آثارعمليات غسيل الأموال
على اداء الاقتصاد العراقي
د.جواد كاظم البكري
مـقدمـة
أضحى موضوع غسيل الأموال ( Money laundering ) من المواضيع الساخنة على الساحة العالمية ، والذي يستحوذ الآن على اهتمام كل الحكومات والمؤسسات المالية المركزية والجهات الأمنية والرأي العام ، والذي تتناقله وسائل الإعلام يومياً لما يشكل من تهديد جدي للسلام والأمن العالمي .واستناداً إلى بيانات صندوق النقد الدولي فأن ما بين (1500-500) مليار دولار تُغسَل سنوياً ، وان بعض الأموال السائلة التي يملكها صندوق النقد الدولي هي من الأموال المغسولة أيضا .إما في 19 آب 1999 فقد تم الكشف عن ملف مثير للدهشة عندما وافق بنك نيويورك على التعاون مع المحققين في دعوى أموال مغسولة تُقدر بعشرة مليارات دولار أتت من موسكو ، إذ تضمن الملف مس العديد من البنوك الأوروبية المشهورة ، حيث تأكد تورط مدير أقدم بنك سويسري وهو ( Bruce Rapaport) وحالياً سفير بلاده في موسكو ، إذ تبين أن الأموال التي دخلت بنك نيويورك كانت قد أتت من قروض صندوق النقد الدولي إلى روسيا .وقد سارعت منضمة التعاون والتنمية الاقتصادية إلى تشكيل اللجنة المالية الدولية لمكافحة غسيل الأموال ، وهي لجنة دولية مكونة من (26) دولة عضواً من بينها مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى ، إضافة إلى عضوية المفوضية الأوروبية ، ووضعت تلك اللجنة قائمة بالدول التي تجري فيها عمليات غسيل الأموال المشبوهة وهي سبعة عشر دولة بينها دولتين عربيتين هما البحرين ولبنان .
ومن المعروف أن اكبر عمليات لغسيل الأموال في العالم تجري في الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ، إذ قدرت الحكومة الأميركية الأموال التي يتم غسيلها عبر القطاع المالي والمصرفي في الولايات المتحدة الأميركية وحدها بما يتراوح بين (500-300) مليار دولار سنوياً ، إما في روسيا فأن اغلب الأموال المغسولة تأتي من الرشاوى الحكومية والفساد الإداري وسرقة أموال الدولة الذي يقوم بها الموصفون الكبار في الدولة الروسية ، وكذلك من التجسس الاقتصادي والمخدرات والجريمة المنظمة ، وأن هذه العمليات ظهرت للعيان فقط بعد عام 1990 .1-2الغايــةتسليط الضوء على موضوع غسيل الأموال من حيث تعريفه ومراحله والإجراءات الكفيلة للحد منه ، وهل أن عدوى غسيل الأموال وصلت إلى العراق أم لا ؟2- التعريف :غسيل الأموال (أو مايسمى أحيانا تبييض الأموال ) هو المصطلح الذي يطلق على عملية تحويل الأموال الناتجة عن ممارسة أنشطة غير شرعية إلى أموال تتمتع بمظهر قانوني سليم خصوصاً من حيث مصادرها .وقانوناً يُقصد بعبارة غسيل الأموال " قبول الودائع أو الأموال المُستمدة من عمل غير مشروع أو إجرامي وذلك بإخفاء مصدر تلك الأموال أو التستر علية أو لمساعدة أي شخص يُعد فاعلاً أصليا أو شريكاً في ذلك العمل على الإفلات من النتائج القانونية لفعله "
.2-1 مصادر الأموال المغسولة :
من أهم مصادر الأموال المغسولة هي الأتي :ـ
أ.تجارة المخدرات .
ب.التهريب من والى الدولة .
جـ.الاختلاس والسرقة .
د.الابتزاز والرشاوى الحكومية .
هـ.الجريمة المنظمة .
