرَفَ منكم من له الحقّ والأمروما لبني العباس في عرضها فِترُوقد جرّرتْ اذيالها الدولةُ البكرُ
 
   إن الأسباب التي ذُكرت آنفاً تجعل أمثلة هذا النسيج الشعري تتجدد مع كلّ ما يمكن أن يكشف تلك الحقائق ذات الخطورة بالنسبة للبعد السياسي الذي يظلّ فيه الشاعر ملتزماً من دون ان يعد هذا الشعر ذا نزعه  عدوانية باتجاه الطرف الآخر بقدر ما يؤدي إلى الاستدلال عن أصالة المسألة التي يثيرها بحيث يغدو  هذا الهجاء مشروعاً في الدفاع عن الحقيقة ، لأن السكوت على الظلم مشاركة فيه ، وبهذا المعنى يكون التغيير الذي يقتضيه هذا التحول تغييراً شاملاً ، فإعادة الحق إلى نصابه لا يستلزم فقط صرخة احتجاج ، وإنما يحتاج ضربات موجعة تنشر راية تلك الإمامة العادلة ، كما يرى الشاعر 0     ويبدو لنا ان ابن هانيء يعد من أهم الشعراء الذين ناصروا الفاطميين بحيث جسدَ في نتاجه ملامح ذات ابعاد فكريّة قد فرضت فاعليتها على هذا العصر ، منطلقاً من مشروع فكري استمد صيرورته من هذا الإيمان الراسخ ، والطابع السلوكي للشخصيّة الملتزمة التي تحاول ان تبرز ما تؤمن به بموقف التزامي 0     تتحكم فنية النص السابق إلى مجموعة من السمات التي تضفي ابعادها على النص 0         فقد تكون اللغة المباشرة ، مصاغة بإحكام لترصد الظواهر التي يريد الشاعر طرحها في نصّهِ من دون تأكيد على العنصر الصوري ، ففي النموذج السابق نلحظ أن الشاعر لم يعتمد عنصر التصوير ، اذ لجأ إلى اللغة المباشرة ، ففي بداية نصّه يعتمد الحوار في جعله منطلقاً يستطيع ان يتعامل من خلاله مع الموقف ، فضلاً عن ذلك فانّه يوشح أداءه بعناصر لغويّة ، ذات أثر مهم في صوغ العبارة كالجناس والطباق : ( بعداً ، للبعيد ) ، و (طوالعاَ ، وطلع) و (وتره ووتر) وقد لا يأتي الجناس في كلِّ الأحوال مطابقاً إذ قد يأتي ناقصاً ومن الطبيعي أن يكون وروده وهو والطباق عنصراً تزويقياً ، ولكن من دون ادنى شك تكون له ايجابية يتطلبها السياق ، والطباق (عرف ونكر) و (الموت والنشر) 000 الخ ، كما ان الأثر الإيقاعي الذي يمكن ان يتضمنه هذان العنصران له اثره الواضح الذي نستطيع ان نلتمسه في النصّ 0     كذلك الصيغ التضمينية القرآنية كان لها دورها في أغناء النصّ حيث يشكل رافداً مهماً بحيث يعوض الصورة التشبيهية والاستعارية والرمزيّة ، اذ يأتي بصورة متكاملة الأبعاد تفرض وجودها في النصِّ ، وكأنها جزء لا يتجزأ عنه كما في : (حصيداً خامدين) و(هل يستوي العبدُ والحرّ) و (قضّي الأمر) ، فكانت المزاوجة بين الحوار والتضمين ، تنطلق لرصد الظواهر السلبيّة والايجابيّة التي تتحرك في ضمن اطار المقابلة بين سلوك العباسيين وبين سائر القيم التي ينماز بها ممدوح الشاعر 0     وشكلت اسماء الأعلام : (ابن نبي الله ، وابن أبي السبطين ، وبني نتلة) طرفي الصراع ليقابلها الشاعر بأسماء أخرى ( لؤي بن غالب ، وكنانة ، والنضر ، وعليا معدٍّ) محتكماً من خلالها إلى تأكيد اخباراته ، فضلاً لما تلك المسميات من رصيد موضوعي للفكرةِ التي يتبناها الشاعر 