معلومات البحث الكاملة في مستودع بيانات الجامعة

عنوان البحث(Papers / Research Title)


مظاهر إجراء الوصل مُجرى الوقف في العربية


الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)

 
رياض رحيم ثعبان المنصوري

Citation Information


رياض,رحيم,ثعبان,المنصوري ,مظاهر إجراء الوصل مُجرى الوقف في العربية , Time 21/07/2019 15:50:03 : كلية العلوم الاسلامية

وصف الابستركت (Abstract)


تناول هذا البحث مظاهر دلت على مرونة العربية، وذلك في إجراء الكلام مجرى غيره

الوصف الكامل (Full Abstract)

مظاهر إجراء الوصل مُجرى الوقف في العربية
م.د. رياض رحيم ثعبان
ملخص البحث
تنماز اللغة العربية بمرونتها، واتخذت هذه المرونة صورًا عدّة، ومن صورها: إجراء الكلام مجرى غيره، كإجراء الضمير مجرى اسم الإشارة، وإجراء الظاهر مجرى المضمر، وإجراء الاسم الموصول مجرى اسم الشرط، وإجراء الوقف مجرى الوصل، وإجراء الوصل مجرى الوقف. والصورة الأخيرة ما يهمّنا في هذا البحث، فللوقف أحكام وقواعد تباين أحكام الوصل وقواعده، ولكن أحكام الوقف قد ترد في حال الوصل، وعندئذٍ يُعدّ الوصل جاريًّا مجرى الوقف، وقد سلطتُ الضوء في بحثي المتواضع هذا على هذه الظاهرة التي لم تلق ما تستحق من عناية، واستقصيتُ مظاهرها، فوقفتُ على ثلاثة عشر مظهرًا، أوردتُ مع كل مظهر ما يثبتُ وروده في اللغة العربية من شواهد فصيحة، وكان للقراءات القرآنية النصيب الأوفر فيما أوردتُه من شواهد، وتليها الأبيات الشعرية. وأثبتُ أن هذه الظاهرة أكثر انتشارًا ممّا يظنّ القارئ، فهي ليست ظاهرة قليلة الورود، أو نادرة الحدوث، والشواهد التي ذكرتُها والمظاهر التي أوردتُها تثبت هذا.

Abstract
The process of pronouncing the course of the name of the signal, the procedure of the appearance of the incised path, the name connected to the path of the name of the condition, the cessation of the channel of the link, The last picture is of interest to us in this research, so the provisions and rules of the difference between the provisions of the rules and the rules of the link, but the provisions of the stay may appear in the case of connection, At this point, Al-Wasl goes through the course of the waqf. In my humble research, I highlighted this phenomenon, which did not receive the required attention, and investigated its manifestations, and I stood on thirteen appearances. I mentioned with every appearance what is proven in the Arabic language of clear evidence. Quranic share of the largest as indicated by witnesses, followed by poetic verses. And proved that this phenomenon more widespread than the reader thinks, it is not a phenomenon of few roses, or rare occurrence, and the evidence I mentioned and the manifestations that I have shown prove this.


?
المقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الخلق أجمعين، وخاتم الرسل والنبيين, وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين, ورضوان الله تعالى على متبعيهم بإحسان إلى يوم الدين .
أمّا بعد ...
فإن الدراسات اللغوية مدينة بالكثير من أصولها وقواعدها إلى القرآن الكريم، وطرائق أدائه , على اختلاف مستويات تلك الدراسات ، ومن العلوم التي نبعت منها علم الوقف والابتداء ، وما رافقه من أحكام للوقف , وما يطرأ على الكلمة من تغييرات عند الوقوف عليها , وقد خاض القدماء فيها على اختلاف كتبهم ، فنجد موضوع الوقف ضمن كتب علوم القرآن وتفسيره فضلًا عن كتب اللغة بمختلف مستوياتها, ناهيك عن كتب الوقف والابتداء .
وقد منّ الله عزّ وجلّ عليّ إذ عقدت النية وعزمت على كتابة بحث يتحدث عن أحد الظواهر التي تخصّ الوقف والوصل، وهي ظاهرة إجراء الوصل مُجرى الوقف، ومظاهرها, وفي البداية لم أجد إلا نتفًا قليلة بهذا الخصوص مبثوثة في مواضع متفرقة من صفحات كتب التراث, ولكن مع العزم والإصرار، ومتابعة البحث والتنقيب، وجرد رافقني مدة طويلة، بدأتُ أقع على النص تلو النص, حتى صارت لدي مادة تنهض بالبحث, ولم اكتفِ بها، فقد استمر الجمع, ورحت أرتّب وأبوّب ما أجمع, وبدأ البحث ينمو فتعهدته بالرعاية والعناية حتى تفتحت براعمه ونما عوده واستوى على سوقه .
واقتضت طبيعة البحث أن أقدّم له بمقدمة موجزة، تحدثت بعدها عن الظاهرة موضوع البحث, لانتقل بعدها إلى المظاهر والصور التي خصت هذه الظاهرة، وقد استقصيتها من بطون أمّات الكتب، ولا أظنني تركت مظهرًا من مظاهرها أو صورة من صورها إلاّ وذكرتها, وضمَّ البحث بعد هذه المظاهر خاتمة له، ورد فيها أهم ما توصّل إليه الباحث من نتائج, وختمتُه بمسرد موارد البحث (المصادر والمراجع).
وفي الختام أسأل الله أن يكون عملي هذا ممّا يُنظر إليه بعين الرضا والقبول, فإن كان هذا حاله فهو بفضل الله عز وجل, وإن قصّرتُ فيه أو أخفقت فهو من عندي، وعذري أني بشر أخطئ وأصيب ?? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ??? [سورة الرعد: 17].


إجراء الوصل مجرى الوقف
خصّتِ اللغة العربية الوقف بأحكام معينة، ووضعت للوصل أحكامًا أخر، ومن أشهرها: أنّ العرب لا تبتدئ بساكن, ولا تقف على متحرك, قال ابن يعيش (ت 643 هـ): ((اعلم أنّ للحروف الموقوف عليها أحكامًا تغاير أحكام المبدوء بها, فالموقوف عليه يكون ساكنًا, والمبدوء به لا يكون إلا متحركًا, إلاّ أنّ الابتداء بالمتحرك يقع كالمضطر إليه, إذ من المحال الابتداء بساكن, والوقوف على الساكن صنعة واستحسان عند كلال الخاطر من ترادف الألفاظ والحروف والحركات, وهو ما يشترك فيه القبل الثلاث: الاسم، والفعل، والحرف))( ), ولا يعني هذا أنّ للوقف مظهرًا واحدًا فقط، أعني به (التسكين)، فالوقوف على تنوين النصب بإبداله ألفًا، وتاءُ التأنيث التي تلحق الأسماء تُبدل عند الوقف هاءً، وغيرها من المظاهر, وقد ذكر ابن الجزري ( ت 833 هـ ) أغلبها مجملة ًإذ قال: ((فاعلم أنّ للوقف في كلام العرب أوجهًا متعددة, والمستعمل منها عند أئمة القراءات تسعة وهي: السكون, والروم, والإشمام, والإبدال, والنقل, والإدغام, والحذف, والإثبات, والإلحاق))( ), والأصل في أحكام الوقف ألاّ ترد في الوصل, وفي أحكام الوصل ألاّ ترد في الوقف, بَيدَ أنّ العرب استعملت أحدهما محل الآخر في عدد من المواضع التي تكاد تكون قليلة, فأجرت الوصل مُجرى الوقف, والوقف مجرى الوصل, وأولهما أكثر شيوعًا, وهو ما يعنيني في هذا البحث, إذ وردت أحكام الوقف في حال الوصل في مواضع عدّة, سواء أكانت أحكام الوقف هذه مختصة بالعربية عمومًا أم اختصت بعدد من لهجاتها, قال ابن جني (ت 392 هـ): ((وقد أجرت العرب كثيرًا من ألفاظها في الوصل على حدِّ ما تكون عليه في الوقف, وأكثر ما يجيء ذلك في ضرورة الشعر))( ), وكان محقًا حين لم يقصر هذه الظاهرة على ضرائر الشعر, بل عدّها من قبيل أكثر مواطن ورودها, إذ سيبيّن الباحث في هذا البحث أنها وردت في عدد من القراءات القرآنية, فضلاً عن ورودها في مواضع قليلة من منثور العرب.
وباختلاف أحكام الوقف اختلفت مظاهر هذه الظاهرة وتعددت صورها, فنتجت الصور الآتية :
1. التسكين.
2. نقل الحركة.
3. هاء السكت.
4. إبدال التنوين ونون التوكيد الخفيفة ألفا.
5. إبدال تاء التأنيث هاء.
6. إثبات ألف الضمير (أنا).
7. حذف الواو والياء.
8. إبدال الألف واواً أو ياءً.
9. التشديد.
10. ألف الإطلاق.
11. الكشكشة.
12. العجعجة.
وفيما يلي تفصيل القول في كل مظهر من هذه المظاهر:

