معلومات البحث الكاملة في مستودع بيانات الجامعة

عنوان البحث(Papers / Research Title)


استخدام السفاتج في النهج الاقتصادي العربي الإسلامي


الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)

 
قيس حاتم هاني الجنابي

Citation Information


قيس,حاتم,هاني,الجنابي ,استخدام السفاتج في النهج الاقتصادي العربي الإسلامي , Time 17/11/2018 15:08:07 : كلية التربية الاساسية

وصف الابستركت (Abstract)


استخدام السفاتج في النهج الاقتصادي العربي الإسلامي

الوصف الكامل (Full Abstract)

المقدمة
برع العرب في شتى صنوف المعرفة، وكانت لهم آثار يشار لها بالبنان، ومنها معرفتهم بالنظم الصيرفية المتطورة، ولعل من أهم الأعمال المصرفية التي برعوا فيها هي العمل بنظام السفاتج، إذ كان العرب سباقون في استخدام السفاتج في معاملاتهم المالية، ولم يقتصر عملهم بالسفاتج على التعامل الشخصي الفردي، بل تعدى ذلك ليكون من ضمن المعاملات المالية للدولة العربية الإسلامية، وهنا تكمن أهمية موضوع بحثنا هذا.
إن صعوبة البحث في مثل هذه المواضيع تكمن في كونها لم تأخذ كوحدة موضوع في كتابات المؤرخين العرب، بل جاءت متناثرة هنا وهناك، وأغلبها إشارات عرضية، ونحاول هنا أن نعطي تعريفاً بالسفتجة لغةً واصطلاحاً، ونظرة الشريعة للتعامل بالسفاتج، وكيفية استخدام السفاتج في المعاملات، مع ذكرٍ لنماذج من السفاتج المستخدمة في الدولة العربية الإسلامية، لاسيما في مراحلها المبكرة، مستندين في بحثنا هنا على مصادر معتبرة يقف في مقدمتها كتابي (الفرج بعد الشدة) و(نشوار المحاضرة) للتنوخي، و( تجارب الأمم) لمسكويه، و(حاشية رد المختار) لابن عابدين، و(التعاريف) للجرجاني، و( تاريخ الأمم والملوك) للطبري، وغيرها من المصادر الأصلية.
وقد حاولنا جهدنا أن نجمع شتات هذا الموضوع ليكون بصورة نأمل أن ترضي المتتبع، والله الموفق.