0     ايقاعياً لا ننسى في كل حال من الأحوال ما للوزن الشعري والقافية من دلالة موسيقية عالية الأداء ، فكان وزن الطويل مهيئاً لاستقبال طروحات الشاعر بكثافتها الموضوعيّة ، كذلك صوّر الإيقاع الداخلي المتمثل بتنوع العبارة وباستعمال الجناس والطباق ، وكما مثلنا لهما سابقاً ، أفكار الشاعر ليقدم دلالة مشحونة ، اكتنز النص على اثرها بالعنصر الموسيقي 0                                  وعلى وفق ما ذكرناه تبقى رؤية الشاعر للعباسيين في قوله  ( ):                                                           ابناء نتلةَ ما لكم ولمعشر ردّوا اليهم حقهم وتنكبواودعوا الطريق لفضلهم فهم الأُلىكم تنهضون بعبءِ عار واصمٍيليهيهمُ زَمرُ المثاني كلّما  هم دوحة الله الذي يختارُوتحملوا فقد استحمّ بَوارُ لهم بمجهلة الطريق منارُوالعار يأنفُ منكُمُ والنارُالهاكُمُ المثنيُّ والمزمارُ
 
   تلتزم السياق الذي تحرك على وفقه ، اذ يغتنم كلّ مناسبةٍ ليسبَّ بها العباسيين ، ويعمد على إيذائهم  بنسبهم إلى (نتله) أم العباس جدّهم ، فهذه الاستثارة تجعل هؤلاء الذين بدا ملكهم يتضاءَل عاجزين عن كلِّ شيء ، فيطلب منهم ان يتجنبوا ويرتحلوا بعد إعطائهم حق اسيادهم لأن الطريق التي يسلكونها هي ليست طريقهم ، لدرجة انهم لم يستطيعوا الا اكتساب العار الذي يأنف منهم ، فهم رجال لهو وطرب ، والذين جحدوا حقهم قد شغلوا بتلاوة آي القرآن الكريم ، لذلك كان استبداد بني العباس بالسلطة ونزوعهم نحو استبدال القيم الإسلاميّة التي يجب ان تأخذَ أبعادها الحقيقيّة ، بقيم تقوم على العنصرية والاستئثار بكلِّ الأشياء ، كما أنه ـ أي الشاعر ـ يحاول من خلال ذلك نقد الأوضاع  المنحرفة على كافّة المستويات إلى ما هو عبثي ، وظلامي كما في قولته( ) :  وللملك في بغداد أن رُدّ حكمهُإلى شلوِ ميتٍ في ثياب خليفةٍ  لم يكن العبد اللئيم بخارهُكان قد كشفت الأمر عن شبهاتهِوفاض دماًمدُّ الفرات ولم يجزفلا حملت فرسانُ حربٍ جيادُهاولا عذب الماء القراح لشاربٍألا إن يوماً هاشميّاً أظلهم كيوم يزيد والسبايا طريدة   إلى عضد في غير كفّ ومعصمِوبضع لحامٍ في إهابٍ مورمِمن هو من أهل العراقِ بألاّمِفلم يضطهد حق ولم يتهضّم لوارده طهرٌ بغيرِ تيممِاذا لم تزرهم من كميت وأودهمِوفي الأرض مروانيّة غير ايمِيطير فراش الهام عن كل مجثمِعلى كلِّ موارِِ الملاطِ عثمثمِ      
   المهم لدى الشاعر ، ولدينا ان نحضى بهذا الأداء الذي ينسجم مع التطلعات التي تهيئ المجال لتنوع الطرح الذي يمثل بلورة لأفكار التزاميّة ، وان كانت مشفوعة بأبعاد سياسيّة تطمح لتحقيق نوازعها بأي شكل من الأشكال 0     فالشاعر في نصه السابق يربط بين أخلاق الراعي وأخلاق الرعيّة ، فالأمر سيان ، فانعام النظر في سلوك السلطة المنحرف ، يحدو بالشاعر إلى ان يعلن الحرب الشعواء التي لا تبقى ولا تذر، ويعلن أن اليوم الذي سوف يأتي عليهم ، كيوم يزيد الذي نكلّ فيه بالحسين وأهل بيته  )عليهم السلام (  0     يبقى انفتاح هذه الرؤية على مثل