معلومات البحث الكاملة في مستودع بيانات الجامعة

عنوان البحث(Papers / Research Title)


موت الام في الشعر العراقي


الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)

 
عيسى سلمان درويش المعموري

Citation Information


عيسى,سلمان,درويش,المعموري ,موت الام في الشعر العراقي , Time 6/6/2011 7:43:45 AM : كلية العلوم الاسلامية

وصف الابستركت (Abstract)


موت الام في الشعر العراقي

الوصف الكامل (Full Abstract)


        موت الأم في الشعر العراقي الحديث      شعر السيّاب أنموذجا
 
لا أتناول تحت هذا العنوان ذلك الإحساس الجزئي الذي ينتاب الشاعر خلال تجربة الموت التي يعيشها بل أتناوله في تلك التجربة التي تكتمل في وعيه لتتحول إلى نظرة واعية، يعكسها من خلال ذاته فتعطي معنى أكثر شمولية لـ "تضاؤل الإحساس الفردي بالذات، والشعور به، فقط من خلال الآخر"(1)، وهذا لايعني إن الشاعر في تمثله هذا يعرض للتجربة الشعورية من الخارج،  ويحوم حول عموميتها من دون الغوص في أعماقها فلكي يحقق الشاعر انسجاما واضحا بين رؤيته الذاتية وبين تلبية الرغبة العامّة يبقى تسليط الضوء على تلك التجربة مرهوناٌ بنوع العلاقة التي يقيمها الشاعر مع الذات المرثية، وهذا ما يمثل حقيقة موقف نفسي وفكري خالص 0 لذلك فإنّ "الشعور بالموت الطبيعي … لن يكون إلاّ إذا زال الشعور بالخطر من الموت، أو الموت قبل الموت إذا جاز لنا ذلك"(2)، وعليه سيكون زوال الشعور بالخطر إذا متوقفا على إبداء مقاومة يقتضيها ذلك الموقف، وبحسب رؤية تمليها طبيعة الشخص، وعلى ما يذكر فؤاد رفقه بأن هناك "طريقة أساسيّة لمقاومة حقيقة الموت، هي الأمل. وطريقة ثانية أساسيّة لمقاومة حقيقة الموت هي الحب 0 وطريقة ثالثة أكثر أساسيّة من كليهما في هذه المقاومة، هي الكلمة الشعرية"(3)، وبما أن الإنسان الشاعر يبدو أكثر جدارة في مواقفه من خلال استعماله الكلمة النابضة بالإحساس، حتى لتبدو العلاقة الضدّية بين الذات الشاعرة وموضوعة الموت تطغى على كل قيمة، فحين تغدو الذات خصماٌ مقابلاً للوجود الذي يقيد انطلاقتها تبدو في الوقت نفسه متشبثة بالحياة، ضد رعب الموت، وكل قوى الوجود التي تحاول محاربتها وانتهاك خلودها (4)0فإنه يمكن القول إن الذات الشاعرة تحاول في صراعها هذا أن تبني عالماً مثالياً تحاول من خلاله تهديم الحدود الفاصلة بين الحياة والموت، حد التلاشي ، لتكتسب الذات دلالة مطلقة، يُكْتَشف من خلالها ذلك التقابل بين عناصر الواقع ومعانقتها مع عالم الموت، لدرجة يصبح الموت عندها استمراراً دينامياً تقتضيه عملية الانتقال إلى العالم الأخر. فإذا ما كان الموت طبيعياً أي " الذي يقع في الشيخوخة والذي يحدث حينما ينال الإنسان ما يكفي من الحياة هو رغبة الإنسان الأخيرة على الأقل يقدر ما يضل في رغباتهِ وأفكارهِ صادقاً مع الطبيعة " (5)، فإن هناك نوعاً آخر من الموت يتمناه الإنسان إذا كانت حياته حافلة بالمتاعب نتيجة صراع معنوي طويل كالذي حدا بسقراط أن يقف بشجاعة حين اصدر عليه الحكم بالموت أن يقول " إن الإنسان إذا ما وصل إلى مثل سنيّ فإنّ عليهِ ألا يجزع من اقتراب الموت " (1).