عنوان البحث(Papers / Research Title)
فكرة الموت والشعائر الجنائزية المقدسة عند السومريين
الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)
قيس حاتم هاني الجنابي
Citation Information
قيس,حاتم,هاني,الجنابي ,فكرة الموت والشعائر الجنائزية المقدسة عند السومريين , Time 17/11/2018 15:12:05 : كلية التربية الاساسية
وصف الابستركت (Abstract)
فكرة الموت والشعائر الجنائزية المقدسة عند السومريين
الوصف الكامل (Full Abstract)
المقدمة: برزت في بلاد النهرين حضارات متنوعة كان لها أثر في نشأت حضارات الشرق الأدنى القديم، وتعد الحضارة السومرية من أقدم الحضارات التي أبدعت في شتى مجالات الحياة، فابتكرت الكثير من المنجزات الحضارية التي أسهمت في رقي الحياة الإنسانية، والفكر الديني الذي عرف عند السومريين أحد أبرز الأفكار التي كان لها أثر في الحياة العامة لسكان بلاد النهرين، والفكر الديني يربط الموت في كثير من التفسيرات الدينية بالحرية، ومع أن الحرية غير ذات جدوى إلا بوجود الحياة، إلا أن أصحاب هذا المذهب في التفكير يتخذون من خطيئة آدم التي عبر فيها عن حريته فيما يريد أن يأكل والتي أدت إلى طرده من عالم الخلود يتخذونها دليلاً على صحة ما ذهبوا إليه. إن صورة الموت والتفكير فيه شغلت أفكار الرافدينيين كثيراً، لذا نجد أن التفكير فيه كان نقطة البداية لكل تفكير فلسفي على الإطلاق، ونجد أثر ذلك واضحاً في نتاجهم الأدبي وفي الطقوس الشعائرية المقدسة التي مارسوها، ويحاول هذا البحث إماطة اللثام عن الطريقة التي نظر فيها السومريون للموت، والشعائر الجنائزية التي صاحبة موت الإنسان، وأثرها في نوع الفكر الذي ساد عندهم. ونجد الإنسان قديماً وإلى يومنا هذا يخاف الموت بل هو يخاف من حتى التفكير فيه، وربما كان دفن الموتى هو هروب من التذكير بالموت ومحاولة لتناسيه لا إكراماً للميت كما قد يفكر البعض أو هروباً من رائحة تفسخ الجثة، وهذا النوع من التفكير في التعامل مع جثة الميت موجود في الحضارات التي شاعت فيها أفكار الديانات السماوية في مراحل تأريخية لاحقة. إن هذا البحث ما هو إلا محاولة بسيطة لسبر غور الفكر الديني العراقي القديم الذي كان سائداً عند السومريين، وبعد المسافة الزمنية عن مدة أحداث هذا البحث تعطيه العذر في النقص الذي قد يراه القارئ، وهذا أمر طبيعي لابد منه.
الحضارة السومرية: تطلق تسمية بلاد سومر على القسم الجنوبي من بلاد النهرين، وتمتد من شمال مدينة الديوانية إلى الخليج العربي جنوباً، وهي تشمل حالياً محافظات القادسية وذي قار والمثنى والبصرة، وسمي سكان هذا القسم بالسومريين نسبة له، وكلمة (سومر) تعني في اللغة السومرية (أرض سيد القصب أو الأحراش)، والمقصود بسيد القصب هنا الإله (انكي) عند السومريين وهو نفسه الإله (أيا) عند البابليين( )، وهو إله الماء والحكمة( ). ويعد السومريون من أقدم الشعوب العريقة التي استطاعت وضع لبنات الحضارة الأولى في تاريخ الإنسانية عموماً، وفي تاريخ جنوب بلاد ما بين النهرين بصورة خاصة، ويبدأ أثر السومريين بالظهور في بلاد النهرين منذ وقت مبكر يرقى إلى أوائل الألف الرابع قبل الميلاد، ففي هذه المدة ظهرت الأدوار الحضارية في بلاد سومر( )، إذ شمل (دور العبيد) (4000-3500 ق.م) (سمي نسبة إلى تل العبيد إلى الغرب من أور بـ 8كم)، و(دور الوركاء) (3500 –3100 ق.م) (سمي نسبة إلى مدينة الوركاء (أورك القديمة) في الناصرية)، و(دور جمدة نصر) (3100 – 2900ق.م) (تل النصر الذي يقع شمال شرق كيش)( ). وفي بلاد سومر وتحديداً في الوركاء( ) ابتكرت الكتابة التي تعد إحدى أعظم المنجزات الحضارية التي غيرت مجرى التأريخ وأهم مصادر دراسة تاريخ بلاد ما بين النهرين، كما تعد الكتابة أهم منجزات بلاد النهرين، لما لها من أثر بارز في حفظ التراث العالمي، وانطلقت فكرت الكتابة من بلاد سومر إلى مصر ثم إلى باقي أرجاء المعمرة، بل أن الكثير من بلدان العالم القديم المجاورة لبلاد ما بين النهرين استخدمت الخط المسماري الرافديني العريق( ). كانت الكتابة صورية في بداياتها، ففي الربع الأخير من الألف الرابع قبل الميلاد أو قبل ذلك بقليل بدأت بواكير الكتابة الصورية في مدينة الوركاء، إذ عثر في الطبقة الرابعة من موقع الوركاء على كتابات على شكل صور سميت بـ(الكتابات الصورية)، ثم تلا هذا العصر الشبيه بالكتابي أو عصر فجر الكتابة، ويشغل هذا العصر المدة من3500–2800ق.م( )، واقتصر الكتابات على تدوين شؤون المعابد ولم يكتب بها نصوص تاريخية، ثم تطورت الكتابة الصورية في مراحل لاحقة إلى الكتابة الرمزية المقطعية، ثم إلى الكتابة المسمارية المعروفة، والمسمارية ترجمة للمصطلح الإنكليزي (Cuneiform) التي تعني (شكل الإسفين أو المسمار)، لأن رموز هذه الكتابة تنتهي بشكل يشبه المسامير، وحلت رموز الكتابة المسمارية في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، إذ عثر على نص مدون بثلاث لغات هي: الفارسية القديمة والعيلامية والبابلية منقوش في جبل بهستون قرب كرمنشاه في إيران، وعن طريق ترجمة النص الفارسي تمكن الآثاريون من ترجمة النص البابلي وبالتالي التعرف على الرموز المسمارية وقراءتها( ).
