عنوان البحث(Papers / Research Title)
وصية من محتضر للسياب دراسة بنيوية في الثنائيات
الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)
شيماء محمد كاظم الزبيدي
Citation Information
شيماء,محمد,كاظم,الزبيدي ,وصية من محتضر للسياب دراسة بنيوية في الثنائيات , Time 06/12/2018 17:41:36 : كلية التربية للعلوم الانسانية
وصف الابستركت (Abstract)
بحث اكاديمي يوضح أنساقا وثنائيات متعددة يمكن أن نكشف بوساطتها عن البنى القبلية الكامنة في هذا الأثر الأدبي المرتبط ببيئة الشاعر من حيث تأثيرها في ولادته ودلالاته.
الوصف الكامل (Full Abstract)
وصية من محتضر للسياب دراسة بنيوية في الثنائيات
ا.م.د شيماء محمد كاظم الزبيدي كلية التربية للعلوم الانسانية/ قسم اللغة العربية خلاصة تضمنت قصيدة السياب(وصية من محتضر) أنساقا وثنائيات متعددة يمكن أن نكشف بوساطتها عن البنى القبلية الكامنة في هذا الأثر الأدبي المرتبط ببيئة الشاعر من حيث تأثيرها في ولادته ودلالاته. وما هذه الدراسة إلا محاولة لقراءة بنيوية ربما تقترب من البنى الكامنة للنص الذي يخفي في طياته دلالات متعددة، تنقل القارئ من الخصوص الضيق للنص إلى الأفق العام فيمكن بهذا الأمر تعميم الشعور الفردي وجعله محوراً إنسانيا مشتركا يحرك الضمير. والقصيدة عبارة عن صراعات متعددة تتجلى في ما أوردناه في هذا البحث مثل صراع(السكون/الحركة) وما ينضوي تحته من صراعات فرعية مجسدة في (الموت/الحياة)، و(الكفر/الشكر) وهي صراعات مستمرة. وما يزال مشـروع الحل لأزمة تجسدها(الأفعى)..!! مستمرا. وصية من محتضر للسياب- دراسة بنيوية في الثنائيات قال السياب (1): يا صمت , يا صمت المقابر في شوارعها الحزينة , أعوي ,أصيح ,أصيح في لهف فأسمع في السكينة ما تنثر الظلماء من ثلج وقار تصدي عليه خطى وحيدات ,وتبتلع المدينه أصداءهن ,كأن وحشا من حديد ,من حجار, سف الحياة فلا حياة من المساء إلى النهار أين العراق؟ وأين شمس ضحاه تحملها سفينة في ماء دجلة أو بويب؟ وأين أصداء الغناء خفقت كأجنحة الحمام على السنابل والنخيل من كل بيت في العراء ؟ من كل رابية تدثرها أزاهير السهول ؟ إن مت يا وطني فقبر في مقابرك الكئيبه أقصى مناي 0وإن سلمت فإن كوخا في الحقول هو ما أريد من الحياة فدى صحاراك الرحيبه أرباض لندن والدروب ,ولا أصابتك المصيبة ! ** أنا قد أموت غدا ,فإن الداء يقرض ,غير وان , حبلاً يشد إلى الحياة حطام جسم مثل دار نخرت جوانبها الرياح وسقفها سيل القطار, يا إخوتي المتناثرين من الجنوب إلى الشمال بين المعابر والسهول وبين عالية الجبال أبناء شعبي في قراه في مدائنه الحبيبة000 لا تكفروا نعم العراق 000 خير البلاد سكنتموها بين خضراء وماء , الشمس ,نور الله ,تغمرها بصيف أو شتاء, لا تبتغوا عنها سواها هي جنة فحذار من أفعى تدب على ثراها أنا ميت ,لا يكذب الموتى 0وأكفر بالمعاني إن كان غير القلب منبعها فيا ألق النهار اُغمر بعسجدك العراق , فإن من طين العراق جسدي ومن ماء العراق 000 تضمنت قصيدة السياب(وصية من محتضر) أنساقا وثنائيات متعددة أردنا في هذا البحث ان نسلط الضوء حصراً على نسق الثنائيات الضدية التي يمكن أن نكشف بوساطتها عن البنى القبلية الكامنة في هذا الأثر الأدبي