معلومات البحث الكاملة في مستودع بيانات الجامعة

عنوان البحث(Papers / Research Title)


التناص في شعر حسان


الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)

 
بشائر امير عبد السادة الفتلاوي

Citation Information


بشائر,امير,عبد,السادة,الفتلاوي ,التناص في شعر حسان , Time 03/12/2018 19:09:22 : كلية التربية للعلوم الانسانية

وصف الابستركت (Abstract)


المرجعيات الثقافية في شعر حسان

الوصف الكامل (Full Abstract)

التناص في شعر حسان بن ثابت الانصاري
بشائر امير عبد السادة
كلية التربية-جامعة بابل
ملخص البحث
التناص من المفاهيم والمصطلحات النقدية الحديثة التي عرفها الغرب وعمدوا الى تأسيس نظرية في مفهوم التناص والكيفية التي تتخذها آلية التناص في النص الابداعي، علماً ان التناص بوصفه مفهوماً قد ورد في الدرس العربي القديم باسماء أو مصطلحات مختلفة.وقد تعددت تعريفات التناص وانواعه واشكاله، فرأيت ان أدرس اشكال التناص وأطبقها على شعر حسان بن ثابت لانه، كما وجدنا في دراستنا ان اشكال التناص تنوعت لديه إذ إن الروافد المعرفية التي وجدتها في شعر حسان تنماز بثراء واضح ولاسيما توظيفه للمرجعية القرآنية والحديث النبوي الشريف والشعر والنثر.وقد قسم البحث على خمسة مطالب كل مطلب تناولت فيه شكلاً من اشكال التناص في موضوعاته المختلفة، فكانت كما يأتي:-
المطلب الاول: تناولت فيه دراسة التناص الاشاري، والمطلب الثاني:
تناولت فيه دراسة التناص الاقتباسي الكامل المحور، والمطلب الثالث: اختص بدراسة التناص الامتصاصي، والمطلب الرابع: درست فيه التناص الاقتباسي الجزئي، والمطلب الخامس: درست فيه التناص الاقتباسي الكامل المنصص.ثم خاتمة باهم الاستنتاجات التي استخلصتها من البحث، ثم قائمة باسماء المصادر والمراجع.
التناص
من المصطلحات النقدية الحديثة التي اتسعت دائرة الحديث عنها، ومفهوم التناص لم يكن خافياً على النقاد العرب القدامى فهم اول من ادركه واوضحه في انتقاداتهم لشعر الشعراء الا انه لم يعرف بهذا المسمى (التناص) وانما اطلق عليه (السرقات، الاخذ، الاغارة، او التأثر والتأثير).فالنقاد القدامى امثال ابي هلال العسكري وابن رشيق القيرواني وابن طباطبا توصلوا الى حقيقة هذا المفهوم، ولو بشكله البسيط، على الرغم من تنوع التسمية التي اطلقوها عليه( )ووصل الامر الى الذروة عند عبد القاهر الجرجاني في نظريته (النظم)، فلقد قسم المعاني على قسمين: القسم الاول: معنى عقلي صحيح (مجراه في الشعر والكتابة والبيان والخطابة مجرى الادلة التي تستنبطها العقلاء، والفوائد التي تثيرها الحكماء...)( ). فهذا المعنى ( يشهد العقل بالصحة ويعطيه من نفسه اكرم النسبة وتتفق العقلاء على الاخذ به والحكم بموجبه) ( ).والقسم الثاني: معنى تخييلي (فهو الذي لايمكن ان يقال انه صدق، وان ما اثبته ثابت، ومانفاه منفي) ( ).وهذان المعنيان ما اصطلح النقاد على تسميتهما بالمعنى الخاص وفيه تكون السرقة، والمعنى العام، وهذا المعنى مشاع يستطيع أي شاعر الاخذ والافادة منه( ).والملاحظ ان هذا المفهوم تنبه له الشعراء في اشعارهم، ولعلهم هم من اوضحوا الطريق للنقاد لاطالة الحديث فيه، فهذا امرؤ القيس يقول:
اذود القوافي عني ذيادا
ذياد غلام جريء جرادا

فلما كثرن وعنيته
تخير منهن شتى جيادا

فاعزل مرجانها جانباً
وآخذ من درها المستجادا( )

فيعلق ابن سلام الجمحي على شعر امرئ القيس بقوله (ماقال مالم يقولوا، ولكنه سبق العرب الى اشياء ابتدعها، واستحسنتها العرب، واتبعته فيها الشعراء)( ).فالمتمعن في قول ابن سلام (ماقال .. ابتدعها.. اتبعته فيها) يجد مفهوم التناص وتلك الآلية التي استخدمها التناصيون فيما بعد واضحة للعيان وان لم يسمها( ).وكذلك نلمح هذا الامر في شعر كعب بن زهير:
ما ارانا نقول الا رجيعا
ومعاداً من قولنا مكرراً( )