عصر دويلات المدن السومرية (2800–2370ق.م) ينتهي عصر فجر التأريخ مع بدأ السلالات الحاكمة فيما يسمى بـ(عصر فجر السلالات) أو (عصر دويلات المدن السومرية) أو (العصر السومري)، ويشغل هذا العصر المدة 2800–2370ق.م، إذ ظهرت أولى السلالات السومرية التي شكلت أنظمة سياسية في كل مدينة من مدن سومر، وتوسعت المدن إلى مدن كبرى، وبرزت فيها سلالات حكمت هذه المدن، وأصبحت كل مدينة وحدة سياسية مستقلة بذاتها، وحكم هذه المدن في أدوارها الأولى كاهن المعبد (اين) الذي جمع ما بين السلطتين الدينية والدنيوية، ثم وبعد اتساع المجتمع وتطوره وتطور نظام الحرب انفصلت السلطتين، فأصبح حاكم دولة المدينة يلقب بلقب (انسي) أي (حاكم)( )، وكانت الكثير من هذه الدويلات متعاصرة، ويغلب عليها التنافس والنزاع من أجل التوسع أو السيطرة على المياه أو السيطرة على التجارة والطرق التجارية، وتنشأ أحياناً نتيجة توسع دويلة على دويلة أخرى مملكة أكبر يلقب حاكمها بـ(لوكال) أي (الملك) أو (الرجل العظيم)، وكان (لوكال زاكيزي) أول ملوك سومر( ). وازدهرت الحضارة في بلاد النهرين ونضجت خلال هذا العصر، وسادت فيه الثقافة السومرية واللغة السومرية، وكانت أغلب السلالات التي ظهرت في بلاد النهرين خلال هذه الحقبة هي سلالات سومرية( ). وكان (لوكال زاكيزي) (2400–2370ق.م) ملك دولة (أوما( )) آخر ملوك السومريين قبل أن يظهر الأكديين على الساحة السياسية في بلاد النهرين، وجعل (لوكال زاكيزي) الوركاء عاصمة لمملكته، واستطاع بدهائه ان يسيطر على أغلب مدن الجنوب ويضمها إلى حاضرته الجديدة، وبذلك أقام أول دولة موحدة في بلاد سومر( )، وبقيت البلاد خاضعة لنفوذه السياسي إلى أن ظهر الملك القوي سرجون الأكدي (2371-2316ق.م) الذي أستطاع القضاء على الحكم السومري وأسس الدولة الأكدية (2371-2230ق.م)( ). تمكن السومريون من استعادة مجدهم من جديد في عهدهم السومري الأخير، إذ انفصل بعض أمرائهم في المدن الجنوبية عن الإمبراطورية الأكدية، وشكلوا دويلات مستقلة لم يتمكن الأكديون من التغلب عليها لعدم موالاة الشعب لهم، حتى تمكن (اوتوحيكال) أمير (أوروك) (الوركاء) من القضاء على (تريقان) آخر ملوكهم وطردهم من البلاد، بعد ذلك بدأ أمراء سومريون يستقلون بإماراتهم أيضاً، فتشكلت في مدينة (لكش) دولة مستقلة من أشهر ملوكها (كودية) (2143–2124ق.م)، وفي (أور) شكل (أورنمو) (2113-2096ق.م) سلالة أور الثالثة (2113-2006ق.م)( ) التي تعد آخر سلالة سومرية حكمت بلاد الرافدين دولة أخرى( ).
فكرة الموت عند السومريين: يقول ?ولتير: ((الجنس البشرى هو الجنس الوحيد الذي يعرف أنه سيموت وهو يعرف ذلك من خلال التجربة))( )، لأن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي لديه إدراك واضح بالموت، فمتى اكتشف الإنسان أنه سيموت؟ يذهب الكاتب (جاك شورون)( ) في معرض إجابته عن هذا السؤال إلى أن الإنسان البدائي لم يستنتج من حالات الوفاة التي شاهدها أن الموت ضرورة حتمية للوجود البشرى بل يأتي الموت إلى الإنسان باستمرار نتيجة لعوامل شريرة كالقتال أو الإصابة باللعنة أو السحر الأسود، ومع التطور العقلي والنفسي للإنسان وبعد أن تجاوز العقلية البدائية أخذ الإنسان يتجه نحو الفردية، ثم بدأ الاستدلال المنطقي ينمو لدى الإنسان بحيث أصبح لديه القدرة على أن يستخلص من الأحداث العديدة التي تمر به قانوناً عاماً يقول: (إن البشر جميعاً فانون). تعد فكرة الموت وما بعده والخصب أحد أهم مميزات السومرية، ولم تقتصر أهميتها بكونها استمرت سائدة لقرون طويلة في بلاد النهرين حسب، بل اعتنقتها أغلب الحضارات التي برزت في العراق القديم كالأكديين والبابليين والآشوريين، وكانت كل حضارة من هذه الحضارات تضيف إليها من أفكارها وممارساتها الخاصة ما يكفل لها الاستمرارية والتطور، وامتد تأثيرها في الفكر الإنساني للأقوام الأخرى في الشرق الأدنى القـديم، لاسيما الأقوام التي كان لها تماس واتصال مباشر أو غير مباشر مع سكان بلاد النهرين كالكنعانيين والحيثيين( ). إننا حينما نتحدث عن الموت وأثره في الفكر الإنساني علينا أن ننتبه إلى أن إنسان العصور القديمة لم يكن يعبه بالموت إذا ما نزل في أعدائه لأنهم كانوا في صراع مستمر، لكنه ينتبه ويتوقف عند الموت عندما يخطف منه أحد المقربين إليه أبيه أو أمه أو زوجته أو ابنه أو حتى صديقه المقرب، أي أن المحببين لدينا هم الذين ينبهونا بخطورة الموت إذا ما رحلوا إلى العالم الثاني، وهذا ما دفع الإنسان إلى الإيمان بحتمية موته وبالتالي ضرورة إيجاد الحل لهذه المشكلة الواقعة حتماً. على الرغم من كل الإنجازات التي تمكن الإنسان من تحقيقها عبر المبتكرات المتوالية التي سهلت عيشه وجلبت له الراحة والرفاهية، ومع أن الإنسان تمكن من أن يذلل أغلب الصعوبات التي واجهته ومن أهمها الأمراض، إذ اكتشف العلاجات لأخطر هذه الأمراض ولأغلبها، إلا أنه بقي عاجزاً أمام تحدي الموت الذي لم يستطع أن يجد له علاجاً أو حلاً عبر العصور المتتالية، وكان تفكير الإنسان في الموت ينصب على سبب موت شخص معين تحديداً وليس التفكير عن سبب الموت نفسه( )، لذا وبعد أن يعجز الفكر السومري عن الإجابة عن تساؤلاته حول الموت نراه يتجه إلى إرادة الآلهة التي جعلت الموت مقدراً على البشر منذ خلقهم، وهذا ما يرد بوضوح في (ملحمة كلكامش( ))، إذ جاء على لسان صاحبة الحانة (سيدوري) وهي تخاطب (كلكامش) قائلةً: ((إلى أين تسعى يا كلكامش، إن الحياة التي تبغي لن تجد، حينما خلقت الآلهة العظام البشر قدرت الموت على البشرية))( )، وهذا ما تأكده جميع الديانات السماوية الموحدة التي تجعل لرحلته الإنسان المؤقتة في الحياة الدنيا مهما طالت لابد وأن تنتهي بالموت الذي قدَّرَهُ الله الإله الواحد للكائنات الحية ومنها الإنسان. ويبدو أن انتباه إنسان العالم القديم بصورة عامة وإنسان بلاد النهرين بصورة خاصة (بحكم أثر موقعه الجغرافي على ظروفه السياسية) إلى نوعية الموت كان لها أثر في طريقة التعاطي مع الموت، إذ لم يرفض الموت الذي يأتي بسبب الحرب أو القتال إلا أنه بدأ يبحث عن أسباب الخلود عندما رأى الموت يأتي من دون قتال لسبب يجهله أو لا