السفتجة لغةً واصطلاحاً:
جاء في (التعاريف)( ) أن: ((السفاتج جمع سفتجة بمعنى المحكم وهي إقراض لسقوط خطر الطريق))، وذكر (الفيروز آبادي)( ) أن: ((السُفْتَجَة بضم فسكون ففتحتين، وهو أن يعطي مالاً لآخر وللآخر مال في بلد المعطي ... فيوفيه إياه ثم (أي هناك) فيستفيد أن الطريق)).
وجاء في (الأحكام)( ) أن: ((السفتجة هي أن تعطي لرجل مالاً فيعطيك خطاً إلى عميل له آخر خوفاً من غائلة الطريق يمكنك استرداد ذلك المال منه)).
ويضيف (ابن عابدين)( ) أن: ((السفتجة هي البوليصة وأنها معربة عن الفارسية، وأصلها سفته: بمعنى الشيء المحكم، سمي هذا القرض به لإحكام أمره))، في حين أن (النووي)( ) يذكر أن السفتجة: ((هي ما يقال لها بالعامية (كمبيالة))).
وجاء في (تاج العروس)( ) أن من الفقهاء من فسر السفتجة على نحو ما ورد عند الفيروز آبادي، ومنهم من فسرها على أنها ((كتاب صاحب المال لوكيله أن يدفع مالاً قراضاً يأمن به من خطر الطريق))، وفي (شرح المفتاح)( ) ((السُفتَجة بضم السين وفتح التاء الشيء المعتم، سمي به هذا الغرض لإحكام أمره، وهو قرض استفاد به المقرض سقوط خطر الطريق، بأن يقرض ماله عند الخوف عليه في موضع آمن)).
وفي (القاموس الفقهي)( ) أن السفتجة: ((الكتاب الذي يرسله المقترض لوكيله ببلد، ليدفع للمقرض نظير ما أخذه منه ببلده، ليستفد به المقرض سقوط خطر الطريق، وهو فارسي معرب)).
وجاء في (مواهب الجليل)( ): ((يقال السفاتج والسفتجاة على جمع السلامة، وواحده سفتجة بكسر السين المهملة وسكون الفاء وفتح التاء المثناة من فوق وبالجيم، وهي كتاب صاحب المال لوكيله في بلد آخر ليدفع لحامله بدل ما قبضه منه)).
يوضح (السرخسي)( ) مصطلح السفتجة: ((بأنها أن تعطي مالاً لرجل له مال في البلد الذي تروم السفر إليه، فتأخذ منه كتاب خطي (سفتجة) هو بمثابة الحوالة لمن عنده المال في ذلك البلد على أن يعطيك الوكيل مثل المال الذي دفعته قبل سفرك، والغرض من هذه العملية هي الحفاظ على المال من مخاطر الطريق التي قد يتعرض لها حامل المال)).
ويضيف (ابن عابدين)( ) أن ((السفتجة قرضاً لا أمانة يقضيها المستقرض في البلد الذي يريد المقرض أن يستلم فيها ماله)).
ومن كل التعاريف السابقة يبدو بوضوح أن السفتجة ما هي إلا حوالة مالية كانت شائعة الاستعمال عند العرب، وهي تشير أيضاً إلى وجود معتمدين في هذا المجال من التعامل المالي، ويبدو أنها كانت منظمة، ويتحلى المتعاطون فيها بثقة كبيرة عند زبائنهم، ليأتمنوهم على مالهم، مع ملاحظة إشراف الدول على مثل هذا النوع من المعاملات المالية، مما يوحي بحرية العمل المصرفي دون تقييد، ما دام لا يتعارض والثوابت الإسلامية، وإلا تدخلت الدولة وأوقفت هذا التعامل، كما أن الصيارفة كان لهم معتمدين أو وكلاء في بلدان ومدن أخرى يسهلون عملهم في المجال المصرفي.