ومن الملاحظ ان كعب بن زهير يؤكد بان اللاحق يأخذ من السابق، وهذا الكلام ينطبق على مفهوم نظرية التناص وان لم تكن متشابهة بالالفاظ( ).فالبيت الشعري يقرر( بكل دقة اعادة انتاج رؤى وجودية واقعية وفنية قديمة بصورة جديدة عفوية تارة ومقصودة تارة اخرى... وثم جعلها هي الاخرى قادرة على التأثير والتحول) ( ).
مفهوم التناص في الغرب
بدأ هذا المفهوم اول الامر على يد الشكلانيين في كتابات (شلوفسكي) ومن ثم باختين وبعد ذلك توسع هذا المفهوم على يد جوليا كريستيفا التي تعد الرائدة الاولى في استخدامها لمصطلح التناص في كتاباتها( )، التي نشرتها سنة 1966-1976، وقد عرفت التناص بقولها: (النص جهاز لساني يعيد توزيع نظام اللغة واضعاً الحديث التواصلي، نقصد المعلومات المباشرة في علاقة مع ملفوظات مختلفة سابقة او متزامنة)( ).وفي تعريف آخر تقول: (ان كل نص عبارة عن لوحة فسيفسائية من الاقتباسات وكل نص هو تشرب وتحويل لنصوص اخرى) ( ).ولقد لمعت عدة اسماء لنظرية التناص في امريكا وفرنسا منهم ميشيل ريفاتير وبارت وغيرهم، فميشيل ريفاتير يرى ان التناص هو (ان يلحظ القارئ علاقات بين عمل واعمال اخرى سبقته او جاءت بعده) ( )، اما بارت فيقول ان (كل نص هو تناص والنصوص الاخرى تتراءى فيه بمستويات متفاوتة وباشكال ليست عصية على الفهم بطريقة او بأخرى...) ( ).
انواع التناص:
يحدد مارك انجينو انواع التناص في اطارين اثنين:
1- العفوية وعدم القصد( ).
ولعل هذا النوع قد تنبه له القاضي الجرجاني بقوله (ومتى اجهد احدنا نفسه واعمل فكرة واتعب خاطره وذهنه في تحصيل معنى يظنه غريباً مبتدعاً، ونظم بيت يحسبه فرداً مخترعاً ثم تصفح الدواوين لم يخطئه ان يجده بعينه او يجد له مثالاً يغض من حسنه) ( ).
2- القصد والوعي الكامل( ).
((اما الناقد ليون سمفل فانواع التناص لديه هي:
1- التناص المباشر.
2- التناص غير المباشر)) ( ).
اشكال التناص
تعددت اشكال التناص وتنوعت وقد حددها الباحث احمد طعمة حلبي بخمسة اشكال هي:
1- التناص الاقتباسي ويتفرع الى:
أ- التناص الاقتباسي (الكامل).
ب- التناص الاقتباسي (المحور)
جـ- التناص الاقتباسي (الجزئي).
2- التناص الاشاري
3- التناص الامتصاصي.
4- التناص الاسلوبي.
5- تناص الشخصيات( ).
وستتركز دراستنا على الاشكال الثلاثة الاولى من هذه الاشكال، لانها واضحة في شعر حسان كثيراً، وكما ستكون دراستنا لها في شعر حسان على اساس كثرتها في شعره.
اولاً: التناص الاشاري
وهو ان يستحضر الشاعر نصاً ايا كان نوعه عن طريق الاشارة المركزة، وقد تكون هذه الاشارة بلفظة واحدة او بلفظتين، بحيث تكون هذه الاشارة بمثابة الاستحضار الكامل لذلك النص، على ان لايكون هنالك حضور لفظي كامل او محور او جزئي في النصوص اللاحقة، ولعل من مميزات هذا النوع من التناص انه يمتاز بقدرة عالية على التكثيف والايجاز مع الدقة في التعبير، بحيث تثير المفردة المستحضرة وجدان المتلقي ومشاعره( ).ان الامثلة على هذا الشكل من اشكال التناص في شعر حسان كثيرة جداً والى جانب كثرتها فهي متنوعة فتارة تتناص مع القرآن الكريم وتارة مع السنة الشريفة، واخرى مع الادب العربي من شعر ونثر.
أ- التناص الاشاري القرآني: لعله لايخفى على احد مدى تأثر حسان بن ثابت بالقرآن الكريم وبتعاليمه العظيمة.فحسان بن ثابت شاعر من شعراء الدعوة الاسلامية الذين تأثروا بالفاظ القرآن الكريم واستمدوا منه عباراتهم واخيلتهم ومعانيهم فـ ((كان شعرهم صدى ابداعياً للتربية القرآنية والتعليمات النبوية وشمولية الانتماء المنهجي والتعبيري دون ابتذال او غموض))( ). ومن امثلة هذا التناص قول حسان بن ثابت:
وخبر بالذي لاعيب فيه
بصدق غير اخبار الكذوب

بما صنع المليك غداة بدر
لنا في المشركين من النصيب( )

فالشاعر يفتخر بذلك النصر العظيم الذي حققه المسلمون على المشركين في معركة (بدر)، فلفظة (بدر) كانت دالة اشارية الى قوله تعالى: ((ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة، فاتقوا الله لعلكم تشكرون))( ).وفي قصيدة اخرى يمدح حسان الرسول (ص) ويبين دوره في نشر رسالة الاسلام وانذاره للمعاندين والخارجين عن الاسلام قال:
وانذرنا ناراً وبشر جنة
وعلمنا الاسلام فالله نحمد( )

فلفظتا (انذرنا، وبشر) في الشطر الاول اشارتا الى قوله تعالى: (اكان للناس عجباً ان اوحينا الى رجل منهم ان انذر الناس وبشر الذين آمنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم...) ( ).اما الشطر الثاني فهو تناص مع قوله تعالى: ((... ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين)) ( ).فاذا كان الممدوح في العصر الجاهلي يمدح بصفات الكرم والشجاعة وحماية الجار، فان حسان بن ثابت جعل للممدوح صفات قيادية اسلامية ذات معان جديدة، فالقائد الاسلامي له دور الانذار والوعظ والارشاد وتعليم الناس مبادئ الدين الجديد ليخلصهم من اهوال العقاب، وكل ذلك متأتٍ من تشرب المعاني القرآنية التي انزلها الله في كتابه الكريم. ومن الملاحظ ان حسان بن ثابت قد غاص في المعاني الاسلامية الجديدة ووضع نفسه موضع المدافع عن تلك المعاني والمبادئ، ولعله يصدق عليه القول بان الشاعر الاسلامي اصبح ((متبنياً للدين الذي آمن به داعياً الى مبادئه، مدافعاً عنه تاركاً نوازعه الشخصية البحتة))( ).ومن المبادئ الاسلامية التي ذكرها حسان في شعره مبدأ الاقرار بالبعث والنشور والمدافعة عن هذا المبدأ، قال:
اجئت محمداً عظماً رميماً
لتكذبه وانت به جهول( )

فمن الواضح ان لفظتي (عظماً، رميماً) دلالة واضحة لقوله تعالى: ((وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم)) ( ).ومن المبادئ المهمة الاخرى التي ذكرها حسان بن ثابت في شعره مبدأ الاقرار بنبوة محمد (ص)، قال:
شهدت باذن الله ان محمداً
رسول الذي فوق السموات من عل( )

فلفظتا (محمد، ورسول) احالتا المتلقي الى قوله تعالى: ((ماكان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليماً) ( ).
فانبوا بعاد واشياعها
ثمود وبعض بقايا ارم( )




ومن النصوص الاخرى الواضحة الدلالة على التناص الاشاري قوله:(فعاد، وارم) اشارتا الى قوله تعالى: ((الم تر كيف فعل ربك بعاد ارم ذات العماد))( ).وفي قصيدة يرثي بها الرسول (ص) يبين حسان دور الرسول (ص) الذي لم يقتصر على نشر تعاليم الدين الجديد، وانما امتد الى تصديق الانبياء والرسل الذين سبقوه بقوله:
مصدقاً للنبيين الألى سلفوا
وابذل الناس للمعروف للجادي( )

