عنوان البحث(Papers / Research Title)
الصحة النفسية بين العلم والدين
الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)
سيف طارق حسين العيساوي
Citation Information
سيف,طارق,حسين,العيساوي ,الصحة النفسية بين العلم والدين , Time 6/1/2011 8:15:33 AM : كلية التربية الاساسية
وصف الابستركت (Abstract)
نبين رؤية الاسلام والقران الكريم للصحة النفسية
الوصف الكامل (Full Abstract)
الصحة النفسية بين العلم والدين:
لابد من أعطاء صورة واضحة ومفصلة عن نشوء وتطور هذا المفهوم وبيان أهميته وذلك لكونه من الموضوعات المهمة التي تعنى بالسلوك الأنساني وتهذيبه وتقويمه بالشكل الذي يمكن أن يعكس لنا صورة الأنسان الحقيقي بمعنى الأنسانية وما يجب أن يكون عليه من مثالية وكمال ليمارس دوره الحقيقي على هذه الأرض وفي هذا الكون الرحيب .
ولأجل أن نفهم الموضوع بشكل واضح لابد من أستعراض موجز لبداية نشأة الخليقة المتمثلة بأبينا آدم (ع) ولم كل هذا الأهتمام به إذ أسكنه الله الجنة ! ثم أخرجه منها !وبداية السلسلة الطويلة المتعاقبة من البعثات السماوية على هذا المدى الطويل منذ ملايين السنين وأنتهاءً ببعثة الرسول الكريم محمد (ص) والتي كانت خاتمة هذه البعثات !ان الله سبحانه وتعالى شرف الأنسان بالخلافة على الأرض فكان متميزاً عن كل عناصر الكون بأنه خليفة الله عليها وبهذه المكانة والموقع أستحق أن تسجد له الملائكة وتدين له بالطاعة كل قوى الكون المنظور وغير المنظور .
وهذا يعني أن الله سبحانه أناب الجماعة البشرية في الحكم وقيادة الكون وإعماره اجتماعيا واقتصاديا وعلى هذا الأساس تقوم شرعية ممارسة الجماعة البشرية حكم نفسها بوصفها خليفة عن الله.
فالأنسان مطالب بعبادة الله الواحد بدلاً من أشكال العبودية الأخرى المتمثلة بالوان الأستغلال والجهل والظلم وأن يقيم علاقاته الأجتماعية مع الآخرين من أبناء جنسه على هذا الأساس من العبودية المخلصة له سبحانه وكذلك تجسيد كل القيم العليا والمثل الأجتماعية النبيلة في علاقاته الأجتماعية بعد محو ألوان الأستغلال والتسلط .
فمادام الله واحد ولاسيادة إلا له والناس متساوون جميعا بالنسبة إليه فمن الطبيعي أن يكونوا إخوة متساوين في الكرامة والأنسانية والحقوق ولايقوم التفاضل بينهم إلا على أساس العمل الصالح والصحة النفسية المثالية الخالصة له سبحانه قال تعالى ( إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ).
إذ جعل الله سبحانه التربية الروحية مقياس التفاضل بين بني البشر ولذلك كانت ولاتزال موضع الأهتمام الأول له سبحانه وتعالى فلو أردنا أستعراض المجتمع البشري في مسيرته التاريخية لوجدنا أنه مر بثلاث مراحل :
المرحلة الاولى :وهي مرحلة الحضانة وكانت مختصة بآدم وحواء فقط.
فعندما أختار آدم عليه السلام ليكون الممثل الأول للأنسانية بدأ حياته كما يبدأ أي أنسان آخر،حياته في هذه الدنيا مع فارق جوهري وهو أن كل إنسان يمر في مرحلة الطفولة بدور أو مرحلة إحتضان إلى أن يبلغ رشده لأن هذه المرحلة لاتسمح له بالأستقلال ومواجهة الحياة وتحقيق أهداف وجوده على الأرض .
إذن لابد من وجود حضانة ينمو من خلالها ويربى في إطارها إلى أن يستكمل رشده ووعيه ,وكل طفل يجد في أبويه وجوهما العائلي الحضانة اللازمة له،غير أن الأنسان الأول آدم لم ينشأ في جو من هذا القبيل، كان بحاجة إلى دار حضانة إستثنائية يجد فيها التنمية والتوعية التي تؤهله لممارسة دور الخلافة من ناحية فهم الحياة ومشاكلها المادية والمعنوية.