حكم السفتجة في الفقه الإسلامي:
أجمع الفقهاء المسلمون أو يكادون عل عدم جواز أخذ المنفعة المشروطة في عملية تحويل المبالغ المالية (السفاتج)، وقد ورد أن أحدهم سأل الإمام محمد الباقر ? يطلب رأيه في السفتجة، فسأل الإمام ? بقوله: ((ندفع إلى الرجل الدراهم فأشترط عليه أن يدفعها بأرض أخرى سوداً بوزنهاً، وأشترط ذلك؟)) فرد عليه الإمام ?: ((لا بأس))( )، أي أن السفتجة إذا لم تقرن بشرط فائدة فهي جائزة، وذكر العلامة الحلي( ): ((يجوز أن يقرضه شيئاً، ويشترط عليه إعادته في أرض أخرى، ويكتب به سفتجة))، وجاء في (شرح الأزهار)( ): ((أن السفتجة اسم للرقعة التي يكتب فيها لغة الحبشة وصورة المسألة أن يحتاج الرجل في بعض المواضع إلى مال وعنده مال لغيره فيأذن له بالإقراض من تلك الأمانة ثم يطلب منه أن يقضيه من مال له في بلد آخر فيكتب إليه به كتاباً ولم يكن مضطراً لذلك عند القرض ... ومعنى قولنا أمين فيما قبض ضمين فيما استهلك أي هذا الذي قبض المال وأعطى صاحبه السفتجة حين قبض المال فهو أمين فيما قبض ضمين فيما استهلك وحين اقترض منه بعد ذلك ليستهلكه صار ضميناً وقبض المال على سبيل))، وذكر أيضاً أن السفتجة اسم للدراهم المكتوب بها فسميت باسم السفتجة لما كانت توجد فيها، فان قبض الدراهم وديعة فأمين وأن كذبه فدفع إليه قرضاً فضمين، بمعنى أن يضمن للدافع إليه أن طالبه بالكاتب إليه، وفائدة السفتجة السلامة من خطر الطريق ومؤنة الحمل ومقبض السفتجة بفتح الباء هو أن يكتب رجل لشخص كتاباً إلى آخر أن يعطيه مالاً للكاتب يوصله إليه، وأذن له إذا قبضه أن يقرضه منه فهو أمين حين يقبضه ليوصله إلى الكاتب ضمين حين ينقله بنية اقتراضه والمسألتان سواء في الحكم.
وفي الوقت الذي يرى فيه أبي حنيفة النعمان جواز السفتجة بقوله: ((لو أقرض أحد المتفاوضين مالاً فأعطى رجلا ثم أخذ به سفتجة كان ذلك جائزاً عليهما ولا يضمن سوى المال))( )، نرى أن أبو يوسف لا يجيز السفتجة برأيه، ويوضح (ملك العلماء)( ) سبب الخلاف في أن أبى يوسف يرى إن الذي أقرض وأخذ السفتجة يضمن حصة شريكه من ذلك، وهذا فرع اختلافهم في الكفالة، إذ أن الكفيل في حكم المقرض، فإذا جازت الكفالة عند أبي حنيفة جاز القرض، وعند أبى ويوسف لا تجوز الكفالة لما فيها من معنى التبرع فكذلك القرض.
وجاء في (المغني)( ): ((أن المستقرض إنما يقصد نفع نفسه وإنما يحصل انتفاع المقرض ضمناً فأشبه أخذ السفتجة به وإيفائه في بلد آخر ولأنه مصلحة لهما جميعاً))، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز السفتجة حتى وإن لم يشترط فيها المنفعة لأن أمن خطر الطريق ومئونة الحمل يعد منفعة حسب رأيهم، ودليلهم على عدم جواز السفتجة أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا( ).
أما عند (البهوتي)( ) فقد جاء: ((بأن يدفع إلى إنسان شيئاً من مال الشركة ويأخذ منه كتاباً إلى وكيله ببلد آخر ليستوفي منه ذلك المال يتلك البلد، لأن فيها خطراً (ولا يعطيها) أي السفتجة (بأن يأخذ من إنسان عرضاً ويعطي بثمنه كتاباً إلى وكيله ببلد آخر ليستوفي منه ذلك) المال، (إلاّ بأذن شريكه فيهن) أي فيما ذكر من هذه المسائل، لأنه ليس من التجارة المأذون فيها)).
وذكر (الحصفكي)( ) أن الحوالة أو السفتجة: ((إذا لم تكن المنفعة مشروطة ولا متعارفة فلا بأس))، وفي (الفتاوى الصغرى وغيرها)( ): ((إن كان السفتج مشروطاً في القرض فهو حرام، والقرض بهذا الشرط فاسد وإلا جاز ... وصورة الشرط ... رجل أقرض رجلاً مالاً على أن يكتب له بها إلى بلد كذا فانه لا يجوز، وإن أقرض بلا شرط وكتب جاز، وكذا لو قال أكتب لي سفتجة إلى موضع كذا على أن أعطيك هنا فلا خير فيه، وروي عن ابن عباس ذلك، ألا ترى أنه قضاه أحسن مما عليه لا يكره إذا لم يكن مشروطاً ... إنما يحل ذلك عند عدم الشرط إذا لم يكن فيه عرف ظاهر، فان كان يعرف أن ذلك يفعل كذلك فلا)).
وقد كان المحتسب يقوم بمراقبة أعمال الصيارفة ومنها تعاملهم بالسفاتج، وإذا وجد هناك من يرابي أو يخالف مبادئ الشرع فيما يخص أمور الصرف عَزَّرَهُ( )، وطرده من السوق( )، كما تقع على المحتسب مسؤولية منع الصيارفة من ترويج المعاملات المالية غير الشرعية في السفاتج وغيرها( ).
ويشير أحد الباحثين( ) إلى أن الصرافين المعنيين بنظام السفتجة على علم بأن تأخير صرف السفتجة أو حجبها، سيكون له مردودات إيجابية في ارتفاعه أسعار صرف بعض العملات، على وفق قانون العرض والطلب، وهذا ما يشير إليه (مسكويه)( ) عندما يذكر أن الوزير أبا علي محمد بن عبيد الله بن يحيى الخاقاني متهماً إياه بالتقصير والتقاعس، لأنه كان يهمل كتباً فيها سفاتج قادمة إلى العاصمة بغداد من الأمصار، فيتركها في خزانته ولا يفضها، ولا يعرف حال ما فيها، ملمحاً إلى احتمال تعمد الوزير في إهمال السفاتج حتى يضمن للصرافين فوائد أكبر.

