عنوان البحث(Papers / Research Title)
الأفعالُ الكلاميّةُ في الخطاب الأخلاقيّ عند السيد رضي الدين علي ابن طاوس الحليّ (ت 664هـ) دراسةٌ تداوليةٌ
الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)
رحيم كريم علي حمزة الشريفي
Citation Information
رحيم,كريم,علي,حمزة,الشريفي ,الأفعالُ الكلاميّةُ في الخطاب الأخلاقيّ عند السيد رضي الدين علي ابن طاوس الحليّ (ت 664هـ) دراسةٌ تداوليةٌ , Time 08/07/2019 14:08:39 : كلية العلوم الاسلامية
وصف الابستركت (Abstract)
الأفعالُ الكلاميّةُ في الخطاب الأخلاقيّ عند ابن طاوس الحليّ (ت 664هـ) دراسةٌ تداوليةٌ
الوصف الكامل (Full Abstract)
الأفعالُ الكلاميّةُ في الخطاب الأخلاقيّ عند السيد رضي الدين علي ابن طاوس الحليّ (ت 664هـ) دراسةٌ تداوليةٌ أ. د رحيم كريم علي الشَّريفيّ أ.م. د حسين علي حسين الفتليّ جامعة بابل /كلية الدراسات القرآنية وزارة التربية/ الكلية التربوية /بابل
المُلخَصُ من المباحث التداوليّة المهمة والرئيسة التي ترشحت من المنهج اللسانيّ الحديث ، وظهرت على السطح تقنيّة ( الأفعال الكلاميّة ) التي تمثل عين هذا المنهج ، وهي تقنية نجد جذورها ضاربة في التراث اللغوي القديم ، وتعد من تجليات التفكير والتشريع اللغوي عند العرب ، إلّا أنَّ الدرس اللساني الحديث أعلى لها المديات والتخوم الواسعات . ولّما كان الخطاب الأخلاقي من الخطابات الوعظيّة والإرشاديّة والتهذيبية ، جاءت الأفعال الكلاميّة لتكون البوصلة الحقيقية لهذا الخطاب سواء أكانت مباشرة ( حقيقية ) ، أم أفعالًا كلامية غير مباشرة ، وارتأى الباحثان أنْ يكون الخطاب الأخلاقيّ للسيد رضي الدين ابن طاوس الحليّ ( ت664ه) الأرض الخصبة ، والمورد العذب ؛ لاظهار فعاليّة هذه الآلية ( الأفعال الكلاميّة ) في خطابه . المُقـدِّمـــَــــــة الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين ، والصلاة ُوالسلام ُعلى خيرِ خلْقِه محمدٍ وآلِه الطيبين الطاهرينَ المبلِّغ رسالةَ ربِّه ، وهو عليها مؤتَمَنٌ أمين ، أمّا بعد : فإنَّ الإنتاج اللّغوي المثمر قد شكّل موضوعًا رحبًا للدراسات العلميّة ، إذْ انتظمته مجموعة من العلوم منها : ( علم الخطاب) الذي ينظر إليه على أساس أنّه وسيلة تطبيقية ذو فعاليّة تقتضي التفاعل المتبادل بين المتكلم والسامع ( المتلقي) ، أو بين المنشئ والمستمع ، أو بين المرسِل والمرسَل إليه وفاقًا لضوابط معينةٍ ، فضلًا عن ذلك توافر المعرفة الواعية وآليات الخطاب ومساراته من أجل الوصول إلى الغايات المرجوة ، والنتائج المنشودة ، ومن الآليات والمناهج الحديثة التي ظهرت في المشهد اللساني الحديث ( التداولية ) بوصفها منهجًا لغويًا حديثًا ، يشاغف المجالات التداوُليّة ( الواقعيّة ) ، أي : معاينة الاستعمالات اللغويّة بلحاظ رَصْد قصدية المتكلم وإرادته حينما يُنشيء خطابًا ، واستجلاء هُويّة هذا الخطاب من جهة معرفة قواعد التخاطب اللساني وما يريده المتكلم الذي كان يعنيها حينما أنشأ الخطاب . ومن المباحث التداوليّة المهمة والرئيسة التي ترشحت من هذا المنهج اللسانيّ الحديث ، يظهر على السطح تقنيّة ( الأفعال الكلاميّة ) التي تمثل عين هذا المنهج ، وهي تقنية نجد جذورها ضاربة في التراث اللغوي القديم ، وتعد من تجليات التفكير والتشريع اللغوي عند العرب ، إلّا أنَّ الدرس اللساني الحديث أعلى لها المديات والتخوم الواسعات . ولّما كان الخطاب الأخلاقي من الخطابات الوعظيّة والإرشاديّة والتهذيبية ، جاءت الأفعال الكلاميّة لتكون البوصلة الحقيقية لهذا الخطاب سواء أكانت مباشرة ( حقيقية ) ، أم أفعالًا كلامية غير مباشرة ، وارتأى الباحثان أنْ يكون الخطاب الأخلاقيّ للسيد رضي الدين ابن طاوس الحليّ ( ت664ه) الأرض الخصبة ، والمورد العذب ؛ لاظهار فعاليّة هذه الآلية ( الأفعال الكلاميّة ) في خطابه . التمهيد لاريبَ أنّ الاخلاق ليست نصوصًا ومتونًا تُلقى وتُحفظ ، فإنّنا عندما نُريد دراسةَ الخطاب الاخلاقيّ تداولياً نرمي إلى قضية مهمة ، فلا يتعلق الأمر بتعاليم أخلاقية بالمعنى الوعظيّ والارشاديّ للعبارة على ما للأخلاق العامة وتعاليمها المحفوظة في خزائن الكتب والأسفار الدينية والحِكَمية والأدبية من أهمية في تأهيل العقل لطلب فلسفتها ، فضلًا عن أنّ البشرية لاتزال تُدين لهذا النمط من التخليق في ما تبقّى من معنى لاجتماعها الإنسانيّ غيرَ أنّ الأمر هنا يتعلق باستشكال السؤال الأخلاقي من وجهة نظرٍ فلسفية يجعل الأخلاقَ مجالاً لاقتحام النسبية والعرضية والدينامية والبراغماتية وما شابه ، أي السؤال الذي يدرس الأخلاق حقيقتها وجدواها وأنماطها ضمن النشاط الفردي