فهو في رؤيته تلك أنمّا يرى أنّ الموت نتيجة طبيعيّة للحياة، وما دامت حياته قد كابدت صراعاً طويلاً فلا بأس أن يأتي الموت لذلك فإننا نرى من خلال تلك المنطلقات التي يتبلور عنها الموت، تشعب الأسباب التي تقود إلى تلك النتيجة، وعليه يمكن القول إن نظرة الشاعر إلى موت الإنسان الآخر ترتكز على محددات، تكون في الوقت نفسهِ محكومة بنوع علائقي مع ذات الشاعر والذات الأخرى، فحين يكون الشاعر راثياً، فهو إنمّا يصدر في رثائهِ عن قيم إنسانية، تؤهل الذات المرثية إلى أن تشكل مع تلك القيم الإنسانية علاقة أشبه ما تكون بالتلاحم لكي يتحقق لها نوع قيمي أشبه بالمطلق.فإذا ما نظرنا فيما نحن بصددهِ من رؤى شعرية للسيّاب ، بشأن موت الإنسان يتسنى لنا وقتئذٍ أن نضع وعلى أسس موضوعية سبل المفارقة والالتقاء، معكوسة من خلال ذات الشاعر .                     لعلّ أول إشارة تنبئ عن موت كريمة عبد الجبار، أم بدر، في شعر بدر تلك التي أوردها في قصيدته " خيالك " التي خاطب من خلالها حسناءه :(2)
خيالك من أهلي الأقربين  أبرّ  وإن كان لا يعقـــلُ
أبي منه قد جردتني النساء  وأميّ طواها الردى المعجلً
فمالي من الدهر إلا ّرضاك  فرحماك فالدهر لا يعــدلً
 وإن كان ذكر الأم هنا مسانداً لفكرة الحبّ الذي يوّد أن تبادله إياه تلك الفتاة، لكنّه تفسر في الوقت ذاته حسرةً، في أعماقه، بعيدة الغور انطلقت بشكل بسيط في تلك المرحلة ( الرومانسيّة ) التي امتدت من عام 1941 حتى عام 1948 (3) ولكنّها نشطت في المرحلة الأخيرة " مرحلة الارتداد إلى الرومانسيّة " التي امتدت من عام 1961 إلى حين وفاته (4)، وبشكل لافت حين أقصى المرض شاعرنا في ذاته حدّ الإيغال فراح يبحث من خلال الماضي عن توطئة ارتباطيّه تؤهل ذاته لكي تشكل علاقة صميمية مع ذلك المدّ النائي القادم من أعماق الماضي ولكي يحقق، نوعاً من التكامل بين رغبة الذات في استجداء صورة المعين على المصيبة، وبين إيجاد رغبة كاملة للنزوع نحو الطفولة وأحضان الأمومة التي حرم منها، وهو لم يزل ابن أربع سنوات (1) .لذلك نراه في مرحلة ما بعد الرومانسيّة ( الالتزام ) التي امتدت من عام 1949 إلى عام 1960(2) يعطي لموت الأم بعداً آخر، وتحديداً في قصيدته "  أنشودة المطر " حين ينساق عبر اللاوعي في وصف المطر بهذيان الطفل الباكي لفقد أمهّ، حتى تتجسد الصورة بإيحاءاتها كافة متحدة أبعادها المتساوقة مع أبعاد الحزن الذي يبعثه المطر. ولعلي لا أجانب الصواب إذا ما اعترضت قول إيليا الحاوي حين يصف تلك الصورة بأنها دخيلة على المعاناة بحيث أن السيّاب قد جمع في قصيدته تلك أشتاتا من الصورة، لا تمت بصلة إلى موضوع  القصيدة على الرغم من اعترافه بجمالية الأداء في رسم التعبير الشعري بتلك الصورة (3) .