استخدام السفتجة في المعاملات المالية:
يكتب في السفتجة مقدار المال الواجب استلامه من الوكيل سواء كان ذلك عداً أو وزناً، وتصرف السفتجة لصاحبها( ).
ولم يقتصر استخدام السفاتج على الأفراد حسب، إنما استخدمت السفاتج في تصفية الحساب بين مدن وأقاليم عدة دون الحاجة إلى نقل النقود
بينها( )، وهذا الأسلوب من التعامل المالي كان شائعاً ومألوفاً في مؤسسات الدول الرسمية، وفي الأسواق عند الصرافين والتجار وعامة الناس( ).
وظهر استخدام السفاتج في الدولة العربية الإسلامية منذ وقت مبكر، إذ تشير النصوص التاريخية إلى أن عبد الله بن الزبير بن العوام كان يأخذ بمكة الورق (أي الدراهم الفضية) من التجار والمسافرين من الحجاز إلى العراق، ويكتب لهم سفاتج (حوالات) إلى وكلائه في البصرة والكوفة، فيأخذون أجود من ورقهم( ).
وتشير النصوص التأريخية كذلك إلى أن عبد الله بن عباس كان يأخذ الورق من التجار المسافرين من مكة إلى العراق، ويكتب لهم سفتجة إلى مسئول فرع مصرفه في الكوفة، يوعز له بصرف مبلغ السفتجة التي يحملها صاحبها، وكان مبلغ السفاتج بمثل ورقهم الذي دفعوه( ).
ويمكن لنا أن نستقرأ من الروايتين السابقتين قوة التجارة بين الحجاز والعراق، وأن عملية استخدام السفاتج من قبل عبد الله بن الزبير بن العوام وعبد الله بن عباس كان لابد من أن يكون لهما مقدرة مالية عالية وعلاقات اقتصادية جيدة مع تجار العراق الذين يقومون بإيفاء مبالغ السفاتج.
ومع أن النصوص التاريخية لا تشير إلى بدل عملية نقل الأموال عن طريق السفاتج، إلاّ أن (الدكتور حمدان الكبيسي)( ) يرى أن الصيرفي كان يستفيد من تعامله بمثل هذه الحالات، لأنه لابد من وجود فائدة في عملية نقل الأموال بين المصارف وفروعها في المدن والأقاليم، إذ أن استخدام السفاتج جنب صاحب المال مخاطر الطريق من احتمال تعرض حامل النقود للسرقة أو الضياع.
ونرى أن الفائدة التي يجنيها المستقرض ليست بالضرورة تكون مالية مباشرة، إذ أنه وفي وقت الحصار الدولي الذي كان مفروضاً على العراق (1990-2003م) كان التجار العراقيون يمارسون عملية التحويل من خارج العراق إلى الداخل دون أن يأخذوا من المحول (المقرض) أي فائدة، لأن فائدتهم تكون من خلال الحصول على أموال المقرضين من داخل العراق إلى خارجه، وبذلك يستفيد هؤلاء التجار في الحصول على الأموال اللازمة بسرعة ودون انتظار عملية تحويل النقود إليهم، هذا في الوقت الحاضر زمن السرعة، لذا نرى أن عملية السفاتج في الدولة العربية الإسلامية كانت ترد على الصيارفة أو التجار مثل هذا النوع من الفائدة، خاصة مع بطأ وسائل النقل السابقة ومحدوديتها، مخاطر الطريق وغيرها.
