معلومات البحث الكاملة في مستودع بيانات الجامعة

عنوان البحث(Papers / Research Title)


الأثر الصرفي لمعاني القرآن وإعرابه للزجَّاج في الكشَّاف للزمخشريّ


الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)

 
سعدون احمد علي الرباكي

Citation Information


سعدون,احمد,علي,الرباكي ,الأثر الصرفي لمعاني القرآن وإعرابه للزجَّاج في الكشَّاف للزمخشريّ , Time 07/04/2017 07:06:12 : كلية التربية للعلوم الانسانية

وصف الابستركت (Abstract)


انماز الأثر والتأثر بين العالمين بدراسة الظاهرة الصرفية بحسب ورودها في الآيات القرآنية في سبعة وثلاثين موضعا

الوصف الكامل (Full Abstract)


الأثر الصرفي لمعاني القرآن وإعرابه للزّجّاج في الكشّاف للزمخشري

مقدمة:
شرُفت العربية اللغات الإنسانية جميعًا بالقرآن الكريم الذي أنزله الله عزّ وجلّ على أفصح مَنْ نطق بالضاد سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، قال تعالى(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ?نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ? عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ? بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء:192-195) ومن أجل إظهار أصالة العربية وسيادتها غيرها من اللغات شرع العلماءُ يدرسونها ويضعون القواعد التي تحكمها بصبرٍ وتأملِّ عن طريق تفسيرهم للقرآن الكريم تفسيراً لغويًّا من خلال مؤلفاتهم في معاني القرآن وإعرابه .
ولعل كتاب معاني القرآن وإعرابه للزّجّاح واحد من تلك المؤلفات المهمة في هذا الميدان، إذ أودعه الزّجّاج جُلَّ ما استخلصه من علوم اللغة بفروعها المختلفة، وما توصَّل هو إليه من آراء. فالكتاب يمثل قّمة النّضج الفكري والتمكّن اللغوي للزّجّاج إذا عرفنا أنّه ألّفه قبل وفاته بعشر سنوات.
ولعل في كثرة تداول الناس هذا الكتاب واعتمادهم عليه في دراساتهم إشارة واضحة إلى أهميته، فمِمَّن توكأَ عليه كثيراً الزمخشري في كشّافه.( ) وهذا ما سأحاول رصده في هذا البحث من خلال دراسة(الأثر الصرفي لمعاني القرآن وإعرابه للزّجّاج في الكشاف للزمخشري) بدراسة تتبعية وصفية موازنة؛فاستوى البحث في تمهيد ومبحثين وخاتمة..
أما التمهيد فتحدثت فيه عن التصريف لغة واصطلاحًا، وأشرت فيه إلى أسلوب الزمخشري في النقل من معاني القرآن للزّجّاج.وأما المبحث الأول فقد تضمن دراسة الأثر الصرفي لمعاني القرآن وإعرابه للزّجّاج المصّرح به في الكشاف للزمخشري .في حين ضمَّ المبحث الثاني الأثر الصرفي لمعاني القرآن وإعرابه للزّجّاج غير المصرح به في الكشاف للزمخشري .أما الخاتمة فأودعتها أهم نتائج البحث وفوائده.

تمهيد:
التصريف لغة: التحويل والتغيير والتقليب:فتصريف الرياح :تحويلها من وجه إلى وجه ومن حال إلى حال ( ).قال تعالى (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164).
التصريف اصطلاحا: (علم بأصول يعرف بها أبنية الكلم التي ليست بإعراب ولا بناء)( ) .ويتضح من هذا التعريف أن التصريف منحصر بالكلمة نفسها وبما يطرأ عليها من تغيير في حـروفها وحركاتها مما ليس له علاقة بالإعراب. وهنا يلتقي المعنى اللغوي بالمعنى الاصطلاحي.على أن لهذا التغيير غرضين اثنين، أحدهما: معنوي يجعل الكلمة على صيغ مختلفة لضروب من المعاني كتغيير المفرد إلى التثنية والجمع،وتغيير المصدر إلى الفعل والوصف،واختلاف صيغة الاسم للمعاني التي تعتوره من التصغير والتكسير.....الخ.
والآخر:لفظي بتغيير الكلمة عن أصلها من غير أن يكون ذلك التغيير دالاً على معنى طارئ على الكلمة نحو تغيير كلمة(بَيَعَ) إلى (بَاعَ)( ).
انمازت دراسة الظاهرة الصرفية في (معاني القرآن وإعرابه للزّجّاج)و(الكشاف عن حقائق غوامض التنـزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للزمخشري)تبعاً لطبيعة ورودها في الآيات القرآنية،ولم تكن المسائل الصرفية موزعة بحسب مباحثها المعروفة لعدم تخصص الكتابين بالصرف ،إذ هما يبحثان في معاني ألفاظ القرآن الكريم وآياته معربة 0 وقد تنوعت أساليب تأثر الزمخشري بالزّجّاج والنقل عنه،فتارة نجده يصرَّح بالنقل عن الزّجّاج ويعتدُّ برأيه ، وأخرى يورد رأيه من غير التصريح بالنقل عنه . وقد بلغ مجموع مواضع ما نقله الزمخشري من المسائل الصرفية المصرح بنسبتها إلى الزّجّاج أربعة مواضع ، في حين بلغ مجموع مواضع ما نقله عنه من المسائل الصرفية غير المصرحة بنسبتها إليه (33) ثلاثة وثلاثين موضعا :
وفيما يأتي تبين للأثر الصرفي لمعاني القرآن وإعرابه للزّجّاج في الكشّاف للزمخشري بنوعيه المصرّح به وغير المصرّح به .