حول له ولا قوة تجاهه، إذ أن كلكامش في حروبه المستمرة ضد أعدائه لم يخشى الموت ولم يفكر في أسباب الخلود، إلا أن أفكاره تغيرت جذرياً عندما شاهد صديقه أنكيدو يموت أمامه من دون قتال. ونجد في الأساطير الأفريقية أفكاراً تخص الموت وطلب الخلود تؤدي إلى النتيجة نفسها، وطريقة طلب الخلود تختلف عما ورد في أساطير بلاد النهرين، إذ جاءت بصيغ متعددة منها: أن البشر أرسلوا رسولاً إلى الإله الذي يوافق على طلبهم في حياة أبدية، إلا أن الجنس البشري يخسر هذه الهبة الإلهية، وتحاول هذه الأساطير الأفريقية أن تفسر سبب هذه الإخفاقة المهمة في حياة البشرية، ومنها أن الرسول الذي حمل الرسالة للإله حرف ما ورد في الرسالة وبذلك تحمل مسئولية موت الإنسان إلى ذاك الرسول، ويتحمل الرسول المسئولية مرة ثانية في تفسير آخر لسبب موت الإنسان وهذه المرة يكون الرسول بطيئاً فيرسل الناس رسولاً آخر وراءه الأمر فيغضب الإله من نفاذ صبر الإنسان فيسترد ما وهبه من خلود، ويكون الرسول في بعضها خبيثاً فيقدم عمداً رسالة كاذبة، والملفت للنظر أن في أساطير أخرى يتدخل عدو لبني البشر في آخر لحظة ليحرم الإنسان من صفة الخلود( )، والفكرة الأخيرة موجوداً في الكتب السماوية، والشيطان هو الذي يتدخل في حرمان الإنسان من الجنة وليس الخلود، ويبدو أن هذه الأساطير تأثرت بأساطير بلاد النهرين وبالكتب السماوية، ولا عجب لأن حضارة بلاد النهرين لم تقتصر تأثيراتها على حضارات الشرق الأدنى القديم حسب بل أثرت في الكثير من حضارات العالم القديم. وأمام العجز الذي شعر به السومري في مواجهة الموت لجأ إلى وسائل ما وراء الطبيعة، والتي تحتل مكاناً وسطاًَ بين السحر والدين، أمراً ضرورياً من أجل البقاء والمحافظة على الحياة نتيجة لخوفه المستمر من الموت، إذ كان الموت أهم وأعظم ما أثارته الطبيعة في الفكر السومري وعبر عنه بالسخط المكتوم وإحساس دفين بالظلم، إذ لم يجد السومري مسوغاً للموت، فأصبح الموت لديه شراً، ويأتي عدم ضمان حياة أفضل بعد الموت أو على الأقل مشابهه للحياة الدنيوية على رأس الدوافع التي جعلت العراقيين القدامى ينظرون إلى الموت نظرة مشوبة بالكره والخوف فضلاً عن توقعهم من استحالة الخروج من عالم الأموات( )، وهذه النظرة استمرت عبر العصور وإلى يومنا هذا، إذ ما برح الموت وعالم الأموات يشغل جانباً مهماً من تفكير الإنسان، وبذل الإنسان المعاصر جهوداً كبيرة من أجل كشف أسرار الموت ومحاولة إطالة عمر الإنسان متخذاً كل الوسائل العلمية والفلسفية والتفسيرات البيولوجية، إلا أن كل تلك المحاولات لم تجد الطريقة التي يمكن تجنب الموت من خلالها. ومن الأساطير الأفريقية التي توضح أصل الموت أسطورة ناما بين الهوتنتوت( ) التي جاء فيها أن القمر أرسل القملة يوماً لتعد الإنسان بالخلود، وكانت الرسالة تقول: (كما أموت وفي مماتي أحيا، كذلك أنت ستموت وفي مماتك تحيا)، وصادف الأرنب البرى القملة في طريقها، ووعد بنقل الرسالة غير أنه نسيها وأبلغ البديل الخاطئ لها: (كما أني أموت وفى مماتي أفنى، كذلك أنت ستموت وفي مماتك تفنى)، فضرب القمر غاضباً الأرنب البرى على شفته التي ظلت مشقوقة منذ ذلك الحين( ). وكانت العقيدة العامة عند سكان بلاد النهرين هي استئثار الآلهة بالخلود وبالوجود الدائم الذي لا يتأثر بالزمن( )، وتجدر الإشارة إلى وجود إشارات عديدة إلى تعرض بعض الآلهة إلى الموت ومنهم الإله ( دموزي( )) (الإله الراعي)( )، الذي كان في الأصل ملكاً على (أوروك) (الوركاء) والذي قيل أنه تزوج من الإلهة (اينانا( ))، وعندما هبط إلى العالم السفلي راحت حبيبته تبحث عنه بغير جدوى، وبقي (دموزي) يحكم العالم السفلي الذي لا عودة منه( ). ومع أن الموت يأخذ الطابع الكلي الذي لا يفرق بين صغير وكبير ولا بين رجل وامرأة ولا بين ملك وخادم، إلا أنه يحمل في الوقت نفسه الطابع الشخصي الجزئية المطلق لأنه موت فردى وشخصي وخاص، إذ أن كل إنسان لابد وأن يموت وحده إلا أن لا أحد يموت بالنيابة عن الآخر أو بدلاً منه، وهذا ما يجعل الإنسان يستهل تمني الموت بدلاً من الأحباء، فلو قدر أن تتحقق مثل هذه الأماني هل كان لفظها سيكون سهلاً كما هو الحال عليه الآن؟. والموت في الفكر السومري يعدّ شر بحد ذاته، وهو يمثل أقسى درجات القسوة التي يتعرض لها الإنسان، لذا فإن مبدأ حساب الإنسان على أعماله كان يتم في الحياة الأولى وليس بعد الموت( )، وربما كان ذلك الدافع الحقيقي وراء سعي سكان بلاد النهرين في حياتهم لإرضاء الآلهة لينالوا أفضل حياة ممكنة في الدنيا، وهذا ما يفسر اهتمام السومريين الكبير بالحياة الدنيوية واهتمام ملوكهم ببناء المعابد للآلهة وحرصهم على تزيينها وتقديم الهدايا والقرابين لها في محاولة منهم لاسترضاء الآلهة كي تمد في أعمارهم( )، وتشير النصوص السومرية لاسيما الأدعية والتمنيات التي يدونها الملوك أو الأمراء بعد الانتهاء من سرد أعمالهم الحربية أو العمرانية إلى الطلب من الآلهة أن تمنَّ عليهم بالمزيد من الفتوحات والذرية الكثيرة وطول الحياة( )، وهي فكرة ما زالت مستمرة في الثقافة العراقية، إذ كثيراً ما نجد الثقافة الشعبية تستخدم الأدعية والقرابين للخالق كي يزيد في رزقهم ويمنحهم الذرية ويمد في أعمارهم. ويبقى الموت يمثل أكثر ما يخيف الإنسان، وهو التحدي الحقيقي للملوك والأبطال الذين لا يخيفهم شيء بقدر الموت، وكلكامش نفسه يؤمن بأن الموت قادم إليه لا محالة، ومكتوب عليه أن يلقى نفس المصير الرهيب الذي يرتبط بالأسى بعد موت صديقه الحبيب انكيدو، وهذا ما يذكره كلكامش في ملحمته بعد أن يموت صديقه (أنكيدو) قائلاً: ((أي نوم هذا الذي غلبك وتمكن منك؟ لقد طواك ظلام الليل فلم تعد تسمعني، إذا ما مت أفلا يكون مصيري مثل مصير انكيدو؟ ملك الحزن والأسى روحي، وها أنا ذا أهيم في القفار والبراري خائفاً من الموت))( ). ويتجلى إيمان الإنسان في الموت على أنه المصير المحتوم بوضوح في ملحمة (كلكامش وأرض الأحياء)، إذ يخاطب فيها كلكامش الإله أوتو قائلاً: ((يا أوتو كلمة أود أن أقولها لك فأصغ لكلمتي، في مدينتي يموت الرجل وهو حزين القلب، والرجل يهلك والقلب مثقل بالهموم، لقد أمعنت النظر فوق السور، غرائب الأجداث عائمة فوق مياه النهر، أما بالنسبة لي فإني سأعامل بمثل هذا، وهذا هو ما سيقع بالتأكيد، فمهما طال الرجل لا يستطيع بلوغ السماء، ومهما عرض الرجل لا يستطيع تغطية الأرض، وما دام مصيري المحتوم لم يأتي بعد فإني أريد أن أدخل أرض الأحياء وأقيم فيها أسمي))( ). وعلى الرغم من وجود الكثير من الأساطير التي وردت من بلاد النهرين التي تأكد على أهمية سعي الإنسان وراء الحياة إلا أن سعيه هذا باء بالفشل، إذ كان الموت نصيب البشر رجالاً ونساءً( )، وهذا ما تثبته (ملحمة كلكامش) في فشل الإنسان في سعيه للحصول على الخلود، إذ تشير هذه الملحمة وبوضوح إلى أن الموت هو مصير الإنسان المحتوم، وأن الخلود هي صفة خاصة بالآلهة صاحبة القدرة المطلقة، أما الإنسان فيمكن له أن يخلد نفسه بالمنجزات التي تخدم الإنسانية، أي بواسطة (الخلود المعنوي)، وهذا ما أدركه كلكامش في نهاية رحلته الصعبة للبحث عن الخلود، إذ شرع بعد عودته إلى مدينته الوركاء بأعمال تعمير كثيرة من ضمنها بناء السور الذي يحيط بالمدينة (سور الوركاء الشهير)( )، وتأكد أسطورة كلكامش وأرض الأحياء هذا الفهم، وكيفيةُ تسامي الإنسان على قلقه تجاه الموت، وطريقة بقاء اسم الإنسان خالداً بعد موته، فيذهب كلكامش إلى أرض الأحياء النائية ليقطع أشجار الأرز ويجلب أخشابها إلى الوركاء للاستفادة منها، ونجد أن هذه الأسطورة تمثل حلاً آخر لمشكلة الخلود من خلال العمل( )، ويشير حمورابي( ) إلى ذات المعنى عندما يذكر في خاتمة شريعته التي دونها على مسلته الشهيرة قائلاً: ((في معبد (ايزاكيلا) الذي أحبه ليذكر اسمي بالطيب إلى الأبد))( ). وتشير أسطورة الخليقة وأسطورة الطوفان( ) السومريتان إلى قناعة السومريين بعدم وجود علة في ذات العالم من حولهم، وأن العالم كان مبنياً على أساس (السببية)، وخاضعاً كلياً لقوى عليا خلقته وهي تحكمه لفائدتها الخاصة، أي أنهم كانوا يتصورون الآلهة التي تحكمهم تتصف بصفات تشبه البشر في النواحي المادية والمعنوية (التشبيه)، إلا أن هذه الآلهة تفوقت على البشر بالخلود والقدرة المطلقة( )، وتؤكد هاتان الأسطورتان على ملازمة الموت للإنسان، بل أن خلق الإنسان وموته تقرره القوى الخالدة التي لا تموت (الآلهة)، والآلهة تجعل للموت سبباً إذا حلً بظروفه غير الطبيعية، أي أنها تختلق الكوارث لهلاك البشر، وهنا تشير وبوضوح إلى مسببات الموت الجماعي غير المعتاد، وتحاول أن تبرز دور الإنسان في الهلاك العام الذي يلحق به، فتجعل من الإنسان في إشارة غير مباشرة سبباً في هلاكه ولكن بإرادة وتدبير من الآلهة( )، وربما تكون هذه النظرة سبباً في الغموض الذي يكتنف نظرة بلاد النهرين إلى الموت والحياة الأخرى( ). ويبدوا أن أسطورة الطوفان تحاول التأكيد على عجز البشر أمام الموت فتجعل أحد الآلهة (أيا( )) المنقذ الذي لابد أن يتدخل للحفاظ على نوع البشر عندما أشفق على (زيوسدرا( )) في أسطورة الطوفان ونصحه وهو يهمس إليه ببناء سفينة كبيرة بعد أن أطلعه على ما قررته الآلهة من هلاك البشر، وأصبح الخالد الوحيد من البشر وبقرار من الآلهة، وهذه إشارة واضحة إلى نوع الاعتقاد الذي كان سائداً بين السومريين ومن خَلَفَهُم في بلاد النهرين، ويتمثل هذا الاعتقاد بأن ما يعيشه الإنسان من عمر طويلاً كان أم قصيراً إنما هو مقرر له من الآلهة، بل إن كل مقدرات الإنسان في حياته منذ لحظة ولادته إلى يوم مماته مقدراً لها أيضاً من قبل الآلهة، ولمعرفة القدر المجهول الذي اختطته الآلهة للبشر لجأ الرافدينيون إلى الممارسات السحرية ليتعرفوا على ما هو مقرر للإنسان، وهذا ما تشير إليه نصوص الفأل العديدة التي وصلتنا من السومريين، إذ أن جميعها تسعى إلى معرفة إرادة الآلهة بخصوص الشخص الذي يكشف طالعه عن طريق الاتصال بالقوى العليا (الآلهة) لمعرفة ما تقدره من خير وشر للفرد والمجتمع على حدٍ سواء، بينمـا يهدف السحر إلى تحقيق أو إحداث غرض معين قد يكون مفيداً أحياناً كشفاء المرضى وقد يكون مضراًً في أحيان أخرى كإلحاق الأذى بفرد ما( )، وتميزت بلاد النهرين بعلم (العرافة) الذي يعد أحد المميزات الأساسية والنموذجية لحضارة بلاد النهرين القديمة، والعرافة في بلاد النهرين نوعين( ):- 1. يعتمد النوع الأول على الإيماء من الآلهة بكلام مباشر من الفم إلى الأذن، كما فعل الإله (أيا) مع (زيوسدرا). 2. النوع الثاني تكون فيه العرافة غير مباشرة أي (العرافة الاستنتاجية) المقبولة، وقد وصلتنا العديد من النصوص التي اقتصرت على نموذج من (الكلام المكتوب). وتجنباً للموت كان ملوك بلاد النهرين يلجئون وبنصيحة من العرافين وفي ظروفٍ طارئةٍ إلى اختيار ما يسمى بـ(الملك البديل) الذي ينوب عن الملك ويُقتل بدلاً عنه عند اقتراب أي خطر( ). ويبدو أن فكرة الموت تطورت مع تطور المبتكرات الحضارية، إذ كان الكتابة أثراً بارزاً في الحياة المادية والفكرية، فأصبح السائد بين الناس أن مصائر البشر المقررة عليهم كانت تقررها وتسجلها الآلهة على (لوح المصائر)، ووردتنا العديد من النصوص التي تعطي هذا المعنى، ومنها النص الذي جاء فيه: ((أيها الإله شمش أنت الذي تسجل القول وتؤشر إلى الحكم العرافي في أحشاء الخروف))( )، وهذه الأفكار انتقلت فيما بعد إلى الفكر الإفريقي الأسطوري ونجد في أسطورة (الموت والخالق) من (كينيا) إشارة واضحة لذلك، إذ تجعل هذه الأسطورة إله للحياة وإله للموت والذي يقرر الموت هو إله الموت معطياً إشارة بحلول ساعة الأجل للناس الذين هم أبناء إله الحياة في أي ساعة يشاءها( )، ويبدو جلياً أن الشعوب كلما كانت أكثر تحضراً وتطوراً كانت فكرة الموت أنضج، إذ لم يعبأ الإنسان البدائي بالموت ولم يكترث له. وأمام هذا الفناء الشامل الذي لا يستثني أحداً من البشر أخذ الناس يتبنون فكرة أن الموت ما هو إلا نهاية لمرحلة من الحياة وبداية لمرحلة أخرى من الحياة، أي أن الموت يعد حسب معتقداتهم مرحلة انتقالية لابد أن يمر به الإنسان، ومع أن الحضارات القديمة نظرت إلى الموت بهذه النظرة الانتقالية إلا أنها تعاطت بطرق مختلفة مع ما بعد الموت فتباينت تبعاً لذلك نظرتهم وطريقة تعاملهم مع الحياة الثانية التي تتلو الموت.
