عنوان البحث(Papers / Research Title)
توكيد جواب الشرط بالنون
الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)
سعدون احمد علي الرباكي
Citation Information
سعدون,احمد,علي,الرباكي ,توكيد جواب الشرط بالنون , Time 07/04/2018 17:01:15 : كلية التربية للعلوم الانسانية
وصف الابستركت (Abstract)
يجوز توكيد جواب الشرط بالنون استنادا إلى شواهد من القرآن وكلام العرب الموثوق بعربيتهم
الوصف الكامل (Full Abstract)
توكيد جواب الشرط بـالنون: للتوكيد في العربية أنماط مختلفة وأساليب متعددة من ذلك التوكيد بنونَي التوكيد الثقيلة أو الخفيفة, وهما حرفان من حروف المعاني يختصان بالدخول على الأفعال, فيؤكَّد بهما الفعل المضارع جوازًا أو وجوبًا. وقد اتفق النحويون على دلالتهما على التوكيد, وإنْ كان التوكيد بالثقيلة أشدَّ دلالةً كما نُقل عن الخليل. ومن المواضع التي اختلف فيها النحويون دخول (نون) التوكيد في جواب الشرط, فقد ذهب فريق منهم إلى أنّ هذا التوكيد إنّما يجوز في الشعر لا في النثر, وفي هذا قال سيبويه: (( وقد تدخل "النون" بغير "ما" في الجزاء، وذلك قليلٌ في الشعر، شبهوه بالنهي حين كان مجزومًا غير واجب)) نحو قول الشاعر كميل بن معروف: [من الطويل] فمهما تَشَأ مِنْهُ فَزارةُ تُعْطِكُمْ ومهما تَشَأ مِنْه فزارَةُ تَمْنَعَا وقد تابع سيبويه جمعٌ من علماء العربية منهم الفرّاء وهو يعرض لقوله تعالى:(( حَتَّى? إِذَا أَتَوْا عَلَى? وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُون)) [سورة النمل:18] , والمبرّدُ, وابنُ السراج, والسيرافي, وأبو علي الفارسي, والقزّاز (ت:412هــ), وأبو البركات الأنباري, والزمخشري, وابن الحاجب, وعلماء آخرون . ذهب علماء العربية إلى أنَّ علة توكيد جواب الشرط ـ وهو مما لا يجوز في سعة الكلام ـ هي مشابهته للنهي, وقد فسَّر هذا أبو علي الفارسي بقوله: (( شبهوا الجزاء لمّا أدخل "النون" عليه بالنهي؛ لأن الجزاء فعل مجزوم كما أنَّ النهي فعل مجزوم وهو غير واجب كما أنَّ النهي غير واجب)), أي إنَّ العلة علة مشابهة, فالعرب (( يشبِّهون الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله في جميع الأشياء)), وبحسب هذا الفهم فالمفترض أنْ يكون هذا داعيًا إلى قبول هذا التوكيد في غير الشعر لا قصره عليه, ولعلّ الذي دعاهم إلى هذا هو نقص استقرائهم وعدم التقصّي بدقة عن شواهد في غير الشعر؛ لأنَّ الشواهد على تلك المسألة كثيرة من القرآن الكريم وغيره. فمن الشواهد القرآنية في هذا الباب قوله تعالى ((وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ))[سورة المائدة:73].