والجماعيّ الشخصيّ والمؤسساتيّ في حياة البشر ضمن صيرورة سوسيو ـــــــ اقتصادية وثقافية تكون الأخلاق منها أمراً ينتجُ ويؤخّرُ ويتأثّرُ بــــــ(المعنى النيتشيّ ) إنّها إعادة انتاج قيم مختلفة تنهض على السؤال النقدي ،أيّ : السؤال الذي يبحث في انسحاب أخلاقٍ وبروز أخرى مَحِلها ، أو صراع أخلاق مع أخرى ، فقد ظّلت الاخلاقُ تشكّل درسًا واحدًا لدى مختلف الثقافات والحضارات ؛ لتنهض على أساس التلقين والتعلم والتدريب وتكوين الملكة الآمرة ـــــــ الحاثّة على خير محدّد ثابت لا يتغير ، والناهية الزاجرة على شر محدد لا يتغير، لكنْ سرعان ما حدث تحولٌ في فلسفة القيم سعى ، ولايزال يسعى إلى قلب هذه القيم وإحداث تغييرات جذرية في المنظومة الأخلاقية للإنسان ( ). ويرى إدريس هاني : (( أنّ دعوى إمكان الاستغناء عن تعلّم الأخلاق والاستزادة منها يُعدُّ جهلًا بامتياز، بَلْ إنّه الجهلُ الذي يتّسع بصورة جدلية مع تقدّم العلوم ، وسيادة الغرور والاحساس بالاكتفاء بذلك الوهم الذي سُمّي يوماً بموضوعية العلم ، وأقصد بذلك أنّ الأخلاق ليست أمراً يحضرُ في وجداننا كاملًا وبالفطرة ، بَلْ هو الشيء الذي نعلّمه ونسْمُو به ، وقد نتفوّق فيه بقدر ما نخفق ، نتقدّم فيه بقدر ما نتخلّفُ ، نبتكر فيه بقدر ما نُقلّد ، فكلُّ خُلُقٍ هو ارتقاءٌ في العلم فلا يستوي المتخلّف وغيره بالمقدار نفسه ))( ) . تناول طه عبدالرحمن الفيلسوف الأخلاقيّ فكرة المبدع المحدِث ، والمبدع المختار ، فالأول يصف وضع العالم الاسلاميّ عامة ولاسيّما الجانب الأخلاقيّ ، كاشفًا أسباب الوضع ، وطرائق التصدّي له ممارسًا له ممّا يعدّه نوعًا من ( التقريب التكامليّ ) ، إذْ يرى أنّ تغيير الوضع في العالم الاسلامي لا يكون إلاّ بتوسيع المفاهيم والتصورات الاسلامية المقررة حتى تتلاءم مع المفاهيم والتصورات الحديثة ، بل حتى تنضبط بها انضباطًا ، فيُثْبِت لها كلّ ما ثبت نفعه المادي في هذه ، وينفي عنها كلّ ما خالف العقل على مقتضاه الأداتي أو بتأوله بما يوافقه ، أمّا الثانيّ ، فيصف هذا الوضع ويقف على أسبابه وطرائق التصدّي له ممارسًا ما يعدّه نوعًا من ( التقريب التداوليّ ) ، إذْ يرى أنَّ تغيير الوضع في العالم الاسلاميّ لا يكون إلاّ بتهذيب المفاهيم والتصورات الحديثة حتى تتلاءم مع المفاهيم والتصورات الاسلامية ، بل حتى تنضبط بها انضباطًا ، فيُثْبت لها كل ما ثبت نفعه الروحيّ في هذه ، وينفي عنها كلّ ما خالف الوحيّ على مقتضاه القيميّ أو بتأوله بما يوافقه ( ). ويمكن القول : إنّ ابن طاوس في خطابه الأخلاقيّ كان يرنو إلى ( التقريب التداوليّ ) ، فيرى أنّ تغيير الوضع في عصره لا يكون إلاّ بتهذيب المفاهيم والتصورات ، من أجل مقاربتها وملاءمتها مع المفاهيم والتصورات الاسلامية ، كي تنضبط معها انضباطًا راجيًا ثبات النفع الروحيّ في هذه ، ودَرْء كُلّ ما خالف الوحيّ على مقتضاه القيمي الأخلاقيّ ، أو راغبًا في تأويله بما يوافق الوحيّ ؛ لذا فقد فطن ابن طاوس منْ قبلُ إلى لزومِ المقاربة التداولية للأدعية والوصايا والمواعظ الإرشادية والتهذيبية وإسقاطها في حيّز الانتاج والتأثير، ومسايرتها للواقع الإنسانيّ فلا يُكتفى بقراءتها وحفظها ، بل لابُدَّ من العمل بها وتطبيقها في الواقع ، قال ابن طاوس : (( إنَّ الذي أودعناه كتابَنا هذا ما هو مجرد زيارات وعبادات ، ولا كان المقصود جمع صلوات ودعوات وإنّما ضمّناه ما لم يُعْرَف فيما وقفنا عليه المخالف والمؤالف مثل الذي هدانا الله ( جلّ جلاله) بتصنيفه إليه ، من كيفية معاملات الله ( جلّ جلاله) بالإخلاص في عبادته ومن عيوب الأعمال التي تفسد العمل وتخرجه من طاعة الله ( جلّ جلاله) إلى معصيته [ إلى أن قال : ] مع أنّ الذي عملّنا هذا العمل لأجله قد كان سلفنا أجره أكثر من استحقاقنا على فعله ، وأعطانا في الحال الحاضرة ما لم تبلغ آمالنا إلى مثله ، ووعدنا وعد الصدق بما لا تعلم نفس ما أُخفى لها من قُرة أعين من فضله ، فقد استوفينا أضعاف أجرة ما صنّفناه ووضعناه ، ومهما حصل بعد ذلك إذا عمل عامل بمقتضاه ورغب فيما رغبناه فهو مكسب على ما وهبناه ))( ). فتأثير الخطاب الأخلاقيّ الطاوسيّ لم يأتِ من مجرد شحن كتبه بالنظريات الاخلاقية المجردّة ، بل لروحيته الأثر الأبلغ في اجتذاب القلوب إلى الخير والصلاح والإخلاص في العمل ومن هنا اشترطوا في الواعظ أن يكون متّعظاً ، زد على ذلك أنّ الفَهم الطاوسيّ الحاذق قد تجلى في أقواله وأفعاله فقد وصفه من ترجموا له بأنّه كان عالماً عاملاً ( )، فقد نهج ذلك المنهج الأخلاقيّ الذي أحسن فيه الأخلاقيون أيّما إحسانٍ ، وأفاد به المنظومة الأخلاقيّة أيّما فائدةٍ .
