معلومات البحث الكاملة في مستودع بيانات الجامعة

عنوان البحث(Papers / Research Title)


العمل المعجمي العربي تأصيل وتجديد


الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)

 
سعدون احمد علي الرباكي

Citation Information


سعدون,احمد,علي,الرباكي ,العمل المعجمي العربي تأصيل وتجديد , Time 07/10/2017 17:43:45 : كلية التربية للعلوم الانسانية

وصف الابستركت (Abstract)


مرَّ العمل المعجمي العربي بمراحل عدة منذ نشأته وحتى عصرنا الراهن

الوصف الكامل (Full Abstract)

المعجم العربي تأصيل وتجديد

أعتقد أن الحاجة قائمة لبناء معجم عربي معاصر، يأخذ من القديم والحديث في مختلف العلوم والفنون والآداب يكون دقيقًا في منهجه، وافيًا في شرحه، ميسرًا في استعماله، مواكبًا لمتطلبات العصر، على أن تبقى المعجمات القديمة مرجعًا للنصوص غير المتداولة على الألسن، أو غير المشهورة.
وقد اقتضت خطة البحث أن استعرض بإيجاز وافٍ جهود اللغويين العرب في بناء المعجمات العربية حتى عصرنا الحاضر، ومن ثم أبيِّن رؤيتي في بناء المعجم المعاصر.
تمهيد : المعجمات العربية نشأتها ومناهجها
المعجم : لغة واصطلاحًا :
المعجم لغة : ذكر الخليل بن احمد الفراهيدي (ت 175هـ) – صاحب أول معجم عربي – في مادة (ع.ج.م) : ((العجم : ضد العرب، ورجل أعجمي، ليس بعربي، وقوم عجم وعرب، والأعجم : الذي لا يفصح. وامرأة عجماء : بينة العجمة... والمعجم : حروف الهجاء المقطعة لأنها أعجمية، وتعجيم الكتاب : تنقيطه كي يستبين عجمته ويصح)) ( ).
وقال ابن جني (ت 392هـ) : (( اعلم أن (ع.ج.م) إنما وقعت في كلام العرب للإبهام والإخفاء، وضد البيان والإفصاح. ومن ذلك قولهم : رجل أعجم، وامرأة عجماء : إذا كانا لا يفصحان ولا يبينان كلامهما)) ( ). وأوضح أن همزة (أفعلت) قد تأتي للسلب والنفي فضلاً عن مجيئها في غالب أمرها للإثبات والإيجاب، فقولنا : أعجمت الكتاب، بمعنى : أوضحته وبينته، أي أزلت عنه استعجامه ، فقال : ((قولهم : أعجمت وزنه أفعلت، وأفعلت هذه وان كانت في غالب أمرها إنما تأتي للإثبات والإيجاب، نحو : أكرمت زيداً،أي : أوجبت له الكرامة، وأحسنت إليه، اثبت الإحسان إليه، وكذلك أعطيته وأدنيته وأسعدته وأنقذته، فقد أوجبت جميع هذه الأشياء له، فقد تأتي أفعلت أيضاً يراد بها السلب والنفي، وذلك نحو : أشكيت زيداً : إذا زلت له عما يشكوه)) ( ).
المعجم اصطلاحًا :
يطلق مصطلح (المعجم) على الكتاب المرجعي الذي يتناول بترتيب معين كلمات اللغة فيعرض أصولها واشتقاقاتها ويثبت طريقة نطقها واستعمالاتها ودلالاتها ومرادفاتها وتاريخها أو بعضاً من هذه المعلومات ( ).