ويشير (التنوخي)( ) إلى أن الوزير علي بن عيسى آل الجراح كان يدفع في كل شهر ألفين وخمسمائة دينار أرباحا إلى الصرافين الذين كان يستلف منهم مبالغ مالية على سفاتج لم ترد بغداد بعد من الأقاليم.
كانت السفاتج محدودة الانتشار في القرنين الأول والثاني للهجرة، ويبدو أنها ظلت محصورة في الاستعمالات الشخصية طيلة هذه المدة، وما إن جاء القرنين الثالث والرابع الهجريين حتى شاع استعمال السفاتج بشكل واسع، حيث تعددت أغراضها( )، وقام الصرافون بما تقوم به المصارف في الوقت الحاضر من تحويل مبالغ من المال من المصرف إلى فروع المصارف الأخرى بسفاتج مقابل خصم جزء من المبلغ المحول( ).
وكان التجار في بعض الأحيان يتولون عملية تصريف هذه السفاتج( )، وفي أحيان أخرى يقوم بيت المال بمهمة تصريف هذه السفتجة( ).
ويشير (الصابي)( ) إلى أن عمال الأقاليم كانوا أحيناً يرسلون واردات أقاليمهم، كلها أو جزء منها إلى عاصمة الدولة، مع رسل أو سفاتج إلى تجار أو صرافين معينين يتولون صرف هذه السفاتج وتحويلها إلى نقود كي يستفاد منها.
وتصرف السفتجة عادة لحاملها( )، ويدون في السفتجة مقدار المبلغ المراد تحويله إلى مدينة أخرى أو إقليم آخر، عدداً كان أم وزناً( ).
كما يجب أن يدرج في السفتجة موعد استحقاق صرفها، إذ لا يحق لصاحب السفتجة صرف مبلغ السفتجة قبل حلول الموعد المثبت على السفتجة، وفي هذا الشأن يشير (التنوخي)( ) إلى أن سفتجة حولت إلى الصرافين، إلاّ أنها لم تصرف لعدم حلول أجلها بعد أما إذا أراد صاحب السفتجة صرفها قبل موعد استحقاقها فان جزءاً من مبلغ الحوالة يخصم منها، وحسب ما يتفق عليه الطرفين.
ويشير (الصابي)( ) إلى أن سفتجة تم قبض المبلغ الذي ورد فيها قبل حلول موعد صرفه، وكانت نسبة الخصم التي اتفق عليها الطرفين (أي صاحب السفتجة والصراف) هي دانقاً ونصف في كل دينار.
أما طريقة صرفها في الموعد المحدد، فيجوز أن يكون دفعة واحدة أو على شكل دفعات، فقد جاء في رواية لـ (التنوخي)( ) أن سفتجة ارتأى صاحبها أن يأخذها على شكل دفعات، وسواء أخذ صاحب السفتجة مبلغ السفتجة على دفعة واحدة أو على شكل دفعات، فان ذلك يتم بشروط يتفق عليها مسبقاً بين الصراف وصاحب السفتجة.
وشاع (منذ القرن الثالث الهجري) استخدام السفاتج في المعاملات المالية في مؤسسات الدولة المالية الرسمية وفي الأسواق التجارية على حد
سواء( ).
كما أسهم بيت المال في إقراض سفاتج من بيت مال الإقليم ليشتري بها بضاعة من تلك المنطقة على أن يدفع المستفيد من هذه السفتجة ما اقترضه إلى بيت مال إقليم آخر، وهذا ما يشير إليه (أبو شجاع)( ) من أن سفتجة بألف دينار حررت عام (381هـ) في بغداد، تم صرفها في مدينة واسط، وسفتجة أخرى حررت في مدينة الكوفة بمبلغ ثلاثين ألف دينار، صرفت في مدينة البصرة لغرض شراء ضيعة( ).