فلفظة (مصدقاً) اشارت الى قوله تعالى: ((ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من اهل الكتاب...)) ( ).ومن النصوص الاخرى الواضحة الدلالة على التناص الاشاري قول حسان وهو يذكر مبدأ من مبادئ الدين الاسلامي الجديد وهو مبدأ البعث والنشور، قال:
تبكي القبور اذا مامات ميتهم
حتى يصيح بمن في الارض داعيها( )
فلفظة (داعيها) اشارت الى قوله تعالى ((يومئذ يتبعون الداعي لاعوج له وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا)) ( ).لعل الامثلة السابقة اعطت صورة واضحة للتناص الاشاري القرآني في شعر حسان، لذا سنكتفي بها مشيرين في الهامش الى الامثلة الاخرى لمن اراد الاستزادة*.
ب- التناص الاشاري مع الحديث النبوي:
ان حسان بن ثابت لم يقتصر على القرآن الكريم في استنباط المعاني الاسلامية، فالى جانب القرآن الكريم، كانت السنة النبوية الشريفة رافداً من روافد التغذية الروحية والتعاليم الاسلامية الخالدة، الا ان القرآن الكريم كان له القدح المعلى في ظاهرة التناص.قال حسان يهجو الضحاك بن خليفة الاشهلي:
لو كنت منا تخالف ديننا
وتبعت دين عتيك حين تشهدا( )

وهي اشارة واضحة لقول الرسول (ص) في يوم حنين ((انا ابن العواتك من سليم))( )، فالشاعر اشار بلفظة (عتيك) الى نص الرسول (ص).وفي معرض الحديث عن صفات الانصار وطاعاتهم للرسول (ص)، يقول:
ان قال سيروا اجدوا السير جهدهم
او قال عوجوا علينا ساعة ربعوا( )

فلفظة (سيروا) اشارت الى الحوار الذي حدث بين الرسول (ص) وبين الانصار والذي قال فيه (ص) (سيروا وابشروا فان الله تعالى قد وعدني احدى الطائفتين والله لكأني انظر الى مصارع القوم...) ( ).وفي نص آخر نجد حسان بن ثابت يفتخر بان قومه نصروا النبي (ص) وانهم اشداء اقوياء في الحرب، وان منهم امين الله وهو (سعد بن معاذ) وحنظلة (غسيل الملائكة) قال:
إذا حاربوا او سالموا لم يشبهوا
فحربهم حرب وسلمهم سهل

ومنا امين المسلمين حياته
ومن غسلته من جنابته الرسل( )

فلفظة (غسلته) اشارت الى قول الرسول (ص) بعد استشهاد حنظلة: ((رأيت الملائكة بين السماء والارض تغسل حنظلة بماء المزن في صحاف..)) ( ).وفي نص آخر يرثي الحارث الجفني، يقول:
اذا لابوا جميعاً او لكان لهم
اسرى من القوم او قتلى واسلاب( )

وفي هذا البيت الشعري اشارة الى قول الرسول (ص) (من قتل قتيلاً فله سلبه)( )، وهذه الاشارة تمثلت في اللفظتين (قتلى، واسلاب).وفي نص آخر يقول حسان بن ثابت مؤاخاة الرسول (ص) للامام علي (ع) يقول:
الست اخاه في الهدى ووصيه
واعلم فهر بالكتاب وبالسنن( )

فلفظة (اخاه) قد اشارت الى قول الرسول (ص) للامام علي (ع): ((والذي بعثني بالحق نبياً ما اخترتك الا لنفسي، فانت مني بمنزلة هارون من موسى، الا انه لانبي بعدي، وانت اخي ووارثي...))( ). اما الشطر الثاني فهو تناص اشاري مع قول الرسول (ص): ((اعلم امتي من بعدي علي بن ابي طالب))( )، فلفظة (اعلم) كانت دالة اشارية واضحة لقول الرسول (ص).وفي نص آخر يذكر حسان بن ثابت سبق الامام علي (ع) في اعتناق الاسلام يقول:
جزى الله خيراً والجزاء بكفه
ابا حسن عنا ومن كأبي حسن

سبقت قريشاً بالذي انت اهله
فصدرك مشروح وقلبك ممتحن( )

فلفظة (سبقت) اشارت الى قول الرسول (ص): (السباق اربعة: سبق يوشع بن نون الى موسى بن عمران-عليه السلام- وصاحب ياسين الى عيسى ابن مريم-عليه السلام- وسبق علي بن ابي طالب –عليه السلام-الى رسول الله(ص))( ).
جـ- التناص الاشاري الادبي
1- في الشعر: لو تتبعنا شعر حسان بن ثابت لوجدنا انه قد اشار في اثناء ابياته الشعرية الى ابيات الشعراء الذين سبقوه او زامنوه:
قال حسان:
ياسالب البيت ذي الاركان حليته
اذ الغزال فلن يخفى لمستلب( )

فالشاعر اشار بلفظتي (البيت، والغزال) الى قول ابن ابي مسافع:
ان الغزال الذي كنتم وحليته
تقنونه لخطوب الدهر والغير

طافت به عصبة من شر قومهم
اهل العلى والندا والبيت ذي الستر( )

وفي نص آخر يقول حسان:
سأوتي العشيرة ماحاولت
الي واكذب ايعادها( )

فلفظة (ايعادها) اشارت الى قول عامر بن الطفيل:
واني وان اوعدته او وعدته
لمخلف ايعادي وانجز موعدي( )

فالشاعر وان تناص مع نص عامر بن الطفيل الا انه نقل المعنى من معنى الكرم والتسامح الذي تضمنه نص عامر بن الطفيل الى معنى الشجاعة والقدرة على تكذيب الوعيد.ومن النصوص الاخرى التي حملت بين طياتها تناصاً اشارياً قوله
غيرته الريح تسفي به
وهزيم رعده واصب( )

فقوله (غيرته الريح) اشارة مركزة لقول تميم بن ابي مقبل:
قد غيرته رياح واخترقن به
من كل ماتي سبيل الريح يأتينا( )

والموت اعداد النفوس ولا أرى
منه لذي هرب نجاة تنفع( )

وفي نص آخر يذكر حسان الموت ويحث على الجهاد، يقول:فلفظة (الموت) اشارت الى قول طرفة بن العبد:
ارى الموت لايرعي على ذي قرابةٍ
وانْ كان في الدنيا عزيزاً بمقعدِ( )

ومن الامثلة الاخرى على التناص الاشاري قول حسان يهجو ابا سفيان:
وانت زنيم نيط من آل هاشم
كما نيط خلف الراكب القدح الفرد( )

ولعل من الواضح ان لفظة (زنيم) كانت هي الدالة الاشارية التي استعملها الشاعر لتتناص مع قول الخطيم التميمي:
زنيم تداعاه الرجال زيادة
كما زيد في عرض الاديم الاكارع( )

فمن الواضح ان الشاعر في هجائه لابي سفيان لم يصدر عن معان اسلامية فالشاعر شتمه وسفه نسبه، ولعل هذه المعاني اقرب الى المعاني الجاهلية منها الى الاسلامية( ).
2- في النثر
ان المقصود بالتناص النثري في شعر حسان هي (الامثال) التي وظفها الشاعر في نصوصه الشعرية ومن امثلة ذلك قوله:
لانك كالشاة التي كان حتفها
بحفر ذراعيها فلم ترض محفرا( )