1. التسكين
ذكرتُ آنفًا أنّ العرب لا تقف على متحرك, وعندما تنهي كلامها على حرف متحرك تلجأ إلى أمور عدة؛ لئلا تقف على حركته, ولعل أشيعها حدوثًا تسكين آخر الكلمة، فعند وقوفك على (زيد) في جملة: قام زيدٌ, تقول: قام زيدْ, بتسكين الدال, والأصل في هذا التسكين أن يقع في حال الوقف، وألاّ يقع في حال الوصل, بَيدَ أنّ المتأمل في النصوص اللغوية القديمة يجد ما يخالف هذا الأصل, ولعلّ الخليل (ت 175 هـ) أوّل من أشار إلى هذا المظهر, ((واعلم أن الخليل كان يقول: إذا تهجّيتَ, فالحروف حالها كحالها في المعجم والمقطـَّع ، تقول: لامْ ألفْ, وقافْ لامْ, قال :( )
تـُكـَتـّبان ِ فِي الطريقِ لامَ الف))( )
ففي (لام ألف) سُكنت الميم والفاء، وفي (قاف لام) سُكّنت الفاء والميم. وميم (لام ألف) في البيت ساكنة في الأصل، وتسكينها هذا من باب إجراء الوصل مجرى الوقف, ثم أُلقيت عليها حركة همزة كلمة (ألف) وحُذفت الهمزة من اللفظ، بدليل كتابتها بصورة همزة الوصل. ويبدو أن الخليل أراد بقوله: المقطـّع الحروف المقطعة في أوائل عدد من السور القرآنية, نحو : (ألم), تقول ألفْ لامّيمْ( ) ((وذلك أنّ حروف التهجي مبنية على الوقف في حالة الوصل كقراءة الجماعة: ??? ? ? ?? [سورة العنكبوت/ 1- 2]))( ).
وورد في غير أسماء الحروف (( ومن ذلك قراءة عَمرو بن عبيد , وأبي جعفر يزيد بن القعقاع (ولا يُضارّ) بتشديد الراء وتسكينها . قال أبو الفتح : ... تسكين الراء مع التشديد فيه نظر, وطريقته أنه أجرى الوصل مُجرى الوقف))( )، أراد قوله تعالى: ?? ? ? ? ??? [سورة البقرة / 282] ومن الواضح أنّ الوقوف على الفعل لا يصح ههنا لشدة تعلق ما بعده به, بيد أن القارئ بالتسكين أجرى الوصل مُجرى الوقف. وينتج عن هذا التسكين المقط الآتي: /ض ــــًــــــ رر/ وهو من المقاطع الممتنعة وصلاً، والمباحة وقفًا.
ونُسب إلى الإمام علي (عليه السلام) أنه قرأ (ألم ترْ) بسكون الراء( ) في قوله تعالى: ??? ? ? ? ? ? ? ?? [سورة البقرة: 258]، قال أبو حيان الأندلسي (ت 745 هـ): ((قرأ عليُّ بن أبي طالب: (أَلَمْ تَرْ)، بسكونِ الراءِ، وهو من إِجراءِ الوصل مجرى الوقفِ))( )، ويتضح بهذا أنّ التسكين لا يقتصر على حركة الإعراب، فالفتحة هنا ناتجة عن تقصير الألف؛ للجزم.
وورد نحو هذا مع (ما) الاستفهامية عند دخول حرف الجر عليها, فتقول: فيمهْ, ولمهْ, وعلامهْ ((وقومٌ من العرب يقفون بالإسكان من غير هاء, ويقولون: فيمْ, ولمْ, وعلامْ, ويُحتجُّ بأنّ الوقف عارض والحركة تعود في الوصل, وقد أسكن بعضهم الميم في الوصل, قال الشاعر:( )
يَا أبا الأسْوَدِ لِمْ خَليْتـَني لِهُمُوم ٍ طارِقاتٍ وذكرْ
وذلك من قبيل إجراء الوصل مجرى الوقف ضرورة))( ), فعدّ التسكين هنا من ضرورات الشعر, فضلا على أنّه عدّ الوقف بالتسكين في نحو هذا لهجة لقوم من العرب.
2. نقل الحركة.
لا يبتعد هذا المظهر كثيرًا عن سابقه, إذ هو يمثل مرحلة تلي المظهر السابق, إذ إنّ الحرف الذي سُكّن لأجل الوقف قد يتحرك عندما يليه حرف آخر في الوصل, وهذا التحريك من قبيل الإتباع الحركي, أو للتخلص من التقاء الساكنين, فأنت تقول في الوصل: لم أضربْهُ صباحًا, وعند الوقف على الفعل والضمير تقول: (لم أضربْهْ), بسكون الباء والهاء، فيلتقي ساكنان، وهذا جائز في الوصل ممتنع في الوقف، فتُحرك الباء بالكسر لغرض التخلص من التقاء الساكنين، فتقول: (لم أضربِه). وقد يرد نحو هذا في الوصل, فيُعدُّ محمولًا محمل الوقف, ((قال أبو زيد (ت 215 هـ) : قال: - يعني رجلًا عربيًّا – لمْ أضربـِهِـما, فكسر الهاء مع الباء, قال أبو علي(ت 377 هـ): فهذا على أنّه أجرى الوصل مجرى الوقف ... لأن سكون الإعراب مثل حركته، فلا يتبع غيره, كما أنّ الحركة الإعراب لا يُبدل منها للإتباع, كما لا تسكن في حال السعة والاختيار))( ), وهذا يعني أنّ أصل (لمْ أضربـِهِما) –عنده- لم أضربْهُما بسكون الباء، بَيد أن هذا السكون سكون وقف لا سكون إعراب, بدليل تحريكه للإتباع , إذ حُرَّكتْ الهاء بعده بالكسرة, وكُسِرت الباء إتباعًا, ولو كان السكون ههنا سكون إعراب لما جاز هذا الإتباع, نخلص من هذا إلى القول بأن الفعل ههنا جارٍ في الوصل مجرى الوقف.
وقد ورد هذا المظهر في قراءة طلحة بن سليمان، إذ قرأ (يُدْرِكُهُ) بضم الكاف( ) في قوله تعالى: ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ??? [سورة النساء / 100]. قال ابن جني: ((ظاهر هذا الأمر أن (يدركُه) رفع على أنه خبر ابتداء محذوف، أي ثم هو يدركه الموت، فعطف الجملة التي من المبتدأ والخبر على الفعل المجزوم بفاعله، فهما إذًا جملة، فكأنه عطف جملة على جملة، وجاز العطف ههنا أيضًا لما بين الشرط والابتداء من المشابهات)) ( )، ولم يلبث ابن جني طويلًا حتى ذكر وجهًا آخر إذ قال: ((وإن شئت ذهبت فيه مذهبًا آخر غيره، إلاّ أنّ فيه غموضًا وصنعة، وهو أن يكون أراد: (ثم يدركْهُ الموت) جزمًا، غير أنّه نوى الوقف على الكلمة، فنقل الحركة من الهاء إلى الكاف، فصار يدركُه ... فلمّا صار يدركْه إلى يدركُه حرّك الهاء بالضم على أوّل حالها، ثم لم يُعِد إليها الضمة التي كان نقلها إلى الكاف عنها، بل أقرّ الكاف على ضمها)) ( )، وعلى هذا الوجه يكون الفعل مجزومًا، والضمة هي ضمة الهاء نُقلت إلى الكاف من أجل نية الوقف، ولا يُوقف هنا؛ لأنّه وقف بين الفعل والفاعل. وقد استشهد ابن جني بثلاثة أبيات شعرية تعضد هذا الوجه( )، وتثبت ورود هذا المظهر على لسان شعراء العرب.
وقال الآلوسي (ت 1270 هـ): ((ينبغي أن يُعلم أنّه على تقدير المبتدأ يجب جعل (مَنْ) موصولة؛ لأنّ الشرط لا يكون جملة اسمية، ويكون (يَخْرُجْ) أيضًا مرفوعًا، ويرد عليه حينئذ أنّه لا حاجة إلى تقدير المبتدأ، فالأولى أنّ الرفع بناء على توهم رفع (يَخْرُجْ)؛ لأنّ المقام من مظان الموصول، ولا يخفى أنّه خبط وغفلة عمّا ذكروا، وقيل: إنّ ضم الكاف منقول من الهاء كأنّه أراد أن يقف عليها، ثم نقل حركتها إلى الكاف كقوله:
عَجِبْتُ والدَّهْرُ كَثيرٌ عَجَبُهْ مِنْ عَنَزِيٍّ سَبَّني لَمْ أَضْرِبُهْ
وهو كما في الكشف ضعيف جدًا؛ لإجراء الوصل مجرى الوقف والنقل أيضًا، ثم تحريك الهاء بعد النقل بالضم، وإجراء الضمير المتصل مجرى الجزء من الكلمة، والبيت ليس فيه إلا النقل وإجراء الضمير مجرى الجزء))( )، فذكر رأي مَن عدّ قراءة ضم الكاف في (يدركُهُ) من قبيل الضم على نية نقل حركة الهاء التي تُعامل معاملة الموقوف عليه، فعند الوقف على هذه الهاء تُسكن، وللتخلص من التقاء الساكنين تُنقل حركة الهاء إلى الكاف، وتُحرّك الهاء بعدها. وفي هذا الرأي ضعف, إذ إنّ الهاء وردت ههنا مضمومة لا ساكنة.
ولهذا المظهر نظير في أشعار العرب، نحو قول الشاعر( ):
إِنَّ ابْنَ أَحْوَص مَعْروفًا فَبَلِّغُهُ في ساعِدَيْهِ إِذا رامَ العُلا قِصَرُ
فالفعل (بَلِّغْهُ) فعل أمر، وكان حريًّا به أن يرد بسكون الغين، غير أنَّ ضمة الهاء نُقلت إلى الغين على نية الوقف، فصار (بَلِّغُهْ)، ثم تحركت الهاء بالضم مع بقاء ضمة الغين فصار (بَلِّغُهُ) ( ).
وما ذكرته من مواضع ورد فيها هذا المظهر وما أشرتُ إليه ممّا ورد في المحتسب كفيل بإثبات وقوع هذه المظهر في اللغة, ويعضد وروده, وهو غاية ما يرومه الباحث في مثل هذه الظواهر القليلة الورود قلة تكاد تجعلها نادرة.