نماذج من السفاتج:
وسنحاول أن نورد هنا السفاتج التي وردت في كتب التراث، ففضلاً عما ذكرناه في الصفحات السابقة من تعامل عبد الله بن الزبير بن العوام وعبد الله بن عباس بالسفاتج، يشير (الجهشياري)( ) إلى أن إيرادات بعض أقاليم الدولة العربية الإسلامية كانت ترسل إلى مدينة البصرة بواسطة سفاتج في أثناء خلافة مروان بن محمد (117–132هـ).
وفي عهد خلافة المتوكل على الله العباسي (232–247هـ) أرسل عامله على مصر أحمد بن محمد بن المدبر واردات مصر بمبلغ مائتي ألف دينار على شكل سفاتج إلى الوزير عبيد الله بن خاقان، الذي أحالها بيت المال لتسجل من ضمن إيراداته( ).
وذكر (أبو الحسين القاضي)( ) أن جاراً له كان في حال ضيق مادي ومر بزوجته الطلق، فخرج ليستلف من أحد البقالين، وإذا برجل يقدم إلى بغداد من دينور، وبعد أن تبضع من البقال الذي كان عنده، فتح حقيبته وإذا بها مجموعة من الكتب كان بينها خطاب مرسل إلى جاره، وعليه وصف لمكان منزله، فأخبره على الفور أن هذا الخطاب عائد له إلاّ أن الرسول رفض أن يعطيه الكتاب إلاّ بعد أن عرَّفوه به، وعندما فتح هذا الجار الخطاب وجده من أحد المستورين من الدينور يذكر فيه أن ابن عم كان للجار توفي في الدينور، وأوصى بإرثه لابن عمه هذا، وأوصى الميسور أن يصرف ثلث التركة في وجوه البر، وباقي التركة لابن عمه (جار القاضي)، وقد أنفذ هذا الميسور حصة جار القاضي من بيع الأثاث والتركة النقدية على شكل سفتجة مقدارها سبعمائة دينار وكذا دينار بأجل أربعين يوماً، لتصرف هذه السفتجة عند تاجر في دار القطن في الكرخ، وقد طلب منه الميسور أن يأتي إلى الدينور ليبيع العقار والضياع، وأضاف (أبو الحسن القاضي) أن السرور قد دخل على جاره، وذهب جاره ورسول الدينور إلى دار القطن، وسلم السفتجة للتاجر، فقال التاجر: إن السفتجة صحيحة إذا حل الأجل، أي أن السفتجة لا تصرف إلاّ في موعد استحقاقها المثبت عليها، إلاّ أن جار القاضي بعد أن شرح للتاجر قصته، وافق التاجر على صرف قيمة السفتجة قبل موعد استحقاقها، بعد أن أخذ منه إقراراً خطياً باستلام مبلغ السفتجة، وهذا ما يشير إلى أن مبلغ السفتجة عندما يصرف لمستحقه كان يوقع على ورقة أشبه ما تكون بإيصال الاستلام المعمول به حالياً، ثم رحل جار القاضي إلى الدينور وصفى موضوع إرثه من ابن عمه، الذي بلغ عشرة آلاف دينار، وحول حصته من الإرث إلى بغداد على شكل سفاتج، وهذا يشير بوضوح إلى سعة استخدام السفاتج بين أقاليم الدولة العربية الإسلامية.
ويشير (التنوخي)( ) أيضاً إلى أن رجلاً من أهل البصرة كان يعمل في مصر ويرسل إلى عياله سفاتج يقبضون مبالغها في مصر.
وذكر (الطبري)( ) أن الأتراك لما تحركوا وثاروا ضد المعتز في سنة