وقد عبر القرآن الكريم عن دار الحضانة الأستثنائية التي وفرت للأنسان الأول بالجنة إذ حقق الله تعالى فيها لآدم وحواء كل وسائل الأستقرار وكفل لهما كل الحاجات قال تعالى (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ).
وكان لابد من مرور فترة زمنية تنمو فيها تجربة هذين الأنسانين وتصل إلى درجة تتيح لهما أن يبدءا مسيرتهما في الأرض وكان لابد من تربية نفسية وروحية خلقية عن طريق أمتحانه بما يوجه إليه من تكليف وأوامر لخلو حياة آدم من التجربة والخبرة بنظام الحياة وعوامل الانحراف فيه ودور العقل والتدبير في مواجهة المغريات والزيف الباطل .
فكان أول أمتحان له أن يمتنع عن تناول ثمار معينة في تلك الجنة ترويضا وتربية للتحكم في نزواته ويكتفي من الأستمتاع بطيبات الدنيا بالحدود المعقولة من الأشباع الكريم وان لاينساق مع الحرص المحموم على المزيد من زينة الحياة الدنيا ومتعها وطيباتها.
لأن هذا الحرص هو الأساس لكل ما شهده مسرح البشرية ويشهده الآن من ألوان الأستغلال بين بني البشر بعضهم مع بعض ،وقد كان للتجاوز الذي أرتكبه آدم عليه السلام بتناوله من الشجرة المحرمة أن يحدث هزة روحية كبرى في نفسه وأن تفجر في أعماقه الأحساس بالمسؤلية من خلال مشاعر الندم لذلك عمد في اللحظة يخصف على جسده من ورق الجنة ليواري سوأته ويستغفر الله تعالى على مافعله .
وبذلك تكامل وعيه في الوقت الذي كانت قد نضجت لديه خبرات الحياة المتنوعة وتعلم الأسماء كلها ......فحان الوقت لخروجه من الجنة إلى الأرض التي أستخلف عليها ليمارس مسيرته نحو الله من خلال دوره في الخلافة ومن تلك اللحظة شرع الدين وبدأ التكليف الرسمي الذي يحاسب الانسان على مضمونه ومقصوده.
وهكذا بدأت المرحلة الثانية من تاريخ البشرية :وهي نشوء مجتمع الفطرة البدائي ذلك المجتمع البسيط الذي تسود أرجاءه معطيات الفطرة السليمة والسليقة السليمة المستقيمة التي كان عليها الانسان قبل أن ينحدر في مزالق الانانية وحب الذات والطمع والاستغلال ثم الظلم والاستكبار. فكان الانسان القوي يستطيع أن يصطاد حيوانا ليأكل منه ولا يخطر بباله بعد أن يشبع أن يسحبه الى باب الكهف أو المغارة التي يعيش فيها بل يتركه مكانه فيأتي غيره من الانسان والحيوان الضعيف ليأكل منه ويشبع ويتركه هكذا وما كان ليخزن الماء عنده إذا وجد له معينا بل يشرب منه ويترك الباقي .
هكذا كان أسلوب الانسان في أغلب جوانب حياته لا يبدو فيه ظالم ومظلوم ولا مستغل ولا مستغل فالناس عددهم قليل والطبيعة خيرها كثير والاستفادة منها محدودة بما يحسه الانسان في داخله من الجوع والعطش والحر والبرد وغير ذلك من أساسيات الحياة وكانت الفطرة الانسانية وبما فطر الله تعالى الناس عليه من الاستقامة والخير وسائر الفضائل كافية وضامنة لنوع من التوازن الاجتماعي الذي هو أساس الحياة السعيدة الكريمة. كما كان الانبياء (ع) في تلك الفترة قائمين على قضيتين: الاولى حفظ ذلك التوازن الاجتماعي الذي فرضته الفطرة السليمة من الارتباك وسد الثغرات المستجدة بسبب تطور الانسان وتوسع حاجاته وتنوعها وتعمق علاقاته وعدد وجوهها. والثانية تطوير الانسان ذهنيا ونفسيا عن طريق فتح آفاق جديدة من حياته تمكنه من العيش على الارض عيشة أفضل ليستطيع أن يؤدي دوره المطلوب منه بشكل أفضل .
