معلومات البحث الكاملة في مستودع بيانات الجامعة

عنوان البحث(Papers / Research Title)


حديثُ ( الحَسَنُ و الحُسَيْنُ سَيِّدا شَبَابِ أهْلِ الجَنَّةِ ) - دِراسةٌ و تَحْليلٌ -


الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)

 
حسن غازي عكروك السعدي

Citation Information


حسن,غازي,عكروك,السعدي ,حديثُ ( الحَسَنُ و الحُسَيْنُ سَيِّدا شَبَابِ أهْلِ الجَنَّةِ ) - دِراسةٌ و تَحْليلٌ - , Time 22/01/2017 03:08:29 : كلية العلوم الاسلامية

وصف الابستركت (Abstract)


تحليل حديثي لغوي لحديث نبوي شريف

الوصف الكامل (Full Abstract)



عنوان البحث

حديثُ ( الحَسَنُ و الحُسَيْنُ سَيِّدا شَبَابِ أهْلِ الجَنَّةِ )
- دِراسةٌ و تَحْليلٌ -










إعداد

1-أ.د. حسن غازي السعدي 2- م.د. فرات عبد الكريم زغير
كلية الدراسات القرآنية-جامعة بابل كلية التربية الأساسية-جامعة بابل





المقدمة

الحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمينَ ، و الصّلاةُ و السّلام على سيّدِ الكائناتِ و أشرفِ الأنبياءِ و خاتَمِ المُرسَلينَ سيّدِنا محمَّدٍ ، و على آله الطّيّبينَ الطّاهرينَ الّذينَ أمرَنا اللهُ بُحِبِّهم فجعَلَ مودَّتَهم فرضًا في كتابِه المُبينِ ، و على المهاجرينَ و الأنصارِ الّذينَ امْتثلوا لأمرِ نبيِّهم بِحُبِّ آلِه الطّاهرينَ ، و على جميعِ مَن أحبَّهم و أعلى مودّتَهم إلى يوم الدِّينِ .
وبعد ....
لمْ يتَّفقِ المسلمونَ علي شيءٍ اتّفاقَهم على فضلِ الأئمَّةِ من أهلِ البيتِ ( عليهم السلامُ ) ومكانتِهم ؛ و ذلك لأنّهم ورثةُ حضرة خاتم النبيين ( عليه وعليهم والصلاة وأتم التسليم ) ، و أنّهم بشرٌ كُمَّلٌ اجتمعت فيهم الكمالاتُ التي أراد الله للإنسانية أن تتحلّى بها فأصبحوا نورا يُنير قلوبَ المؤمنين ليومنا هذا .
والإمامانِ الحسنُ و الحُسينُ ( عليهما السَّلامُ ) من أهل البيت المطهَّرِينَ من الرِّجس بلا ريب و ليس ذلك فحسبُ ؛ بل هما من أهل الكساء و سِبطا رسولِ الرحمة و ريحنتاه بل و ابناهُ كما نصَّت على ذلك نصوصٌ كثيرة من السُّنَّة النّبويّة الغرّاء .
فأحْبَبنا أنْ نتناولَ جانبا من مناقبِ هذينِ الإمامينِ الطاهرَين موضوعا لبحثنا هذا فخصصْنا قولَ النَّبيِّ ( صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم ) فيهما : ( الحسنُ والحسينُ سيِّدا شباب أهل الجنّة ) تحليلًا وشرحًا لهذه الدراسة التي نأملُ فيها التقرُّبَ إلى مقامِ حضرتَي الإمامين الطاهرَين ( عليهما السلام ) في الدنيا ، وراجين شفاعتَهما في الآخرةَ ، وما بسَطنا كفَّينا متذلِّلين إلا لأهل بيت جُبِلوا على الكرَمِ و العطاء .
وقد أفَدْنا في بحثنا هذا من كتب متون الحديث وشروحها عند جميع المذاهب الإسلامية لأنَّ ذلك من أهمِّ القَواسمِ المشتركة بينهم كما ذكرنا سالفا .
وقد قسَّمنا بحثنا هذا على ثلاثة مباحث :ــ
المبحث الأول : منها متحدثا عن مناقب أهل البيت ولاسيما الإمامين الطاهرين .
والمبحث الثاني : فقد خُصِّص لدراسة حديثيَّة للحديث الذي هو موضوع بحثنا ؛ فقُمنا بدراسة أسانيد الحديث في جميع مصادر الحديث وتعدُّدِ طرقِه وبيان الصحيحِ منها وغيره . ثمَّ قمنا بدراسة متن الحديث وبيان الزيادات المتعددة التي فيه .
والمبحث الثالث ذكرنا فيه شرحا مفصلا لهذا الحديث وبيَّنَّا أنَّ الإمامَين عليهما السلام سيدا شباب أهل الجنّة ما سوى من خُصَّ بنصٍّ ، ثم بيَّنَّا تخصيصَ لفظة شباب بالنَّصِّ - مع أنَّ أهل الجنّة كلّهم من الشَّباب وأنّهما لمْ يُفارقا الحياةَ و هما شابَّينِ– وذكرنا أقوال العلماء في ذلك وبيناها شرحا وتوضيحا .
وختمنا البحثَ بخاتمةٍ ذكَرنا فيها أهمَّ النتائجِ الّتي توصّلنا إليها من هذه الدراسة .
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمّد وعلى إخوانِه من الأنبياءِ والمرسلين وعلى آله الطيّبينَ الطّاهرين وصحبِه الغُرِّ المَيامِين و مَن تَبِعَهم بإحسان إلى يومِ القيامة والدِّين و سلَّم تَسليما كثيرا كثيرا .


