المبحث الأول
الأثر الصرفي لمعاني القرآن وإعرابه للزّجّاج المصرّح به في الكشّاف للزمخشري
مضى القول أن مجموع ما تأثَّر به الزمخشري بالزّجّاج وصرّح به بنسبته إليه من المسائل الصرفية هو أربع مسائل فيما يأتي تبينها بحسب تسلسل ورودها في السور القرآنية :
1-(الرحمان) وصف بمعنى المبالغة
في قوله تعالى (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (آية البسملة) ؛ عدّ الزّجّاج بناء (فعلان) من أبنية ما يبالغ في وصفه، ومثَّل له بـ(الرحمن) ، إذ هو يدلُّ على الكثرة والمبالغة ؛فقال : ((هذه الصفات للهِ عزّ وجلّ ... و لا يجوز أنْ يقال (الرحمان) إلاَّ لِلّه وإنما كان ذلك لأنَّ بناء فعلان من أبنية ما يبالغُ في وصفه ، ألا ترى أنَّكَ إذا قلْتَ :غضبان فمعناه الممتلئ غضبا ، فرحمان الذي وَسِعَتْ رحمَتُهُ كلَّ شيء فلا يجوزُ أنْ يُقالَ لغير الله رحمان))( ).
واقتفى الزمخشري أثر الزّجّاج واستند إلى رأيه المذكور آنفا في عدّ(الرحمان) وصفا مبالغا فيه ، فقال: ((وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم . وقال الزّجّاج في الغضبان : هو الممتلئ غضباً ))( ) .
يتضح مما سبق أن الزمخشري قد أعتدّ برأي الزّجّاج بعدّ (الرحمن) من أبنية ما يبالغ في وصفه الى حد الامتلاء وهو رأي لم يسبقه إليه أحدٌ – فصرّح بنسبته إليه . على أنَّ الامتلاء بالوصف في (فَعْلان) إلى الحد الأقصى ليس ثابتاً وإنما هو امتلاء طارئ سرعان ما يزول بزوال مسبباته . أما الرحمن وهو اسم من أسماء الله جلّ وعلا وصفة من صفاته فلا بد أن تكون رحمته مستمرة متجددة محيطة بالمخلوقات بأوسع الصفات . ولعل ما ذهب إليه الدكتور فاضل السامرائي في تفسير (الرحمن الرحيم) هو المذهب الخليق بالقبول إذ يقول : (( إن صيغة (فعلان) تفيد الحدوث والتجدد وصيغة (فعيل) تفيد الثبوت فجمع الله سبحانه لذاته الوصفين إذ لو اقتصر على (رحمن) لظنَّ ظانٌّ أنّ هذه صفة طارئةٌ قد تزول كعطشان وريَّان . ولو اقتصر على (رحيم) لظن أنّ هذه صفة ثابتة ولكن ليس معناها استمرار الرحمة وتجددها إذ قد تمرّ على الكريم أوقات لا يكرمُ فيها وقد تمرُّ على الرحيم أوقات كذلك. والله سبحانه متصف بأوصاف الكمال فجمع بينهما حتى يعلم العبد أن صفته الثابتة هي الرحمة وأن رحمته مستمرة متجددة لا تنقطع حتى لا يستبدّ به الوهم بأنّ رحمته تعرض ثم تنقطع أو قد يأتي وقت لا يرحم فيه-سبحانه-فجمع الله[عزّ وجلّ]كمال الاتصاف بالرحمة لنفسه))( ) .
2-المصدر السماعي (تبيان).
في قوله تعالى(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) (النحل:89)؛جّوز الزّجّاج في أول المصدر السماعي(تبيان) الكسر والفتح، غير أنّه أشار إلى عدم جواز القراءة بفتح (تَبيان)لأنه لم يقرأ به أحد من القرَّاء،فقال: ((تبيان اسمٌ في معنى البيان،ومثل الِتَّبْيان التَّلْقاء، ولو قُرِئت (تَبْيانا) على وزن تَفعال لكان وجهاً،لأنّ التَّبيان في معنى التبيين،ولا تجوز القراءة به لأنه لم يقرأ به أحدٌ من القراء))( ).
واقتفى الزمخشري أثر الزّجّاج في حمل المصدر السماعي (تبِيان) على النظير (تلِقاء) بكسر الحرف الأول فيهما وصرّح بتجويز الزّجّاج فتحه في غير القرآن،فقال: ((تبِياناً، بياناً بليغا ونظير (تبيان) (تلِقاء) في كسر أوله،وقد جوَّز الزّجّاج فتحه في غير القرآن))( ) .وبالموازنة بين النصين السابقين نجد أن الزمخشري قد اعتدّ برأي الزّجّاج جملة وتفصيلاً، على أن الزّجّاج _هو الآخر _قد اتكأ على سيبويه في تقرير شذوذ التبيان والتلقاء عن المصادر إذا بنيت للمبالغة بزيادة التاء بقوله: ((وأما التبَّيان فليس على شيء من الفعل لحقْته الزيادة،ولكنهُ هذا البناء فلــحقته الزيادة ...وليس من باب التَّقتال، ولو كان أصلها من ذلك فتحوا التاء، فإنما هي من تَبيَّنتُ، كالغارة من أغرت،والنبات من أنبت .ونظيرها التَّلقاء ، وإنما يريدون اللقيان))( ) .
3_(العرجون)مشتق من ( الانعراج).
في قوله تعالى(وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)(يـس:39)؛ ذهب الزّجّاج إلى أن المصدر هو أصل المشتقات وأن الفعل فرعٌ عليه، وهو بذلك يتابع البصريين في رأيهم مستدلا على ذلك بقوله الذي رواه عنه تلميذه الزجاجيّ: ((لو كان المصدر بعد الفعل ،وكان مأخوذاً من الفعل ، لوجبَ أنْ يكونَ لكل مصدر فعل قد أخذ منه،لامحيص عن ذلك ولا مهرب منه.فلما رأينا في كلام العرب مصادر كثيرة لا أفعال لها ألبتة مثل العبودية والرجولية، والبنوة والأمومة الأمُوَّة( ) وما أشبه ذلك مما يطول تعداده من المصادر التي لم تؤخذ من الأفعال ,ورأينا في كلامها أيضاً مصادر جارية على غير ألفاظ أفعالها، نحو الكرامة والعطاء وما أشبه ذلك، علمنا أنه ليست الأفعال أصولا للمصادر. إذ كانت المصادر توجد بغير أفعال، وعلمنا أنَّ المصادر هي الأصول فمنها ما أُخذ منه فعل ، ومنها ما لم يؤخذ منه فعل،وهذا بيَّنٌ واضحٌ)) ( ). وفي معاني القرآن وإعرابه غالباً ما نجد الزّجّاج يشتق من المصدر من نحو: (مثقال) مفعول من (الثقل)، ( )و (مستطر )مفعول من (السطر)( ) ،و(عُرْجُون)فُعْلون من الانعراج ؛قال الزّجّاج: ((العُرجُون عودُ العذقِ الذي يسمى الكباسة، وحقيقة العرجون أنه العود الذي عليه العذق.والعرجون عود العذق الذي تركبه الشماريخ من العذق،فإذا جفَّ وقَدُم دقَّ وصَغُر، فحينئذٍ يشبه الهلال في آخر الشهر ، وفي أول مطلعه ،وتقدير(عُرجُون) فعلون.من الانعراج))( ) .
واقتفى الزمخشري أثر الزّجّاج في جعل المصدر (الانعراج) أصلا للمشتق (عرجون) إذ شفع الانعراج بـ(الانعطاف) وصرّح بنسبة قول الزّجّاج إليه فقال: ((وعاد كالعرجون القديم وهو عـودُ العذق، ما بين شماريخه إلى منبته من النخلة. وقال الزّجّاج: هو (فُعْلُون) من الانعراج وهو الانعطاف )( ). وبالموازنة بين النصين السابقين نجد أنّ الزمخشري قد اتكأ على الزّجّاج في إيراد تفسير هذه الظاهرة الصرفية جملة وتفصيلاً.
4_تعدد باب الفعل(اعهد).
في قوله تعالى(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ )(يـس: من الآية60)؛ جوَّز الزّجّاج أن يكون الفعل (اعهِد) في قراءة مَنْ قرأ بالكسر( ) على ضربين، أولهما من الباب الثاني ((عهَد يَعْهِد)والآخر من الباب السادس (عهِدَ يعهِد)،فقال: (وتقرأ أعهِد بالكسر، والفتح أكثر، على قولك عهِدَ يعهَدُ، والكسر يجوز على ضربين،على عهَدَ يَعْهِد، وعلى عهِدَ يعهِد مثل حسِبَ يحسِبُ))( ) .
وارتضى الزمخشري رأي الزّجّاج في تجويز مجيء الفعل (أعهِد) في قراءة من قرأ بكسر الهاء على ضربين فقال : ((وقرئ : اعهد بكسر الهمزة .وباب (فعل) كله يجوز في حروف مضارعه الكسر،إلاّ في الياء ، وأعهِد بكسر الهاء ، وقد جوَّز الزّجّاج أن يكون من باب نعِم ينعِم وضرَب يضرِب))( ). يتضح مما تقدم أن الزمخشري قد اعتدَّ برأي الزّجّاج في هذه المسألة إذ وجدهُ جديراً بالقبول والذكر فصرّح به ونسبه إليه.

