عنوان البحث(Papers / Research Title)
صلة نقد الوجه النحويّ بالتقويم النحويّ
الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)
حسن عبيد محيسن المعموري
Citation Information
حسن,عبيد,محيسن,المعموري ,صلة نقد الوجه النحويّ بالتقويم النحويّ , Time 08/07/2019 17:44:17 : كلية العلوم الاسلامية
وصف الابستركت (Abstract)
يوثق الصلة بين نقد المعربين للوجه النحوي وبين تقويمهم النظري
الوصف الكامل (Full Abstract)
صلة نقد الوجه النحويّ بالتقويم النحويّ يمثّل النقد اللغويّ جانبًا من جوانب عناية العرب بلغتهم ، ووسيلةً من وسائل بيان سحرها والحفاظ على سلامتها ونقائها ، فتوسّعوا فيه ، واهتموا به في مصنفاتهم ( ) . ومن مظاهر النقد اللغويّ عند علماء العربيّة ما يُعرف بـ (التقويم النحويّ) الذي شاع منذ نشأة الدراسات اللغويّة والنحويّة ، والتقويم « يعني تحديد القيمة، وقيمةُ كلّ شيء بحسبه ، فالكلام خطأ وصواب ، وجيد ورديء ، وكثير وقليل ، وما أشبه ذلك » ( )، ويشتمل التراث النحويّ على مصطلحات تقويميّة كثيرة ، فقد زخر كتاب سيبويه بمصطلحات وعبارات تدلُّ على اعتماده التقويم والمفاضلة أساسًا في عمليّة التحليل اللغوي( )، ومن أوضح مظاهر ذلك أنَّ سيبويه عقد في بداية كتابه بابًا بيَّن فيه أنَّ الكلام في نظمه مستوياتٌ متفاوتة ، جاء فيه : « هذا باب الاستقامة من الكلام والإحالة، فمنه مستقيم حسَن، ومحال ، ومستقيم كذب، ومستقيم قبيح ، وما هو محالٌ كذب »( ). إذ يكشف هذا النصُّ عن رؤية نقديّة تقويميّة عامّة ؛ لأنَّ الكلام ـ أيَّ كلام ـ لا يخرج عمَّا ذكره سيبويه من تقسيمات من حيث الاستقامة والإحالة ، ثم تأتي بعد ذلك دراسةُ كلّ قسم ، وتحليلُ مكوناته اللغويّة وأحواله ، وذلك يستلزم رؤية تقويميّة أخصّ من سابقتها كما سيتّضح . وذكر الدكتور محمّد كاظم البكّاء أنَّ في كتاب سيبويه اتجاهين من التقويم النحويّ ، أحدهما : هو التقويم الوظيفي الذي يُعنى بالمعاني النحويّة الوظيفيّة وأحكامها لتقويم صحّة وجوه الكلام . والآخر : هو التقويم النوعي الكمّي الذي يُعنى بمستويات الكلام من حيث الجودة وكثرة الاستعمال ، فمن مصطلحات التقويم النوعي قوله : جيد وجيد عربي وحسَن وقبيح وضعيف ورديء وخبيث ، ومن مصطلحات التقويم الكمّي قوله : كثير وأكثر وقليل وغير ذلك( ) . ويبيِّن شيوع هذه المصطلحات والعبارات أنَّ سيبويه يَصدُر عن رؤية معيارية اعتمدها للكشف عن مستويات الكلام والمفاضلة فيما بينها والحكم لها أو عليها. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ عددًا من الباحثين ربطوا وجود هذه المصطلحات التقويميّة في كتاب سيبويه خصوصًا ، وفي الفكر النحويّ عمومًا بما استقرَّ عليه علم الحديث من مصطلحات الجرح والتعديل ( )، يقول أحدهم : « ولقد أفاد سيبويه من المحَدِّثين ؛ لأنَّ لهم منهجًا يمكن تطبيقه في العلوم الأخرى ، ومنها النحو ، ويبدو أنَّ تلك الفائدةَ قد ظهرت حين توقّف سيبويه أمامَ بعض التراكيب وحكم عليها بعدم الصحّة نحويًا » ( ). ولا يدور في خَلَدي أنَّ ما ذهبوا إليه ليس دقيقـًا ، فقضيّة التأثّر والتأثير موجودة بين العلوم العربيّة الإسلاميّة ، ولكنْ على أن لا يُفهم من ذلك أنَّ علماء العربيّة لم يكونوا سوى ناقلين لهذه المصطلحات بمفاهيمها في علم الحديث ، وقد أقحموها في الدرس اللغويّ والنحويّ ، وإنّما يُفهم من ذلك سَعَةُ اطلاعهم ، وتبحّرُهم في أكثر العلوم