المبحث الأول
مكانةُ الإمامَين الحَسَنينِ عليهما السلامُ
لا يخفى على ذي بال فضل الإمامين الطاهرين الحسن والحسين – عليهما السلام – ومكانتهما فهما ريحانتا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وسبطاه ، ومن أعاظم رجالات الإسلام ؛ بل من أعاظم رجال الكون . فهما أبناء البضعة النبوية الطاهرة السيدة الزهراء البتول – عليها السلام – سيدة نساء العالمين ، وأبناء سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – عليه السلام - .
فهما من أهل بيت النبي المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – الذين أُمِرْنا بتعظيمهم وحبهم والتقرب إلى الله – عز وجل – بمودتهم وجاء ذلك في كثير من النصوص في القرآن الكريم ، والسنة النبوية الغراء ، والأثر. منها قوله تعالى : چ ? ? ? ? ? پ پ پ پ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ?? ? ? ? ? چ (1) ؛ فتدور الآية حول حكم أساسي واحد هو محبة قربى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وأهل بيته – عليهم السلام – والتودد لهم والتقرب إليهم وحفظ وصية رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فيهم حيث إن رسول الله لا يسأل أجرا على الدين إلا محبة آله والتودد إليهم(2) .
فقد روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما - : لما نزلت الله چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ قالوا : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ فقال – صلى الله عليه وآله وسلم – : ( علي وفاطمة وابناها عليهم السلام )(3).
ويدل على ذلك ما روي عن الإمام علي – عليه السلام – قال : شكوت إلى النبي – صلى الله عليه و آله و سلم – حسد الناس لي فقال : ( أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا ، وشيعتنا من ورائنا )(4).
كما شهد القرآن الكريم بطهارتهم من الرجس وذلك في قوله تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (5).
فقد ذهب أبو سعيد الخدري وأم سلمة – رضي الله عنهما – وجماعة كثيرة من التابعين منهم مجاهد وقتادة رحمهم الله إلى أن الآية نزلت في أهل بيت النبي وهم علي وفاطمة والحسن والحسين - عليهم السلام -(6) فعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، رَبِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ ، فَدَعَا فَاطِمَةَ ، وَحَسَنًا ، وَحُسَيْنًا فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ ، وَعَلِيٌّ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَجَلَّلَهُ بِكِسَاءٍ ثُمَّ قَالَ: ( اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا ) . قَالَتْ أُمُّ سَلَمَة : وَأَنَا مَعَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، قَالَ: ( أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ )(7).
وقد وردت أحاديث كثيرة في السنة النبوية الغراء تشير إلى فضل الإمامين الحسنين – عيهما السلام – ومكانتهما ؛ فقد سماهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعَنْ سيدنا عَلِيٍّ – عليه السلام - ، قَالَ : لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و آله وَ سَلَّمَ ، فَقَالَ : ( أَرُونِي ابْنِي ، مَا سَمَّيْتُمُوهُ ؟ ) قَالَ : قُلْتُ : حَرْبًا . قَالَ: ( بَلْ هُوَ حَسَنٌ ) فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ( أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ ؟ ) قَالَ : قُلْتُ حَرْبًا . قَالَ : ( بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ ) فَلَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ( أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ ؟ ) قُلْتُ : حَرْبًا . قَالَ : ( بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ ) ثُمَّ قَالَ : ( سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ شَبَّرُ، وَشَبِيرُ، وَمُشَبِّرٌ )(8).
ونشأ الإمامان – عليها السلام – في كنف رسول الله عليه الصلاة والسلام ولطالما كان النبي يحملهما على كتفه الشريف ويقبلهما ويشمهما ويقول هما ريحانتي من الدنيا . فعن أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَمَعَهُ حَسَنٌ ، وَحُسَيْنٌ هَذَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَهَذَا عَلَى عَاتِقِهِ ، وَهُوَ يَلْثِمُ هَذَا مَرَّةً ، وَيَلْثِمُ هَذَا مَرَّةً حَتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُحِبُهُمَا ، فَقَالَ: ( مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي )(9) .
عَنْ يَعْلَى الْعَامِرِيِّ ، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى طَعَامٍ دُعُوا لَهُ قَالَ : فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِمَامُ الْقَوْمِ وَحُسَيْنٌ مَعَ الْغِلْمَانِ يَلْعَبُ ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَهُ فَطَفِقَ الصَّبِيُّ يَفِرُّ هَا هُنَا مَرَّةً ، وَهَا هُنَا مَرَّةً ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُضَاحِكُهُ حَتَّى أَخَذَهُ ، قَالَ : فَوَضَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ قَفَاهُ ، وَالْأُخْرَى تَحْتَ ذَقَنِهِ فَوَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ يُقَبِّلُهُ ، فَقَالَ : ( حُسَيْنٌ مِنِّي ، وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الْأَسْبَاطِ )(10).