هذه الأساليب يمدّ الشاعر بالقدرة على إخضاع القصيدة  لمعمارية معينة تستمد إحكامها من تنوع الأداء  مع ما يصاحبه من صدق فكري ووجداني 0 والذي يتضح لنا من النصين السابقين أن اللغة التي يخط بها الشاعر رؤاه الفكرية والوجدانية لغة تهجميّة عنيفة يتطلبها سياق عاطفي تجاه ما يؤمن به ، وتتحدّد ألفاظ النص الأول بمثل :(عار واصم ، يأنف العار منكم ، والنار) يقابلها ايجابيّة مستحقة للطرف الآخر (دوحة الله ، يلهيهم زمر المثاني) ، لتحقق تلك المقابلة مساحة يشحذ فيها سيف كلماتِهِ ، كذلك النص الآخر ، الحال تأخذ بعداً آخر، جانب السلب يتخذ ، مسارين ، (انباء نتلة) و (بنو مروان) لتكون نقمة الشاعر مزدوجة ، وبلغة يغلب عليها الانفعال ، راح يتمنى لهم يوماً كيوم يزيد 0 كذلك كان احتفال النص بالصورة ، قد جعل الطبيعة الفجّة للعباسيين والأمويين تأخذ بعداً أكثر بشاعة كما نلاحظ ذلك في : (عضد في غير كفّ ومعصم) و (بضع لحام في إهاب مورم) و (فاض دماً مدّ الفرات) و (يطير فراش الهام) و (السبايا طريدة) ، لتتضح انعكاسات الواقع في تلك الصور ، لهذا كانت ثورة ابن هانيء على هؤلاء شديدة النقمة 0     ايقاعياً الوزن الشعري ، ذو دلالة ايقاعية يستحوذ تأثيرها على مجمل الإيقاع ولا شك ان دور القافية ذو أهميّة بالغة ، لأن إبعادها الإيقاعيّة هي الأخرى تجعل من الأثر الإيقاعي يأخذ تلك الوقفات اللازمة ، ويكون أثر القافية  مزدوجاً ، ايقاعاً ومعنى ، إذ  جاءت وقد استدعاها سياق النص ، وكان لوزن الكامل في النصّ الأول وبقافية الراء المضمومة ، ولوزن الطويل وقافية الميم المكسورة في النص الثاني ، أدائية استلزمها كلّ موقف حسب حاجته ، ومن هنا ، نرى ان انفعالية الشاعر في النص الثاني الزمته ان يعبرّ عنها بأكثر عدد من الألفاظ ، لذلك آثر البحر الطويل لتوافره على عدد كبير من المقاطع الصوتية ، التي تهيئ مساحةً كافية للكشف ، وكانت القافية هي الأخرى ذات امتداد كافٍ سحبت أثرها على الوزن الشعري ، اذ لم تأت في اضرب تلك الأبيات الاّ مقبوضة 0      وعلى الشاكلة نفسها نلحظ قوله ( ) :   أبني لؤي اين فضل قديمكمنازعتم حق الوصيّ ودونهناضلتموه على الخلافةِ بالتيلو تتقون الله لم يطمح لها لكنّكم كنتم كأهلِ العجل لمماذا تريدُ من الكتابِ نواصبٌهي بغية اضللتموها فارجعواردّوا عليهم حكمهم فعليهم     بل اين خلمٌ كالجبالِ رصين ؟حرَمٌ وحجر مانع وحَجونردّت فيكم حدُّها المسنونُطرفٌ ولم يشمخ لها عرنينيحفظ لموسى فيهمُ هارونُوله ظهورٌ دونها وبطونُفي آلِ ياسينٍ ثوت ياسينُ نزلُ البيان وفيهم التبيينُ 
