عنوان البحث(Papers / Research Title)
التوجيه الصرفي للقراءات القرآنية في كتاب كنز العرفان
الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)
رياض رحيم ثعبان المنصوري
Citation Information
رياض,رحيم,ثعبان,المنصوري ,التوجيه الصرفي للقراءات القرآنية في كتاب كنز العرفان , Time 20/07/2019 08:34:45 : كلية العلوم الاسلامية
وصف الابستركت (Abstract)
يبين البحث جانبا مهمة من جوانب توجيه القراءات القرآنية عند المقداد السيور
الوصف الكامل (Full Abstract)
التوجيه الصرفيّ للقراءات القرآنيّة في كنز العرفان للمقداد السيوري (ت 826 هـ)
أ.م.د رياض رحيم ثعبان كلية الدراسات القرآنية جامعة بابل M.D. Reyadh Raheem Thuban Al-Mansoori College of The Studies of Quran/ University of Babylon
? خلاصة البحث لا يخفى على القارئ ما للقراءات القرآنية من أهمية كبيرة وأثر بيّن في الدراسات اللغوية، فهي أحد مصادر السماع الرئيسة، وقد اهتم العلماء بها وأولوها عنايتهم، وبحثوا عن وجوهها، ومن العلماء الذين وجّهوا القراءات القرآنية المقداد السيوري هذا العالم النحرير الذي سبر أغوار العربية وخاض في غمارها، وبعد الاطلاع على توجيهاته عقدتُ النية على دراسة توجيهاته الصرفية، فجمتُها من مظانها وعرضتُها في هذا البحث بصورة مسائل متتابعة، بعدّ أن جعلتها في قسمين: الأسماء والأفعال، وذكرتُ في كل مسألة توجيه المقداد السيوري، وعقدتُ الموازنة بين توجيهه وتوجيهات من سبقه من العلماء؛ لغرض الوقوف على مقدار الشبه والاختلاف والأثر والتأثر. ثم أشرتُ إلى توجيهات العلماء الذين جاؤوا بعده ممن كانت توجيهاتهم قريبة من توجيهه. وتبيّن أن تطبيقات المقداد السيوري العملية للتوجيه تشهد له بالبراعة وطول الباع، فهو يذكر أصوب التوجيهات ويعضدها بحجج مقنعة، وقد أفاد في قسم منها ممن سبقه، إلا إنه انماز برقي عرضه وجمال سرده، ديدنه التيسير على من قرأ. وقد أجاد في عرض آراء من سبقه، ومناقشتها مناقشة المتثبت المتفحص الدقيق، وضعّف ما يدخله الوهن منها، وأيّد ما يستحق التأييد، وشفع مناقشته بأدلة مفحمة وحجج متينة.
Search Summary It is not secret to the reader what the Quranic readings of great importance and impact in the linguistic studies, it is one of the sources of the main hearing, and the scientists were interested in them and their attention, and looked for faces, and scientists who directed the Quranic readings Meqdad Alsuri this liberal world, After reviewing his directives, we had the intention to study his oriental directives, so we gathered them from their mazanha and presented them in this research in a sequential manner. We mentioned in each issue the guidance of Mekdad al-Sayuri, And we held the balance between guidance and guidance from the previous scholars; to identify the amount of similarity, difference, impact and impact. We then refer to the guidance of the scientists who came after him who were