المبحث الثاني
الأثر الصرفي لمعاني القرآن وإعرابه للزّجّاج غير المصرّح به في الكشّاف للزمخشري
أعرض الزمخشري عن نسبة كثير من الآراء الصرفية التي انتفع بها إلى أصحابها.إذ اكتفى بإيراد النص المشتمل على التوجيه الصرفي ،بعد التصرّف به بالتقديم أو التأخير ، وبالتفصيل أو بالإجمال. وقد بلغ مجموع ما انتفع به الزمخشري من التوجيهات الصرفية بمعاني القرآن وإعرابه للزّجّاج من غير التصريح بنسبته إلى الزّجّاج (33) ثلاثة وثلاثين موضعاً.وتبيين هذا الأثر عبر المطالب الثلاثة الآتية:

المطلب الأول
الأثر والتأثر في الأسماء
1_المصادر
أ_ فِعالة:
في قوله تعالى(ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وَعلى أَبْصارهم غِشاوةٌ).(سورة البقرة/7)؛يرى الزّجّاج أنّ كلّ ما كان مشتملاً على الشيء أو مستولياً عليه في كلام العرب يجيء وزنه على (فِعالة)،فقال في توجيه دلالة المصدر(غشاوة): (( أما (غشاوة) فكلّ ما كان مشتملاً على الشيء فهو في كلام العرب مبنيّ على (فِعالة) نحو الغِشاوة،والِعمامة،والِقلادة،والِعصابة،وكذلك أسماء الصناعات لأنّ معنى الصناعة الاشتمال على كلّ ما فيها نحو الخِياطة والقِصارة،وكذلك على كل من استولى على شيء ما استولى عليه الفِعالة،نحو الحِلاقة والإِمارة))( ) .
واقتفى الزمخشري أثر الزّجّاج في توجيه دلالة المصدر(غِشاوة)،فقال: ((الغِشاوة: الغِطاء،فِعالة من غشاه إذا غطاه.وهذا البناء لما يشتمل على الشيء كالعصابة والعِمامة))( ) . وبالموازنة بين النّصين السابقين يتضح جليٌا تأثرّ الزمخشري بالزّجّاج في إيراد دلالة المصدر(غشاوة)،إذ نقل رأي الزّجّاج المذكور آنفاً جملة وتفصيلاً من غير الإشارة إليه من قريب ولا من بعيد.
ب_فَعُول.
في قوله تعالى: (ولايغرَّنكم بالله الغَرور)(فاطر/5).جوز الزّجّاج أن يكون (الغُرور)في قراءة من قرأ بضم الغين( ) مصدرَ غَررتُهُ غُروراً ،على الرغم من كونه متعدِّياً ،حَمَلَهُ على لزمتُه لزُوماً ونهكه المرض نُهوكاً،أو يكون(الغُرور) جمع غارٍّ،حَمَلَهُ على قاعد وقُعود،فقال: ((و(الغَرور) الشيطان،ويُقرأ(الغُرور) بضم الغين،وهي الأباطيل.ويجوز أن يكون(الغُرور)جمع غارّ وغُرور، مثل قاعد وقُعود، ويجوز أن يكون جمع غَرًّ مصدر غرَرْتهُ غرّاً.فأما أن يكون مصدر غَررتهُ غُروراً فبعيد لأنَّ المتعدية لا تكاد تقع مصادرها على (فُعول)، وقد جاء بعضها على(فُعول) نحو لزمتُه لزُوماً،ونهِكهُ المرضُ نُهُوكاً فيجوز غررتُهُ غُروراً على ذلك))( ). وانتفع الزمخشري برأي الزّجّاج المذكور آنفاً في توجيه(الغُرور)بضم الغين على أنّه مصْدرٌ للفعل غرّ،أو أنه جمع غارّ ومثَّل للتوجيهين بما مثّل لهما الزّجّاج قَبْلُ،فقال: ((والغَرور: الشيطان لأنّ ذلك ديدنه، وقرئ بالضم وهو مصدر غرّه كاللزُّوم والنُّهوك ، أو جمع غارّ كقاعد وقُعود)) ( ).
يرى الباحث أن قياس هذا المصدر (فُعُول)من الفعل الثلاثي اللازم(فَعَل)نحو: (نَزَل نُزُولا وقَعَد قُعُوداً)؛وما جاء من الأفعال المتعدية على وزنه كـ(غُرور ولزُوم ونُهوك) فمحكوم بالسماع.( ) والموازنة بين النصين السابقين تظهر متابعة الزمخشري للزّجّاج فيما ذهب إليه، إذ لم يكن له إلا التقليد والترديد،وهو أثرٌ قد تكرر في غير موضع من الكشاف.( )
ت_تعدد المصدر.
في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً)(الكهف: من الآية52)؛جوز الزّجّاج تعدد مصدر الفعل(وبق)،فقال: (( (الموبِق)المهِلك،يقال:وَبِقَ الرجُلُ يَوْبَقُ ،وَبَقاً.ويقال:يَيْبَقُ،وبائق.وفيه لغة أخرى: وَبَقَ يَبِقُ،وبُوقاً،وهو وابق،والأول وَبِقٌ))( ) . وارتضى الزمخشري رأي الزّجّاج في جواز تعدد مصدر الفعل (وبق)،فقال: ((الموبق:المهِلك،من وَبَقَ يَبِقُ،وبُوقاً،ووَبِق يَوْبَقُ،وَبَقاً،إذا هلك،وأوبقه غيره))( ).
وفي قوله تعالى(فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً)(طـه: من الآية77).جوّز الزّجّاج في مصدر الفعل(يبس) ثلاث لغات،فقال: ((من قال (يَبَساً) فإنه نعته بالمصدر،المعنى:طريقاً ذا يَبَس،يقال:يَبِسَ الشيءُ يَيْبَسُ ويَبْبِسُ يَبَساً ويُبْساً ويَبْساً،ثلاث لغات في المصدر))( ) .
وائتثره الزمخشري فقال في توجيه(اليبس): ((اليَبْس:مصدر وصف به،يقال:يبس يَبَساً ويُبْساً))( ) . وبالموازنة بين نصّي الزّجّاج ونصي الزمخشري يتضح تأثر الزمخشري بالزّجّاج فيما ذهب إليه بشكل جليًّ،إذ إن قياس المصدر المطِّرد من الفعل الثلاثي اللازم على(فَعِل)هو(فَعَلٌ)نحو:وَبِق وَبَقا ويبِسَ يَبَساً.وقياس المصدر المطرد من الفعل الثلاثي اللازم على (فَعَل)هو(فُعُول)إذا لم يكن لصوت أو غيره مما يشار إليه،نحو وبَقَ وُبُوقاً،وفيما سوى ذلك من مصادر(وبق)و(يبس) فهو مسموع( )، ويرجع سببه إلى اختلاف لغات العرب - وهو ما نصَّ عليه الزّجّاج آنفاً- فضلا عن اختلاف المعنى ،إذ قد يكون لأحد المصدرين معنىً يختصُّ به لا يستعملُ له المصدر الآخر أو يكثر استعماله فيه( ).
2_المشتقات:
أ‌- (فعيل بمعنى مفعول).
في قوله تعالى: (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ)(الحجر:34)؛قد يؤتى بفعيل بمعنى مفعول للدلالة على أنّ الوصف قد وقع على صاحبه بحيث أصبح صفة ملازمة له أو كالملازمة له ،قال الزّجّاج ((العربُ تُسمَّي الفاعلين والمفعولين بما يقع بهم ويوقعونه،فيقولون هذا مقتول وهذا ذبيح،أي وقع بهم ذلك)) ( ). ومن أمثلة هذا عنده: ((رجيم معناه مرجوم ملعون ))( ).
وائتثره الزمخشري فقال في توجيه(رجيم)صرفياً: ((رجيم شيطان من الذين يُرجَمون بالشُهُب،أو مطرود من رحمة الله،لأنّ مَنْ يُطرد يُرجم بالحجارةِ.ومعناه ملعون))( ) .وبالموازنة بين النصين السابقين يتضح تأثر الزمخشري بالزّجّاج في تفسير هذه الظاهرة الصرفية.على أن فعيلاً أبلغ من مفعول وأشدّ إذ إنها تفيد معنى الشدة والمبالغة في الوصف على وجه الثبوت أو قريب من الثبوت .قال ابن هشام في تفسير (فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ )(يونس: من الآية24)؛((وأقيم فعيل مقام مفعول لأنه أبلغ منه،ولهذا لا يقال لمن جرح في أنملته جريح ويقال له مجروح))( ). وعلى هذا فـ(الرجيم) هو الذي يستحق الرجم على وجه الثبوت لأنه مطرود من رحمة الله .
ب - (فُعالة) من غير المصادر بمعنى (مفعول):
في قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (المؤمنون:12) ؛أفاد الزّجّاج من قول سيبويه ((إن العرب يبنون الأشياء إذا تقاربت على بناء واحد... ومثل هذا ما يكون معناه نحو معنى الفُضالة، وذلك نحو القُُلامة، والقُوارة والقُراضة والنُّفاية، والحُسالة، والكُساحة، والجُرامة، وهو ما يصرم من النخل، والحُثالة فجاء هذا على بناء واحد لمّا تقاربت معانيه )) ( ).أفاد في توجيه ((سُلالة)) توجيهاً صرفيا إذ جعل كلّ بناءٍ على (فُعالة) من غير المصادر مقتصرًا على القليل المفصول من الشيء الكثير وهو ما عبّر عنه سيبويه بقوله (( ومثل هذا ما يكون معناه نحو معنى الفُضالة)) ، إذ الفضالة في اللغة تعني ما فَضَل من الشيء ( ) ، أي : بقي منه . قال الزّجّاج ((وسُلالة : القليلُ فيما يَنْسَلُّ. وكلّ مبنيً على فُعالة، يراد به القليل.فمن ذلك الفُضالة والنُّخالة والقُلامة.فعلى هذا قياسُه)) ( ).
واقتفى الزمخشري أثر الزّجّاج فيما أثبته في توجيه (سُلالة)فقال: (( السُلالةُ: الخلاصة،لأنها تسلّ من بين الكدر،و(فُعالة)بناء للقلّة كالقُلامة والقُمامة))( ) . يتضح مما تقدّم إفادة الزمخشري من توجيه الزّجّاج بجعل كل بِناء (فُعالة)يراد به القليل المتبقي من الشيء . وهذا البناء من الصيغ التي تدلّ على (مفعول)وقد صرّح به غير واحد من علماء العربية فهذا أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي (ت350هـ)يقول:((إنّ فُعالا يكون انحطم من الشيء وتكسر منه نحو حُطام ودُقاق....فإذا كان بالهاء فهو فُضالة الشيء وما تماتَّ منه وبقي بعد الفعل))( ) .أمّا أبو الحسين احمد بن فارس (ت395هـ)فعَدَّ أنّ(فُعالة): ((يأتي أكثره على ما يفضل من الشيء ويسقط منه نحو النُحاته))( ) .ويرى الرضي الاسترابادي في شرحه على الشافية أن (فُعالة )بضم الفاء ((تكون للقليل المفصول من الشيء الكثير كالقُلامة والنُّخالة))( ).
ت-(مفعال) من أبنية المبالغة .
في قوله تعالى(وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً) (الأنعام:6)؛ صرّح الزّجّاج بأن (مفعال) من أسماء المبالغة ، جاء ذلك عند تبيينه الدلالة اللغوية لقوله تعالى ((مدرارا))، فقال : (( أي ذات غيث كثير ، ومفعال من أسماء المبالغة ، يقال ديمة مِدْرارا ، إذا كان مطرها غزيراً دائماً ، وهذا كقولهم امرأة مذكار ، إذا كانت كثيرة الولادة للذكور ، وكذا مئناث في الإناث)) ( ) .
وأفاد الزمخشري من تفسير الزّجّاج لمعنى (مدراراً)ولاسيما قوله((إذا كان مطرها غزيراً دائما))فصاغ اسما للمبالغة من لفظة (غزير)للدلالة على الدوام والاستكثار فقال: ((المدرار:المغزار))( ) .فأوجز وأوفى. على أن ابن قتيبة قد سبق الزّجّاج إلى تبيين دلالة (مفعال)بقوله: ((يكون لمن دام منه الشيء أو جرى على عادةٍ فيه.تقول مِضْحاك ومِهْذار ومِطْلاق إذا كان مُديماً للضحك والهذر والطلاق))( ) .تبعه في ذلك الفارابي والثعالبي( ).
ث_اسم المكان: (مفعِل).
في قوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً )(الحج: من الآية34).وجَّه الزّجّاج قراءة من قرأ(منسِكاً)بكسر السين على أنّه اسم مكان يراد به موضع النحر،وعدّ القراءة بفتح السين على أنه مصدر بمعنى النُسُك،فقال: ((وتقرأ ((منسِكاً))( ) ،والمنسك في هذا الموضع يدل على معنى النحر...مَنْ قال(منسِك) فمعناه مكانُ نُسُكِ مثل مجلِس مكان جلوس.ومَنْ قال(منسَك)فهو بمعنى المصدر نحو النُّسُك والنُّسُوك))( ).
واقتفى الزمخشري أثر الزّجّاج في توجيه(منسكا) صرفيا،فقال: ((وقرئ (منسكا)بفتح السين وكسرها،وهو مصدر بمعنى النُّسُك،والمكسور يكون بمعنى الموضع))( ).يتبين من النصين السابقين أن الزّجّاج والزمخشري ذهبا إلى أنّ (منسَكا) بفتح السين هو مصدر بمعنى النُّسُك ، والقياس يقتضي أن يكون ((منسَكاً) اسم مكان أيضاً يراد به مكان النُّسُك عموماً. غيرَ أنَّ (منسِكا) بكسر السين يراد به مكان نُسُكٍ مخصوص تنحر فيه الذبائح ولو أريد به مطلق أماكن النسك لقيل (منسَكا) على القياس ، إذ ذكر سيبويه أن العرب قد كسروا الأماكن فيما كان يفعُل منه مضموما نحو (يسجُدُ و ينسُك ويسقُط) .فقالوا : البصرةُ مسقِطُ رأسي ، للموضع . والسقوطُ المسقَطُ . والمسجِدُ اسم للبيت لا يراد به موضع السجود وموضع الجبهة ، ولو أريد به ذلك لقيل : مسجَد بفتح الجيم على القياس ( ).
3- الجموع :
1- جمع التكسير : أ- جمع القلة (أفعِلة):
في قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ )(آل عمران: من الآية123)؛ عدّ الزّجّاج (أذلة) جمع قلة لـ(ذليل)على غير قياس ، اذ هو معدول عن (فُعَلاء) لتجنب التضعيف في اللام . فقال : (أذلّة) : عددكم قليل ... وأذلة جمع ذليل ، والأصل في (فعيل) إذا كان صفة أن يجمع على (فُعلاء) نحو : ظَرِيف وظُرَفاء وشريك وشُرَكاء ولكن (فُعَلاء) اُجتُنِبَ في التضعيف . لو قيل : جُلَلاء وقُلَلاَء في جليل وقليل، لاجتمع حرفان من جنسٍ واحد ، فعدل به إلى أفعِلة من جمع الأسماء في (فعيل) ، نحو جَريب وأجرِبة وقَفيز وأقفِزة )) ( ).
وانتفع الزمخشريّ بتوجيه الزّجّاج المذكور آنفا فقال في توجيه (أذلة) توجيها صرفيَّا : ((والاذلّة : جمع قلّة ، والذّلان جمع الكثرة ، وجاء بجمع القلّة ليدل على أنَّهم على ذلَّتهم كانوا قليلاً )) ( ) .
ب- جمع القلة (أفعال).
في قوله تعالى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)(النساء: من الآية145)؛ اختار الزّجّاج القراءة بفتح الراء من (الدَّرْك) لأن (فَعَلاً) يطِّرد جمعها جمع تكسير على ( أفعال)، فقال : ((جهنّم أدراكِ، أي منازل ، فكل منزلة منها دَرَك ... وحكى أهل اللغة (الدَّرْك) ( ) بالتحريك والسكون جميعاً .إلاَّ أنّ اختيار فتح الراء لاجتماع المدنيين والبصريين عليها . وأن أحداً من المحدِّثين ما رواها إلا الدَّرَك بفتح الراء ، فلذلك اخترنا الدَّرَك))( ) .
واقتفى الزمخشري أثر الزّجّاج في اختياره قراءة (الدَّرَك) بالتحريك لأنّها الوجه ، فقال : (( الدَّرَك الأسفل ) وقرئ بسكون الراء ، والوجه التحريك ، لقولهم : أدراك جهنم)) .وبالموازنة بين النصين السابقين نجد أن الأثر واضح في متابعة الزمخشري رأي الزّجّاج بجعل (الدَّرَك) واحد (الإدراك) لأن (فَعَلاً) يطرد جمعه جمع قلة على (أفعال) ، وهو أثر تكررت نظائره غير موضع من الكشّاف ( ) .
ت- الجمع على وزن المصدر :
أ-(فِعال) جمع (فُعَلاء).