المبحث الأول: الأفعال الكلاميــــّـــــة المباشرة هي أقوال تُؤدّى بها أفعال فيها يمكن للمرء أن ينجز أفعالاً بواسطة اللغة ، نحو: أزوجك ابنتي ، فمجرد التلفظ بالقول تصير الابنة زوجة ؛ ومن ثم يَحْدُث فعل كلاميّ ( ). يتضح في ضوء المسار التطوريّ للتداولية أنّ المقاربة التداولية قامت على الأُسُسِ التي وضعتها فلسفة اللّغة مع كلّ من أوستين، وسيرل ، وغرايس ، فقد عَمِل كلُّ واحدٍ من جهته على تقديم رؤية لمقاربة اللّغة في إنجازاتها المختلفة . ابتدأَ أوستين أولًا بالتمييز بين الجُمل الوصفيّةِ ، والجمل الانشائيّة ، فالأولى تخضع لحكم الصدق والكذب في حين ترتبط الثانية بالنجاح والإخفاق ، غير أنّ أوستين سرعان ما سيكشف أنّه لا جدوى من هذا التقسيم ، وينزع عنه نسبياً في ضوء تأكيده أنّ كلَّ جملة تامة مستقلة تقابل إنجاز عمل لغوي واحد على الأقل ، ويميّز بين ثلاثة أنواع من الأعمال اللغوية ، العمل الأول : هو العمل القولي وهو الذي يتحقّق ما إنْ تتلفظ بشيء ما ، أمّا الثاني ، فهو العمل المتضمّن في القول وهو الذي يتحقّق بقولنا شيئاً ما ، وأمّا الثالث ، فهو عمل التأثير بالقول وهو الذي يتحقق نتيجة قولنا شيئاً ما ومن ثمّ فإنّ كل جملة عند التلفظ في نظر أوستين توافق على الأقل إنجاز عمل قولي وعمل متضمن في القول ، وأحياناً توافق القيام بعمل تأثير القول ( ) . وبحسب التقسيم الأوستيني، الذي نجزم قاطعين أنّ جذوره ضاربةٌ في التراث العربي بلحاظ حقائق ، وقواعد أسّسها العرب ، منها الحقيقة والمجاز والسياق وتقنياته ، من نحو سياق المقام (لكل مقام مقال ) ، وسياق الحال وغيرها ( ). جاء تقسيم الأفعال الكلاميّة على قسمين مباشرة، وغير مباشرة. إنّ اللّغةَ بحسب نظرة التداوليين ، ولاسيّما (جون أوستين ) ليست مجرد وسيلة للوصف ونقل الخبر ، بل أداة لبناء العالم والتأثير فيه ، وقد تقدّم بنظرية بسط القول فيها : عبر جملة محاضرات ومقالات ضمنّها نظريته بخصوص الأفعال اللّغوية التي ظهرت بعد وفاته بعنوان ( كيف نُنْجِزُ الأشياء بالكلمات ؟ ) والذي ترجم إلى الفرنسية عام 1970 ( ) ، وأُولى الخطوات التي تحدّث عنها موقفه من الأثر الذي تحدثه الجمل في إقرار حدث ما ، وهو ما تكون بموجبه صادقة أو كاذبة أي التي تقوّم على وَفق معيار الصدق والكذب ، زد على ذلك جمل التعجب والاستفهام والأمر والنهي ...وغيرها . الخبر يُعرّف الخبرُ بأنّه (( القول المقتضي بصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفي أو الاثبات ومَن حدَّه بأنّه المحتمل للصدق والكذب المحدودين بالخبر لزمه الدور ))( ) ، وقد كان للخطيب القزويني رأيٌ حاسمٌ في ماهية الصدق والكذب قال : (( اختلف الناسُ في انحصار الخبر في الصادق والكاذب، فذهب الجمهور إلى أنَّه منحصرٌ فيهما ، ثمّ اختلفوا فقال الأكثر منهم: صدقه مطابقة حكمه للواقع هذا هو المشهور وعليه التعويل ))( ) ، وتأسيسًا على ذلك فالخبرُ هو الكلام الذي يحتمل الصدق والكذب لذاته ، فالكذبُ في الخبر منهم مَنْ يجعله الخبر الكاذب ما كان مخالفًا للواقع ، ومنهم من يجعله مخالفًا لاعتقاد المتكلم ، وسواء كان هذا الموقف أو ذاك فإنّ القيمة الصدقية للكلام هي التي تمنحه مشروعية التداول غير أنّ هذا اللّاصدقي استطاع أن يجد له أو لنفسه مكانًا أو فضاءً ، ويستقطب جمهورًا خاصًا اهتم به ، وتتبع خطواته عبر خطابات نصية مختلفة تلتقي جميعها في هذه القيمة اللّا صدقيّة التي هي التخيل( ) . وقد يخرج الخبرُ عن غرضيه الأصليين ( الحقيقييّن ) ، فائدة الخبر ( إفادة المخاطب الحكم الذي تضمنته الجملة ، أو الكلام ) ، ولازم الفائدة ( وهو أن يلقى الكلام على عالم به ) ( ) ، وهذا هو الأصل في أغراض الخبر ، لكنّه قد يخرج على خلاف مقتضى الظاهر فيفيد معاني مجازيّة تُفهم من السياق وقرائن الأحوال . وسنحاول استجلاء النصوص الخبريّة الأخلاقيّة الطاوسيّة ( الإخباريات ــ التقريرات ــ ) ، والهدفُ منها : وصف واقعة معينة في ضوء قضية ، وتتميّز باحتمالها الصدق والكذب ، باتجاه المطابقة فيها إلى العالم الخارجيّ ، فيكون القول مطابقًا للوقائع الموجودة في ذلك العالم ، وهذه التقنية ( الإخباريات ) تعدّ إضافة من ( سيرل )، لما أبداه ( جون أوستين ) من قبلُ من ( حكميات ، وتنفيذيات ، وسلوكيات الأفعال الكلامية المباشرة وغيرها ) ، إذ أضاف ( الإخباريات ـــ التقريرات ــ ، والتوجيهات ( الطلبيات ) ، و الإلتزاميات ( الوعديات ) ، والتعبيريات ، والإعلانيات) . قال ابن طاوس مخبرًا عن نفسه أنّه الذي يشير بالتقى ويعمل بالهدى وهو الرجل الذي أخبر عنه الإمام الصادق ?)) : (( أقول : ومن حيث انقرض ملك بني العباس لم أجد ، ولا أسمع برجل من أهل البيت يشير بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشى ، كما قد تفضل الله به علينا باطنًا وظاهرًا ، وغلب ظني أو عرفت أنَّ ذلك إشارة إلينا وانعام ، فقلت ما معناه : يا الله إنَّ كان هذا الرجل المشار إليه انا فلا تمنعني من صوم هذا يوم ثالث عشر ربيع الأول (... ) وقلت في معناه : يا الله إنْ كنت أنا المشار إليه فلا تمنعني من صلاة الشكر وأدعيتها ، فقمت فلم أمنع بل وجدت لشئ مأمور، فصليتها ودعوت بأدعيتها ، وقد رجوت أن يكون الله تعالى برحمته قد شرّفني بذكري في الكتب السالفة على لسان الصادق (?) )) ( )، فنلمح أنّ الجملة الخبرية ( أقول ) وما بعدها تحمل معنى واحدًا وهو الدلالة على اتصاف ابن طاوس بالأخلاق والفضائل والشمائل التي أخبر بها الأمام الصادق (?) أنّه سيظهر رجلٌ من ذرية أهل البيت (?)