ومردّ اعتراضي إنما يكمن في أن السيّاب في قصيدته تلك يؤكد ثنائية " الحياة والموت " محاولاً الخلاص من فكرة العدم، إذ أنه على صلة بالأسطورة القائلة بخلق الإنسان من تراب الأرض وعودته أليها بعد الموت بانتظار البعث والولادة الجديدة، فعادل بين الأرض والمرأة الأم، وكأنهّ يرفض تصديق الموت نهاية الحياة (4)، هذا من جانب، أما الجانب الآخر ففيه ظن الطفل في عمر ما دون السادسة أنّ أمر الموت قابل، أن يعكس، أي أن يكون بمقدور الموتى العودة ثانية إلى الحياة (5) ، لذلك يصرّ على عودتها بقوله (6).كأن طفلاً بات يهذي قبل أن ينام :بأن أمهّ – التي أفاق منذ عــامفلم يجدها، ثمّ حين لجّ في السؤالقالوا له : " بعد غدٍ تعـود .. " –لا بدّ أن تعودْوإن تهامسَ الرفاق أنها هنــاكْفي جانب التلّ تنام نومة اللحـودتسفّ من ترابها وتشرب المطـر؛لقد أيقن بدر أن أمهّ قد صارت جزءاً لا يتجزأ من عناصر الطبيعة، لقد صار يحسّها ماثلة أمامه في كل شيء، لذلك نراه يوحد بين جيكور وبويب والأم ووفيقة، جاعلاً منها رموزاً تضيف الغناء إلى تجربته الشعرية (1).أفياء جيكور أهواهاكأنها انسرحت، من قبرها البالي،من قبر أمي التي صارت أضالعها التعبى وعيناهامن أرض جيكور ترعاني وأرعاها
لقد امتزجت صورة الأم بالأرض التي هي الوطن، حتى أخذت العلاقة بين الابن والأم بعداً أكثر شمولاً، إنها لم تعد علاقة مباشرة، لقد صارت علاقة انفصالية، حققها الموت فتشبث بانفصاله هذا ولم يعد ممكناً العودة إلى الانتماء الكلي، فكان السيّاب " ومنذ وفاة أمهّ ورحيله عن القرية التي عرف فيها فترة الانتماء الكلي .. نهياً للشعور بالفردية والتفرد " (2).لذلك فإنّ عودته في مرحلة الانكفاء على الذات " … إلى الأم هي التي ترسم علاقته بالموت في هذه الفترة، وقد اتضح أنه لم يعد انتصاراً، وإنما راحة من العناء" (3) لقد قرر السيّاب الاستجابة لدعوة أمه من قبرها، حين راحت تستغيثه: (4).
" [ … ] بني احتضنّي فبردُ الردى في عروقي فدفئ عظامي بما قد كسوتُ ذراعيك والصدرِ ، واحمالجراح جراحي بقلبك أو مقلتيك ولا تحرقنَّ الخطا عن طريقي "  
وربما أراد أن يصور مدى قسوة الموت على أُمّه، مما دعاها أن تستغيث بابنها وربما أراد العكس . لكنّه أيقن أن الموت صوتاً يرنّ في أذنيه، كالزلزال وروح أمّه هزها الحبّ العميق، فراحة تسأل عنه الغرباء : (5)." [ … ] آه يا ولدي البعيد عن الديار ! ويلاه ! كيف تعود وحدك، لا دليل ولا رفيق ؟ " لكنّه حين يصحو يجد أنّ أمّه قد غدت ومنذ زمن طويل رهينة قبر وأحجار حين انطلقت على طريق اللاعودة، دونما وداع : (1) .
أمّاه .. ليتك لم تغيبي خلف سورٍ من حجارلا باب فيه لكي أدقّ ولا نوافذ في الجـداركيف انطلقت على طريق لا يعود السائرونمن ظلمة صفراء فيه، كأنها غسق البحـار
وحين ينتفض على ومض المشارط، يروح صدى صرخاته يجوب الآفاق،فيسأل السيّاب أمّه:(2)
أمّا رنّ الصدى في قبرك المنهار، من دهليز مستشفى، صداي أصيح من غيبوبة التخدير، أنتفض على ومض المشارط حين سفّت من دمي سفّا ومن لحمي ! أما رنّ الصدى في قبرك المنهار؟  وكم ناديت في أيّام سهدي أو لياليه : أيا أمّي، تعالي فالمسي ساقيّ واشفيني .
