معلومات البحث الكاملة في مستودع بيانات الجامعة

عنوان البحث(Papers / Research Title)


أثر النص القرآني في معالجة التعصب الفكري ( دراسة موضوعية )


الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)

 
حكمت عبيد حسين الخفاجي

Citation Information


حكمت,عبيد,حسين,الخفاجي ,أثر النص القرآني في معالجة التعصب الفكري ( دراسة موضوعية ) , Time 20/07/2019 07:34:52 : كلية العلوم الاسلامية

وصف الابستركت (Abstract)


تناول البحث طريقة القرآن في معالجة التعصب الفكري وما ينتج عنه من أضرار كبيرة

الوصف الكامل (Full Abstract)

أثر النص القرآني في معالجة التعصب الفكري
( دراسة موضوعية )
الباحث : فرات ناظم وهيب الموسوي
بإشراف
أ . د : حكمت عبيد حسين الخفاجي
كلية الإمام الكاظم ( عليه السلام ) للعلوم الإسلامية الجامعة / قسم علوم القرآن والحديث
كلمات مفتاحية : ( التعصب , التطرف , الخطر , القتل , المعالجات )
البحث
إن مشكلة التعصب الفكري هي مشكلة قديمة قدم التاريخ , تبدأ بقصة آدم (عليه السلام ) وإبليس وخروجهما من الجنة , لتستمر هذه المشكلة قائمة مع جميع الأنبياء والرسل انتهاءًبرسولنا الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) , وليومنا هذا , ونجد السبق للقرآن الكريم في تشخيص هذه المشكلة الكبيرة , وبيان مدى خطورتها , وإعطاء طرق فعلية وعملية لمعالجتها , ويتلخص بحثنا كما في النقاط الآتية :
1- إن التعصب الفكري مالم يعالجه الإنسان في مراحله الأولى سيصبح خطراً كبيراً يصعب معالجته فيما بعد , وسيؤدي إلى ما هو أخطر منه .
2- التطرف وهو النتيجة الحتمية لكل من لم يحاول التخلص من التعصب الفكري .
3- نظراً لخطورة التعصب الفكريالذي يشكل تهديداً كبيراً للإنسانية , فإنهيجب التصدي والوقوف بوجهه ومعالجته .
والمسألة الأخيرة هي المحور الأهم والأساسي الذي يقوم عليه بحثنا هذا , تناول فيه الباحث أهم معالجات التعصب في علم النفس , والاجتماع , والمنظمات العالمية والدولية , وما ورد في القرآن الكريم , ومقارنتها مع تلك العلوم .







The influence of Qur an test in tackling the
Religious Sectarianism
The student : Furat Nadhim Wehaib Al-Musawi
SUPERVISED BY
Assistant Professor Dr . Hikmat Obaid Hassein AL- Khafaji
Imam Al-Kadhim University college for Humanitarian science
Department of Modern Qur an
Key words : Sectarianism , Extremism ,dangerous , murdering ,tackling
The problem of religious sectarianism is an ancient problem starts with the story of Adam ( peace upon to him ) and Lucifer and their status of leaving heaven ., and this problem to be continue with all prophets and messengers ending with our prophet Mohammed ( peace pe upon him )till this day . We can see the real personification for this status by the holy Qur an and showing the range of its dangerous , and giving real and active ways to tackle them . Our research can be summarized in the hereunder point :
1 – Religious Sectarianism unless tackled in its early stages , it will be a gret danger , and will lead to a status more dangerous than it .
2 – Exterimism is the real result for everyone who tries to get rid of Religious sectarianisim .
3 – According to the criticalness of religious sectarianism against humanity , we have to stand and facing it .
Finally , the most important focus is the researcher s role in dealing with sectarianism processing in psychology, sociology ,International and Global organization and what had mentioned in the holy Qur an and comparing it with these sciences.