يتصف بالتقى ويعمل بالهدى ، وانطوت هذه الجملة في بنيتها السطحية قرينة التكلم والخطاب وفعل انجازي ظاهر ، فهي تمثل ملفوظًا إنجازيًا صريحًا ( أقول ) ، وهذا ما خلص اليه ( أوستين ) بالقول: إنَّ معيار الصدق أو الكذب مرتبط بمعيار النجاح أو الفشل ، والعكس صحيح هذا من جهة ، ومن جهة أخرى لاحَظَ ( أوستين ) أنّ الجمل اللغويّة كلَّها يمكن أنْ تقوم بحسب المعيارين معًا ، ومن ثمَّ يستحيل التمييز بين الملفوظات الوصفية والملفوظات الإنجازيّة ، وتوصّل إلى أنَّ جميع الجمل اللغويّة هي قول وفعل في الوقت نفسهِ ، ومن ثمَّ يمكن اختزالها وتصنيفها بعنوان واحد هو الملفوظات الإنجازيّة ، إلاّ أنّنا نجد نوعين من الملفوظات : إنجازيّة صريحة ، وملفوظات إنجازيّة ضمنية ، من نحو : الأولى : إنّ الجوَ باردٌ اليومَ . الثانيّة : أقول : إنّ الجوَّ باردٌ اليومَ . فالثانية حملت في بنيتها السطحية لفظًا إنجازيًا صريحًا هو ( أقول ) ( ) . وقال ابن طاوس كاشفًا عن تعظيم اليوم السابع والعشرين من رجب المبارك ، يوم مبعث النبيّ الاعظم (? )، ووصف الحدث ، وأخبر عنه ، فضلًا عن تقريره ، في ضوء الكشف عمّا فعله المبعث المعظّم من تغيير الحال ، والأخلاق ، والنفوس ، والمنقلب ، قال : (( وروح حياة ذلك السبق للأولين والآخرين ، في اليوم السابع والعشرين من رجب بالعجب وشرف المنقلب ، فاستنشقته عقول كانت هامدة أو بائدة ، واستيقظت به قلوب كانت راقدة ، وجرى شراب العافية بكأس آرائه العالية في أماكن أسقام الأنام فطردها، وأحاط بجيوش النحوس فشردها ، وتهدد نفوس العقول المتهجمة على العقول فأبعدها ، حتى ألفها بعد الافتراق في الآفاق وعطفها على الوفاق والاتفاق )) ( ) ، فالقوة الإنجازية المباشرة للإخباريات انطوت على وصف الحدث ، والإخبار عنه ، فضلاً عن تقريره ، لذلك قال ابن طاوس : (( زِدْنا في الاجتهاد في هذه الصفات والسيرة فيهم بالتقوى والمشورة بها والعمل معهم بالهدى ، وترك الرشى قديماً وحديثاً ، لا يخفى ذلك على مَنْ عرفنا ، ولم يتمكن أحدٌ في هذه الدولة القاهرة من العترة الطاهرة ، كما تمكنا نحن من صدقاتها المتواترة واستجلاب الأدعية الباهرة والفرامين المتضمنة لعدلها ورحمتها المتظاهرة وقد وعدت أنْ كل سنة أكون متمكناً على عادتي من عبادتي أعمل فيه ما يهديني الله إليه من الشكر وسعادة دنياي وآخرتي ))( ) . ومن النصوص الطاوسيّة التي نلمح فيها أفعالاً كلاميةً مباشرةً مقتصرةً على دلالةِ الصيغةِ نفسِها ( الدلالة الحقيقية ) ، قولُهُ في وصيةٍ لابنهِ (( ومتى اشتبه عليك شئ من نتائج العقول، فالْزِمْ الصّومَ ، والخلوة ، والتذلل للقادر على كل مأمولٍ فإنَّك تجده ( جلّ جلاله ) كاشفاً لك ما اشتبه عليك وباعثًا إلى عقلك وقلبك من أنوار هدايته ما يفتح أبوابَ الصوابِ لديك )) ( ) ، فدلالة فعل الأمر ( فالزم الصوم ) دلالة حقيقية ( الوجوب ) ، وهو فعل انجازي تأثيري . إلْزِم الصّوم إنشاء طلبيّ دلالة حقيقية(الوجوب) فعل إنجازيّ تأثيريّ ومن المتون الطاوسيّة الأخلاقيّة التي تُحقّقُ فعلًا كلاميًّا إنجازيًا مباشرًا ، في ضوء تَصور دلاليّ يتمثل في مراعاة حالة المتكلم ، ومنزلتة بالنسبة للمخاطب ، تأمل بيان ابن طاوس الحليّ حال الرسول الأعظم (?) ، مع النفر المؤمن الذين ما انفكوا يدعون الله (عزّ و جل) غداة وعشيّا لايفترون ، استيحاءً من قوله تعالى : چ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ?? ? ? ? ? ? ? ? ?? چ [ الكهف: 28] ، قال ابن طاوس (( إنّ ظاهر هذه الآية يقتضى تعظيم الدعاء لله بالغداة والعشي وتعظيم الذين يعملون ذلك خالصًا لوجه الله تعالى فان مقام الرسالة من أبلغ غايات الجلالة فإذا أمر الله تعالى رسوله وهو السلطان الأعظم (?) أْن يصِّبر نفسه الشريفة المشغولة بالله مع الدعاة بالعشيّ والغداة )) ( ) . ويظهر شرط الاستعلاء في الخطاب التوجيهيّ من لدن الله ( عزّ و جلّ ) لصفيّه ومختاره النبيّ الاعظم (?) ، في ظل توجيهه نحو سلوك معين ، والتأثير فيه ، وفي ذلك إنجاز وإنعام في الصّبر والثبات مع الثُلّة المؤمنة ، وهذا أمرٌ تأثيريّ إنجازيّ النصُّ أمام محمد (?) ومن تبعه ، فهم مدعوّن يوميًا لتسديد خُطى الأقربين في سلوكهم العقدي ، والأخلاقيّ ، والاجتماعيّ ، وسيظلُّ النبيُّ محمدٌ (?) ، والمؤمنون الصادقون المخلصون صادقين مع أنفسهم . وعود على بَدْء ، فإنّ الخطاب الإنشائي المؤدى بصيغة الأمر الصريح (افْعَلْ ) ( اصْبِر ) جاء بدلالته الرئيسة ( الطلب والوجوب ) ، فالفاعل النبيّ (?) ، والفعل التأثيري الإنجازي ( اصْبِرْ) قد أدّىّ هذه الدلالة المباشرة . الإنشاء الطلبي( الأمر) اصْبِرْ الدلالة الرئيسة المركزية الطلب والوجوب وتأسيسًا على ذلك فإنّ الخطاب بحسب قول ابن طاوس الحليّ وتصوره وفهمه يُعْلي من شأن النبيّ (?) ، وشأن أصحابه المخلَصين ممّن عَرَفوا الله ( جلّ جلاله ) حقّ معرفته ، بَلْه ذريّته الذين انقطعوا لعبادته ، وذابوا في ذاته ( جلّ جلاله ) ، فالقرب الإلهيّ ، والتواصل مع الله ( عزّ و جل) بالدعاء والمناجاة جسر حقيقيّ للظفر بالسعادتين الدنيويّة والآخروية . ويرى الدكتور سعد كموني أنّ الآيّة الكريمة تشكل مظهر الخلق الدائم ، إذ تنطوي على جملة الأفعال الواجبة في هذا المقام ( اصْبِرْ ، لاتَعدُ ، لاتُطع ) ، فالنص يسمحُ لنا أنْ نقارب مقاصده وندلف إلى دلالاته انطلاقًا من واقعنا اللغويّ على أنْ لا يكون ذلك على حساب نظامه اللغويّ ، فالتأويل يقتضي أنْ لا يكون ذلك على حساب نظامه اللغويّ ، فالتأويل يقتضي أنْ نخرج بالمفردة من فلكها في النصّ إلى فلكها الاجتماعي