guided close to directing. It turns out that the applications of Mekdad al-Siouri process of guidance testify to him brilliance and length of the sale, he mentions the most correct directions and equipped with convincing arguments, and has reported in some of the previous ones, but he embroiled in his presentation and the beauty of his narration, Didan facilitation to read. He has been able to present the views of his predecessor, and discuss the discussion of the investigator scrutinized meticulous, and the weakness of the weakness of them, and supported what deserves support, and to discuss the discussion with compelling evidence and solid arguments.? المقدمة النصُّ القرآنيُّ أهمُّ نصٍّ على وجهِ الأرضِ، فهو ليسَ كتابًا يُتعبّدُ بتلاوتِهِ فحسب، بل هو دستور للحياة بكل تفاصيلِها، ولا شكَّ في أنّ اختلافَ قراءاتِهِ وأداءِ كلماتِهِ له أهميةٌ كبيرةٌ اكتسبَها من أهميةِ النصِّ، ولا سيما أنّ هذا الاختلافَ في الألفاظِ والأصواتِ والحركاتِ قد يصاحبُهُ اختلافٌ في المعنى، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى تمثّلُ القراءاتُ نصًّا عربياً قديماً، وتتوقفُ على حجيتِها وتواترِها فصاحةُ ما وردَ فيها من ألفاظٍ وتراكيبٍ وأصواتٍ، فإذا ثبتتْ صحةُ القراءةِ وحجيّتُها ثبتتْ تبعاً لذلك فصاحتُها وسلامتُها اللغوية؛ ممّا يجعلنا قادرين على القياس عليها ومحاكاتها في استعمالاتنا اللغوية الفصيحة. وإذا ثبت أنها خاضعة للاجتهاد والخطأ والصواب لم يمكن الاطمئنان إلى فصاحتها. والباعث إلى الخوض في غمار هذا الموضوع أمران: أولهما: القراءة القرآنية، واتصالها بالقرآن الكريم، وكونها منبعًا صافيًا من منابع السماع، وثانيهما: شخصية المقداد السيوريّ (ت 826 هـ)، فهو عالم متبحر نحرير، سبر أغوار علوم عدة وخاض غمار العربية. وعند الاطلاع على توجيهات المقداد السيوري في مدونته التفسيريّة القيّمة (كنز العرفان في فقه القرآن) تبيّن أنه وجَّهَ القراءات القرآنية في خمسة وعشرين موضعًا، كانت حصة التوجيه الصوتيّ منها موضعًا واحدًا، وللتوجيه الصرفي ستة مواضع، وحظي التوجيه النحوي بأربعة عشر موضعًا، وللتوجيه الدلالي أربعة مواضع. وبعد الاطلاع على براعته في التوجيه عقدتُ النية والعزم على دراسة توجيهاته في المستوى الصرفي، وقد اتضح أنه وجّه القراءات القرآنية توجيهًا صرفيًّا في ستة مواضع، كانت حصة الأسماء منها ثلاثة مواضع، وحصة الأفعال مثلها، وقد اقتضت طبيعة البحث أن يُرتّب بصورة مسائل متتابعة تحت هذين القسمين، ذكرتُ في كل مسألة منها توجيه المقداد السيوري، وعقدتُ الموازنة بين توجيهه وتوجيهات من سبقه؛ للوقوف على مقدار الشبه والاختلاف. ثم أشرتُ إلى توجيهات العلماء الذين جاؤوا بعده ممن كانت توجيهاتهم قريبة من توجيهه. وختمتُ بحثي هذا بمجموعة من النتائج، من شأنها أن تسلط الضوء على ما ضمّه البحث، وما توصلتُ إليه. وذكرتُ بعدها أهم المصادر والمراجع التي رجعتُ إليها مما ورد ذكره في هوامش الكتاب.
