عنوان البحث(Papers / Research Title)
الأثر الدلالي لمعاني القرآن وإعرابه للزجَّاج في الكشَّاف للزمخشريّ
الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)
سعدون احمد علي الرباكي
Citation Information
سعدون,احمد,علي,الرباكي ,الأثر الدلالي لمعاني القرآن وإعرابه للزجَّاج في الكشَّاف للزمخشريّ , Time 22/04/2017 08:19:03 : كلية التربية للعلوم الانسانية
وصف الابستركت (Abstract)
كان لعلم الزجَّاج الموسوعي أثره الكبير لدى الزمخشري الذي جعله عمدة مصادره في الكشاف
الوصف الكامل (Full Abstract)
الأثر الدلالي لمعاني القرآن وإعرابه للزّجّاج في الكشّاف للزَّمخشريّ مقدمة لا شكّ أن كتاب (الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل) للزمخشريّ- بما احتوى عليه من التوصيف الذي بهر بجنسه الأدباء وقهر بفصاحته البلغاء- يمثل النضج الفكري والتكامل المعرفي عند الزمخشريّ، إذ أودعه الزمخشريّ جلّ ما حصّله من علوم، فنراه فيه مستوعبًا دلالات الآيات القرآنية من خلال الإحاطة بمعاني ألفاظها، والسياق الذي وردت فيه، ومستدلا عليها بالأدلة والشواهد بأسلوب بارع يجمع حصافة الرأي إلى بلاغة التركيب مع التنبيه على مظان الحقيقة والمجاز أينما وجدت. وقد كان لعقلية الزمخشريّ العلمية الفذّة الأثر الكبير في تنوّع أساليب تفسيره لآيات القرآن الكريم، فضلا عمّا تأثّره عن العلماء القدماء في تبيين الدلالة اللغوية للآيات القرآنية، ومنهم أبو إسحاق الزّجّاج (ت311هـ) الذي نهل الزمخشريّ من كتابه (معاني القرآن وإعرابه) الشيء الكثير. وللوقوف على حجم هذا الأثر ونوعه في المستوى الدلالي اتبعت منهجًا دقيقًا يقضي بالموازنة بين أقوال الزّجّاج في معاني القرآن وإعرابه وأقوال الزمخشريّ في الكشّاف في كل آية تناولاها بالتفسير فما وُجد من تطابق بينهما في الحقل الدلالي عُدَّ من الأثر وانتظمته بطاقة خاصة. وما أن أنهيت حصر الأثر حتى وجدتُني أمام كمٍّ كبير من البطاقات المنتظمة له، فجاءت هذه الدراسة في تمهيد وثلاثة مباحث وخاتمة. أما التمهيد فقد تضمن الحديث عن مصطلحات الدلالة والأثر والتأثّر. وأما المبحث الأول فقد تضمن الحديث عن طرائق نقل الزمخشريّ في الكشّاف لما تأثّره في الدلالة اللغوية والمعجمية عن معاني القرآن وإعرابه للزّجّاج. وخصصت المبحث الثاني بدراسة الأثر والتأثّر في أدلة الاحتجاج اللغوية. وتضمن المبحث الثالث الأثر والتأثّر في الدلالة ومظاهرها. وأما الخاتمة فأودعتها أهم نتائج البحث وفوائده. تمهيد : (الدلالة، الأثر، التأثر) نظرة تعريفيَّة 1. الدلالة: لغةً: هي مصدر دَلّ يَدُلُّ دَلالةً ودِلالةً ودُلولةً، والفتح أعلى، ولكنّها بمعنًى واحد، هو أرشد وهدى. والدليل: المرشد إلى الطريق، والدَّلالة: الإرشاد( ). واصطلاحًا: هي كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، والشيء الأول هو الدال، والثاني هو المدلول( ). أي أنّ الدال هو اللفظ، والمدلول هو المعنى، والدلالة علاقة اللفظ بالمعنى، ودلالة أي لفظ هي ما يؤديه هذا اللفظ من معنًى تدركه الحواس وتستجيب له. ويرى المحدثون أنّ للدلالة علما خاصا بها يسميه بعضهم بـ(علم الدلالة)- وتضبط بفتح الدال وكسرها- وبعضهم يسميه علم المعنى. وبعضهم الآخر يطلق عليه اسم (السيمانتيك) ؛ وهو العلم المختص بدراسة المعنى( ). 2. الأثر والتأثّر: لغةً: بقية ما يُرى من كل شيء، والجمع آثار وأثور، وأْتثرته وتأثَّرته: تتبّعت أثره، والتأثير إبقاء الأثر في الشيء، وأثَّر في الشيء: ترك فيه أثرا، وتأثَّر به تأثُّرًا: سار على نهجه أو تطبع به( ). واصطلاحًا: هو تركك سمةً أو علامة يقتفيها من يأتي من بعدك تدلّ عليك فتخلق مشابهة وتواصلا بين السالفين والخالفين. وعلى الرغم من تعدد تعريفات الدلالة عند القدماء والمحدثين إلا أنها لا تخرج عن تبين علاقة الألفاظ بمعانيها، ودلالة أي لفظ هي ما ينصرف إليه هذا اللفظ في الذهن من معنى مدرك أو محسوس. والمعنى المدرك أو المحسوس لا يخرج في اشتقاقه عن الإظهار والبيان والقصد والمراد( ). على أن المحدثين قد أولوا الدلالة عنايتهم الفائقة فصار لها علم خاص بها يسمى بـ(علم الدلالة) وهو فرع من فروع علم اللغة يدرس الشروط الواجب توافرها في الرمز حتى يكون قادرا على حمل المعنى( ). ولما كان الزّجّاج عالمًا بعلوم العربية المتنوعة من نحو ولغة وقراءة وحديث وفقه وتفسير وعروض ونوادر، إذ انتهى إليه علم البصريين والكوفيين فتعددت آثاره تبعا لتعدد مصادر ثقافته وتنوعها، فقد خلّف لنا تراثًا ضخمًا من المؤلفات في مختلف علوم العربية بلغ نيّفا وعشرين مؤلفا، لعل أبرزها معاني القرآن وإعرابه الذي أُعجب به العلماء والمفسرون وراحوا ينهلون من معينه الغزير في تبيين دلالة الألفاظ القرآنية وتفسيرها والاحتجاج لها بالقرآن الكريم والحديث الشريف وكلام العرب شعرهم ونثرهم ومعرفة القراءات القرآنية ومن قرأ بها واللغات واللهجات ومواطنها، فضلا على إعراب آيات القرآن الكريم. فكان لهذا العلم الموسوعي أثره لدى الزمخشريّ الذي جعله عمدة مصادره في تفسيره الكشّاف، إذ انماز معاني القرآن وإعرابه للزّجّاج عن كتب معاني القرآن التي سبقته بأنه أغزر مادة وأوسع عمقًا علميا ولاسيما في الموضوعات الدلالية والتفسيرية والنحوية، ذلك لأنه يمثّل حصيلة لآراء الزّجّاج وآراء العلماء الذين سبقوه وكانوا أئمة اللغة والنحو والتفسير. المبحث الأول الأثر والتأثر في طرائق النقل في الحقل الدلالي تنوّعت الأساليب التي انتهجها الزمخشريّ في نقله لما تأثّره عن معاني القرآن وإعرابه للزّجّاج في تبيين الدلالة اللغوية والمعجمية للآيات القرآنية التي تضمنها كتابه الكشّاف. وفيما يأتي تبيين تلك الأساليب: 1. النقل المصرّح بنسبته إلى الزّجّاج: يعد كتاب الزّجّاج (معاني القرآن وإعرابه) من المصادر الرئيسة التي اعتمد عليها الزمخشريّ في تأليف كتابه (الكشّاف)؛ إذ اعتدّ بآراء الزّجّاج ولاسيما في مجال الدلالة اللغوية والمعجمية اعتدادًا كبيرًا؛ فكان لآراء الزّجّاج وتفسيراته صدى كبير عند الزمخشريّ، يعضد هذا الرأي أنك إذا قرأت في (معاني القران وإعرابه) للزّجّاج تفسيرًا أو توجيهًا لآية معينة، ثمّ تحولت إلى (الكشّاف) لتقرأ فيه رأي الزمخشريّ في الآية نفسها؛ وجدْتَ وشائج القرابة بين التفسيرين أو التوجيهين، فإن لم يكن التفسيران متطابقين بالنصّ؛ فهما متفقان بالمعنى؛ إلا في المسائل التي لا توافق هوى الزمخشريّ ونزعته الاعتزالية، إذ يلجأ في مثل هذه الحال إلى توجيه معنى الآية ليتلاءم وما يعتقده المعتزلة( ). وقد صرّح الزمخشريّ بالنقل عن الزّجّاج في ثمانية عشر موضعا في مجال الدلالة اللغوية والمعجمية بنحو قوله: "وقال الزّجّاج" "وعن الزّجّاج"( ). وقد اتبع الزمخشريّ في إيراد ما نقله عن الزّجّاج من توجيهات وتفسيرات في المجال الدلالي الأسلوبين الآتيين: أ. النقل بالنص (الحرفيّ). ب. النقل بالمعنى. وفيما يأتي تبيين لأمثلة هذين الأسلوبين: أ. ما نقله الزمخشريّ عن الزّجّاج بالنصّ وصرّح بنسبته إليه: 1. في قوله تعالى: {????????????? ???????? ????????} (النساء/43)، بيّن الزّجّاج دلالة التيمُّم في اللغة فقال: "معنى تيمموا اقصدوا، والصعيد وجه الأرض. فعلى الإنسان أن يضرب بيديه ضربة واحدة، فيمسح بهما جميعا وجهه، وكذلك يضرب ضربة واحدة، فيمسح بهما يديه، والطيب هو النظيف الظاهر، ولا يُبالى أكان في الموضع تراب أم لا، لأنّ الصعيد ليس هو الترابَ، إنما هو وجه الأرض، ترابا كان أو غيره. ولو أن أرضا كانت كلها صخرا لا تراب عليها ثم ضرب المُتَيمِّم يده على ذلك الصخر لكان ذلك طهورا إذا مسح به وجهه"( ). واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في تبيين دلالة التيمُّم مصرِّحًا بنسب رأي الزّجّاج إليه، فقال: "وقال الزّجّاج: الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره. وإن كان صخرا لا تراب عليه لو ضرب المُتَيمِّم يده ومسح لكان ذلك طهوره"( ). 2. في قوله تعالى: {?????????? ????????? ?????????? ????? ???????????} (الكهف/40)، بيّن الزّجّاج معنى الآية، فقال: "هذا موضع لطيف يحتاج أنْ يُشرَحَ وهو أنّ الحسبان في اللغة- هو الحساب، قال تعالى: {????????? ???????????? ???????????}( ) المعنى بحساب، فالمعنى في هذه الآية أن يُرسِلَ عليها عذابَ حُسْبانٍ، وذلك الحُسْبانُ هو حِساب ما كسبت يداك"( ). وانتفع الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تفسير الآية مصَرِّحًا بالنقل عن الزّجّاج، فقال: "والحسبان: مصدر كالغفران والبُطلان، بمعنى الحساب، أي مقدارًا قدره الله وحسبه، وهو الحكم بتخريبها، وقال الزّجّاج: عذاب حُسبان، وذلك الحسبان حساب ما كسبت يداك"( ). 3. في قوله تعالى: {??????????? ??•??????? ??????? ??????????????? ???????????} (الزخرف/70)، بيّن الزّجّاج معنى الحَبْرة، فقال: " (تحبرون) تكرمون إكراما يُبالغ فيه، والحَبْرَةُ: المبالغة بما وُصِفَ بجميل "( ). وائتثر الزمخشريّ أبا إسحاق الزّجّاج في تبيين معنى الآية وصرّح بالنقل عن الزّجّاج، فقال: "(تحبرون) تسرون سرورا يظهر حباره أي: أثره على وجوهكم (...) وقال الزّجّاج: تكرمون إكراما يبالغ فيه. والحَبْرَة: المبالغة فيما وصف بجميل"( ). يتضح مما تقدَّم أنّ الزمخشريّ قد أفاد من معاني القرآن وإعرابه للزّجّاج في تبيين دلالة الآيات القرآنية، فنقل بالنصّ أقوال الزّجّاج ونسبها إليه، وهو أثر قد كُرّرت نظائره في غير موضع من الكشّاف( ). ب. ما نقله الزمخشريّ عن الزّجّاج بالمعنى وصرَّح بنسبته إليه: 1. في قوله تعالى: {??????? ?????? ???? ???????????} (الأعراف/149)، بيّن الزّجّاج معنى الآية، فقال: "المعنى: ولما سقط الندمُ في أيديهم، كما تقول للذي يحصل على شيء- وإن كان مما لا يكون في اليد- قد حصل في يده من هذا مكروه، تُشَبِّهُ ما يحصُل في القلب وفي النفس يما يُرى بالعين"( ). وانتفع الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تبيين دلالة الآية الكريمة مصرّحا بنسبة قول الزّجّاج إليه، فقال: "(سقط) مسند إلى (في أيديهم) وهو من باب الكناية (...) وقال الزّجّاج: معناه سقط الندم في أيديهم، أي في قلوبهم وأنفسهم، كما يُقال: حصل بيده مكروه، وإن كان محالا أن يكون في اليد ويُرى بالعين"( ). 2. في قوله تعالى: {???????? ??????????? ???•???? ?????? ?????? ??????????}(المؤمنون/ 104)، بعد أنْ عدَّ اللفح والنفح في معنى واحد، بيّن الزّجّاج أن الكالح هو من تشمَّرت شفته عن أسنانه، فقال: " يلفح وينفح في معنى واحد، إلاّ أنّ اللفح أعظم تأثيرا، (وهم فيها كالحون)، والكالح الذي قد تشمَّرتْ شَفَتُهُ عن أسنانه، نحو ما ترى من رؤوس الغنم إذا مسَّتْها النار، فبرزت الأسنان وتشمَّرت الشفاه"( ). وأفاد الزمخشريّ مما ذكره الزّجّاج في تبيين دلالة اللفح والنفح اللغوية فضلا عن انتفاعه بما ساقه الزّجّاج من تشبيه في إيضاح دلالة الكلوح اللغوية، فقال مصرِّحا بالنقل عن الزّجّاج: "(تلفح) تسفع، وقال الزّجّاج: اللفح والنفح واحد. إلاّ أنّ اللفح أشدُّ تأثيرا. والكلوح: أنْ تتقلص الشفتان وتتشمّرا عن الأسنان، كما ترى في الرؤوس المشوية"( ). 3. في قوله تعالى:{ ???? ??????? ?????? ?????? ???????? ??????? ??????????? ??? ????????????