المقدمة
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
أما بعد :
إن التعصب الفكري هو من أكبر الابتلاءات الذي ابتليت به الشعوب على مر التاريخ , وبمختلف بقاع الأرض , فهو لا يعرف معنى للسلام والمسامحة ولا التعايش السلمي بين الشعوب , وأصبح اليوم مشكلة عالمية يجب التصدي له , ولو أن العالم تنبه لهمتأخراً , لكن للأسف نجد اتهامات كثيرة وكبيرة للأمة الإسلامية ؛بأن قرآننا الكريم هو من يحث على التعصب الفكري , وتصفية الآخر المخالف لنا, ودليلهم هو وجود الفرق والحركات الإسلامية المتطرفة, فأخذت على عاتقي البحث في القرآن الكريم , والخوض في آياته التي تخص موضوع التعصب الفكري , إضافةً للبحث في كتب علم النفس , والاجتماع , والجهود العالمية المبذولة في معالجته, وذلك من أجل الخروج بحصيلة كبيرة وفعلية في معالجته.
فكان منهجنا في هذا البحث هو : استخراج الآيات القرآنية التي تخص التعصب الفكري وبقية أنواعه من القرآن مباشرةً , من دون الرجوع أو الاعتماد على البرامج الحديثة, وإيراد ما تقتضيه الحاجة من الآيات القرآنية , لتحاشي الإسهاب والإطالة, وتفسير كل آية بالرجوع إلى كتب التفسير الكبيرة والمشهورة لدى المسلمين والإطلاع على البقية , مع بيان الحادثة وأسباب النزول إن اقتضت الحاجة , ومعرفة الألفاظ التي تحتاج إلى شرح وإيضاح بالرجوع إلى كتب اللغة العربية , والانتقال للحديث الشريف للاستشهاد به أو لتأكيد حالة معينة إن اقتضى الأمر , لأني تعمدت أن تكون دراستي دراسة قرآنية خالصة , وأن يكون الموضوع موضوعاً عاماً يخص المسلمين ككل.
وتناولت في هذا البحث نظرة تاريخية عن التعصب ونشأته , وتعريفه, وبينت الفرق بينهوبين التطرف , مع بيان بعض الآيات التي وردت بحق المشركين وأهل الكتاب والمسلمين في حيات الرسول
( صلى الله عليه وآله وسلم ) , وبعد وفاته وانقسام الإسلامإلى طوائف عدة .
ومن أهم المشاكل التي واجهتني أن هذا الموضوع – بحسب علمي واطلاعي – أنه لم يكتب فيه من وجهة نظر قرآنية فيما يخص التعصب الفكري , والقرآن الكريم لم يذكره بصورة مباشرة ؛ وإنما أشار إليه كمفهوم وخطر كبير.
ولا أنسى فضل من وقف معي وساعدني علىإكمال هذا البحث , ولهم مني كل شكر وتقدير وبالخصوص أساتذتي في مرحلة البكالوريوس , ومن الله التوفيق .