3. هاء السكت
هاء السكت ((تُزاد لبيان الحركة زيادة مطردة في نحو قولك: (فيمَهْ, ولمَهْ, وعمَّهْ), والمراد: (فيمَ, ولمَ, وعمَ), والأصل: (فيما, ولِما, وعَمّا), دخلت حروف الجر على ما الاستفهامية, ثم حُذفتِ الألف للفرق بين الإخبار والاستخبار, وبقيت الفتحة تدل على الألف المحذوفة ... ولا تدخل هذه الهاء على معرب, ولا على ما تشبه حركته حركة الإعراب؛ فلذلك لا تدخل على المنادى المضموم, ولا على المبني مع (لا) نحو: لا رجل, ولا على الفعل الماضي ))( ), فهي هاء تُزاد عند الوقف على وفق ضوابط معينة؛ والأصل فيها ألّا ترد في حال الوقف.
ووردت زيادتها في الوصل, وعُدّ جاريًا مجرى الوقف في مواضع عدّة, قال الزجاج (ت 311 هـ): ((ولكن من أثبت فعلى الوقف, كما أثبت الهاء في قوله: ?? ? ? ??? [سورة القارعة/ 10], و ???? [سورة الحاقة / 19]))( ), وقال في موضع آخر: ((فأمّا ???? و ???? [سورة الحاقة /20], فالوجه أنْ يُوقف على هذه الهاءات ولا تُوصل؛ لأنّها أُدخلت للوقف, وقد حذفها قوم في الوصل, ولا أحب مخالفة المصحف))( ), وقد قرأ القراء السبعة, بل العشرة ???? و ???? بإثبات الهاء في الوصل والوقف, عدا يعقوب إذ كان يحذفها في الوصل( ), وأثبتوا الهاء في ?? ?? عدا يعقوب وحمزة, حذفاها في الوصل( ), ويبدو أنّ ما دعا إلى زيادة هذه الهاءات هو تناسب رؤوس الآيات, والتناسق الصوتي بينها, فالآيات التي جاورت الآيات موضوع حديثنا منتهية بالمقطع نفسه, ففي سورة الحاقة نجد الآيات: ??? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ??? [سورة الحاقة / 16 – 29], فجميعها تنتهي بالمقطع (يَهْ) وهذا التناسب يتحقق بزيادة هاء السكت. ونجد في سورة القارعة الآيات: ??? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ??? [سورة القارعة / 6 – 11], ولا يخفى على القارئ ما حققته زيادة الهاء من تناسب صوتي بين خواتم الآيات ومفاصل السورة, ووجه زيادتها في الوصل أنّها جارية فيه مجرى الوقف.
وفي قوله تعالى: ??? ? ? ? ? ??? [سورة النبأ/ 1-2] قرأ الضّحاك وابن كثير في رواية: (عَمَّهْ) بهاء السّكت( ) قال الزمخشري (ت 538 هـ): ((وعن ابن كثير أنه قرأ (عمَّهْ) بهاء السكت، ولا يخلو إمّا أن يُجري الوصل مجرى الوقف، وإمّا أن يقف ويبتدئ ??? ? ? ? ???))( )، وفي هذا الموضع لا يحتاج انسجام فواصل الآي إلى هذه الهاء، وإنما هي قراءة قرأ بها ابن كثير، وتحتمل وجهين ذكرهما الزمخشري، وفي أحدهما أُجري الوصل مجرى الوقف، وقال أبو حيان: ((أَجرى الوصل مُجْرَى الوقف، لأنَّ الأكثرَ في الوَقف على ما الاستفهاميّة هو بإلحاق هاءِ السكت، إلّا إذا أضيفت إليها فلا بدَّ من الهاء في الوقف، نحو: بِحَيِّ مَهْ)) ( )، ومن الواضح أن هذا موضع وصل لا وقف.

وفي قوله تعالى: ??? ? ? ?? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ??? [سورة الأنعام/ 90] قال ابن عاشور (ت 1393 ه): ((والهاء في قوله: ????? ساكنة عند جمهور القرَّاء، فهي هاءُ السَّكت الَّتي تُجلب عند الوقف على الفعل المعتلِّ اللَّامِ إِذا حُذِفَتْ لامه للجازم، وهي تَثْبُتُ في الوقف وتُحذف في الوصل، وقد ثَبَتَتْ في المصحف؛ لأَنَّهم كانوا يكتبون أَواخر الكلم على مراعاة حال الوقف. وقد أَثبتها جمهور الْقُرَّاءِ في الوصل، وذلك من إِجراء الوصلِ مجرى الوقف، وهو واردٌ في الكلام الفصيح. والأَحسن للقارئ أَن يقف عليها جريًا على الأَفصح، فجمهور القُرَّاءِ أَثبتُوها ساكنَةً))( )، فقد راعى الرسم حال الوقف، وأراد القراء أن توافق قراءتهم رسم المصحف، فقرأ جمهور القراء بالهاء الساكنة وإن وصلوا، وقراءتهم عند الوصل من باب إجراء الوصل مجرى الوقف.

ولهذا نظائر في الشعر العربي منها قول عروة بن حزم العذري :( )
فَإِنَّ عَفْراءَ مِنَ الدُّنْيا الأَمَل يـا مَـرْحَبـاهُ بِحـِمارِ عَفْـراء
إِذا أَتـى قَـرَيْـتـُهُ بـِمـا شـاءَ مِنَ الشَّعيرِ وَالحَشيشِ وَالماء
فأثبت هاء السكت في (مرحباه) على الرغم من كونه واقعًا في الوصل, ومثله قول الشاعر:( )
يا مَرْحَباهُ بِحِمارِ ناجيَة إذا أَتى قَرَّبْتُهُ لِلِسانيَة
وعدّه ابن يعيش ضرورة, ورديئا في الكلام, ولا يجوز في غير الشعر( ), وقال الرضي الاسترباذي (ت 686 هـ): ((وإثباتها في الوصل لإجراء الوصل مُجرى الوقف, ... والكوفيون يثبتونها وصلاً ووقفًا, في الشعر وغيره))( ), وما قيل في البيت السابق يُقال ههنا.