لكي نكشف المعين الذي أزخرها ، ثمّ نرقبها بعد ذلك في كيمياء النصّ كيف تتفاعل مع سواها ( ) . أشار ابن طاوس الحليّ إلى ما يحدثه الفعل المبني للمجهول من قوة إنجاز وتأثير بوصفه فعلًا كلاميًّا قاهرًا ، ففي بيان تفسير قوله تعالى: چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? چ [ هود: 44] ، قال : (( ومجيء إخباره (عزّ و جلّ ) على الفعل المبنيّ للمجهول للدلالة على الجلال والعظمة ، وأنّ تلك الأمور العظام لا تكون إلّا بفعل قاهر لا يشارك في أفعاله ، فلا يذهب الوهم إلى أنَّ غيره يقول يا أرض ويا سماء وإنَّ أحدًا سواه يقضى ذلك لذلك )) ( ). ولم يكتفِ بذلك إذْ بيَّنَ أنّ بناء الأفعال ( قَالَ ، غَاضَ ، قَضَى ) للمجهول أَسْهَم في تفخيم الأمر وتضخيمه ، من أجل تصوير حال الانتقام من هؤلاء الظالمين ، قال : (( ومنها ( وقيل ) ، ولم يقلْ جلّ جلاله : ( قُلْتُ ) ، أو ( قُلْنَا ) ، فلعلّ المراد أنّه لمّا كان هذا الأمر لا يقدر عليه سواه كان لفظ ( قيل ) ، مثل ( قُلْتُ ) أو ( قُلْتَ لْنَا ) ، ولعلّ المراد تفخيم الأمر ، وتعظيم القدر على عادة الملوك في لغة التغليب والقهر ، أو لعلّ المراد : أنّه لما كان الحال حال انتقام كان الخبر بها باللّفظ ( قيل ) أليق بوصف كامل الرحمة ، والإنعام ، أو لعلّ المراد أنّ هذا ممّا يزيده ( جلّ جلاله ) عظمة و لاجلالة إذا قال : قُلْتُ )) ( ) . ويبدو أنّ الاقتصاد اللغويّ في بنية الفعل المبنيّ للمجهول ، وقُوّة بنيته وما يلازم هذا البناء من دلالات ( العظمة ، السرعة ، والتعجب ، والتوكيد ، والانجاز ، والتأثير ) هو أوفق للسياق المقاميّ التداوليّ ( ) ، وهذا ما اسْتَدْعى ابن طاوس إلى التعامل مع هذا الفعل تعاملًا تداوليًا واصفًا إيّاه بــــ( الفعل القادر القاهر ) ، ويمكن بيان إنجازيّة هذه الأفعال وتأشيرها بالمخطط الآتي :
الأخبار الافعال ( قال ، غاض ، قضى ) الافعال المبنية للمجهول ( اقتصاد لغوي ) ( قِيْلَ ، غِيْضَ ، قُضِيَ )
التفخيم والتعظيم السرعة التوكيد التعجب الإنجاز
وتتجلى تقنيّة السياق ، ولاسيّما باستثمار القرينة المنفصلة ، في تحديد الفعل الكلاميّ المباشر في الخطاب الأخلاقيّ الطاوسيّ ، ففي تفسير قوله تعالى : چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ [يوسف: 4] ، وبيّن ابن طاوس وهم أبي علي الجبائي في عدم اقتناص الدلالة المرادة للفعل الكلامي ( ساجدين ) ، إذ حدّدها بـ( خاضعين ) ، فجعل خضوعهم له سجودًا ، لأنّ الخضوع في اللغة السجود من الخاضع للمخضوع له ، ورأى أنَّ (( الجُبّائي قد غفل عن آخر القصة أو ما كان يحفظ القرآن لان يوسف لما سجد له أبواه وأخوته قال : هذا تأويل رؤياي من قبلُ قد جعلها ربّى حقًّا ففسّر هذا السجود المعهود بذلك السجود، فلو كان ذلك خضوعا من غير سجود ما كان يقول (?) : چ گ گ ? ? ? ? ? ? ?? چ )) ( ). فالفعل الكلاميّ الإنجازيّ لـــ( ساجدين ) هو السجود المطلق سجود التعظيم والإجلال له (?) ، بدلالة السياق ( القرينة المنفصلة )، قوله تعالى : چ گ گ ? ? ? چ ، وقد نقد ابن طاوس الجُبّائيّ ، لأنّه لم يشغل هذه التقنية من جهة ، أو أنّه ما كان يحفظ القرآن من جهة أخرى ، ولعلّ القول الثانيّ يُنبيء أنَّ ابن طاوس كان من الذين يحفظون القرآن الكريم ، فمن لوازم عملية التفسير ولواحقها عند من يقوم بهذه المهمة حفظه كتاب الله ( عزّ و جلّ ) ــــــ كما يرى ابنُ طاوس الحليّ ـــــ . و يتجلى الخطاب الأخلاقيّ الطاوسي في بيان حال المسارعين إلى الخيرات ، السابقين إليها . فسر الفراء قوله تعالى چ ? ? ? ? چ يبادرون بالأعمال چ هُمْ ? ? چ ، وقد يقال( وَهُمْ لَهَا سَابِقُون ) ، أي: سبقت لهم السعادة ... ( ) قال ابن طاوس في تعليقه على تفسير الفراء : (( أَقول: إذا احتمل اللفظ الحقيقة فما الذي يحمل على تفسيره بالمجاز ؟ ، فإنّ قوله : چ ? ? ? چ هو المعلوم من الحال بالضرورة ، لأنَّهم سبقوا أعمالهم بالمعرفة ، أو بالذي كلّفهم إيّاها ، وبالرسول الذي دلّهم عليها ، وبمعرفة تلك الأعمال الصالحة ، وكانوا سابقين لها ، وهي متأخرة عن سبقهم وهو أبلغ في مدحهم )) ( ) . فالجملة الإسمية المكونة من المبتدأ ( أولئك ) اسم إشارة الدال على البعيد ، والخبر ( يُسارعون ) الجملة الفعلية المضارعية تنجز فعلًا كلاميًا مباشرًا بحسب رؤية مركبة إيمانيّة إصلاحيّة تعبيرية هذه المهمة سبقتها معرفة إنتاجية بعواقب المسارعة إلى الخيرات والتسابق للظفر بها ، ومن هنا انمازت هذه المسارعة بمعرفة قَبْلِيّة ، وهيّ أسُّ الأعمال ، وأصلها وهو ماعُرف عند الفقهاء في مباحثهم من (فقه الأخلاق) بنية العمل( ) . في بيان قوله تعالى : چ ? ? ?ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑک ک ک ک گ چ [ العنكبوت: 26 ] ، ردّ ابن طاوس على مَنْ قال: إنّ معنى إنّي مهاجرٌ كل من خرج من داره ، أو قطع سبيلًا فقد هاجر، قال: (( كان ينبغي أنْ يذكر معنى المهاجرة إلى الله تعالى ؛ لأنَّ الله حاضر في المواقع الذي هاجر منه إلى الموضع الذي هاجر إليه، ولعلّ المراد بالمهاجرة إلى الله تعالى الانقطاع إليه بالكلّيّة عن كل شاغل والتجرّد له وكان إبراهيم كذلك في الوطن الأول لكن ظاهر حال المخالط للناس ، أو المبتلى بهم مع اشتغاله بالله تعالى وامتثاله لأمره أنّه يكون من جملة طاعاته اشتغاله بالناس في الأول أو بغير الناس من أسباب الطاعة فلعله أراد أنْ يكون المهاجرة إلى مجرد الاشتغال بالله تعالى بغير واسطة من ساير الأشياء، وامّا قوله كل من خرج من داره فقد هاجر فبعيد من عرف الشرع وعرف العادة لأنّ الخارج من داره ، مجتازًا من بلد إلى بلد لا يسمى مهاجرًا، بَلْ متى قصد المهاجرة والإقامة به ))( ) . ويستفاد من متن ابن طاوس الحليّ أنّ استبعاده الدلالة الحسيّة للهجرة بمعنى الخروج من الدار، وقطع السبيل قائمة؛ كونها لا تنسجم مع الإيمان الحقيقي، ومتطلبات العقيدة الراسخة؛ لذا رأى أنّ المراد بحسب القوة الإنجازية المستلزمة أنّ المهاجرة إلى الله (عزّ و جل) تعني الانقطاع إلى الله (عزّ و جلّ ) كليّة، وتأسيساً عليه ينعطف المعنى باتجاه الدلالة المعنوية؛ لأنّ المجال التداوليّ يأبى ربط المهاجرة في الآية بالانتقال من بلد إلى آخر. المبحث الثاني: الأفعال الكلامية غير المباشرة إنّ وظيفةَ اللّغة لا تقتصر على تقرير الوقائع ، أو وصفها لكنّ للّغة وظائفَ عديدة كالأمر والاستفهام والنهيّ والتمنيّ والشكر والتهنئة والقسم والتحذير ... وغيرها ، وليست الّلغة حساباً منطقياً دقيقاً لكل كلمةِ فيها معنى محدد ، ولكلّ جملة معنى ثابت ، إذ لا تنتقل من جملة الاّ ما يلزم عنها من جمل مراعيًا قواعدَ الاستدلال المنطقي ، بل الكلمة تتعدد معانيها بتعدد استعمالنا لها في الحياة اليومية ، وتتعدد معنى الجمل بحسب السياقات التي ترد فيها فالمعنى هو الاستعمال ( ) . هذا الفَهْم في توجيه وظيفة الخطاب بوصفه عملية إجرائية غايتها الإبلاغ والاتصال والإقناع ، جعلت ابن طاوس يستثمر البعدَ التداوليّ للخطاب ، لأنّه آلية كاشفة عن الاستعمال من جهة ، ومصوّرة الحال والمقام من جهة أخرى ، وبتواشُج هذين العنصرين يتمُّ إصابة الدلالة المرادة بَلْهَ القصديّة أيضًا . ففي قوله تعالى:چ ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? چ [البقرة: من الآية50] ردّ ابن طاوس على الفرّاء في بيان حال أصحاب فرعون المؤمنين الناجين ، قال : (( قد كانوا في شغل من أن ينظروا مستورين بما اكتنفهم من البحر أن يَرَوْا فرعون وغرقه، ولكنّه في الكلام كقولك: قد ضُرِبْتَ وأهلك ينظرون فما أتَوكَ ولا أغاثوك؛ يقول: وهم قريب بمرأىً ومَسْمَعٍ (...) وإذا كان قد عرف أصحاب موسى (?) أنّ فلق البحر لنجاتهم وهلاك فرعون وأصحابه، فكيف لا يكونون متفرغين لنظرهم ومسرورين بهلاكهم ، كما لو قيل لإنسان : ادْخُلْ هذه الدار، ليدخل عدوك وراءك فإذا خرجت من الدار وقعت الدار على عدوك، فإنّه يكون مسروراً ومتفرغاً لنظر هلاك عدوه ويقال أيضاً: إنّ أصحاب فرعون لمّا نزلوا خلف أصحاب موسى (?) جعل طرف البحر والماء الذي بينهم كالشباك الذي ينظر منه بعضهم إلى بعضها، فعلى هذه الرواية كانوا ناظرين لهلاكهم ومسرورين به، ويقال: وإنْ كان هلاك فرعون وأصحابه بعد أن صار موسى(?) وأصحابه على ساحل البحر وأيقنوا بالسلامة، فَكَيْف لا يكونون ناظرين إليهم ومشغولين بالسرور بانطباق البحر عليهم؟ وهل يكون لهم عند تلك الحال، وفي ذلك الوقت شغل إلّا مشاهدتهم، ونظرهم كيف يهلكون)).( ) يتبين في ضوء بيان الفّراء وردّ ابن طاوس عليه ، أن الفراء قَدْ أجرى التعبير عن الأخبار على مقتضى الظاهر، بأنهم قريبون يرون ويسمعون ومن باب العلم لا من باب الرؤية والسمع، في حين يرى ابن طاوس أنّ الخبر جاء على خلاف مقتضى الظاهر، وهو (تحريك الهمّة والشعور بالفرح والسرور) بالنجاة ورؤية عاقبة الظالمين وهذا لعمري من صميم البحث التداوليّ؛ وذلك استجابة ومراعاة لموقف السامع النفسي ومقامه، مما يضطرّ المتكلم إلى تعديل الكلام والتصرف فيه بما يتلاءم مع الموقف الجديد ويجعل الكلام يؤدي الوظيفة التواصلية المنوطة به.( ) وتأسيسًا لمراعاة حال أصحاب موسى (?) المؤمنين بعد أنْ أنجاهم الله ( عزّ و جل) وأيقنوا السلامة أراد الله (عزّ و جل) أن يحرك همتهم ويُشْعِرَهم بالحسنى والزيادة، أنّهم ظفروا بالنجاة الدنيوي من جهة وبمعاينتهم عاقبة هؤلاء وهلاكهم فَشَعروا بالنجاة الآخروي ، والمصير المحمود وهو مناط الأمر، ومَحَزُّ الخاتمة والعاقبة، قال تعالى : چ ? ? ? ?پ چ [ يونس: 26 ] . إذن في قانون الخبر قد يخرج الكلام على خلاف مقتضيات الأحوال ، فيخرج عن قصد من دلالته الرئيسة إلى أغراض مختلفة تستفاد من السياق، وهذا ما يكون في اللغة الإبداعية، إذ يعمد المبدع إلى الخروج عن الأصل، والعدول عنه فيشكل البنية اللّغوية لكلامه على خلاف مقتضى الظاهر، مراعياً في ذلك أموراً اعتبارية يتطلبها السياق، فتنشأ بلحاظ ذلك أفعالٌ كلامية غير مباشرة تستلزم من سياقات الكلام.( ) و يتجلى الفعل الكلاميّ غير المباشر في الجملة الخبرية في بيان تفسير قوله تعالى: چ ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ [ الذاريات : 10 ـــــــ 14] ، قال ابن طاوس رادًّا على الجبائيّ الذي يرى أنّ الله (عزّ و جلّ ) أمر نبيّه (?) والمؤمنين بأن يدعوه من أجل قتل الخرّاصين وأن يذلّهم ويهلكهم بوساطة المؤمنين أو بعذاب من عنده( ) ، قال: (( ما نجد لهذا التأويل مطابقة للآية ، أو مناسبة لها ، وهل أمر للنبي (?) وللمؤمنين بالدعاء ؟ أو هل ترى للخراصين من الصفات التي ذكرها الجبائي صفة واحدة في الآية على التعين ؟ وهل تضمنت غير التهديد من الله تعالى للخراصين الكذابين بلفظ الدعاء عليهم منه تعالى؟ )) ( ) إنَّ ما يستوقفنا في المتن الطاوسيّ أنّ الخبر المؤدّى بالجملة المبنيّة للمجهول : چ ? ? چ قد خرج من حقيقته إلى سياق إنتاجيّ إنجازيّ تأثيريّ تداوليّ (التهديد) في ظل الدعاء عليهم ومقتضى هذا البناء يولّد هذا السياق، فالسكوت عن الفاعل لفظ الجلالة (الله ) قد أعطى تعجيلًا قويًا، زِدْ على ذلك تهديدًا ووعيدًا وتعجّبًا، ويبدو أنّ معاينة السياق وتوظيفه كان له الأثر في استظهار هذا الفعل الكلاميّ غير المباشر. والذي يبدو أنَّ ابن طاوس لم يخرج عمّا ذكره الجُبّائي من استيحاء الفعل التهديديّ التداوليّ ، إلّا أنّه يرى التوسيع في استدراج الدّلالات من دون التقييد بالدعاء على الخرّاصين إنْ ذلّةً أو هلاكًا ، وفي ما يأتي مخطط يبين هذه الرؤية : الخبر قُتِل الخراصون الصدق ( الفعل الكلاميّ المباشر) التهديد (الفعل الكلاميّ غير المباشر) ويزهرُ الفعل الكلاميّ غيرُ المباشر في الخطاب الأخلاقيّ الطاوسيّ ( السياق الإنتاجيّ التوليديّ ( سوء العاقبة والمآل ) في بيان حال أعمال الذين كفروا وأفعالهم غير الأخلاقية، مبيناً عاقبتهم المخزية وسوء مآلهم في ظلّ قوله تعالى: چ ? ? ? ? ? ? ? ? چ [الفرقان:23] قال: (( قال الرّمانيّ: حقيقة قَدِمْنا هنا عَمِدْنا إلى ما عَمِلوا و (قَدِمْنا) أبلغُ منه؛ لأنّه يدلّ على أنّه عاملهم معاملة القادم من سفره؛ لأنّه من أجل إمهاله لهم لمعاملة الغائب عنهم ثًمَّ قَدِم فرآهم على خلاف ما أمرهم (...) ، ويحتمل في الآية في النُّكت ، ما لم يذكره الرُّمانيّ وهو أنّ الله – جلّ جلاله – لمّا شبّه أعمالهم فيما قدّمناه ، مثل هذا السراب الذي يُرَى ظاهره لم يَبْقَ بُدّ من أنْ يشاهدوا معنى أعمالهم في القيامة (...) ، إنّ الذي يشاهدونه من أعمالهم بمحضرهم ومشاهدتهم وهم ينظرون هباءً منثوراً تالفًا لا أصلَ له، فإنّ إتلاف ما يعتقده الإنسان ملكًا له ونافعًا له بمحضره ومشاهدته أوقع من عذابه)).( ) وتأسيساً على معاينة النص، يمكننا الاستنتاج أنَّ الخطاب القرآني خرج على مقتضى الظاهر مع مراعاة حال المخاطب يعد إنجازًا لأفعال كلامية غير مباشرة؛ لأنّ الخطاب حينها قد استشرف نفسيّة متلقيّه وراعى الحال غير الظاهرة في المقام ؛ ليصل إلى إخراج كلامه على مقتضى تلك الحال وهذا (( ما يدلُّ على مراعاةٍ لأوضاع غير لسانيّة لا تظهر على مستوى البنية السطحية للكلام، وإنّما يتم الوصول إليها على مستوى البنية العميقة ممّا يعني أنّ هناك علاقة متينة بين قصد المتكلّم ومقام المتلقّي ونفسيته (...) وهو ما تركّزُ عليه اللسانيات التداوليّة في أبحاثها)).( ) وعوداً على بدء فإنَّ الخطاب القُرآني كَشَفَ مشاعر هؤلاء الكافرين ونَفْسِيَّتَهم وهم يرون بأمّ أعينهم كيف تتهاوى أعمالهم وتتطاير كذرّات الرماد ؟ وهو مِصْداق عظيم على سوء عاقبتهم ومآلهم المُخْزي. من الجمل الخبريّة التي جاءت في الخطاب الأخلاقيّ الطاوسيّ بدلالة الأمر الذي خرج إلى الدعاء ، دعاؤه المعروف ( دعاء العبرات )، قال : (( وبالمراحم والمكارم التي لا يعلم غيرك محلها (... ) أنْ تُصِلّي على محمد وآل محمد (?) ؛ وأنْ تُعَجّلَ قضاء كل حاجة لمن يريد تقديم حاجاته قبل حاجاتنا وذكر مهماته قبل مهماتنا وأنْ تَجْعَلَ حوائجنا تابعة لإرادته وإرادتك بإجابتك (... ) وأن تُعجّلَ قضاء جميع ما ذَكَرْتَه (... ) وأنْ تَجْعَلَ هذه التوسّلات من أسباب تكميلها وتسهيلها وتعجيلها وأنْ تملأ قلوبنا من معرفتك وهيبتك وعظمتك وحرمتك (...) وأنْ تُلْهِمَنا كلّما تريد منّا وتَرْضى به عنّا وأنْ تُكاشِفَنا بجلالك (...) ، وأنْ تُدَبِّرَنا في الكثير والقليل بتدبيرك الحسن الجميل، وأنْ تَحْفَظنا ومنْ يعنينا أمره بما حفظت كل من حفظته وتسعدنا بكل ما أسعدته وأنْ تَمُدَنا من الأعمار بأطولها ومن الأعمال بأفضلها وأنْ تنصرَنا على كل من يؤذينا أو يمكن أنْ يؤذينا نصرًا أنت أهله وأنْ تَذُلَهم لنا ذلا هم أهله وأنْ تُدِيْلَنا منهم إدالة أنت أهلها وأنْ تزيحهم بانتصارنا عليهم من الآثام (...) وأنْ تلمحَ أهل الإساءة إلى من يريد ذكره قبل ذكرنا وتعظيم قدره على قدرنا )) ( ). فالجملة الخبرية المؤداة بـ( أنْ ) الناصبة والفعل المضارع ، نحو : ( أنْ تُصلّيَ ) ، و (أنْ تُعَجّلَ) ، و (وأنْ تَجْعَل ) ، و( أنْ تُلْهِمَنا ) و (أنْ تُدَبِّرَنا ) ، و (أنْ تملأ ) ، و (أنْ تُدَبِّرَنا ) , و ( أنْ تَحْفَظنا ) ، و (وأنْ تَمُدَنا ) ، و (أنْ تنصرَنا) , و (أنْ تَذُلَّهم ) ، و (أنْ تُدِيْلَنا ) ، و ( تُزيْحَهم ) ، خبرية المَبْنَى إنشائية المعنى ، والتقدير ( صَلِّ ، وعَجِّلْ ، و اجْعَلْ ، وامْلأْ ، وألْهِمْ ، وكاشِفْ ، ودبِّرْ ، واحْفَظْ ، ومُدَّ ... ) ، ويرى الأصوليّون أنّ التعبير بالجملة الخبريّة في مقام الطلب والإيقاع آكد من الوجوب المستفاد من مثل صيغ الأمر : ( فعل الأمر الصريح ، والفعل المضارع المقرون بـ( لام الأمر ) واسم فعل الأمر ، والمصدر النائب مناب فعله ) ( ) . وتأسيسَا على ما سبق فإنَّ هذه الأفعال الكلاميّة المتمثّلة في الجملة الفعليّة المكونة من محمول الفعل ( صلّ ، و عَجّلْ ... وغيرها ) وموضوعه الفاعل المسكوت عنه لفظ الجلالة الله ، الدال على الذات الإلهية تمثل أفعالًا إسناديّة وإحاليّة ، ودلاليّة ، فضلًا عن ذلك الفعل الإنجازيّ الذي تتشكّل حمولته الدلاليّة ، منْ قوة إنجازيّة حرفية وهي الأمر والطلب ، وقوة إنجازيّة مستلزمة تتمثَّلُ في الدعاء وطلب الإعانة والاستجابة . ونستشرف أفعالاً كلاميةً غير مباشرة في الجملة الخبرية ، ففي تفسيره لقوله تعالى : چ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?