نظرة تاريخية عن التعصب ونشأته
إن التعصب كمفهوم كما نعرفه اليوم ظهر في القرن الثامن عشر الميلادي , جرى وضعه للتنديد بتزمّت ديني من اسم ( زيلوت ) اليهودي المتعصب ( ).
أما جذوره فلها إلماحات كثيرة في القرآن الكريم , بينت لنا ذلك ابتداءً بآدم ( عليه السلام )وتعصب إبليس ورفضه السجود له , برغم أن السجود كان بأمر الله تعالى , كما قال: ?وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنمِّنَ السَّاجِدِينَ?( ) , وبين لنا سبحانه سبب تعصبه بقوله: ?فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا?( ), وقوله : ?قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ? ( ).
ولم تنتهي حالات التعصب الفكري بعد خروج إبليس من الجنة وطرده منهاوإنما استمر ؛ إذ أن جميع الرسل والأنبياء جابههم قومهم بالعناد والتعصب الفكري بشتى الوسائل والطرق وكان هو المشكلة الأولى والكبرى لديهم , كما قال تعالى : ?وَكَمْأَرْسَلْنَامِننَّبِيٍّ فِيالْأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون?( ) , وقوله : ?ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لّا يُؤْمِنُونَ?( ) .
وذكر لنا القرآن الكريم حجم معاناتهم من خلال ذكر قصص بعض من الأنبياء والرسل في آياته الكريمة , كنبي الله نوح , وهود , وصالح , ولوط وإبراهيم , ويوسف , وشعيب , وإلياس , وموسى , وعيسى ( عليه السلام ) , ومن خلال استقراءنا لقصصهم تبين لنا إن قصة نبي الله نوح ( عليه السلام )هي أكثرهن وضوحاً وأشد تعصباً من قبل أقوامه فكرياً واستهزائهم به كما قال تعالى : ?وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى?( ), وهي الأطول زمنياً من حيثمدة دعوته , التي قاربت على الألف عام كما قال سبحانه : ?وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْظَالِمُونَ?( ).
تعريف التعصب
التعصب ( لغةً ) : ذكر ابن فارس ( ت395ه) هو : " العين والصاد والباء أصلٌ صحيحٌ واحد يدلُّ على ربط شيء بشيء ... كل شيء بشيء فقد عصب به . يقال عَصَبَ القوم بفلان " ( ) .
أما في لسان العرب : " والتَّعَصُبُ : من العَصَبية . والعَصَبيةُ : أن يدعو الرجل إلى نصرة عَصَبِته , والتآلُّبِ معهم , على من يناويهم , ظالمين كانوا أو مظلومين . وقد تعصبوا عليهم إذا تجمعوا , فإذا تجمعوا على فريق آخر , قيل : تَعَصَّبوا " ( )
والتعصب ( اصطلاحاً) : فهو : " شيمة من شيم الضعف , وخُلَة من خُللْ الجهل يبتلي بها الإنسان فتعمى بصره وتغشى على عقله فلا يرى حسناً إلا ما حسن في رأيه , ولا صواباً إلا ما ذهب إليه أو تعصب له " ( ) .
وهو : غلو في التعلق بشخص أو فكرة أو مبدأ أو عقيدة بحيث لا يدع مكاناً للتسامح , وقد يؤدي إلى العنف والاستماتة " ( )
ونستنتج مما ذكرنا أن التعصب هو شعور داخلي عند الإنسان لا يحاول تغييره , ويبقى متمسكاً به , وإن كان على خطأ , وهو غير ناتج عن تفكير سليم , أو دليل قاطع .
وقد وردت أحاديث كثيرة في ذم التعصب نذكر منها ما ورد عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :
" قال رسول الله ( صل الله عليه وآله وسلم ) من كان في قلبه حبَّةٌ من خردلٍ من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهليَّة . "( ) .
لكن ليس كل ميل يعد عصبية , فمن مباديء الإسلام عدم المبالغة في كل شيء , وليس من الخطأ أن يحب المرء أهله وأصحابه بشرط أن لا يتبعهم إن كانوا على خطأ , كما قال ذلك الإمام عليُّ بن الحسين ( عليه السلام ) حينما سئل عن العَصَبيَّةِ فقال : " العَصَبَّةُ التي يأثّمُ عليها صاحبها أن يرى الرَّجلُ شِرارَ قومه خيراً من خيار قوم آخرين وليس من العَصَبِيَّةِ أن يُحِبُّ الرَّجل قومه ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظُلمِ ." ( ) .
أنواع التعصب
أما أنواع التعصب فقد وردت في القرآن الكريم إشارات إلى أنواع كثيرة مثل :
أولا : التعصب الفكري : وهو أكثر أنواع التعصب الذي ورد في القرآن الكريم لأكثر من أربعة وستون آية قرآنية , وأخطرها , نذكر منها قوله تعالى : ?إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ?( )
ثانياً : التعصب لتقديس الماضي والموروث : نجد أن هذا التعصب موجود على مر العصور , وكان ذريعة كبرى يتذرع بها الكفار لمواجهة الأنبياء والرسل , حيث ورد لأكثر من سبعة عشرة آية قرآنية نذكر منها قوله :?قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَاللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ?( ) .
ثالثاً : التعصب الطبقي : وهـــــــــــذا النــــــــــــــــوع من التعـــــصب يرى فيه الإنسان انـــــه أعلى وأفضـــلمن
بقية جنسه , برؤية استعلائية , حيث أن هؤلاء المتعصبين المتكبرين يرفضون أن يكون النبي ( صل الله عليه وآله وسلم ) مثلهم , فهم يطلبون أن يكون النبي ملك أو ما أشبه , كما قال تعالى : ?فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ?( ).
رابعاً : التعصب الأسري : وهذا النوع يكون محموداً بشرط أن لا يتعصب الإنسان لأهله وعشيرته إن كانوا على الباطل , قال تعالى : ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ?( ).