4. إبدال التنوين ونون التوكيد الخفيفة ألفًا
جرت عادة العرب على أن تُبْدِلَ تنوين النصب ألفًا عند الوقف، فهم يقولون: رأيتُ زيدا, بالألف؛ ((كراهية أن يكون التنوين بمنزلة النون اللازمة للحرف منه, أو زيادة فيه لم تجئ علامة للمنصرف, فأرادوا أن يفرقوا بين التنوين والنون))( ), وقال ابن عصفور (ت 669 هـ): ومن العرب ((مَن أجرى الوصل مجرى الوقف ... قال في (أفعىً): (أفعىْ) في الوصل))( ). ولم يقتصر هذا الإبدال على التنوين، بل وقفت العرب بالألف عوضًا عن نون التوكيد الخفيفة, بشرط أن يكون ما قبلها مفتوحًا( ), ولهذه الظاهرة أثرٌ بيّنٌ في رسم المصحف, ومنه ما نجده في رسم قوله تعالى: ?? ? ? ? ? ??? [سورة العلق / 15] إذ رُسِمت ( نسفعا ) بالألف, والأصل فيها أن تـُرسم بنون التوكيد الخفيفة, قال أبو حيان: ((كُتبت بالألف باعتبار الوقف, إذا وقف عليها بإبدالها ألفًا, وكثر ذلك حتى صار رويًا، فكتبت ألفًا))( )، ولم يقتصر الأمر على رسم المصحف بل تعدّاه إلى القراءات، إذ قرأ ابن مسعود: (لأسفعا)( ), ولا يصح الوقوف ههنا على نسفعا؛ لشدة تعلق ما بعده به، مما يؤكد أن الرسم بصورة الألف وقراءة ابن مسعود إنما هما من باب الوصل الجاري مجرى الوقف, ومن المؤكد أن ابن مسعود لم يقف عليها؛ للسبب المذكور آنفا.
وفي قوله تعالى: ?? ? ? ? ? ??? [سورة ق: 24]، قال ابن جني: ((ومن ذلك قراءة الحسن (ألقيًا في جهنم) بالنون الخفيفة ... هذا يؤكد قول أصحابنا في ???: إنّه أراد (ألقيًا)، وأجرى الوصل مجرى الوقف))( )، وذكر الطبرسي أربعة أوجه لكلمة (ألقيا) قال في الرابع منها: ((إنه يريد النون الخفيفة فكان (ألقينْ)، فأجرى الوصل مجرى الوقف، فأبدل من النون ألفًا، كما قال الأعشى( ):
وذا النُّسكِ المَنْصوبِ لا تَنْسُكَنَّهُ وَلا تَعْبُدِ الشَّيطانَ وَاللهَ فَاعْبُدا
ويؤيد هذا القول ما رُوي عن الحسن أنه قرأ: (ألقيًا) بالتنوين))( )، ويضعف حمله على المثنى، وإنما يُحمل ((على إرادة نون التأكيد, والأصل ألقين, واحتج بأنّ الخطاب في ذلك لمالك خازن النار))( ). ولا يخفى على القارئ أن هذا موضع وصل , وليس بموضع وقف ، فإنْ صحَّ هذا الحمل فهو من باب إجرائه في الوصل مجرى الوقف .
ورُسمتْ نون التوكيد في صورة الألف في قوله تعالى: ?? ? ? ? ? ? ? ? ??? [سورة يوسف / 32] ( ), ونلاحظ في الفعلين ?? ?? أنّ الفعل الأول رُسم بالنون على الرغم من جواز الوقوف عليه؛ لوجود حرف العطف بعده, في حين رُسم الفعل الثاني بالألف على الرغم من قوة ارتباط الفعل الناقص بخبره، وعلة ذلك أن نون (ليسجنن) مثقلة، ونون (ليكونن) خفيفة، والثقيلة لا تُبدل ألفًا عند الوقف.
ولم يقتصر هذا المظهر على الرسم القرآني، بل تعداه إلى توجيه القراءات القرآنية، وفي قوله تعالى: ??? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ?? [سورة هود: 114] قال الآلوسي (ت1270 هـ) في (زلفًا): ((وقرأ مجاهد، وابن محيصن بإسكان اللام كبُسْر بالضم والسكون في بسرة، ... وفي رواية عنهما أنهما قرآ- زلفى- كحبلى، وهو بمعنى زلفة، فإن تاء التأنيث وألفه قد يتعاقبان نحو قربى وقربة، وجوز أن تكون هذه الألف بدلاً من التنوين إجراء للوصل مجرى الوقف)) ( )، فذكر وجهين لقراءة (زُلْفى) جوّز في أحدهما أن تكون من باب إجراء الوصل مجرى الوقف.
ولهذا نظائر في شعر العرب (( وقد قيل في قول أمرئ القيس: (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل)( ) أنّ المراد (قفن) على إرادة نون التوكيد الخفيفة ، قالوا : لأن الخطاب لواحد , يدل على ذلك قوله: (أصاح ترى برقا أريك وميضه) ( ), ثم وقف بالألف, وأجرى حال الوصل مجرى الوقف))( ), وليس هذا ببعيد.

5. إبدال تاء التأنيث هاءً
تبدل العرب تاء التأنيث التي تلحق الأسماء هاءً عند الوقف؛ ولذا تُرسم بصورة التاء المربوطة في نحو: مسلمة وقائمة , ولم تجعلها كتاء التأنيث الساكنة التي تلحق الفعل في نحو: ذهبَتْ. ومن العرب من أبدل هذه التاء هاءً في الوصل, وعضدت القراءات القرآنية هذا, ففي قوله تعالى: ??? ? ??? [سورة يس / 30] قرأ الأعرج، ومسلم بن جندب, وأبو الزناد (يا حَسْرَهْ) بالهاء الساكنة( ), ولا يحسن الوقوف ههنا (( وذلك أن قوله: ( على العباد ) متعلق بها, أو صفة لها, وكلاهما لا يحسن الوقوف عليه دونه))( )، فلا بدَّ من الوصل بَيدَ أنّه وصل جار مجرى الوقف.
وقرأ الحسن: (بِثَلَاثَهْ آلَافٍ) بالهاءِ، وكذلك (خَمْسَهْ آلَافٍ)( ) في قوله تعالى: ??? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? [سورة آل عمران: 124 – 125]، قال أبو حيان: ((وَالّذي يناسب توجيه هذه القراءة الشاذّة أنّها من إجراء الوصل مجرى الوقفِ، أبدلها هاءً في الوصل، كما أبدلوا لها هاءً في الوقف، وموجود في كلامهم إجراء الوصل مجرى الوقفِ، وإجراءُ الوقف مجرى الوَصلِ))( )، فعدّها قراءة شاذة، ولم يمنعه هذا من التماس وجهٍ لها، وتوجيهه لها على أنّها من باب إجراء الوصل مجرى الوقف. وهذا ما وجّه به قراءة (ابنهْ) بالهاء بدلًا من التاء( ) في قوله تعالى: ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? [سورة التحريم: 12]( ).
ووردت هذه الظاهرة في الشعر العربي , ومن ذلك قول منظور بن حية الأسدي : ( )
لمَّا رَأى أنْ لا دَعَهْ وَلا شِبَعْ مَالَ إلى أرطَاةِ حِقـْفِ فاضْطَجَعْ
الأصل ( دعة ) بالتاء , فأبدلها هاءً ، وبقيت هاءً في الوصل .
ولهذ البيت نظائر في النثر , يقول سيبويه ( ت 180 هـ ) : (( وزعم مَن يُوثق به : أنه سمع مِن العرب مَن يقول : ثلاثهَ اربعهْ , طرح همزة أربعة على الهاء ففتحها , ولم يحوّلها تاءً ؛ لأنّه جعلها ساكنة )) ( ) , سُكنت تاء التأنيث فصارت هاءً , وعند الإدراج بقيتْ هاءً على الرغم من تحركها. في حين قصر ابن يعيش هذا على الشعر , وعدّ ما ورد منه في الاختيار مشبهًا للشعر , إذ قال: (( قد يجري الوصل مجرى الوقف وبابه الشعر , ولا يكون في حال الاختيار ... وقد تقدم نظائر ذلك في غير الشعر تشبيهًا بالشعر , من ذلك ما حكاه سيبويه من قولهم في العدد : ( ثلاثهربعه ) فأبدل من التاء هاءً في الوقف ، ثم ألقى حركة الهمزة على الهاء وحذفها ... وذلك إنما يكون في الوصل)) ( ) , ولا يجد الباحث ما يستلزم كونه مشبهًا للشعر، فهو نثر أقرّه سيبويه وذكره.