التي ازدهرت في عصرهم ، وتوظيفُ ما تحصّلوا عليه منها في التحليل والتقويم بما يحفظ لدراسة اللغة خصوصيتَها من حيث المنهجُ وأدواتُ البحث . ولم يتفق المحدثون حول جدوى شيوع مصطلحات التقويم في الفكر النحويّ وإطلاق النحاة لها على أنَّها أحكام نقديّة يفاضلون بها بين مستويات الكلام ، فيرى الدكتور محمّد عيد أنَّ اللغة تخضع للوصف ؛ لأنَّها ظاهرة اجتماعيّة ، وليس من واجب النحويّ الحكم عليها بالوجوب والجواز أو الصواب والخطأ ، فالقاعدة التي يصل إليها النحويّ ينبغي لها أنْ تكون قاعدة عرفيّة تتفق مع الاستعمال ، وليس قاعدة للتحكم في سلوك اللغة ( ). ويُرجع الدكتور عبده الراجحيّ هذه الأحكام التقويميّة إلى أنَّ النحو التقليديّ لم يميِّز بين اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة ، ولذلك « قدَّم قواعد اللغة على أساس معياري أو جمالي تقويمي ، فهذا استعمال عالٍ وذاك استعمال متوسّط ، وذاك استعمال قبيح أو شاذ » ( ). فهذه النظرة تستند إلى ما أشاعه بعض الدارسين من ضرورة اعتماد المنهج الوصفيّ ، وليس المعياريّ في دراسة اللغة ( ) ، يقول الدكتور مهدي المخزوميّ : « ليس من وظيفة النحويّ الذي يريد أنْ يعالج نحوًا للغةٍ من اللغات أنْ يفرض على المتكلّمين قاعدةً ، أو يُخَطِّئ لهم أسلوبًا ؛ لأنَّ النحو دراسة وصفيّة تطبيقيّة لا تتعدّى ذلك بحال » ( ). في حين يرى الدكتور محمّد خير الحلوانيّ أنَّ « معياريّة النحو العربيّ تستند في جملتها إلى ركائز علميّة تقوم في الدرجة الأولى على وعي المستويات اللغويّة والمعايير التي تميِّز جيد الكلام من رديئه » ( ). ويجعل الدكتور عبد العال سالم مكرم شيوع هذه الأحكام عند سيبويه دليلاً على نظره الثاقب وفكره الصائب وحسّه النقديّ ( ). ولتأكيد وجود المعياريّة في الفكر النحويّ العربيّ والجدوى منها نذكر ما يأتي : أوّلاً : إنَّ المساحة التي يشغلها المنهج المعياري في الفكر النحويّ عند القدماء ( ) بلغت من السَعَة ما لا يمكن معه التنكّر لاعتماد هذا المنهج في دراسة اللغة، وإذا ما علمنا أنَّ أهمّ عوامل نشأة النحو هو الحفاظ على سلامة اللغة ودرء خطر اللحن وعصمة اللسان والقلم ، وعلمنا أن المنهج المعياري يتجاوز في دراسته وصفَ ما هو كائنٌ إلى دراسة ما ينبغي أنْ يكون( ) تبيَّن لنا وجه الحكمة من معياريّة القدماء في تعاملهم مع مستويات الكلام وتقويمهم لها والمفاضلة فيما بينها . يزاد على ذلك أنَّ اللغة لا تقوم « ما لم تكن قد بُنيت على منطق وقياس ، وإلا فإنَّ الجمود على ما يُنقل أو يُسمع يؤدّي إلى موت اللغة ، وعدم قدرتها على مواكبة الحياة » ( ). ثانيًا : تكشف الأحكام النحويّة التقويميّة عن صلة النحو العميقة بالعلوم الإسلاميّة الأخرى التي لها أحكامها المعياريّة والنقديّة أيضـًا، فالنحو ليس بدعـًا من هذه العلوم ، وأحكامُه تدخل « في دائرة الأعمال الإنسانيّة المحكومة بسلطة القانون الإلهيّ ، ولا غرابة في ذلك ؛ لأنَّ النحو نشأ في ظلّ الدراسات الأصوليّة والفقهيّة التي أثَّرت فيه » ( ). ثالثًـا : إنَّ دعاة اعتماد المنهج الوصفي دون المعياري في الدرس النحويّ لم يفرقوا في دعوتهم بين مهمّة اللغويّ ومهمّة النحويّ ، والحال أنَّ « اللغويّ شأنُه أنْ ينقل ما نطقت به العرب ولا يتعدّاه ، وأمَّا النحويّ فشأنُه أنْ يتصرّف فيما ينقله اللغويّ ويقيس عليه ، ومثالهما المحدِّث والفقيه ، فشأن المحدِّث نقل الحديث برمّته ، ثم