خامساً : تعصب تقديس الذات : وهو الذي يوصل الإنسان لدرجة الإلوهية أو تأليه الذات , وأن يرى نفسه إلهاً يحلل ويحرم بحسب ما تشتهيه نفسه , قال تعالى عن فرعون موسى ( عليه السلام ) : ?قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ?( ).
سادساً : التعصب الحزبي أو الفئوي : قال تعالى يصف المتعصبين إلى أحزابهم بقوله : ?فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ?( ).
سابعاً : التعصب الممزوج بالجهل : وهذا النوع من التعصب يكون بدافع الجهل والغباء والحمق , قال تعالى : ?وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ?( ) .
ثامناً : التعصب القبلي : وهذا النوع من التعصب هو ما نعيشه اليوم , والذي جرنا لويلات واقتتال داخلي بين أبناء البلد الواحد , وقد عالج القرآن الكريم بقوله تعالى : ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ? .( )
الفرق بين التعصب والتطرف
إن التطرف في واقعه نوع من أنواع التعصب , لكنه يكون في الحالات المتطورة والخطيرة منه , التي لا تتقبل الحلول الوسطى , " فالتطرف في الدين هو الفهم الذي يؤدي إلى إحــدى النتيجتين المكروهتين : الإفراط أو التفريط " ( )
وتجدر الإشارة إلى أن أول من أستعمل كلمة ( تطرف ) بالمعنى الذي نعرفه اليوم هو ابن تيميــــــــــــــة
الحراني ( ت728ه) بقوله : " وكثيراً ما قد يغلط بعض المتطرفين من الفقهاء في هذا المقام ... " ( ) , وقبله لم يكن يستخدم هذا المصطلح , وإنما كانوا يستخدمون كلمة ( غلو ) بهذا المعنى الذي نعرفه اليوم , والواردة في القرآن والسنة النبوية , منه قوله تعالى : ?قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ?( ) .
وإن أول وأقدم حالة تطرف ذكرها لنا القرآن الكريم وردت بقصة هابيل وقابيل أبناء آدم ( عليه السلام )المباشرين , فقد ذكرهم الله تعالى بقوله : ?وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّإِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ?.( )
وما نشاهده اليوم من حركات وتنظيمات متطرفة كتنظيم " داعش الإرهابي " وغيره من التنظيمات , التي ترجع في جلها إلى الفكر المتطرف والمتشدد لم تكن وليدة اللحظة , وإنما " قد تم تقنين هذا المشروع على يد ابن تيمية الحراني(ت728ه/1263م) الذي يعتبر منظر عقيدة التكفير . ثم جاء ابن قيم الجوزية (ت751ه/1350م) فأكمل منهجه وأضاف إليه , ومنهما استقى محمد بن عبد الوهاب
( ت1206ه/1791م ) مؤسس المذهب الوهابي نظريته في التكفير ... " ( ) .
وتأسيساً على ما تقدم يمكن أن نستنتج أن التعصب موجود عند كل إنسان , وفي بعض الحالات لا يكون مذموماً , على عكس التطرف الذي يقتصر وجوده على بعض منهم , ولكنهم في أغلبهم يكونون مصدر خطر كبير على المجتمعات الإنسانية وعلى مر العصور يجب معالجته والتصدي له .
علامات التعصب الفكري عند المشركين
أولاً : كثرة الجدال : من علامات المتعصب الفكري هو كثرة الجدال بغير دليل أو سلطان , وإن كانت الأدلة والبراهين واضحةً وجليةً أمامه , كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى ذلك بقوله : ?وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ?( )
ثانياً : التمسك بالحجج والأدلة الواهية : حينما عجز المشركون عن مواجهة الرسول ( صل الله عليه وآله وسلم ) بالدليل تمسكوا بحجج وأدلة واهية , وكلام غير مقبول , تعصباً منهم وعناداً , قال تعالى :
?وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا?( )
ثالثاً : الاستكبار والعناد : بين لنا القرآن الكريم أن الاستكبار ينبع من داخل الإنسان وبإرادته , وهو علامة من علامات التعصب الفكري , قال تعالى : ?وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ?( ).
رابعاً : الاستهزاء واللعب : من شدة التعصب الفكري هو الاستهزاء بالآيات وبالرسول ( صل الله عليه وآله وسلم ) قال تعالى : ?فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ?( ) , يقول الشيخ مكارم الشيرازي : " في هاتين الآيتين إشارة إلى ثلاث مراحل من الكفر تتزايد في الشدة على التوالي , المرحلة الأولى هي مرحلة الإعراض , ثم مرحلة التكذيب , وأخيراً مرحلة الاستهزاء بآيات الله ." ( ) .
خامساً : تقديس الماضي وتقليد الآباء : من جملةِ ما تعرض له الأنبياء والرسل
( عليه السلام ) من المشركين , هو تقديسهم لما ورثوه من آبائهم وأجدادهم والتقليد الأعمى لهم , وعدم الانفتاح أو تقبل الأدلة والبراهين المخالفة لما ورثوه , ومواجهتها عند العجز عن ردها بقولهم : هذا ما وجدنا عليه آباءنا , قال تعالى مواسياً رسوله الكريم : ?فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ?( ).
سادساً : انقلاب المعايير : أحياناً يجعل التعصب الفكري الإنسان يرى الأمور على غير حقيقتها , تعصباً وعناداً وسفاهةً منه, وهذا ما حصل مع مشركي قريش , قال تعالى : ?وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ?( ) .
نتائج التعصب الفكري
أولاً : كأن على قلوب المتعصبين ختم وكنن , وعلى أسماعهم وقراً وغشاوة
يصف الله تعالى المتعصبين فكرياً بعد اليأس من هدايتهم , واستنفاد كافة الحلول معهم , بوجودالختم, والغشاوة , والأكنة , والوقر , والحجاب ,على قلوبهم , كما في هذه الآيات الكريمة : ?خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ?( ).
