عنوان البحث(Papers / Research Title)
التعليل النحوي، نشأته وتطوره
الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)
سعدون احمد علي الرباكي
Citation Information
سعدون,احمد,علي,الرباكي ,التعليل النحوي، نشأته وتطوره , Time 02/01/2018 06:57:16 : كلية التربية للعلوم الانسانية
وصف الابستركت (Abstract)
القياس والتعليل ركيزتان أساسيتان , لجأ اليهما النحويون لتثبيت دعائم علم النحو
الوصف الكامل (Full Abstract)
التعليل النحوي، نشأته وتطوره لم يختلف علم النحو في نشأته عن غيره من العلوم , إذ امتزجت صيغه الوصفية القائمة على استقراء الشواهد من العرب الفصحاء شفاها بصيغ علمي الأصول والكلام , فكان السماع والقياس والتعليل هي الأصول النحوية التي استند إليها النحويون في إقامة نظريتهم النحوية ، وإن تباينت طريقتهم في الاعتماد على هذه الأصول بين التشديد والتساهل . فالقياس والتعليل ركيزتان أساسيتان , لجأ اليهما النحويون لتثبيت دعائم علم النحو, وقد استقرّ في مؤلفاتهم المتأخرة أنَّ التعليل فرع القياس , غير أنهم ثبّتوا فيها أيضا أن التعليل هو الركن الأهم من أركان القياس , ذلك أنَّ أغلب المسائل النحوية تحتاج إلى تعليل يوضّح سبب تقعيدها وما قد يؤول إليه أمرها من تفاصيل مبنية على أصل تقعيدها . نشأة التعليل النحوي وتطوره عند القدماء إن تاريخ نشأة العلة ملازم لتاريخ نشأة النحو , والتأليف فيه في القرن الثاني الهجري , وإن تطورها مرتبط بتطور النحو, فكما وضع النحو العربي لبواعث عربية خالصة منها الدينية للمحافظة على لغة القرآن الكريم , وعصمة اللسان من ان يلحن أو يخطئ في القراءة القرآنية , ومنها القومية للحفاظ على اللغة العربية وعلى مفرداتها وتراكيبها والنطق بها , من اللحن الذي دبّ على الألسن , بعد دخول امم غير عربية في الاسلام , كون العرب تعتز بلغتها وتقدسها , ومنها الاجتماعية وهي رسم اوضاع العربية في إعرابها وتصريفها , لتعليمها للناطقين بغير العربية بعد دخولهم الدين الاسلامي , ليتدبرو امورهم الدينية . فكانت نشأة العلة أيضاً استجابة لهذه الظروف والبواعث العربية الاسلامية معاً دون تأثير خارجي غير عربي. إنَّ من غير المناسب أن يقال إن علماء اللغة العرب أخذوا التعليل عن المنطق اليوناني أو عن الفقهاء والمتكلمين فيه . فالعلة عربية اسلامية معًا من دون تأثير أعجميّ, وفي هذا يقول الدكتور تمام حسان : (( فهل لنا في ضوء هذا التشابه بين منهج الفقهاء ومنهج النحاة أن نقول إن كلتا الطائفتين تغترف من معين واحد يمكن أن نطلق عليه (المنهج الاسلامي) ونجعله رداً على الذين يحلو لهم أن يذيعوا باتهام الأخذ عن اليونان ))[ الاصول ، تمام حسان 1/14]. وهذا يعني إن كان هناك تأثر في نشوء التعليل النحوي , فهو أثر من الفقه الاسلامي لا غير. وكان التعليل النحوي مواكباً في تطوره لتطور النحو العربي وتقعيده. مراحل تطور التعليل النحوي : 1- مرحلة النشوء والتكوين : تبدأ هذه المرحلة مع تاريخ وضع النحو العربي في القرن الثاني الهجري , فقد وجدت العلة سبيلها في النحو منذ عهد مبكر , ونسب أمر العناية بها الى عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي (ت117) , قال ابن سلام (ت231ه) :(( فكان أول من بعَّج النحو ومدّ القياس والعلل )) [طبقات فحول الشعراء , ابن سلام 1 /14]. وقال القفطي (ت646ه) إنه :(( أول من شرح العلل ))[ انباه الرواة على أنباه النحاة 2/105 ]، وذكر ابن جني (ت 392ه) , إن أبا عمرو بن العلاء(ت 154) أول من نقل استعمال التعليل عند العرب , فقد روى نصا عن الأصمعي (ت116 ه) عن أبي عمرو انه قال : ((سمعت رجلاً من اليمن يقول : فلان لعوب – جاءته كتابي فاحتقرها – فقلت له : أتقول جاءته كتابي ؟ قال : نعم أليس بصحيفة ))[ الخصائص , ابن جني 1/ 262 ] فحمله على المعنى. ويذهب ابن جني إلى أن علماء العربية القدماء كانوا محقين في ذهابهم الى ضرورة ايجاد علة لكل ما يسمعون, اذ يقول: (( أ فتراك تريد من أبي عمرو و طبقته و قد نظروا و تدربوا , و قاسوا , و تعرفوا أن يسمعوا أعرابيا جافيا عفلاً , يعلل هذا الموضع بهذه العلة , و يحتج لتأنيث المذكر بما ذكره , فلا يهتاجوا هم لمثله , ولا يسلكوا فيه طريقته , فيقولوا : فعلوا كذا لكذا , وصنعوا كذا لكذا , وقد شرع لهم العربي ذلك , و وقفهم على سمته وأمه ))[ الخصائص , ابن جني 1/ 262 ] . وقد اتسم التعليل في هذه المرحلة بما يأتي : أ- جزئية الموضوع والنظرة : إذ لم يتناول التعليل في هذه المرحلة الا قضايا جزئية , ومسائل فرعية (( والنحاة في تعليلاتهم لا يرتبطون بغير القضية التي يعللونها , ولا ينظرون الى غير الجزئية التي يسوغونها)) [أصول التفكير النحوي 167]. أي أنَّ الجزئية كانت استجابة لمعانِ لغوية لم تصل بعد الى مفهوم الدرس النحوي , وهي مرحلة اولى في تطور الصناعة النحوية , لذلك اتسم التعليل بهذه السمة . ب- التوافق مع القواعد : ومما يؤشر على التعليل النحوي هذه المرحلة من سمات هو(( الاتساق بين التعليل والقواعد النحوية التي توصل اليها نحويو هذه المرحلة , فليس ثمة تناقض بين التعليل وبين ما توصلوا اليه من قواعد , بل اكثر من ذلك فإن التعليل ليس الا تبرير القواعد واساغتها , ثم شرحها لبواعثها من ناحية , ولأهدافها من ناحية أخرى ))[ أصول التفكير النحوي: 168 ] والغاية من ذلك كله هو الايضاح والشرح والتسويغ. ت- الوقوف عند النصوص اللغوية: وتعني هذه السمة ان النحويين حينما يعللون لا يتقاطعون مع النصوص اللغوية أيا كان مصدرها , بل كانوا يجعلون التعليل في خدمتها[ينظر : أصول التفكير النحوي 169] . ويبدو ان الوقوف عند تلك النصوص له ما يسوغه , كون هذه النصوص في نظرهم تمثل الأنموذج الكلامي الذي لا يعتريه الضعف , أو التناقض اذا كان النص القرآني هو المصدر الاول , اما الحديث الشريف والشعر , فقد جهد العلماء من التثبت من صحتها , ومن تثبت صحته , وقفوا عنده . 2- مرحلة النمو والارتقاء : بدأت هذه المرحلة في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري على يد الخليل بن احمد الفراهيدي (ت175ه) والذي يعد في طليعة العلماء الذين استنبطوا القواعد والاحكام اللغوية واسندوها بالعلل , قال الزبيدي (ت379) إنه : (( استنبط ... من علل النحو مالم يستنبط احد , وما لم يسبقه الى مثله احد))[ طبقات النحويين واللغويين: 23] . وقد سئل الخليل عند مصدر العلل فقال (( إن العرب نطقت على سجيتها وطباعها وعرفت مواقع كلامها , وقام في عقولها علله , وان لم ينقل ذلك عنها , واعتلت انا بما عندي انه عله لما عللته منه , فان اكن أصبت العلة فهو الذي التمست ... فان سنح لغيري علة لما عللته من النحو هو أليق مما ذكرته بالمعلول فليأت بها )).