فلفظة (الشاة) كانت اشارة مركزة مع المثل العربي (ياشاة اين تذهبين؟ قالت اجزُّ مع المجزوزين) ( )، وهذا المثل يضرب لمن يذهب الى حتفه بارادته دون ان يعلم الى اين يذهب. وفي نص آخر يرثي به الرسول (ص) مبينا صفاته، يقول:
ام من نعاتب لانخشى جنادعه
اذا اللسان عتا في القول او عثرا( )

ان كلمة (جنادعه) اشارت الى المثل العربي (شفيت نفسي وجدعت انفي) ( ) وهذا المثل يضرب لمن يضر بنفسه من وجه ويشفي من وجه.وفي نص آخر يقول حسان:
وتحسبهم ماتوا زمين حليمةٍ
وإنْ تأْتهم تحمد ندامتهم غدا

فكلمة (حليمة) دالة اشارية واضحة الدلالة مع المثل العربي المشهور (مايوم حليمة بسر)( ).وفي نص آخر يقول حسان:
ودع السؤال عن الامور وبحثها
فلرب حافر حفرة هو يصرع( )

فلفظة (حافر) ولفظة (حفرة) قد اشارتا الى المثل العربي: (من حفر مغواة وقع فيها) ( ).
ثانياً: التناص الاقتباسي الكامل المحور
وهو ان يقصد الشاعر نصاً كاملاً مستقلاً بذاته سواء اكان هذا النص بيتاً، ام ابياتاً شعرية، ام شطراً من بيت شعري، ام جملة نثرية، فيأخذ هذا النص من سياقه، ويجري عليه بعض التغيرات، أي يزيد عليه او ينقص منه او يقدم او يؤخر، سواء اكان هذا التغيير بسيطاً ام معقداً وبعد ذلك يضعه في نصه اللاحق( ).وهذا النوع من التناص موجود لدى الشاعر حسان بن ثابت الا انه ليس بمستوى التناص الاشاري.
أ- التناص الاقتباسي الكامل المحور (القرآني): لعل من الامثلة الواضحة لهذا الشكل من التناص قول حسان:
وكفى الاله المؤمنين قتالهم
واثابهم في الاجر خير ثواب( )

فمن الملاحظ ان الشطر الاول من البيت الشعري يحيل القارئ الى النص القرآني الذي يبين فيه الله تعالى رحمته على عباده بانه كفاهم شر قتال اولئك الكفار، قال الله تعالى: (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً) ( ).فالشاعر اخذ النص القرآني (وكفى الله المؤمنين القتال) واستبدل فيه كلمة (الله) بكلمة (الاله) وبكلمة (القتال) كلمة (قتالهم) وبهذا حور في بنية النص الاصلي ووضعه في نص جديد.وفي نص آخر يبين فيه صفات الله تعالى يقول:
لك الخلق والنعماء والامر كله
فاياك نستهدي واياك نعبد( )

فكما هو ملاحظ ان شطر البيت الثاني هو تناص محور واضح الدلالة مع القرآن الكريم قال تعالى: (اياك نعبد واياك نستعين) ( ).فالشاعر زاد الفاء على كلمة (اياك) واخر الفعل (نعبد) واستبدل الفعل نستعين بفعل آخر وهو (نستهدي).ومن الامثلة الاخرى قوله في الاعتصام بحبل الله والدعوة الى عدم التفرقة.
مستعصمين بحبل غير منجذم
مستحكم من حبال الله ممدود( )

وهذا المثال تناص مع قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا...) ( ).
ولعله من ملاحظة النصين نجد ان التحوير الذي احدثه حسان في النص القرآني هو تحوير معقد فهو لم يكتف بالتقديم والتأخير وانما احدث بعض التغييرات الاخرى وهي استبدال الفعل (اعتصموا) بكلمة (مستعصمين) واعطاء صفة الثبات وعدم الانقطاع (لحبل الله)، أي انه حذف المضاف اليه ووضع مكانه صفة واضحة الدلالة عليه ووضع قرينة تدل عليه في شطر البيت الثاني، بأنه جعل هذا الحبل من حبال الله الكثيرة الممدودة للانسان المسلم.ومن الامثلة الاخرى قوله:
صلى الاله ومن يحف بعرشه
والطيبون على المبارك احمد( )

مع ان الشاعر اجرى تغييرات كثيرة في هذا النص الا انه واضح الدلالة انه تناص محور مع الاية القرآنية (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) ( ).فمن الواضح ان هذا التناص المحور هو تناص معقد، فالشاعر ابدل صيغة الفعل المضارع (يصلون) الى صيغة الفعل الماضي وقدم هذا الفعل على لفظة الله، واستبدل لفظة الله بكلمة (الاله) ولم يذكر الملائكة بالاسم وانما بصفتهم (يحف بعرشه) ، فضلاً عن ذكر المؤمنين بصفتهم وهي (الطيبون) اما كلمة النبي فاشار اليها اشارة واضحة بالاسم وليس بالصفة فقال (احمد). وقال في بيان صفات الرسول (ص) ورحمة الله تعالى في هداية عباده الى طريق الحق:
يابكر آمنة المبارك بكرها
ولدته محصنة بسعد الاسعد

نوراً اضاء على البرية كلها
ومن يهد للنور المبارك يهتدي( )

فهذه الصفات قد ذكرها الله في محكم كتابه بقوله: (...قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم) ( ).فالشاعر كما هو واضح احاط بمعنى الآية في ذهنه واستعان ببعض كلماتها وحور فيها ووضع ذلك في نصه الشعري، فمن التغييرات التي احدثها انه حذف من النص القرآني قوله تعالى: (قد جاءكم من الله، وكتاب مبين) في الآية الاولى وزاد عليها قوله (اضاء على البرية كلها)، اما الآية الثانية فقد استبدل فيها صيغة الفعل المضارع المبني للمعلوم (يهدي) الى صيغة المبني للمجهول (يهد) وحور باقي النص بما يتلاءم مع معنى النص.وفي نص آخر يقول حسان:
والثاني اثنين في الغار المنيف وقد
طاف العدو به اذ صعد الجبلا( )

فالشاعر اعتمد على النص القرآني في قوله تعالى: (وثاني اثنين اذهما في الغار...) ( )، وحور فيه وذلك بزيادة (الالف واللام) في كلمة (ثاني) وحذف (اذهما) من النص القرآني واستعاض عنها بحرف الجر (في) وزاد على النص (النيف وقد...) .فمن الواضح ان الشاعر حسان كان يذكر في اشعاره قيم الاسلام الروحية التي آمن بها وخالطت شغاف قلبه( )، فضلاً عن انه لم يقتصر على ذكر الفاظ القرآن الكريم والنبوة بل تعداها الى ذكر الفاظ تتصل بالعقيدة الاسلامية كالايمان بالغيب والقيامة والحشر والمعاد وما الى ذلك( )، قال حسان:
تركناهم للعاويات تنوبهم
ويصلون ناراً بعد حامية القعر( )

فالشطر الثاني من البيت الشعري واضح التناص مع القرآن الكريم، قال تعالى: ((تصلى ناراً حامية))( )، فالشاعر استبدل صيغة الفعل المضارع (تصلى) الى صيغة الافعال الخمسة (يصلون) وزاد على النص الظرف (بعد) وكلمة (القعر) ووضعها في نصه الشعري.
ب- التناص الاقتباسي الكامل المحور الشعري:
قال حسان:
منع النوم بالعشاء الهموم
خيال اذا تغورُ النجوم( )

وهذا المعنى نجده في شعر ابي دؤاد الأيادي:
منع النوم مأوي التهمام
وجدير بالهم من لاينام( )

فالشاعر جعل الخيال هو سبب الهم الذي منعه من النوم، اما ابو دؤاد فكانت الهموم لديه غامضة عامة غير محددة.ومن الملاحظ ان حسان قد زاد على نص ابي دؤاد قوله (بالعشاء)، فضلاً عن انه استبدل قول ابي دؤاد (مأوي التهمام) بقوله (الهموم) ثم وضع النص المحور في نصه الاصلي.وفي نص آخر يعطي سبباً آخر لعدم النوم، قال حسان:
مابال عينك لاتنام كأنما
كحلت مآقيها بكحل الارمد( )

وهو تناص محور من قول عنترة:
مابال عينك لاتمل من البكا
رمد بعينك ام جفاك كراها( )

فالشاعر حسان صور الرمد في العين تصويراً بليغاً حيث انه جعله كالكحل، الا ان هذا الكحل يحمل دلالة اخرى غير تلك الدلالة المعروفة وهي تجميل العين.ومن الملاحظ ان حسان حذف من النص الاصلي قول عنترة (لاتمل من البكا) ووضع بدلاً منها (لاتنام كأنما) وزاد على النص الاصلي قوله (كحلت مآقيها بكحل) ثم استبدل كلمة (رمد) بكلمة (الارمد) وحذف (بعينك ام جفاك كراها) ووضع النص المحور في نصه الاصلي.ومن الامثلة الاخرى قول حسان يفخر بقومه:
وانا من القوم الذين اذا
ازم الشتاء محالف الجدب( )

فالشاعر اعتمد قول طرفة بن العبد:
وانا من القوم الذين اذا
ازم الشتاء ودوخلت حجره( )

وحوره وكان تحويره له بسيطاً اذ انه لم يغير سوى في الجملة الاخيرة وهي (محالف الجدب) بدلاً من (دوخلت الحجر).وفي نص آخر يقول حسان:
واي جديد ليس يدركه البلى
واي نعيم ليس يوماً بزائل( )

فالشطر الثاني من البيت الشعري محور من الشطر الثاني من قول لبيد بن ربيعة العامري الذي يقول فيه:
وامسى كاحلام النيام نعيمهم
واي نعيم خلته لايزايل( )

فالشاعر استبدل (ليس يوماً) بكلمة (خلته) وجملة (لايزايل) بـ (زائل) ووضع النص المحور في نصه الاصلي.او لعله تناص مع قول لبيد في بيت آخر:
الا كل شيء ما خلا الله باطل
وكل نعيم لامحالة زائل( )

ومن الملاحظ ان الشاعر لم يكن له تناص محور مع النثر من (حكم وامثال) على حد علمنا واطلاعنا وقراءتنا لديوانه.

جـ- التناص الاقتباسي الكامل المحور مع الحديث النبوي:
قال حسان بن ثابت في ذكر حادثة الغدير وتنصيب الامام علي (ع) اماماً للامة:
فقال له قم ياعلي فأنني
رضيتك من بعدي اماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه
فكونوا له اتباع صدق مواليا

هناك دعا اللهم وآل وليه
وكن للذي عادا علياً معاديا( )

فالبيت الثاني والثالث هو تناص محور مع قول الرسول (ص) يوم غدير خم: (فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله) ( ).فكما هو ملاحظ ان حسان بن ثابت استوحى النص الاصلي وحور فيه وذلك باستبدال بعض الكلمات ووضع اخرى محلها مثل استبداله لكلمة (مولاه) بكلمة (وليه) وحذف كلمة (علي) وزيادة الشطر الثاني من البيت الشعري الثاني، وزيادة جملة (هناك دعا) و (من) في الشطر الاول من البيت الثالث، واستبدال كلمة (والاه) بكملة وليه، وكما زاد في الشطر الثاني جملة (وكن للذي) واستبدل (من) بكلمة (علي) وكلمة (عاداه) بكلمة (معاديا).ومن النصوص الاخرى التي تمثل هذا الشكل من اشكال التناص قول حسان بن ثابت في يوم خيبر:
وكان علي ارمد العين يبتغي
دواء فلما لم يحس مداويا

شفاه رسول الله منه بتفلة
فبورك مرقيا وبورك راقيا

وقال ساعطي الراية اليوم صارما
كميا محباً للإله مواليا

يحب الهي والاله يحبه
به يفتح الله الحصون الاوابيا

فاصفى بها دون البرية كلها
علياً وسماه الوزير المؤاخيا( )

وهذه الابيات تتناص مع قول الرسول (ص) في يوم خيبر: عن سهل بن مسعود عن الرسول (ص) قال يوم خيبر (لاعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فلما اصبح الناس غدوا على رسول الله (ص) كلهم يرجون ان يعطاها، فقال: اين علي بن ابي طالب، فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال: فارسلوا اليه فبصق رسول الله (ص) في عينيه فبرأ كأن لم يكن به وجع فاعطاه الراية...) ( ).ولعل التحوير الذي احدثه حسان بن ثابت في النص بدا واضحاً للقارئ، وهو يمثل تحويراً معقداً.
ثالثاً: التناص الامتصاصي:
وهو ان يعيد الشاعر صياغة مضمون نص سابق او مغزاه او فكرته من جديد بعد استيعابه له وانعكاس هذا الاستيعاب في نصه اللاحق على ان لايكون هناك حضور لفظي واضح او أي ذكر صريح للنص السابق( ).فالشاعر في هذا النوع من التناص يستوحي روح النص ويوظفه في نصه اللاحق، ولعل شعر حسان يحفل بهذا النوع من التناص.
أ- التناص الامتصاصي القرآني:
لقد كان حسان بن ثابت يتشرب المعاني القرآنية والافكار السماوية المنزلة على الرسول (ص) ويصوغها صياغة جميلة واضحة الدلالة والمعنى، ومن امثلة ذلك قوله يمدح الرسول (ص):
خلقت مبرءاً من كل عيب
كأنك قد خلقت كما تشاء( )