إنَّ الفقيه يتلقّاه ويتصرّف فيه ، ويبسط فيه علله ، ويقيس عليه الأمثال والأشباه » ( )، واستناداً إلى ذلك يظهر أنَّ ما يدعو إليه الوصفيون يدخل ضمنَ مهمة اللغوي، وأمَّا النحويّ فمهمتُه تقتضي أنْ يستفيد من المعياريّة في دراسة اللغة . رابعًا : إنَّ ما شاع من الأحكام التقويميّة في النحو ممّا كان محلّ اعتراض بعض المحدثين لم يكن جميعُه فيما لا يرتضيه الوصفيّون في دراسة اللغة من المفاضلة بين مستويات الكلام، وإنّما كان الكثير من هذه الأحكام ممّا يطلقه النحاة للمفاضلة بين أوجه التحليل أو التوجيه النحويّ للكلام ، كما سيتّضح فيما سنمثِّل به من نصوص سيبويه والفرَّاء . ومن هذا النوع أغلب الأحكام النقديّة التقويميّة التي يُصْدرها معربو القرآن الكريم على الوجوه النحويّة. ومن أمثلة التقويم في التحليل النحويّ عند سيبويه ما ورد في قوله : « باب ما يكون محمولاً على (إنَّ) فيشاركه فيه الاسم الذي وليَها ، ويكون محمولاً على الابتداء : فأمَّا ما حمل على الابتداء فقولك : إنَّ زيدًا ظريفٌ وعمرٌو ، و إنَّ زيدًا منطلقٌ وسعيدٌ ، فعمرٌو وسعيد يرتفعان على وجهين، فأحد الوجهين حسَن والآخر ضعيف ، فأمَّا الوجه الحسَن فأنْ يكون محمولاً على الابتداء؛ لأنَّ معنى إنَّ زيدًا منطلق : زيد منطلق ، و(إنَّ) دخلت توكيدًا ، كأنَّه قال : زيدٌ منطلق وعمرٌو ، وفي القرآن مثله (( أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ )) ، وأمَّا الوجه الآخر الضعيف فأن يكون محمولاً على الاسم المضمر في المنطلق والظريف ، فإذا أردت ذلك فأحسَنُه أنْ تقول : منطلق هو وعمرٌو ، وإنَّ زيدًا ظريفٌ هو وعمرٌو » ( ). يكشف هذا النصُّ عن كيفيّة تحليل سيبويه لتركيب نحويّ واحد ، فيذكر فيه وجهين ، ثم يفاضل بينهما أي : يقَوّمهما ، فيصف أحدهما بالحسَن والآخرَ بالضعيف ، وذلك من مظاهر الرؤية النقديّة الخاصّة التي ألمعنا إليها من قبل . ولمصطلحـات النقـد النحويّ التي تفرزهـا عمليّة التقويـم اللغـويّ حضورٌ عند الفرَّاء (ت:207 هـ) ، ولا سيّما في تقويمه لوجوه القراءات التي يعرضها( )، ومن ذلك ما ذكره في قراءة خفض (الأرحامِ) من قوله تعالى: (( وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ (( (سورة النساء ، من الآية : 1) ( ) ، قال : « هو كقولهم بالله والرحمِ ، وفيه قبحٌ ؛ لأنَّ العرب لا تردّ مخفوضًا على مخفوض وقد كُني عنه »( ). فقوله (فيه قبح) عبارةٌ نقَد فيها توجيهًا نحويًا لاستعمال لغويّ وهو عطف الظاهر على المضمر من غير إعادة الخافض . وقد يكون ما يعبّر به الفرَّاء عن نقده الوجهَ النحويَّ خاصًا به ، من ذلك ما ذكره في قراءة مَن قرأ قوله تعالى: (( وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ )) (سورة هود ، من الآية : 111) بتخفيف (إنَّ)( ) ، قال : « وأمَّا الذين خففوا (إنَّ) فإنَّهم نصبوا (كلا) بـ(ليوفينهم) وقالوا : كأنّا قلنا : وإنْ ليوفينهم كلاً ، وهو وجه لا أشتهيه » ( ) فعبارة (لا أشتهيه) خاصّة بالفرَّاء ، وهو كثيراً ما يستعملها ( ) ؛ لبيان رأيه في الوجه النحويّ ، فهي من عباراته النقديّة التي يحكم بها على الوجه النحويّ بالضعف . وتتابعت كتب النحو وكتب معاني القرآن وإعرابه بعد سيبويه والفرَّاء وهي تتضمّن التقويم النحويّ الذي يقوم به مؤلفوها ، وهم يحللون وجوه الكلام ، ويُصْدرون أحكامهم النقديّة إزاءَها .
تحميل الملف المرفق Download Attached File
|
|