و.التهرب الضريبي
.2-2 كيف تتم عملية غسيل الأموال ؟
تتم عملية غسيل الأموال إما بصورة مُبسطة أو بصورة معقدة ، وذلك تبعاً لنوعية النشاط المتحصل على الأموال منه ، وتعتبر عمليات غسيل أموال المخدرات من اعقد الأنواع نظراً لكبر حجم الأموال المغسولة منها إضافة إلى نشاط القائمين بها المكثف وانتشار تعاطي المخدرات في أنحاء واسعة من المعمورة .أن غسيل الأموال يعتبر مهمة أساسية للقائمين بالعمليات الغير المشروعة التي أوجدت تلك الأموال الوسخة من عصابات مافيا أو ماشابهها ، أضف إلى ذلك أن هناك مجموعة من الشركات المتخصصة في مجال غسيل الأموال وتحويلها من أموال غير قانونية إلى أموال نظيفة قد أُنشأت نتيجة لتطور وتكاثر تلك العمليات المشبوهة .ومن المعروف أن من طبيعة العمليات الغير قانونية أن الأموال التي تُستحصل منها تمر عبر سلسلة طويلة وإياد عديدة لتلافي الكشف ، ولقد عرف القائمين بتلك العمليات كيف يستثمرون أموالهم في النشاطات التجارية أو السلعية أو المجوهرات وذلك حتى يتم غسل هذه الأموال، وتشير دراسة صادرة عن شعبة مكافحة المخدرات في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي ( FBI ) أن هؤلاء المجرمون اصحوا على دراية وخبرة كافية في مجال استثمار الأموال العقارات والمجوهرات والمعادن الثمينة والأسهم نظراً لكثرة تعاملهم في هذه النشاطات ، بل أن بعضهم أصبح مرجعاً في المحاسبة والقانون والعلوم المالية والتجارية وعمليات الاستيراد والتصدير ، وان هذا يجعل أسلوب الكشف عن عمليات غسيل الأموال أكثر تعقيداً
.3- مراحل عملية غسيل الأموال :ـمن الناحية العملية تُقسم عملية غسيل الأموال إلى ثلاث مراحل وكالاتي:
المرحلة الاولى :
الإحلال Placement في مرحلة الإحلال يركّز القائمون بعملية غسيل الأموال على تحصيل وجمع الأموال الناتجة عن أنشطتهم الإجرامية ، ويقومون في هذه المرحلة بجمع كميات كبيرة من النقود السائلة (Cash Money) ويتحاشون في هذه المرحلة استخدام الصكوك أو بطاقات الائتمان ووسائل الدفع الأخرى عن طريق المستندات ، وذلك حتى لايلفتون الأنظار ، ولمزيد من الحرص فأنهم يستعملون النقود السائلة فقط .بعد جمع النقود السائلة يسعى المجرمون خلال هذه المرحلة التركيز على الخطوات التالية :
أولا.إدخال الأموال في النظام المصرفي والمؤسسات المالية دون لفت الانتباه .
ثانياً.نقل هذه الأموال من بنك إلى آخر أو نقلها خارج الدولة التي يعملون بها وذلك عن طريق التحويلات المصرفية .وتعتبر مرحلة الإحلال أكثر المراحل صعوبة نظراً لاحتمالات الكشف علماً أن معظم دول العالم قامت بوضع قوانين وإجراءات احترازية في البنوك للكشف عن هذه الظاهرة التخريبية .