(255هـ): ((أرسلوا إليه يطلبون منه خمسين ألف دينار على أن يقتلوا صالحاً ويستوي لهم ألأمر فأرسل إلى أمه يعلمها اضطرابهم عليه وأنه خائف على نفسه منهم فقالت ما عندي مال وقد وردت لنا سفاتج فلينظروا حتى نقبض ونعطيهم))، وهنا إشارة واضحة إلى تعاطي الدولة بالسفاتج.
وضمن حوادث سنة (299هـ) أشار (مسكويه)( ) إلى ورود موارد الأقاليم على شكل سفاتج مرسلة إلى بيت المال في مقر الخلافة العباسية بغداد.
ويذكر (التنوخي)( ): ((أن رجل من الدقاقين في دار ابن الزبير بالبصرة قال: أورد عليَّ رجل غريب سفتجة بأجل، وكان يتردد عليَّ إلى أن حل ميعاد السفتجة ثم قال: دعها عندك حتى آخذها متفرقة، وكان يجيء في كل يوم فيأخذ بقدر نفقته إلى أن نفذت)).
وقد تمكن الوزير علي بن محمد بن موسى بن الفرات في وزارته الثانية سنة (304هـ) من تغطية النفقات التي واجهته عن طريق حصوله على أموال سفاتج وردت إليه من بلاد فارس واصبهان ونوحي المشرق وجدها ضمن كتب أرسلت إلى الوزير الذي سبقه (علي بن عيسى آل الجراح)( ).
وفي موضع آخر من (تجارب الأمم)( ) أشار مسكويه إلى أن علي بن عيسى آل الجراح الذي أصبح والياً على مصر بعد أن عزل عن الوزارة، قام بإرسال سفاتج إلى بغداد من إيرادات مصر والشام وذلك في عام (313هـ)، وقد بلغ مقدار هذه السفاتج مائة وسبع وأربعون ألف دينار.
وفي سنة (314هـ) أرسل أبي علي بن رستم مال الضمان على شكل سفاتج إلى بغداد مقدارها أربعمائة ألف دينار، استلمها الوزير علي بن عيسى آل الجراح، الذي استطاع استثمار أموال هذه السفاتج في تمشية أمور الدولة، وفي هذه السنة أيضاً وردت كتب سليمان بن الحسن، وكان من ضمنها سفاتج مقدارها ثمانين ألف دينار( ).
ويشير (مسكويه)( ) إلى أن الوزير محمد بن مقلة استلم سفاتج بقيمة ستمائة ألف درهم أرسلها أحمد بن محمد بن رستم والقاسم بن دينار إلى الوزير علي بن عيسى آل الجراح، إلاّ أنها وصلت بعد عزله، واستلمها خلفه محمد بن مقلة مما ساعد الأخير على تذليل المشاكل المالية التي كان يعاني منها.
ويذكر (الهمذاني)( ) أن الموقف المالي لابن مقلة تعزز على اثر سفاتج بقيمة ثلاثمائة ألف دينار وردت له سنة (316هـ) من عامل الأحواز أحمد بن محمد البردي.
وتشير النصوص إلى أنه لما مَرَّ بيت المال في بغداد بضائقة مالية، أرسل له الأمير ناصر الدولة الحمداني سفاتج بقيمة خمسمائة ألف درهم نظمت في سنة (334هـ) لمعالجة هذه الضائقة المالية التي تمر بها عاصمة الخلافة( ).
وذكر (مسكويه)( ) أيضاً أن الوزير أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي لم يتمكن من التخلص من الضائقة المالية التي اشتدت وطئتها عليه، فاستتر ولم يمض في الوزارة أكثر من ثلاثة أشهر فعصفت به تلك الضائقة وفقد منصبه، وقد وجد في خزانته سفاتج لم تصرف.
ويشير (الأصفاني)( ) إلى ورود رسالة من مصر إلى بعلبك وقد احتوت الرسالة على سفتجة بمبلغ مائة دينار اشترك في إرسالها عدة أشخاص.