العالم السفلي: إن قراءة متأنية لأساطير العالم القديم عموماً يمكن أن نستخلص منها إحساس إنسان تلك العصور بالغربة في الحياة الدنيا التي يعيش فيها بسبب رحيله الحتمي عنها، ويبدو أن هذا الإحساس بالغربة لازم الإنسان وإلى يومنا هذا، إذ أن الإنسان ربما لا يفكر في الموت إلا على أساس أنه موت للآخرين، إلا أنه ومع تقدمه في العمر تبدأ نظرته إلى الموت تتغير تدريجياً إلى أن يؤمن بأن الموت هو موته فضلاً عن كونه موت للآخرين، لذا يبدأ بالتفكير جدياً في الحياة الثانية التي سينتقل إليها قريباً، أي أن إيمان الإنسان بحتمية الموت الذي لا مفر منه دفعه إلى تغيير طريقة تفكيره من التفكير في تجنب الموت إلى التفكير في سبل الخلود. يلاحظ على إنسان بلاد النهرين كثرة انشغاله بمشاكل الحياة الدنيا والصراع المرير الذي سلكه من أجل السيطرة على البيئة المحيطة به سواء كانت بيئة طبيعية أو بيئة سياسية فرضتها عليه موقعه الجغرافي، الأمر الذي أبعده نوعاً ما عن التفكير بجدية في الحياة الأخرى والاعتقاد بالخلود فيها، وهذا ما يمكن ملاحظته في عدم بروز فكرة الخلود بشكل واضح، ولم يتجلى إيمانهم بوجود دار للعقاب ودار للثواب بعد الموت، بل كانوا يعتقدون بان عقاب الآلهة وثوابها يتمان في الحياة التي يحيونها في عالم الأحياء( )، وفي هذا العالم دار الثواب والعقاب، أما العالم الآخر (العالم السفلي) فما هو بنظرهم إلا مكان للإقامة الدائمة للموتى وعلى حدٍ سواء بين الأخيار والأشرار( )، وفكرة الرافدينيين عن مكان الموت في العالم السفلي ووصفه بأنه بالمظلم الذي لا يصلح للسكن يبدو أنها انتقلت إلى الفكر الأسطوري الإفريقي بدلالة ما جاء في أسطورة (الموت والخالق) من (كينيا)، إذ تجعل هذه الأسطورة من الموت مكون ثاني يضاف للحياة الدنيا، لذا لا يجد الموت له مكاناً يستريح به مع زوجته وابنته في الدنيا فيعمد إلى استخدام السحر ليخلق له مكاناً مظلماً يعيش فيه، وهذا المكان لا يصلح للسكن ولا نبات فيه ولا أي كائن حي، إنه مكان مخصص للأموات( ). وهكذا نرى أن فكرة الموت التي كانت تشغل بال الإنسان في بلاد النهرين نتج عنها ارتباط بشكل أو بآخر بنوع النتاج الحضاري الذي أنتجه، والموت في الفكر السومري لا يعني الفناء المطلق بل هو عبارة عن عملية انفصال للروح عن الجسد، وهو بهذا يمثل انتقال من عالم الأحياء إلى عالم الأموات الذي أطلقت عليه تسمية (كور) وتعني (العالم السفلي)، واستخدمت للدلالة على البلاد الأجنبية وعلى الجبل أيضاً( )، والفكر السومري لا يعتقد أن الإنسان يتلاشى نهائياً بعد موته، والميت في اعتقادهم يتكون من جزأين: أحدهما مادي متقلص خاضع للتآكل بشكل مستمر وهو الجسد، والآخر أثيري أطلق عليه كلمة (جدم) وتعني (شبح الموت أو روحه أو خياله) ويقابلها في الأكدية (إتيمو)( ). وخصص السومريون آلهة خاصة تحكم العالم السفلي، وهذه الآلهة هي الإلهة (أيرشيكَيكَال) وزوجها الإله (نركال)، و(أيرشيكَيكَال) هي أخت الإلهة (اينانا)، فضلاً عن الآلهة السبعة الذين يطلق عليهم تسمية (الأنوناكي)( )، وتقوم إلهة الكتابة بتسجيل أسماء الداخلين إلى العالم السفلي، وتعتمد مرتبة ومكانة المرء في هذا العالم على نشاطه إبان حياته، ويتولى الحكم على أرواح إله الشمس الذي يمر بالعالم السفلي فيزودهم بالضوء الوحيد الموجود لديهم، كما يحكم العالم السفلي الإله (ننار) الذي يقرر نصيبهم( ). وتشير الملاحم والأساطير السومرية كـ(ملحمة كلكامش) و(كلكامش وأرض الأحياء) و(رحلة اينانا إلى العالم السفلي) إلى انتقال الإنسان بعد موته إلى العالم الثاني (العالم السفلي)، وتطلق على هذه الأرض تسمية (أرض اللا رجعة)، إذ توجد بوابات تؤدي إلى هذا العالم وعددها على وفق ما ورد في أسطورة (نزول اينانا إلى العالم السفلي) سبع بوابات، ويوجد على كل بوابة حراس، كما أن لهذا العالم مزالج وجنازير خاصة به، ويتوجب على الداخلين إلى العام السفلي أن يكونوا عراة، إذ يخلع الميت جزء مما يرتدي عند كل بوابة قبل أن يجتازها، حتى يقف عارياً أمام آلهة العالم السفلي ووزرائها فتصوب نظرات الموت إليهم( ). وتشير هذه الملحة إلى استهجان الإلهة اينانا لقوانين هذا العالم وطقوسه وتعترض عليها، ولا يلقى استهجانها آذان صاغية من كبير البوابين واسمه (نيتي) إذ لا يبالي بها، بل ينهرها وينصحها بألاّ تدع فمها يستهجن طقوس هذا العالم: ((تعال يا نيتي، يا بوابي الكبير للعالم الأسفل.. واستمع إلى الكلمة التي سأقولها لك: ارفع المزالج عن البوابات السبع للعالم الأسفل.. و… بداية جنزير … العالم الأسفل.. وعندما تدخل.. انحن … وأصغى نيتي كبير البوابين للعالم الأسفل إلى كلمات ملكته: فرفع المزالج عن البوابات السبع للعالم الأسفل وفتح [؟] أبواب قصر واحد .. جنزير .. وجه العالم الأسفل. وقال لأننا الطاهرة: تعالي يا اينانا ، ادخلي.. وعندما دخلت.. رفع عن رأسها الشوكارا [تاج السهل].. [قالت] أرجوك ! ما هذا؟ [قال] اسكتي يا اينانا [لا بد من] نواميس العالم الأسفل كاملة.. يا اينانا لا تدعي فمك يستهجن طقوس العالم الأسفل))( ) وتستمر الأسطورة بوصف طقوس العالم السفلي وكل ما يحدث لاينانا عند مرورها عبر بواباته، إلى أن تقف أمام آلهة العالم السفلي (أيرشيكَيكَال): ((وكانت أيرشيكَيكَال الطاهرة تجلس على عرشها.. وكان انوناكي، القضاة السبعة ينطقون..بالأحكام أمامها، فصوبت نظراتها إليها: نظرات موت.. ونطقت بكلمة ضدها: كلمة سخط.. وأطلقت صرخة ضدها، صرخة إثم.. فحولت [الفتاة] العليلة إلى جثة هامدة .. وعلقتها في وتد))( ). وتوجد أحكام وقواعد يعمل بها خلال فترات الحداد تعد بمثابة محرمات للعالم السفلي ويطلق عليها ( تابو) ويشترك بها جميع الناس( )، كما تشير الأساطير السومرية إلى أن الميت يعامل في العالم السفلي بعدد ما أنجب من أولاد، أي أن المصير الخاص بأرواح الموتى كان يتوقف على مقدار العناية التي يكرسها الأحياء لهم في قبورهم، والعلاقة بين عالم الأحياء الأموات تستمر بعد وفاة الإنسان، ومن معالم هذه العلاقة القيام بمراسيم الدفن وتقديم القرابين إلى أرواح الأموات( )، وهذه النوع من العلاقة بين الأحياء والأموات ما زالت مستمرة ولها تأثير بارز وجلي في الفكر العراقي المعاصر، إذ ما زال العراقيون يعتقدون بنزول أرواح موتاهم في أوقات معينة من السنة، ويقدمون الأضاحي والقرابين إلى الخالق من أجل راحة موتاهم وطلباً للمغرفة لموتاهم. ويعطي الأدب السومري وصفاً للعالم السفلي من خلال الحلم الذي يقصه (أنكيدو) على (كلكامش)، إذ يذكر له بأن الحياة فيه كئيبة وموحشة، أي أنها انعكاس شاحب للحياة على الأرض، ويروي له كيف سيق إلى بيت الظلام قائلاً: ((إلى البيت الذي لا يغادره من يدخله، إلى الطريق الذي لا عودة منه، إلى المكان لا يرى سكانه نوراً ولا ضياء، حيث الغبار طعامهم والطين قوتهم، عليهم أجنحة بدل الملابس، يعيشون في الظلام فلا يرون النور، في بيت التراب شاهدت الملوك، وتيجانهم مطروحة على الأرض، والأمراء الذين حكموا في القرون الخوالي))( ). ومع ذلك يكتنف الغموض نظرة السومريين للعالم السفلي، ويطلقون عليه تسمية (أرالو) أي الجحيم المظلم أو الأرض الهائلة أو دار الأشباح، ويعتقدون بوجود هذا العالم تحت الأرض( )، وتبلغ أرواح الموتى هذا العالم بعد أن تعبر بالقوارب نهر أطلق عليه (أي لو رو كو)، وينعكس هذا الاعتقاد على شكل القوارب التي عثر عليها في بعض القبور، وتقابلها بالأكدية (هوتور) أو (خُبرة)، ويوجد ملاح خاص ينقل الأموات إلى مصيرهم المحتوم( ). وسكان العالم السفلي يطعمون ويشربون مياهاً باردة من زقاق الماء، وليحضا الميت بنوع جيد من الطعام والشراب على الابن الكبر تقع مسؤولية سكب الماء النظيف في فترات دورية تكريماً للآلهة، كما عليه أن يقدم ولائم جنائزية ليبقى متواصلاً مع أسلافه( )، ((أما الذي ليس له ذرية فلم يكن عنده شيء يأكله عدا الفضلات التي ترمى في المزابل))( )، كما يجب أن تدفن جثة الميت لترقد روحه (إتيمو)، وإذا بقي بدون دفن أو حرمت من المساندة التي يقدمها الأحياء للأموات فإنها (روحه) ستطوف على ذويه لاسيما أولاده وتعذبهم( )، إن مثل هذه الفكرة لازالت سائدة إلى يومنا هذا في العراق، إذ إلى الآن يقوم ذوي الميت برش الماء النظيف على القبر وتوزيع المياه النظيفة الباردة صيفاً على الناس مجاناً ضناً منهم أن هذه الممارسة لها علاقة براحة الميت، كما يقدمون الطعام وحسب ما يشتهي الميت، وهذه الأطعمة عادة تكون من النوع الذي كان يفضله الميت عندما كان حياً، كما أن تحمل الابن الأكبر لمسؤولية دفن والديه والإنفاق على مراسيم دفنهم ما زالت سائدة في العراق إلى حد الآن.