المرحلة الثانية : التغطية Layering بعد انتهاء المرحلة الأولى يتم إدخال الأموال الوسخة في النظام المصرفي والمؤسسات العاملة أو المرتبطة به ، وتبدأ المرحلة الثانية ، حيث يتم إخفاء علاقة هذه الأموال بمصادرها غير المشروعة ـ أي مصادرها الأصلية ـ وذلك بطريقة التغطية ، حيث يتم عمل العديد من العمليات المتتالية الكبيرة الحجم والبالغة التعقيد وكذلك إجراء عمليات مالية قانونية ـ أموال نظيفة ـ مشروعة مماثلة لغرض التغطية ، والهدف من هذه المرحلة هو جعل عملية ربط الأموال بمصادرها الإجرامية صعباً قدر الإمكان. المرحلة الثالثة : الدمج Integration يتم في هذه المرحلة دمج الأموال غير المشروعة في مختلف العمليات المالية والاقتصادية ، وجعلها في هذه المرحلة الأخيرة تبدو وكأنها أموال قانونية سليمة ونظيفة ، مثلها مثل الإرباح المشروعة من أعمال تجارية ، وفي هذه المرحلة من الصعوبة بمكان التفريق بين الأموال الوسخة والأموال النظيفة ، وقد يستثمر القائمون بالغسل الإرباح في المزيد من التعاملات مع المنظمات الإجرامية أو في نشاطات أخرى غير إجرامية. مَن هي الجهات التي تسهل عمليات غسيل الأموال ؟في اغلب الأحيان تقوم جهات رسمية بتسهيل عمليات غسيل الأموال دون علم منها ، ولكن هذا لايلغي انه في بعض الأحيان يكون هناك تواطؤ بين القائمون بالعملية وموظف البنك الذي يقوم بأجراء العملية دون التبليغ عنها ، وفي كل الأحوال فان الجهات التي تسهل هذه العمليات هي :ـأ.المؤسسات المالية التقليدية مثل البنوك التجارية ومؤسسات الإقراض والائتمان وغير ذلك من المؤسسات المالية .ب.المؤسسات المالية غير التقليدية مثل مكاتب الصيرفة وشركات الوساطة للأسهم والمعادن النفيسة والسلع .جـ.محلات التجزئة وصغار التجار والمؤسسات الفردية التي توفر البضائع والخدمات .فمن الأساليب المتّبعة في إدخال هذه الأموال في المؤسسات المذكورة تقسيم هذه الأموال إلى نقود سائلة اقل من المبلغ الذي تشك به المؤسسات المصرفية في البلد المعني ، فعلى سبيل المثال أن في الولايات المتحدة الأميركية هناك تعليمات لدى البنوك بتبليغ السلطات المعنية عند ايداع مبلغ يزيد على العشرة آلاف دولار.كيف تتم مواجهة عمليات غسيل الأموال ؟مما لاشك في أن المؤسسات المالية والنقدية كالبنوك وشركات الصيرفة ، يمكن أن تكون خط الدفاع الأول في مواجهة عمليات غسيل الأموال والعكس أيضا ممكن ، ولهذا فان على إدارة هذه المؤسسات مسؤولية كبيرة في الحد من هذه الظاهرة الخطرة .وتلعب الجهات المختصة بالرقابة والإشراف على البنوك دوراً كبيراً في هذا المجال وذلك بتوجيه هذه المؤسسات بانتهاج الطرق المثلى التي تحد من هذه الظاهرة ، وإضافة إلى التوجيه ، فلابد من التفتيش والرقابة على عمليات البنوك وفحصها ومراجعتها للتأكد من أنها تتبع الوسائل السليمة والمطلوبة للحد من هذه الظاهرة .إضافة إلى ذلك فأن وجود تعاون دولي في هذا المجال هو ضروري جداً للحد من استفحال هذه الظاهرة ، وان توافر قناعة دولية بان عمليات غسيل الأموال لايمكن الحد منها إلا بالتعاون والتكاتف الدوليين هي من الأمور المهمة التي تصب في اتجاه التقليل من هذه الظاهرة .وقد اعتمدت الدول العديد من الوسائل لمواجهة عمليات غسيل الأموال من أهمها الأتي :أ.