على أننا لا نملك تاريخاً محدداً لاستعمال العرب مصطلح (المعجم) بالمعنى المذكور آنفاً ( )، غير أن الذي شاع بين الباحثين أن آثار علماء الحديث في القرن الثالث الهجري تشير الى استعمالهم هذا المصطلح، إذ صنفوا كتبهم على وفق الترتيب الهجائي ( )، فقد استعمل البخاري (ت 256هـ) مصطلح (حروف المعجم) في كتابيه : (التاريخ الكبير) و (الصحاح). واستعمل لفظة (المعجم) بمعناه الاصطلاحي أبو يعلى احمد بن علي التميمي الموصلي (ت 307هـ) إذ سمى كتابه (معجم الصحابة)، ثم ردفه أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي (315هـ) فسمى كتابيه اللذين ألفهما في أسماء الصحابة (المعجم الكبير) و (المعجم الصغير) وشاعت هذه التسمية في القرن الرابع الهجري، إذ ألف أبو بكر محمد بن الحسن النقاش الموصلي (ت 351هـ) (المعجم الكبير والأوسط والأصغر) في أسماء القراء وقراءاتهم. وألّف أبو الحسين عبد الباقي بن قانع البغدادي (351هـ) (معجم الشيوخ)، وألّف أبو بكر الاسماعيلي (ت 351هـ) (المعجم في الأسامي)، وألّف المحدِّث أبو القاسم سليمان بن احمد اللخمي الطبراني (ت 360هـ) (المعجم الكبير) و (المعجم الصغير) في الحديث النبوي الشريف. ومما ألّف ابن التستري (361هـ) كتاب (المقصور والممدود على حروف المعجم). وألّف المحدِّث ابن جُميع الغساني (402هـ) (المعجم) في تراجم شيوخه الذين أجازوه أو اخذ عنهم. ومما ألّف الحافظ أبو طاهر السلفي (576هـ) (معجم شيوخ بغداد).
ومن ثم شاعت هذه التسمية (المعجم) لتشمل كل كتاب رُتِّب نظامه على نسق الحروف الهجائية، فظهرت مؤلفات كثيرة منها : معجم الشعراء للمرزباني (ت384هـ) ومعجم الأدباء ومعجم البلدان .... الخ.
وفي بداية القرن التاسع الهجري أطلق مجد الدين محمد بن يعقوب البكري والفيروز اباذي (ت 817هـ) مسمَّى على مؤلفه الذي ضم مفردات اللغة مقرونة بشرحها وطريقة نطقها واشتقاقاتها مرتبة على نظام الباب والفصل هو (القاموس المحيط) يريد به : البحر الشامل الواسع، تواصلاً مع من سبقه من اللغويين الى إطلاق اسم البحر أو صفة من صفاته على مؤلفاتهم المعجمية كـ (المحيط في اللغة) للصاحب بن عباد (ت 385هـ)، والمحكم والمحيط الأعظم لابن سيدة الاندلسي (ت 458هـ)، ومجمع البحرين للصغاني (ت 650هـ). ويبدو لي أن الفيروزاباذي نظر في اصل هذه الكلمة العربية (ق م س) فوجدها تدل على " قعر البحر أو وسطه ومعظمه " ( ) ، فأراد أن يكون كتابه شاملاً محيطاً بألفاظ العربية كالبحر الواسع الشامل، فالعلاقة بين المعجم والقاموس هي علاقة مجازية مؤداها الشمول والإحاطة. وقد أسهم احمد فارس الشدياق (ت 1887م) في شيوع كلمة (قاموس) بمعناها المولَّد، أي بمعنى : (معجم) عندما وضع كتابه (الجاسوس على القاموس)، ثم اشتهر لفظ (القاموس) في العصر الحديث حتى صار يطلق على أي معجم في أي لغة كان، وصار لفظ (قاموس) محل خلاف بين علماء العربية المحدثين فمن مهاجم له ومن مدافع عنه حتى حسم مجمع اللغة العربية في القاهرة هذا الخلاف بإقراره ( ).
المبحث الأول : المعجمات اللغوية أنواعها وأطوارها ومناهجها
أولاً : المعجمات اللغوية نوعان ( ) :
1- معجمات الألفاظ :