ونلاحظ من الحديث تقديم جواب الشرط ( أحب الله ) على فعل الشرط ( أحب حسينا ) ، فكان مسق الكلام أن يقال : من أحب حسينا أحبه الله لكنه – عليه الصلاة والسلام – قدم النتيجة وهي حب الله للدلالة على قطعية حدوث الحب من الله لمن يحب الحسين – عليه السلام - (11)
ولو قارنا هذا الحديث بقوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(12) لخلصنا إلى أن محبة الله لمن يحب النبي – عليه الصلاة والسلام كمحبته تعالى لمن يحب الحسين – عليه السلام – فمحب الحسين هو محب النبي ، وحب النبي هو حب الحسين وحب الحسين هو حب النبي بلا ريب ولا شك(13) .
وقد كان الإمامان الحسنان - عليهما السلام – أشبه الناس بالنبيّ عليه الصلاة والسلام فعَنْ سيدنا عَلِيٍّ – عليه السلام - ، قَالَ : ( الْحَسَنُ أَشْبَهُ النَّاسِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ ، وَالْحُسَيْنُ أَشْبَهُ النَّاسِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ )(14).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضي الله عنه - ، قَالَ : ( لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشْبَهَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ )(15) .
وكان رسول الله – عليه الصلاة والسلام – يوجههما منذ حداثة سنهما فعن أبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، قَالَ : أَخَذَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: ( كِخْ كِخْ ) لِيَطْرَحَهَا ، ثُمَّ قَالَ: ( أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ )(16).
ومن نبوئته – صلى الله عليه وآله وسلم - في الإمام الحسن أن الله يصلح به بين فئتين من المسلمين فعن بَكْرَةَ ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ - عَلَى المِنْبَرِ وَالحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ ، يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً ، وَيَقُولُ : ( ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ )(17).
وقد تحققت هذه النبوءة عندما تنازل عن الخلافة . وكان الحسن – عليه السلام -أحق الناس يومئذ بهذا الأمر فدعاء ورعه وشفقته على أمة جده - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى ترك الملك والدنيا رغبة فيما عند الله ، ولم يكن ذلك لقلة ولا ذلة فقد بايعه على الموت أربعون ألفاً ، وقال: ( والله ما أحببت منذ علمت ما ينفعني ويضرني أن لي أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم على أن يراق في ذلك محجمة دم )(18) .
وقد حفظ الصحابة الكرام - رضي الله عنهم – وصية رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في أهل بيته عليهم السلام فهذا سيدنا أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – كان يوصي بهم ويقول : ( ارقبوا محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم – في أهل بيته )(19) ؛ أي احفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم(20) . وكان رضي الله عنه يقول : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي )(21).
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ ، قَالَ : صَلَّى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - العَصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي ، فَرَأَى الحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ ، فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ، وَقَالَ : ( بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ لاَ شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ ) وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ(22).
وقد روى ابن عساكر بسنده عن إبراهيم بن الحارث التيمي ( أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - لما دون الديوان ، وفرض العطاء ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بدر لقرابتهما من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف درهم )(23).
( وَكَذَلِكَ كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ – رضي الله عنه - يُكْرِمُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيُحِبُّهُمَا . وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَوْمَ الدَّارِ - وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ محصور عنده - ، ومعه السيف متقلداً به يحاجف عَنْ عُثْمَانَ فَخَشِيَ عُثْمَانُ عَلَيْهِ فَأَقْسَمَ عَلَيْهِ لَيَرْجِعَنَّ إِلَى مَنْزِلِهِمْ تَطْيِيبًا لِقَلْبِ عَلِيٍّ، وَخَوْفًا عَلَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -)(24) .
( وَقَدْ كَانَ ابْنُ عبَّاس يَأْخُذُ الرِّكَابَ لِلْحَسَنِ والحسين إذا ركبا ، ويرى هذا من النعم عَلَيْهِ )(25) .
وغيرهم من الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – الذين كانوا يتقربون إلى الله ورسوله – صلى الله عليه وآله وسلم – بمودة الإمامين الطاهرين – عليهما السلام – وحبهم حافظين وصية رسول الله في قرباه .