المرتبط ببيئة الشاعر من حيث تأثيرها في ولادته ودلالاته، و"تكتسب الثنائيات الضدية أهمية خاصة في الدراسات البنيوية لكونها أكثر التراكيب وضوحا في تشكلها كنسق" (2). وعند مواجهة النص مواجهة علمية نستطيع أن نقف أولا عند ثنائية (سكون/حركة) بوصفها الثنائية الطاغية على النص من جهة والثنائية التي تندرج في ضمنها من جهة أخرى ثنائيات أخرى من مثل(الموت/الحياة) و(الكفر/الشكر). ولكي نقرأ النص لا بد من قراءة عنوانه وهو يمثل أعلى اقتصاد لغوي في النص، وربما يشكل مفتاحا للولوج إلى عالمها. إن عنوان القصيدة قد شكل بؤرة مكثفة جمعت دلالات النص المتعددة (3) إذ إن القصيدة بما فيها عبارة عن وصية أطلقها محتضر يشارف على الموت فلا يرى أمامه سوى صمت وقبور وأطياف أحلام تفوه بها تلك الوصية، ولم تكن هذه الأطياف الواردة في النص سوى صراعات محتدمة في ذات الشاعر وناقوسها يدق حتى وهو على فراش المنية. وحين يشكل العنوان بؤرة فإن(أنا) الشاعر في نصه تمثل "المركز البؤري الأساس والجوهري" (4) ويعد السياب في قصيدته هذه– كما هو الحال في أغلب قصائده- من شعراء(الأنا الساردة) الذين دفعتهم(أناهم) إلى ترجمة عواطفهم ومشاعرهم وأحاسيسهم في صورة كلمات نابضة بالحياة معبرة عنها(5) ، ولكن أنا السياب في قصيدته هذه جاءت مثقلة بالمرض الذي أوقفها على أعتاب الحياة. ونلاحظ أن النص قد افتتحه الشاعر بجملة اسمية قائلا: يا صمت , يا صمت المقابر في شوارعها الحزينة , والجملة الاسمية "بكل أشكالها علامة تتحدث في إطار من الثبات"(6)، وهذا الثبات (السكون) قد قادنا إلى سمة(العدمية) عن طريق(الموت) وقد جسده الشاعر بلفظة (مقابر)، إلا أن دلالة الثبات هذه سرعان ما تتحول إلى دلالة حركية تقودنا إلى سمة(الحياة) عن طريق الأفعال(أعوي، أصيح، أسمع....) وما لحقها من أفعال تناثرت في النص تنبئ بحركته: أعوي ,أصيح ,أصيح في لهف فأسمع في السكينة ما تنثر الظلماء من ثلج وقار تصدي عليه خطى وحيدات ,وتبتلع المدينة أصداءهن,[...] و"الفعل بطبيعته تجسيد للحركة وللزمنية"(7) إلا أن حركته هذه بدت متأرجحة لا تعرف كيف تستقر بين البعدين السابق واللاحق، والاسم الذي تقدمها(يا صمت) والاسم الذي تأخرها(السكينة)، وما تولده هذه الاسمية من ثقل تحول إلى ردة فعل عنيفة(ضجة) اكتنفها(العواء والصياح). ومن الملاحظ أن لكلا الصوتين مصدرا ينبعث منه، فالعواء خاص بالحيوان متمثلا بالكلب، والصياح مصدره الإنسان، وربما يدل هذا على إحساس الشاعر بعدم الاكتراث به من قبل الآخر، لذا أخذت الألفاظ تتشظى على لسان الشاعر، لا يعرف معها تحديدا. والضجة التي ولدها(العواء والصياح) قد جاءت بناء على الرغبة في إيقاظ (الموتى) في القبور وهي كناية عن الشعب النائم على خرق الذل والاستغلال، وربما يدل العواء على وحشة الشوارع وخلوها من ساكنيها من حيث إن العواء يمثل صوتا أعلى من الصياح الذي وجده الشاعر غير مجد لإيقاظ الراقدين كما لم يجد العواء مجديا أيضا. وكل ما تقدم إنما يأتي لتعميق الدلالة وتمتين التوصيل وقد أراد الشاعر أن يعمق معنى موت المدينة جاعلا من خطاه وحيدات ولم يمرر عليها أثر آخر غير خطاه(وحيدات)، ولم يكتف بذلك بل جعل(الصدى) سمة لذلك الأثر. إن ما يجسده الفعل المضارع متمثلا