في قوله تعالى :(وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) (التكوير:4) ذهب الزّجّاج الى أنّ (العِشار) جمعٌ للنوق الحوامل التي في بطونها أولادها ، واحدهُ (عُشَراء) على (فُعَلاء)،فقال : ((العِشار : النوقُ الحوامل التي في بطونها أولادها ، والواحدة عُشَراءُ))( ).
وائتثره( ) الزمخشريُّ فعدَّ (العشار) جمع تكسير لـ(عُشراء) ومثَّل له بالنفاس في جمع (النُفَساء)؛فقال:((والعِشارُ في جمع عُشَراء، كالنِّفاس في جمع نُفَساء)) ( ) .يتضح مما تقدم أنّ (العِشار) جمع جاء على صيغة المصدر ليدل على المعنى الحقيقي للفعل ؛ إذ الفعل منه عشرت الناقة عِشاراً.
ب-(فَعَل) جمع (فاعل) .
في قوله تعالى : ( إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً)(إبراهيم: من الآية21).جوّز الزّجّاج ان يكون (تبعَا) جمع تابع أو أن يكون مصدراً سمِّي به ، فقال : (( و (تبعاً) جمع تابع ، يقال : تابع وتَبَع، مثل غائب وغَيَبٌ ، وجائز أن يكون (تبع) مصدراً سُمِّي به ، أي : كنّا ذوي تبع)) ( ).
واقتفى الزمخشري أثر الزّجّاج في توجيه (تبعا) على أنه جمع تابع أو مصدر سمي به ، فقال : (((تبعاً) جمع تابع على تَبَع ، كقولهم خادم وخَدَم وغائب وغَيَب أو ذوي تَبعَ . والتبع الأتباع)) ( ) .يتضح مما تقدم أنَّ الزمخشري قد تابع الزّجّاج فيما ذهب إليه جملة وتفصيلاً من غير الإشارة إليه من قريب و لا من بعيد ؛ على أنَّ مجيء الجمع على زنة مصدر فعله مرتبط بالدلالة على المعنى الحقيقيّ للفعل .
ت-(فُعُول) جمع (فاعل):
في قوله تعالى (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً)(مريم: من الآية58).ذهب الزّجّاج إلى أنَّ (بُكيّا) جمعُ (باكٍ) ، فجاء الجمع على وزن مصدر فعله كالشهود في جمع شاهد من الفعل شهد ، والقعود في جمع قاعد من الفعل قعد، فقال : (( و(بُكيًّا)( ) جمع باكٍ ، مثل شاهد وشهود ، وقاعد وقعود)) ( ).
ووجد الزمخشري أنَّ رأي الزّجّاج خليق بالرضا والقبول فأقره ، وقال : (( (البُكيّ) جمع باكٍ ، كالسجود والقعود في جمع ساجد وقاعد )) ( ) .يتضح مما تقدم أنَّ هذا الجمع خارج عن القياس إذ إن جمع (باكٍ) هو بُكاة على فُعَلَة كرامٍ ورُماة وقاضٍ وقُضاة ، إلا أنَّه جاء على زنة مصدر فعله لمناسبة الجمع قبله اعني: (سُجَّدًا) في الدلالة على المعنى الحقيقي للفعل .
2- جموع أخرى
أ- اسم الجمع :
في قوله تعالى (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ)(الإسراء: من الآية64) عدّ الزّجّاج قوله تعالى (ورَجِلِك) اسمَ جمعٍ لراجل أو رجال حمله على صَحْب جمع صاحب وصحاب ، وجوّز أن يكون لإبليس خيل ورجال ، فقال : (( و(رَجْل) ( ) جمع راجل ، ويجوز : ورجالك فيكون فيكون جمع راجل ورجال مثل صاحب وصحِاب .وجائز أن يكون لإبليس خيل ورجال )) ( ) .
وانتفع الزمخشري بتوجيه الزّجّاج المذكور آنفاً ، فقال في توجيه (رَجْلِك) صرفيًّا :((والرَجْل اسم جمع للراجل ونظيره : الركب والصحب ... وقيل يجوز أنْ يكون لإبليس خيلٌ ورجال))( ).يتضح مما تقدم أنّ ((الرَجْلَ)) اسمٌ مفرد موضوع لمعنى الجمع فقط كالصحْب والركْب والتجْر ، لا فرق بينه وبين الجمع إلا من حيث اللفظ ، فلفظ (رَجْل) مفردُ بخِلاف لفظ الجمع ، والدليل على إفراده جواز تذكير ضميره ( ) .
ب‌- جمع الجمع :
في قوله تعالى(كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ) (المرسلات:33) ؛ذهب الزّجّاج إلى أنقوله تعالى (جِمالات) بكسر الجيم هو جمع (جمال) وبهذا فهو جمع الجمع حمله على بُيُوت وبُيُوتات ، فقال : (( يقال للإبل التي هي سود تضرب الى الصفرة : ابل صُفْر، فمن قرأ (جِمالات)( ) بالكسر فهو جمع جِمال ، كما تقول : بُيُوت وبُيُوتات، وهو جمع الجمع . ومَنْ قرأ (جُمالات) بالضم فهو جمع جُمالة وهي القلس))( ).
واقتفى الزمخشري أثر الزّجّاج فعدّ (جمالات) جمع جمال أو جمالة ، فقال : ((جمالات جمع جمال ، أو جِمَالَةٌ جمع جمل ، شبهت بالقصور ، ثم بالجمال لبيان التشبيه ... وقرئ جُمالات بالضم وهي قلوس الجسر))( ).
ت‌- اسم الجنس الجمعي :
في قوله تعالى ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)(النحل: من الآية16)؛ذهب الزّجّاج إلى أنّ (النجم)( ) يراد به جنس النجوم ، فقال :(( النجم والنجوم في معنى واحد ، كما تقول : كثر الدرهم في أيدي الناس وكثرت الدراهم ))( ). وفي سورة النجم /1 قال :((جاء في التفسير أن النجم الثريا ، وكذلك يسميها العرب ... وقال بعض أهل اللغة النجم بمعنى النجوم وأنشدوا ( ) :
فظلّت تعُدُّ النَّجْمَ في مستحيرةٍ سريعٌ بأيدي الآكلينَ جمودُها ))( ).
واقتفى الزمخشري أثر الزّجّاج في توجيه (النجم) على انه اسم جنس جمعي يراد به النجوم ، فقال : ((المراد بالنجم : الجنس ، كقولك : كثر الدرهم في أيدي الناس ... وقرأ الحسن : وبالنُّجُم، بضمتين ، وبضمة وسكون ، وهو جمع نَجْم ، كرَهْن ورُهُن ، والسكون تخفيف . وقيل : حذف الواو من النجوم تخفيفاً))( ). وفي سورة النجم /1 قال : النجم الثُريَّا ، وهو اسم غالب لها ... أو جنس النجوم ، قال :
فباتت تعدُّ النَّجْمَ في مستحيرةٍ
يريد النجوم ))( ).يتضح مما تقدَّم أن الزمخشري سائر في ركاب أبي إسحاق الزّجّاج في التوجيه وأدلة الاحتجاج وليس له إلا التقليد والترديد ؛ على أنَّ هذا النوع من الجمع يدلُّ على معنى المثنى والمفرد فضلا عن دلالته على الجمع ويميز عن واحدهِ بالتاء في الواحد غالبا فيقال نجمة ( ).
ث‌- اسم الجنس الإفرادي :
في قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) (الملك:30)؛عدّ الزّجّاج قوله تعالى (غوْرا)مصدراً يوصف به الاسم . وهو ما يصدق على القليل والكثير ، فقال : ((أي:غائِراً ، وهو مصدر يوصف به الاسم ، فتقول : ماءٌ غورٌ ، وماءان غوْرٌ ، ومياهٌ غورٌ كما تقول : هذا عَدْلٌ وهذان عدْلٌ وهؤلاءِ عدْلٌ ))( ). وكان الزّجّاج قد عَدَّ (غوْراً) من قوله تعالى (أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً )(الكهف: من الآية41)مصدراً مثل عَدْل ورِضًا( ).
وانتفع الزمخشري بتوجيه الزّجّاج في الآيتين كلتيهما فقال : (( (غوْراً) غائِراً ذاهبا في الأرض ... وهو وصف بالمصدر كعدْلٍ ورضاً))( ).يتضح مما تقدم أنّ الزمخشري قد صاغ عبارته من توجيه الزّجّاج للآيتين معاً إذ وجد أن رأي الزّجّاج جدير بالقبول والذكر .