     فالشاعر في هذا النصّ ، يلوم القرشيين ، ويعاتبهم على أساس انهم اهل الفضل والحلم الرصين ، ويعاتبهم لمنازعتهم حق عليٍّ  )عليه السلام ( في الخلافة لأنهم تركوا تقوى الله ورضخوا لرغباتهم ، فأصبحوا كبني اسرائيل حينما تركهم موسى )عليه السلام ( مع أخيه ووزيره هارون )عليه السلام ( فلم يحفظوا الحق الذي لموسى مع هارون فكان ان ناصب القرشيون العداء لعليّ )عليه السلام ( ، وكأن الشاعر ينزع منزع التقابل حين يقرن السلوك الذي سلكه هؤلاء مع الحقيقة العبادية لعلي  )عليه السلام ( ، بصورة تبدو طبيعية وليس افتعالاً لأشياء تبدو خارج نطاق الواقع من حيث الدلالة 0     أما من حيث القيمة الفنيّة لهذه الأبيات فيجدر أن تاتي اللغة ذات أحكام في العبارة ، لتحقق الخصائص الفنيّة والدلالية التي يطمح الشاعر إلى تحقيقها 0     ففي هذا المقطع نجد دلالات عديدة ، نجد مقارنةً تعمدّها الشاعر ، وهي من دون شك ممارسة ذكيّة قد تجلّت في تلك التقنيات اللغويّة التي صيغت على وفقها العبارة فابتدأ بـ(أين) وكررها مرتين ، فجاءت العبارة الشعرية بدلالة التعنيف ، وقامت اداة العطف (بل) بإعطاء العبارة الأخرى ، دلالة متوازيّة ، ربما قد فاقت الدلالة التي تضمنتها العبارة الأولى (اين فضل قديمكم ؟) ، وكأنّ الاستفهام (هنا) اتخذَ طابعاً انكارياً ، فكأنه يريد القول (إذا كنتم تدّعون الفضل ، فلماذا فعلتم كذا وكذا ) ، وهكذا كانت عملية الرصد الفنّي على صعيد هذه المقابلة منحته الفرصة حتّى يسرد تفاصيل كثيرة ، تدخل في ضمن مجال الكشف التعبيري الذي يبرز استثمار الشاعر لحوادث تاريخيّة تعتمد التضمين القرآني (أهل العجل) ، (موسى)عليه السلام () ، (هارون) ، (آل ياسين)  ، ولعل البيت الأخير من المقطع هو الذي يمثل المحور الآخر ـ الأمرـ الذي يريد الشاعر استرجاعه إلى أهلهِ فجاء على نحو من التداعي الذهني ، الذي يقوم على ارجاع الأمور الى تقدير (قادر) ، اذ هي أمور خارجة عن نطاق الذات الإنسانية ، وكأنه يقصد بهذا الوصف الذي انتهت جوانبه بالبيت الأخير ، أحقية أهل البيت به ـ ويعني الإمامة ـ  التي أوصى بها الرسول )صلى الله عليه وآله وسلم (  لعليّ  )عليه السلام ( ، ليتضح الجانب الفكري الذي يريد الشاعر تأكيده من خلال الأفكار التي يطرحها مضافاً إلى ذلك ما يمكن ان يوشي بهِ الشاعر نصّه من أدوات فنيّة أخرى مثل استعماله (عنصر الحوار الأفتراضي) الذي يجسد قيمة فنيّة تمدُّ النصُّ بسياق تعبيري ذي طبيعة قصصيّة ، فاستعمال (اين) و (لو) جعلت النص يدمج بين واقعيين أحدهما سلبي والآخر ايجابي لكي لا ينحصر في كونه تعبيراً عن فكر تهجمي ، بل ينحصر في رفد الفكرة المتبناة بما يقف وراءها من هذا التناقض الذي فرضته طبيعة المواقف التي يحاول الشاعر تحديدها ليخلص إلى موقف التزامي جادّ 0       امّا العنصر الإيقاعي فلا غرو أن ما كان للاستفهام من دورٍ ، والجمل الاعتراضيّة ـ لو تتقون الله ـ والطباق (ظهور ، وبطون) والجناس (ياسين ، ياسين) و(البيان والتبيين) في رفد الإيقاع الداخلي انسيابيّة تبدو واضحةً 0      كما ان الإيقاع الخارجي المتمثل بالبحر الكامل ، وقافية النون قد أدركا السِّر الفني الذي حاول الشاعر بثّه ، بمعنى آخر إنّه حاول من خلال الإحساس الذي يمتلكه بعدالة قضيّة اسياده ان يطرح انعكاسات الواقع من خلال تلك الممارسة فيصعد أداء بنحو ملحوظ بحيث يطبع العمل الشعري بشخصيتّه 0                                                 والأمويون