بكلمتي(أعوي، أصيح) "يفيد ضرورة التحول من حالة إلى حالة"(8)، وهذا "يعني وجود حركية أكثر"(9) في النص تهيئ لبناء قاعدة الثورة. إن ثنائية(السكون/الحركة) تصبح في هذه الحال معادلا موضوعيا لثنائية (الموت/الحياة)، وتوالي الأفعال المضارعة متمثلة بـ(تنثر، تصدي، تبتلع) يولد حركة رتيبة تدل على الضعف والخواء، و"تشير إلى القوة التدميرية التي يحدثها الموت على صفحة المكان"(10) في لحظة السكون المتضمنة في الجملة الاسمية، ذلك لأن الاسمية تحتضن ما جاء بعدها من أفعال دالة على الحركة؛ لأنها الأساس الذي اعتمده الشاعر في مطلع قصيدته، وهي– أيضا– تشير إلى لحظة السكون التي ستحط على حياة السياب. إن حركية النص التي تولدها الأفعال المضارعة سرعان ما تصطدم بفعل آخر هو الفعل الماضي(سف) في قوله: [...] كأن وحشا من حديد ,من حجار, سف الحياة فلا حياة من المساء إلى النهار وقلنا تصطدم؛ لأن الماضي فعل دال على الثبات بعكس الفعل المضارع الدال على الاستمرار والدوام، من حيث إن(الماضي) وقع وانتهى وأصبح أمرا ثابتا معلوما بعكس المضارع الآني. ودلالة الثبات التي يولدها الفعل(سف) تشير- أيضا– إلى أمر الوجود وعدمه، وإلى "غياب الإنسان أمام سلطة الموت، فالإنسان المعرفة الذي يغرس أثره في صلب المكان يتحول إلى إنسان نكرة لم يكن"(11) ، فيحيل ذلك الوحش الكاسر المكان إلى "أرض يباب ساكنة تخلو من أي أثر"(12) ، وقد قال في ذلك: [...] فلا حياة من المساء إلى النهار وقد أضيفت صفة الوحش إلى الحديد وإلى الحجار لتبئير قسوة الوحش المفترض الذي حطم أرجاء المدينة كلها، وهكذا يفعل الطغاة في شعوبهم. وهذا الانتقال في الجملة الفعلية من المضارع إلى الماضي يحيلنا على أن (تركيبا ما) سواء أكان لفظيا أم معنويا قد يشير إلى شيء، ومع استمرار تنقلاته في النص الشعري يحيل إلى أمر آخر يضيف معنى للنص مغايرا لما ابتُدئ به، وهذا ما أضافته الجملة الفعلية للنص. وتتعمق دلالة الثبات من خلال صيغة الاستفهام التي جاءت في قوله: أين العراق؟ وأين شمس ضحاه تحملها سفينة في ماء دجلة أو بويب؟ وأين أصداء الغناء خفقت كأجنحة الحمام على السنابل والنخيل من كل بيت في العراء ؟ من كل رابية تدثرها أزاهير السهول ؟ فهذه التساؤلات تمثل انسحابا إلى منطقة الحلم الذي يأخذ "دوره في التعويض عن هذا الواقع المضطرب"(13) ، والحلم من الآليات الفاعلة في تشكيل الواقع الخارجي للنص الأدبي بوصفه "قائدا للنص أو تابعا له"(14) ، والحلم "جزء أساس من حياة النفس البشرية، لا مفر لنا[منه] إن نحن أردنا فنا يصف النفس ويلمس حياتها لمسا دقيقا" (15)، ولذا فإن الشاعر والحالم يشكلان المعقول تشكيلا مختلفا، ويحبكان المؤلف حبكا مغايرا ويؤلفان صورا قوامها الحلم واليقظة، التوقع والواقع(16). وهذا الحلم تجسده ذاكرة الشاعر التي "تظل تمارس دورها في تعبئة الذات الشاعرة ورفدها بالصور والوقائع والأحاسيس التي لا تنضب وما العملية الشعرية على هذا الأساس سوى فعل تنصيص للذاكرة واستجلاب كنوزها الدفينة لتحقق تمظهراتها المتعددة" (17) ، ومن ثم فإن "الذاكرة الشعرية تعمل على ضخ مدلولات الماضي حالما يتطلب الأمر ذلك طالما أنها تحتفظ بمخزونها الثقافي"(18) ، وهي كذلك "تعيد الماضي، مع أن الحياة لا