ولكن هذا المجتمع وعلى هذه الأسس البدائية من الفطرة وتعاليم الانبياء الشفوية لم يتمكن المجتمع من حفظ توازنه لفترة طويلة بسبب نمو القدرات الخلاقة في الأنسان من خلال التجربة الحياتية عبر الزمن وبما يتعلمه الأبناء من الآباء والأجداد ويضيفون عليه من العلوم والفنون والحرف والأفكار والتصورات والتطلعات وإنما إختل فيه التوازن وتفاوت فيه جماعات الناس وتباينت في مقدار ما يمكن أن يستفيدوه من خيرات الطبيعة بتفاوت قدراتهم وتباين خبراتهم مما أدى الى ضرورة الاختلاف في الموقع الاجتماعي فظهر أشخاص في المجتمع لهم من الامتيازات أكثر مما للغير كما ظهر من يمتاز بعدم قدرته على العيش إلا من خلال الآخرين تابعا لهم خادما لأغراضهم منجز لحاجاتهم .
وهنا بدأت المرحلة الثالثة وهي مرحلة التشتت والأختلاف : وفيها بدأ المجتمع يفقد أهم أساس وقاعدة فيه وهي علاقة التعاون المشترك لمواجهة الطبيعة وبدأت تنمو بدلها العلاقة على أساس التسخير والتشغيل إن أولئك الاشخاص الأقوياء ذوي قدرات مميزة ومن خلال ما أعتادو ا عليه وألتذوا به من المكاسب المادية والمعنوية والمنصب والجاه ونفوذ الكلمة نمت فيهم وعظمت شهوة حب التملك والتسلط مما أدى بهم الى الطمع والجشع ثم الأستغلال والظلم والسرقة المبطنة ثم الأستضعاف لأولئك الضعفاء والبسطاء والذين لم يتمكنوا فيما تمكن منه الأقوياء وبالتدريج وبعد مرور مدة من الزمن وزيادة عدد أفراد المجتمع الموحد نمت خبرات الأفراد وتوسعت أمكاناتهم فبرزت ألوان التفاوت بين مواهبهم وقابلياتهم ونجم عن هذا التفاوت أختلاف مواقعهم على الساحة الاجتماعية وأتاح ذلك فرص الأستغلال لمن حظي بالموقع الأقوى وانقسم المجتمع إلى أقوياء وضعفاء والتالي إلى مستغلين ومستضعفين وفقدت الجماعة البشرية وحدتها الفطرية وغرق المجتمع بألوان الأستغلال وسيطرت عليه الخلافات الأجتماعية ومشاعر نفسية تبرر الأنحراف عن الفطرة وأساطير فكرية ووثنية تمزق المجتمع البشري وأنتشرت الامراض النفسية الكثيرة المتمثلة بالجشع وحب الذات والطمع والكذب والظلم وكل الأنحرافات الخلقية وهكذا تغير المجتمع وفقد أغلب مظاهره الفاضلة ونشأت فيه مظاهر وعلاقات وأفكار جديدة كلها من وضع المستغلين المتسلطين وأعوانهم والمتملقين لهم مما جعل رحلة النبوة والهداية في المجتمع تغير خطها وتصعد عملها لأن الأنسان تغير من داخله ولم يعد خاضعا لتلك النداءات الخفية الربانية في داخله ولا مستمعا للوعظ من الصالحين ودعاة الأصلاح وأصبح المجتمع بحاجة إلى من يعيد له صحته النفسية كي يتخلص من كل ذلك وتعود المسيرة البشرية إلى طريقها الصالح وتتمكن من بناء المجتمع الموحد من جديد على أساس أعمق وأوعى من أساس الفطرة لأستئناف دورها الرباني في مسيرتها على الأرض قال تعالى (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكموا بين الناس فيما أختلفوا فيه ). إن المجتمع الأنساني في هذه المرحلة الجديدة توجب التوجه إليه في البناء على ضوء فكر عميق وشامل وشريعة فيها حدود وقوانين تستطيع أن تستوعب الحياة الجديدة بما فيها من التطور في كافة المجالات ومن هنا بدأت دعوة الأنبياء إلى تربية المجتمع البشري وصقل نفوس الناس وتهذيب أخلاقهم وبناء صحتهم النفسية بشكل متكامل مستمد من محاربة الشهوات والغرائز الحيوانية والنزعات اللأخلاقية فكانت الدعوة إلى الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس لأن الأنسان إذا أستقام روحيا أصبح إنسانا بكل مالهذه الكلمة من معان سامية .