في نظر الشاعر هم اعداء حقيقيون ، ولا بد ان يأخذوا جزاءَهم العادل : ( ) زخرت غواشي الموت ناراً تلتظيفكأنّما فَغَرت إليه جهنّمٌ وأميّة تحُفي السؤال ومالمنبهُتوا فهم يتوهمونك بارزاًتتجاوب الدنيا عليهم مأتماًلبسوا معائبهم ورُزْءَ فقيدهم    أدت عدوّك زندكَ المقدوحامنهن او كحلت إليه كلوحااودى به ِ الطوفان يذكرُ نوحاوالتاج مؤتلفاً عليكَ لـموحا   فكأنما صبحتم تصبيحاًكاللاّبسات على الحداد مسوحا 
   من الواضح ان مهمة الشاعر الذي ينحو منحى سياسيّاً في شعرهِ ، يحاول جاهداً استنفار جميع الخصائص التي تعينه على توضيح الأفكار التي يوَدّ طرحها بنحو جليّ ومحدد ، لذلك وجب العناية بالعنصر اللغوي الذي يخلق الصورة المؤثرة ، مما يوجب ان يعطي لشعرهِ قيمة عليا ، فابن هانيء في نصّهِ هذا يحاول طرح اشكالٍ متنوعة في التعبير ، فبين ابراز الجانب التصويري في العقاب الذي سوف يحلّ بهؤلاء ، وبين ما ينتج عن ذلك من بعد تحدده طبيعة العلاقة مع الآخرين ، أو طبيعة ما يمكن ان ينتج من واقع موضوعي يحدده الموقف السياسي الذي يبني الشاعرُ  نصّه على أساسِهِ ، تكون النتيجة أن الدنيا تستبشر بالقضاءِ عليهم ، ليظل الشاعر يطرح القضيّة التي يتبناها بشكل وجداني ، يحمل في طياته تحقيق توازن نفسي ، يضاف إلى البعد الفني الذي يحقق التوازن الداخلي للنصّ 0     وله فيهم ايضاً ( ) :  خابت أمية منهُ بالذي طلبتوحاولوا من حضيض الأرض اذ غضبوا هذا وقد فرق الفرقان بينكما     كما يخيب برأس الأقرعِ المشطُ كواكب عن مرامي شأوها شحطوابحيث يفترق الرضوان والسَخَطُ  
     هذه الأبيات من قصيدة يمدح بها الشاعر المعز لدين الله ، ويذكر خيبة بني أميّة الذين حاولوا إقصاء الفاطميين  بكلِّ ما بأيديهم من وسائل ، فضلاً عمّا بيناهُ في الفصل الأول من تلك الدراسة ، لذلك يرى ابن هانيء أن كل ما يُحاوله بنو أميّة لا شك أن سيؤدي بهم نحو الخيبة ؛ لأن المعز يعد نموذجاً تتجسد ُ فيه بوضوحٍ الإرادة الإلهيّة ، أو ليس هو من قوم فرق بينهم وبين بني أميّة الفرقان 0     فهم لم يجدوا ما يلبي رغباتهم ، فشبههم بالمشطّ الذي خاب برأس الأقرع 0 ولعل هذا الوصف يعكس خيبة أملٍ فظيعةٍ ، لأنهمّ يحاولون ما يرتفع بقدرهم وهم في الحضيض 0      النص بوجه عام يكشف عن لغة مألوفة يوشحها العنصر الصوري ، القائم على التشبيه ، ولعلّ النموذج الأول : خابت أمية منه بالذي طلبت   كما يخيب برأس الأقرعٍ المشطُ
  
    تعدُّ طريفة على الرغم من ترددها على الألسن ، لكنّها قد كشفت عن واقع موضوعي أراد الشاعر رصده من خلال تلك الصياغة البسيطة ، لكنّها كانت ذات غناء وعمق كبير 0     ايقاعيّاً ، حفل البيتان الأخيران بتّكرار بعض الأصوات كالضاد والشين ، و القاف ، مما كان لها اشراق نغمي يتحسسه المتذوق ، كما ان التجانس بين (فرق والفرقان) والتطابق (الرضوان والسخط) كافٍ في التدليل على نمط آخر من ايقاعيّة العبارة مما يكسب النصّ على العموم جماليّة ملحوظة 0      ويسأل ممدوحه في نص آخر القصاص من بني أمية قائلا ً :   وأذن له ان يغرق أميّة معلناً واعذر أميّة أن تغصّ بريقهاألقت بأيدي الذلّ ملقى عمرهاقاد امرهم وقلّدَ ثغرهم   ما كلَّ مأذون له مأذونُفالمهل ما سقيته والغسلين بالثوب اذ فغرت له صفينمنهم مهين لا يكاد يبين  