وتعالج اللفظة من حيث ضبطها وبيان أصولها وتصاريفها ومعانيها، وجميع ما يتصل بها، وتتخذ لها منهجا خاصا في ترتيب الألفاظ مبنيًّا على حروف الهجاء، ومنها : (العين) للخليل (ت175ه) ، و (الجيم) لأبي عمرو الشيباني (ت213ه) و(الصحاح) للجوهري (ت 393هـ)، و (أساس البلاغة) للزمخشري (ت 538هـ) ، ولسان العرب لابن منظور(ت711ه) ، و (القاموس المحيط ) للفيروز أبادي (ت817ه) ، و(تاج العروس) للزَّبيدي (ت 1205ه) ، ومعجمات مجمع اللغة المصري ( الكبير والوسيط والوجيز ) ... .

2 – معجمات المعاني :

وتعالج الألفاظ المتصلة بموضوع واحد أو التي تدور حول معنى واحد في حيز واحد كمراتب الحب والهوى ، أو أسماء الخيل ، أو مراحل خلق الانسان ، أو الأشياء التي تختلف أسماؤها وأوصافها باختلاف أحوالها... ومنها كتاب ( الغريب المصنّف) لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت224ه) ، وكتاب ( الألفاظ) لابن الأعرابي (231ه) ، وكتاب ( الألفاظ ) لابن السكيت(ت244ه) ، وكتاب(المعاني الكبير) لابن قتيبة (276هـ) ، وكتاب (متخير الألفاظ) لابن فارس (ت395ه) ، وفقه اللغة للثعالبي (ت 429هـ) والمخصص لابن سيده (ت 458هـ) الذي يعد من أوعب معجمات المعاني وأجمعها إذ وقع في سبعة عشر سفرًا مرتبا ترتيبا منهجيا على أساس الموضوعات .

ثانياً : أطوار العمل اللغوي المعجمي عند العرب :

مرَّ العمل اللغوي المعجمي عند العرب بثلاثة أطوار رئيسة ( ) :

1 – الطور الأول : جمع ألفاظ اللغة العربية وتدوينها بغير نظام معين، وقد جرى هذا الجمع بفضل نشاط الرواة والعلماء منذ أواخر القرن الهجري الأول وخلال القرن الهجري الثاني، إذ كان السماع من الأعراب الفصحاء بالاتصال المباشر بهم في البادية أو حين قدومهم الى الأمصار من المصادر الأساسية التي اعتمد عليها الرواة في جمع اللغة وتفسيرها بغير ترتيب. أما مصادرهم الأساسية الأخرى فهي القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والشعر العربي القديم، ويمثل كتاب (النوادر في اللغة) لأبي زيد الأنصاري (214هـ) هذا الطور خير تمثيل، إذ أورد فيه النصوص الشعرية والنثرية الملأى بالمفردات الغريبة والنادرة، فقام بشرحها وتفسيرها والتعليق عليها من غير ترتيب في إيراد النصوص، إذ ربط بين معاني الألفاظ.

2- الطور الثاني : جمع ألفاظ اللغة العربية وتدوينها مرتبة في رسائل متفرقة صغيرة الحجم محددة الموضوع، تدور حول معنى من المعاني، أو حرف من الحروف، من ذلك كتب : المطر لأبي زيد الأصفهاني، والإبل، والخيل، والشاء، والنخل والكرم، والنبات والشجر للأصمعي (ت 216هـ) ، أما كتب الحروف فمنها : كتاب الهمز لقطرب (محمد بن المستنير 206هـ)، وكتاب الهمز لأبي زيد أيضاً. وهناك رسائل جُمعت فيها الألفاظ بروابط أخرى غير ما تقدم، منها : كتب الاضداء، والمثلثات، والأفعال ذات الاشتقاق الواحد، والصفات، والإفراد والتثنية والجمع، وأبنية المصادر، وأبنية المقصور والممدود، وكتب الغريبين ... الخ.

3- الطور الثالث : وضع المعجمات العامة الشاملة المنظمة بترتيب معين، وأول مَنْ وضع معجماً من هذا النوع هو الإمام الخليل بن احمد الفراهيدي، يرى ابن خلدون أن الدافع الأساسي وراء بناء المعجمات اللغوية هو شعور اللغويين العرب القدماء بضرورة صون اللغة العربية من الخطأ، وحفظها من الضياع، فضلاً عن خدمة القرآن الكريم ونصوص التشريع، وفي ذلك يقول : (فاحتيج إلى حفظ الموضوعات اللغوية بالكتاب والتدوين خشية الدروس وما ينشأ عنه من الجهل بالقرآن والحديث فشمر كثير من أئمة اللسان لذلك وأملَوْا فيه الدواوين) ( ).
ثالثا : مناهج التأليف المعجمي عند العرب :