ولما كان عمر البشرية بهذا الطول أحتاجت بطيعة الحال إلى أكثر من رسالة سماوية وبعثة نبوية وبذلك نفهم ويتضح الهدف والغرض من التسلسل الطويل للرسالات السماوية فكل نبي أو رسول يبدأ مرحلة تربية معينة للمجتمع البشري لتطهيره من جذور التعصب والأستغلال و الطمع وغيرها من الأمراض النفسية الخطيرة التي تهدم ذلك البناء الفطري الأنساني السليم وعندما ينهي دوره الرسالي المكلف به يكمل النبي الذي يأتي من بعده هذه المسيرة من التربية الروحية وهكذا فكل رسول وكل بعثة تكون مكملة لما قبلها من بعثات ورسالات والهدف واحد وهو تحقيق التربية الصحية النفسية المتكاملة لأبناء المجتمع البشري كي يتأسس المجتمع الصالح الذي ليس فيه أنانية أو طمع أو استغلال و تظهر فيه مرة أخرى الفضيلة والاستقامة ويذوب كل تفاضل وتمايز بين الناس إلا في مقدار ما يتمتع به الفرد من صحة نفسية وتتوفر فيه الفرصة لكل إنسان أن ينمو بفكره ونفسه صعودا وإرتقاءا حتى يناطح السماء سموا وأرتفاعا في عقله وسلوكه..... حتى أنتهت هذه البعثات برسالة الأسلام ونبوة الرسول الكريم محمد (ص) الذي أستطاع أن يقدم أروع صورة من صور التكامل الروحي والنفسي كيف لا ! وهو يمثل الله سبحانه الذي تعهده وجعله يحمل أروع وأسمى صورة من صور التكامل النفسي والخلقي فقد وصفه الحق سبحانه بقوله (إنك لعلى خلق عظيم ) وأكد ذلك رسولنا الكريم محمد (ص) بقوله (أدبني ربي فأحسن تأديبي) ولنا أن نتصور مقدار الصحة الننفسية التي يتمتع بها النبي الكريم محمد (ص) فهذا الرجل العظيم وسع الدنيا بتلك النفس ....والآن ونحن نعيش في القرن العشرين لو يذهب أحدنا إلى الصحراء ويجلس إلى جنب البدوي المتأصل في البداوة فهل يستطيع أن يتحمله خمس دقائق من الزمن ؟
وأنظر إلى رسول الله (ص ) كيف يصبح عليه الصباح فيجدونه في معاطن الأبل وحوله الأعراب الجفاة مستلقين على بطونهم ويلعبون بأرجلهم وهو إلى جانبهم يهديهم ويرشدهم ويبنيهم نفسيا وفكريا إلى أن أستطاع أن يخلق من هؤلاء عباقرة يتملاهم التاريخ بأعجاب فقد نظر إليهم الرسول الكريم (ص) على أنهم مرضى يجب أن يداووا فوسعهم بخلقه....ومواقف الرسول الكريم كثيرة وفيها من الشواهد ما يفوق حد الوصف منها مثلا عندما جاء سهيل بن عمرو في واقعة الحديبية مفاوضا النبي (ص) من قبل قريش ، فلما جلس وضع ركبتيه على صدر النبي (ص) وأمسك بلحيته بيده وراح يهزه هزا ويقول يامحمد والنبي ساكت والصحابة واضعين أيديهم على مقابض سيوفهم يريدون أن يضربوه والنبي الكريم (ص) يشير إليهم ألا يفعلوا !!.علما أن سهيل بن عمرو يقول عن نفسه : ماتركت سوءا إلاأسأت به إلى محمد (ص) ولك أن تقدر أي مرض نفسي وأي درجة من الصحة النفسية السلبية يتمتع بها هذا الشخص ...و بعد فتح مكة وفي يوم الفتح بالذات وعندما دخلت جيوش المسلمين مكة يقول سهيل :جلست في بيتي وأرسلت أبني عبدالله وقلت له : أذهب إلى محمد وخذ لي منه الأمان ،فأقبل أبنه للرسول الكريم وقال : أتؤمن أبي يامحمد ؟ قال (ص): نعم له الأمان ...