المبحث الثاني
طرق رواية الحديث
إن حديث (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ) مروي من طرق عدة ، وقد رواه عدد كبير من الصحابة ? بهذا النص أو بذكر زيادات مع هذا النص سيأتي ذكرها ، لذا عده السيوطي - رحمه الله - بدون هذه الزيادات من الأحاديث المتواترة معللا ذلك بأن الحديث مروي عن ستة عشر صحابيا من طرق مختلفة وهم ( علي بن أبي طالب ، وعمر بن الخطاب ، والحسين بن علي ، وأبي سعيد الخدري ، وحذيفة بن اليمان ، وجابر بن عبد الله ، وأسامة بن زيد ، والبراء بن عازب ، وقرّة بن إياس ، ومالك بن الحويرث ، وأبي هريرة ، وابن عباس ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وأنس بن مالك ، وبريدة رضي الله عنهم أجمعين )(26) .
ووافقه كل من المناوي(27) ، والكتاني(28) ، والمباركفوري(29)- رحمهما الله - على ذلك . ومن العلماء المعاصرين آية الله العظمى السيد علي السيستاني(30). إلا أن الكتاني استدرك السيوطي في استقرائه لرواة الحديث قائلا ( أن الحديث مروي عن الحسن بن علي – عليه السلام – أيضا )(31).
وعندما تتبعت طرق الحديث وجدته مرويا عن الصحابة الأجلاء المذكورين في أعلاه فضلا عن ذلك أن الطبراني يرويه – كما سيأتي تخريجه لاحقا – عن علي الهلالي – رضي الله عنه – وهو صحابي جليل(32).
ولما كان الحديث المتواتر هو الحديث الذي يرويه جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم من أول الإسناد إلى آخره(33)، وأن الحديث قد رواه ثمانية عشر نفرا من الصحابة الكرام ? ومن طرق مختلفة لذا يكون بذلك قد بلغ حد التواتر .
أما متن الحديث فقد جاء بألفاظ مختلفة أو بذكر زيادات عليه كما يلي :
أولا : ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ) .
فقد روي بهذا اللفظ عن سيدنا علي بن أبي طالب(34)، وعمر بن الخطاب(35)، والحسين بن علي(36) ، وأبي سعيد الخدري(37) ، وأنس بن مالك(38) ، البراء بن عازب(39) ، وأبي هريرة(40) ، وبريدة(41) – رضي الله عنهم أجمعين - .
ثانيا : ( حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة )
أي بحذف ( ال ) التعريف من اسمي الإمامين الطاهرين – عليهما السلام – وجاء
بهذا اللفظ عن ابن عباس(42) ، وجابر بن عبد الله(43) – رضي الله عنهم - .
ثالثا : بزيادة ( اللهم أني أُحبُهما فأَحبهما ) .
وروي الحديث بهذه الزيادة من طريق أسامة بن زيد(44)- رضي الله عنه – تؤكد بالغ محبة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – للإمامين عليهما السلام . كما تؤكد محبة الله – عز وجل – لهما لأن الرسول دعا لهما بذلك ، ودعاؤه مجاب .
رابعا : بزيادة ( إلا ابني الخالة ؛ عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا – عليهما السلام ) .
وقد وردت هذه الزيادة من حديث الإمام علي(45) - عليه السلام - ، والصحابي الجليل أبي سعيد الخدري(46) – رضي الله عنه - لتبين أن الإمامين الحسنين - عليهما السلام - سيدا شباب أهل الجنة سوى الأنبياء ؛ لأن الأنبياء أعلى رتبة من غيرهم كما سيأتي لاحقا . وقد خصّ سيدنا عيسى وسيدنا يحيى - عليهما السلام - بهذا الاستثناء لأنهما من الشباب ، مع وجود قرابة بينهما فحسن ذكرهما مع الإمامين الحسنين - عليهما السلام - والله أعلم .
خامسا : بزيادة ( وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة ) .
وقد وردت هذه الزيادة من حديث الصحابي الجليل حذيفة(47) – رضي الله عنه – في حديث مطول ، وجاءت من حديث أبي سعيد الخدري(48) - رضي الله عنه - وهي تصرح بسيادة وعلو مكانة سيدتنا فاطمة - عليها السلام - بضعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ على نساء أهل الجنة .
سادسا : بزيادة ( وأبوهما خير منهما ) .
وقد وردت هذه الزيادة من حديث عبد الله بن عمر(49) ، وقرّة بن إياس(50) ، ومالك بن الحويرث الليثي(51) ، وعبد الله بن مسعود(52) ، وحذيفة بن اليمان(53) – رضي الله عنهم أجمعين - . وهي تصرح بعلو مكانة الإمام علي – عليه السلام - وأن مكانته أرفع من مكانة الإمامين الحسنين – عليهما السلام - مع علو مكانتهما وأنهما سيدا شباب أهل الجنة .
سابعا : ( وهما سيدا شباب أهل الجنة ) .
وقد جاء بهذا اللفظ من حديث مطول عن الإمام الحسن(54) – عليه السلام - ، ، ووردت من حديث علي الهلالي(55) - رضي الله عنه – من حديث مطول أيضا .
فيتبين لنا من هذا العرض أن هذا الحديث حديث متواتر ؛ لأنه روي بعدة أسانيد عن عدد كبير من الصحابة الأجلاء – رضي الله عنهم وأرضاهم - . ومع أن بعضا من هذه الأسانيد ضعيفة إلا انها تعضد بروايات كثيرة جاء فيها الحديث بأسانيد صحيحة .
ويتبين لنا أيضا أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - قد كرر ذكر هذا الحديث في حياته مرات كثيرة ؛ ويتضح ذلك من كثرة الزيادات المختلفة على متن الحديث وما يدل ذلك إلا على التأكيد منه – صلى الله عليه وآله وسلم – على مكانة الإمامين الحسنين – عليهما السلام – وأنهما من يجب علينا محبته ومودته وتعظيمه .