فالمتمعن في قراءة هذا البيت يجد انه يحمل دلالة الآية الكريمة ((وانك لعلى خلق عظيم))( ).
فكما هو واضح ان المعنى بقي واضحاً الا ان الالفاظ تغيرت وهذا الامر يتضح ايضاً في المثال الآتي:
مبارك كضياء البدر صورته
ماقال كان قضاء غير مردود( )

فالشطر الثاني من البيت الشعري يدل على ان قول الرسول (ص) وعلمه من الله سبحانه وتعالى فقوله الحق لايرد ولايبدل، وهذه الدلالة تحملها الاية الكريمة ((وماينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى)) ( ).وفي نص آخر يذكر مبيت الامام علي (ع) على فراش النبي (ص) حينما غادر النبي (ص) مكة، يقول:
من كان بات على فراش محمد
ومحمد اسرى يؤم الغارا( )

فالشاعر هنا استوحى قوله تعالى (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله)( )، ولعل معنى البيت الشعري واضح الدلالة والاشارة الى الحديث الذي اجمعت الامة عليه من ان علياً (ع) لبس برد النبي (ص) ونام على فراشه ليلة مغادرة النبي (ص) الى الغار، وقد نزلت هذه الاية بحق الامام علي (ع)( ).وفي نص آخر يقول حسان:
بني يرى مالايرى الناس حوله
ويتلو كتاب الله في كل مسجد( )

وهذه هي صفات الانبياء فاتصالهم بالله (عز وجل) اعطاهم البصيرة الثاقبة التي يرون فيها ما لايرى ما حولهم من الناس، ولعل هذا النص يدل على قوله تعالى: ((... قل انما اتبع مايوحى الي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ، واذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون)) ( ).وفي مثال آخر يرثي نافع بن بديل الذي استشهد يوم بئر معونة، يقول:
رحم الله نافع بن بديل
رحمة المشتهي ثواب الجهاد( )

مما يلاحظ ان فن الرثاء في العصر الاسلامي اخذ طابعاً اسلامياً صادقاً في دعم الدعوة الاسلامية( )، فالشاعر هنا ربط بين الموت (الشهادة) وبين الدرجة العالية والمرتبة الكبيرة التي سيحصل عليها المجاهد بعد هذه الشهادة وهذه الرحمة والمنزلة التي ذكرها الله في القرآن الكريم وبشر بها المجاهدين في سبيله، قال تعالى: ((لكن الرسول والذين امنوا معه وجاهدوا بأموالهم وانفسهم واولئك لهم الخيرات واولئك هم المفلحون، اعد الله لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم))( ).ومن المبادئ التي طرحها حسان بن ثابت في شعره مبدأ الحساب يوم القيامة، فالانسان في ذلك اليوم هو الذي يحمل وزره وعمله الصالح، يقول حسان:
واكدح بنفسك لاتكلف غيرها
فبدينها تجزى وعنها تدفع( )

والمتمعن في القرآن الكريم يجد اكثر من آية قد دلت على هذا المبدأ ولعل اوضحها*، قوله تعالى: ((اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، من اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولاتزر وازرة وزر اخرى وماكنا معذبين حتى نبعث رسولاً)) ( ).فاحساس الشاعر وتشربه بالمعاني والمبادئ الاسلامية واضح الدلالة ومن الامثلة الاخرى على هذا الشكل من اشكال التناص قوله في بث الدعوة الاسلامية جهاراً وعدم التكتم، قوله:
فناد بما كنت اخفيته
نداء جهاراً ولاتكتتم( )

فمن الواضح ان هذا البيت ودلالته تشير الى الآية القرآنية التي دعا بها الله سبحانه وتعالى نبيه (ص) الى دعوة الناس الى الدين الاسلامي بشكل علني، بعدما كان هذا الامر سراً قال تعالى ((فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين...)) ( ).
ب- التناص الامتصاصي مع الحديث النبوي
من الملاحظ ان الامثلة على هذا الشكل من اشكال التناص في الحدث النبوي قليلة جداً.قال حسان بن ثابت، يذكر مقتل عتيبة بن ابي لهب بن عبد المطلب:
والليث يعلو انيابه
منعفراً وسط دم فاقع( )

فالشاعر هنا استوحى قول الرسول (ص) حينما دعا على عتيبة، بقوله: ((اللهم سلط عليه كلباً من كلابك)) ( ).ومن الملاحظ ان لفظة (كلب) تطلق على كل سبع عقور( )، ومن هذا نستدل على ان الرسول (ص) كان يقصد (الاسد)، والقصة معروفة.وفي نص آخر يذكر صفات الرسول (ص) والاشارة الى دور الله جل وعلا في تربيته وتنشئته يقول:
رباه وليداً فاستتم تمامه
على اكرم الخيرات ربٌّ ممجد( )

وفي ذلك امتصاص واضح لقول الرسول (ص): ((ادبني ربي فاحسن تأديبي)) ( ).وفي نص آخر يذكر حسان بن ثابت يوم الغدير وولاية علي (ع) بقوله:
يناديهم يوم الغدير نبيهم
بخم واسمع بالرسول مناديا

فقال: فمن مولاكم ونبيكم؟
فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهم مولانا وانت نبينا
ولم تلق منا في الولاية عاصيا( )

ونلاحظ ان هذه الابيات قد استوحاها الشاعر من نص الرسول (ص) في يوم غدير خم حينما اخذ بيد علي (ع) وقال: ((الست اولى بالمؤمنين من انفسهم، قالوا بلى...))( ).
جـ- التناص الامتصاصي الادبي
1- في الشعر: من الملاحظ ان اشعار حسان قد احاطت بنصوص الشعراء السابقين او المزامنين له، الا ان الامثلة على هذا الشكل من التناص جاءت قليلة مع ما وجدناه في الاشكال الاخرى من اشكال التناص.ومن الامثلة على هذا الشكل قوله في الدعوة الى الرضا بقضاء الله وقدره وعدم الاسى على مافات لان كل شيء مصيره الى الزوال:
لو يرد الدمع شيئاً لقد
رد شيئاً دمعك الساكب( )

وهذا النص نجد روحه في شعر الخنساء في بكائها على اخيها صخر تقول:
الا ما لعينيك لاتهجع؟
تبكي لو ان البكاء ينفع( )

ونفس المعنى نجده في شعر عنترة:
وكم ابكي على الف شجاني
ومايغني البكاء ولا العويل( )

2- في النثر
الامثال
لم نلحظ على حد علمنا واطلاعنا تناصاً امتصاصياً مع الامثال الا نصاً واحداً وهو قول حسان في الحكم والمواعظ:
واكدح بنفسك لاتكلف غيرها
فبدينها تجزى وعنها تدفع( )