6. إثبات ألف الضمير ( أنا )
جرت عادة جمهور العرب على أن تقف على الضمير (أنا) بالألف, بَيدَ أنَّ هذه الألف لا تُلفظ عند الوصل, فهي تشبه هاء السكت إلى حدٍّ ما, وجرى الرسم على كتابة هذه الألف في حالتي الوصل والوقف, في حين لا تُكتب هاء السكت في الوصل, قال ابن جني: (( فأمّا الألف في (أنا) في الوقف فزائدة, وليست بأصل ... ولكن قضينا بزيادتها من حيث كان الوصل يُزيلها ويُذهبها, كما يُذهب الهاء التي تلحق لبيان الحركة في الوقف, ألا ترى أنك تقول في الوصل: أنا زيد, كما قال تعالى: ??? ? ?? [سورة طه / 12] يُكتب بألف بعد النون, وليستِ الألف في اللفظ, وإنما كُتبت على الوقف))( ), فالألف تكتب في الوصل على نية الوقف.
ولم تقتصر نية الوقف على الرسم, بل تعدتها إلى اللفظ , فهناك من يلفظها عند الوصل, فيجريها مجرى الوقف, ومنها قراءة ابن عامر, وأبي جعفر, ورويس بإثبات ألف (لكنّا) عند الوصل( ) في قوله تعالى: ?? ? ? ? ? ? ? ??? [سورة الكهف/ 38], قال الزجاج :((ومن قرأ لكنـَّا, فأثبت الألف في الوصل كما كان يثبتها في الوقف, فهذا على لغة من قال: أنا قمت فأثبت الألف ... وفي أنا في الوصل ثلاث لغات أجودها أنا قمت، مثل قوله: ?? ? ??? [سورة النازعات / 24 ] بغير ألف في اللفظ, ويجوز: أنا قمت بإثبات الألف, وهو ضعيف جدًا, وحكوا: أنْ قـُمت بإسكان النون وهو ضعيف أيضًا, فأمّا (لكنا هو الله ربي) فهو الجيد بإثبات الألف؛ لأنّ الهمزة قد حُذفت من أنا, فصار إثبات الألف عوضًا عن الهمزة))( ), فعدها لهجة من ثلاث لهجات في (أنا), وهي لهجة ضعيفة, لكن الذي قوّاها في هذا الموضع كون الهمزة ههنا محذوفة, فصارت الألف عوضًا عن الهمزة, وقال ابن يعيش: ((والأصل أنا, فألقيت حركة الهمزة على نون لكنْ, وحُذفت الهمزة وأدغمت النون في النون, والقياس حذف الألف من أنا في الوصل؛ لأنّها لبيان الحركة في الوقف كالهاء في (كتابيه, وحسابيه), وإنما بُني الوصل فيه على الوقف))( ), ولم يشر إلى كونها لهجة, كما ذكر سابقه.
ومنها قرأ نافع: (أنا أُحيي) بنطق ألف (أنا) وصلًا( ) في قوله تعالى: ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ??? [سورة البقرة: 258] قال أبو حيان: ((والأحسن أن تُجْعَلَ قراءةُ نافعٍ على لُغةِ بني تميمٍ. لأنّه من إِجراءِ الوصلِ مجرى الوقفِ)) ( )، فلم يكتف بعدّها من باب إجراء الوصل مجرى الوقف، بل زاد أن عدّها موافقة للهجة تميم.
وقد دخلت هذه الظاهرة إلى الشعر العربي, ورصدها المتقدمون من علماء اللغة, ومنه قول حميد بن ثور( ):
أنا سَيْفُ العَشِيرَةِ فَاعْرِفـُونِي حُمَيْداً قـَدْ تـَذَرَّيْتُ السناما
وعقب ابن جني على البيت بقوله: ((فإنه أجراه في الوصل على حدّ ما كان عليه في الوقف))( ).
ومثله قول أبي النجم : ( )
أنا أبو النجْم ِ وَشِعْري شِعْري
وعدّه ابن عصفور ( ت 669 هـ ) ضرورة شعرية إذ استشهد بقول الأعشى( ):
فـَكيفَ أنا وانتحالي القوافي بَعْدَ المَشيبِ كفى ذاك عارا
وقال: القراءة (( بإثبات الألف في الوصل من إجراء الوصل مُجرى الوقف ضرورة)) ( ) , فهو عنده من ضرورات الشعر .
وجدير بالذكر أن الوقوف بالألف لا يقتصر على الضمير ( أنا ) بل هو موجود مع ( هل ) أيضا, قال ابن يعيش : (( ومن ذلك قولهم ( حي هلا ) في الوقف ... وإنْ شِئت قلت : حي هل بالسكون من غير حركة , ولم يقف العرب في شيء من كلامها بالألف لبيان الحركة إلا في هذين الموضعين , أعني هلا وأنا , وتقف في الباقي بالهاء )) ( ) , ولم أقع على نص - مع طول البحث- يصرح بإجراء (هلا) في الوصل مجرى الوقف .