تعرف القهقرى ولا تتكئ على الأمس؛ لأن الماضي البعيد النائم بين صفحات النسيان تكون لحظاته أشبه بقطرات الماء التي تتساقط من بين أصابعنا دون أن نقوى على الإمساك بها أو القبض عليها"(19) . وتمثل التساؤلات غير المحددة إجابتها في النص فضاء رحبا لعالم من الإجابات المتعددة مما يجعل المتلقي يشارك في التفكير بنوع الإجابة ويتأملها، وربما يعرف الشاعر جيدا تلك الإجابة إلا أنه أراد "تفعيل التجربة الخاصة بالتجربة العامة"(20) ، من خلال طرح التساؤلات المطلقة علما أن النص الشعري ما هو إلا مشروع لـ"تحويل دائم للعالم، وتغيير دائم للواقع والإنسان"(21) . ولا يفوتنا أن نذكر أن أسلوب الاستفهام في قوله:(أين العراق... الخ) قد أُسقطت وظيفته الاستفهامية، إذ يمكننا كتابة النص مع تغييب علامة الاستفهام على نحو ضمني لا ظاهري لكونها حاضرة في النص المكتوب(22) ، وذلك أمر يعود إلى الوظائف السياقية التي تؤدي في أحيان كثيرة دلالات(23) تكشفها "القرائن المعنوية واللفظية والحالية والتاريخية"(24) في النص، وما دام هذا الأسلوب الطلبي لم يقف عند حدود طلب الفهم بل تعداه إلى إنكاره أي خروجه من المستوى الحقيقي إلى المجازي المستقى من السياق هو أمر يحيل إلى جانب الحركة لا الثبات في استمرار التأويل وتعدد القراءة وعلى وفق ما يسمح به النص وبوساطة القرائن وهي هنا ضمنية لان الشاعر عراقي وهو يعلم أين يقع العراق ولكن جاء سؤاله استفزازيا إنكاريا لما أصاب كيان وطنه وساكنيه. وما الاستذكار الوارد في النص لما(مضى) من واقع مشرق للبلاد، بوساطة التساؤلات المطروحة، إلا تحول من الذات السليبة بالمرض والمهددة بالسكون (الموت) إلى الذات الحية بـ(الحلم والاستذكار)، وهو أمر نابع من "حركة المخيلة الشعرية المتماوجة بين التذكر والترقب، بين استحضار دقائق الماضي المترسبة [...] ولحظات النبوءة المتجهة نحو المستقبل"(25)، ويمثل التساؤل المطروح في النص عن الشمس التي رحلت على ظهر سفينة نكراء إلى مجهول، تساؤلا عن (الأمومة المفقودة)؛ لأن الشمس- ومنذ القدم- عدت رمزا للمرأة الأم، وبرحيلها تفقد الحياة معناها، وتسير نحو العدم. ولحظة الاستذكار(الماضوية) هذه تلحقها صدمة الواقع بقوله: إن مت يا وطني فقبر في مقابرك الكئيبة أقصى مناي 0وإن سلمت فإن كوخا في الحقول هو ما أريد من الحياة 0فدى صحاراك الرحيبة أرباض لندن والدروب ,ولا أصابتك المصيبة ! فصدمة الموت الاحتمالي الواردة في النص بقول الشاعر:(إن مت) وكأنه يرجو غير ذلك، تحتضن آماله ورجاءه بقبر على أرض الوطن. ونجد في طلبه هذا الموجه إلى وطنه ثقلا مشفوعا برائحة الموت(السكون). ثم تنبثق لحظة التحول(الحركة) من ثقل اللحظة إلى أمل السلامة بالحياة وهي لحظة غير مقتصرة على ذات الشاعر بل تتعداه إلى الآخر(الوطن)، قائلا: [...] وإن سلمت فإن كوخا في الحقول هو ما أريد من الحياة 0فدى صحاراك الرحيبه أما قوله: أنا قد أموت غدا , فإن الداء يقرض , غير وان , حبلاً يشد إلى الحياة حطام جسم مثل دار نخرت جوانبها الرياح وسقفها سيل القطار, نرى في هذه الاسطر أن الإقرار بالموت يتحول من السمة الاحتمالية في قوله:(إن مت) إلى السمة الظنية بقوله:(أنا قد أموت) القريبة من(اليقين) الذي سنكشفه في الأسطر