وفي ضوء ذلك يمكننا القول إنّ " أقوى صور الماضي يقظة في نفسه هي صورة الأم، وكان للمرض أثر كبير في مضاعفة الرابطة، وتضخيم الحاجة إليها " (3)، إذ " تنهض صورة الأم تعبيراً عن الغربة وتعويضاً عن افتقاده الحبّ " (4)، فيغدو حبّه لها حباً طفولياً، طالما أراد أن يرتوي منه، لذلك أحبَ عالم الموت، لأنّ أمّه بعض منه: (5)هو المرضتفكك منه جسمي وانحنت ساقي، فما أمشيولم أهجرك، إنّي أعشق الموتالأنّك منه بعض، أنت ماضيّ الذي يمضإذ ما أربدّت الآفاق في يومي فيهديني ! إنّ ركون السيّاب إلى استحضار الماضي وفي خلال تلك المرحلة (الانكفاء على الذات) لا يتعدى كونه محاولة للإفلات من قبضة المرض، والعيش في ضمن ذلك الإطار الجاهز الذي ترك أثره فيه جلياً، لكون الحاضر قد تبدى لديه واهناً تماماً، بوصفه نقطة الالتقاء بين الماضي المتمثل بالذكريات وبين المستقبل الذي يمدّ الطريق له إلى الموت، وبصورة أدق، إنّ الماضي قد غدا حالة تعويضية، لذلك راح السيّاب يمدّ من حبال ذاكرته ما يعينه على تأكيد تلك الصلة، ويدأب على حضورها، وكأنّها جزء لا يتجزأ من واقعه وأخص صلته بأمّه، حتى راح يعرض لها شكواه من الزمن: (1) .
 " آه يا أمّي ! عرفت الجوع والآلام والرعبا ولم أعرف من الدنيا سوى أيام أعيادِ فتحت العين فيها من رقادي لم أجد ثوبا جديداً أو نقوداً لامعات تملأ الجيبا لأنّ أبي فقيراً كان " .
فالعودة إلى الطفولة جزء من العودة إلى الأم أو تكاد تكون كلّها، فثمّة واقع قاسٍ يعيشه السيّاب، وإحساس كبير بالفراغ الذي تركه فقدانه لامّه يقول "فقد أمّي وما زلت طفلاً صغيراً، فنشأت محروماً من عطف المرأةِ وحنانها، وكانت حياتي وما تزال كلّها، بحثاً عمّن تسدّ هذا الفراغ .. " (2) كذلك كان كلّ من يحيط به من الذين لقيهم من بعدها:(3)
قساة كلّ من لاقيت : لا زوج ولا ولدُ ولا خلُّ ولا أب أو أخ فيزيل من هميّ …لذلك توهجت عاطفة السيّاب نحو أمّه، وغدت ذكرياته عنها شكلاً من أشكال التعلق بالحياة تارة، بوصفها مصدراً من مصادر الشفاء : (4) وكم ناديت في أيّام سهدي أو لياليه : أيا أمّي، تعالي فالمسي ساقيّ واشفيني.
وشكلاً من أشكال التعلق بالموت تارة أخرى، لأنها غدت جزءًا من عالم الموت من حيث أنّ الموت باقٍ لا يزول، لذلك راح يسأل قبرها أنّ يفتح ذراعيه لأنّه آتِ : (1).
ولا شي إلاّ إلى الموت يدعو، ويصرخ فيما يزول خريف، شتاء، أصيل، أفولوباقٍ هو الليل بعد انطفاء البروق وباقٍ هو  الموت، أبقى واخلد من كلّ ما في الحياهفيا قبرها أفتح ذراعيك …   أنيّ لآتٍ بلا ضجّة، دون آه !
فإذا ما كان الموت نهاية للحياة، فإنّ الإنسان يحسّ بالضآلة والانسحاق أمامه لأنه لا يستطيع أن يقوى على مواجهته (2)، لذلك حين رأى السيّاب أنّه ميت لا محالة حين راحت أمّه تهمس في إذنه :(3)    " لم يبق صديق      ليزورك في الليل الكابي "
فما كان منه إلاّ أن يلبس ثيابه، ويسري في الوهم في تلك المقبرة الثكلى علّ أمّه تلقاه، فتسائله عن غربته ووحدته، وتطعمه من زادها :(4).                  جوعان ؟ أتأكل من زادي خرّوب المقبرة الصادي والماء ستنهله نهلا من صدر الأرض :     ألا ترمي أثوابك ؟ وألبس من كفني، لم ينل على مرّ الزمنِ،عزرائيل الحائك، إذ يبلى، يرفوه تعال ونم عندي :