ونستقرأ من الروايات التاريخية إلى أن المسئولين في الدولة العربية الإسلامية كثيراً ما استعانوا بالسفاتج التي ترسل لهم من الأقاليم في حل الضائقات المالية التي كانوا يمرون بها، وفضلاً عما ذكرناه سالفاً من روايات، يشير (مسكويه)( ) إلى أن الوزير (ابن شيرزاد) اشتدت عليه الضائقة المالية بعد أن زاد في أرزاق وأعطيات الجند سنة (334هـ)، فاستنجد بأمير الموصل ناصر الدولة الحمداني، الذي أنجده وأرسل له دقيقاً وسفاتج بقيمة خمسمائة ألف درهم من أجل التغلب على الضائقة المالية التي عجز الوزير عن تلافيها.
ويشير (التنوخي)( ) في السياق نفسه إلى أن الوزير علي بن عيسى آل الجراح كان: ((إذا حل المال، وليس له وجه، استلف من التجار على سفاتج قد وردت من الأطراف لم تحل))، وكان الوزير محمد بم مقلة يستعين بسفاتج التجار والصرافين عندما تمر به ضائقة مالية مستعصية( ).
ولما خرج الرحالة (ناصر خسروا) من مدينة أسوان المصرية، أخذ معه سفتجة من صديق له، موجهة إلى وكيله في (عيذاب( )) بأن يعطي ناصراً مبلغاً من المال، ويخصم هذا المبلغ من الحساب الذي بينهما( ).
ويشير (التنوخي)( ) إلى أن سيف الدولة أرسل سفتجة بقيمة ثلاثة آلاف درهم إلى رجل يعرف بالناصري في مصر، كان سيف الدولة قد قبض ضيعته وصادره، فهرب إلى كافور الاخشيدي في مصر، وبعد أن فقد الراتب الذي كان قد أجراه له كافور بسبب ذكره أمام كافور بالفسق والبغاء وكثرة الحكايات عليه، ولما بلغ سيف الدولة حالة الفقر التي يمر بها الناضري، قام بإرسال هذه السفتجة.
ويذكر (التنوخي)( ) أيضاً أن أحد الصرافين المقيمين في مصر أرسل سفتجة بقيمة مائة دينار إلى زوجته في بغداد.
ويضيف (التنوخي)( ) أن مسافراً من الأحواز إلى بغداد، نظم المبلغ الذي معه ومقداره خمسة آلاف دينار على شكل سفتجة يصرفها في بغداد، كي يبعدها عن مخاطر الطريق.
أما سفاتج التجار المسلمين خارج حدود الدولة العربية الإسلامية، فقد وردتنا إشارة واحدة جاء بها (أبو شجاع)( ) قال فيها: ((وأي فخر في أن يقبل في بلاد المخالفين خط يكتب على معاملة ناصر، فان يكن ذلك في جملة المناقب بأمر التجار إذا أنفذ في المشارق والمغارب لأنهم يكتبون بالأموال الجمة على معاملاتهم)).
ومما تقدم نستنتج سعة وانتشار العمل بنظام السفاتج، ولابد أن يكون وراء رواج هذا النوع من التعامل المصرفي في نشاط اقتصادي وتجاري أدى إلى شيوع استخدام السفاتج بين أقاليم الدولة العربية الإسلامية.

تحميل الملف المرفق Download Attached File

تحميل الملف من سيرفر شبكة جامعة بابل (Paper Link on Network Server) repository publications

البحث في الموقع

Authors, Titles, Abstracts

Full Text




خيارات العرض والخدمات


وصلات مرتبطة بهذا البحث