المبحث الثالث
شرح الحديث
نتطرق في هذا المقام إلى عرض بعض التساؤلات التي قد تطرح عن معنى الحديث ، وهذه التساؤلات هي أهم ما في هذا البحث وهي :
الأول : في قوله – صلى الله عليه وآله وسلم – عن الإمامين الحسنين – عليهما السلام – بأنهما سيدا شباب أهل الجنة فهل هذه السيدية تشمل جميع أهل الجنة بما في ذلك الأنبياء – عليهم السلام - ؟
الثاني : لِمَ استعمل لفظة ( شباب ) ؟ مع أنهما لم يكونا شابين إبان ذكر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ذلك الحديث ، ولم يفارقا الحياة على سنّ الشباب ، فضلا عن أن أهل الجنة كلهم من الشباب .
فأما ما يخص التساؤل الأول فقد ذكر كثير من العلماء بأن معنى الحديث أن الإمامين الحسنين – عليهما السلام – أفضل أهل الجنة سوى من خص بنص(56) . فقد أكد القرآن الكريم بأن الأنبياء أعلى منزلة من سواهم ويفهم ذلك من قوله تعالى :( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) (57)؛ وفيه تقديم الصديقين على غيرهم سوى الأنبياء . قال البيضاوي – رحمة الله - : ( قسمهم أربعة بحسب منازلهم في العلم والعمل، وحث كافة الناس على أن لا يتأخروا عنهم، وهم : الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل المتجاوزون حد الكمال إلى درجة التكميل . ثم الصديقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان ، حتى اطلعوا على الأشياء وأخبروا عنها على ما هي عليها . ثم الشهداء الذين أدى بهم الحرص على الطاعة والجد في إظهار الحق حتى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة الله تعالى . ثم الصالحون الذين صرفوا أعمارهم في طاعته وأموالهم في مرضاته )(58) .
والإمامان الحسنان – عليهما السلام – لم يكونا من الأنبياء بل هما في أعلى مراتب الصيديقية ، فهما دون مرتبة الأنبياء – عليهم السلام - .
وقد ورد هذا الحديث برواية فيها زيادة تشير إلى ذلك ؛ وهي قوله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و آله وَ سَلَّمَ – : ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا )(59) فالرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – استثنى ابني الخالة سيدنا عيسى وسيدنا يحيى – عليهما السلام – لأنهما كانا من الأنبياء ، والأنبياء أفضل من غيرهم .
كما أكدت النصوص بأن أمير المؤمنين علي – عليه السلام – في منزلة أعلى وأرفع من منزلتهما ، منها زيادة وردت على هذا الحديث وهي قوله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و آله وَ سَلَّمَ – : ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما )(60).
أما التساؤل الثاني وهو وصف الإمامين الحسنين – عليهما السلام – بقوله – صلى الله عليه وآله وسلم – ( سيدا شباب أهل الجنة ) فما المقصود من لفظة شباب ؟ مع أنهما لم يكونا في سن الشباب عندما ذكر الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – ذلك . لأن الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – عندما انتقل إلى الرفيق الأعلى لم يكن عمر الإمامين الحسنين – عليهما السلام – يتجاوز الثمان سنوات . فإن الإمام الحسن – عليه السلام – ولد في منتصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة على أرجح الأقوال(61) ، أما الإمام الحسين - عليه السلام – فقد ولد في خمس من شهر شعبان من السنة الرابعة للهجرة(62).
كما أنهما فارقا الحياة بعد سن الشباب فقد توفي الإمام الحسن سنة تسع وأربعين وقيل خمسين وقيل إحدى وخمسين(63)، أما الإمام الحسين – عليه السلام – فقد استشهد في واقعة الطف في العاشر من محرم سنة إحدى وستين من الهجرة(64). فيكون الإمام الحسن – عليه السلام – وقد ناهز الخامسة والأربعين ، واستشهد الإمام الحسين – عليه السلام – وعمره ثمان وخمسون سنة . وبهذا العمر يسمى الرجل كهلا لا شابا . لأن الشاب البالغ إلى أن يكمل الثلاثين ، وقيل : ابن ست عشرة إلى اثنتين وثلاثين ثم هو كهلا(65) .
ثم إن التساؤل عن استعمال لفظة ( شباب ) في الحديث قد يطرح من وجه آخر ، فيفهم من ظاهره أن الجنة فيها شباب وفيها غير ذلك . وهذا مخالف لكثير من النصوص في آي الذكر الحكيم وفي السنة النبوية الغراء والتي تدل على أن أهل الجنة كلهم من الشباب .
فقد قال تعالى: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا) (66) فعن أم المؤمنين أم سلمة – رضي الله عنها – زوج النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أنها قالت : قلت يا رسول الله أخبرني عن قوله تعالى : (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا) قال : ( هنّ اللواتي قبضنّ في الدنيا عجائز رمصا شمطا ، خلقهنّ الله بعد الكبر فجعلهنّ عذارى )(67).
وعن الحسن قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – : ( لا يدخل الجنة عجوز ) فبكت عجوز فقال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – : ( أخبروها أنها ليست يومئذ عجوز إنها يومئذ شابة ؛ إن الله عز وجل قال : (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا) )(68).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال : ( أهل الجنة شباب جرد ، مرد ، كحل ، لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم ) (69).
وعن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال : ( يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين ابناء الثلاثين أو الثلاث والثلاثين )(70).
فيظهر لنا من هذه النصوص المباركات أن أهل الجنة كلهم شباب أبناء الثلاثين أو الثلاث والثلاثين سنة لا يبلى شبابهم وليس فيهم كهلا أو عجوزا . والإمامان الحسنان سيدا أهل الجنة سوى من خص بنص . فما الداعي لهذا التخصيص في ذكر الشباب ؟ فكان من الممكن أن يقال سيدا أهل الجنة .
لقد أجاب العلماء عن ذلك بأقوال متعددة نذكرها هنا ونحاول وشرحها وتحليلها ونقدها .