[ الكتاب لسيبويه 1/65 ] وبهذا فتح الخليل باب التعليل امام العلماء فأقتفوا اثره فنرى تلميذه سيبويه (ت180) يقول : ((وليس شيء يضطرون اليه الا وهم يحاولون به وجها )) [الكتاب لسيبويه 1/65 ] . فهو لا يكتفي بالتعليل لما يكثر من كلامهم بل يعلل لما يخرج عن تلك القواعد . وقد نقل سيبويه في كتابه تعليلات كثيرة عن علماء النحو الاوائل , ولاسيما الخليل اذ كان سيبويه كثيرا ما يسأله عن علل الاحكام النحوية , فيبسط له الخليل الاجابة عنها بما اهتدى اليه من أسبابها . وكان لسيبويه فضل في حركة التعليل من خلال التوسع في العلل , والاكثار منها ففاق بذلك ما كان عند شيوخه المتقدمين . وقد اتسمت هذه المرحلة بمزيتين أساسيتين هما : 1- الجمع بين الجزئيات المتفرقة. 2- ضم الجزئيات المتفرقة في إطار لكي يشملها . فاذا علل النحوي قضية جزئية فأنه يحاول الوصول بذلك الى قضية كلية بالربط بين القضيتين . وقد كان هناك عاملان أثرا في مجرى الفكر التعليلي في هذه المرحلة هما. أ- مبدأ الخفة , أو ما سماه النحويون بـ (التخفيف) , وقد استندوا في ذلك إلى قاعدة تقول : (( إن المراد من اللفظ الدلالة على المعنى فاذا ظهر المعنى بقرينة حال, أو غيرها لم يحتج الى اللفظ المطابق ))[ اثر القراءات القرآنية في تطور الدرس النحوي 45] ب- مبدأ الفرق , ويراد به ان اللغة لحكمتها ارادت ان تفرق بين الظواهر المتفرقة فاصطنعت لذلك اساليب متعددة . 3-مرحلة النضج والازدهار : تبدأ هذه المرحلة في القرن الثالث وتمتد الى نهاية الخامس الهجري , وهي المرحلة الاكثر نضجا وتقدما في تاريخ التعليل النحوي إذ صار علما له معاييره , ومصطلحاته , واصوله , اذ اخذ الاهتمام بالعلة يزداد مع تقدم الزمن , فبعد ان كان التعليل عند اوائل النحويين , يعقب الحكم النحوي لتقريره واثباته , باتت العلة عند نحوي القرن الثالث رديفة الحكم النحوي لا تفارقه في حال .وكان ذلك واضحا عند المبرد (ت285ه) فقد روي الزجاج (ت 311ه) انه قال: (( لما قدم المبرد بغداد جئت لأناظره , وكنت أقرأ على أبي العباس ثعلب , فعزمت على إعانته , فلما فاتحته ألجمني الحجة وطالبني العلة , والزمني إلزامات لم اهتد اليها))[ نزهة الالباء في طبقات الادباء , ابو البركات الانباري ,225]. واذا كانت العلة الى هذا التاريخ يؤتى بها وسيلة لتقرير الحكم النحوي واثباته , فإنها أصبحت بعد القرن الرابع الهجري , غاية يسعى النحويون الى تحصيلها , بل اصبحت البراعة في تحصيلها وجودة النظر فيها صفة تميز حذاق النحويين , وارتبطت العلة آنذاك بعلل ارباب الجدل والكلام وفي ذلك يقول ابن جني : (( اعلم أن علل النحويين , وأعني بذلك حُذاقهم المتقنين , لا ألفافهم المستضعفين , أقرب الى علل المتكلمين، منها إلى علل المتفقهين , وذلك انهم انما يحيلون على الحسّ ويحتجون فيه بثقل الحال او خفتها على النفس))[ الخصائص 1/48 ]. وشهدت هذه المرحلة محاولات تنظيرية غرضها حصر جوانب نظرية التعليل في النحو العربي , وحصر اصولها ومصطلحاتها , فنجد من الناحية المنهجية , أن التأليف والبحث في التعليل النحوي صار مستقلا وواسعا , بعد ان كان ممتزجا بالنحو قبل هذه المرحلة , وشهدت ايضا تقسيم العلة النحوية الى اقسام متميزة و محددة , فابن السراج (ت316ه) في كتابه (الأصول في النحو) , قسم العلة على ضربين: الأول (العلة او العلل الاول) وهي التي تؤدي الى كلام العرب, والثاني (علة العلة ) والغرض منها اكتشاف حكمة العرب في كلامها. على حين قسم الزجاجي (ت337ه) في كتابه (الايضاح في علل النحو) العلل الى ثلاثة اقسام : علة تعليمية , وعلل قياسية , وعلل جدلية , وقد