} (الملك/15)، رجّح الزّجّاج أن يكون معنى (فامشوا في مناكبها) أي في جبالها؛ لأن تمكن سلوك الجبال هو أبلغ التذليل؛ فقال: "معناه في جبالها. وقيل في جوانبها، وقيل في طرقها، وأشبه التفسير- والله أعلم- تفسير من قال في جبالها، لأنّ قوله (???? ??????? ?????? ?????? ???????? ???????) معناه: سهّل لكم السلوك فيها، فإذا أمكنكم السلوك في جبالها فهو أبلغ في التذليل"( ). واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في تبيين دلالة الآية مصرِّحا بالنقل عن الزّجّاج، فقال: "المشي في مناكبها: مثل لفرط التذليل ومجاورته الغاية (...) وقال الزّجّاج: معناه: سهل لكم السلوك في جبالها، فإذا أمكنكم السلوك في جبالها، فهو أبلغ التذليل"( ). يتّضح مما تقدّم أنّ الزمخشريّ قد تأثَّر أبا إسحاق الزّجّاج في تبيين دلالات الآيات الكريمات المذكورات آنفًا ولم يغفل التصريح بنسبة ما نقله بالنصّ والمعنى معًا إلى أبي إسحاق الزّجّاج. وهو أثر قد كُرِّرَتْ نظائره في غير موضع من الكشّاف( ). 2. النقل غير المصرّح بنسبته إلى الزّجّاج: انمازت نقول الزمخشريّ الكثيرة عن معاني القرآن وإعرابه للزّجّاج في تبيين دلالة الآيات القرآنية بطابع السكوت عن عزو الآراء والتوجيهات إلى أبي إسحاق الزّجّاج، على الرغم من أنّ ما تأثّر به من تلك الآراء والتوجيهات وأدلة الاحتجاج اللغوية قد نصّ عليه الزّجّاج في كتابه، وربما لم يسبقه إليه أحدٌ، واكتفى بالقول: (وقيل، وقال بعضهم، وروي، وقرئ، ومعناهُ)( ). وقد بلغ مجموع ما تأثّره الزمخشريّ عن الزّجّاج ولم يصرح بنسبته إليه في حقل الدلالة اللغوية (183) موضعًا، وسأجتزئ ببعض الأمثلة لتبيين ذلك الأثر والتأثّر: أ. في قوله تعالى:{ ???? ????????????? ??? ????????? ?????????????} (سورة البقرة /232)، بيّن الزّجّاج دلالة العضل الوارد في الآية الكريمة، فقال: "ومعنى (تعضلوهن): تمنعوهن وتحبسوهُنّ، من أن ينكحن أزواجهُنَّ. (...) وأصل العَضْل من قولهم: عضلت الدجاجة، فهي مُعْضَل، إذا احتبس ما في بطنها"( ). واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في تبيين دلالة العضل من غير الإشارة إلى معاني الزّجّاج الذي نقل عنه معنى الآية الكريمة، فقال: "والعضَل: الحبس والتضييق. ومنه عضلتِ الدجاجة إذا نشب بيضها فلم يخرج"( ). ب. في قوله تعالى: {???? ????????? ?•??????? ???? ?????????? ???? ???????? ?????????? ???????? ?????? ???????????}(التوبة/57)، بيّن الزّجّاج دلالة (يجمحون) اللغوية، فقال مفسِّرًا الآية: "أي يسرعون إسراعا لا يَرُدُّ وجوهَهَم شيءٌ، ومن هذا قيل: فرس جموح للذي إذا حمل لم يَرُدَّه اللجامُ"( ). وانتفع الزمخشريّ بتفسير الزّجّاج المذكور آنفا جملة وتفصيلاً، فقال: في تبيين دلالة (يجمحون): "يسرعون إسراعا لا يردّهم شيءٌ؛ من الفرس الجموح، وهو الذي إذا حمل لم يردّه اللِّجامُ"( ). ت. في قوله تعالى: {?? ???????? ?????? ?????????} (الغاشية /11)، أشار الزّجّاج إلى أنّ دلالة اللغو في الآية بمعنى الكلام الساقط، فقال: "وقوله في صفة أهل الجنة: (?? ???????? ?????? ?????????) (...) يجوز أن يكون: لا تسمع فيها كلمة تلغى، أي تسقط، لا يتكلم أهل الجنة إلاَّ بالحكمة، وحمد الله على ما رزقهم من نعيمه الدائم"( ). وسَارَ الزمخشريّ في ركاب أبي إسحاق الزّجّاج في عد اللغو كلاما لا فائدة فيه ولا يصلح أن يكون لغة أهل الجنة، فقال:" (لاغية) أي: لغوا، أو كلمة ذات لغو، أو نفسا تلغو، لا يتكلم أهل الجنة إلا بالحكمة وحمد الله على ما رزقهم من النعيم الدائم"( ). وبإنعام النظر في النصوص المذكورة آنفا يتّضح جليًّا تأثّر الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تبيين دلالة الألفاظ في الآيات القرآنية تأثّرًا مباشرًا ونقله لها بالحرف مع تصرّف يسير بالنص بالتقديم أو التأخير، وقد كررت نظائر هذا الأثر والتأثّر في مواضع كثيرة من الكشّاف( ). وهو ما يؤكِّد المنزلة الرفيعة لمعاني القرآن وإعرابه للزّجّاج عند الزمخشريّ، ولو صرّح الزمخشريّ باسم الزّجّاج في كل مادة نقلها عنه لتردَّدَ اسم الزّجّاج أكثر من مرة في الصحيفة الواحدة. وربما كان هذا هو سبب لجوء الزمخشريّ إلى هذا الأسلوب من النقل، إلا أنَّه قد حافظ على جوهر المادة اللغوية التي نقلها عن الزّجّاج. المبحث الثاني الأثر والتأثر في أدلّة الاحتجاج لقد أولى علماء العربية القدماء الشواهد القرآنية عنايتهم الفائقة بجعلهم الشاهد أداة الاستقراء اللغوي من جهة، ودليلا متمكنًا في بناء قواعدهم وتثبيت أحكامهم من جهة أخرى. إذ يؤتى بالشاهد إما للاستدلال والاحتجاج أو التمثيل والبيان، وكلا الأمرين معمول به عند الزّجّاج والزمخشريّ، إذ تعقب الزمخشريّ أبا إسحاق الزّجّاج فيما استدل به من شواهد القرآن الكريم والقراءات أو شواهد الحديث النبوي الشريف أو ما اعتدّ به من كلام العرب الموثوق بعربيتهم شعرًا كان أو نثرًا عند تفسيره الآيات القرآنية لإزالة اللبس والإبهام عنها وزيادة التوضيح والتبيين. وقد بلغ مجموع ما تأثّره الزمخشريّ من أدلّة الاحتجاج عن الزّجّاج في الحقل الدلالي (92) اثنين وتسعين شاهدًا موزعة على ما يأتي: القرآن الكريم (31) شاهدًا، الحديث الشريف (5) شواهد، الشعر العربي الفصيح (52) شاهدًا، النثر العربي الفصيح (4) شواهد. ولتبيين هذا الأثر والتأثّر سأجتزئ ببعض الأمثلة من الأنواع المذكورة آنفًا: 1. أدلة الاحتجاج من القرآن الكريم وقراءاته: أ. في قوله تعالى: {????? ?????? ???????? ???? ??????? ?????????? ???? ???? ????????????? ?????????? ?????????? ???????? ???????? ????????????? ??????????}(الإسراء/102)، بيّن الزّجّاج دلالة الآية وقراءاتها واحتجّ لقراءة (لقد علمتَ)( )- بفتح التاء- بآية من القرآن الكريم، ورأى أنها الأجود، فقال: "(لقد علمت ما أنزل الله) يعني الآيات. (إلاّ ربُّ السموات والأرض بصائر)، وقرأ بعضهم (لقد عَلمْتُ)- بضم التاء- والأجود في القراءة: لقد عَلِمْتَ- بفتح التاء- لأنّ عِلْمَ فرعونَ بأنها آيات من عند الله أوكد في الحجة عليه، ودليل ذلك قوله عزّ وجلّ في فرعون وقومه (??????????? ????? ???????????????????? ??????????? ??????? ?????????)( )"( ). وانتفع الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تبيين الدلالة اللغوية للآية المذكورة آنفا والاحتجاج لها وتبيين قراءاتها، فقال: "(لقد علمت) يا فرعون (ما أنزل هؤلاء) الآيات إلا الله عز وجل (بصائر) بيِّنات مكشوفات، ولكنك معاند مكابر: ونحوه: (??????????? ????? ???????????????????? ??????????? ??????? ?????????)، وقرئ (علمْتُ) بالضم، على معنى: إني لست بمسحور كما وصفتني، بل أنا عالم بصحة الأمر. وأنّ هذه الآيات مُنزلها ربُّ السموات والأرض"( ). ب. في قوله تعالى:{ ?? ??????? ?????????? ???? ????????????? ???? ?????????????? ???? ????????????? ???? ?????????? ????????????? ???? ?????????? ????????????? ???? ???????????? ???? ??? ???????? ????????????? ?????•????? ????} (الأحزاب/55)، بيّن الزّجّاج دلالة الآية كونها نزلت في الحجاب فيمن يحلُّ للمرأة البروز له من المحارم، وذكر أنّ العمّ والخال لم يذكرا فيمن يحل للمرأة البروز له لأنهما يجريان مجرى الوالدين في جواز الرؤية واحتجّ لرأيه من القرآن الكريم، فقال: "هذه الآية نزلت في الحجاب فيمن يحلّ للمرأة البروز له، فذكر الأب والابن إلى آخر الآية. المعنى لا جناح عليهنّ في رؤية آبائهنّ لهنّ، ولم يذكر العم والخال؛ لأنهما يجريان مجرى الوالدين في الرؤية. وقد جاء في القرآن تسمية العم أبًا في قوله: (???????? ???????? ????????? ????????? ??????????? ???????????? ?????????????? ??????????? ???????? ????????)( )، فجعل العم أبًا"( ). واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في تبيين دلالة الآية والاحتجاج لها بآية أخرى من القرآن الكريم، فقال: "(لا جناح عليهن) أي: لا إثم عليهن في أنْ لا يحتجبنَ من هؤلاء، ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين، وقد جاءت تسمية العم أبًا. قال الله تعالى: (????????? ??????????? ???????????? ?????????????? ???????????) وإسماعيل عم يعقوب"( ). ت. في قوله تعالى: {?????? ?????????? ??? ????????? ?????????????} (الرحمن/14)، ذهب الزّجّاج إلى أنّ الصلصال والطين اللازب والحمأ المسنون ألفاظ ترجع إلى أصل واحد هو التراب الذي خُلِقَ منه أبونا آدم، فقال: "وقال في موضع آخر: (????? ???????????? ???? ????? ??????)( )، وقال: (????? ?????? ???????•?)( )، وقال: (???? ?????? ??????? ????? ???? ???????? ??????? ????????? ??? ???????)( ). وهذه الألفاظ التي قال الله عز وجل إنه خلق الإنسان منها مختلفة اللفظ وهي في المعنى راجعة إلى أصل واحد. فأصل الطين التراب. فأعلم الله- عزَّ وجلَّ- أنّه خلق آدم من تراب جُعِلَ طينًا ثم انتقل فصار كالحمإ ثم انتقل فصار صلصالاً كالفخار، والصلصال اليابس، فهذا كله أصله التراب وليس فيه شيء ينقض بعضه بعضًا"( ). وسار الزمخشريّ في ركاب أبي إسحاق الزّجّاج فأفاد من تبيينه دلالة الآية المذكورة آنفا ورفع اللبس الحاصل فيما بينها وبين نظائرها من الآيات التي اختلفت معها في اللفظ واتفقت معها في المعنى، فقال: "الصلصال: الطين اليابس له صلصلة. والفخار: الطين المطبوخ بالنار وهو الخزف. فإن قُلْتَ: قد اختلف التنزيل في هذا. وذلك قوله عز وجل (????? ?????? ???????•?)، (???? ????? ??????)، (??? ???????) ؟ قُلتُ: هو متفق في المعنى، ومفيد أنه خلقه من تراب: جعله طينا، ثمّ حمأً مسنونًا، ثم صلصالاً"( ). يتّضح مما تقدَّم اعتداد الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تبيين الدلالة اللغوية للآيات القرآنية جملة وتفصيلا؛ مما يدلّ على علو مكانة الزّجّاج العلمية ووثاقتها فانعكس ذلك على ضخامة الأثر بينهما وبروز معاني القرآن وإعرابه للزّجّاج كواحد من المصادر المهمة التي اعتمد عليها الزمخشريّ في تأليف كشّافه. ونظائر هذا الأثر كثيرة في الكشّاف( ). 2. أدلة الاحتجاج من الحديث الشريف: أ. في قوله تعالى: {???? ?????????? ????? ????????? ??????????? ????? ????????? ?????? ?????????? ???? ??? ????????} (سورة آل عمران/169-170)، بين الزّجّاج دلالة الآية الكريمة في أنَّ أرواح الشهداء تسرح في الجنة وتلذّ بنعيمها، واستدل على ذلك برواية بعضهم حديث النبي p بالمعنى أنَّ أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، فقال: "وقيل إنّ أرواحهم تسرح في الجنة وتلذ بنعيمها، فهم أحياء عند ربهم، قال بعضهم: أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، ثمّ تصير إلى قناديل تحت العرش"( ). وانتفع الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تبيين دلالة الآية وما استدلّ به من حديث رسول الله p ، فقال "وهو التوفيق في الشهادة وما ساق إليهم من الكرامة والتفضيل على غيرهم، من كونهم أحياء مقرّبين معجّلا لهم رزق الجنة ونعيمها، وعن النبي صلى الله عليه وسلم (لما أصيب إخوانكم بـ(أحد) جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر تدور في أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش)"( ). ب. في قوله تعالى: "{???????? ?????????? ?????????? ??????????? ????????????