تنوعت مناهج التأليف المعجمي عند اللغويين العرب تبعا لعلمية صانعيها وفطنتهم ومستوى تفكيرهم، وغايتهم من تأليفها. ويمكن أن تحصر تلك المناهج في ثمانية أنظمة، وهي :
1. التأليف على وفق نظام المخارج الصوتية وتقليب الألفاظ.
2. التأليف على وفق النظام الالفبائي بمراعاة الحرف الأول فقط.
3. التأليف على وفق النظام الالفبائي مع تقليب الألفاظ.
4. التأليف على وفق النظام الالفبائي الخاص.
5. التأليف على وفق نظام القافية بحسب أواخر الألفاظ فقط.
6. التأليف على وفق نظام الباب والفصل.
7. التأليف على وفق النظام الالفبائي بمراعاة أوائل الأصول وثوانيها وثوالثها.
8. التأليف على وفق النظام الالفبائي النطقي (بغير تجريد).
على أن الأنظمة المذكورة آنفا لم تتميز زمانيا، بمعنى أن المعجمات المنتمية الى أحد هذه الأنظمة قد تكون موضوعة قبل معجمات أخرى تنتمي الى نظام سابق لها كما هي الحال بالنسبة إلى معجم تاج العروس للزَّبيدي(ت1205ه) الذي ألفه على وفق نظام الباب والفصل الذي هو أسبق من النظام الألفبائي .
المبحث الثاني : رؤية معاصرة في تجديد المعجم العربي