وقوله : ?وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا?( ) .
وقوله :?وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا?( ).
وقوله :?وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ?( ).
فالختم هو كما قال ابن فارس ( ت395ه ) : " الخاء والتاء والميم أصلٌ واحد ... فأما الخَتْم , وهو الطبع على الشيء ... لأن الطبع على الشيء لا يكون إلا بعد بلوغآخره " ( ) .
والغِشاوة هي : " ما يغطَّى به الشيء " ( ). وبنفس المعنى عرفه الرّازي (ت 666ه ) : " ( غِشَاوةٌ ) بالكسر أَي غِطاء " ( )
والأَكِنَّة هي : " الكِن , بالكسر : وقاءٌ كل شيء وستره ... أكنانٌ واكنَّةٌ . وكَنَّه كنَّا وكُنوناً وأكنَّه وكَنَّنَه واكتَنَّهُ : ستره " ( ).
وَقّراً هو : " الواو والقاف والراء : أصلٌ يدلُّ على ثِقلٌ في الشيء . منه الوَقْرُ : الثقل في الأُذُن " ( )
والحجاب: " حجب : الحاء والجيم والباء أصل واحد , وهو المنع . يقال حجبته عن كذا , أي
منعته " ( )
ثانياً : كأنهم صم بكم عمي
وأخيراً يصف الله تعالى هؤلاء المشركين المتعصبين بأوصاف كثيرة جداً وردت في القرآن الكريم , كالصم والبكم والعمي وغيرها من هذه الصفات , التي تدل على تعصبهم الشديد , كما قال تعالى :
?وَمِنْهُم مَّنيَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ ?( ).
وقوله : ?أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ?( ).
هل ما ذكره الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة تؤكد على وجود الجبر ؟
قال أهل الجبر بأن الله هو الذي جعل الوقر والأكنة والختم والطبع والغشاوة وهلم جرا ... مقدراً لهم , وإنهم لا حول ولا قوة لهم في تغيير مصيرهم , أو تغيير ما هم عليه , لكن في هذا القول تشكيك ودليل على عدم عدالة الله تعالى – حاشا لله – وهو القائل : ?وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا?( ) وكيف له أن يعاقب إنسان لم يكن بقادر على اختيار مصيره وطريقه ودينه , وكيف سيلقي سبحانه وتعالى حجته عليه ليجازيه على سوء أعماله ومعاصيه , أو يكافئه على حسناته وطاعته , وهي ليست من محض إرادته أو اختياره , ولا هي عن وتفكير وقرار , وهو الذي يقول: ?هَلْيُجْزَوْنَإِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ?( ).وقوله أيضا : " فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَذَرَّةٍخَيْرًا يَرَهُوَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍشَرًّا يَرَهُ" ( )
التعصب الفكري لدى أهل الكتاب
لم يكن أهل الكتاب بأقل تعصباً من المشركين , لكنهم كانوا أكثر دهاءً وحيلةً منهم , فهم من الموحدين الذين يعبدون الله عز وجل , لذلك كانوا يحـــاولون أن يخلـــــــــــــطوا السم بالعسل, لكنــــــهم من شــــدة
تعصبهم الفكري لم يكونوا متوحدين فيما بينهم كما سنوضح ذلك فيما يأتي :
أولاً : تعصبهم فيما بينهم : من شدة التعصب الفكري لدى أهل الكتاب إنهم لم يكونوا منفتحين على بعضهم بعضاً , فاليهود لم يكونوا يتقبلوا النصارى وبالعكس , يقول تعالى : ?وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ?( )
ثانياً : إيرادهم الأدلة والحجج الواهية لمواجهة الإسلام : كانوا يستدلون ويتحججون بأدلة وحجج واهية , تكشف شدة تعصبهم تجاه الإسلام , حينما طلبوا من رسول الله ( صل الله عليه وآله وسلم ) أن ينزل عليهم كتاباً من السماء , كما في قوله :?يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا?( ) .
ثالثاً : تحذير المسلمين من أن يكونوا كأهل الكتاب : بدأ سبحانه وتعالى يحذر المسلمين أن لا يكونوا مثلهم بتعصبهم الفكري ؛ لأنه سيؤدي للتفرقة والاختلاف بين أبناء الدين الواحد , كما حدث ذلك بين أبناء الأديان السماوية السابقة , قبل نزول الإسلام , إذ قال تعالى : ?وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِنبَعْدِ مَا جَــاءَهُمُالْبَيِّنَاتُوَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ?( ).
التعصب الفكري لدى المسلمين والمذهبية
أولاً : وجود حالات من التعصب الفكري حتى عند بعض من كبار الصحابة
قال تعالى في كتابه العزيز: ?فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ?( )
ومعنى كلمة ( شَجَرَ ) في مختار الصحاح " و ( شَجَرَ ) بين القوم أي اختلف
الأمر بينهم. و ( اشْتَجَر ) القوم و ( تَشَاجَرُوا ) تنازعوا و ( المُشاجَرةُ ) المُنازعةُ " ( )
ذكر علماء التفسير إن سبب نزول هذه الآية , هو وجود حالة التعصب الفكري حتى عند بعضٍ من كبار المسلمين , فقد حدثت خصومة بين الزبير بن العوام ورجل من الأنصار( ) .
ثانياً: المنافقون من أخطر المشاكل التي واجهها الرسول ( صل الله عليه وآله وسلم )
من أخطر المشاكل التي واجهها الرسول ( صل الله عليه وآله وسلم ) في حياته تجسدت في كثرة المنافقين من حوله , فالمنافقون لا يختلفون عن المشركين والكفار في تعصبهم الفكري ورفضهم وعدم تصديقهم للأدلة والبراهين والآيات التي يرونها أمامهم, لكنهم يعدون أشد خطراً وفتكاً من المشركين ؛ بسبب إنهم يظهرون خلاف ما يبطنون, وتكمن الصعوبة في تشخيصهم لدرجة أن رسول الله ( صل الله عليه وآله وسلم ) لم يعرف البعض منهم , حتى أخبره الله تعالى عنهم :? وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ? وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ?مَرَدُواعَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ? نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ?( ) , وبحسب ما تقدم يمكن أن نطلق على ظاهرة النفاق مصطلح( التعصب الخفي ) .
ثالثاً : التعصب الفكري بعد وفاة الرسول ( صل الله عليه وآله وسلم )
بمجرد أن توفي رسول الله( صل الله عليه وآله وسلم )فعل المسلمون ما تم تحذيرهم منه , من تعصب فكري واختلاف وتفرقة , ابتداءً بإحداث السقيفة وحتى يومنا هذا , فقد انقسموا إلى طائفتين رئيسيتين , هما الطائفة السنية والطائفة الشيعية, حيث يذكر ياقوت الحموي ( ت626هـ / 1238م ) في معجمه انه في سنة ( 617هـ ) مر على مدينة الري , فوجد أكثرها خراباً , ولما سأل بعض عقلائها عن السبب أجاب : بأنه كان في المدينة ثلاث طوائف , شيعية وأحناف وشافعية , فتحالف الأحناف مع الشافعية على الشيعة , ووقعت الحروب الطاحنة بينهم , حتى لم يتركوا من الشيعة إلا من نجا بنفسه , ولكن في الأخير وقعت الحرب بين الأحناف والشافعية أيضاً , فتغلب الشافعية على الأحناف , وهذا الخراب هو ديار الشيعة والأحناف . ( )
ولم يبق الحال على ما هو عليه , بل تطور ليشمل التعصب الفكري أبناء الطائفة الواحدة نفسها , وسنذكر أهم طائفتين وهما :
1- فتنة خلق القرآن: حدثت هذه الفتنة بين أبناء الطائفة السنية , وكانت فتنة عظيمة ومن أكبر الفتن الإسلامية وأشهرها , حيث قتل من جراءها المئات أو الآلاف من المسلمين , والتي وصلت إلى أوج قوتها عام 218هـ واستمرت لأكثر من 15 سنة , لتصل إلى درجة أن يقتل المسلم لمجرد إنه يقول بخلق القرآن ... وجل " ( )
2- الصراع بين الإخباريين والأصوليين : حدث هذا الصراع الفكري المتعصب بين أبناء الطائفة الشيعية نفسها , وذلك عند بداية ظهور الإخباريين في مطلع القرن الحادي عشر للهجرة , علي يد الشيخ محمد أمين الأسترابادي ( ت1033ه) , إلا إنها تجددت بشدة في أواخر القرن الثاني عشر , ودارت معارك بينهم بين الإخباريين والأصوليين في كربلاء بقيادة رجال الدين وكبار المراجع , ولم تقتصر على الأوساط العلمية فقط , وإنما تسرب هذا الصراع الفكري بين العوام من الناس , مما أدى إلى الاستخفاف بالعلموالاستهانة بالدين , لتنهي بقتلمحمد النيشابوري ( ت1232ه) المعروف بالإخباري , على أيدي العوام هو وكبير أولاده بهجوم على داره في الكاظمية , وليس هذا فحسب بل إن جثته سلمت إلى السكان للعبث بها . ( )
علاج التعصب الفكري بين القرآن الكريم والجهود العالمية المبذولة في علاجه
أولاً : الطرق العملية : وتتمثل بالجهود الدولية والمنظمات العالمية في مواجهة التعصب
انشغل العالم اجمع في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين بمشكلة التعصب الذي بدأ بالتصاعد والتزايد في كل مكان في العالم تقريبا , وهو بدوره سيؤدي إلى التطرف ونشوء الجماعات المتشددة والخطيرة التي تهدد أمن وسلامة المجتمع والفرد الإنساني , وذلك بالقتل العشوائي والمنظم وتشريد وتهجير الناس العزل والأبرياء, ونجد اليوم أنه " قد تنبه المجتمع الدولي إلى خطورة اتجاهات التعصب وحاول – ممثلاً في الأمم المتحدة – أن يصوغ من القرارات والتشريعات ما يحد من الظاهرة " ( ) , ولكن الوقوف بشكل عملي ومؤثر نلاحظ إنه كان متأخراً " وإذ نشير إلى أن سنة 2001م هي السنة الدولية للتعبئة ضد العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب" ( )
وإن آخر نشاط لليونسكو هو سنة 2017 ؛إذ أكدت على أن الحل في مواجهة التعصب ليس السلاح والقوة , وإنما سبل أخرى كالفن والتربية والتأكيد علىمبدأ الحوار بين الثقافات وإقامة جسور التواصل بينهن , وهو ما أسمته بالإبداع الفني . ( )
ثانياً : معالجة التعصب وقيمه عند علماء النفس
1- ضآلة علاج التعصب في علم النفس : لم تكن الدراسات في معالجة التعصب بعلم النفس كافية , وكانت متأخرة قياساً بمدى خطورة التعصب على مر التاريخ " وكان الاهتمام بدراسة أسبابه وطرائق علاجه لم يبدأ بشكل كافٍ إلا مؤخراً وذلك في أعقاب الحرب العالمية الثانية " ( )
2- معالجة التعصب في علم النفس : بالرغم مما ذكرنا من ضآلة العلاج في علم النفس , لكن سنذكر بعضاً من أهمها وهي :
أ‌- : مرحلة الطفولة :كل إنسان لا يولد متعصباً , وإنما يكتسب التعصب من أسرته , ومن أقرانه , ومن مدرسيه , وما يحيط به , فالاتجاهات التعصبية يتم اكتسابها وتعلمها بالطرق نفسها . ( )
ب‌- القوالب الجامدة ( النمطية ) : وهو مصطلح للدلالة على القوالب الجامدة على تلك الصور في
رؤوسنا التي تزودنا بمعايير جاهزة للحكم على الأشياء ولتفسير الأحداث , والتي لانعلم عنها أكثر من الجزئيات . ( )
ت‌- عدم الإحباط : إن الإحباط غالباً ما يثير العدوان , وإن مركز مشكلة التعصب الذي تدور حوله كل مظاهرها إنما هو العدوان وقابليته للإزاحة . ( )
ث‌- الحوار : وهو مهارة الاستماع وإعطاء انتباه خاص لحصة الطرف الآخر المشــــاركفي النقاش .
ج‌- التعاطف والمواساة : وهو أن يضع الشخص نفسه في حالة شخص آخر مستحضراً إلى ذاته ظروف المعاناة التي يكابدها المعني .
ح‌- الإيثار : وهو العطاء للآخرين حتى لو لم يحصل على اعتراف منهم.