} (الإسراء/11)، أوضح الزّجّاج معنى الآية واحتجّ له بحديث نبوي شريف، فقال: "المعنى أنّ الإنسان ربّما دعا على نفسه وولده وأهله بالشرِّ غَضَبًا كما يدعو لنفسه بالخير، وهذا لم يُعَرَّ منه بشر. ويروى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى سودة بنت زَمْعة أسيرًا، فأقبل يئِنُّ بالليل، فقالت له: ما بالُك تئِنُّ؟ فشكا ألم القدِّ والأسر؛ فأرخت من كتافه، فلما نامت أخرج يده وهرب، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم دعا به فاُعْلِمَ شأنه، فقال: (اللهم اقطع يدها)، فرفعت سَودةُ يديها تتوقع الاستجابة، وأنْ يقطع الله يديها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإني سألتُ الله أن يجعل دعائي ولعنتي على من لا يستحق من أهلي رحمةً، فقولوا لها لأني بشر أغضب كما يغضب البشر، فلتردُدْ سودة يديها)"( ). واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في تبيين معنى الآية، والاحتجاج لها بالحديث النبوي الشريف، فقال: "أي: ويدعو الله عند غضبه بالشرِّ على نفسه وأهله وماله، كما يدعوه لهم بالخير (...) وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه دفع إلى سودة بنت زمعة أسيرًا، فأقبل يئِنّ بالليل، فقالت له: ما لك تئِنّ؟ فشكا ألم القدّ، فأرخت من كتافه، فلما نامت أخرج يده وهرب، فلما أصبح النبيّ صلى الله عليه وسلم دعا به فأعلم بشأنه، فقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم اقطع يديها) فرفعت سودة يديها تتوقع الإجابة، وأن يقطع الله يديها، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:(إني سألت الله أن يجعَل لعنتي ودعائي على من لا يستحق من أهلي رحمةً لأني بشر أغضب كما يغضب البشر فلتردّ سودة يديها)"( ). ت. في قوله تعالى: {???? ???????????? ?????????? ???? ?????•????} (سورة التكاثر/8)، استدلّ الزّجّاج بحديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في تبيين نعيم الدنيا فقال في تعيين دلالة الآية: "أي يوم القيامة، عن كل ما يتنعم به في الدنيا، وجاء في الحديث أن النبيّ عليه السلام أكل هو وجماعة من أصحابه تمرا- وروي بُسرًا- وشربوا عليه ماء فقال: (الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين)"( ). وانتفع الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تبيين دلالة الآية الكريمة والاستدلال لها بالحديث الشريف، فقال: "فأما من تمتع بنعمة الله وأرزاقه التي لم يخلقها إلا لعباده، وتقوّى بها على دراسة العلم والقيام بالعمل، وكان ناهضا بالشكر: فهو من ذاك بمعزل( ). وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى: أنه أكل هو وأصحابه تمرًا وشربوا عليه ماءً فقال: (الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين)"( ). مما تقدم يتضح جليًّا اقتفاء الزمخشريّ أثر الزّجّاج في تبيين الدلالة اللغوية للآيات القرآنية والاستدلال لها بالأحاديث النبوية الشريفة المروية باللفظ أو المعنى. وهو أثر للزّجّاج قد تكرر في غير موضع( ). 3. أدلة الاحتجاج من الشعر العربي الفصيح: سبقت الإشارة إلى أن ما تأثره الزمخشريّ عن الزّجّاج ممّا احتج به من الشعر العربي في تبيين دلالة الآيات القرآنية قد بلغ اثنين وخمسين شاهدًا شعريًا وهو أثر كبير الحجم لا يمكن استيفاؤه في بحث محدود، لذا سأجتزئ ببعض الأمثلة من هذا الأثر وأحيل على الأمثلة الأُخر في الحواشي. أ. في قوله تعالى: {??????? ???? ?????? ????? ?????? ????????} (سورة النساء/85) رجّح الزّجّاج دلالة المقيت على الحفيظ مستنداً إلى اشتقاقه من القوت وهو اسم ذلك الشيء الذي يحفظ نفسه، ولا فضل فيه على قدرة الحفظ، فقال: "قال بعضهم: المقيت القدير، وقال بعضهم: المقيت الحفيظ، وهو عندي- والله أعلم- بالحفيظ أشبه، لأنه من القوت مشتقٌ، يقال: قُتُّ الرجلَ أقوتهُ قوتًا إذا حفظتُ عليه نفسَه بما يقوته. والقوت اسم ذلك الشيء، الذي يحفَظ نفسه، ولا فضل فيه على قدرة الحِفْظ، فمعنى المقيت- والله أعلم- الحفيظ الذي يعطي الشيءَ قدر الحاجة من الحفظ، قال الشاعر: أَلِيَ الفضْلُ أمْ عليَّ إذا حُوسِبْتُ إِني عَلى الحسابِ مُقيتُ"( )
واعتدّ الزمخشريّ برأي الزّجّاج في تبيين دلالة المقيت بمعنى الحفيظ واحتجّ لها ببيت السموأل أيضاً، فقال: "(مقيتا) شهيدًا حفيظًا. وقال السموأل: أَلِيَ الفضْلُ أمْ عليَّ إذا حُو سِبْتُ إِني عَلى الحسابِ مُقيتُ
واشتقاقه من القوت لأنه يمسك النفس ويحفظها"( ). ب. في قوله تعالى: {???????? ??????? ?????? ?????? ??????????} (الأعراف/93)، بيّن الزّجّاج معنى الأسى واحتجّ له بالشعر، فقال: "معنى آسى أحزن. أي كيف يَشْتَدُّ حُزني. يقال: أَسِيتُ على الشيءِ آسي أسًى إذا اشتدّ حُزنُك عليه. قال الشاعر: وانْحَلَبت عَيْناهُ مِنْ فَرْطِ الأسَى"( ). وأفاد الزمخشريّ ممّا أورده الزّجّاج في تبيين دلالة الآية الكريمة المذكورة آنفًا والاحتجاج لها بقول العجاج، فقال: "الأسى: شدة الحزن. قال العجاج: وانْحَلَبت عَيْناهُ مِنْ فَرْطِ الأسَى اشتدّ حزنه على قومه ثمّ أنكر على نفسه فقال: فكيف يشتد حزني على قوم ليسوا بأهل للحزن عليهم"( ). ت. في قوله تعالى: {???????? ???????? ????? ????????? ????? ?????? ???????? ??????????? ?????????? ?????? ????? ??????????} (سورة يس/71)، بيّن الزّجّاج معنى (مالِكون) ورأى أنها بمعنى (ضابطون) واحتج له ببيت من الشعر، فقال: "معنى (مالكون)، ضابطون، لأنّ القصد ههنا إلى أنها ذليلةٌ لهم، ألا ترى إلى قوله (?????????????? ??????)، ومثله من الشعر: أصبحْتُ لا أحملُ السلاحَ ولا أملِكُ رأسَ البَعِيرِ إنْ نَفَرا
أي لا أضبط رأس البعير"( ). واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في تبيين دلالة الآية والاستدلال لها بالشعر من غير التصريح بنسبة ما نقله عنه إليه، فقال: "(?????? ????? ??????????) أي خلقناها لأجلهم فملكناها إيّاهم، فهم متصرفون فيها تصرف الملاَّك، مختصون بالانتفاع فيها لا يزاحمون. أو فهم لها ضابطون قاهرون، من قوله: أصبحْتُ لا أحملُ السلاحَ ولا أملِكُ رأسَ البَعِيرِ إنْ نَفَرا
أي لا أضبطه، وهو من جملة النعم الظاهرة"( ). ممّا تقدّم يتّضح جليًّا سير الزمخشريّ في ركاب الزّجّاج في تبيين دلالة الآيات القرآنية والاستلال لها بأدلة الاحتجاج من الشعر وهو أثر كبير قد تكررت نظائره في أكثر من خمسين موضعاً في الكشّاف( ). 4. أدلة الاحتجاج من النثر العربي الفصيح: أ. في قوله تعالى: {?????? ?????? ?????????} (سورة الفاتحة/4)، بيّن الزّجّاج المعنى اللغوي للآية الكريمة واحتج له بشاهد من النثر العربي الفصيح، فقال: "الدين: في اللغة الجزاء، يقال (كما تَدين تُدان)، والمعنى كما تعمل تعطى وتجازى"( ). واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في التبيين والاستدلال عندما عرض لدلالة الآية الكريمة نفسها، فقال: "ويوم الدين: يوم الجزاء. ومنه قولهم: (كما تدين تدان)"( ). ب. في قوله تعالى: {???????? ??????? ?????????? ????????? ????????? ? ???????????? ?? ????? ??????????????} (سورة الأنعام/45)، أوضح الزّجّاج الدلالة اللغوية في الآية الكريمة وساق شاهداً من كلام العرب الفصحاء للاستدلال لمعنى القطع، فقال: "حمِد الله عزّ وجلّ نفسه على أن قطع دابرهم، واستأصل شأفتهم، لأنه جلّ وعزّ أرسل إليهم الرسل وأنظرهم بعد كفرهم"( ). واعتدّ الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تبيين دلالة الآية والاحتجاج لها، فقال: "(???????? ??????? ??????????) آخرهم لم يُترك منهم أحد، قد استُؤصلت شأفتهم"( ). ت. في قوله تعالى {??????????????? ?????????? ?????????•????? •??? ??•?????} (سورة سبأ/19)، أوضح الزّجّاج دلالة الآية الكريمة، واستدل لرأيه بشاهد نثري فصيح، فضلاً عن بيت من الشعر، فقال: "أي: فرقناهم في البلاد لأنهم لما أذهب الله بجنتيهم وغرِقَ مكانُهم تبددوا في البلاد فصارت العرب تتمثل بهم في الفُرقة فتقول: تفرّقوا أيديَ سبأ، وأيادي سبأ... قال كثير: أيادي سَبَا، يَا عَزَّ ما كُنْتُ بَعْدَكُمْ فَلَمْ يَحْلُ للعينَيْنِ بَعْدَكِ مَنْظَرُ"( )
وانتفع الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تبيين دلالة الآية والاستدلال لها بالنثر والشعر معًا، فقال: "وفرقناهم تفريقا اتخذه الناس مثلاً مضروبًا، يقولون: ذهبوا أيدي سبأ. وتفرقوا أيادي سبأ. قال كثير: أيادي سَبَا، يَا عَزَّ ما كُنْتُ بَعْدَكُمْ فَلَمْ يَحْلُ بالعينَيْنِ بَعْدَكِ مَنْظَرُ"( )
يتضح مما تقدّم اعتداد الزمخشريّ بآراء الزّجّاج اللغوية في الحقل الدلالي وترديده أدلة الاحتجاج التي استدلّ بها الزّجّاج من النثر العربي الفصيح( )، لتبيين الدلالة اللغوية في الآيات القرآنية، وهو أثر واضح وجليّ يدلّ على سطوع نجم الزّجّاج وعلو شأنه بين علماء العربية في عصره، إذ أحاط بمختلف العلوم والآداب، فكان علمه موسوعياً، ممّا حدا بالزمخشريّ إلى اقتفاء أثره والاعتداد بآرائه عند تأليْفه (الكشّاف). المبحث الثالث الأثر والتأثر في الدلالة ومظاهرها جعل الزّجّاج المعنى والتفسير قسيم الإعراب، يتضح ذلك من تسمية كتابه بـ(معاني القرآن وإعرابه)، وفي ذلك يقول: "وإنما نذكر مع الإعراب المعنى والتفسير لأن كتاب الله ينبغي أن يُتَبَيَّنَ، ألا ترى أن الله يقول: {?????? ????????????? ?????????????}( ) فحُضِضْنا على التدبّر والنظر، ولكن لا ينبغي لأحد أن يتكلم إلاّ على مذهب اللغة، أو ما يوافق نقلة أهل العلم"( ). وقوله (أن يُتَبَيَّنَ) بمعنى أن تحلل كلماته ونصوصه لكي تبرز معانيه وتتّضح مقاصده ليفهمها الناس. ولعلّ هذا المنحى في التأليف والتفسير بما يوافق أسلوب العرب في كلامهم، وما نقله أهل العلم من تفسير بالمأثور، هو الذي دفع الزمخشريّ إلى أن يتخذ كتاب الزّجّاج صاحبًا وجليسًا عند تأليفه الكشّاف؛ فقد عظم الأثر الدلالي لكتاب الزّجّاج (معاني القرآن وإعرابه) عند الزمخشريّ في الكشّاف؛ إذ كان الزمخشريّ يتتبّع الزّجّاج في تبيينه معاني آيات القرآن الكريم ودلالات ألفاظه، سواء أكانت ألفاظاً منفردة أم كانت في سياق متصل من الآيات، وينقل آراءه وتفسيراته مصرّحًا بنسبتها إليه تارة، وغير مصرّحٍ تارةً أخرى، ومع إعجاب الزمخشريّ بعقلية الزّجّاج العلمية وتأثّره به، إلاّ أنه لم يُسلِّم بكل ما قاله من آراء، فقد ردّه في غير موضع، وكان ينقل عنه بعين المُحلِّل الناقد. وفيما يأتي تبيين ذلك الأثر في الحقل الدلاليّ: أولا: الأثر والتأثر في دلالة الألفاظ على معانيها: 1. الأثر والتأثر في المعنى: المعنى: لغةً: هو القصد والمُراد، يقال: (عنيت بالكلام كذا)، أي: فصدْت وعمَدْت. ويقال: عَنيتُ الشيءَ أعنيه إذا كنتُ قاصدًا له. وعنوانُ الكتاب مُشتق من المعنى( ). واصطلاحًا: هو الشيء الذي يفيده اللفظ كما يقال: (لم تَعْنِ هذه الأرض) أي: لم تُفِدْ( ). وبهذا يتّضح التلازم الكبير بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي لكلمة (المعنى)، إذ يدلّ كِلا المعنيين على تبيين المراد من الشيء وإظهاره. والمعنى عند الزّجّاج والزمخشريّ ومعظم اللغويين والمُفسّرين هو "ما يُفهم من اللفظ أو النص القرآني نتيجة تحليله وتفسيره لغويًا. والمعنى جمعه (معانٍ) وهو الاسم الذي اختاره النحويون لكتبهم في التفسير لقصدهم إلى تحليل [كلمات القرآن ونصوصه]( ) لإبراز معانيه ومقاصده وإفهامها الناس وهو المعنى اللغوي للمعنى"( ). وفيما يأتي تبيين لأثر الزّجّاج عند الزمخشريّ في تبيين المعنى: أولا: ما تأثره الزمخشريّ عن الزّجّاج في المعنى وصرّح بنسبته إليه: أ. في قوله تعالى {?????????????? ????????