احصيت العلة التعليمية حتى بلغت نحو ( أربعا وعشرين) علة. ثم قسم الرماني (ت384ه) العلل الى قياسية , وحكمية , و ضرورية , و وضعية , و صحيحة و فاسدة , و وضح كل علة بإعطاء حدّ لها . أما ابن جني فقد قسم العلل على ضربين : موجبة للحكم , كرفع الفاعل , ونصب المفعول , وعلل مجوزة للحكم , وهي في حقيقتها اسباب تجوز الحكم ولا توجبه , كالأسباب الداعية للإمالة . وممن عالج مسألة العلل أيضا , أبو البركات الانباري (ت577ه) , فقد حاول صياغة منهج العلة على شاكلة منهج اصول الفقه في (لمع الادلة , والاغراب في جدل الإعراب), اذ عالج فيها مختلف قضايا العلة , وعمل على تحصين العلة ضد جهات نقضها , في حين مارس التعليل فعليا في كتابه (اسرار العربية), ويظهر هنا اهتمام النحويين في تعليلاتهم على امرين هما: الربط بين الاحكام والعلل, والامر الآخر التنسيق بين العلل النحوية . 4-مرحلة المناهضة والنقض : تتمثل هذه المرحلة في القرنين السادس والسابع الهجريين , حيث امتزج النحو بالفلسفة والمنطق والجدل الكلامي , وبالأسلوب الفقهي في القرن الخامس , ونتيجة لهذا الاتصال ظهرت نزعات مناهضة لهذا الاتجاه منها ما جاء على يد ابن حزم الاندلسي (ت546ه) عند هجومه على علل النحويين اذ يقول : (( كلها فاسدة لا يرجع منها شيء الى الحقيقة البتة , وانما الحق من ذلك ان هذا سمع من اهل اللغة الذين يرجع اليهم في ضبطها ونقلها , وما عدا هذا فهو مع أنه تحكم فاسد متناقض –فهو ايضا كذب ...شيء يعلم كل ذي حسن أنه كذب لم يكن قط , ولا كانت العرب عليه مدة ثم انتقلت الى ما سمع منها بعد ذلك))[ نظريات في اللغة عند ابن حزم , سعيد الافغاني 31-32 ]، فهو يرى ان النحويين يتكلفون في اخراج العلل , وان قولهم بالعلل يؤدي الى تسلسل لا نهاية له , حيث يوجبون البحث عن علة سابقة او قصوى لهذه العلل القريبة , فلم لا تكون العلل الاولى والتي هي علل هذه الافعال , ذات علل أيضا. وفي القرن السادس الهجري ظهرت دعوات اخرى ومن ابرزها دعوة ابن مضاء القرطبي (ت592ه) الذي حمل لواءها في كتابه (الرد على النحاة) , والذي دعا فيه الى الغاء نظرية العامل , والغاء العلل الثواني والثوالث , اذ يقول : (( ومما يجب ان يسقط من النحو العلل الثواني والثوالث , وذلك مثل سؤال السائل عن( زيد ) من قولنا( قام زيد) , لم رفع ؟ فيقال : لأنه فاعل وكل فاعل مرفوع ،فيقول ولم رفع الفاعل؟ فالصواب أن يقال له: كذا نطقت به العرب ،ثبت ذلك بالاستقراء من الكلام المتواتر... ولو أجبت السائل عن سؤاله بأن تقول له: للفرق بين الفاعل والمفعول فلم يقنعه , وقال : فلم لا تعكس القضية بنصب الفاعل ورفع المفعول ؟ قلنا له لان الفاعل قليل , لأنه لا يكون للفعل الا فاعل واجب , والمفعولات كثيرة فأعطي الأثقل الذي هو الرفع للفاعل وأعطي الأخف الذي هو النصب للمفعول ، لأن الفاعل واحد والمفعولات كثيرة ليقل في كلامهم ما يستثقلون ويكثر في كلامهم ما يستخفون , فلا يزدنا ذلك علماً بأن الفاعل مرفوع , ولو جهلنا ذلك لم يضرنا جهلة , اذ قد صح عندنا رفع الفاعل الذي هو مطلوبنا , باستقراء المتواتر الذي يوقع العلم )) [الرد على النحاة 151-152] ، فابن مضاء يذهب مع العلل الاولى (التعليمية) , اما العلتان الاخيرتان فيدعو الى حذفهما ويرى انه لا علاقة لهما بواقع اللغة , لأنهما لا تعلمان الكلام كما يتكلمه العرب . ثم جاء ابن الاثير (ت 637ه) وذهب الى القول : (( ان اقسام النحو اخذت من