يقول المراديّ: ( فإذا لم يمكن سبك مصدر من الجملة سبكناه من لازمها) (1) لم أجدّ أروع ولا أوجز من هذا النصّ لأبدأ به مقدمة بحثي، إذا اتفقنا أنَّ وظيفة المقدمة استجلاء فكرة البحث، وتوضيح هدفه، فقول المرادي اختزال لفكرة البحث ومفهومه، وفيه ما يُشير الى دوافع القول به والاصرار على تأويل مصدر ليس من الجملة، بل من لازمها لا بدّ من ورائه مقاصد، لا نريد أن نتعجّل في النتائج.
المصدر من المباحث النحويّة المهمة التي تؤدي وظائف لغوية ودلالات في السياقات المتعددة، تعددت أشكاله بين صيغ صرفية بقوالب معينة وبين تأويل تركيب نحويّ بطرائق قياسية مرة وغير قياسية مرة اخرى، ويبقى المصدر ولا سيما المؤول به حاجة الى اعادة استقرائه من جديد؛ لأنَّ في النفس شكاً أنَّ اسلافنا – رحمهم الله – لم يقننوا جزءاً مهماً منه، ولم يضعوا ضوابط لبعض مصاديقه التأويلية التي يتطلبها مقصد المتكلم أو تتطلبها بعض صنعتهم التي ألزموا أنفسهم بها.
فوقع نظر البحث على ما يمكن أنْ يصطلح عليه "المصدر المتصيّد" أو "المصدر السياقي" وقد كان موضع تتبعه العربية على نحو عام ، والقرآن الكريم على نحو خاص؛ ليكون مصداقاً لرصده واستقرائه وتقنينه؛ لأنَّه أفصح ما سُمع وأرقى ما نُطق، فاستقر الرأي على تمهيد نظري يتتبع فكرته واصطلاحه، ومحله الاعرابيّ، ومن ثمّ تعريفه، ومبحثين: احدهما لتصيّده من سياق الخبر، والآخر لتصيّده من سياق الطلب؛ لأنَّه مصدر يمكن أنْ نلتمسه من الكلام العربي خبراً أو انشاءً.
وأودّ أنْ أشير الى أنَّ البحث سيقدّم نماذج لفكرته بما يستجلي مفهومه ، شأنه شأن البحوث التي لا تقوم على حصر كل مصاديقها وأمثلتها.