توقيع اتفاقية (بال) التي صدرت عقب مؤتمر (بال) الذي عقده البنك الدولي للتسويات والذي اهتم بالقطاع المالي والمصرفي وكيفية مكافحة غسيل الأموال فيه .ب.مؤتمر (ستراسبورغ) الذي عُقد في تشرين الثاني 1990 وضم مجموعة دول المجلس الأوروبي السبع التيالأموال،كافحة عمليات غسيل الأموال .جـ.كانت اتفاقية فينا الموقع عليها في كانون الأول 1988 باكورة الاتفاقيات الدولية لمكافحة غسيل الأموال ، وهذه الاتفاقية عرفّت ماهية غسيل الأموال وتجريمها القانوني .د.إنشاء مجموعة العمل المالي الدولي داخل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وهي الهيئة العالمية الأهم المعنية بمكافحة غسيل الأموال.ولابد هنا من الإشارة إلى أن دول العالم منقسمة إلى تيارين بخصوص موضوع غسيل الأموال وكالاتي:التيار الأوروبي: الذي يترك للمصارف حرية التقدير شرط وجوب الإبلاغ لدى الشك بعملية غسيل الأموال.التيار الأميركي : ويعتمد على إلزامية التصريح عن كل تحويل يفوق العشرة آلاف دولار أميركي .غسيل الأموال في الوطن العربي :أصبحت الدول العربية ـ وبخاصةً الخليجية منها ـ عرضة لتمرير عمليات غسيل الأموال لما تتمتع به الأنظمة المالية والمصرفية فيها من سريّة تجاه السلطات القضائية والمالية والنقدية ، إضافة إلى حداثتها ، وهذا بالتأكيد يشكل غطاءاً كاملاً لمن يقوم بعمليات غسيل الأموال من عملاء تلك المصارف .ففي لبنان ـ على سبيل المثال ـ فانه بموجب قانون السريّة المصرفية لايمكن إفشاء اسم العميل حتى ولو تأكد للمصرف بما لايقبل الشك انه يقوم بعمليات غسيل الأموال ، وكل مايمكن أن يفعله المصرف في هذا الصدد هو رفض التعامل مع العميل مستقبلاً .فالسرية المصرفية تشكل أرضية خصبة تحاول المافيا استغلالها لتنفيذ عمليات غسيل الأموال وعائقاً أمام مراقبتها ، وتساعد عدة عوامل أخرى على تشجيع مثل هذه العمليات غير المشروعة في الوطن العربي من أهمها الأتي :أ.الاستعمال الكثيف للنقد الأجنبي، ولعل دول الخليج العربي ولبنان يعكفون على استخدام النقد الأجنبي في معاملاتهم المالية أكثر من استخدام عملاتهم الوطنية.ب.التعامل بالعملات الأجنبية في حسابات مصرفية ، وفي عمليات البيع والشراء .جـ.التحويل بدون قيد أو شرط بين العملات كافة من والى داخل تلك الدول.د.كثرة التحويلات من المقيمين في الخارج ، فتشير البيانات أن لبنان في وحده يتم تحويل مبلغ يزيد عن (6) مليار دولار سنوياً .هـ.تجيير الصكوك عدة مرات بحيث يصعب معها الرجوع إلى نقطة الانطلاق ، وهذا يؤدي إلى إخفاء الأشخاص المشتركين في التظهير كونها أدوات شائعة الاستعمال لغسيل الأموال .وقد اهتمت دول مجلس التعاون الخليجي بصياغة مسوّدة قانون موحد لمكافحة عمليات غسيل الأموال فيها ، وقد أتت تلك الخطوة في إطار مطالب اللجنة الدولية لمكافحة غسيل الأموال بخطورة هذه الظاهرة ، وقد جاء انعقاد الندوة السنوية العالمية الرابعة لمكافحة غسيل الأموال في سلطنة عمان في أيار 2000 تأكيداً لهذا الاهتمام .