توجيه القراءات القرآنية مفهوم التوجيه التوجيه لغةً: توجيه الشيء جعله على جهة فيستقيم، والأصل في الوجه المقابلة، قال ابن فارس (ت 395 هـ): (( الواو والجيم والهاء : أصلٌ واحد يدلّ على مقابلةٍ لشيء ... ووجَّهتُ الشيء : جعلته على جهةٍ ... والتّوجيه أنْ تحفر تحت القثاءة أو البِطّيخة ثمّ تُضجِعُها))( )، ووَجَّهَ الأمر يوجِّه له تدبيرًا من جهة أخرى إذا لم يستقم على جهته( ). فهو تقليب الأمر حتى يستقيم له وجه حسن، ((وأصل هذا في الحجر يوضع في البناء فلا يستقيم، فيُقلَبُ على وجه آخر فيستقيم)) ( )، وهذا ما يحدث مع القراءة ورواية الشعر، فالموجه يقلّب النص الذي أمامه حتى يستقيم. التوجيه اصطلاحا التّوجيه بوصفه مصطلحًا من مصطلحات علم القراءات لم نجد مَن وضع له حدًّا من متقدمي العلماء ومتأخريهم، على الرّغم مِن ?ستعمالهم لكلمة التّوجيه والوجه، وما شاكلهما، وعند الاطّلاع على ?ستعمالاتهم لهذه المصطلحات يتّضح أنْ ?ستعمالهم له لا يبتعد كثيراً عن الدّلالة المعجميّة والقرآنيّة، وهذه حقيقة قارّة في الدرس اللسانيّ القائم على مراعاة الاستعمال الذي يمثّل الصورة البيانيّة الواضحة، فالتشريع اللغويّ يقوم على الإقرار بأهمية الاستعمالات التداوليّة عند مستعملي اللغة، فالقرآن الكريم يمثّل أعلى مراتب المقاربات التداولية الاستعماليّة، وكذلك المعجمات العربيّة التي راعت استعمالات العرب في نظمهم ونثرهم. ويبدو للباحث أنّ توجيه القراءة القرآنيّة يُراد به بيان أنّ القراءة لها وجه في العربيّة يوافق ضوابط اللغة، فيُقال على سبيل التّمثيل: توجيه القراءة كذا وكذا، أو وجهها كذا وكذا؛ لإثبات موافقتها لسنن العرب في كلامها، وعدم خروجها عن القواعد الأصيلة للغة العربية. وإنْ لم يستقم التوجيه من جهة يصار إليه من جهة أخرى ( ). توجيه القراءات القرآنية عند علماء الحلة على الرغم من أنّ علماء الحلة لم يبيّنوا معنى التوجيه عمومًا أو معنى التوجيه اللغوي أو أحد أقسامه بَيدَ أننا نجد بين ثنايا كتبهم توجيهات لقراءات عدة أجادوا فيها التطبيق على الرغم من إهمالهم الجانب النظري للتوجيه، فالتطبيقات العملية للتوجيه مبثوثة في كتبهم في مواضع كثيرة، وهي تشهد ببراعتهم، وطول باعهم، ودقة عنايتهم، ولطف صنعتهم. وقد وجّه علماء الحلة القراءات القرآنية في مواضع عدة، وقد شملت توجيهاتهم مستويات اللغة الأربعة. وهذا ما نجده عند عدد منهم، ومن أبرزهم المقداد السيوري الحلي الذي سأتناول توجيهاته الصرفيّة في هذا البحث.
التوجيه الصرفي عند المقداد السيوري (ت 826 هـ) وجّه المقداد السيوري القراءات القرآنية توجيها صرفيًّا في مواضع عدّة، عمدتُ إلى استقصائها في كتابه (كنز العرفان في فقه القرآن) جاهدًا، وبلغ عدد المواضع التي استقصيتُها – وأجزم بعدم وجود ما سواها في الكتاب المذكور- ستة مواضع، وفيما يلي عرض لها: أوّلًا: التوجيه الصرفي في الأسماء: 1. قِياما وقيما وقِوامًا في قوله تعالى: ??? ? ? ? ? ? ? ? ?? [سورة النساء / 5] قال المقداد السيوريّ: ((وقُرئ (قِيَماً) بمعنى قيامًا، وفي الشواذ (قِواماً)، وقِوام الشيء ما يُقام به، كما يُقال: هو ملاك الأمر لما يملك به)) ( ). فالجذر اللغوي للقراءات الثلاث واحد (ق و م)، بيدَ أن الصيغ الصرفية تباينت، وعدّ قراءتي (قِياما) و (قِيَما) بمعنى واحد، والمراد