اللاحقة. وهذا الإقرار يولد انتفاضة تصعد صداها صرخة استغاثة موجهه لإحياء الموتى، وذلك في قوله: يا إخوتي المتناثرين من الجنوب إلى الشمال وهذه الصورة تذكرنا بصورة تناثر القبور في المقابر، ثم يواصل الشاعر قوله: بين المعابر والسهول وبين عالية الجبال أبناء شعبي في قراه في مدائنه الحبيبة000 لا تكفروا نعم العراق000 خير البلاد سكنتموها بين خضراء وماء , الشمس ,نور الله ,تغمرها بصيف أو شتاء, لا تبتغوا عنها سواها هي جنة فحذار من أفعى تدب على ثراها نلاحظ أن هذا النص ينطق بثورة للذات الشاعرة، و"ثورة الذات أدت فعلا إلى إحياء الأمل في نفسه"(26) ؛ لأن السكون المتولد منذ بدايات قصيدته مجسدا بألفاظ (القبور، إن مت، قد أموت) قد تحول إلى رغبة في(التغيير) الذي يتطلب سرعة بالحركة لاتخاذ مثل هذا القرار. ونجد أن مقطع السياب هذا مشحون بالتوتر وهو يجسد(الذات الشاكرة) متمثلة بذات الشاعر التي حالما تحضر يحضر الآخر بصورته المشاكسة(الذات الكافرة). وهذه الثنائية(الشكر/الكفر) تنضوي تحت ثنائية شاملة هي(الحركة/السكون) فالشكر يدل على العطاء، أما الكفر فدلالته المنع والانغلاق، وهو يجسد السكون والثبات. ثم ينهي الشاعر قصيدته بالإقرار التام بالموت قائلا: أنا ميت , لا يكذب الموتى 0وأكفر بالمعاني إن كان غير القلب منبعها فيا ألق النهار اُغمر بعسجدك العراق ,فإن من طين العراق جسدي ومن ماء العراق 000 نجد في هذه العبارات هدوء الصراع القائم بين(الحركة والسكون) ومنذ بدايات القصيدة بإقرار السكون التام(الموت)، وعلى الرغم من طغيان الجملة الفعلية والمضعفة بأفعالها الصحيحة الموسومة بالحركة فإن الانتصار في النهاية أضحى للجملة الاسمية على قلّتها، وهو أمر تابع للدلالة التي ضمها سياق النص الشعري بوساطة نظرة متكاملة لا مجزأة له. ولا يفوتنا أن نذكر أن ورود صيغ التكرار في النص(يا صمت، أصيح، اسم الاستفهام(أين)، لفظة(الموت) المكررة خلال القصيدة) ما هي إلا تدعيم لفكرة الموت، التي كانت ملامحها واضحة في نصه الشعري، من حيث إن التكرار يظهر "شكلا متماسكا يشد الأسطر الشعرية إلى بعضها البعض، فالتكرار إنما هو نوع من التأكيد أو التكريس سواء أكان على مستوى البنية اللسانية أو التمثيل الدلالي الذي يتمخض عنها أنه إلحاح على تصوير معين"(27) ، فهو تأكيد حالة الضياع والفقدان في التساؤلات المطروحة وتثبيت فكرة الموت في التكرارات الأخرى. ومما يلفتنا أيضا ولع السياب بالتضعيف طلبا "لموسيقية(المفردة) الحاصلة من تكرار الصوت(مرتين)"(28) متمثلا بالألفاظ المضعفة(سفّ، شدّ، دبّ) المتناثرة في متن النص الشعري. وهذه الألفاظ تمد النص بحركة مكررة تابعة لتكرار الصوت في نهاياتها. استدللنا عبر هذا النص على أن الشاعر قد تمكن بوساطته من تعميم الشعور الفردي وجعله محورا إنسانيا عاما يحرك الضمير ويستيقظ النيام. أما تنقله بين الاسمية والفعلية فما هو إلا تجسيد لدافع أعمق في نفسه وضميره متمثلا برغبة التحول من(المسكوت عنه) إلى مرحلة الخروج من الشرنقة والإفصاح توقا للخلاص ولاسيما أن القصيدة عبارة عن صراع(الأمس واليوم) و(السكون والحركة) صراعات مستمرة، وما يزال مشروع الحل لأزمة تجسدها(الأفعى) مستمرا. وفي النهاية نلاحظ- ومن خلال إتمام قراءة