    قد يفرض الواقع رؤيةً تستنطق في خلالها تجربة الشاعر الامتداد الزمني الذي بنى على أساسهِ موقف الاموميين المعادي لأهل البيت )عليه السلام ( اذ يوظف هذا السياق التأريخي التراكمي لا على أساس  مجردٍ من الفائدة ، اذ يشكل هنا ظاهرة يتطلبها الصراع او بالأحرى موقفاً ضدّ سلاطين الجور ،  وهو في الوقت نفسهِ علامة فارقة يمكن ان تعكس من خلالها الصورة المثالية للممدوح ، والاحتجاج والرفض لما يماثله النظام الدينوي الذي تقلده الامويون ومن بعدهم العباسيون ، فكان موقف المعزّ ازاء هؤلاء يمثل ضربة اجهضت تطلعاتهم المريضة ومن الطبيعي ان يلتزم الشاعُر، موقفاً ثابتاً يكشف فيهِ اهدافاً سياسيّةً وفكريّة 0 لذلك ما إن يجد الشاعرُ ايةّ مناسبة تسمح له بإبراز الحق  ، ووضح مقارنةٍ تكشف الحقائق اوتبينها ، يتجه إلى تبيان ذلك ، فالشاعر هنا يريد الانتقام من بني أمّية بأن يغرقهم جيش المعزّ في البحر ، وهم معذورون  ان يغصوا بريقهم فما أذاقهم المعزّ لدين الله قد جعلهم على تلك الحال ، إضافة إلى الذل الذي لاقوهُ بأيدهم 0      يتحدد إلى المستوى الفني لهذه الأبيات على وفق اعتبارات عديدةٍ نجح الشاعر على أساسها في صياغة تجربته ؛ اذ ان انفعاليّة الشاعر اسهمت بشكل فاعل في تحديد إيقاعها اللغوي ، فالتجربة الشعريّة بملابساتها كافة هي الأقدر على منح اللغة الاعتياديّة فضائية ايحائيّة تتساوق مع ما يمكن أن يولدهُ الاستعمال الفني للألفاظ من خلال شحنها بطاقات تبعث على المتعة والاعجاب ، وتفجير صورها الدقيقة التفاصيل ، فالأبيات عبارة عن طلب (دعاء) من الشاعر إلى ممدوحِهِ في أن يأذن للبحر ان يفعل فعلته ببني أميّة ، فولّدُ الشاعرُ أكثر من صورة تكشف وببعد تاريخي خساسة بني أميّة ، ومواقفهم الشائنه ضدّ العلويين ؛ فكان ان توكأ على الصورة التضمنيّة التي اقتبسها من القرآن الكريم والتي تدلّ عليها الالفاظ : المهل والغسلين ، ومهين ، ولا يكاد  يبين 0 إضافة الى التضمين التأريخي  المتمثل بـ (صفين)  ،  مما يمنح  المقطع الشعري الذي نحن بصدده قيمة فكريّة ، وهكذا فقد كانت الصورة التي تبناها الشاعر صورة توليديّة ، لأنها تفرعت عن صورة واحدةٍ مبتدءة بـ (واذن له ان يفرق امية معلناً 000 ) ويستغرق ابن هانيء في لوم كلِّ من له يدٌ في منازعة آلِ النبيّ حقهم في الخلافة ، إلى ان يصل إلى أصحاب بيعة السقيفة ، الذين لعبوا دوراً مهماً في التمهيد إلى فتنة مازال الإسلام ينوء بها ، اذ يقول ( )  : وأولى بلومٍ من أميّة كلّهاأناسٌ هم الداء الدفين الذي سرى هم قدحوا تلك الزناد التي ورت        وهم رشحوا تيماً لارث نبيهمعلى أي حكم الله اذ يأفكونهوفي ايّ دين الوحي والمصطفى لهفما نقموا أن الصنيعة لم تكنوتالله ما الله بادرَ فوتهاولكنّ أمراً