خ‌- تبادل رابح – رابح : ويقصد بها العمل الجماعي من أجل مصلحة عامة مشتركاً دون أن يخرج منهم أحد خالي الوفاض من دون ربح .
د‌- التعاون : وهو أن يكون الإنسان متعاوناً مع غيره , وبالتأكيد إن وجود أي تعاونقد يخلق نوع من المنافسة فيما بين الأشخاص , والتنافس يؤدي إلى التعصب , لذلك لابد من وجود موازنة يحدد نوع المنافسة وحدودها في العملالمشترك. ( )
ثالثاً : معالجة التعصب عند علماء الاجتماع
ذكرنا فيما سبق أسباب التعصب وأنواعه ومعالجته فيما يتعلق بالفرد , وسنذكر الآن معالجة التعصب فيما يخص المجموعة التي تتكونمن عدة أفراد , وهو ما يسمى ( بعلم الاجتماع ) .
طرق معالجة التعصب في علم الاجتماع : أما معالجة التعصب في علم الاجتماع , لم نجد من خلال بحثنا معالجات كثيرة له , لذلك اخترنا بعضاً منها التي تؤدي بالفائدة للمجتمعات المختلفة بصورة عامة , وتكمنمعالجة التعصب في معرفة سبب نشوءه والأسباب المؤدية إليـه ,
نذكر أهمها , وهي :
1- : القبائلية : وهي أحد أكبر أسباب التعصب لمجموعة معينة , ويكمن الحل بمعالجة هذه المشكلة بالمدنية كما فكربه أرسطو وهي تجمع أشخاص لقبائل مختلفة تجبرهم على تقبل الآخر والتفكير بهم والتعامل به . ( )
2- : عدم عبادة الأصنام : والمقصود بها هو كل ما يرمز إلى بعض القيم الاجتماعية والقوى الروحية , أو أشخاص محددون . ( )
3- التعليم :إن انخفاض المستوى التعليمي يمكن أن يجعل الفرد أكثر قابلية للتعصب , ويمكن تفسير ذلك بأن التعليم قد يجعل الفرد أكثر قدرة على التفكير الناقد ومن ثم أقل ميلاً إلى التعميمات المفرطة التي غالباً ما تقود إلى التعصب . ( )
4- عدم التمييز :فالمقصود بالتمييز هو : " عبارة عن التعصب مترجماً إلى سلوك فعلي تجاه جماعة ما بسبب عضويتـــــهم في هـــــــذه الجماعة " ( )
5- التمييز المؤسسي : ويقصد بها التميــــــيز الناشئ من المؤســـــسات الرسمية الحكـــــومية وذلك بالتفريق بـــين
الأفراد والجماعات حسب السلالة أو العنصر أو العرق أو العقيدة وغيرها , كل ذلكيؤدي إلى نشوء التعصب بين هذه الجماعات . ( )
6- نظرية الصراع الواقعي بين الجماعات : " تفترض هذه النظرية إن الصراع القائم بين الجماعات على المصالح ( الموارد الطبيعية ) من شأنه أن يستشير اتجاهات تعصبية متبادلة فيما بينها( ) ,ويكمن العـــــلاج في تجنب نشــــوءمثل هذه الصراعات قبل حدوثها .
7- نظرية الحرمان النسبي : تعد هذه النظرية من أهم النظريات التي طرحت لتفسير ظواهر التطرف والعنف وعلى الأسباب الاجتماعية المحركة للتعصب , وينشأ هذا الحرمان النسبي من إدراك التعارض بين ما يمتلكه الشخص وما يعتقد إنه يستحقه , وذلك من خلال المقارنةمع الجماعات الأخرى .( )
ومعالجة هذه المشكلة تكمن بالوقاية منها قبل حدوثها , وذلك بالمساواة بين الجماعات وبينأفراد المجتمع ككل , وإعطاء الحقوق بالتساوي لهم .
رابعاً : معالجة التعصب الفكري في القرآن الكريم وأمثلته التطبيقية
عالج القرآن الكريم مشكلة التعصب الفكري بطرق كثيرة ومتعددة , فاقت المعالجات في علم النفس , والاجتماع , والجهود الدولية والمنظمات العالمية , وجميع هذه المعالجات كانت سلمية علاجية وقائية تحترم حقوق الإنسان بالدرجة الأولى , وتُعطيه فرصة كبيرة للتغيير ومراجعة نفسه للعودة إلى رشده وتفكيره السليم بأغلب الأحيان , وهي :
1- مبدأ الحوار والنقاش وبيان الحجة والدليل في مواجهة التعصب الفكري : أخبر الله تعالى رسوله الكريم الطريقة التي يعتمد فيها لمواجهة المشركين المتعصبين فكرياً وغيرهم بقوله : ?ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ?( )
2- مبدأ لا إكراه في الدين : إن الدين الإسلامي الحنيف دين يحاكي العقول والقلوب قبل كل شيء ,
ولا يرغم الناس على الدخول فيه جبراً أو قسراً , قال سبحانه : ?لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ?( )
3- طريقة مواجهة المتعصبين : وفي حال لم مع المتعصبين فكرياً الوعظ والإرشاد والكلام اللين , نجد الله تعالى يأمر رسوله الكريم ( صل الله عليه وآله وسلم ) بالإعراض عنهم في حال لم ينفع معهم النصح , وإن الله هو من يجازيهم عن تعصبهم وعنادهم فيقول له : ?فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ?( )
4- : وما على الرسول إلا البلاغ : ذكرنا إن الإسلام والإيمان به لا يكون جبراً وإكراها , فيكون بذلك واجب الرسول ( صل الله عليه وآله وسلم ) هو التبليغ وتقديم الأدلة والحجج والبراهين , والهداية والإيمان والتصديق تكون اختيارية , قال تعالى : ?إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ?( )
5- : بقاء باب الاستغفار والتوبة مفتوح للمتعصبين فكرياً وغيرهم : تبقى الرسالة الإسلامية تبقى قائمة على مبدأ الرحمة والاستغفار والتوبة , لجميع البشر , بعد أن يطلبوا المغفرة والعفو منه سبحانه , قال تعالى : ?وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا? . ( )
6- لا تكون العقوبة بأكثر منها : حينما لا تنفع كل الحلول والمعالجات مع المتعصبين فكرياً , وفي
حال اعتدائهم على المسلمين , فإن الله يأمر ألا تكون العقوبة بأكثر منها , مع العلم إن الصبر عليها وتوكيل الأمر إلى الله أفضل بقوله : ?وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ? . ( )