إما لبنان فقد اتهمته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بأنه احد المراكز المصرفية العالمية التي تجري فيه عمليات غسيل الأموال الناتجة عن العمليات غير الشرعية ـ وبخاصةً تجارة المخدرات ـ إذ تم إدراج اسم لبنان على لائحة الدول غير المتعاونة في هذا المجال بسبب السريّة المصرفية التي يتمتع بها النظام المصرفي اللبناني .غسيل الأموال في العراق : من المعروف أن العراق يواجه في هذه المرحلة وضمن مخطط التآمر المفروض علية من قبل دول الجوار الجغرافي محاولاتٍ حثيثة لتخريب اقتصاده الوطني وإضعاف قدراته وبالتالي النيل من حكومته الديمقراطية الفتية، لاسيما وان حيثيات الظرف الاستثنائي الذي يمر به تخلق جواً مساعداً لتزايد نسب مثل هذه الأنشطة غير الشرعية بدفع ومساندة بعض الدول المجاورة في كثير من الأحيان بهدف التخريب الاقتصادي وبالتالي تخريب العملية السياسية.تأتي في مقدمة هذه الإعمال ظاهرة التهريب بمختلف أنواعها التي تزايدت بعد سقوط النظام بشكل كبير وعادةً ما تُستخدم الأموال التي يتم استحصالها من عمليات التهريب في تمويل الأعمال الإرهابية في داخل العراق، فالملاحظ ظهور العديد من الشركات والتي تقوم ببيع السلع بأسعار زهيدة وفي العديد من الأحيان غير معقولة، وعادةً مايبرر أصحاب تلك الشركات أو سماسرتهم تلك العملية بأن تلك السلع ليست أصلية المنشأ لذا تُباع بأسعار زهيدة، ولكن عند إلقاء نظرة متفحصة على هذه السلع تجد أن تكاليف تجميعها، حتى لو كانت غير أصلية المنشأ، تفوق أسعارها كثيراً.وبالرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية يمكن الركون إليها في هذا المجال إلا أن موضوع تهريب الآثار والعجلات الحكومية والمولدات الكهربائية وأسلاك الضغط العالي والمواشي العراقية، التي تعتبر الأفضل بين دول الجوار، تدر أموالا ضخمة تدخل إلى مختلف قطاعات الاقتصاد العراقي، ونتيجة لتردي الوضع الأمني في بعض محافظات العراق وعدم كفاءة الأجهزة الرقابية الحكومية فأنها تجد طريقها بسهولة إلى الداخل بدون المرور بالمراحل المعقدة التي تمر بها عملية غسيل الأموال بشكلها الطبيعي، الأمر الذي يجعل الاقتصاد العراقي عرضة للتخريب. وقد سُجلت مئات الحالات لدى بعض الأجهزة الرقابية وبخاصةً في المحافظات العراقية الوسطى والجنوبية لأشخاص يمارسون نشاطات غسيل الأموال، إذ أن هؤلاء الأشخاص يستطيعون غسلها بسهولة ويسر وإدخالها في الاقتصاد من خلال شراء العقارات والمركبات واستثمارها في مشاريع صناعية صغيرة دون لفت الأنظار إلى ذلك، إضافة إلى استخدامها في حالات عديدة لتمويل النشاطات الإرهابية، إذ تم تسجيل العديد من الحالات التي قامت بها مجموعات إرهابية بسرقة ممتلكات الدولة وبيعها خارج العراق ومن ثم إدخال إيراداتها إلى الداخل لغرض تمويل الإعمال الإرهابية، ناهيك عن انخفاض الحس المصرفي في العراق والذي يؤدي بالأشخاص الذين يمارسون النشاطات غير الشرعية بكنز أموالهم دون إدخالها في النظام المصرفي لتلافي الدخول في دائرة الشك .ومن المعروف أن هذه الظاهرة لها تأثيرات مزدوجة على الاقتصاد العراقي، فمن ناحية تعتبر تخريب للبنى التحتية، وتفريغ البلد من موروثة الحضاري، وتعطيل المشاريع الخدمية، وتبديد الثروة الوطنية، ومن ناحية أخرى فأن الحجم الكبير من الأموال التي تدخل إلى داخل البلد ستؤدي إلى زيادة عرض النقد بصورة كبيرة الأمر الذي يؤدي إلى زيادة معدلات التضخمالــرأي والاستنتاج :أ.