ولعل الشاعر استوحى معنى المثل (ماحك ظهري مثل يدي) ( ).
فالانسان هو اعلم بنفسه خيرها وشرها المها وفرحها، يضرب في ترك الاتكال على الناس.
رابعاً:التناص الاقتباسي الجزئي
وهو ان يقتطع الشاعر جملاً او عبارات او تراكيب جزئية غير مكتملة المعنى من نص شعري او نثري ويضعها في نصه اللاحق( ).وقد حفل شعر حسان بهذا الشكل من التناص وتنوع وسنتطرق الى هذه الانواع حسب كثرتها في شعره:
أ- التناص الاقتباسي الجزئي القرآني
من الملاحظ ان حسان كان يعمد الى النصوص القرآنية ويقتطع منها جملاً وعبارات ويزين بها شعره، ونلاحظ ايضاً ان البيت الشعري يأتي احياناً يحمل اكثر من دلالة الاقتباس الجزئي الا ان هذا الشكل من اشكال التناص (الجزئي) هو الواضح لذا سنكتفي ببيان هذا الشكل فقط في الابيات الشعرية التالية:قال حسان:
بني اتانا بعد يأس وفترة
من الرسل والاوثان في الارض تعبد( )

فعبارة (فترة من الرسل) هي تناص جزئي مع قول الله تعالى ((يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل ان تقولوا ما جاءنا من بشير...)) ( ).وفي نص آخر يمدح حسان الانصار ويذكر موقفهم مع الرسول (ص)، يقول:
وجاهدوا في سبيل الله واعترفوا
للنائبات فما خاموا وما ضجروا( )

ان الشاعر هنا عمد الى النص القرآني ((والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين اووا ونصروا اولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم)) ( ).فاقتطع منه جملة (وجاهدوا في سبيل الله) ووضعها في نصه الشعري فالشاعر هنا يضع الانصار الذين اووا الرسول (ص) ونصروا وجاهدوا في سبيل الله موضع المقابلة والمقارنة مع اولئك الذين تخلوا عنه وضجروا من الجهاد في سبيل الله، ولعل هذه الفكرة من الافكار الجديدة التي جاء بها الاسلام وآمن بها شعراء الدعوة حينما سلكوا ((منهجاً جديداً لايقوم على الاسس القديمة فيكون تعبيرهم بالشرك وعبادة الاوثان وسوء المنقلب مستلهمين من ذلك ايات القرآن الكريم والمفاهيم الاسلامية الجديدة)) ( ). وقد ترددت صورة الجنان الوارفة التي وعد الله بها المتقين كثيراً في شعر حسان ولاسيما في الشعر الذي قيل في الجهاد، قال حسان يرثي خبيباً:
فاذهب خبيباً جزاك الله طيبة
وجنة الخلد عند الحور في الرفق( )

من الملاحظ ان جملة (جنة الخلد) دلت على وجود تناص اقتباس جزئي مع القرآن الكريم قال تعالى: ((قل اذلك خير ام جنة الخلد التي وعد المتقون...))( ).
ب- التناص الاقتباسي الجزئي مع الحديث النبوي
لم نجد على حد علمنا واطلاعنا نصوص شعرية تتناص تناصاً جزئياً مع الحديث النبوي.
ج- التناص الاقتباسي الجزئي الشعري
قال حسان في الوقوف على الاطلال
لمن الدار والرسوم العوافي
بين سلع وابراق العزاف( )

ان الوقوف على الاطلال ومسائلة الديار لم يقتصر على شاعر معين فاغلب الشعراء وان لم يكن اجمعهم قد وقفوا على الديار،الا انه من الملاحظ ان الشاعر حسان قد اقتطع عبارة (لمن الدار) من بيت عبيد بن الابرص الذي قال فيه:
لمن الدار اقفرت بالجناب
غير نؤي ودمنة كالكتاب( )

ووضعها في شعره دون تغيير.ومن النصوص الاخرى قال حسان:
تلك دار الالوف اضحت خلاء
بعدما قد تحلها في نشاط( )

فجملة (اضحت خلاء) مقطوعة من بيت المرقش الاكبر، قال فيه:
اضحت خلاء نبتها ثئد
نور فيها زهوة فاغتم( )

وفي نص آخر نجده يتناص مع عنترة في معاني العفة والحياء، قال حسان:
لاتيته لابد طالبه
فاقني حياءك واقبلي عذري( )

فعبارة (فاقني حياءك) اجتذبها الشاعر من قصيدة عنترة التي يقول فيها:
فاقني حياءك لا ابالك واعلمي
اني امرؤ ساموت ان لم اقتل( )

اما التناص الجزئي مع النثر فلم نجد له في شعر حسان امثلة تدل عليه.
خامساً: التناص الاقتباسي الكامل
وهو ان يقوم الشاعر باقتطاع نص مستقل متكامل بذاته، سواء اكان بيتاً شعرياً ام ابياتاً شعرية كاملة ام شطراً من بيت شعري من النص الاصلي، فيضعه في نصه اللاحق من دون تغيير في بنيته الاصلية، سواء اكان هذا التغيير بزيادة او نقصان( ).ومن الملاحظ ان هذا الشكل من اشكال التناص نادر الاشارة اليه في شعر حسان .قال حسان في مدح الرسول (ص):
وشق له من اسمه ليجله
فذو العرش محمود وهذا محمد( )

وهذا البيت الشعري اقتبسه حسان من شعر ابي طالب عم الرسول (ص) :
وشق له من اسمه ليجله
فذو العرش محمود وهذا محمد( )

وفي نص آخر يقول حسان:
كلا ورب الراقصات الى منى
والجائبين مخارم الاطواد( )

فالشطر الاول من البيت الشعري هو تناص كلي مع قول الشاعر الحارث بن عباد:
كلا ورب الراقصات الى منى
كلا ورب الحل والاحرام( )

تناص اقتباسي كامل مع الحديث المنزل على لسان جبرائيل (ع)، قال حسان بن ثابت في يوم احد:
جبريل نادى معلناً
والنقع ليس بمنجلي

والمسلمون قد احدقوا
حول النبي المرسل

لاسيف الا ذو الفقار
ولا فتى الا علي( )

فالبيت الثالث هو تناص اقتباسي كامل مع الحديث المنزل على لسان جبرائيل ( ع) حيث قال: (لاسيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي) ( ).
الخاتمة
1- ان التناص بوصفه مفهوماً قد عرفه النقاد العرب عبر اشاراتهم وتعليقاتهم على شعر الشعراء، وقد استقر هذا المفهوم الى حدٍ ما عند عبد القاهر الجرجاني في ضوء دراسته لنظريته النظم.
2- ان التناص بوصفه نظرية نقدية لها اسس ومعايير اوجدها الغرب في دراستهم وتعد جوليا كريستيفا اول من اسس هذه النظرية النقدية.
3- لقد تضمن شعر حسان بن ثابت خمسة اشكال من اشكال التناص (التناص الاشاري، التناص المحور، التناص الامتصاصي، التناص الجزئي، التناص الكلي).
4- كان التناص الاشاري ابرز اشكال التناص في شعر حسان بن ثابت، وكما مثل التناص الكلي اقل اشكال التناص واندرها في شعره.
5- تعددت الروافد المعرفية التي تضمنها شعر حسان فهي مستوحاة من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف تارة، ومن الشعر والنثر تارة اخرى.