المطلب الثاني
الأثر والتأثر في الأفعال
أ‌- معاني صيغ الزيادة : (أفعل) بمعنى الدخول في الوقت .
في قوله تعالى (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) (الشعراء:60)؛عَدَّ الزّجّاج قوله تعالى (مشرقين) مأخوذاً من الفعل الثلاثي المزيد بالهمزة (أشرق) التي تفيد معنى الدخول في الوقت ، فقال : (( أي في وقت شروق الشمس ، يقال : أشْرَقْْنا أي : دخلنا في وقت طلوع الشمس ، ويقال : شرقت الشمسُ إذا طلعت ، وأشرقت إذا أضاءت وصفت ، وأشرقْنا نحن دخلنا في الشروق ))( ).
وائتثره الزمخشريُّ في توجيه (مشرقين) صرفيًّا ، فقال : (( (مشرِقين) داخلين في وقت الشروق ، من شرقت الشمس شروقا إذا طلعت))( ). يتضح مما تقدّم إفادة الزمخشري من توجيه الزّجّاج المذكور آنفا في إفادة الهمزة معنى الدخول في الوقت وهو أثر تكرر في غير موضع من الكشاف ( ).
ب‌- تفعَّل بمعنى استفعل :
في قوله تعالى (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ)(السجدة: من الآية11)؛ذهب الزّجّاج الى أن (توفّى) بمعنى (استوفى) فقال : (( من توفية العدد ، تأويله أنّه يقبض أرواحكم أجمعين فلا ينقص واحد منكم ، كما تقول : قد استوفيت من فلان وتوفَّيْتُ من فلان مالي عنده ،فتأويله:أنه لم يبق لي عليه شيءٌ))( ).
وانتفع الزمخشري بتوجيه الزّجّاج المذكور آنفا فقال في توجيه (يتوفاكم): (( والتوَفَّي استيفاء النفس وهي الروح ... وهو أن يقبض {الأنفس}( ) كلها لا يترك منها شيءٌ ، من قولك توفَّيْتُ حقّي من فلان ، واستوفيته إذا أخذته وافيا كاملا من غير نقصان . والتفعّل والاستفعال يلتقيان في مواضع منهال : تقصَّيْته واستقصيته ، وتعجَّلْتَه واستعجلته))( ).
يتضح ممّا تقدم سيرُ الزمخشري في ركاب الزّجّاج بجعل الاستيفاء معنىً من معاني الفعل (يتوفّى) المزيد بالتاء والتضعيف ، وهو ما يدل على مجيء (تفعَّل) بمعنى (استفعَل)
ت: (استحوذ) فعل مبني على (استفعل) في أصل الوضع.
في قوله تعالى (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ )(المجادلة: من الآية19) .ذهب الزّجّاج إلى أنَّ معنى استحوذ في اللغة هو استولى ، وهو من الأفعال المزيدة بالهمزة والسين والتاء في أصل الوضع ، فقال : (( معنى استحوذ في اللغة : استولى، يقال : حذت الإبل وحُزتها إذا استوليت عليها وجمعتها ، وهذا مما خرج على أصله ...لأنّه لم يُقل على حاذ ، لإنه إنَّما بُني على (استفعل) في أول وهلةٍ كما بني افتقر على (افتعل) وهو من الفقر ، ولم يُقل منه : فَقُر و لا استعمل بغير زيادة ، ولم يقل : حاذ عليهم الشيطان . ولو جاء استحاذَ كان صواباً ، ولكن استحوذ هاهنا أجود ؛ لأن الفعل في ذا المعنى لم يستعمل إلا بزيادة))( ).
وتابع الزمخشري أبا إسحاق الزّجّاج في عدِّ (استحوذ) مما جاء على الأصل على وفق هذا البناء ، فقال:(( (استحوذ عليهم) استولى عليهم ، من حاذ الحمار العانة إذا جمعها وساقها غالبا لها . ومنه : كان أحوذيا نسيج وحده ، وهو أحد ما جاء على الأصل ، نحو :استصوب واستنوقَ))( ). وبالموازنة بين النصين السابقين يتضح أن العالمين قد استندا في تقرير مجيء (استحوذ)في أصْل الوضع مزيداً بالهمزة والسين والتاء – إلى السماع.