7. حذف الواو والياء
تحذف العرب الياء عند الوقف في عدد من المواضع، ويرد هذا الحذف مع أسماء الإشارة ومع عدد من الأسماء المنقوصة، ورد في كتاب سيبويه: ((أنك إذا سكتّ لمْ تذكر الياء, وذلك لأنّ الذي يقول: ذهي أمةُ الله، يقول: إذا سكت: ذهْ. وسمعنا العرب الفصحاء يقولون: ذهْ أمة الله, فيُسَكّنون الهاء في الوصل, كما يقولون بهمْ في الوصل))( ), ودلّ ذلك على أنّ سيبويه قد سمع في هذا الاسم ما يدل على أنّ العرب قد تجريه في الوصل مُجرى الوقف, إذ ورد السماع بـ ( ذهْ ) محذوفة الياء ساكنة الهاء في الوصل, والأصل في هذا أن يرد في حال الوقف، وأن ترد (ذهي) بإشباع الياء وصلًا.
وورد هذا الضرب في قوله تعالى: ??? ? ? ? ??? [سورة الإسراء: 97]، قال ابن عاشور: ((وحُذفت ياء (الْمُهْتَدِ) في رسم المصحف؛ لأنَّهم وَقفوا عليها بدون ياء على لغة من يقف على الاسم المنقوص غير المنوّن بحذف الياء، وهي لغةٌ فصيحةٌ غَير جارية على القِياس ولكنها أوثرت من جهة التَّخفيف؛ لثقل صيغة اسم الفاعل معَ ثقَل حرف العلّة في آخر الكلمة. ورُسمت بدون ياءٍ؛ لأنَّ شأنَ أواخر الكلم أَن ترسم بمراعاة حال الوقف. وأمَّا في حال النطق في الوصل فقرأها نافع وأبو عمرو بإثبات الياء في الوصل وهو الوجه، ولذلك كتبوا الياء في مصاحفهم باللون الأحمر وجعلوها أدق من بقيَّة الحروف المرسومة في المصحف؛ تفرقةً بينها وبين ما رسمه الصحابة كُتّاب المصحف. والباقون حذفوا الياءَ في النُّطق في الوصل إجراءً للوصل مجرى الوقف. وذلك وإِن كان نادرًا في غير الشعر إلَّا أنّ الفصحاء يجرون الفواصل مجرى القوافي، واعتبروا الفاصلة كل جملة تمَّ بها الكلام))( )، فقد قرأ خمسة من السبعة بحذف الياء وصلًا على إجراء الوصل مجرى الوقف.
وورد هذا المظهر مع حركة هاء الغائب أيضًا, قال ابن السراج (ت 316 هـ): ((منه أن تحذف من المكني في الوصل كما كنت تحذفه في الوقف, إلا أنه تبقى الحركة دالة على المحذوف ... وقد جاء في الشعر حذف الواو والياء الزائدة في الوصل مع الحركة كما هي في الوقف سواء, قال رجل من أزد السراة:( )
فـَظِلتُ لدَى البيتِ العَتيق ِ أُخيلهُ ومَطوايَ مشتاقان لهْ أَرِقانِ))( )
فحَذْفُ واو إشباع الحركة من هاء الضمير في (لهْ), وتسكين الهاء من قبيل إجراء الوصل مُجرى الوقف.
ولم يقتصر هذا المظهر على تسكين الهاء، بل ورد بتحريكها –من دون إشباع الحركة-، ومنه قول الشاعر:( )
أو مُعْبَرُ الظهْر ِ يُنْبـِي عَنْ وَلِيَّتِه مَا حَجَّ رَبَّهُ في الدُّنـْيَا وَلا اعْتـَمَر
فحُذفتْ الواو من الضمير في (ربهُ), بيدَ أنّ الهاء ههنا لم تـُسكّن كما حدث مع الياء في الشواهد السابقة. ومثله قول الأعشى:( )
وَمَا لهُ مِنْ مَجْدٍ تـَلِيدٍ , وَمَا لهُو مِن ِ الريح فـَضْـلٌ لا الجَنـُوبُ وَلا الصَّبَا
فحُذفتْ الواو من هاء الضمير في ( له ) من قوله : (وَمَا لهُ مِنْ مَجْدٍ), وأثبتها معه في قوله: (وَمَا لهُو مِن ِالريح فـَضْـلٌ). وأرى أنّ من المناسب هنا أن أورد عبارة سيبويه التي قالها قبل ذكر البيتين الأخيرين: ((فهم يُجرونه في الوصل على حاله في الوقف)) ( ).
?
8. إبدال الألف واواً أو ياءً
من العرب مَن يُبدل الألف واوًا عند الوقف, فيقف على (أفعى) بقوله: (أَفْعَو), وهناك من يقول عند الوقف: (أفعي) بالياء, قال سيبويه: (( وذلك قول بعض العرب في أفعى: هذه أفعَيْ، وفي حبلى: هذه حبليْ, وفي مثنـَّى: هذا مثنَـَّيْ, فإذا وصلت صيَّرتها ألفا, وكذلك كل ألف في آخر الاسم, حدَّثنا الخليل وأبو الخطاب أنها لغة لفـَزارة وناس من قيس, وهي قليلة ... وزعموا أنّ بعض طيئ يقول: أَفْعَو؛ لأنّها أبين من الياء, ولم يجيئوا بغيرها؛ لأنها تشبه الألف في سَعة المخرج والمد؛ ولأن الألف تبدل مكانها كما تبدل مكان الياء, وتبدلان مكان الألف أيضًا))( ), فالألف قد تبدل واوًا عند الوقف، وقد تبدل ياءً, وإبدالها ياءً لهجة لفزارة وقسم من قيس, وتُوصف بالقلة.
ولا يختص هذا الإبدال بحال الوقف, فقد يحدث في حال الوصل إجراءً له مُجرى الوقف( ). ولهذا المظهر آثار في القراءات القرآنية ومنها قراءة الحسن البصري: (يُدْعَوْ)( ) في قوله تعالى: ??? ? ? ? ??? [سورة الإسراء / 71], ومن الواضح أن الأصل مع ياء المضارعة والبناء للمجهول: (يُدعا) بالألف, وعقب ابن جني على قراءة الحسن البصري بقوله: ((هذا على لغة مَن أبدل الألف في الوصل واوًا، نحو: أفعوْ وحبلوْ, ذكر ذلك سيبويه, وأكثر هذا القلب إنما هو في الوقف؛ لأنّ الوقف من مواضع التغيير, وهو أيضًا محكي عن حاله في الوقف))( ), فالإبدال لهجة في الوقف، أمّا وقوعه في الوصل فهو جار مجرى الوقف. وقال أبو حيان: ((وَخُرِّجَ على إبدال الألف واوًا على لغة مَن يقول: (أَفْعُو) في الوقف على (أَفْعَى)، وإجراء الوصل مجرى الوقف)) ( ). فالظاهرة وردت في القراءات القرآنية على الرغم من قلّتها، وهي تُوجه على نحو يتناسب مع موضوع هذا البحث.

9. التشديد
من العرب من يقف على الكلمة متحركة الآخر بالتشديد؛ لغرض التفريق بين متحرك الآخر وساكنه، قال سيبويه: ((فأمّا الذين أشموا فأرادوا أن يفرّقوا بين ما يلزمه التحريك في الوصل وبين ما يلزمه الإسكان على كلّ حال ... وأمّا الذين ضاعفوا فهم أشد توكيدًا؛ أرادوا أن يجيئوا بحرف لا يكون الذي بعده إلا متحركًا؛ لأنّه لا يلتقي ساكنان, فهؤلاء أشد مبالغة وأجمع))( ), ومن الواضح أنّ الحرف الذي استجلبوه هو الحرف الأوّل من الحرفين المشددين بدليل قوله: ((أرادوا أن يجيئوا بحرف لا يكون الذي بعده إلا متحركا)), وعند الوصل تنتفي الحاجة لاستجلاب صوت ثان.
وجدير بالذكر أنّ هذا التضعيف لا يطرد في كل حال ولفظ، فهو لم يخلُ من ضوابط، ومنها ((إنْ كان الحرف الذي قبل آخر حرفٍ ساكنا لم يضعِّفوا، نحو: عَمْرٍو وزَيْدٍ, وأشباه ذلك؛ لأنّ الذي قبله لا يكون ما بعده ساكنا؛ لأنّه ساكن, وقد يسكن ما بعد ما هو بمنزلة لام (خالِدْ)، وراءِ (فرَجْ) فلمّا كان مثل ذلك يُسكن ما بعده ضاعفوه وبالغوا؛ لئلا يكون بمنزلة ما يلزمه السكون, ولم يفعلوا ذلك بعَمرو وزيد؛ لأنّهم علموا أنه لا تسكن أواخر هذا الضرب من كلامهم وقبله ساكن، ولكنهم يُشِمُّون ويرومون الحركة؛ لئلا يكون بمنزلة الساكن الذي يلزمه السكون))( ), فالغرض من التضعيف غرض دلاليّ, إذ به يتضح كون الحرف الأخير من الكلمة متحركًا, ولا يلتبس بالساكن.
بيد أنّ هذا التشديد قد يرد في الوصل إجراء له مُجرى الوقف, قال سيبويه: ((ومن العرب من يثقل الكلمة إذا وقف عليها, ولا يثقلها في الوصل، فإذا كان في الشعر فهم يُجرونه في الوصل على حاله في الوقف, نحو: سَبَسَبَّا وكـَلكلّا؛ لأنّهم قد يثقلونه في الوقف, فأثبتوه في الوصل كما أثبتوا الحذف ... وإنمّا حذفه في الوقف))( ), وفي قوله: (من العرب) دلالة واضحة على أن الوقف بالتشديد لهجة, وعدّ التشديد في الوصل محمولًا محمل الوقف.
وقد ورد هذا المظهر في عددٍ من القراءات القرآنية, ومنها قراءة الزهري: (لكلٍّ منهم جزٌّ مقسوم), بحذف همزة جزء, وتشديد الزاي( ), وذلك في قوله تعالى: ??? ? ? ? ? ? ? ??? [سورة الحجر / 44]، وعلّق ابن جني على هذه القراءة بقوله: ((هذه لغة مصنوعة, وليست على أصل الوضع, وأصلها (جُزْءٌ) فْعْلٌ, من جزأتُ الشيء, وهو قراءة الجماعة, إلّا أنّه خفف الهمزة, فصارت (جُزٌّ)؛ لأنّه حذفها وألقى حركتها على الزاي قبلها, ثمّ أنّه نوى الوقف على لغة من شدد نحو ذلك في الوقف, فقال هذا خالدّ, وهو يجعلّ, فصارت في الوقف (جُزّ), ثم أطلق وهو يريد نية الوقف, وأقرّ التشديد بحاله, فقال (جزٌّ) كما قال في الوصل سبسبّا, وكلكلًا ... ومثله الخبء فيمن وقف عليه بالتشديد, يريد تخفيف الخبء))( ), وقال أبو حيان: ((ووجهه أنّه حَذَفَ الهمزة وأَلقى حركتها على الزايِ، ثمّ وَقَفَ بالتشديد نحو: (هذا فَرْجٌ)، ثمّ أجرى الوصل مجرى الوقف)) ( )، ولا يستقيم التعبير بثم هنا؛ لأن إجراء الوصل مجرى الوقف مرافق للتشديد. ومن اللافت للنظر أنّ الزهري قرأ (دفٌ) من دون تشديد( ) في قوله تعالى: ??? ?? ? ? ? ? ? ??? [سورة النحل / 5], ولم يقلْ: (دفٌّ), كما هو الحال في (جزٌّ).
وورد في قراءة (المَرِّ وزوجه) في قوله تعالى: ?? ? ? ? ? ? ? ??? [سورة البقرة/ 102]، قال الزمخشري: ((وقُرئ (بين المرء)، و(المرّ) بالتشديد على تقدير التخفيف والوقف، كقولهم: فرج، وإجراء الوصل مجرى الوقف))( ).
وقال أبو حيان الأندلسي: ((وأمَّا تشدِيدُها بعدَ الحذفِ، فوجهه أَنَّهُ نَوى الْوقفَ فَشَدَّدَ، كما رُوِيَ عن عاصِمٍ: (مُسْتَطَرٌّ) بِتشديدِ الرّاءِ في الوقف، ثُمَّ أَجرى الوصْلَ مجرى الْوَقفِ، فأَقَرَّها على تَشديدِها فيه)) ( ).
وقد ورد هذا المظهر في الشعر, ومنه قول منظور بن مرثد الفقعسي الأسدي : ( )
نـُسَلِّ وَجْدَ الهائم ِ المُغتل بـِبَاز ِ وَجْناءَ أو عَيْهَلِّ
إذ شدد الشاعر لام عيهل عند الوصل , ومثله قوله : ( )
كأنّ مَهْوَاهَا عَلى الكلكلِّ مَوْضِعُ كفَّي رَاهِبٍ يُصَلي
فشدد لام ( الكلكلّ ) , ومثله قول رؤبة : ( )
لقد خَشِيتُ أنْ أرَى جَدَبّا فِي عامِنا ذا بَعْدَ مَا أخْصبَّا
فشدد آخر ( جدبّا ) و ( أخصبّا ) . ومن الواضح أنّ الوقف في هاتين الكلمتين على الألف لا على الباء , وبهذا فالباء بحكم الموصولة وإنْ وقفنا على الكلمة , ومثله قول رؤبة أيضًا( ):
بَدْءٌ يُحِبُّ الخـُلقَ الأضْخَمَّا
فشدد ميم ( الأضخمّا ) , ووقف على الألف بعدها، فهو لم يقف على الميم. قال ابن السراج : ((وإنما جاز هذا في الضرورة ؛ لأنك كنت تقول في الوقف في الرفع والجر : هذا سَبْسَبٌّ , ومررتُ بسَبْسَبٍّ , فتثقل ؛ لتدل على أنه متحرك الآخر في الوصل ... فلمّا اضطر إليه في الوصل أجراه على حاله في الوقف ، وكذلك فعل به في القوافي المجرورة والمرفوعة في الوصل))( ) , فعدّه من ضرورات الشعر , وخصه بحالتي الرفع والجر ؛ لأن الوقوف على تنوين النصب يكون بالألف. وقال ابن يعيش: ((وهذا التضعيف إنّما هو من زيادات الوقف , فإذا وصلت وجب تحريكه , وسقطت هذه الزيادة , وربّما استعملوا ذلك في القوافي ... فأثبتوها في الوصل هنا ضرورة كأنهم أجروا الوصل مجرى الوقف))( ) . واستشهد عدد من اللغويين بأبيات أخر يضيق المقام عن ذكرها ههنا ( ) .
وللوقف بالتشديد نظير في اللهجات العربية المعاصرة، ولا سيما عند أهل المغرب والجزائر، فهم يقولون: نحن من المغربّ، أو من الجزائرّ، بتشديد ما يقفون عليه.