•????? ??????•??? ????????? ?????? ?????? ????????} (سورة سبأ/16)، بيَّن الزّجّاج معنى (الأُكُل) ومعنى (الخمط)، فقال: "ومعنى خمط: يقال لكل نَبْتٍ قد أخذ طعما من مرارة حتى لا يمكن أكله خمْطٌ. وفي كتاب الخليل الخمط شجر الأرَاك. وقد جاء في التفسير أنَّ الخمطَ الأراك وأكله ثمرهُ"( ). وانتفع الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تبيين دلالة الآية المذكورة آنفًا فقال: "الأكل: الثمر، والخمط: شجر الأرَاك. وعن أبي عبيدة: كل شجر ذي شوك. وقال الزّجّاج: كل نبت أخذ طعماً من مرارة، حتى لا يمكنُ أكْلُه"( ). يتّضح جليًّا تأثّر الزمخشريُّ الزّجّاج في تبيين معنى الأكل والخمط، وخير دليل على ذلك التأثّر نقله الحرفي لنص الزّجّاج وتصريحه بالنقل عنه لوثوقه بعلمه وارتضائه بما أورده من معنى نقلا عن أهل اللغة الثقات. ب. في قوله تعالى {??•??? ????? ????????? ???? ??????? ???????? ????????? ???????? ?????????? ?????? ????? ????????} (سورة محمد (ص)/16)، بيَّن الزّجّاج دلالة الآية الكريمة وفي سياقها المعنى اللغوي لكلمة (آنفًا)، فقال: "كانوا يسمعون خطبة النبي (صلى الله عليه وسلم) فإذا خرجوا سألوا أصحاب رسول الله استهزاء وإعلاما أنهم لم يلتفتوا إلى ما قال، فقالوا: ماذا قالَ آنفا؟ أي: ماذا قال الساعة؟ ومعنى (آنفا) من قولك استأنَفْتُ الشيءَ إذا ابتدأْتُه، وروضةٌ أُنُفٌ، إذا لم تُرْعَ بَعْدُ، أي لها أوَّلٌ يُرعى، فالمعنى ماذا قال مِنْ أوَّلِ وَقْتٍ يَقْرُبُ مِنَّا"( ). واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في تبيين دلالة الآية وتبيين المعنى اللغوي لكلمة (آنفًا)، فقال مصَرِّحًا بالنقل عن الزّجّاج: "هم المنافقون: كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمعون كلاما ولا يعونه ولا يلقون له بالاً تهاونًا منهم، فإذا خرجوا قالوا لأولي العلم من الصحابة ماذا قال الساعة؟ على جهة الاستهزاء... (آنفا) قال الزّجّاج: هو من استأنَفْتُ الشيءَ: إذا ابتدأتُه. والمعنى: ماذا قال في أوَّل وقتٍ يقرُب منا؟"( ). ت. في قوله تعالى {????? ????????? ?????? ????? ????????????? ????? ??????????? ?????????????} (سورة الممتحنة/11)، بعد أن ذكر الزّجّاج ما ورد في (فعاقبتم) من قراءات، شرع بتفسيرها وتبيين دلالتها اللغوية، فقال: "على فاعلتم، وقرئت (فَعَقَبْتُم)( ) بغير ألف وتخفيف القاف، وجاء في التفسير فَغَنِمْتُم، وتأويله في اللغة: كانت العقبى لكم، أي كانت العقبى والغلبة لكم حتى غنمتم. وعَقِبْتُم أجودها في اللغة، وفَعَقَبْتُم بالتخفيف جيد في اللغة أيضاً، أي صارت لكم عقبى الغلبة، إلا أنَّه بالتشديد أبلغ. ومعنى (فعاقبتم) أصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم"( ). وائتثر الزمخشريّ أبا اسحاق الزّجّاج في إيراد قراءات الآية وتفسيرها وتبيين دلالة (فعاقبتم)، فقال مُصرِّحًا بالنقل عن الزّجّاج: "وقُرِئ: فأعقبتم. فعقَّبتم بالتشديد. فَعَقَبتم بالتخفيف، بفتح القاف وكسرها، فمعنى أعقبتم: دخلتم في العقبة، وعقَّبتم: من عقبه إذا قفاه، لأن كل واحد من المتعاقبين يقفي صاحبه، وكذلك عقَبتم بالتخفيف، يقال: عقبه يعقبه. وعقبتم نحو تبعتم. وقال الزّجّاج: فعاقبتم أصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم، والذي ذهبت زوجته كان يُعطى من الغنيمة المهر، وفسَّر غيرها من القراءات فكانت العقبى لكم، أي: فكانت الغلبة لكم حتى غنمتم"( ). ث. في قوله تعالى {????? ??????? ??? ???????? ?•????? ???????? ????????????} (سورة الإنسان/10)، أوضح الزّجّاج دلالة الآية وبيَّن معنى القمطرير، فقال: "وقمطريرا، يقال: يوم قمطرير، ويوم قُماطر، إذا كان شديدًا غليظًا، وجاء في التفسير أن (قمطريرا) معناه تَعْبَسُ فيُجْمَعُ ما بين العينين، وهذا سائغ في اللغة، يقال: اقمطرَّت الناقَةُ إذا رفَعت ذنبها وجمعت قُطرَيها وزَمَّت بأنفها( )"( ). وأفاد الزمخشريّ من تبيين الزّجّاج لمعنى (القمطرير) الوارد في الآية المذكورة آنفًا، فنقله بالحرف مُصرِّحًا بنسبتهِ إليه، فقال: "والقمطرير: الشديد العبوس الذي يجمع ما بين عينيه، قال الزّجّاج: يقال: اقمطرَّت الناقَةُ: إذا رفَعت ذنبها وجمعت قُطرَيها وزَمَّت بأنفها"( ). ج. في قوله تعالى {??????? ?????? ???????? ???????????} (سورة الإنسان/18)، بيَّن الزّجّاج معنى السلسبيل في اللغة ورأى أنه اسم العين، فقال: "المعنى يُسْقَوْنَ عينًا، وسلسبيل اسم العين إلا أنه صُرِف لأنه رأس آية، وسلسبيل في اللغة صفةٌ لما كان في غاية السلاسة، فكأنَّ العين- والله أعلم- سُمِّيَتْ بصفتها"( ). وانتفع الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تبيين دلالة السلسلبيل اللغوية، ونقل عنه بالحرف وصرّح بنسبة ما نقله عنه إليه، فقال: "و(سلسبيلا) لسلاسة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها، يعني: أنها في طعم الزنجبيل وليس فيها لذعة، ولكن نقيض اللذع وهو السلاسة. يقال: شراب سلسل وسلسال وسلسبيل، وقد زيدت الباء في التركيب حتى صارت الكلمة خماسية. ودلّت على غاية السلاسة. قال الزّجّاج: السلسبيل في اللغة: صفةٌ لما كان في غاية السلاسة"( ). ويتّضح ممّا تقدّم أنَّ الزّجّاج قد سلك سُبلاً كثيرة في تبيين معاني الألفاظ ودلالاتها بالاستناد إلى ما قاله الثقات من علماء العربية تارةً، وباجتهاده هو تارةً أخرى، من أجل بلوغ مرماه في الوصول بالألفاظ إلى الإيضاح والإظهار خدمةً لكتاب الله جلَّ وعلا. وقد مرَّ بنا تعقّب الزمخشريّ معظم آراء الزّجّاج وتوجيهاته وتبنّيها والاعتداد بها والتصريح بنسبتها إليه، وهو ما يدلُّ على فطنة الزّجّاج ونبوغه وسعة علمه ووفرة محصوله، ممّا حدا بالزمخشريّ إلى أن يتّخذ كتابه عماداً عند تأليفه الكشّاف. ثانيًا: ما تأثّره الزمخشريّ عن الزّجّاج في المعنى ولم يُصرِّح بنسبته إليه: أ. في قوله تعالى {???? ??????????? ?? ????????? ????????? ???????????} (سورة البقرة/22)، أوضح الزجّاج دلالة (الندّ) في اللغة أثناء تبيينه الدلالة اللغوية للآية الكريمة، واحتجّ لمذهبه ببيت من الشعر، فقال: "هذا احتجاج عليهم لإقرارهم بأنه الله خالقُهم، فقيل لهم لا تجعلوا لله أمثالاً وأنتم تعلمون أنَّهم لا يخلُقون- والله الخالقُ- وفي اللغة فلان ندُّ فلانٍ، ونديدُ فلانٍ. قال جرير: أتيمًا تجعلونَ إليَّ نِدًّا وما تيمٌ لِذِي حَسَبٍ نديد( )
فهذه الآية والتي قبلها احتجاج عليهم في تثبيت توحيد الله عزّ وجل"( ). وائتثر الزمخشريّ أبا إسحاق الزّجّاج في التفسير والتبيين والاستدلال، فقال في تفسير الآية نفسها: "أي: اعبدوا ربّكم فلا تجعلوا له (أندادًا) لأن أصل العبادة وأساسها التوحيد، وأن لا يُجعَلَ لله ندّ ولا شريك... والند: المثل. ولا يقال إلا للمثل المخالف المناوئ. قال جرير: أتيمًا تجعلونَ إليَّ نِدًّا ... البيت"( ).
ب. في قوله تعالى {???? ??????? ???????? ?????? ?????????? ?????????} (سورة المائدة/13)، بيَّن الزّجّاج الدلالة اللغوية للآية، وعدَّ (خائنة) اسم مصدر في معنى خيانة، أو وصف لرجل على المبالغة، أو وصف لمحذوف تقديره (فرقة)، فقال: "خائنة في معنى خيانة، المعنى: لا تزال تطلع على خيانة منهم، وفاعلة في أسماء المصادر كثيرة، نحو عافاهُ الله عافية، وقوله [تعالى]: (????????????? ??????????????)( )، وقد يقال رجل خائنة، قال الشاعر( ): حدَّثْتَ نفسك بالوفاء ولم تكن للغدرِ، خائنةً مُغِلَّ الإِصبَع
قال خائنة على المبالغة لأنه يخاطب رجلاً، يقول: لا تحمِلنّ فتَغْلُلْ اِصبَعَكَ في المتاع فتُدخِلُها للخيانة، (ومُغِل يَدَك مِن خائنةٍ) ويجوز أن يكون- والله أعلم- على خائنة أنْ على فِرْقَةٍ خائنةٍ"( ). واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في تبيين معنى الآية وفي سياقها كلمة (خائنة)، فنقل ما وجهه الزّجّاج من غير الإشارة إليه، فقال: "(على خائنةٍ) على خيانةٍ، أو على فعلة ذات خيانة، أو على نفس، أو فرقة خائنةٍ. ويقال: رجل خائنة، فقولهم: رجل راوية للشعر للمبالغة. قال: حدَّثْتَ نفسك بالوفاء ولم تكن للغدرِ، خائنةً... البيت"( ).
ت. في قوله تعالى {???????? ????? ????? ???????????? ??????? ??????????} (سورة النحل/72)، أورد الزّجّاج ما اختلف فيه المفسّرون في تفسير (الحفدة)، وبيَّن حقيقة هذه المفردة في اللغة واحتجَّ لها من الشعر الفصيح، فقال: "اختلف الناس في تفسير الحفدة، فقيل: الأولاد، وقيل البنات، وقيل: الأختان، وقيل: الأصهار، وقيل: الأعوان. وحقيقة هذا أن الله عزّ وجلّ جعل من الأزواج بنينَ وَمَنْ يعاونُ على ما يحتاج إليه بسرعةٍ وطاعةٍ، يقال: حَفَدَ يَحْفِدُ حَفْدًا وحَفَدا وحَفَدَانًا إذا أسرع. قال الشاعر: حفَد الولائدُ بينهُنَّ وأسلمَتْ بأكفِّهِنَّ أَزِمَّةُ الأجمالِ( )
معناه: أسرعوا في الخدمة"( ). وانتفع الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تبيين معنى (الحفدة)، وما احتجَّ به من شعر للاستدلال عليها في اللغة، فضلاً عمّا رواه عن أهل التفسير، غير أنه أغفل نسبة ما نقله عن الزّجّاج إليه، فقال: "والحفدة: جمع حافد، وهو الذي يحفد، أي يسرع في الطاعة والخدمة. ومنه قول القانت: وإليك نسعى ونحفد. وقال: حفَد الولائدُ بينهُنَّ وأسلمَتْ بأكفِّهِنَّ... البيت
واختف فيهم فقيل: هم الأختان على البنات. وقيل: أولاد ألأولاد. وقيل: أولاد المرأة من الزوج الأول. وقيل: المعنى: وجعل لكم حفدة، أي خدمًا يحفدون في مصالحكم ويعينونكم، ويجوز أن يُراد بالحفدة: البنون أنفسهم"( ). ث. في قوله تعالى {??????? ?????? ??????? ???????} (سورة القلم/13)، أوضح الزّجّاج الدلالة اللغوية للآية وفي سياقها معنى (العتل والزنيم)، واحتجّ له من الشعر، فقال: "جاء في التفسير أن (العُتُلّ) ههنا الشديد الخصومة، وجاء في التفسير أنه الجافي الخُلق اللئيم الضريبة، وهو في اللغة الغليظ الجافي. والزنيم جاء في اللغة أنه الملزق في القوم وليس منهم، قال حسان بن ثابت الأنصاري: وأنتَ زنيمٌ نِيطَ في آل هاشمٍ كما نيطَ خَلْفَ الرَّاكِبِ القَدَحُ الفَرْدُ( )
وقيل إنَّ الزنيم الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها، والزنمتان المعلقتان عند حلوق المِعزى"( ). واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في تبيين دلالة (العتل والزنيم)، والاحتجاج له بقول حسان، غير أنه أغفل نسبة ما نقله عنه إليه، فقال: "(عتّل) غليظ جاف، من عتله: إذا قاده بعنف وغلظة... (زنيم) دعيّ. قال حسان: وأنتَ زنيمٌ نِيطَ في آل هاشمٍ ... البيت"( ).