الشعائر الجنائزية: لقد أثارت فكرة الموت الغامضة والمحيرة انتباه الإنسان في بلاد النهرين وقادته إلى محاولة انجاز بعض الشعائر المعينة لتجاوز تلك الانتقالة المركبة (الموت المفاجئ)، ومن هذه الشعائر الطقوسية الجنائزية( ). كل ما تقدم كان له الأثر الواضح في طريقة تعاملهم مع الميت، إذ اختلفت تصرفاتهم حيال الميت حسب الزمان والمكان والحالة الاجتماعية، فمنهم لاسيما الملوك والأمراء من دفنت معه في القبر كل موجوداته الحياتية، بل يصل الأمر إلى دفن من يقومون على خدمته عندما كان حياً، وأصبحت القبور في مثل هذه الحالات تحوي على كنوز فنية لكثرة موجودات المتوفى، إذ عثر في المقابر الملكية على مجموعة قيمة من المصوغات الثمينة، كالأواني معدنية وتماثيل صغيرة مسبوكة بهيئة ملوك أو كهنة، فضلاً عن تجسيد الحيوانات المقدسة بهيئة تماثيل صغيرة ومسبوكة، مثل تجسيد الكبش وهو يريح طرفيه الأماميين على شجرة مزهرة، ويقف على طرفيه الخلفيين محاولاً أن يأكل من أغصانها( ). وتتميز الشعائر الجنائزية التي أقامها السومريون بالأسبقية في هكذا نوع من الشعائر، إذ لم يسبق أن أقيمت في عصور ما قبل التاريخ، كما أنها لم تتكرر بعد السومريين في حضارة بلاد النهرين، أي أنها اختصت بحضارة السومريين، إلا أن الملاحظ أيضاً أن هذه الشعائر والطقوس التي مارسها السومريون تعد من الممارسات المحيرة والمحاطة بالأسرار المبهمة( ). وتشير المقبرة الملكية في أور إلى نوع من الاهتمام أولاه سكان بلاد سومر إلى حياة الإنسان بعد الموت، وتمثل ذلك بالمواكب الجنائزية والأضاحي البشرية، الأمر الذي أكسب مدينة أور شهرة واسعة بفضل ما اكتشف في مقبرة أور الملكية من قبور أثارت الدهشة في العالم الحديث من حيث نوع أثارها الفنية وكمية كنوزها الذهبية والفضية، إذ تمثل هذه المكتشفات إحدى أصدق المظاهر للحياة في بلاد النهرين في أوج عظمتها (حوالي 2600ق.م)، وعثر في أور على 16 مقبرة ملكية شيدت من اللبن، تحتوي على نحو (2500 قبر)( )، وسميت بالمقبرة الملكية كونها احتوت على جثامين أشخاص كان لهم صفة الملوكية، وتمكن الآثاريون من تعيين أسماء بعضهم كالقبر العائد إلى (مس كلام دك) و(آ كلام دك)( )، وكان بكل مقبرة بئر وكان الملك الميت يدفن مع جواريه بملابسهن وحليهن بعد قتلهن بالسم عند موته، وكان للمقبرة قبة، مما يدل على أن أصل القبة يعود إلى حضارة بلاد ما بين النهرين، وقد أمدتنا المقبرة الملكية في (أور) بمجموعات فريدة من الآثار الذهبية والنفيسة( ). لقد أفادتنا كثيراً تلك الشعائر الجنائزية التي أقامها السومريون لملوكهم من ناحية وفرة الكنوز التي دفنت في المقابر الملكية، إذ كانت التقاليد الجنائزية السومرية تقضي بإتباع جميع أفراد الحاشية ملكهم إلى الموت، فيُدفنون مع الملك عند مماته وهم أحياء( )، ويشير المنقب (ليونارد وولي) الذي عثر على المقبرة الملكية في أور أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات من القرن الماضي أن طريقة التضحية التي رافقت الشعائر الجنائزية في أور كانت تقضي بإنزال جثت الملك بعد وفاته إلى القبر الذي أعد له ثم ينزل معه أتباعه وحاشيته ويستقرون على الأرض أو على رفوف موضوعة على الجدران، ثم تبدأ المراسم اللاحقة التي يقتل خلالها الحيوانات الموجودة معهم في القبر وبعدها يبدأ هؤلاء الأتباع والحاشية بتناول السم من قدر ممتلئ به كالقدر الذي تم العثور عليه في القبر المرقم (1273)، ويرافق هذه الطقوس مجموعة من الموسيقيين يقومون بعزف ترانيم جنائزية خاصة يرددها المضحى بهم، وبعد أن يبدأ مفعول السم بالظهور على المضحى بهم يضطجعون كلاً في مكانه، وعندما يموتون يدخل أحد الأشخاص (ربما يكون كاهن أو أحد العاملين في المعبد) ويرتب الجثث ومحتويات القبر الأخرى، وتردم حفرة القبر بمراحل متعددة وضمن احتفال ديني خاص بالمناسبة( ). ويعتقد المنقب (ليونارد وولي)( ) أن سبب دفن أتباع الملك معه يرجع إلى الاعتقاد الذي كان سائداً عند السومريين بأن الملك يعد إلهاً في نظرهم لذا ينبغي أن يدفن معه بعد موته أتباعه وحاشيته لينتقلوا معه إلى العالم الآخر وليواصلوا تقديم خدماتهم له حياته الأخرى. ويدفن الملك كالعامة في مقبرة خاصة أو أسفل مساكنهم( )، ترافقه حفلة جنائزية دينية، ويصاحب جنازته إلى قبره جميع أفراد حاشيته من الزوجات والضباط والجنود والخدم والموسيقيين، وينزلون الحفرة المعدة لتكون قبر الملك ثم يقدم لهم كأس من مادة مخدرة، فيشربونه الواحد تلو الآخر بعد إجراء مراسيم دينية خاصة، وعندما يفقدون الوعي جميعاً يهال عليهم التراب فيٌدفنون وهم ما زالوا أحياء( ). ووجدت إشارات لهذا النوع من الطقوس في مقبرة الملكة شبعاد (بو آ بي)، إذ عثر على جميع خادمات (وصيفات) هذه الملكة اللواتي مُتْنَ معها كُنَّ بكامل زينتَهُنَّ ويرتدين جميع أوشحتهُنَّ وحليهُنَّ الذهبية والفضية وعلى رؤوسهِنّ أكاليل من الورد الاصطناعي، ماعدا واحدة من الوصيفات لم يكن وشاحها عليها، بل كان إلى جانبها في الموقع الذي كانت فيه، ويبدو أن هذه السيدة ربما كانت قد أتت متأخرة إلى موقع الاحتفال الجنائزي( )، أما فيما يخص طريقة الموت فقد تكون عن طريق تخدير المشاركين في الاحتفال الجنائزي بمشروب مخدر، أو ربما يكون قد استخدم كأس من السم بدلاً من كأس المخدر، لاسيما أن الآثاريين عثروا في المقبرة الملكية على كأس مخروطي للملك (مس كلام دك) والذي كان يعتقد بأنه يستخدم في الأغراض الطقوسية، ويستدل على ذلك من خلال اللوح النذري من حجر الكلس الذي عثر عليه في أور ويبلغ ارتفاعه 22سم، وهو يوضح تقديم القرابين والهبات للإله ومن ضمنها صب الماء المقدس في إناء مخروطي وضع أمام الإله، ومن المحتمل أن يكون هذا الإناء يخص الآلهة ويستعمل في الممارسات الطقوسية ومنها هذه الممارسات الجنائزية لأن هذا الكأس المسمم مقدم من الآلهة لتساعد الملك أو الملكة إلى الانتقال إلى العالم السفلي برفقة حاشيته وجنوده ( ). وعثر على جثت الملكة شبعاد في قبر حفرة على شكل حفرة مستطيلة مع جثث حاشيتها من الوصيفات والأتباع بلغ عددهم (59) جثة، والغالب