10. ألف الإطلاق.
هي ألف تُزاد في آخر الكلمة لغرض تحقيق السجع أو التناسب الصوتي، واختلف القدماء فيها، فمنهم من ذهب إلى أنّها مختصة بالشعر، ومنهم من لم يقصرها عليه، قال السيرافي (ت 368 هـ):((وإنما جازت هذه الزيادة في الشعر في القوافي؛ لأنهم يترنّمون بالشعر، ويحدرون به، ويقع فيه تطريب، لا يتمّ إلا بحروف المدّ، وأكثر ما يقع ذلك في الأواخر، وكان الإطلاق بسبب المدّ الواقع فيه للترنّم. وقد شبّهوا مقاطع الكلام المسجّع، وإن لم يكن موزونًا وزن الشّعر بالشّعر في زيادة هذه الحروف، حتى جاء ذلك في أواخر الآي من القرآن ... وهذه الزيادة غير جائزة في حشو الكلام، وإنما ذكرناها؛ لاختصاص الشّعر بها دون الكلام، وهي جيّدة مطّردة، وليست تخرجها جودتها عن ضرورة الشّعر؛ إذ كان جوازها بسبب الشّعر)) ( )، ولا يخلو كلام السيرافي من تناقض، فهو تارة يجعلها تشمل القرآن الكريم والكلام المسجع، وتارة أخرى يجعلها مختصة بالشعر دون الكلام المسجع، ولا تخرج عن ضرورة الشعر. وورودها في القرآن الكريم دليل كاف شاف على فصاحتها وصحتها وجواز محاكاتها في النثر.
وقال ابن بعيش: ((لأنّهم قد يُلْحقون الواحدَ المنصوبَ ألفَ الإطلاق في القوافي، وفي أواخرِ الآي، نحوِ قوله تعالى: ?? ??? [سورة الأحزاب/ 67]، ?? ? ??? [سورة الأحزاب/ 10]، ونحوِ قول الشاعر [من الوافر]: أقِلِّي اللَّوْمَ عاذِلَ والعِتابَا)) ( )، فعد موضعها القوافي والفواصل القرآنية.
والذي يهمنا هنا ورود هذه الألف في مواضع ذهب العلماء إلى أنها وردت فيها إجراء للوصل مجرى الوقف، وقد وردت في ثلاثة مواضع في القرآن الكريم –وهي من الألفات السبعة-، وذلك في قوله تعالى: ?? ? ??? [سورة الأحزاب/ 10] ، وقوله تعالى: ?? ? ? ? ??? [سورة الأحزاب: 66]، وقوله تعالى: ?? ??? [سورة الأحزاب/ 67] ، وقد قرأ ابن كثير والكسائي وعاصم في رواية حفص بالألف عند الوقف، ويطرحونها عند الوصل، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: بالألف في حال الوصل والوقف. وقرأ أبو عمرو وحمزة بغير ألف في حالتي الوصل والوقف( ).
قال الواحدي (ت 468 ه): ((وأمّا من أثبت في الوصل فوجهه أنّها في المصحف ثابتة، وإذا أثبتت في الخط فينبغي ألا تُحذف كما لا تُحذف هاء الوقف من (حسابيه) (وكتابيه)، وأن يجري مجرى الموقوف عليها كما يثبت ذلك في القوافي في الوصل، وهي لغة أهل الحجاز ... وأما من طرحها في الحالين فإنه لم يعتد بها ولم يشبه المنثور بالمنظوم، وفيه مخالفة لخط المصحف)) ( )، وقال الزمخشري: ((وقرئ: (الظنون)، بغير ألف في الوصل والوقف، وهو القياس، وبزيادة ألف في الوقف زادوها في الفاصلة، كما زادها في القافية من قال: ( )
أقلّى الّلوم عاذل والعتابا
وكذلك الرسولا والسبيلا. وقرئ بزيادتها في الوصل أيضا، إجراء له مجرى الوقف)) ( )، ويدل ظاهر كلامه على أنّه يميل إلى قراءة حذف الألف؛ لكونها توافق القياس، وهذا ما ذهب إليه كل من: البيضاوي (ت 685 هـ) ( )، و النسفي (ت 710 هـ) ( )، وابن عجيبة (ت 1224 هـ) ( ).
وقال ابن جزي (ت 741 هـ): ((فأما إسقاطها فهو الأصل، وأما إثباتها فلتعديل رؤوس الآي؛ لأنّها كالقوافي، وتقتضي هذه العلة أن تثبت في الوقف خاصة، وأما من أثبتها في الحالين، فإنه أجرى الوصل مجرى الوقف)) ( )، فعدّ موافقة رؤوس الآي ممّا يقتضيه الوقف من دون الوصل، أمّا إثباتها وصلًا فلا علاقة له بهذه الموافقة، وإنما هو من باب إجراء الوصل مجرى الوقف.
وقال السمين الحلبي (ت 756 هـ): ((قرأ نافع وابنُ عامر وأبو بكر بإثبات ألفٍ ... وَصْلاً ووَقْفاً موافقةً للرسمِ؛ لأنهنَّ رُسِمْنَ في المصحف كذلك. وأيضاً فإنَّ هذه الألفَ تُشْبه هاءَ السكتِ لبيانِ الحركة، وهاءُ السكتِ تَثْبُتُ وقفاً، للحاجة إليها. وقد ثَبَتَتْ وصلاً إجراءً للوصل مُجْرى الوقف، كما تقدَّم في البقرة والأنعام. فكذلك هذه الألفُ. وقرأ أبو عمروٍ وحمزةُ بحَذْفِها في الحالَيْن؛ لأنها لا أصلَ لها))( ).
ويتبيّن بعد هذا العرض أنّ عددًا كبيرًا من المفسرين صرحوا بكون قراءة إثبات الألف وصلًا من باب إجراء الوصل مجرى الوقف، ويكاد يكون الوجه الوحيد لهذه القراءة وإن تباينت مواقفهم في المفاضلة بين هذه القراءات.