الخاتمة
وأخيراً وفي نهاية بحثنا انتهينا إلى جملة من النتائج , ومنها ما يأتي :
1- إن التعصب الفكري موجود, منذ أن خلق الله تعالى آدم ( عليه السلام ) وتعصب إبليس ضده , وهو الكارثة الحقيقية والعدو الأول الذي واجهه جميع الرسل والأنبياء ( عليه السلام ) والمصلحين ومن سار على خطاهم , مستمراً حتى يومنا هذا .
2- لم نجد أن القران الكريم هو الذي يحث على الإرهاب والتطرف والتشدد كما يروج له أعداء الإسلام , وإنما وجدنا العكس من ذلك ؛ فقد كان محذراً منه بشدة ومبيناً مدى خطورته , ومحذراً المسلمين من أن يقعوا فيه كما حصل مع الذين من قبلهم .
3- استطاع القرآن الكريم أن يحقق ما عجزت عنه الدراسات الحديثة والمعاصرة في علم النفس والاجتماع ,التي اقتصرت على نوع واحد تقريباً وهو التعصب العنصري , وذلك بتحديد أكثر من نوع للتعصبوبيانهن .
4- أعطى القرآن الكريم خطة واضحة ومفهومة في معالجة التعصب الفكري , ابتداءً بتوضيح أنواعه وضرب الأمثلة والتشبيه ليتم رسوخها في ذهن المتلقي أكثر, وانتهاءً بطرق المعالجة الفعلية له .
5- يتدرج التعصب على مراحل ويتطور بالتدريج , لذلك فإن معالجته بالمراحل الأولى تكون أسهل وأيسر وهي بمثابة الوقاية منه .
6- تعد حالة التعصب الفكري بمثابة المرض النفسي الذي ينبع من داخل الإنسان , لذلك فالمعالجة تكون معالجة فكرية لا مادية , وهومشكلة اجتماعية ونفسية أيضاً موجودة في كل بقاع الأرض على اختلاف الأديان والمذاهب.
7- لاحظنا أن الجهود العالمية والمنظمات الدولية تعتمد بالأساس في معالجة التعصب وهو في مراحله الأخيرة , ولا يعتمدون بالأساس على أسلوب الوقاية منه بنشر الوعي للشعوب والحذر من الوقوع فيه , على عكس المعالجات القرآنية التي تعتمد بالأساس على الوقاية والمعالجة في مراحله الأولى .
8- إن المتعصب فكرياً يمكنه تقبل جميع الصفات الخلقية الذميمة كنقض العهود والكذب والخيانة والخداع والمراوغة الخ ...
9- إن العقوبة البدنية كالقتل والحرب هي آخر الحلول التي استعملها القرآن الكريم في مواجهة المتعصبين فكرياً , معتبراً إياها حلول اضطرارية دفاعية في الحالات الحرجة .
وفي الختام أتوجه إلى الله العلي القدير بالحمد والشكر لإتمامي بحثي هذا , وأن يجازي خيراً كل من وقف معي وساعدني, وصلى الله على خاتم النبيين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
الحواشي

تحميل الملف المرفق Download Attached File

تحميل الملف من سيرفر شبكة جامعة بابل (Paper Link on Network Server) repository publications

البحث في الموقع

Authors, Titles, Abstracts

Full Text




خيارات العرض والخدمات


وصلات مرتبطة بهذا البحث