كان أبرمَ بينهمبأسيافِ ذاك البغي أوّلَ سلِّهاوبالحقد حقد لجاهليّة إنّهوبالثارِ في بدرٍأريقت دماؤهم    وإن جلَّ أمرٌ من ملامٍ ولوَّمإلى رممٍ بالطفِّ منكم واعظمولو لم تشب النارُ لم تتضرموما كان تيميٌّ لهم إليهِ بمنتمِأحِلُّ لهم تقديمُ غير المقدمَ سقوا آله ممزوج صابٍ بعلقمِولكنّها منهم شناشِنُ أخزمِذوو أفكهم من مهواءٍ أو منقمِوإن قالَ قومٌ فلتة غيرُ مبرمِاصيب عليّ لا بسيف ابن ملجم إلى الآن لم يظعن ولم  يتصرموقيد اليكم كلّ أجردَ صلدمِ
  
      اذ يرى أن الذي أولى باللوم من آلِ أميّة ، الذين اجتمعوا يوم السقيفة ، وأبرموا فيما بينهم إدارة شؤون المسلمين متجاهلين وصية رسول الله )صلى الله عليه وآله وسلم ( مقدمين أبا بكر خليفة  لرسول الله ، وهو ليس كذلك 0
 امّا قوله : (وإن قال قوم فلتة) فهو تضمين لمقولة الخليفة الثاني، من خطبه له قالها في المسجد النبوي*  لذلك كانت هذه الفتنة هي الشرارة التي استشرت ، فقتلت علياً )عليه السلام (لأنها هيأت المساحة الكافية التي استطاع ان يتحرك فيها إعداء الإسلام ، واستطاعت ايضاً ان تغذيهم بالحقد ،  حقد الجاهليّة الذي امتد إلى الطفِّ ليقتل الحسين وأهل بيته )عليهم السلام ( ، لأنهم انّما اوغلت صدورهم بالحقد منذ ايام الإسلام الأولى ، وما كان ذلك العمل منهم الاّ ثأراً لقتلاهم في بدرٍ ، لذلك نرى ان يزيد حينما  جيئ إليه برأسٍ الحسين )عليه السلام ( فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده متمثلاُ وهو يقول : ( )    ليت اشياعي ببدرٍ شهدوالأهلوا استهلوا فرحاً لستُ من خندف إن لم انتقموكذلك الشيخ اوصاني بهِقد قتلنا  القوم من ساداتهم   جزع الخزرج من وقع الأسلولقالوا يا يزيد لا تُشلمن بني احمد ما كان فعلفاتبعتُ الشيخ فيما قد سألوعد لنا ميلَ بدر فاعتدل 
    تكشف هذه الأبيات عن مستوى فنيّ يتجه الشاعر من خلالِهِ إلى تشكيل صيغة أدائيّة تقوم على التتابع المنطقي لمتعلقات الموقف المعبّر عنه ، لتجد انسيابّية واضحة تقترن بالأداء اللغوي الذي يتسم بالوضوحِ والالفة ، حيث أكتفى الشاعر بإدارة نصّه من خلال الإخبار فقط اضافة إلى التساؤل ، وقد طغى على النص ضمير المخاطب الغائب (هم)  ، الذي يكشف عن اشارةٍ تاريخيّة للموقف الذي اقتضى ان تكون علمية الربط بينه وبين الحاضر الذي كان نتيجةً لذلك ، تسير على وفق تبصرّ دقيق بناحيّة فكرية يفرضها السياق اللغوي  للنصّ وقد كشفت الألفاظ الواردة  في النصِّ بتلوناتها عن منحى فكري وجماليّ سحب أدائيته على المستوى الإيقاعي فـ(الجناس) بأشكاله كافة ، مثل (ملام لوّم) و (تشب وتتضرم) و (تيمٌ وتيميّ) و (تقديم والمقدم) و(اسياف وسيف) و (بالحقد والحقد) لم يمتزج بافكار انحرافيّة تبتعد عن أدائية النص ّ وانّما قدمت كمسوغٍ للتركيز على الجانب العاطفي والفكري الذي تكفلّ النصُّ بأدائِهِ 0       قد يكون الجانب الصوري متواضعاً في هذا النصّ ، وفقد شكلت الاستعارة (( هم قدحوا تلك الزناد )) والتشبيه (( الداء الدفين الذي سرى الى رحمٍ بالطفِّ )) ، هذا التنوع الصوري لما له من  مسوغات فنيّة ، لان الاستعارة ، والتشبيه البليغ ، كلاهما يؤكد التصاق تلك الصفةِ  بالفاعل لدرجة التماثل بين الطرفين ، وهذا ما ينطبق بالفعل على الأطراف التي كانت الممهد الأول لتلك المأساة 0      ايقاعيّاً ، حفل النص بالأدائيّة الفخمة للبحر الطويل ، الذي جاءت فيه العروض مقبوضة والضرب كذلك ، وقد تفاوت مجيء (فعولن) صحيحة في تفعيلات الحشو ، فبدأ الوزن الشعري منساباً ، وجاءت القافية معطية التكامل الإيقاعي الخارجي لهذا البحر إذ جاءت الميم المكسورةِ ، متواشجة بالقدر الذي ظهر تأثيرها على الإيقاع الداخلي للنصّ ، فقد ظهر أنها لم تأتِ عنوة وانّما كان للفظ ((أميّة)) في النصّ استدعاءٌ لها ، ولو لاحظنا النصّ السابق لوجدنا أنها وردت ((43)) مرّةً عدا مرات ورودها في القافية ، مما جعلها تحتلُّ تأثيراً واسعاً في مستوى الإيقاع الداخلي ، ثم كان لما قد ذكرناه آنفاً من جناس وطباق من أثر في تحقيق الغاية الفكرية للنصِّ والانتصار للعقيدة التي يؤمن بها الشاعر ، اضافة إلى دلالاتها الإيقاعية الملحوظة 0     لذلك يحقق الشاعر بسائر الأدوات الفنيّة والموضوعيّة للموقف الذي تبناه مساحةً كافية تتمثل في جملة من ضروب الصياغات : المباشرة وغير المباشرة ، حيث يتجاوز في بعض الأحيان عن رصد العناصر التخيليّة إلى ما هو مرتبط اساساً بمقومات بناء الشخصيّة من حيث : كشف سجل انخذلاتها ، وعدم قدرتها على التصدي للحقيقة لذا فإن النماذج المتقدمة والنموذج الذي بين ايدينا ، تخضع جميعها ، لقاعدة ذات منحى سياسي فكري في آنٍ معاً ، فالأمويون على وفق ما يرى الشاعر  ( ) : وما عرفت كرُّ الجيادِ أميّةٌولا جرّدوا نصلاً تخاف شباتهُولم تَدمْ في حرب دروع أميّةٍاذا حضر المدّاح أُخجلَ مادحٌ    وما حملت بزّ القنا وهو شابكولكنّ فولاذاً غدا وهو آنكُولكنهم فيها الإ ماءُ العَوارِكُواظلم ديجورٌ من الكفر حالكُ 
    إن عناية الشاعر بكلِّ ما يمكن ان يغضّ عن مكانة اعدائِهِ ، تجعله يسرد جميع الحقائق التي سوف تشكل بمجموعها تلك الطبيعة الرثة التي ينماز بها الطرف الآخر ، وبلغة خطابية ،  يستنفر الشاعر معها دافعه الوجداني يرى أنّ بني أميّة : ما عرفت كرَّ الجياد 0 ولا جرّدوا نصلا 0 ولم تدم في حرب دروعهم  0 اخجل مادحهم  0    نلاحظ هذا الأداء المصحوب بقرار في نهاية كل بيت ، وكأنّ ما يطلقه من صفات هو حقائق ثابته ، وبهذا التجانس الدلالي الذي قام على عناصر لفظيّة تمثلت على وجه الخصوص بالنفي بـ((مما ، ولا ، ولم)) حقق الشاعر صيغه الفنية من خلال رصد المقومات العامّة والخاصّة وتوشيحها بلغة الفن : ايقاعياً وصورياً ، مستهدفاً من ذلك ادانة السلطة المنحرفة وإبداء حقائقها 0  

تحميل الملف المرفق Download Attached File

تحميل الملف من سيرفر شبكة جامعة بابل (Paper Link on Network Server) repository publications

البحث في الموقع

Authors, Titles, Abstracts

Full Text




خيارات العرض والخدمات


وصلات مرتبطة بهذا البحث