القول الأول
إنّ للفظة ( شباب ) دلالة حقيقية ؛ فإن السيدية الواردة في الحديث كانت للإمامين الحسنين – عليهما السلام – في الوقت الذي كانا فيه شابين . وهذا ما ذكره ابن الحاجب – رحمه الله – عندما فسّر لفظة ( شباب ) في الحديث بثلاثة وجوه ، أحدها : ( أن يراد أنهما سيدا شباب أهل الجنة باعتبار ذلك الوقت الذي كانا فيه شابين )(71) ووافقه السيوطي(72) .
فالرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – شاهد بنظر النبوة أن الإمامين الحسنين – عليهما السلام – سيكونان وهما في شبابهما أفضل من على الأرض قاطبة وفي منزلة لن يصلها أحد بعدهما .
فعندما استشهد أمير المؤمنين علي - عليه السلام – والذي هو خير منهما بدلالة النصوص – كان الإمامان في الثلاثينيات من العمر وهو عمر الشباب ولم يكن على وجه الأرض قاطبة من هو أفضل منهما وفي منزلة رفيعة دون منزلة الإمام علي – عليه السلام – فهو خير منهما ولن يبلغ هذه المنزلة أحد من بعدهما بدلالة السيادة على أهل الجنة الواردة في الحديث لأنه لو بلغها أحد من بعدهما لكان هو سيد أهل الجنة لا هما .
القول الثاني
إن للفظة ( شباب ) دلالة مجازية ، فقد تطلق هذه اللفظة ولا يراد بها سنّ الشباب بل يراد بها معان أخرى كالفتوة ، والقوة ، والشدة ، والنشاط ، والمرح ، والجمال .
قال ابن الفارس : ( الشين والباء أصل واحد يدل على نماء الشيء وقوته وحرارة تعتريه . من ذلك شبت النار ، وشبت الحرب إذا أوقدتها .. ثمّ اشتق الشباب منه .. وذلك هو النماء بقوة جسمه حرارة تعتريه )(73).
وممكن أن تفسر لفظة الشباب الواردة في الحديث بذلك كما فسرها الطيبي – رحمه الله – قائلا : ( لم يرد سن الشباب ، بل ما يفعله الشباب من المروءة كما تقول فلان فتى ولو كان شيخا تشير إلى فتوته ومروءته )(74) . ووافقه كل من النووي(75) المناوي(76) والمباركفوري(77) – رحمهم الله - .
ويعضد هذا الرأي أن القرآن الكريم وصف أهل الكهف بأنهم فتية في قوله تعالى : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) (78) ، والفتاء : الشباب(79). ولم يقصد سنّ الشباب كما قال كثير من المفسرين .
قال القشيري : ( يقال أنّهم فتية ؛ لأنهم آمنوا على الوهلة بربهم ، آمنوا من غير مهلة .... ويقال أنهم فتية ؛ لأنهم قاموا لله ، وما استقروا حتى وصلوا إلى الله )(80).
وقال التستري : ( إنما سماهم فتية ؛ لأنهم آمنوا به بلا واسطة ، وقاموا إليه بإسقاط العلائق عن أنفسهم )(81). فيحسن استعمال لفظة الشباب لما كان عليه الإمامان من الفتوة والمروءة وقوة الإرادة في طلب الخالق سبحانه .