قائمة المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
الاربعون حديثاً في اثبات امامة امير المؤمنين (ع)، الشيخ سليمان الماحوزي، تح: مهدي رجائي، مطبعة امير، ايران، ط1، 1417هـ، ق.
الارشاد في معرفة حجج الله على العباد، الشيخ المفيد، تح: بمؤسسة آل البيت (ع) لتحقيق التراث، دار المفيد ج1 .
اسرار البلاغة في علم البيان، عبد القاهر الجرجاني، تح: د. عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2001.
الاصمعيات، الاصمعي، تح: احمد محمد شاكر، عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة.
الاكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الاسماء والكنى والانساب، ابن ماكولا، تصحيح وتعليق، عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، دائرة المعارف العمانية، الهند (د.ت)، ج5.
الامالي في الادب الاسلامي، د. ابتسام مرهون الصفار، دار الحكمة، (د.ط)، 1991.
بحار الانوار الجامع لدرر اخبار الائمة الاطهار، الشيخ محمد باقر المجلسي، دار احياء التراث، بيروت، ط3، 1983.
تاريخ الادب العربي، ادب صدر الاسلام نقد وتحليل، السيد جعفر باقر الحسيني، دار الاعتصام للطباعة والنشر، ط1، 1416هـ.
جمهرة اشعار العرب، ابو زيد القرشي، شرح: د. عمر فاروق الطباع، دار القلم، بيروت، لبنان، (د.ط)، 1995.
حسان بن ثابت وشعره في الغدير، العلامة عبد الحسين الاميني، سلسلة الكتب في اهل البيت (ع) (53)، اعداد مركز الابحاث العقائدية.
الخطيئة والتكفير، د. عبد الله الغذامي، النادي الادبي الثقافي، جدة،1985.
الخلاف، الشيخ الطوسي، تح: جماعة من المحققين، مؤسسة النشر الاسلامي، قم، ايران، 1407.
الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، (د.ت)ج3 .
دراسات في الادب الاسلامي، د. سامي مكي العاني، المكتب الاسلامي، (د.ط)، 1975.
ديوان امرئ القيس، دار صادر، بيروت، (د.ط)، (د.ت).
ديوان الخنساء، كرم البستاني، دار صادر، بيروت، (د.ط)، (د.ت).
ديوان طرفة بن العبد، اعتنى به عبد الرحمن المصطاوي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط2، 2006.
ديوان عامر بن الطفيل: دار صادر ، بيروت، 1961.
ديوان عبيد بن الابرص، دار صادر، بيروت، (د.ط)، (د.ت).
ديوان عنترة بن شداد، تح: فوزي عطوي، الشركة اللبنانية للكتاب، بيروت، لبنان، ط1، 1968.
ديوان لبيد بن ربيعة، اعتنى به حمدو طماس، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط2، 2007: 89.
زبدة البيان في احكام القرآن، المحقق الاردبيلي، تح: محمد باقر البهبودي، المكتبة المرتضوية لاحياء الاثار الجعفرية، طهران .
شرح ديوان حسان بن ثابت الانصاري، ضبط الديوان وصححه: عبد الرحمن البرقوقي، دار الاندلس، بيروت، (د.ط)، (د.ت).
شرح ديوان كعب بن زهير، نشر الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1965.
طبقات فحول الشعراء، محمد بن سلام الجمحي، قراءه وشرحه، محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، مصر (د.ط)، 1980.
الغدير في الكتاب والسنة والادب، الشيخ عبد الحسين الاميني، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط4، 1397هـ ق: 2/43.
الفصول المختارة، الشيخ المفيد، تح: السيد علي مير الشريفي ، دار المفيد، بيروت، لبنان، ط2، (د.ت).
كتاب الانتصار، العاملي، دار السيرة، بيروت، لبنان، ط1، 2000.
مجمع الامثال، ابو الفضل احمد بن محمد النيسابوري الميداني، قدم له وعلق عليه: نعيم حسين زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2004.
المسبار في النقد الادبي، دراسة في نقد النقد للادب القديم والتناص، أ.د. حسين جمعة، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق (د.ط) ، 2003.
المعجم الوسيط، ابراهيم مصطفى وآخرون، مكتبة المرتضوي، باقري، ط2، 1227هـ، ج1.
المفضليات ابو العباس المفضل، دار الارقم، بيروت، (د.ط) 1998.
مقدمة في نظرية الشعر الاسلامي، عباس المناصرة، دار البشير، عمان، الاردن، ط1، 1997.
مناقب آل ابي طالب، ابن شهرآشوب، المطبعة الحيدرية، النجف، (د.ط)، 1956.
مناقب امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)، محمد بن سليمان الكوفي، تح: الشيح محمد باقر المحمودي، مجمع احياء الثقافة الاسلامية، قم، ايران، ط1، ج1.
من لايحضره الفقيه، الشيخ ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، صححه وعلق عليه: علي اكبر غفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم المقدسة،1404هـ، ج1.
المنمق في اخبار قريش، محمد بن حبيب، صححه وعلق عليه: خورشيد احمد فاروق، عالم الكتب.
نظرية النص، رولان بارت (ضمن دراسات في النص والتناصية)، ترجمة: د. محمد خير البقاعي، مركز الانماء الحضاري، حلب، د.ط، 1981.
الهداية في الاصول والفروع، الشيخ الصدوق، تح: مؤسسة الامام الهادي (ع)، مطبعة اعتماد، قم المقدسة، ط1، 1418هـ.
الوساطة بين المتنبي وخصومه، علي بن عبد العزيز الجرجاني، تح: محمد ابو الفضل ابراهيم، وعلي محمد البجاوي، دار القلم، بيروت، (د.ت).
الدوريات
اشكال التناص الشعري، احمد طعمة الحلبي، مجلة الموقف الادبي، ع430، س35.
التناص، وضحاء بنت سعيد آل زغير، مجلة الجزيرة الثقافية، 1426هـ، ع125.

تحميل الملف المرفق Download Attached File

تحميل الملف من سيرفر شبكة جامعة بابل (Paper Link on Network Server) repository publications

البحث في الموقع

Authors, Titles, Abstracts

Full Text




خيارات العرض والخدمات


وصلات مرتبطة بهذا البحث