 فعالم الموت " لا مال فيه، ولا فيه داء " (1)، لقد عاد السيّاب إلى أمّه، بعد أن أفرده المرض، وجعله يتجرع كأس الموت شربة شربة، على انّ طريق العودة قد اتخذ مسارين أولهما إيحائي والآخر متعمد، فأمّا ما يخصّ الأول فهو جعله من نفسه أمّا تفتش ملتاعة عن ابنتها التي تخطفها الموت، وزيادة في إحساسها، بأنّه هو الميت وأنّ أمّه هي التي تبحث عنه كما في "الأم والطفلة الضائعة "(2)، كذلك في حديثه عن رفيقه، لأنها تجمع بين بدر وأمّه في طبيعة حياتها . وأمّا الآخر فقد تمثل في استدعاء الأم له(3) كما في (نداء الموت)(4)، إذ إنّ استرجاع الذكريات فيه "تعزّ أكثر لدى المشرفين على الموت، لأنها تمثل حركة حياتهم، وفعاليتها واسترجاعها "(5).خلاصة القول أنّه يمكن النظر إلى علاقة السيّاب بأمّه الميتة على وفق المراحل التي مرّت بها شاعريته، فقد تبدى لنا في المرحلة الرومانسيّة طفلاً قد أفقده  موت أمّه تلك العاطفة الأموميّة التي حرم منها وهو طفل صغير، وقد شعر شعوراً طفولياً بعودتــها، لكنّها لم تأتِ، وأسرف الحرمان في تعسفه حينما حرم من فرصة الحبّ الحقيقي الذي أراده أن يكون بديلاً عمّا افتقده، حين صرح في قصائده العاطفية عن عدم عدالة الدهر في الأخذ، لذلك غدت نفسه التوّاقة إلى الحبّ تجره من علاقة إلى أخرى، لكي يسدّ هذا الفراغ، لكنهّ لم يلق إلاّ الجفاء، فكان موت الأم في تلك المرحلة، موت الحبّ والحنان .أمّا المرحلة الأخرى (مرحلة الالتزام) ففيها أصبح موت إمّه مرهوناً بالبعث والولادة الجديدة، حين عادل بين المرأة الأم والأرض، وكأنّه أيقن بالحياة بعد الموت، فكان إن رأى أمّه تتجلّى في طبيعة جيكور حدّ التوحد معها .أمّا مرحلة العودة إلى الذات – وكما أشرنا سابقاً إلى تأريخها وسابقاتها من المراحل – فهي تلك المرحلة التي تشبث السيّاب فيها بالماضي "كانت لذته الكبرى في أن يستعيد الماضي، لا يتخلص منه بل ليظلّ في صحبته "(6) لقد استحضر أمّه حين رآها تطلّ من نوافذ الماضي، جاءته، وذهب اليها، تمنّى أن تطل ولو شجاً، وحين استهواه هذه الماضي، الذي صار يهذي بهِ حدّ الانغماس في كل دقائقه، صار يشكو لأمّه كلّ آلامه، حتى التي عانى منها في صباه، وتوسّلَ أليها أن تمدّ يدها لتلمس ساقيه علّه يشفى، وحين أدركه اليأس راح يلبس ثيابه ويسري ليلاً في الوهم، حينها ستلقاه أمّه، وسيفتح القبر ذراعيه، حيث عالم الموت، عالم الراحة، التي كان ينشدها السيّاب.وعلى كل حال، ومهما كانت دوافع السيّاب في عودته إلى الماضي، فقد كانت حصيلته سلبية جداً، لأن تلك العودة قد شكلت عبئاً آخر أدرك من خلاله أنّ موته صارَ حقيقة، قطفت قصائده بأحاسيسه، وحرمانه، الذي شكل عبئاً ظنّ ينوء به إلى  أن أوصد القبر عليه .
 
 
ملاحظـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة / البحث مستل .

تحميل الملف المرفق Download Attached File

تحميل الملف من سيرفر شبكة جامعة بابل (Paper Link on Network Server) repository publications

البحث في الموقع

Authors, Titles, Abstracts

Full Text




خيارات العرض والخدمات


وصلات مرتبطة بهذا البحث