المطلب الثالث
الأثر والتأثر في الاشتقاق
الاشتقاق : هو نزع لفظ من آخر بشرط مناسبتهما معنى وتركيباً ، ومغايرتهما في الصيغة ( ).وعبّر الزّجّاج عن الاشتقاق بقوله :(( وكلام العرب اذا اتفق لفظه فأكثره مشتقٌ بعضه من بعض ، وأخذ بعضه برقاب بعض ))( ). ومن أمثلة ما تأثر الزمخشريّ به من هذا الباب بالزّجّاج :
أ‌- المصدر هو الأصل في الاشتقاق :
في قوله تعالى (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (آية البسملة)؛ ذهب الزّجّاج إلى أن اشتقاق كلمة (اسم) هو من السمو بمعنى الرفعة ، والأصل فيه (سَمَوٌ)بالواو ،وغلَّط من ذهب إلى اشتقاقه من (وَسَمْتُ) ،فقال:((ومعنى قولنا اسم :أنّه مشتق من السمو ، والسمو الرفعة ،والأصل فيه سَمَوٌ-بالواو-على وزن جَمَل ، وجمعه أسماء ،مثل قِنو وأقْناءٍ وحَنْو وأحناءٍ. وإنما جُعِلَ الاسمُ تنويها باسم الله على المعنى ، لأنَّ المعنى الاسم . ومَنْ قال : إنَّ اسماً مأخوذ من (وَسَمْتُ) فهو غلطٌ، لأنَّا لا نعرف شيئاً دخلته ألف الوصل وحذفت فاؤه ، أعني فاء الفعل ، نحو قولك (عِدَةٌ) و (زِنَةٌ) ، وأصله (وَعْدة) و (وَزْنة) . فلو كان (اسم) وَسْمَة لكان تصغيره إذا حذفت من ألف الوصل (وُسَيْم)، كما أن تصغير عِدَة وصِلَة: وُعَيْدَة و وُصَيْلَة،! و لا يقدر أحد أنْ يرى ألِفَ الوَصْل فيما حذفت فاؤه من الأسماء ... وما قلناه في اشتقاق (اسم) قول لا نعلم أحداً فسَّرَهُ قَبْلنا))( ). وارتضى الزمخشري توجيه الزّجّاج المذكور آنفا في اشتقاق (الاسم) من السمو فأثبته في الكشّاف من غير الإشارة إلى الزّجّاج من قريب و لا من بعيد ، فقال : ((وهو من الأسماء المحذوفة الأعجاز كـ(يَدْ) و(دَمْ)وأصله (سمو) بدليل تصريفه كأسماء وسمي وسمَّيت، واشتقاقه من السمو لأن التسمية تنويه بالمسمى وإشادة بذكره))( ).
يتضح مما تقدم سير الزمخشري في ركاب الزّجّاج وتأثره به في عدّ المصدر هو الأصل فيما يشتق- وهو مذهب البصريين -، وهو أثر قد تكررت نظائره في غير موضع ( ).