چ [ الأنفال:42] ، قال ابن طاوس: (( فإن ظاهر الآية تقتضي أنَّ التلاوة توجب و جل قلوبهم، وزيادة إيمانهم وهو يعرف وكل عارف أنَّ كلام السلطان العظيم الشأن إذا سمع بالقلوب والآذان أرهب للسامع، واقتضى خوفه قبل أن يتدبره وخاصة إذا كان ظاهر لفظه تهديداً أو وعيداً، على أن في القرآن ما لا يحتاج سامعه إلى تدبر وتفكر من الألفاظ المحكمة التي يُفهم باطنها من ظاهرها، أقول: بل لو أنصف عبد الجبار قال: إنَّ متى شرع سامع القرآن في التفكير والتدبر الذي يشغله عن لفظ التلاوة صار إلى حال ربُّما زال الخوف عنه في كثير من الآيات والتلاوات))( ) ، فقوله تعالى :(( چ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? چ [الأنفال /2] خبر خرج من دلالته الحقيقة وهما : إفادة الخبر، و لازم الفائدة إلى سياق إنتاجيّ توليديّ (التهديد والتعظيم) فالجملة الفعلية المؤدية بالبناء للمجهول (ذُكِرَ الله) والجملة الشرطية الأمّ چ ? ? ? ? ? چ أعطت بُعْداً تداولياً إنجازياً مستلزماً التهديد والتعظيم ويبدو أنّ السياق بمعاينتنا المتواضعة لذيل الخطاب القُرآني ألفينا فيه ما يُشَكّلُ هذا الفعل الإنجازي التأثيري وهو قوله تعالى:چ ? ? ? ?? چ [ الأنفال: 74 ] المبدوء باسم الإشارة ( أولئك) الذي يدل على البعد المكاني ومن ثمّ يعطي دلالة أخرى (التعظيم) ، فضلًا عمّا فيه من القصر البلاغي بـ( هم ) و( المؤمنون ) وتأكيده بـ( حقًا) . وقياسًا على ذلك فإنّ الفعل الكلاميّ على حدّ تعبير ( أوستين ) ، هو: (( نواة مركزيّة في الكثير من الأعمال التداوليّة ، وفحواه أنّ كلّ ملفوظ ينهض على نظام شكليّ دلاليّ إنجازيّ تأثيريّ )) ( ) . أولاً: الأمر خاتمة البحث ونتائجه آن أوانُ تَقْطافِ ثمارِ هذه المسيرة الأخلاقيّة في خطاب عَلَمٍ من أعلام الأخلاق في العالم الإسلامي عامة ، والعراق (مدينة الحلّة الفيحاء ) خاصة ، السيد رضيّ الدين ابن طاوس الحليّ ، وتوصّلت الدراسة في هذا الموضوع الجديد الطريف الى جملةٍ من النتائج ، نخالها نافعة وماتعة وناجعة ، وهي : أولاً : اكتسب الخطاب الأخلاقي الطاوسيّ قيمة أخلاقية خاصة قلّما نجد نظيرًا لها في الثقافة الإنسانية بَلْه الثقافة العربية ، فليس ابن طاوس ــــــ مهما قِيل في تراثه وأدبه ـــــــ رجل العراق والحلة فحسب ، ولكنّه رجل الأخلاقية الإنسانية جمعاء . ثانيًا: اعتمد ابن طاوس على العقل والاستدلال ، وطريقة الذوق والحال ، وأراد أنْ يجعل أسلوبه وخطابه الأخلاقيّ روضة تزهر لذوي الألباب والعقول وكأنّها الرتاج العظيم للوصول الى المحصول ، وقد اتّخذ في كتبه طابعًا منهجيًا دقيقًا ، ظهر فيه خطيبًا أخلاقيًا ، وتداوليًا منهجيًا . ثالثًا: بدا لنا في ظلّ مباحثتنا في الأفعال الكلاميّة في الخطاب الأخلاقي الطاوسيّ أنّ الأفعال الكلاميّة غير المباشرة هي أكثر ورودًا من الأفعال الكلاميّة المباشرة ، ولا غرو أنّ القوى الإنجازيّة التأثيريّة تأخذ مدياتها وتخومها في غير المباشرة ، وهذا ما لفتنا إليه الخطاب الحسينيّ الأخلاقيّ . رابعًا: إنّ السيد ابن طاوس كان يشاغف المجال التداوليّ (الثقافة المتداولة) في عصره في ضوء التصور الدلاليّ المتناغم من حال المجتمع، وما أصابه من تقهقر، ونكوص في القيم الأخلاقيّة التي تعدّ أس الإنسانية وجوهرها . خامسًا : ظهر أنّ التداوليين الذين انبروا لدراسة مبادئ التداوليّة وأبعادها قد ركّزوا على الجانب التبليغيّ في الخطاب ، وتناسوا قوانين أخرى اجتماعية وأخلاقيّة ولم يلتفتوا الى الجانب التهذيبيّ والارشادي الذي نقطع أنّه الأصلُ في خروج العبارات عن إفادة المعاني الحقيقية والمباشرة ، وهذا ما وجدناه في أدب ابن طاوس الحليّ ولاسيّما خطابه الأخلاقيّ الذي جاء مشحونًا بالمعانيّ الحقيقية المباشرة ، والمعانيّ غير الحقيقية ( غير المباشرة ) التي تنتظم في سياقات إنتاجيّة . سادسًا : قَدَم الخطابُ الأخلاقي ـــــــــ عند ابن طاوس ـــــــ زادا ً تداولياً للمتلقي ذا قيمةٍ عاليةٍ فيه مجموعة من النصائح والفضائل الأخلاقية لا تصدر الاّ من عرفاني كبير ، وأخلاقيّ عظيم . سابعًا : كان ابنُ طاوس متجهاً نحو وضع اسس وركائز ثابتة للتواصل والتحاور بوصفهما مقاربتين تداوليتين خاصتين للخطاب الملفوظ ، يمرر معرفةً بين المتكلم والسامع ويطمحُ الى استكشاف الطرق التي يشتغل بها الخطاب في كليته من أجل تمرير هذه المعرفة التي يحملها . ثامنًا: أراد ابن طاوس في خطابه الأخلاقيّ التبليغ والتواصل والتراحم من أجل محاكاة الواقع ، وتقريب الصور وملاطفة المجالات التداولية ومغازلتها ، فعناصر التواصل والتفاعل والابلاغ حاضرة في أفعاله وأقواله ، ولابدّ من تسويد القيم الأخلاقية الإنسانية ، وغرس الفضائل والشمائل الاسلامية الانسانية السامية في أنحاء الحياة ومفاصلها كافة . تاسعًا: ظهر أنّ الخطاب الأخلاقيّ الطاوسيّ كان ناجحًا تواصليًا وإبلاغيًا و إقناعيًا بوصفه أبًا عظيمًا فقد أنفذ وصاياه لأولاده ، وأهل بيته أجمع من جهة ، وبوصفه نقيبًا للطالبيين أصبح فعله كلاميّا فعّالًا منجزًا . وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين . المصادر والمراجع
القرآن الكريم
? الأخلاق ، عبدالله شبر ( ت 1242ه) ، الطبعة الأولى ، دار الكتاب الاسلاميّ ، بيروت ، (د . ت ). ? أخلاقنا في حاجة الى فلسفة أخلاقنا بديلة : إدريس هاني ، الطبعة الأولى ، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلاميّ ، بيروت ، 2009 م . ? الاستلزام الحواريّ في التداول اللسانيّ ، العياشيّ أدراوي ، ، الطبعة الأولى ، دار الأمان ، المغرب ، 1432ه ــــــــــــ 2011م . ? الاستلزام الحواري في سورة البقرة ( دراسة وصفية نحليلية تداولية ) ، حًجَر نورما وحيدة ، جامعة مولانا مالك ابراهيم ، مالانج ، أندوسيا ، 2010 م . ? الاقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة بالسنة ، رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن
تحميل الملف المرفق Download Attached File
|
|