مرّ تأليف المعجمات العربية بأطوار متعددة، واتخذت صناعتها مناهج مختلفة، جادت بها عقول علماء العربية الأفذاذ، إذ بذلوا جهوداً مضنية في جمع اللغة وتدوينها بتتبع كلام العرب في مظانه المختلفة فحفظوا اللغة العربية وصانوها من الضياع ، فاستحقوا التبجيل والتخليد ، وسيظل عملهم الخالد هذا موضع اعتزاز وفخر على مر العصور.
إن الاحاطة باللغة العربية على سعتها وعمقها وكثرة مفرداتها ومقدرتها على النماء والتطور ومواكبة العصر أمر لأيمكن لأحد أن يدعيه مهما أوتي من معرفة وسعة إطلاع وقوة حافظة، ومن هنا ظهرت الحاجة الملحة إلى بناء المعجمات العربية لحفظ تراث الأمة اللغوي، وخدمة كتاب العربية المقدس (القرآن الكريم) على أن هذه المعجمات قد تفاوتت فيما احتوته من مفردات وجذور لغوية، واختلفت في طرائق تنظيمها وأسلوب بنائها، وتعددت مدارسها تبعا لتعدد رؤى صانعيها العلمية والفكرية والمنهجية والغائية، فمن معجمات مؤلفة على نظام المخارج الصوتية وتقليب الألفاظ إلى معجمات مؤلفة على النظام الالفبائي ، إلى معجمات مؤلفة على نظام القافية أو الباب و الفصل، وأخرى خصصها مؤلفوها بالأبنية أو المعاني أو الموضوعات ، لذلك يمكن القول إن اللغة العربية انمازت من اللغات الأخرى بكثرة المعجمات وتنوعها، وبكثرة ما يدور حولها من شروح ومختصرات واستدراكات ونقود وحواش، وهذا التنوع والتشعب والتعدد ولد نوعا من صعوبة الاهتداء الى دلالات الألفاظ ومعانيها لدى الكثير من المثقفين بله المتخصصين بعلومها، فضلا عما استجد من مصطلحات علمية وأخرى حضارية نحتاج الى ضبطها أو تعريبها أو البحث عن مقابل لها، ومن هنا برزت الحاجة الملحة في هذا العصر الى بناء نوعين من معجمات الألفاظ : أولهما : المعجم اللغوي العام. والثاني المعجم التخصصي. أما الأول فيأخذ من كتب الأدب قديمها وحديثها ومن كتب التاريخ والجغرافيا وعلوم القرآن والحديث والفقه والاجتماع والاقتصاد وسواها، ويستعين بوسائل تنمية اللغة ولا يقتصر على النقل من المعجمات القديمة، بل يتوسع فيه ليضم ألفاظ المعاصرين البلغاء وأساليب المبدعين الفصحاء مما بنا حاجة إليه وليس في الموروث اللغوي ما يفصح عنه ( )، فلابد من أن يدخل هذا الجديد اللغوي المعجم المعاصر الذي نريده أن يكون دقيقاً في منهجه، وافيا في شرحه، ميسراً في استعماله، مواكباً لمتطلبات العصر وحاجاته، يتسم بما يأتي :
1- أن ترتب مواده ابتداءً بالأفعال وانتهاءً بالأسماء – على وفق النظام الالفبائي بحسب أوائل الأصول وثوانيها وثوالثها، وهو المنهج الذي اتبعه الزمخشري في معجمه (أساس البلاغة) والفيومي في (المصباح المنير) ومعجمات مجمع اللغة العربية في القاهرة (المعجم الكبير والمعجم الوسيط والمعجم التأريخي ).
2- أن يكون شرح المفردات والتراكيب وافياً مدعماً بالنصوص الموثوقة من (الآيات القرآنية) و (الأحاديث النبوية) و (الأمثال العربية) والتراكيب البلاغية المأثورة عن فصحاء الكُتَّاب والشعراء العرب وبلغائهم، على أن يتدرج في هذا الشرح من المحسوس الى المعقول، ومن الحقيقة الى المجاز، وألاَّ يستشهد في الشرح بلغات أخرى على سبيل التوسع في المقارنة والتمثيل.
3- أن يجرد من الألفاظ الحوشية والتراكيب المهجورة، والألفاظ الدالة على الأشياء المندرسة، والأشياء التي يمجها الذوق ( )، فهذه الألفاظ والتراكيب موضعها المعجمات القديمة على اختلاف أنواعها ومناهجها، والتي لا يمكن الاستغناء عنها بأي حالٍ من الأحوال.
4- أن يجرد من المصطلحات العلمية وألفاظ الحضارة وأسماء الأعلام وتراجمهم وأسماء المدن والأماكن والبلدان، لان موضعها المعجمات المتخصصة التي ندعو الى تأليفها أيضاً.
5- ألاّ تقحم فيه الألفاظ المعرَّبة والدخيلة التي لها ما يقابلها في العربية الفصحى فيسدّ فراغها ويؤدي معناها ( )، أما التي ليس لها ما يقابلها في العربية الفصحى فلابد من الإشارة إليها والتنبيه على أصولها ( ).
6- أنْ يحرر من قيود الزمان والمكان ليكون مواكباً للعصر ملبياً متطلباته فيضم الألفاظ المستحدثة في عصرنا الحاضر مما هو مشتق من جذر أصيل، أو منحوت من كلمتين فصيحتين أو أكثر على نحو سليم، فضلاً عما تطورت دلالته من الألفاظ واستعمل في معنى جديد على سبيل المجاز على السنة المجودين من الشعراء كالمتنبي والمعري وأبي تمام والبحتري وأبي فراس الحمداني وابن زيدون، وما جاء على السنة المحدثين من الأدباء والشعراء الذين لم يخرجوا عن اللغة السليمة كأحمد شوقي وحافظ ابراهيم وأبي القاسم الشابي ومحمد مهدي الجواهري ومعروف الرصافي وعباس محمود العقاد ... الخ.
7- ألاّ تقحم فيه الألفاظ العامية التي ليس لها اصل في العربية مثل (الجزمجي والطربوش) ( ).
8- أن يتدارك فيه ما لم يعد يوافق لغة العصر وتقدمه العلمي من أساليب التعبير وتفسير الدلالة في المعجمات القديمة كاستعمال (الفراسخ أو مسيرة كذا يوم) للدلالة على المسافة، مثل : " أُبَّةُ – بالضم ـ بلد بإفريقية بينها وبين القيروان ثلاثة أيام " ( ).
9- أن تضبط كلماته بالشكل والترقيم، وأنْ يُنزَّه مما وقع في المعجمات المطبوعة من أغلاظ وتصحيف وأوهام في قراءة الأصل، وأن تدعم مادته بالصور والأشكال التوضيحية، وأن يستعان بأجهزة الحاسوب الحديثة في طبعه وتحميله على أقراص مدمجة ليسهل نشرة وتوزيعه.
10- أن يوكل انجازه بجمع من المتخصصين بالعمل المعجمي بإشراف مؤسسة علمية مدعومة مادياً ومالياً وفنياً من الحكومة كالمجمع العلمي، أو مؤسسة الشؤون الثقافية.