ب‌- الفعل هو الأصل في الاشتقاق.
في قوله تعالى (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) (الإسراء:90)؛عدّ الزّجّاج اشتقاق (الينبوع) من نَبعَ الشيء، وهو في ذلك يتابع الكوفيين ويخرج على تزمّت البصريين في الاشتقاق إذ ذهبوا الى أنَّ المصدر أصلٌ والفعل مشتقٌ منه وفرعٌ عليه ( ).فقال :(( والينبوع تقديره تقدير يفعول، من نَبَعَ الشيء))( ).
وائتثره الزمخشري في مخالفة البصريين ومتابعة الكوفيين بجعل الفعل أصلاً يُشتقُ منه ، فقال:(((ينبوعا) عين غزيرة من شأنها أن تنبع بالماء لا تقطع : (يفعول) من نَبعَ الماءُ، كيعبوب من عَبَّ الماءُ)) ( ). يتضح ممّا تقدَّم مجاراة الزمخشري أبا إسحاق الزّجّاج في الأخذ برأي الكوفيين بجعل الفعل أصلاً يُشتقُ منه ، وهو أثر تكررت نظائره في غير موضع ( ).

الخاتمة
وبعد هذه الرحلة العلمية الماتعة في رحاب علم الزّجّاج والزمخشري ، لا بُدَّ من عرض جملة من الاستنتاجات والفوائد التي خرج بها البحث ، وكما يأتي :-
1. أثبت البحث بشكل لا لبس فيه تأثر الزمخشري بالزّجّاج وتعقّب أثره فيما ذهب إليه من آراء . وقد صرّح الزمخشري بذلك الأثر في أربعة مواضع فقط . في حين أغفل ذكر الزّجّاج في ثلاثة وثلاثين موضعاً ، في بعضها أشار الزّجّاج إلى عدم سبقه إلى ذلك التوجيه والتفسير مِنْ أحَد فالقول قوله والرأي رأيه .
2. تباين أسلوب نقل الزمخشري عن معاني القرآن وإعرابه للزّجّاج بين نقلٍ مصرّح به وغير مصرح ، ونقل بالنصّ أو بالمعنى ، ودلّ ذلك بوضوح على امتلاك الزمخشري نسخة من معاني القرآن وإعرابه للزّجّاج كان قد افترشها عند تأليف كتابه (الكشاف) .
3. يدعم البحث ما ذهب إليه غير واحد من الباحثين من أنّ الزمخشريّ قد أفرغ في الكشاف علمَ عددٍ من العلماء يقف الزّجّاج في مقدمتهم ، إذ لم يكن له في الكثير من الآراء إلا التقليد والترديد ، على أنّ ذلك لا يقدح في منزلته العلمية ومقدرته اللغوية في إكساب الألفاظ والعبارات حلَّةً بإعادة صياغتها بأسلوب بليغ ورصين ، فضلا عن بثه بعض الآراء من اجتهاده هنا وهناك .
4. أظهر البحث اهتمام الزّجّاج بالقراءات القرآنية وتوجيهها صرفيًّا ، فضلا عن ذكر القاعدة الصرفية التي تنتظم الصيغة الغامضة ، وكيفية بنائها ، وأصل اشتقاقها ، والاحتجاج لها بالفصيح المأثور من كلام العرب شعره ونثره ، وكان ذلك محط اهتمام الزمخشري إذ أفاد منه كثيراً في التفسير والتوجيه والاستدلال .
5. أظهر البحث عدم تعصّب الزّجّاج و لا الزمخشري لمدرسة معينة إذ كانت آراؤهما تحاكي الواقع اللغوي وتمزج بين المدرستين البصرية والكوفية .

هوامش البحث

تحميل الملف المرفق Download Attached File

تحميل الملف من سيرفر شبكة جامعة بابل (Paper Link on Network Server) repository publications

البحث في الموقع

Authors, Titles, Abstracts

Full Text




خيارات العرض والخدمات


وصلات مرتبطة بهذا البحث