ومنه قوله تعالى (( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ))(سورةالأعراف:23 )، وقوله تعالى((وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)) ( سورة الحج:60) . كان على النحويين أنْ يستندوا إلى هذه النصوص القرآنية وسواها في تعديل القاعدة النحوية؛ فالضوابط النحوية يجب أنْ تخضع للنصوص الفصيحة المسموعة وتستند إليها وليس العكس, لكنّهم تمسكوا بما تقرَّر لديهم محاولين تأويل هذه النصوص على الحذف والتقدير, بل جزم ابن السراج بعدم جواز توكيد جواب الشرط بـ(نون) التوكيد فقال:((لا يجوز:إنْ تأتِني لأفعلن ))؛ ومن أجل الخروج من تضارب السماع والقياس- قد ذهب النحويون إلى أنَّ الفعل المؤكَّد بـ(النون) ههنا لم يقع في جواب الشرط, بل وقع في جواب قسَمٍ دلَّتْ عليه (اللام) الموطِّئة للقسم المحذوفة في (إنْ), وعلى هذا يكون التركيب قائمًا على الشرط, إلا أنَّ جوابه قد حُذِفَ لدلالة جواب القسم المقدَّر عليه، لحذف (اللام) الموطِّئة للقسم قبل (إنْ). وتأكيدهم على حذف (اللام) الموطِّئة للقسم إنما أصله الخلاف في جواز وقوع الجواب للشرط مع تقدَّم القسم عليه, فإنَّ الثابت لدى أكثر النحويين أنه إذا اجتمع الشرط والقسم فإنَّ الجواب للسابق منهما؛ قال سيبويه: (( فلو قلت: إنْ أتيتني لأُكرمنَّك، وإن لم تأتني لأغمنَّك، جاز لأنَّه في معنى: لئن أتيتني لأُكرمنَّك, ولئن لم تأتني لأغمنَّك، ولا بد من هذه "اللام" مضمرة أو مظهرة؛ لأنها لليمين، كأنك قلت: والله لئن أتيتني لأُكرمنَّك)). وهذا الرأي لم يصمد أمام كثرة الشواهد النحوية المخالفة لما قرّروه, هذا من وجه, ومن وجه آخر فإنَّهم في الوقت الذي يُصرُّون فيه على تقدير (اللام) الموطِّئة للقسم كي يسوّغوا دخول (اللام) في فعل الجواب نجدهم حين يُجاب القسم بالشرط يحملون (اللام) الموطِّئة على الزيادة أو على الضرورة الشعرية, وفي هذا خلط واضح وجلِيّ أساسه تقديم القاعدة والقياس على أدلة السماع الموثوق بها, لهذا تراهم قد ذهبوا في توجيه الأفعال التي اقترنت بـ(نون) التوكيد في جواب الشرط على تقدير القسم. واذا تقرَّر هذا فإنَّ للقرائن الدلالية المحيطة بالنص أثرًا في فهمه وبيان المراد منه؛ لهذا فإنَّ توجيه تلك النصوص على حذف (اللام) الموطِّئة للقسم فيه بُعد وتكلّف, إذ التركيب لم يكن بحاجة إلى توكيد الشرط والقسم عليه , فمدار الكلام في آية سورة الأعراف هو الحديث عن قصة نبيِّنا آدم وحواء (ع) وبيان خشيتهما من الخسران المهدِّد لهم؛ لذا عمدَ النص الكريم إلى توكيد الفعل بـ(النون)؛ لأنهما يخافان تحققه ووقوعه, لكنّهما يطمعان بغفران ذنوبهما والعفو عنهما؛ لهذا لم يُقسما على هذا, وهذا ما دعاهما إلى التذلّل والمسكنة للتعبير عمّا صدر عنهما من المخالفة؛ لهذا عبر القرآن الكريم عن حالهما بقوله تعالى(( وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ))، والمعنى: أنَّ خسران الحياة يهددنا وقد أحاط بنا وما له من دافع إلا مغفرتك للذنب الصادر عنا وغشيانك إيانا بعد ذلك برحمتك وهي السعادة , وبهذا يكون فعل الشرط قد أُجيب بالقسم بفعل مؤكَّد بـ(نون) التوكيد, ويعضُد هذا ما جاء في آية سورة المائدة إذ إنَّ الذي دعا إلى أن يُعتنى بتوكيد جواب الشرط بـ(نون) التوكيد دون توكيد