ج. في قوله تعالى {????????? ??????? ?????????? ?????????} (سورة العاديات/8)، بيَّن الزّجّاج الدلالة اللغوية للآية وفي سياقها معنى (لشديد)، واحتجَّ له ببيت طرفة بن العبد، فقال: "معنى (لشديد) لبخيلٌ، أي: وإنّه من أجل حُبِّ المال لبخيل، قال طرفة( ): أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدِّدِ"( )
وأفاد الزمخشريّ ممّا أوردهُ الزّجّاج في تبيين معنى (لشديد)، واعتدَّ به فأودعه تفسير الكشّاف عند تفسيره الآية الكريمة نفسها، لكنّه أغفل نسبة ما تأثّره عن الزّجّاج إليه، فقال: "والشديد: البخيل الممسك. يقال: فلان شديد ومتشدد. قال طرفة: أرى الموتَ يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مالِ الفاحش المتشددِ
يعني: وإنه لأجل حب المال وأن إنفاقه يثقل عليه: لبخيل ممسك"( ). ممّا تقدّم، يتّضح جليًّا تأثّر الزمخشريُّ الزّجّاجَ وسيره في ركابه في تبيين الدلالة اللغوية للآيات القرآنية، وتبيين معاني المفردات منها، ونقلهُ لما أورده الزّجّاج بالنص أو بالمعنى، مع الاستدلال له بما ساقه الزّجّاج من شواهد، وهو أثر للزّجّاج بيِّنٌ يكشف عن عالميّته وألمعيّته وحقّه في أن يكون له نصيب ممّا حقّقه الزمخشريّ من شهرة وذيوع. وقد تكررت نظائر هذا الأثر في غير موضع من الكشّاف( ). 2. الأثر والتأثر في التفسير: التفسير لغةً: من الفسر وهو البيان من قوله فسَّر الشيءَ يفسِره ويفسُره فسْرًا، وفسَّره أبانه. والتفسير في الأصل هو الكشف والإظهار( ). واصطلاحًا: هو كشف المراد من اللفظ المُشكِل بتوضيح معنى الآية وشأنها وقصّتها والسبب الذي نزلت فيه بلفظ يدلّ عليه دلالة ظاهرة( ). أو هو "اللفظ المجمل إذا لحقه البيان بدليل قطعي يسمَِّى مفسَّرًا"( ). واعتدَّ الزّجّاج بالتفسير بمعنَييْه اللغوي والاصطلاحي في تبيين دلالة الآيات القرآنية بالتفسير بالمأثور عن أهل التفسير وأهل اللغة، فضلاً عن بيان المراد من لفظةٍ أو آيةٍ معيّنةٍ، للوقوف على دلالتها، وهو ما تعنيه مفردة (التفسير) بمعناها المصدري( ). ولعلَّ هذا الأسلوب في التفسير قد أعجب أبا القاسم الزمخشريّ واستهواه، فعمد إليه واقتفى أثر الزّجّاج فيه، فنتج عنه تأثّر كبير في تفسير الآيات القرآنية ستُفصح عنه السطور اللاحقة: أولا: ما تأثّره الزمخشريّ عن الزّجّاج في التفسير وصرّح بنسبته إليه: أ. في قوله تعالى {???????? ?????????? ?????} (سورة مريم/59)، فسَّر الزّجّاج معنى (الغيّ) الوارد في الآية الكريمة، واستعان بما جاء في كتب التفسير في تبيين دلالته، فقال: "أي: فسوف يلقون مُجازاة الغيّ كما قال عزّ وجل: (????? ???????? ??????? ?????? ????????)( ) أي مجازاة الآثام. وجاء في التفسير أنّ (غيًّا) وادٍ في جهنم، وقيل: نهر في جهنم، وهذا جائز أن يكون نهرًا أُعِدَّ للغاوين فسُمِّيَ غيًّا"( ). وانتفع الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تفسير الآية الكريمة وفي سياقها مفردة (الغيّ)، وأفاد ممّا استدلَّ به الزّجّاج من أدلّة الاحتجاج، فقال مُصرِّحًا بنسبة ما نقلهُ عنه إليه: "كلّ شرٍّ عند العرب: غيّ، وكلّ خير: رشاد (...) وعن الزّجّاج: جزاء غيّ، كقوله تعالى (?????? ????????) أي: مجازاة أثام. أو غيًّا عن طريق الجنة، وقيل: (غيّ) وادٍ في جهنم تستعيذ منه أوديتها"( ). ب. في قوله تعالى {??•??? ?? ??????? ???? ?????????? ????????? ???? ??????? ??? ????????} (سورة القصص/56). ذكر الزّجاج إجماعَ المفسّرين أنَّ هذه الآية نزلت في أبي طالب، وجوَّز أن تكون عامّة، فقال: "أجمع المفسرون أنها نزلت في أبي طالب، وجائز أن يكون ابتداء نزولها في أبي طالب وهي عامة؛ لأنه لا يهدي إلا الله، ولا يُرشِدُ ولا يوفق إلا هو، وكذلك هو يُظِلُّ من يشاء"( ). واعتدَّ الزمخشريّ بما أوردهُ الزّجّاج في تفسير ألآية المذكورة آنفًا بالمأثور، وصرَّح بنسبة ما نقلهُ عن الزّجّاج في تفسيرها إليه، فقال: "(?? ??????? ???? ??????????) لا تقدر أن تُدخل في الإسلام كل مَنْ أحببت أن يدخل فيه من قومك وغيرهم، (...) وقال الزّجّاج: أجمع المسلمون أنها نزلت في أبي طالب، وذلك أنّ أبا طالب قال عند موته: يا معشر بني هاشم، أطيعوا محمدًا وصدِّقوه تفلحوا وتُرشدوا"( ). ت. في قوله تعالى {?????? ??????? ?????????? ?????????? ???? ?????????? ?????? ???????? ????????} (سورة الروم/27). أجملَ الزّجّاج ما ورد في تفسير الآية من أقوال واستحسن واحدًا منها، فقال: "فيه غير قول، فمنها أنَّ الهاء تعود على الخلق، فالمعنى الإعادة والبعث أهون على الإنسان من إنشائه، لأنه يُقاسي في النَّشْء ما لا يُقاسيه في الإعادة والبعث. وقال أبو عبيدة وكثير من أهل اللغة: إنَّ معناه: وهو هيِّنٌ عليه، وإنَّ (أهون) ههنا ليس معناه أنّ الإعادة أهون عليه من الابتداء، لأنّ الإعادة والابتداء كُلُّ سهلٌ عليه (...) وأَحسنُ من هذين الوجهين أنّه خاطب العباد بما يعقلون فأعلمهم أنّه يجب عندهم أنْ يكون البعث أسهلُ وأهون من الابتداء والإنشاء، وجعلهُ مثلاً لهم( )، فقال: (?????? ?????????? ?????????? ??? ????????????? ??????????). أي: قوله (?????? ???????? ????????) قد ضربه لكم مثلاً فيما يصعب ويسهل"( ). وأفاد الزمخشريّ ممّا أوردهُ الزّجّاج من تفسير بالمأثور، ونسب الوجه الذي استحسنهُ الزّجّاج إليه، فقال: "(?????? ???????? ????????) فيما يجب عندكم وينقاس على أصولكم ويقتضيه معقولكم؛ لأن مَنْ أعاد منكم صنعة شيء كانت أسهل عليه وأهون من إنشائها (...) وقال الزّجّاج: (?????? ?????????? ?????????? ??? ????????????? ??????????). أي: قوله (?????? ???????? ????????) قد ضربه لكم مثلاً فيما يصعب ويسهل"( ). ث. في قوله تعالى {?????? ?????? ????????? ??????? ?•? ?????????} (يس/57)، فسَّر الزّجّاج قوله تعالى (ما يدَّعون) بأنَّه مأخوذ من الدعاء مع إفادته معنى التمنّي، فقال: "أي: ما يَتَمَنَّوْنَ، يقال: فلان في خَيْرِ مَا ادَّعَى، أي: ما تمنَّى، وهو مأخوذ من الدعاء. المعنى كل ما يدعو أهلُ الجنَّةِ يأتيهمْ"( ). واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في تفسير الآية الكريمة وبيان دلالة (يدَّعون)، مصرِّحًا بنسبة ما نقلهُ عن الزّجّاج إليه، فقال: "(يدَّعون) يفتعلون من الدعاء، أي: يدَّعون به لأنفسهم (...) ويجوز أنْ يكون بمعنى يتداعونه، كقولك: ارتموه، وتراموه. وقيل: يتمنَّوْن، من قولهم: اِدِّعِ عليَّ ما شئتَ، بمعنى تمنَّ عليَّ، وفلان في خيرِ ما اِدَّعى، أي: في خير ما تمنَّى. قال الزّجّاج: هو من الدعاء، أي ما يدعو أهلُ الجنَّةِ يأتيهمْ"( ). ج. في قوله تعالى {???? ?????????? ????????????} (سورة البلد/11)، أوضح الزّجّاج معنى الآية الكريمة مُفسّرًا (العقبة)، ومُستدلاً لتفسيره بالقرآن، فقال: "المعنى: فلن يقتحم العقبة كما قال: (???? ?????? ???? ??????)( )، ولم يذكر (لا) إلا مرّة واحدةً، وقلَّما يتكلم العرب في مثل هذا المكان إلا بـ(لا) مرتين أو أكثر، لا تكاد تقول لا حيَّيْتَنِي، تريد: ما حيَّيتني، فإنْ قلْتَ: لا حيَّيْتني ولا زُرْتني صَلَح. والمعنى في (???? ?????????? ????????????) موجود أنّ (لا) ثانية كأنَّها في الكلام، لأنَّ قول: (??? ????? ???? ????????? ??????????)( ) تدلُّ على معنى فلا أقتحم العقبة ولا آمنَ"( ). وائتثرَ الزمخشريُّ أبا إسحاق الزّجّاج فيما أوردهُ في تفسير الآية الكريمة، وما استدلَّ به من شواهد القرآن الكريم وصرَّح بنسبة ما نقله عن الزّجّاج إليه مستعملاً أسلوبه المشهور في التفسير، وهو المناظرة المُتخيّلة (الفنقلة)، فقال: "فإنْ قُلْتَ: قلما تقع (لا) الداخلة على الماضي إلا مكررة، ونحو قوله: * فأيُّ أَمْرٍ سيِّئٍ لاَ فَعَلَه * لا يكاد يقع، فما لها لم تكرر في الكلام الأفصح؟ قُلْتُ: هي متكررة في المعنى؛ لأنَّ معنى (???? ?????????? ????????????) فلا فك رقبة، ولا أطعم مسكينًا. ألا ترى أنَّه فسَّر اقتحام العقبة بذلك. وقال الزّجّاج قوله (??? ????? ???? ????????? ??????????) يدلُّ على معنى: (???? ?????????? ????????????)، ولا آمنَ"( ). نخلص ممّا تقدَّم إلى أنَّ الزمخشريّ قد اغترف من معين الزّجّاج العذب الشيء الكثير في التفسير والتبيين والاستدلال، وكان معجبًا بشخصية الزّجّاج العلمية، إذ أشار في كل قطف مرَّ بنا إلى بُستان الزّجّاج النظر، لعمري إنَّ تأثّر الزمخشريّ أبا إسحاق الزّجّاج كان كبيرًا جدًا ولاسيما في الحقل الدلالي، وهذا ما يدعو الباحثين إلى إنعام النظر في محصول علمائنا الأجلاء، وإنصاف السالفين من الخالفين. ثانيًا: ما تأثَّرهُ الزمخشريّ عن الزّجّاج في التفسير ولم يُصرِّح بنسبه إليه: أ. في قوله تعالى {??????????? ???????? ?????????????? ??} (سورة البقرة/196). بعد أن وجّه دلالة (العمرة)( ) في حالتي الرفع والنصب، فسَّر الزّجّاج الآية بالمأثور، فقال: "يجوز في (العمرة) النصب والرفع: والمعنى في النصب أتموهما، والمعنى في الرفع وأتموا الحج، والعُمرةُ لله، أي هي ما تتقربون به إلى الله عزَّ وجل وليس بفرض (...) يروى عن علي وابن مسعود (رحمة الله عليهما) أنهما قالا: إتمامهما أن تُحرم من دويرة أهلك، ويروى عن غيرهما أنه قال إتمامهما أن تكون النفقة حلالاً. وينتهي عما نهى الله عنه"( ). وأفاد الزمخشريّ ممّا أورده الزّجّاج في تفسير هذه الآية الكريمة بالمأثور، فقال: "ائتوا بهما تامين كاملين بمناسكهما وشرائطهما لوجه الله من غير توانٍ ولا نقصان يقع منكم فيها (...) وقيل: إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، روى ذلك عن علي وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم. وقيل: أنَّ تُفرد لكل واحد منهما سفراً كما قال محمد: حجة كوفية وعمرة كوفية أفضل. وقيل: أن تكون النفقة حلالاً"( ). ب. في قوله تعالى {??????? ??????? ??????????? ??? ??????? ?????????????? ????????? ????????? ?????? ??? ???????????} (سورة يوسف/21)، أوضح الزّجّاج دلالة الآية الكريمة واستعان بما أُثِرَ عن العرب في أفرس الناس، فقال: "(مثواه): مقامه. المعنى أحسني إليه في طول مقامه عندنا. ويروى أنَّ أفرس الناس ثلاثة، وأنَّ أجودهم فراسةً العزيز في فراسته في يوسف، وابنة شُعيب في فراستها في موسى حين قالت: (?????????? ?????????????? ? ???? ?????? ???? ?????????????? ?????????? ?????????)( ) وأبو بكر في توليته عمرَ الخلافة بعدَه"( ). واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في تفسير الآية الكريمة، والاستدلال لها بما ساقه الزّجّاج من قول مأثور وفيه شاهد قرآني، لكنّه أغفل نسبة ما تأثّرهُ عنه إليه، فقال: "(????????? ?????????) اجعلي منزلهُ ومقامهُ عندنا كريمًا، أي حسِنًا مرضيًّا (...). وقيل: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرَّس في يوسف، فقال لامرأته (????????? ????????? ?????? ??? ???????????)، والمرأة التي أتت موسى وقالت لأبيها (?????????? ??????????????)، وأبو بكر حين استخلف عمر رضي الله عنهما"( ). ت. في قوله تعالى: {?????? ??????? ?????? ???????? ?????•?????? ???????? ??????? ??????? ??? ????????} (سورة الفرقان/62)، فسَّر الزّجّاج معنى الآية الكريمة وفي سياقها لفظة (خلفة)، واستدلَّ لتفسيره بآية وحديث، فقال: "فال الحسن: مَنْ فاته عَمَله مِنَ التذكُّرِ والشكر بالنهار كان له في الليل مُستعتَبٌ، ومَنْ فاتَهُ بالليل كان له في النهار مُستعتَبٌ. وقال أهل اللغة: (خِلفة) يجيء هذا في اثر هذا (...) وجاء أيضاً في التفسير (خِلفة) مختلفان كما قال الله عزَّ وجل (???? ??? ?????? ????????????? ?????????? ????????????? ???????? ?????•?????? ??????? ???????? ???????????)( )"( ). وانتفع الزمخشريّ بما أوردهُ الزّجّاج في تفسير الآية الكريمة والاستدلال لها من القرآن والحديث، فقال: "الخلفة من خلف، كالركبة من ركب: وهي الحالة التي يخلف عليها الليل والنهار كل واحد منهما الآخر. والمعنى: جعلهما ذوي خِلفة أي: ذوي عقبة، أي: يعقب هذا ذاك وذاك هذا. ويقال الليل والنهار يختلفان، كما يقال يعتقبان، ومنه قوله (????????????? ???????? ?????•??????). (...) وعن الحسن رضي الله عنه: مَنْ فاته عمله من التذكر والشكر بالنهار كان له في الليل مستعتب، ومَنْ فاته بالليل: كان له في النهار مستعتب"( ). ث. في قوله تعالى: {???????? ??????? ??? ?????? ????? ?????? ???????? ???????? ??????? ??? ???•????} (سورة ص/61) فسَّر الزّجّاج معنى (الضعف) في الآية الكريمة، واستدلّ له بشاهد من القرآن الكريم، فقال: "أي: زِدْهُ على عذابه عذابا آخر. ودليل هذا قوله تعالى (?????????? ???????? ?????? ????????? ?????????? ??????????????? ???????????? ??????????? ???? ???????? ????????? ??????????)( ). ومعنى ضعفين: معنى فزده عذابا ضِعفا"( ). واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في التفسير والاستدلال، فقال في تفسير الآية نفسها: "(???????? ???????? ???????) أي مضاعفا ومعناه: ذا ضعف (...) وهو أن يزيد عذابه مثله فيصير ضعفين، كقوله عز وجل (???????? ????????? ?????????? ???? ???????????)"( ). ج. في قوله تعالى {??????????????? ????????? ??????????} (سورة المسد/4)، فسَّر الزّجّاج الآية الكريمة وفي سياقها (حمَّالة الحطب) التي عدَّها كناية عن المرأة التي تمشي بالنميمة بين الناس، فقال: "وجاء في التفسير حمالة الحطب أنها أم جميل وأنها كانت تمشي بالنميمة قال الشاعر: مِنَ البِيضِ لمْ تَصْطَدْ عَلَى ظَهْرِ لامَةٍ ولم تُمسِ بَيْنَ الحيِّ بالحطب الجَزْل( )