وألتفت إلى الصحابة وقال لا يحدن احد منكم النظر إلى سهيل.)... وبقي سهيل ينعم بذلك الأمان ثم أسلم وحسن إسلامه وكان من خيار المسلمين .والمستفاد من الحادثة السابقة هي أن نتأمل في خلق النبي الكريم ( ص ) وأية درجة من الصحة نفسية يتمتع بها وأية درجة من الكمال التربوي والنفسي قد وصل إليها فهذا الصدر وسع العالم أجمع وهذه هي الروح الطاهرة النقية التي تعاملت مع العدو والصديق بنفس المقياس من الأخلاق الكريمة، ومما يؤسف له أن الكثير من أبناؤنا لم يستوعب تاريخ النبي ( ص) والمفروض أنه بدل أن تذهب مطالعاتهم إلى أشياء تافهة عليهم ن يدرسوا سيرة النبي ( ص) ليروا كيف أن هذا الرجل العظيم يتفجر عبقرية فكل مسلم ملزم أن يأخذ فكرة كاملة عن حياة النبي (ص) لأنه إن إستوعب حياة النبي ومواقفه وأطلع عليها فأنه سيطلع على عالم كله بهجة وأشراق ونور وعطاء ،وهكذا نرى أن الصحة النفسية لها من الأهمية الكبيرة التي لا تقف عند حد فهي منهج أساس في تكوين وتشكيل السلوك البشري المستقيم بشكل جعلها تكون أحد أهداف الله في الأرض ،والدليل على ذلك ما تقدم ذكره من الكلام السابق .وبذلك يتضح أنه كلما أشتدت الصراعات والتغيرات الأجتماعية والتطور الحضاري أحتاج معها الأنسان إلى أن يجعل صحته النفسية تتلائم وتنسجم مع تلك التغيرات بشكل لا يكون معه خارجا عن حدود الأنسانية التي يجب أن يتصف بها وبكل معانيها وأشكالها وإلا فما الفرق بينه كأنسان وبين بقية الكائنات الحيوانية الأخرى الموجودة على الأرض إذا كان لايتمتع بأدنى مستوى من الصحة النفسية ؟.
وهذا ما نراه يتجلى بوضوح بالتغير الأجتماعي السريع الشامل الذي بدأ في الستين سنة الأخيرة وتعرض العالم إلى إلى الحرب العالمية الأولى والثانية وما تمخض في أعقابهما من مشاكل أقتصادية وأنقلابات ثورية في أشكال الحكومات وصراعات فكرية و‘ايدولوجيات مختلفة وتقدم صناعي وتكنولوجي كبير بعد أعقاب الثورة الصناعية في أوربا بشكل خاص والعالم بشكل عام .
إذ انعكست كل تلك الحروب والأزمات والتجارب على سلوك الناس ومعتقداتهم وأتجاهاتهم النفسية .وأشتد الصراع بين الدعوة إلى التعاون والتكافل وبين هذا التنافس المرير وخاصة بعد أعقاب الثورة الصناعية إذ إزدادت المشاكل بفعل التقلبات في السوق العالمية وانتشار البطالة إذ بدأ الفرد يشعر أنه منبوذ مهجور في عالم يستغله ويغشه ويخدعه ويعاديه من كل جانب وأضحى كل أنسان يعيش لوحده ولأجل نفسه فقط فضعفت الروابط الأسرية والصلة بين العامل وصاحب العمل أصبحت ضعيفة وتلاشت أركان الأيمان بالمبادئ والقيم الخلقية النبيلة فشاعت الجريمة والأستغلال والمخدرات وزادت حالات الطلاق وساد اليأس والقنوط وعدم الرضا. ومن هنا بدأت الحاجة ماسة إلى تحصين الأنسان ووقايته وهكذا ولد علم الصحة النفسية......
إذن يمكن أن نعرف علم الصحة النفسية بأنه ( ذلك العلم الذي يعنى بوصول الأنسان إلى حالة من التوافق النفسي مع ذاته ومع الآخرين وقدرته على مواجهة الأزمات المختلفة بشكل إيجابي وتوفير الحلول لها مع الأستخدام الأمثل لطاقاته الكامنة وتوظيفها للوصول إلى حالة أكثر أستقرارا وتكاملا ) .
تحميل الملف المرفق Download Attached File
|
|