القصيدة- أن العنوان في بدايتها (وصية من محتضر) قد أجال في مخيلتنا احتضارين أسسهما متن النص الشعري السيابي: الأول كان احتضارا موصوفا به الشاعر، وعندما توسطنا في القراءة وجدنا أن هناك احتضارا للوطن أيضا، إلا أن احتضار الشاعر كان ذا نهاية متمثلة بالموت المقرر(اللاعودة)، أما الوطن فكان احتضاره يسير إلى العودة (الحياة) من خلال وصايا الشاعر المطلقة. إن هذا البحث ما هو إلا محاولة لقراءة بنيوية للبنى الكامنة في نفس الشاعر والتي تجلت آثارها بنسق الثنائيات الضدية0
الهوامش (1) الأعمال الشعرية الكاملة، ديوان بدر شاكر السياب، دار الحرية، بغداد، ط3، 2000: 163-164. (2) اتجاهات النقاد العرب في قراءة النص الشعري الحديث، د.سامي عبابنة، عالم الكتب الحديث، إربد، الأردن، ط1، 2004 :241. (3) ينظر: المقاربة السيميائية للنص الأدبي، عبد الجليل منقور، في ضمن كتاب: السيمياء والنص الأدبي، جامعة محمد خيضر بسكرة، منشورات الجامعة، د.ط، 2008: 062 (4) رؤيا الحداثة الشعرية، محمد صابر عبيد، منشورات أمانة عمان، د.ط، 2006 :045 (5) ينظر: سيمياء الخطاب الشعري من التشكيل إلى التأويل، محمد صابر عبيد، دار المجدلاوي، عمان، ط1، 2009 :0127 (6) قراءة النص/قراءة العالم- دراسة في البنية، د.كمال أبو ديب، الأقلام، تشرين الأول، 1986 :056 (7) قراءة النص/قراءة العالم- دراسة في البنية:058 (8) جمرة النص الشعري- مقاربات في الشعر والشعراء والحداثة والفاعلية، محمد عز الدين المناصرة، دار مجدلاوي، عمان، ط1، 2007 :0392 (9) م.ن :0392 (10) جماليات التحليل الثقافي في الشعر الجاهلي نموذجا، د.يوسف عليمات، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2004: 0233 (11) جماليات التحليل الثقافي في الشعر الجاهلي نموذجا:0233 (12) م0ن :0233 (13) الشعر والزمن، د.جلال الخياط، دار الحرية للطباعة، بغداد، د.ط، 1975 :085 (14) الخطاب الشعري الحداثوي والصورة الفنية– الحداثة وتحليل النص، عبدالإله الصائغ، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 1999 :60. (15) شظايا ورماد، نازك الملائكة، دار العودة، بيروت، ط2، 1979 : 2/23. (16) ينظر: الخطاب الشعري الحداثوي والصورة الفنية– الحداثة وتحليل النص:60. (17) جماليات المكان في الرواية العربية، شاكر النابلسي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1994: 057 (18) سيمياء الخطاب الشعري من التشكيل إلى التأويل :0143 (19) السيرة الذاتية والتراث- مقاربة نفسية، رياض الجابري، دار المعارف، حمص، ط1، 1996 :058 (20) المغامرة الجمالية في النص الشعري، د.محمد صابر عبيد، عالم الكتب الحديث، إربد، د.ط، 2008: 024 (21) الثابت والمتحول– بحث في الإتباع والإبداع عند العرب، أدونيس، دار العودة، بيروت، ط1، 1978 :3/ 294. (22) ينظر: البنى الأسلوبية- دراسة في(أنشودة المطر) للسياب، د.حسن ناظم، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، والدار البيضاء، المغرب، ط1، 2002: 149. (23) ينظر: فسحة النص– النقد الممكن في النص الشعري الحديث، د.عبد العظيم رهيف السلطاني، دار الكتب الوطنية، بنغازي ، ليبيا، ط1، 2006 :70. (24) الدلالة الزمنية في الجملة العربية، د.