أي بالنميمة. وقيل إنها كانت تحمل الشوك، شوك العضاة فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه"( ). وانتفع الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تفسير الآية الكريمة من تفسير بالمأثور واستدلال بالشعر، فقال من غير التصريح بنسبة ما نقله عن الزّجّاج إليه: "(وامرأته) هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعدان فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: كانت تمشي بالنميمة: ويقال للمشاء بالنمائم المفسد بين الناس: يحمل الحطب بينهم، أي يوقد بينهم النائرة ويورث الشر. قال: مِنَ البِيضِ لمْ تَصْطَدْ عَلَى ظَهْرِ لامَةٍ ولم تُمشِ بَيْنَ الحيِّ بالحطب الرَّطبِ
جعله رطبا ليدل على التدخين الذي هو زيادة في الشر"( ). يتّضح ممّا تقدّم أنَّ الزمخشريّ قد اعتدَّ بما أورده الزّجّاج في تفسير الآيات القرآنية من تفسير بالمأثور واستدلال بشواهد من القرآن والحديث والشعر، غير أنَّه أغفل نسبة ما تأثره عن الزّجّاج إليه، وقد كررت نظائر هذا الأثر في التفسير في غير موضع من الكشّاف( ). ثانيًا: الأثر والتأثّر في الظواهر الدلالية: 1. في الأضداد: الأضداد: مصطلح يُطلق على الألفاظ التي تنصرف إلى معنيين متضادين، كما حدَّها أبو الطيب اللغوي (351هـ) بقوله: "الأضداد: جمع ضد، وضد كل شيء ما نافاه نحو البياض والسواد، والسخاء والبخل، والشجاعة والجبن، وليس كل ما خالف الشيء ضدًّا له. ألا ترى أن القوة والجهل مختلفان، وليسا ضدَّيْن، وإنما ضدّ القوة الضعف وضد الجهل العلم، فالاختلاف أهم من التضاد، إذ كان كل متضادين مختلفين، وليس كل مختلفين متضادين"( ). يتّضح من هذا التعريف أنَّ التقابل بين المعنيين في اللفظ الواحد شرطٌ لعدِّهما من الأضداد، وبهذا تخرج من حيِّز الأضداد الألفاظ التي تتقابل فيها المعاني من غير أن يتحد اللفظ، كالسواد والبياض، والموت والحياة، والليل والنهار. وقد تابَع الشريف الجرجاني (816هـ) أبا الطيب اللغوي في تعريف (التضاد والضد) فقال: "يطلقان على معنيين: أحدهما عند الجمهور الضدّ يقال: عند الجمهور على موجود في الخارج مساوٍ بالقوة لموجود في الآخر في الموضوع معاقب له. أي: إذا قام أحدُهما بالموضوع لم يقم الآخر به"( ). وعدَّ ابن فارس (395هـ) الأضداد سُنَّةً من سنن العرب في الأسماء، فقال: "ومن سنن العرب في الأسماء أن يسمّوا المتضادين باسم واحد، نحو: (الجَوْن) للأسود، و(الجَوْن) للأبيض"( ). واقتفاه الثعالبي (429هـ)، فجعل تسمية المتضادَّين باسم واحد من سنن العرب المشهورة أيضاً، فقال: "هي من سنن العرب المشهورة، كقولهم: الجون للأبيض والأسود. والقروء للإطهار والحيض. والصريم لِلَّيل والنهار. والخيلولة للشك واليقين"( ). والزّجّاج- كما يبدو في كتابه- مُقِرٌّ بوجود ظاهرة التضاد في كلام العرب، إلا أنه مُنكر لأصالة الضدية فيه، بدليل إرجاعها إلى عوامل، منها التطور اللغوي أو التقابل في الألفاظ أو على سبيل التفاؤل، أو إرجاعها إلى اللهجات( ). ولهذا أجده يورد المعنيين المتضادين للفظة واحدة مع عدم التصريح بضدّيتهما؛ ولعلّه رأى أن انصراف اللفظة الواحدة إلى المعنى وإلى ضدّه في الوقت نفسه منوط بتحقيق الإبانة في الكلام واتّضاح دلالته عن طريق القرائن السياقية المختلفة اللفظية والحالية والعقلية. وقد ارتضى الزمخشريّ منهج الزّجّاج المذكور آنفاً في رصده هذه الظاهرة، واقتفاه في إيراد المعنيين المتضادين للفظة الواحدة من غير الإشارة إلى ضدّيتهما، كأنّه ترك ذلك للقارئ يكتشفه بنفسه، إلا في موضع واحد صرّح فيه بكونهما من الأضداد، وفيما يأتي تبيين أثر السابق في اللاحق: أ. في قوله تعالى: {????????? ????????? ???????????? ?????????? ????????????} (سورة النساء/74)، أوضح الزّجّاج دلالة الآية وفي سياقها لفظ (يشرون) التي فسَّرها بمعنى البيع والشراء، من غير الإشارة إلى أنهما من الأضداد، فقال: "أي: يبيعون، يقال: شرَيْتُ بمعنى بِعْتُ، وشرَيْتُ بمعنى اشتريْتُ، قال يزيد بن مفَرِّغ: وشرَيْتُ بُرْدًا ليتني مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هامَهْ( )
بُرْدٌ غلامُه، وشريته بِعتُه"( ). واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في تبيين دلالة (يشترون) والاستدلال لها ببيت يزيد بن مُفَرِّغ، فقال: "(يشرون) بمعنى يشترون ويبيعون، قال ابن مفرغ: وشرَيْتُ بُرْدًا ليتني مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هامَهْ
فالذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة هم المبطِئون، وعظوا بأن يغيّروا ما بهم من النفاق ويخلصوا الإيمان بالله ورسوله، ويجاهدوا في سبيل الله حق الجهاد، والذين يبيعون هم المؤمنون الذين يستحبون الآجلة على العاجلة ويستبدلونها بها"( ). يتّضح ممّا تقدّم سير الزمخشريّ في ركاب أبي إسحاق الزّجّاج في إيراد المعنيين المتضادّين والاستدلال لهما من الشعر دون الإشارة إلى أنهما من الأضداد، وهو أثر كررت نظائره في غير موضع من الكتابين، منه على سبيل التمثيل لا الحصر: البلاء( ) بمعنى النعمة والمحنة، والقُرْء( ) بمعنى الحيض والطهر، وعسعس( ) بمعنى أول الليل وآخره. ب. في قوله تعالى: {??????????? ???????•???? ????? ???????? ???????????} (سورة سبأ/33)، أوضح الزّجّاج معنى الآية الكريمة، فقال: "أسَرُّها بينهم. أقبل بعضهم يلوم بَعْضًا، ويعرِّف بعضُهم بعضًا الندامةَ"( ). ويُفهم من كلام الزّجّاج أنَّ إسرارهم الندامة بمعنى كتمانهم لها، وإظهارهم إيَّاها، فهي من الأضداد، غير أنّه لم يصرِّح بذلك، واكتفى بإيراد المعنى وضدّه. لكن الزمخشريّ ذكر ما أورده الزّجّاج في تبيين دلالتها، وصرَّح بكونها من الأضداد، فقال: "أسرُّوا الكلام بذلك بينهم. وقيل أسرُّوا الندامة أظهروها، وهو من الأضداد"( ).
2. في الترادف: الترادف لغةً: "هو تتابع شيء خلف شيء آخر، وكل شيء تبِعَ شيئا، فهو رِدُفُه. وترادف الشيء: تبع بعضه بعضا"( ). الترادف اصطلاحًا: "دلالة عدّة كلمات مختلفة ومنفردة على المسمَّى الواحد أو المعنى الواحد دلالة واحدة، أو هو الاتحاد بالمفهوم بتوالي الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد"( ). وقد لفت الشريف الجرجاني للعلاقة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي للترادف، فقال: "ما كان معناه واحدًا وأسماؤه كثيرة، وهو ضد المشترك أخذا من الترادف الذي هو ركوب أحد خلف آخر. كأنَّ المعنى ركوب، واللفظين راكبان عليه كالليث والأسد"( ). وقد أقر معظم علماء العربية القدماء بوجود الترادف في اللغة العربية، وإنْ كان بعضهم قد غالى فيه فجعل للأسد نحو (500) كلمة، وللثعبان نحو (200) كلمة، وللداهية نحو (400) كلمة، وللعسل نحو (80) كلمة، وللسيف نحو (50) كلمة( ). غير أنَّ عددًا آخر من علماء العربية أنكروا هذه الظاهرة وراحوا يلتمسون فروقًا في الدلالة ومنهم أبو العباس ثعلب وأبو علي الفارسي وابن فارس وأبو هلال العسكري فقد ذهبوا إلى أنَّ الشيء قد يسمَّى باسم واحد كالسيف مثلاً ثمّ تكون له عدّة صفات أو ألقاب كالهنديّ واليماني والمشرفيّ والصارم والحسام... الخ. وهو ما عبَّروا عنه بفقدان الوصفية( ). ويُرجع الباحثون تنازع الترادف مجموعة كبيرة من ألفاظ لغتنا العربية إلى احتكاكها بغيرها من اللغات واللهجات المجاورة، فضلاً عن التطور اللغوي الدلالي بفعل الاستعمال، إذ اختلطت الألفاظ بعضها ببعض، أو تراكمت في محيط واحد نتيجة انشغال المتكلمين بها بموسيقى الكلام عن رعاية الفروق بين الدلالات فأهملوها أو تناسوها، وبذلك لم تصمد الدلالة بوجه التطور والتغير، بل اقتُصَّت من أطرافها فالتقت الألفاظ المتعددة على المعنى الواحد( ). ولمَّا كان الترادف في معظمه ناتجًا عن التطور الدلالي وأنَّ الأصل في كل اللغات أنْ يُعبِّر المعنى الواحد عن اللفظ الواحد إلا في القليل النادر منها أنْ تقبل لغة ما أكثر من لفظ للدلالة على معنى واحد؛ يمكننا القول إنَّ الترادف ظاهرة لغوية تعرض لعدد من الألفاظ خلال حياتها نتيجة تطورها دلاليًا بفعل الاستعمال والشيوع. ومن ثمَّ يمكننا القول بعدم أصالة الترادف في معظم الألفاظ. والمهم "أنَّ فكرة الترادف مسألة ليست ثابتة ولا مطلقة ما دامت ألفاظ اللغة جميعًا عرضة للتطور الدلالي مما يؤدي إلى اختلاف معانيها وتباينها"( ). ولم أحْظ بتعريف للترادف عند الزّجّاج في كتابه معاني القرآن وإعرابه، غير أنّه قد أشار في غير موضع منه إلى طائفة من الألفاظ المترادفة في معناها من غير التصريح بمصطلح الترادف. فهو يذكر الألفاظ التي تدلّ على معنى واحد ببعض العبارات التي تُنْبِئ عن كونها مترادفة من مثل: (وهذه ألفاظ مختلفة والمعنى واحد أو هما بمنزلة واحدة وإنْ اختلف اللفظان، أو بمعنى واحد، أو في معنى واحد)( ). إنَّ ما نصَّ عليه الزجاج فيما ذكر آنفًا لهو دليل على عدم إنكاره وقوع الترادف في اللغة على الرغم من عدم تصريحه بمصطلح الترادف. وقد ارتضى الزمخشريّ هذا الأسلوب، فتابع الزّجّاج في الإشارة إلى الترادف بعبارات تنبئ عن كونها مترادفة نقلا عن الزجاج وفيما يأتي تبيين ذلك: أ. في قوله تعالى: {???????? ??????????? ???•????} (سورة المؤمنون/104)، ممّا جعله الزّجّاج من أمثلة الترادف ممّا عدَّه بمعنى واحد ما جاء باختلاف حرف واحد منه ومَثَّل له باللفح والنفح فقال في تبين دلالته: "يلفحُ وينفح في معنى واحد، إلاّ أن اللفح أعظم تأثيرًا"( ). واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في تبيين دلالة الآية والتصريح بقول الزّجّاج ونسبته إليه، فقال: "تلفح: تسفَع. وقال الزّجّاج: اللفح والنفح واحد، إلاّ أنَّ اللفح أشدُّ تأثيرًا"( ). ب. في قوله تعالى: {??????????? ????? ???????? ?????•?} (سورة الفرقان/49)، عدَّ الزّجّاج البلدة في معنى البلد فهما بمعنى واحد، فقال: "ولو كان (ميتةً) لجاز. وقيل (ميتًا) ولفظ البلدة مؤنث، لأن معنى البلد والبلدة واحدٌ"( ). وانتفع الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تبيين ترادف البلدة والبلد في المعنى فقال: "وإنما قال (ميتًا) لان البلدة في معنى البلد"( ). ت. في قوله تعالى: {•????? ???????? ????? ?????????????? ????????? ?????????? ?????? ?????? ???? ????????? ?????????? ??????????? ????????????? ????????? ?•? ????} (سورة ص/24)، عدَّ الزجاج قوله تعالى (الخلطاء) بمعنى الشركاء إذ جعل الخليط والشريك بمعنى واحد فقال: "(من الخلطاء) من الشركاء، تقول فلان خليطي وشريكي في معنى واحد"( ). وائتثر الزمخشريّ أبا إسحاق الزّجّاج في تبيين دلالة (الخلطاء) فقال: "الخلطاء: الشركاء الذين خلطوا أموالهم، والواحد: خليط"( ). يتضح مما تقدم أن الزمخشريّ قد اقتفى أثر الزّجّاج في تبيين دلالة الألفاظ المترادفات من غير التصريح بمصطلح الترادف. والرَّاجح عندي أنَّ التطور اللغوي هو الذي أكسب تلك الألفاظ ذلك التعدّد في صورة الكلمة الواحدة وفي لفظها من خلال التبدلات الصوتية والدلالية بفعل السياق والاستعمال. وإنَّ كل كلمة في القرآن تؤدّي معنى دقيقًا لا يمكن أنْ توفيه أختها، كأنَّما هذا المكان في هذا السياق خُلقت له الكلمة بعينها، وعلى هذا فإنَّ ما ذكر من ترادف في أصل الوضع لا يُشكِّل إلاّ اليسير من الألفاظ. 3. الأثر والتأثر في المجاز: يُعدُّ المجاز مظهرًا من مظاهر التطور اللغوي، ويحصل من خلال انتقال اللفظ من مجال دلالته الأصلية (المحسوسة) إلى مجال دلالة أخرى (مجازية) قد تكون مُجرَّدة لتشابه بين المدلولين أو لقرب بينهما أو لعلاقة مُعيَّنة بينهما كالحالية والسببية أو المجاورة أو الزمانية أو المكانية واعتبار ما كان وما سيكون وغير ذلك( ). وكتاب معاني القرآن وإعرابه للزّجّاج يزخر بالألفاظ التي انتقلت دلالاتها من معانيها الأصلية إلى معان مجازية أُخَر لعلاقة من العلاقات المذكورة أنفًا، وفي ذلك إشارة إلى أنَّ الزّجّاج كان مُنكرًا لأصالة الاشتراك في المعنى بين الألفاظ، إذ أرجع جميع تلك المعاني إلى معناها الأصلي، وجعل المعاني الأُخر مجازًا عنه. ويبدو لي أنَّ الزمخشريّ قد اعتدَّ برؤية الزّجّاج المذكورة آنفًا، فتلقَّفها وأنزلها مَنزلاً حسنًا حتى استوت على سوقها في كتابه الكشّاف، وفيما يأتي تبيين ما تقدم ذكره: أ. في قوله تعالى: {•????? ?????? ???????? ??????????? ????????? ?????? ???????????? ? ???? ?•????? ?????? ????????? ?•????? ??????} (سورة البقرة/187)، أوضح الزّجّاج دلالة الآية وما قيل فيها من أقوال، واحتجَّ للرأي القائل بأنَّ المرأة سكن للرجل أو ستر له عن الحرام عن طريق المجاز، إذ أورد أنَّ العرب تسمي المرأة لباسًا وإزارًا، فقال في تفسير قوله تعالى: (???? ?•????? ?????? ????????? ?•????? ??????) : "قيل المعنى: فتعانقوهن ويُعانِقْنكم، وقيل: كل فريق منكم يسكن إلى صاحبه ويُلابسُه. كما قال عزّ وجل (???????? ??????? ????????? ?????????? ?????????)( ). والعربُ تسمي المرأة لباسًا وإزارًا. قال الشاعر( ): إذا ما الضجيع ثنى عِطَفه تثنَّتْ فكانت عليه لِبَاسَا"( ).
واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في تبيين دلالة الآية والاحتجاج لها ببيت النابغة الجعدي، مُشبِّهًا اشتمال الرجل والمرأة في عناقهما على بعضهما باللباس المُشتمل على كلِّ واحد منهما، فقال: "لمّا كان الرجل والمرأة يعتنقان ويشتمل كل واحد منهما على صاحبه في عناقه، شبّه باللباس المشتمل عليه، قال الجعديّ: إذا ما الضجيع ثنى عِطَفه تثنَّتْ فكانت عليه لِبَاسَا"( ).