أن التطور الحاصل في القطاع المالي والمصرفي قد سرّعَ من عمليات التحايل، ومن ثم تسهيل عمليات غسيل الأموال إلى ابعد حد ، فان استخدام أنظمة المدفوعات والتسوية الآلية (النظام الآلي لتحويل الأموال) يسهل إتمام عمليات مشبوهة لغسيل الأموال، كما حدث أخيرا في عدد من الدول الأوروبية والعربية التي تعتمد هذه الأنظمة الحديثة في التحويل بين الحسابات الموجودة فيها أو مع الدول الأخرى .ب.كما أن استخدام شبكة الانترنت أدت هي الأخرى إلى توسع عمليات التحايل من خلال استخدامها من قبل عصابات غسيل الأموال للاستفادة من السرعة الخاطفة للتحويلات النقدية عبر العالم أو بين الحسابات في الدولة الواحدة ، إذ لاتزال هناك صعوبات في تحديد شخصيات العملاء الذين يستخدمون هذه الوسائل الالكترونية ، إذ أن (25%) من الرسائل الالكترونية المرسلة مابين البنوك والأشخاص لاتتضمن المعلومات التفصيلية الخاصة بهذه التحويلات .فان الطرق الحديثة لتحويل النقود ( النقود الالكترونية ) قد تسهل عمل الجناة وتمكنهم من تجنب مشقة التحويل العادي للنقود ، حيث كان في السابق حجم رزم النقود يمثل مشكلة كبيرة في عمليات غسيل الأموال ، وبهذه الوسائل فقد تمكن هؤلاء من تحريك كميات هائلة من الأموال بطريقة فورية وبأمان تام بمجرد تحريك مفاتيح الكومبيوتر ، آخذين بنظر الاعتبار انه يومياً تتم أكثر من (2.5) مليون عملية تحويل أموال بواسطة نظام ( Swift ) على نطاق واسع على شبكة الانترنت التي لديها محطات تقدر بحوالي (12) مليون محطة يستخدمها حوالي (61) مليون شخص حول العالم .جـ.من المعروف انه كلما كانت هناك سهولة في بلد ما في عمليات غسيل الأموال كلما أصبح ذلك محفزا لزيادة نسبة الجريمة المنظمة في ذلك البلد ، وان استحداث قوانين تُعنى بمكافحة عمليات غسيل الأموال في المصارف والمؤسسات المالية في القطر هو أمر ضروري في هذه المرحلة .د.إنشاء وحدات متخصصة لمكافحة عمليات غسيل الأموال في البنك المركزي والمؤسسات المالية الرئيسية في العراق ، تقوم هذه الوحدات بممارسة أعمالها بالتنسيق المباشر مع البنوك والمصارف التجارية وجهات الاختصاص الحكومية الأخرى مثل (وزارة المالية ، الأمن الوطني ،وزارة الداخلية، وزارة الدفاع) وتقوم تلك الوحدات بتطبيق قانون مكافحة عمليات غسيل الأموال.هـ.قيام وزارة العدل باقتراح تشريعات قانونية بخصوص موضوع غسيل الأموال، تتم بموجبها وضع عقوبات جزائية على القائمين بهذه العمليات غير المشروعة باعتبارها احد أوجه التخريب الاقتصادي.و.يمكن القول أن موضوع غسيل الأموال في العراق لايعتبر ظاهرة ، ولكن وضع الإجراءات والتدابير التي تحد منه ـ ولو كان بنسب ضئيلة مقارنة بالدول الأخرىـ هو أمر ضروري لمنع استفحال هذا النوع من النشاطات غير المشروعة والتي تضر بالاقتصاد الوطني، وان الظرف الاستثنائي الذي يمر به البلد من تصاعد العمليات الإرهابية بدعم من دول أخرى يمكن الحد منه من خلال القضاء على مصادر التمويل لهذه العمليات وان خير وسيلة للقضاء على التمويل هو مكافحة غسيل الأموال من خلال أنظمة وقوانين صارمة وشفافة في آن واحد .