أما المعجمات المتخصصة التي ندعو الى تأليفها ونرى أن بنا حاجة إليها فمعظمها موجود أصلاً غير أن الذي يعوزه هو مواكبة العصر وتقدمه العلمي والإنساني والحضاري فلابد من رفده بما هو جديد ومحدث من خلال إصدار ملاحق خاصة تستوعب هذا الجديد وتسير في ترتيبه على وفق المنهج الذي سار عليه المعجم الأصل، ومن ذلك على سبيل التمثيل :
1- المعجم الخاص : بألفاظ القرآن الكريم ، و الخاص بالأبنية ، و الغريب والأفعال ، والمعرَّب ، والمقترض من اللغات الأخرى ... الخ، وندعو إلى تأليف معجمات متخصصة بالمشتقات والمصادر والصفات والجموع ليفيد منها المشتغلون في البحث العلمي والترجمة ووضع المصطلحات والإحصاء واستحداث كلمات عند الضرورة.
2- المعجم التاريخي : نرى أن يستكمل ما بدأه فيشر لمعرفة حياة كل لفظة – وانتقالها من معناها اللغوي الى معناها الاصطلاحي وتطور هذا الأخير من عصر الى عصر.
3- المعجم الاصطلاحي : وتدون فيه جميع المصطلحات المستخلصة من المعجمات وكتب اللغة والأدب وسواها مع الإشارة الى مصدر كل مصطلح، ويبنى على وفق المنهج الذي اتبعه الجرجاني في التعريفات والتهانوي في اصطلاحات الفنون.
4- المعجم الطبي : وتدون فيه المصطلحات الطبية وأسماء الأدوية والمستلزمات الطبية والأمراض والإسعافات الأولية ... الخ، ويكون ذلك باستدراك ما استجد في ميادين الطب المختلفة من اكتشافات واختراعات وإصدارها بملاحق تستكمل النقص الموجود في المعجم الطبي الموحد الذي أصدره اتحاد الأطباء العرب عام 1983، ومعجم (حتي الطبي).
5- المعجم العلمي : وتدون فيه المصطلحات العلمية المختلفة التي تعين في فهم المسميات العلمية واستيعابها، ويمكن اتخاذ قاموس (شرف العلمي) أساساً يبنى عليه هذا المعجم.
6- المعجم الهندسي : وتدون فيه المصطلحات الهندسية والفنية والتقنية المختلفة ويكون ذلك باستدراك ما استجد منها وإصداره بملاحق تلحق بالمعجم الموحد الشامل للمصطلحات الفنية للهندسة والتقنية والعلوم الصادر عن اتحاد المهندسين العرب 1986.
7- المعجم العسكري : وتدون فيه المصطلحات العسكرية وما تتضمنه من أسماء الأسلحة والمعدات الحربية والرتب العسكرية ومصطلحات الفنون القتالية العسكرية وفن قيادة الحرب، على أن يستدرك ما استجد منها بسبب التطور الكبير في ميداني التسليح والتصنيع العسكريين ويصدر بملاحق تلحق بقاموس المصطلحات العسكرية للفريق الركن محمد فتحي أمين ومعجم توحيد المصطلحات العسكرية في الجيوش الإسلامية للواء الركن محمود شيت وجماعته.
8- المعجم الجغرافي : ويستدرك فيه ما استجد من مدن وأماكن وبلدان على معجمات البلدان ومنها معجم البلدان لياقوت الحموي.
9- معجم التآليف وأصحابها : وتدون فيه التآليف المختلفة مع النص على أسماء مؤلفيها، والمؤلفات في هذا النوع كثيرة ألاّ أنها بحاجة الى المكتشف حديثاً من المخطوطات القديمة والمؤلف حديثاً لمؤلفين محدثين.
10- معجمات أخرى في ميادين مختلفة الزراعة والصناعة والاقتصاد والبيئة والفن والثقافة.
أما النوع الآخر من المعجمات فهو معجمات المعاني التي نرى أن يُجمع كل ما أُلِّف فيها في معجم واحد من غير تكرار ولا حذف وأن نستكملها من معجمات الألفاظ ومن كتب الأدب واللغة الأخرى وتبنى على أساس الموضوعات .