يتضح من النصين السابقين أن العالمين الجليلين قد حملا الآية الكريمة {???? ?•????? ??????} على المجاز، إذ جعلا المرأة لباسا وإزارًا للرجل كما يكنى عن اجتماعهما في فراش واحد باللباس. ب. في قوله تعالى: {??????? ?????? ???? ??????????? ?????????? ???????? ???? ??????? ???????? ????? ???? ??????????? ??????? ?????????? ????? •?????????? ???? ??????????????} (سورة الأعراف/ 149)، بيَّن الزّجّاج دلالة السقط في اليد مستعينا بالمجاز لعلاقة المشابهة بين ما يحصل في القلب وفي النفس وما يحصل في اليد وما يُرى بالعين، فقال: "يقال للرجل النادم على ما فعَلَ، الخِسر على ما فرط منه، قد سقط في يده، وأُسقِطَ، وقد رويت (سقَط)( ) في القراءة، فالمعنى: ولما سقط الندم في أيديهم، كما نقول للذي يحصل على شيء- وإنْ كان مما لا يكون في اليد- قد حصل في يده من هذا مكروه، تُشَبِّهُ ما يحصل في القلب وفي النفس بما يرى بالعين"( ). واعتدَّ الزمخشريّ برأي الزّجّاج فأورده في الكشّاف عند تفسيره الآية المذكورة آنفًا مُصرِّحًا بنسبة رأي الزّجّاج إليه، فقال: "ولما اشتدَّ ندمهم وحسرتهم على عبادة العجل، لأن من شأن من اشتد ندمه وحسرته أنْ يعضَّ يدَه غمًّا، فتصير يده مسقوطًا فيها، لأنَّ فاه قد وقع فيها. و(سُقِط) مسند إلى (في أيديهم) وهو من باب الكناية. وقرأ أبو السميفع: سقَط في أيديهم، على تسمية الفاعل، أي وقع العضُّ فيها، وقال الزّجّاج: معناه سقط الندم في أيديهم، أي في قلوبهم وأنفسهم، كما يقال: حصل في يده مكروه، وإنْ كان محالاً أن يكون في اليد، تشبيهًا لما يحصل في القلب وفي النفس بما يحصل في اليد ويرى بالعين"( ). يتَّضحُ من تفسير العالمين الجليلين أنَّ من شأن الإنسان إذا اشتدَّ ندمه على شيء أنْ يعضَّ يده، فتصير يَدُه مسقوطًا فيها. ولمّا كان سقوط الأفواه في الأيدي لازمًا للندم أُطِلق اسم اللازم وأريد الملزوم على سبيل الكناية. ت. في قوله تعالى: {???????????? ??????????? ????????? ?????? ????? ??????????????? ???????????} (سورة يس/39)، بيَّن الزّجّاج دلالة الآية الكريمة وأوقفنا على ما أصاب لفظة (العرجون) من تطوّر دلالي وتغيّر في مجال الاستعمال عن طريق المجاز لعلاقة المجاورة، فقال: "العُرجُون عود العذق الذي يسمى الكباسة. وحقيقة العرجون أنه العود الذي عليه العذق، والعرجون عود العذق الذي تركبه الشماريخ من العذق، فإذا جفَّ وقَدُمَ واصْفَرَّ فحينئدٍ يشبه الهلالَ في آخر الشهر، وفي أول مطلعه، وتقدير (عرجون) فُعلون، من الانعراج"( ). واعتد الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تبيين دلالة الآية بالاستعانة بالمجاز، وصرَّح بنسبة ما نقله عن الزّجّاج إليه، فقال بعد أن فرغ من ذكر منازل القمر: "فإذا كان في آخر منازله دقَّ واستقوس، و(عاد كالعرجون القديم) وهو عود العذق، ما بينَ شماريخه إلى منبته من النخلة. وقال الزّجّاج: هو فعلون من الانعراج وهو الانعطاف (...) وإذا قدُمَ دَقَّ وانحنى واصفرَّ، فشبّه به من ثلاثة أوجه"( ). وبالموازنة بين النصّين المذكورين آنفًا، يتّضح جليًّا أثر السابق في اللاحق في تبيين تغيّر مجال دلالة (العرجون) عن طريق المجاز لعلاقة المجاورة، إذ شُبِّه القمر في آخر منازله بعود العذق العتيق اليابس في دقَّته وتقوُّسه واصفراره. ولهذا الاستعمال المجازي نظائر كثيرة في غير موضع من كتابيهما( ). 4. الأثر والتأثر في المعرَّب والدخيل: جاء في تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري (393هـ) ما نصّهُ: "تعريب الاسم الأعجمي أن تتفوه به العربُ على منهاجها، تقول: عرَّبته العرب وأعربتهُ أيضًا"( ). وزاد الفيومي في المصباح المنير لفظة (المعرَّب) إيضاحًا فقال: "والاسم المعرَّب الذي تلقَّتْه العرب من العجم نكرةً نحو إبريسم، ثم ما أمكن حمْلُهُ على نظيره من الأبنية العربية حملوه عليه، وربّما لم يحملوه على نظيره بل تكلَّموا به كما تلقُّوه، ورُبَّما تلعَّبوا به فاشتقوا منه. وإنْ تلقُّوْهُ عَلَمًا فليسَ (معرَّب)، وقيل فيه: أعجميّ، مثل: إبراهيم واسحاق"( ). ويرى السيوطي أنَّ: "المعرَّب هو ما استعملته العرب من الألفاظ الموضوعة لمعانٍ في غير لغتها"( ). يتّضح من النصوص المذكورة آنفًا أنَّ العرب القدماء عمدوا إلى بعض الألفاظ التي اقترضوها من لغات أمم أُخر للتعبير عن أشياء ليست في بلاد العرب، فأخضعوا بنيتها لبنية الكلمات العربية، وسمُّوها بـ(المعرَّبة)، على حين تركوا بعضها الآخر على صورته الأجنبية وسمُّوْه بـ(الدخيل). وفي وقوع المعرَّب في القرآن الكريم، انقسم علماء العربية، قديمًا وحديثًا على ثلاثة أقسام: قسم أنكر وقوعه في كتاب الله تعالى، مستندًا إلى غير آية في القرآن الكريم تؤكّد نزوله بلغة العرب، منها قوله تعالى {?????? ???????????? ?????????? ?????????}( )، وقوله تعالى {????????? ????????? ???????}( ). ولعلَّ من أشد القدماء إنكارًا أبا عبيدة معمر بن المثنى (210هـ)، تابعه محمد بن حرير الطبري (310هـ) وأحمد بن فارس (395هـ)، إذ ذهبوا إلى أنَّ من زَعمَ أنَّ في القرآن لسانًا سوى العربية، فقد أعظم على الله القول( ). وتابعهم في الإنكار من المحدثين محقق كتاب المعرَّب للجواليقي الشيخ أحمد محمد شاكر الذي عدَّ القول بوقوع المعرَّب في القرآن الكريم أنه قول ينبو عنه التحقيق( ). أما القسم الثاني فقد أجاز وقوع المعرَّب في القرآن الكريم، وأجابوا عن قوله تعالى {?????????? ?????????} بأنَّ الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تُخرجه عن كونه عربيًا، واستدلّوا باتّفاق النحويين على منع صرف بعض الأعلام من نحو إبراهيم وإسحاق للعلمية والعجمة. علاوةً على أنَّهم يرون أنْ ليس لغة في الدنيا إلا وهي في القرآن، لأنَّه اشتمل على علوم الأولين والآخرين وأحاط بكلِّ شيء بما في ذلك أنواع اللغات والألسن، فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفّها وأكثرها استعمالاً للعرب( ). وذهب القسم الثالث مذهبًا توفيقيًا، ويمثّله أبو عبيد القاسم بن سلام (224هـ)، بقوله: "والصواب من ذلك عندي- والله أعلم- مذهب فيه تصديق القولين جميعًا. وذلك أنَّ هذه الحروف وأصولها عجمية- كما قال الفقهاء- إلا أنّها سقَطت إلى العرب فأعربتها بألْسنتها، وحوّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية. ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمَنْ قال إنها عربية فهو صادق، ومَنْ قال عجمية فهو صادق"( ). وأبو إسحاق الزّجّاج- على ما يبدو لي من خلال كتابه معاني القرآن وإعرابه- مُقرٌّ بوقوع المعرَّب في القرآن الكريم، يدلُّ على ذلك استعماله عبارات وإشارات من نحو (أسماء أعجمية تخالف أمثلة العرب)، ومثَّل لها بـ(إنجيل وآجر وإبراهيم وهابيل وقابيل). وكذلك قوله (أسماء أعجمية ليست من العربية)، ومثَّل لها بـ(لوط وإبراهيم وإسحاق)( )، فقد صرَّح الزّجّاج في غير موضع من كتابه بأنَّ تلك الأعلام هي أسماء أعجمية فيها أكثر من لغة قام بذكرها. وربما أرجع الزّجّاج بعض تلك الألفاظ المعرَّبة إلى أصولها الأعجمية، كقوله في معنى الفردوس: "أصله رومي أعرب وهو البستان"( ). وهذا يدلُّ على معرفته الدقيقة بألفاظ العربية وقدرته على تمييز الدخيل منها. وهذا ما دفع المتأخّرين عنه، ومنهم الزمخشريّ، إلى الاعتداد بآرائه وضمّها إلى كتبهم، وفيما يأتي تبيين لتأثّر الزمخشريّ بآراء الزّجّاج في المعرَّب والدخيل: أ. في قوله تعالى: {??? ????? ??????? ?? ????????????????? ??????????? ??????????? ?????????? ?????? ???? ?????? ???????????????} (سورة البقرة/98). أوضح الزّجّاج دلالة الآية، ووضع حدًّا للأعلام المعرَّبة فيها وذكر ما فيها من لغات، فقال: "ميكائيل فيه لغات، ميكائيل وميكال. وقد قرئ بهما جميعًا، وميكَأْل بهمزة بغير ياء. وهذه أسماء أعجمية دُفعت إلى العرب فلفظت بها بألفاظ مختلفة- أعني جبريل، وميكائيل- وإسرائيل فيه لغات أيضاً: إسراييل وإسرال، وإسرايل. وإبراهيم وإبراهَم، وأبْرَهم وإبْراهام، والقرآن إنما أتى بإبراهيم فقط وعليه القراءة"( ). واقتفى الزمخشريّ أثر الزّجّاج في تبيين دلالة الآية وتعيين ما فيها من أسماء أعجمية، فقال: "وقرئ: جبرئيل، بوزن قفشليل( ) وجبرئل بحذف الياء وجبريل بحذف الهمزة، وجبريل بوزن قنديل، وجبرالّ بلام شديدة. وجبرائيل بوزن جبراعيل، وجبرائل بوزن جبراعل. ومنع الصرف فيه للتعريف والعجمة (...) وقرئ: ميكال، بوزن قنطار. وميكائيل كميكاعيل وميكائل كميكاعل. وميكئل كميكعل. وميكئيل كميكعيل. قال ابن جنّي: العرب إذا نطقت بالأعجميّ خلطت فيه"( ). يتّضح ممّا تقدّم أنَّ الزمحشريّ قد اعتدَّ بما أورده الزّجّاج في تبيين دلالة الآية والإشارة إلى الألفاظ الأعجمية التي عرَّبتها العرب وما فيها من لغات. ولهذا الأثر والتأثر نظائر في غير موضع من الكتابين( ). ب. في قوله تعالى {????????? ????????? ???? ???????? ??????•?} (سورة هود/82). بعد أنْ بيَّن الزّجّاج دلالة لفظة (سجِّيل) في الآية، ردَّها إلى أصلها في لغتها الأعجمية بالاستناد إلى أقوال أهل اللغة، وبيَّن رأيه هو فيها، فقال: "وقد قال الناس في (سجِّيل) أقوالاً، ففي التفسير أنَّها من جِلٍّ( ) وحجارة . وقال أهل اللغة: هو فارسيّ معرَّب، والعرب لا تعرف هذا. والذي عندي أنَّه إذا كان هذا التفسير صحيحاً فهو فارسيّ أُعرِبَ لأنَّ الله جلَّ وعز قد ذكر هذه الحجارة في قصة قوم لوط، فقال {?????????? ?????????? ????????? ???? ?????}( ). فقد تبيَّن للعرب ما عُني بـ(سجِّيل)، ومن كلام الفرس ما لا يحصى مما قد أعربته العرب نحو جاموس وديباج. فلا أنكر أنَّ هذا مما أُعرِب"( ). وانتفع الزمخشريّ بما أورده الزّجّاج في تبيين دلالة الآية الكريمة من تفسير واستدلال، فقال: "(???? ????????) قيل هي كلمة معرَّبة في سنككل، بدليل قوله [تعالى] (????????? ???? ?????)"( ). يتَّضح ممّا تقدّم انتفاع الزمخشريّ برأي الزّجّاج الذي تضمَّن إشارة صريحة إلى إقراره بوقوع المعرَّب في القرآن الكريم؛ إذ استقرَّ مصطلح التعريب لديه وهو النقل من لغة أجنبية إلى اللغة العربية. وقد ذكر الزّجّاج مثل هذا التصريح بالنقل عن الفارسية عند تناوله لفظة (استبرق) التي عدَّها اسمًا أعجميًّا أصله بالفارسية (استبره) ويُطلق على الديباج الصَّفيق الغليظ الخشن، قال: "الاستبرق معروف معلوم أنّه اسم نُقِلَ من العجمية إلى العربية كما سُمَّي الديباج وهو منقول من الفارسية"( ). وقد تابعه الزمخشريّ فيما ذهب إليه، فقال عنه: "إنه معرَّب مشهور تعريبه، وأنَّ أصله: استبره"( ). ت. في قوله تعالى {???????? ?????? ???? ?•?•???? ????????? ???????? ??????????? ????????? ???????? ??????????? ??????????? ???????? ?????? ?????? ???? ????????} (سورة الحج/40)، بيَّن الزّجّاج دلالة الآية الكريمة، وأرجع لفظة (صلوات) إلى أصلها العبري لعلمه بها، فقال: "المعنى: ولولا أن دفع الله بعض الناس ببعض لهُدِّمت صوامعُ، وتُقرأ لهُدِمَت، وهي صوامع الرهبان. والبِيَعُ بِيَعُ النصارى، والصلواتُ كنائِسُ اليهود، وهي بالعبرانيةِ صلوتا"( ). وائتثر الزمخشريّ أبا إسحاق الزّجّاج في تبيين دلالة الآية وتعيين الألفاظ المعرَّبة فيها، فقال: "وسميت الكنيسة (صلاة) لأنه يُصلّى فيها. وقيل: هي كلمة معرَّبة، أصلها بالعبرانية: صلوتا"( ). يتّضح ممّا تقدّم أن الزّجّاج عارفٌ بما في القرآن الكريم من الألفاظ الأعجمية التي دخلت العربية عن طريق التعريب. وقد أوقفنا على حقيقة فيها وهي أن الاسم الأعجميّ لا يُشتق من العربية؛ أورد ذلك عند حديثه عن (يأجوج ومأجوج)، قائلاً: "هما اسمان أعجميان لا ينصرفان لأنهما معرفة (...) ويجوز أن يكون (مأجوج) فاعول، وكذلك (يأجوج)، وهذا لو كان الاسمان عربيَّين لكان هذا اشتقاقهما، فأمّا الأعجمية فلا تُشتقّ من العربية"( ). وقد أقرَّه الزمخشريّ فيما ذهب إليه من كون (يأجوج ومأجوج) اسمين أعجميين ممنوعين من الصرف( ). ويبدو لي أن فهم علماء العربية القدماء للمعرَّب كان فهمًا قاصرًا، ويكمن القصور في عدم معرفتهم بالقرابة ما بين العربية وشقيقاتها الجزريات (الساميّات) كالأكدية والآرامية والعبرانية، فضلاً عن جاراتها من لغات الفصائل اللغوية الأُخر كالفارسية والرومية واليونانية. فقضية التأثير والتأثر ما بين اللغات مسألة مُسلَّم بها، وأمر انتقال الألفاظ العربية إلى لغة مجاورة واردٌ دلَّت عليه النقوش والرُّقم الطينية المكتشفة، ولعلَّ في المعجم الذي أعدَّه المرحوم الدكتور طه باقر في (ما يسمّى في العربية بالدخيل)- ضمن سلسلة من تراثنا اللغوي القديم- خير دليل على ذلك الأثر والتأثّر، إذ جمع الدكتور طه باقر أكثر من خمسمئة( ) مفردة وسَمَتْها معجماتنا العربية بأنَّها فارسية أو أعجمية ودخيلة، على حين أنَّها من