واضعها بالتقليد , حتى لو عكس القضية فيهما لجاز له ذلك , ولما كان العقل يأباه ولا ينكره , فأنه لو جعل الفاعل منصوبا, والمفعول مرفوعا , قُلد ذلك كما قلد في رفع الفاعل ونصب المفعول)) [المثل السائر 1/ 71 ] ، فهو يرفض علل النحويين , ويعزو الامر في صدور الاحكام اللغوية الى الاختيار العرفي الاعتباطي وهذا مما اكده في رده على من أقام الادلة على أصول النحو اذ يقول : (( وهذه الادلة واهية لا تثبت على محل الجدل , فإن هؤلاء الذين تصدروا لإقامتها سمعوا عن واضع اللغة رفع الفاعل , ونصب المفعول من غير دليل ابداه لهم , فاستخرجوا لذلك أدلة وعللا , والا فمن أين علم هؤلاء ان الحكمة التي دعت الواضع الى رفع الفاعل ونصب المفعول هي التي ذكروها))[ المثل السائر 1/71]. وتابعهم في ذلك أبو حيان الاندلسي (ت745 ه) , واشاد بدعوة ابن مضاء , وانتقد النحويين لكثرة تعليلاتهم التي يرى انها افسدت النحو وجعلته يبعث السأم في النفوس، وفي ذلك يقول :((والنحويون مولعون بكثرة التعليل , ولو كانوا يضعون مكان التعليل احكاما نحوية مستندة للسماع الصحيح لكان اجدى , وانفع ,وكثيرا ما تطالع اوراقا في تعليل الحكم الوافد ومعارضات ومناقشات ورد بعضهم على بعض في ذلك , وتنقيحات على زعمهم في الحدود خصوصا ما صنعه متأخرو المشارقة على مقدمة ابن الحاجب من سأم من ذلك ولا يحصل في ايدينا شيء من العلم)) [منهج المسالك 231 ] ، فهو لم يرفض العلل الثواني والثوالث كما فعل ابن مضاء وابن الاثير وقبلهم ابن حزم فحسب، بل هو قد نفر من كل العلل وقرر أن النحويين أفسدوا النحو العربي بالتعليل. ويتضح لنا موقف دعاة المناهضة والرد جليا في المجال اللغوي , حيث دعوا الى رفض القياس والتعليل , لأن اللغة لا تثبت وفقا لمنهجهم الظاهري , بالقياس , وانما تثبت مثلها مثل مسائل العقائد والشرائع بالنص , لكونها قائمة على التوقيف , ولهذا لا يبيح صرف معنى الكلمة من المعنى اللغوي الظاهر المعروف الى معنى آخر , الا اذا أوجب ذلك نص أو إجماع , أو عقل أو بديهة حسن . 5- مرحلة المراجعة والاستقرار: وتبدأ هذه المرحلة مع اطلالة القرن السابع الهجري وتمثل موقفين للنحاة من التراث التعليمي للمراحل السابقة , فمن نحويي هذه المرحلة من جمع كل تعليلات النحويين السابقين في مطولات نحوية ثم الترجيح بينها والاختيار منها , كابن يعيش (ت643ه) في (شرح المفصل) , وابن اياز (ت681ه) في (المحصول) , والرضي (ت688ه) في شرح الكافية , والسيوطي (ت911 ه) في (همع الهوامع) . ومنهم من اكتفى بذكر ما يراه من تعليل دون ذكر غيره من التعليلات , أي يعللون من دون تتبع ما علله السابقون كابن الحاجب (ت646ه) , وابن عصفور (ت 669ه) , وابن هشام (ت761ه) في (قطر الندى وشذور الذهب) , ومن سمات هذه المرحلة الاكثار من العلل , وذلك ان سمات درسهم النحوي قد غلبت عليه صبغة المنطق فبرز اعتدادهم بالقياس والتعليل في استنباط القواعد النحوية , ومقالاتهم في ذلك كثيرة فغلب شيئا فشيئا اسلوب المناطقة في التزام الحدود والتقسيمات , والتعليلات في مؤلفاتهم التي انمازت باتخاذ الاشكال المنطقية اداة لصياغة المادة النحوية , والتدرج في بناء قواعد النحو الكلية , ومسائلها وتفريعاتها , والجديد في هذا الدرس النحوي الدقة في الحدود والتفريعات , ومحاولة التفسير العقلي للمادة النحوية لتنسجم في نسق النظرية العامة لمدرسة البصرة النحوية .
تحميل الملف المرفق Download Attached File
|
|