التوصيات :
1. يدعو الباحث الى تشكيل لجنة مجمعية فرعية في كل جامعة يكون لها تمثيل في لجان المجمع العلمي العراقي المركزي في بغداد تضم الى جانب اللغويين المتخصصين بالعمل المعجمي أساتذة من مختلف التخصصات العلمية والإنسانية يتوافر في أعضائها الإيمان العميق باللغة العربية الفصحى، وبضرورة الحفاظ على سلامتها، تأخذ على عاتقها استيعاب ما استجد من المصطلحات في المجالات العلمية والأدبية والفنية المختلفة وإيجاد بدائلها العربية بوسائل تنمية اللغة المعروفة من اشتقاق أو قياس أو ارتجال أو توليد أو تعريب أو نحت. وبهذا تكون الجامعة قد فعلت دورها الطليعي والريادي في بناء المجتمع والحفاظ على أسمى مقوم من مقوماته وهو اللغة العربية.
2. يرى الباحث أن الكثير من المثقفين والمتعلمين قد أداروا ظهورهم للغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والشعر والكلام العربي البليغ، واستبدلوا بها لغة أعجمية، إذ نرى شيوع تلك اللغة الأعجمية هذه الأيام في لغة الخطاب اليومي من مثل : rest, no, yes , good, sorry, offcours , ok الخ، وفي هذا طمس يريده المحتل لمعالم هويتنا العربية وقطيعة للغة قرآننا، فلننتبه لأنفسنا وللغتنا قبل فوات الأوان، وهذا يحتم على المتخصصين باللغة العربية بذل المزيد من الجهد لإنارة عقول هؤلاء، وتبديد جهلهم بلغتهم، وتوعيتهم بما يحاك لها من دسائس تستهدف النيل من كتاب العربية الحافظ لها (القرآن الكريم).
الخاتمة
بعد هذه الرحلة الماتعة في رحاب ( المعجم العربي تأصيله وتجديده) وقبل أن أدَعَ اليراعَ يسقط من يدي أضع بين يديك قطفاً من ثمار هذا البحث :
1. سار العمل المعجمي العربي في طريق النماء والاتساع مبتدئا باليسير مما تحصل لدى العلماء العرب الأوائل من نصوص العربية التي انتظمتها الرسائل اللغوية المتباينة في حجمها ومادتها ومنهجها حتى بلغ مرحلة النضج على يد عبقري البصرة الخليل بن أحمد الفراهيدي (رحمه الله) في معجمه (العين) الذي تعد مادته اللغوية الأساس الذي استندت إليه المعجمات اللاحقة سواء ما أُلِّف منها على وفق نظام المخارج الصوتية وتقليب الألفاظ أم أُلِّف على وفق النظام الالفبائي أم أُلِّف على وفق نظام الباب والفصل.
2. إن كثرة المعجمات العربية آتية من اختلاف مناهجها أو اتساع مادتها أو تصحيحها الأوهام في المعجمات التي سبقتها، لذا كانت الرغبة في نقد المعجمات اللغوية المتقدمة وإصلاح الخلل الواقع فيها احد أسباب تجديد المعجمات قديماً وحديثاً، فضلاً عن الحاجة الى استيعاب ما هو جديد ومستحدث لمواكبة العصر وتقدمه العلمي، ومن هنا جاءت دعوتنا الى بناء معجم يرتبط بالحياة المعاصرة يأخذ بوسائل تنمية اللغة ويستعين بما بذل من جهد في القديم والحديث.
3. إن مجمل مفردات اللغة العربية يربو على ستة ملايين كلمة، في حين أن ما يستعمل منها اليوم لا يزيد على ستة ألاف كلمة، وهذا يعني أن هناك مخزوناً من مفرداتها يربو على خمسة ملايين كلمة في انتظار من يسبر غورها ويخرج مكنونها ويحسن تداولها في مفردات العلوم والفنون والثقافة، وبهذا نكون قد بعثنا الحياة في الكثير من المسميات المهملة، أو التي لم تستعمل لحد الآن وأثريناها بالمصطلحات العلمية والتقنية والفنية.
4. يقترح الباحث أن تأخذ الجامعات العراقية دورها الريادي في بناء المجتمع والمحافظة على مقوماته وفي مقدمتها اللغة العربية من خلال تشكيل لجنة مجمعية فرعية في كل جامعة يكون لها تمثيل في المجمع العلمي العراقي في بغداد تأخذ على عاتقها استيعاب المصطلحات الحديثة في العلوم والادآب والفنون وإيجاد البدائل العربية الفصيحة لها بوسائل تنمية اللغة المعروفة. وردف هذا المقترح بتوصية أخرى توجب على المتكلمين بالعربية الاعتداد بها، وتنكُّب لغة المحتل الشائعة على ألسنتهم هذه الأيام لأن في استعمالها طمسًا لهويتنا العربية ونيلاً من كتاب العربية الحافظ لها (القرآن الكريم) .

تحميل الملف المرفق Download Attached File

تحميل الملف من سيرفر شبكة جامعة بابل (Paper Link on Network Server) repository publications

البحث في الموقع

Authors, Titles, Abstracts

Full Text




خيارات العرض والخدمات


وصلات مرتبطة بهذا البحث