تراثنا اللغوي القديم الذي اقترضتهُ الفارسية أو الآرامية أو العبرانية. وبسبب قصور معرفة اللغويين الأوائل بلغات العراق القديم، ظنُّوا أنّها دخلت العربية عن طريق تلك اللغات التي اقتبستها منها. والواقع أنها بضاعتنا رُدَّت إلينا( ). وهذا ما يُحتِّم على المشتغلين بالبحث اللغوي والمعجمي إعادة النظر فيما دُوِّنَ في معجمات اللغة العربية على وفق التأصيل اللغوي الصحيح، من أجل إنصاف العربية وبعث تراثنا اللغوي العربي من جديد. الخاتمة 1. كشف البحث عن أهمية مؤلَّف الزّجّاج (معاني القرآن وإعرابه) بعدِّه مصدرًا مهمًا من مصادر الدراسات اللغوية والقرآنية. إذ أودعهُ الزّجّاج- وهو من انتهى إليه علم البصريين والكوفيين بتلمذته لثعلب والمبرّد- جُلَّ ما انتهى إليه علمهُ في التفسير والتأويل والإعراب والمعاني والقراءات وظواهر اللغة وأقوال أهلها، حتى صار يُعرف بـ(دائرة معارف الزّجّاج). والكتاب شاهد على غزارة علمه، وسعة أُفقه، وقوة حافظته، وتمكّنه من علوم اللغة بفروعها، وتمثّله لآي القرآن الكريم على نحو دقيق. فأسعفه ذلك كلّه في أن يكون عالمًا مجتهدًا، وناقدًا بارعًا لا يتوانى من الإدلاء برأي لم يُسبق إليه، مؤيَّدًا بالحُجَّة والدليل، حتى قال: (والذي عندي- والله أعلم-). وكان هذا الأمر مبعث عناية الزمخشريّ بكتابه، إذ نال الحظوة من بين ما أُلِّف في معاني القرآن، فكان رافدًا مهمًّا من روافد الكشّاف. 2. كشف البحث عن حجم تأثّر الزمخشريّ بمعاني الزّجّاج في الحقل الدلالي، من خلال دراسة تتبعية موازنة لما أورده العالمان الجليلان في تبيين دلالة الآيات القرآنية والاستدلال لها، فكان مجموع ما تأثّره الزمخشريّ في الكشّاف عن الزّجّاج وصرَّح بنسبته إليه (18) أثرًا، على حين كان مجموع ما تأثّره عنه ولم يُصرِّح بنسبته إليه (183) أثرًا، أما في أدلّة الاحتجاج اللغوية فكان مجموع ما تأثَّره عنه من آيات القرآن الكريم (31) شاهدًا، ومن الشعر (52) شاهدًا، ومن الحديث الشريف (5) شواهد، ومن النثر (4) شواهد. 3. كشف البحث عن شخصية كل من الزّجّاج والزمخشريّ العلمية، وبراعتهما في علوم اللغة، ولاسيما في الحقل الدلالي، وبيَّن مقدرتهِما على التفسير والتعليل والاستدلال من خلال بيان مواقفهما في الكثير من ظواهر اللغة ولاسيما في دلالة الألفاظ والظواهر الدلالية كالأضداد والترادف والمجاز والمعرَّب، إذ أظهر البحث إقرار الأول بتلك الظواهر، ومتابعة الثاني له فيما ذهب إليه، وصحف البحث تُنبِئ عن ذلك الأثر والتأثّر. 4. دعا البحث إلى إعادة النظر بطائفة كبيرة من المفردات وسمّتها معجماتنا اللغوية بـ(الدخيلة أو الأعجمية)، وهي في الحقيقة من تراثنا اللغوي القديم الذي اقتبسته اللغات المجاورة كالفارسية والآرامية، وظنَّ اللغويون القدماء أنَّها من تلك اللغات دخلت العربية وأُعربت فيها، والحقيقة أنَّها بضاعتنا رُدَّت إلينا. إذ اهتدى الباحثون المعاصرون إلى حلِّ رموزها ومعرفة نصوصها ممّا يُحتِّم على اللغويين المحدثين إعادة النظر في تلك التسمية الغامضة. 5. التمس البحث العذر للزمخشريّ في إغفاله نسبة آراء الزّجّاج وتوجيهاته إليه التي جاوزت المئتين في الحقل الدلالي وحده، والسبعمئة في مستويات اللغة الأربعة، بأنّه قد حافظ على جوهر المادة المنقولة، وبأنَّ العلم مُشاع للجميع، فضلاً عن تدارك ذكر أسماء العلماء الذين نقل عنهم في كل موضع، خِشية ذهاب بريق الكشّاف، ووصف الزمخشريّ بأنَّه رجل جمّاعة، فأراد أن يجُبَّ الغيبة عن نفسه. 6. صحَّح البحث نسبة بعض النصوص التي نسبها ابن منظور في لسان العرب إلى الأزهري صاحب التهذيب (370هـ)، إذ أرجع الباحث نسبتهُ إلى الزّجّاج الذي يسبقهُ بستة عقود، وفيه دعوى للباحثين من طلبة الدراسات العليا لأن ينظروا في مرويّات ابن منظور عن الزّجّاج، وقد كثرت، فيتصدَّى أحدهم لدراستها على وفق مستويات اللغة. وآخر دعوانا أن الحمدُ للهِ ربّ العالمين.
المصادر والمراجع * القرآن الكريم. 1. إتحاف فضلاء البشر في قراءات الأربعة عشر، للشيخ أحمد محمد الدمياطي الشهير بالبناء (ت 1117 هـ)، تصحيح الشيخ علي محمد الضباع، دار الندوة الجديد بيروت، لبنان (د. ت). 2. أساس البلاغة، لأبي القاسم جار الله الزمخشريّ (ت538هـ)، دار صادر، بيروت، 1385 هـ ـ 1965 م. 3. الأضداد في كلام العرب، لأبي الطيب اللغوي (ت 351 هـ)، تحقيق: د. عزة حسن، المجمع العلمي بدمشق، ط1، 1963 م. 4. الأضداد في اللغة، د. محمد حسين آل ياسين، مطبعة المعارف ببغداد، 1974 م. 5. الأغاني، لأبي فرج علي بن الحسين الأصفهاني (ت 360 هـ) تح: عبد الستار أحمد فرّاج، دار الثقافة، بيروت، 1960 م. 6. البحر المحيط، لأبي حيان محمد بن يوسف بن علي النحوي الأندلسي (ت 745 هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط2، 1411 هـ ـ 1990 م. 7. تاج اللغة وصحاح العربية، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري (ت 400 هـ)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط3، 1404هـ ـ 1984م. 8. الترادف في اللغة، د. مالك حاكم الزيادي، دار الحرية للطباعة، بغداد 1980 م. 9. التعريفات، لأبي الحسن علي بن محمد علي الحسيني الجرجاني (ت 816 هـ)، وضع حواشيه وفهارسه محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1421هـ ـ 2000 م. 10. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ)، دار الفكر بيروت، 1408 هـ ـ 1988م. 11. حاشية المرزوقي على تفسير الكشاف، للشيخ محمد عليان المرزوقي، مطبوع بهامش الكشاف، دار الكتاب العربي، 1366 هـ ـ 1947 م. 12. دلالة الألفاظ، د. إبراهيم أنيس، ط2، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة، 1963 م. 13. ديوان جرير، دار صادر، بيروت، ط1، 1964 م. 14. السبعة في القراءات، لأبي بكر أحمد بن موسى المعروف بابن مجاهد (ت 324 هـ)، تحقيق د. شوقي ضيف، دار المعارف بمصر، 1972 م. 15. شرح المعلقات السبع، لأبي عبد الله الحسين بن أحمد الزوزني (ت 646 هـ)، مكتبة النهضة، بغداد. 16. الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، لأبي الحسن أحمد بن فارس، (ت 395 هـ)، علق عليه ووضع حواشيه، أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، ط1، 1418 هـ ـ 1997 م. 17. علم الدلالة، د. أحمد مختار عمر، ط1، مكتبة دار العروبة للنشر، الكويت، 1982 م. 18. العين، لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 هـ)، تحقيق، د. إبراهيم السامرائي والدكتور مهدي المخزومي، وزارة الثقافة والإعلام، 1980 ـ 1984 م. 19. فقه اللغة، د. حاتم صالح الضامن، وزارة التعليم العالي، جامعة بغداد، (د. ت). 20. فقه اللغة وسر العربية، لأبي منصور إسماعيل الثعالبي (ت 429 هـ)، تحقيق، عبد الرزاق المهدي، دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، 1422 هـ ـ 2002 م. 21. الكامل في اللغة والأدب، لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد (ت 285 هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت، 2006 م. 22. كشاف اصطلاحات الفنون، لمحمد بن علي التهانوي (ت 1158 هـ)، وضع حواشيه أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1998 م. 23. الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوده التأويل، لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 هـ)، رتبه وضبطه وصححه، مصطفى حسين أحمد ، دار الكتاب العربي، 1366 هـ ـ 1947 م. 24. لسان العرب، لابن منظور (ت 711 هـ)، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1997 م. 25. المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، لابن جني، دراسة وتحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1419 هـ ـ 1998 م. 26. المزهر في علوم اللغة وأنواعها،لأبي بكر جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت 911 هـ)، تحقيق محمد أحمد جاد المولى، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية، ط4، 1378 هـ ـ 1958 م. 27. مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف، للشيخ محمد عليان المرزوقي، مطبوع بهامش الكشاف، دار الكتاب العربي، 1366 هـ ـ 1947 م. 28. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، تأليف العلامة أحمد بن محمد بن علي المقرئ الفيومي،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت،لبنان، ط1، 1425 ـ 1426 هـ ـ 2005 م. 29. معاني القرآن، لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء (ت 207 هـ) تحقيق: أحمد يوسف نجاتي، ومحمد علي النجار، ط 3، عالم الكتب،1403هـ ـ 1983م. 30. معاني القرآن وإعرابه، لأبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج (ت 311 هـ)، شرح وتحقيق: د. عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1408 هـ ـ 1988م. 31. المعجم الوسيط، قام بإخراجه، إبراهيم مصطفى و أحمد حسن الزيات و حامد عبد القادر و محمد علي النجار، مكتبة المر تضوي، ط2، 1317 هـ ـ 1385 م. 32. المعجم العربي الأساسي (لاروس) ، تأليف وإعداد جماعة من كبار اللغويين العرب، بتكليف من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، 1408 هـ ـ 1988م. 33. المعرب من الكلام الأعجمي،لأبي منصور الجواليقي (ت 540 هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ط 2، دار الكتب، مصر، 1969 م. 34. من تراثنا اللغوي القديم ـ مايسمى في العربية بالدخيل، مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 2001 35. المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب، تحقيق، د. التهامي الراجي الهاشمي، مطبعة فضالة ـ المحمدية المغرب، (د. ت). 36. النحو وكتب التفسير،إبراهيم عبد الله رفيده، ط3، بنغازي،1990م، 37. النشر في القراءات العشر، تأليف الإمام الحافظ أبي الخير محمد بن محمد الدمشقي الشهير بابن الجزري، (ت 833 هـ) قدم له الأستاذ علي محمد الضباع، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، ط2، 1423 هـ ـ 2002 م. الفهرست الموضوع الأثر الدلالي لمعاني القرآن للزّجّاج في الكشّاف للزمخشريّ الصحيفة 1. المقدمة:.........................................................
2. التمهيد: (الدلالة، الأثر، التأثّر) نظرة تعريفية ...................
3. المبحث الأول : الأثر والتأثّر في طرائق النقل في الحقل الدلالي:................................................................ 1. النقل المصرّح بنسبته إلى الزّجّاج .............................. أ. ما نقله الزمخشريّ عن الزّجّاج بالنص وصرّح بنسبته إليه .. ب. ما نقله الزمخشريّ عن الزّجّاج بالمعنى وصرّح بنسبته إليه .. 2. النقل غير المصرّح بنسبته إلى الزّجّاج ..........................
4. المبحث الثاني : الأثر والتأثّر في أدلّة الاحتجاج ..................... 1. أدلّة الاحتجاج من القرآن الكريم وقراءاته ....................... 2. أدلّة الاحتجاج من الحديث الشريف .............................. 3. أدلّة الاحتجاج من الشعر العربي الفصيح ........................ 4. أدلّة الاحتجاج من النثر العربي الفصيح .........................
5. المبحث الثالث : الأثر والتأثّر في الدلالة ومظاهرها :................. أولا: الأثر والتأثّر في دلالة الألفاظ على معانيها .................... 1. الأثر والتأثّر في المعنى ......................................... أولا: ما تأثّره الزمخشريّ عن الزّجّاج في المعنى وصرّح بنسبته إليه ثانيًا: ما تأثّره الزمخشريّ عن الزّجّاج في المعنى ولم يصرّح بنسبته إليه ........................................................... 2. الأثر والتأثّر في التفسير ........................................ أولا: ما تأثّره الزمخشريّ عن الزّجّاج في التفسير وصرّح بنسبته إليه
ثانيًا: ما تأثّره الزمخشريّ عن الزّجّاج في التفسير ولم يصرّح بنسبته إليه ........................................................... ثانيًا: الأثر والتأثّر في الظواهر الدلالية ............................. 1. في الأضداد .................................................... 2. في الترادف .................................................... 3. الأثر والتأثّر في المجاز ........................................ 4. الثر والتأثّر في المعرَّب والدخيل ...............................
6. الخاتمة ............................................................... 7. المصادر .............................................................. 1
2
4-9 4 4 6 7
7-18 7 13 15 17
19-46 19 19 20
23 26 26
30 33 33 36 38 41
47-48 49-51
تحميل الملف المرفق Download Attached File
|
|