الشرط هو مراعاة السياق وظروف المقال أيضًا, فإنَّ توكيد الفعل (لَيَمَسَّنّ) فيها إنما جاء لبيان أنَّ مستحِق العقوبة هو من أصرَّ على فعلته, وتنبيهًا على أنَّ العذاب هو جزاء مَن دام على الكفر ولم ينقلع عنه. فمدارُ القول وأهميته تشديد العقوبة على هذا الصنف من الناس, أمّا الذين لم ينتهوا فلهم فرصة في التوبة والعودة إلى الصواب؛ لهذا لم يكن ثمة ما يدعو إلى التوكيد والتشديد باستعمال (اللام) الموطِّئة للقسم, ودليل هذا أن الله تعالى قال في عَقب الآية: )) أَفَلا يَتُوبُونَ إلى اللَّه ويَسْتَغْفِرُونَه )) . ومما يعضد هذه المسألة من كلام العرب ما أثبته تلميذنا الدكتور حيدر هادي خلخال من قول الإمام علي (ع) في خطبة له في قسمة الأرزاق بين الناس: ((فإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ لِأَخِيهِ غَفِيرَةً فِي أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ؛ فَلاَ تَكُونَنَّ لَهُ فِتْنَةً)) ؛ كلامه (ع) في النهي عن الحسد بأنّ من يرى عند أخيه زيادةً أو نماءً في أمرٍ ما فلا يحمله ذلك على الافتنان المُفضي إلى الحسد والغيرة؛ (( لأنَّ مَن نظر في أحوال الدنيا إلى من فوقه يستحقر ما عنده من نعم اللّه، فيكون ذلك فتنة عليه)), فالتعليق الشرطي قائم في التركيب بدليل أنَّ الإمام قرنَ النهي بـ(الفاء):(فلا تكونن) وهي جملة جواب الشرط, وقد جاء فعلها مؤكَّدًا بـ(نون) التوكيد. والنحويون يقدِّرون في مثل هذه الشواهد (لامًا) مضمَرة موطِّئة للقسم قبل(إن) والتقدير(لئن), وهذا لا يصح مع وجود (الفاء) في الفعل (تكونن), فهي ممّا تربط فعلَ الشرط بجوابِه. ولعلّ ما يدحض تلك التقديرات كثرة الشواهد النثرية من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وكلام الإمام علي(ع) فهي كافية للرد على من قال بالضرورة, ولهذا ذهب ابن مالك إلى جوازه في سعة الكلام, وتابعه الرضي فقال: ((وقد تدخل "نون" التأكيد اختيارًا في جواب الشرط)), وهو ما رآه ناظر الجيش, والشاطبي(ت:790 هـ), وارتضاه الأُشموني, وتبنّاه من المحدثين الدكتور خليل بنيان الحسون . نخلص مما تقدم أنَّ القسم يصح أنْ يقع جوابًا للشرط, ولا داعي إلى تكلّف التقدير والتأويل؛ لأنه ليس من الصواب أن يُعمدَ إلى تأويل تلك النصوص النحوية الكثيرة, وممّا ينتج عن وقوع هذا القسم في الجواب توكيد الفعل المضارع بـ(نون) التوكيد , فأصل المسألة هو جواز وقوع القسم جوابًا للشرط, وهو ما تحقق بورود الفعل مسبوقًا بـ(لا) الناهية , لهذا جاء الفعل المضارع مؤكَّدًا جوازًا ؛ لأنَّ مدار الكلام معتمِدٌ على الجواب ومنعقِدٌ على توكيده . واستنادًا إلى ما تقدَّم ذكرُه يمكن إعادة صوغ القاعدة النحوية على وفق الآتي: يجوز توكيد جواب الشرط بـ(نون) التوكيد في السعة والاختيار استنادًا إلى ما ورد في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ونصوص نهج البلاغة.
تحميل الملف المرفق Download Attached File
|
|