علي جابر المنصوري، مطابع جامعة بغداد، بغداد، ط1، 1984 :43. (25) الزمن في شعر الرواد(رسالة ماجستير)، سلام كاظم الأوسي، كلية التربية، جامعة بغداد، 1990 :189. (26) جماليات المعنى الشعري- التشكيل والتأويل، د.عبد القادر الرباعي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، ط1، 1999 :0219 (27) البنى الأسلوبية دراسة في(أنشودة المطر) للسياب :147. (28) التركيب اللغوي لشعر السياب د0 خليل ابراهيم العطية ,دار الشؤون الثقافية العامة , بغداد ,د0ط, 1986 :67- 68 0
قائمة المصادر والمراجع المصادر والمراجع: 1- اتجاهات النقاد العرب في قراءة النص الشعري الحديث، د.سامي عبابنة، عالم الكتب الحديث، إربد، الأردن، ط1، 2004. 2- الأعمال الشعرية الكاملة، ديوان بدر شاكر السياب، دار الحرية، بغداد، ط3، 2000. 3- البنى الأسلوبية دراسة في(أنشودة المطر) للسياب، د.حسن ناظم، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، والدار البيضاء، المغرب، ط1، 2002. 4- التركيب اللغوي لشعر السياب، د.خليل إبراهيم العطية، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، د.ط، 1986. 5- الثابت والمتحول– بحث في الإتباع والإبداع عند العرب، أدونيس، دار العودة، بيروت، ط1، 1978. 6- جماليات التحليل الثقافي في الشعر الجاهلي نموذجا، د.يوسف عليمات، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 02004 7- جماليات المعنى الشعري-التشكيل والتأويل، د.عبد القادر الرباعي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1999 8- جماليات المكان في الرواية العربية، شاكر النابلسي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1994. 9- جمرة النص الشعري- مقاربات في الشعر والشعراء والحداثة والفاعلية، محمد عز الدين المناصرة، دار مجدلاوي، عمان، ط1، 2007. 10- الخطاب الشعري الحداثوي والصورة الفنية– الحداثة وتحليل النص، عبدالإله الصائغ، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 1999. 11- الدلالة الزمنية في الجملة العربية، د.علي جابر المنصوري، مطابع جامعة بغداد، بغداد، ط1، 1984. 12- رؤيا الحداثة الشعرية، محمد صابر عبيد، منشورات أمانة عمان، عمان، د.ط، 2006. 13- السيرة الذاتية والتراث– مقارنة نفسية، رياض الجابري، دار المعارف، حمص، ط1، 1996. 14- سيمياء الخطاب الشعري من التشكيل إلى التأويل، محمد صابر عبيد، دار مجدلاوي، عمان، ط1، 2009 15- السيمياء والنص الأدبي، جامعة محمد خيضر بسكرة، منشورات الجامعة، د.ط، 2008. 16- شظايا ورماد، نازك الملائكة، دار العودة، بيروت، ط2، 1979. 17- الشعر والزمن، د.جلال الخياط، دار الحرية، بغداد، د.ط، 1975. 18- فسحة النص– النقد الممكن في النص الشعري الحديث، د.عبد العظيم رهيف السلطاني، دار الكتب الوطنية، بنغازي، ليبيا، ط1، 2006. 19- المغامرة الجمالية للنص الشعري، د.محمد صابر عبيد، عالم الكتب الحديث، إربد، د.ط، 2008. الرسائل: * الزمن في شعر الرواد(رسالة ماجستير)، سلام كاظم الأوسي، كلية التربية، جامعة بغداد، 1990. الدوريات: * قراءة النص/قراءة العالم- دراسة في البنية، د.كمال أبو ديب، الأقلام، تشرين الأول، 1986.
تحميل الملف المرفق Download Attached File
|
|