القول الثالث
إضافة الشباب إلى أهل الجنة بيانية فإن أهل الجنة كلهم شباب فكأنه قيل سيدا أهل الجنة باعتبار الخصوص أي سوى من خص بنص .
وهذا ما ذكره ابن الحاجب قائلا : ( أهل الجنة وإن كانوا شبابا كلهم إلا أن الإضافة ههنا إضافة توضيح باعتبار بيان العام بالخاص كما تقول : جميع القوم ، وكل الدراهم . لأن كلا وجميعا يصلحان لكل ذي آحاد . فإذا قلت : القوم والدراهم ، فقد خصصته بعد أن كان شائعا ، فكذلك شباب ، وإن كان جميع أهل الجنة شبابا إلا أنه يصح إطلاقه على من في الجنة وعلى من في غيرها ، فخصص شياعه بقوله : أهل الجنة ، كما خصص شياع " كل" "وجميع" بالقوم والدراهم لما كان هو مقصود المتكلم دون غيره )(82) .



القول الرابع
أنه – صلى الله عليه وآله وسلم – سماهم باعتبار ما كانوا عليه عند مفارقة الدنيا ولذلك يصح أن يقال للصغير عندما يموت من صغار أهل الجنة ، والشيخ المحكوم بصلاحه من شيوخ أهل الجنة . فهما سيدا أهل الجنة بهذا الاعتبار (83).
فقد قال الكفوي : ( ومن لم يتجاوز الستين قد يعد في العرف شابا لا شيخا )(84). فيحسن استعمال لفظة الشباب في حقهما لأنهما فارقا الحياة قبل أن يتجاوزا الستين .
وذهب إلى ذلك السندي حيث قال : ( وَجْهُ التَّخْصِيصِ عَدُّهُمَا مِمَّنْ مَاتَ شَابًّا فَانْظُرْ إِلَى عَدَمِ بُلُوغِهِمَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَقْصَى سِنِّ الشُّيُوخَةِ )(85) .