11. حذف الهمزة
يتصف صوت الهمزة بالثقل، وبصعوبة النطق به، ولذلك جرت على الهمزة أحكامُ التخفيف التي تتخذ أشكالاً عدة تهدف إلى الاقتصاد في الجهد المبذول عند النطق، يقول سيبويه: (( واعلم أنَّ الهمزة إنما فَعَلَ بها هذا من لم يخففها؛ لأنه بَعُدَ مخرجها، ولأنّها نبرة في الصدر تخرج باجتهاد، وهي أبعد الحروف مخرجاً، فثقل عليهم ذلك؛ لأنه كالتهوّع )) ( )، ولم يقتصر وصف صوت الهمزة بالثقل وتعليله على القدماء وحدهم، بل تابعهم في ذلك المحدثون الذين جاءت تعليلاتهم أكثر وضوحًا، يقول الدكتور إبراهيم أنيس – على سبيل التمثيل – : ((ولا شك أن انحباس الهواء عند المزمار انحباسًا تامًا ثم انفراج المزمار فجأةً عمليةٌ تحتاج إلى جهد عضلي قد يزيد على ما يحتاج إليه أيُّ صوت آخر، ممّا يجعلنا نعد الهمزة أشق الأصوات، وممّا جعل للهمزة أحكامًا مختلفة))( ) . ومن هذه الأحكام حذف الهمزة بنوعيه: المقيس وغير المقيس.
وورد حذف الهمزة في القراءات القرآنية، ومنها ما وُجّه على أنه من باب إجراء الوصل مجرى الوقف، وذلك في قراءة الشعبي: (من السماء ما) بغير همزة في آخر (ماء)( ) في قوله تعالى:??? ? ? ? ? ? ?? [سورة الأنفال: 11]، قال أبو حيان: ((ويمكن تخريج هذه القراءة على وجهٍ آخر وهو أن (ما) ليس موصولًا بمعنى الذي وأنّهُ بمعنى (ماءً) المحدود وذلك أنّهم حكوا أنّ العرب حذفت هذه الهمزة فقالوا: (مًا يا هذا) بحذف الهمزة وتنوين الميم، فيمكن أن تُخَرَّج على هذا إلّا أنّهم أجروا الوصل مجرى الوقف فحذفوا التنوين؛ لأنّك إِذا وقفتَ على شربتُ مًا قلتَ: شربت ما بحذف التنوين وإبقاء الألف، إمّا ألف الوصل التي هي بدلٌ مِنَ الواو وهي عين الكلمة وإمّا الألف التي هيَ بدلٌ من التنوين حالةَ النصب))( )، ووجود اللام في (ليطهركم) يؤيد معنى الماء، ويضعف احتمال إرادة (ما) الموصولة، فلا تستقيم عبارة: (وينزل عليكم من السماء الذي ليطهركم) مع وجود هذه اللام، وإن حاول ابن جني جاهدًا التماس وجها لهذه اللام مع عدّ ما موصولة( )، ولكنّ ما ذكره لا يخلو من تمحل.

12. الكشكشة.
الكشكشة تعني إبدال كاف المؤنث شينًا عند الوقف، وقد يجري الوصل في هذا مجرى الوقف، قال ابن جني: ((ومن العرب من يبدل كاف المؤنث في الوقف شينًا حرصًا على البيان؛ لأنّ الكسرة الدالة على التأنيث فيها تخفى في الوقف، فاحتاطوا للبيان بأن أبدلوها شينًا، فقالوا: عليشِ، ومنشِ، ومررت بشِ. ومنهم من يجري الوصل مجرى الوقف فيبدل فيه أيضًا، وأنشدوا للمجنون( ):
فعيناش عيناها وجيدش جيدها سوى أن عظم الساق منش دقيق )) ( ).
فالمراد هنا: عيناك، وجيدك، ومنك، ولكن الكاف أُبدلت شينًا، ومن الواضح أنّ هذه مواضع وصل لا وقف، وجدير بالذكر أنّ البيت ورد في الديوان بالكاف الخالصة لا بالكشكشة. ولم أجد ما يعضد هذا المظهر في غير هذا الموضع.
13. العجعجة.
تُبدل الجيم من الياء المشددة في الوقف، ويُسمّى هذا الإبدال (العجعجة)، ويُنسب إلى قضاعة، قال الزمخشري: ((والجيم أبدلت من الياء المشددة في الوقف. قال أبو عمرو: قلت لرجل من بني حنظلة: ممن أنت؟ فقال فُقَيْمج. فقلت: من أيهم؟ فقال: مرج. وقد أجرى الوصل مجرى الوقف من قال:
خــــــالي عُوَيْفٌ وأبو عَلــــــــجِّ
المُطْعِمـــانِ الشَّحْــــــمَ بِالعَشِجَّ
وبالغَـــــــداةِ كُـــتَـــــــــــــلَ البَرْنِـــــــجِّ
يَقْلَعُ بِالوَدِّ وبِالصيصجِّ))( ).
فالمراد: (فقيميّ، ومريّ، وعليّ، والبرنيّ( )، والصيصي( ))، ولكن الياء أُبدلت جيمًا، ولا يخفى ما في هذا البيت من تكلف، ولم أعثر على قائله بالعجعجة أو بالياء.

?
الخاتمة
بعد هذه الجولة الممتعة في كتب اللغة قديمها وحديثها، فضلا عن كتب تفسير القرآن , وبعد التطواف بين صفحات كتب القراءات , وما رافق كل هذا من إعمال الفكر , واستحضار الذهن , وإنعام النظر وقف الباحث على مجموعة من النتائج أهمها :
1. فصّل الباحث القول قي ظاهرة لم تلقَ ما تستحقه من العناية والبحث , إذ وردت مبثوثة في مواضع قليلة من كتب القدماء والمحدثين , وهذا أول بحث – بحسب علمي- خُصص للحديث عن هذه الظاهرة , وما تضمنه من مظاهر .
2. بيّنت الدراسة أنّ هذه الظاهرة أكثر انتشارًا ممّا يتصوره الدارس للغة العربية وظواهرها , وسنن العرب في كلامها , فأورد مظاهرها وعرض تحت كل مظهر من مظاهرها أمثلة عدة لكلٍّ منها.
3. أثبت البحث أنّ هذه الظاهرة لا تختص بالشعر وحده، فقد وردت في القراءات القرآنية في مواضع عدة ، فضلًا عن ورودها في النثر العربي, وقد ذكر عددٌ كبيرٌ من العلماء القدماء والمحدثين أن هذه الظاهرة اختصت بالشعر, وعدّها أغلبهم من الضرورات الشعرية , فبيّن الباحث عدم دقة قولهم، فهي أكثر انتشارًا واستعمالًا، وقد وردت أغلب مظاهرها في القراءات القرآنية.
4. استقصى الباحث مظاهر هذه الظاهرة وصورها ، إذ تنوعت بتنوع أحكام الوقف , سواء أكانت هذه الأحكام تخص اللغة العربية الموحدة أم تخصّ لهجاتها, وكانت نتيجة هذا الاستقصاء أن أوصلها إلى ثلاثة عشر مظهرًا, شفعها الباحث بما يعضدها من قراءة أو شعر أو نثر.
?
الهوامش

تحميل الملف المرفق Download Attached File

تحميل الملف من سيرفر شبكة جامعة بابل (Paper Link on Network Server) repository publications

البحث في الموقع

Authors, Titles, Abstracts

Full Text




خيارات العرض والخدمات


وصلات مرتبطة بهذا البحث