عليها أنها جثث نساء ورجال من الجند والأتباع مع حليها ومصوغاتها الذهبية والقلائد النادرة المصنوعة من الذهب والحجارة الثمينة كحجر اللازورد والعقيق والشذر، كما عثر على بقايا عربتين مع حيواناتهما من الحمير الوحشية السومرية وسائقيهما، فضلاً عن مجموعة أخرى من الكنوز النفيسة التي ليس لها مثيل، ومنها أقدم آلة موسيقية وترية تمثلت في قيثارتين برأس ثور من الذهب الخالص مع بقايا من صندوقيهما الصوتيين، وهما مصنوعتان من الخشب المطعم بالصدف وحجر اللازورد عثر عليهما في قبر الملكة شبعاد، ومنها لباس الرأس والأساور والدبابيس والأوراد الاصطناعية وكلها من مقتنيات سيدات مجتمع ذلك العصر( ). ووجد هيكل أحد العازفين وهو في وضعية العزف أي ممسكاً بآلة العزف، وكان الراقصون يرقصون حتى الموت والعازف يستمر في العزف إلى أن يموت أيضاً، ويبدو أن المادة المخدرة كانت عبارة عن نوع من أنواع الروائح المنومة أو نوع من أنواع البخور المنوم( ). ومع أن هذه التماثيل توضع مع الميت إلا أنها تشير إلى طقوس الخصب المعبرة عن رمز الحياة عند سكان بلاد النهرين، فرؤوس الثيران التي وضعت مع الميت استخدمت بمثابة رؤوس مزينة لعدد من القيثارات، إذ أن رأس الثور الذي تزينه لحيه بشرية كان يرمز إلى (ثور السماء) الذي تحرق أنفاسه الحبوب، وعثر في المقابر الملكية مع جثث الملوك المدفونة على العديد من الحلي الذهبية التي تتخذ أشكال مختلفة منها حلي الرأس (الأكاليل) والخواتم والأساور والقلائد المختلفة، فضلاً عن الأسلحة العديدة والمختلفة كالفؤوس ذات الرأس المجوف والفأس ذو الرأس المزدوج المصنوع من الذهب، وكان هذا الفأس فريد من نوعه بحيث لم يصنع قبله أو بعده ما يماثله من الفؤوس وكان يعتقد انه خاص بالحاكم أو الإله، أما الرماح والسكاكين والخناجر فقد أخذت أشكال عديدة (الصغيرة والكبيرة والمجوفة)، وعثر في احدي المقابر على قارب بشكل مشحوف صنع من الفضة يعتقد انه كان الواسطة المستخدمة في العالم السفلي لنقل الأموات( ). وتشير طقوس جنائزية إلى مراسيم دفن جنائزية تليق بملك كان قد قدم الكثير إلى أبناء شعبه، إذ تظهر في هذه المشاهد العربة الملكية التي يجرها حماران وحشيان، وعثر عليها في إحدى القبور الملكية في أور، وهذه العربة الملكية كانت تستخدم من قبل ملوك ذلك العصر بدلالة المشهد الذي نراه على مسلة العقبان( )، وفي هذا المشهد يبدو الملك السومري (اينناتوم) وهو يقود عربة تجرها الحيوانات ومتقدماً على المشاة من جنوده( ). وفي طقس جنائزي آخر عثر على عربة مشابهة لها في غرفة المقدسات قرب المذبح العالي بمعبد (شارا) في (تل أجرب) تعد أقدم مثال للعربة التي تجرها الحيوانات وصلنا لحد الآن، وهي مصنوعة من النحاس ويجرها أربعة حيوانات، ويقودها ملك سومري ملتح، ويبدو أن الملك الذي حملته هذه العربة كان مريضاً اعتزل الحكم، وتتقدم هذا الموكب الجنائزي هذا مجموعة من الجنود الذين يعملون على حمل الملك ووضعه في المكان المخصص له بعد أن ارتدى جميع حُلّته التي تليق به كملك، ومعه الأسلحة والأواني التي يحتاجها في حياته، وترافق هذه المراسم طقوس دينية تتمثل في العزف على القيثارة والرقص الجنائزي الخاص بهذه المناسبة تؤديه وصيفات الملك( ). وعثر في المقبرة الملكية في (أور) على أحد الملوك الذي ربما يكون قد اعتزل الحكم بسبب مرضه أو عجزه، إذ كان ممدداً في حفرة خاصة به وهو يرتدي جميع حُلّته وممسكاً بقبضة يده إناءً ذهبياً، ومن المحتمل أًًن يكون هذا الملك قد شرب السم أو المنوم في هذا الإناء، أي أنه نوع من الانتحار، وترافق قيام الملك بهذه العملية المراسيم الجنائزية، إذ يستمر العازفون بالعزف في أماكنهم، ويتقدم الجنود مـع أسلحتهم الموكب باعتبارهم رجال الملك الأوائل، ثم تليهم مجموعة من نساء القصر (الوصيفات) فضلاً عن العربة الملكية التي تجرها الحيوانات( ). ويعتقد (سيتون لويد)( ) أن الكتابات القديمة التي عثر عليها في القبور لا تثبت بأن الراقدين في هذه العربات كانوا ملوكاً أو ملكات وربما كانوا كهنة أو كاهنات ضحوا بأنفسهم بعد أن أدوا دوراً في طقوس الخصوبة السنوية. إن هذه الطقوس الجنائزية الفخمة التي مارسها السومريين حيرت المؤرخين فيما إذا كانت أضاحي بشرية أم (طقوس الزواج المقدس( ))، إذ يعتقد (أنطون مورتكات) أن الشعائر الجنائزية التي عثر عليها في المقبرة الملكية في أور ما هي إلا جزء من الاحتفالات الخاصة بالزواج المقدس الذي كان من ضمن الفكر الديني العراقي القديم ويقام سنوياً ويلعب فيه الملك دور الإله (تموز) بينما تقوم الكاهنة العليا بدور الإلهة (اينانا)، وفي ذروة هذه الاحتفالات يسمم الملك وقرينته مع أتباعهما ويدفنان، ثم يخرج جسد الملك من سقف الضريح وتبقى القرينة في ذلك القبر، وهذا الرأي يرفضه الدكتور (وائل حنون) ويرى أن هذا الافتراض أو التفسير للمقبرة ضعيف ويفتقر إلى أدلة أكثر وضوحاً( )، وتجدر الإشارة إلى أن الإله (دموزي) لم يعد إلى الأرض مرة أخرى طبقاً لما ترويه الأسطورة التي تتحدث عن نزول عشتار إلى العالم السفلي( ).
شعائر البوتلانش: وهي من الشعائر الطقوسية المعقدة التي لها علاقة بالموت، إذ تعد نظاماً دينياً واقتصادياً واجتماعياً في الوقت نفسه، ويمارسه الحاكم أو الملك عادةً، و(البوتلانش) في جوهره عبارة عن عيد يقام في السنة ويكرر في سنة أخرى، وتنحصر مظاهر هذا العيد في إقامة حفل ديني يحضره الأحياء والأموات (بأرواحهم) من أهل القبائل التي تشترك فيه، إذ يقدموا القرابين ويواجه كل منهم الآخر حسب اعتقادهم، وفي هذا الحفل توزع الأطعمة علانية وتقدم الهدايا التي تجعل من تطوع بها (الأحياء) دائناً لمن قبله (الأموات)، فيصبح هذا (الميت) مديناً برد مثلها وتجعل للدائن (الحي) الحق باتخاذ بعض أسماء منافسيه (الأموات) وشاراتهم وامتيازاتهم لأنه بكرمه يكون قد تميز عليهم وأعجزهم علانية عن أن يردوا على الهدايا التي قدمها الأحياء وهي حالة مستحيلة، فلا يبقى أمام الأموات إلا التنازل عن أسماءه أو ألقابه أو شارته أو امتيازاته( ).
تحميل الملف المرفق Download Attached File
|
|