النتائج
وبعد أن انتهى البحث بعون الله تعالى تم التوصل إلى النتائج الآتية :
• حديث ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ) من الأحاديث المتواترة ؛ لأنه مروي عن ثمانية عشر صحابيا ومن طرق مختلفة .
• إن الحديث يبرز مكانة ومنزلة الإمامين الطاهرين – عليهما السلام – وبأن لهما السيدية والسؤدد على أهل الجنة .
• أنّ هذه السيدية ليست عامة بل هي مخصوصة ؛ فهما سيدا أهل الجنة سوى من خص بنص . فقد دلت النصوص على أنّ أمير المؤمنين علي – عليه السلام – في منزلة أرفع من منزلتهما ، وأنّ الأنبياء الأنبياء – عليهم السلام - أعلى وأرفع منزلة من غيرهم .
• قد يكون لاستعمال لفظة ( شباب ) في الحديث دلالة حقيقية ؛ والمعنى أنّ الإمامين كانا وهما شابين أفضل أهل الأرض قاطبة وفي منزلة لن يصلها أحد من بعدهما .
• قد يكون لها دلالة مجازية ؛ فلا يراد فيها سنّ الشباب ، بل ما يفعله الشباب من المروءة كما تقول فلان فتى ولو كان شيخا تشير إلى فتوته ومروءته .
• قد تكون بيانية ؛ فاهل الجنة كلهم شباب فالإضافة هنا إضافة توضيح باعتبار بيان العام بالخاص .
• قد يكون سماهم شبابا باعتبار أنهما فارقا الدنيا قبل أن يبلغا الستين .

سبحان ربك ربّ العزة عن ما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله أجمعين .









هوامش البحث

تحميل الملف المرفق Download Attached File

تحميل الملف من سيرفر شبكة جامعة بابل (Paper Link on Network Server) repository publications

البحث في الموقع

Authors, Titles, Abstracts

Full Text




خيارات العرض والخدمات


وصلات مرتبطة بهذا البحث