من أبرز الآثار المترتبة على هذه الظاهرة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً:1. استقطاعات من الدخل القومي ونزيف للاقتصاد الوطني لصالح الاقتصاديات الخارجية.2. زيادة السيولة المحلية بشكل لا يتناسب مع الزيادة في إنتاج السلع والخدمات.3. التهرب من سداد الضرائب المباشرة ومن ثم معاناة خزانة الدولة من نقص الإيرادات العامة من مجمل النفقات.4. شراء ذمم رجال الشرطة والقضاء والسياسيين، مما يؤدي إلى ضعف كيان الدولة وازدياد خطر جماعات الإجرام المنظم.وتشير المصادر على أن الغرب ومنذ عقدين من الزمن ظهرت هذه الظاهرة على اثر بعض جرائم تهريب الكوكايين ثم انتشرت على المستوى المحلي والدولي، ويرجح استفحال مشكلة غسيل الأموال إلى عدد من العوامل المشجعة منها:1- بروز ظاهرة العولمة والتي تمثل مناخاً خصباً لعمليات غسيل الأموال.2- غياب الشفافية في معظم التعاملات التجارية الدولية.3- اتساع نطاق الدول التي يتم فيها غسل الأموال أو المرشحة لتكون سوقاً رائجة لذلك في المستقبل.4- زيادة حجم الاقتصاد الخفي والموازي في هذه البلدان عن نصف الناتج القومي.5- السياسات التي تتخذها بعض الدول في سبيل تشجيع الاستثمار أو الحصول على الضرائب.6- استخدام الوسائل التكنولوجية في عمليات غسل الأموال.أما المظاهر الناجمة عن غسيل الأموال فهي:1- تغلغل الجريمة المنظمة بشكل واسع وسريع في الأعمال التجارية المشروعة.2- صعوبة كشف وتتبع الأموال المغسولة نتيجة التطور التكنولوجي وانتشار المعلوماتية.الآثار الاقتصادية والاجتماعية الضارة، والتي من أهمها:1- الأضرار بسعر صرف العملة الوطنية وإضعاف قوتها الشرائية.2- السيطرة على السوق المحلي في يد فئة قليلة من أصحاب المشروعات الوهمية.3- التأثير سلباً على ميزان المدفوعات والميزان التجاري في الدولة وانتشار البطالة.وتأسيساً على تأثير هذه الظاهرة على مجتمعاتنا توجب اتخاذ إجراءات كفيلة تحد من أخطارها:وذلك بسد الثغرات الموجودة في التشريعات القائمة والمنظمة لحركة الاستثمار. وتضافر الجهود مع المنظمات الدولية خاصة أنها وفي أغلبها مرتبطة بالجريمة المنظمة في العالم. واتخاذ الإجراءات الكفيلة لمنع استخدام التكنولوجيا في غسيل الأموال. وأهمية التحري عن الصفقات الكبيرة التي تحوم حولها الشبهات. وتشجيع الأساليب الحديثة والآمنة لإدارة الأموال واستثمارها وتوظيفها. والعمل على إصدار تشريعات وطنية وتطبيق التوصيات الواردة في اتفاقيات الأمم المتحدة لمكافحة الأنشطة وخاصة التجارة بالمخدرات وتجارة السلاح والتصدي بحزم للمافيات المالية التي تعيث باقتصاد العالم والدول الفقيرة بما يخدم أخلاقيتها والتي تؤسس على الربح والربح الأقصى.
المصــادر1
-مجلة اتحاد المصارف العربية : العددين 232 ، 235: بيروت : نيسان ، تموز 2000 . 2-مجلة The Economist) ) 25/5/2000 . 3-صحيفة الشرق الأوسط : العدد 7904 في 19/7/2000 .4-المجلة : العدد 1066 في 22 تموز 2000 .5-صحيفة الشرق الأوسط العدد : 7897 في 12 تموز 2000.6-الاتحاد الاقتصادي العدد : 9088 في 23 نيسان 2000 .7-اسعد حمود السعدون : ظاهرة التهريب في العراق : وقائع الحلقة النقاشية التي اقيمت في مركز دراسات الخليج العربي : جامعة البصرة : من 14 ـ 15 /12/2000 .