بهما المصدر. أمّا قراءة (قِواما) فهي تدلُّ على الذات التي يُقام بها، لا على الحدث. وفيما يأتي عرض لتوجيهات العلماء الذين سبقوا المقداد السيوريّ، فقد وجّهوا القراءات الثلاث توجيهات صرفية، سأعرضها ههنا: قال االفراء(ت 207 هـ): ((قواما وقياما. وقرأ نافع الْمَدَنِيّ (قيما) والمعنى- والله أعلم- واحد.)) ( )، فعد القراءات الثلاث تدل على معنى واحد، بلحاظ ما تؤديه من معنى الحدث. وقال أبو عبيدة (ت 210 هـ): ((قِياما: مصدر يقيمكم، ويجيء فى الكلام في معنى قوام فيكسر، وإنما هو من الذي يقيمك، وإنما أذهبوا الواو لكسرة القاف، وتركها بعضهم كما قالوا: ضياء للناس وضواء للناس)) ( )، فعد (قِياما) مصدرا، وسرعان ما أجاز كونه دالا على الذات. وقال الطبري: ((فإن (قيامًا) و(قِيَمًا) و(قِوَامًا) في معنى واحد. وإنما (القيام) أصله (القوام)، غير أن (القاف) التي قبل (الواو) لمّا كانت مكسورة، جعلت الواو ياء؛ لكسرة ما قبلها، كما يقال: (صُمْت صيامًا)، و(صُلْت صِيالا)، ويقال منه: (فلان قوام أهل بيته) و(قيام أهل بيته) واختلفت القرأة في قراءة ذلك.)) ( )، فكلها مصادر عنده، بيد أنها اختلفت في ألفاظها، ويبدو لي أنها استعمالات لهجية. وقال السمرقندي (ت 370 هـ): ((قرأ نافع وابن عامر: ??? ? ? ? ?? بكسر القاف ونصب الياء بغير ألف، والباقون بالألف ومعناهما قريب. وقال أهل اللغة: قيامًا وقِوامًا وقيمًا بمعنى واحد)) ( )، وهو قريب مما ذكره الطبري، ويوافقه في المعنى. وقد تلمّس الزمخشريّ (ت 538 هـ) المؤدّى الدلالي للقراءتين، إذ يرى أنّ (قيمًا) بمعنى (قياما)، فالمصدريّة حاضرة في القراءتين. أمّا قراءة (قِوامًا) بالواو فهي تعني أنّ قِوام الشيء: ما يُقام به، وبه يكون ملاك الأمر( )، فعد قراءتي (قِياما) و (قِيَما) بمعنى واحد، والمراد بهما المصدر. أمّا قراءة (قِواما) فهي تدل على الذات التي يُقام بها. وقال ابن عطية: ((فالأصوب فيه قراءة الجماعة، وقِيَمًا جمع قيمة، كدِيْمَة ودِيَم، وخَطَّأَ ذلك أبو علي وقال: هي مصدر كقِيام وقِوام وأصلها قوم، ولكن شذّت في الردّ إلى الياء كما شَذَّ قولهم: جِياد في جمع جواد، وكما قالت بنو ضبة: طويل وطِيال، ونحو هذا، وقوما وقِواما وقياما، معناها: ثباتًا في صلاح الحال، ودواما في ذلك، وقرأ نافع وابن عامر قِيَمًا بغير ألف، وروي أن أبا عمرو فتح القاف من قوله: قِوامًا، وقِيامًا- كان أصله قِوامًا، فردّتْ كسرةُ القاف الواوَ ياءً للتناسب، ذكرها ابن مجاهد ولم ينسبها، وهي قراءة أبي عمرو والحسن، وقرأ الباقون قِياماً وقرأت طائفة (قواما) ))( )، فعد (قِيَما) جمع قيمة، وهو ما لم يذكره سواه، وهو مردود عند أبي علي الفارسي (ت 377 هـ). وقال الفخر الرازي (ت 606 هـ): ((وقرأ نافِعٌ وابن عامر: (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَمًا) وقد يُقال: هذا قَيِّمٌ وَقِيَمٌ، كَمَا قال: ?دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ? [سورة الأنعام/ 161]، وقرأ عبد اللَّهِ بن عمر (قِوَامًا) بالواو، وقوام الشيء ما يُقَامُ به، كقولك: ملاك الأمرِ لِمَا يُمْلَكُ به)) ( ). و تَوَسَّعَ أبو البقاء العكبري في ذكر القراءات وتوجيهاتها، مع بيان ما تؤديه من دلالات، إذ قال: (( (قِيَامًا): يُقرأ بالياء والألفِ، وهو مَصْدَرُ قامَ، والياء بدلٌ مِنَ الواو، وأُبْدِلَتْ منها لَمَّا أُعِلَّتْ فِي الفِعلِ، وكانَتْ قَبْلَهَا كسرةٌ، والتقديرُ: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ سَبَبَ قِيَامِ أَبْدَانِكُمْ؛ أَيْ: بَقَائِهَا. ويُقْرَأُ: (قِيَمًا) - بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِثْلُ الْحَوْلِ وَالْعِوَضِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تُثْبَتَ الْوَاوُ لِتَحَصُّنِهَا بِتَوَسُّطِهَا، كَمَا صَحَّتْ فِي الْحَوْلِ وَالْعِوَضِ، وَلَكِنْ أَبْدَلُوهَا يَاءً حَمْلًا عَلَى (قِيَامٍ) عَلَى اعْتِلَالِهَا فِي الْفِعْلِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا جَمْعُ قِيمَةٍ كَدِيمَةٍ وَدِيَمٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَمْوَالَ كَالْقِيَمِ لِلنُّفُوسِ إِذْ كَانَ بَقَاؤُهَا بِهَا ... وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ قِيَامًا فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ كَمَا حُذِفَتْ فِي خِيَمٍ، وَيُقْرَأُ: (قِوَامًا) بِكَسْرِ الْقَافِ، وَبِوَاوٍ وَأَلِفٍ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مَصْدَرُ قَاوَمْتُ قِوَامًا مِثْلُ لَاوَذْتُ لِوَاذًا، فَصَحَّتْ فِي الْمَصْدَرِ لَمَّا صَحَّتْ فِي الْفِعْلِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا اسْمٌ لِمَا يَقُومُ بِهِ الْأَمْرُ وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ)) ( )، فعد (قِيَامًا) مصدر، وذكر ثلاثة أوجه ل(قِيَمًا) الأول والثالث بمعنى المصدر، وإنْ اختلفت تفاصيلهما. والوجه الثاني بمعنى الجمع. وعدَّ (قِوَامًا) محتملةً لمعنى المصدر، ومعنى الذات التي يُقام بها. وقال البيضاوي (ت 685 هـ): ((سُمّيَ ما به القيام قِيامًا للمبالغة. وقرأ نافع وابن عامر (قِيَمًا) بمعناه، كعوذ بمعنى عياذ. وقُرئ (قِوامًا) وهو ما يقام به)) ( )، فعد (قِيامًا)، و(قِيَما) مصدرين، ولكن سُمّيت بها الذات ؛ لقصد المبالغة، و(قِوامًا) يدلُّ على الذات أيضا، ولكن ليس بصيغة المصدر. وقال أبو حيان الأندلسيّ: ((فَأَمَّا قِيَمًا فَمُقَدَّرٌ كَالْقِيَامِ ... وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ هُنَا أَنْ يَكُونَ جَمْعَ قِيمَةٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُهُ دِينًا قِيَمًا. وَأَمَّا قِيَامٌ فَظَاهِرٌ فِيهِ الْمَصْدَرُ، وَأَمَّا قِوَامٌ فَقِيلَ: مَصْدَرُ قَاوَمَ. وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ غَيْرُ مَصْدَرٍ، وَهُوَ مَا يُقَامُ بِهِ كَقَوْلِكَ: هُوَ مِلَاكُ الْأَمْرِ لِمَا يُمْلَكُ بِهِ. وَأَمَّا قِوَامٌ فَخَطَأٌ عِنْدَ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَالَ: الْقِوَامُ امْتِدَادُ الْقَامَةِ، وَجَوَّزَهُ الْكِسَائِيُّ. وَقَالَ: هُوَ فِي مَعْنَى الْقَوَامِ، يَعْنِي أَنَّهُ مَصْدَرٌ. وَقِيلَ: اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ. وَقِيلَ: الْقِوَامُ الْقَامَةُ، وَالْمَعْنَى: الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ سَبَبَ بَقَاءِ قَامَاتِكُمْ.)) ( )، فـ(قيما) يحتمل المصدر ويحتمل الجمع، وأمّا قيام فهو مصدر لاغير، وفي (قوام) وجهان: المصدر، والذات. وقال السمين الحلبي: ((فأما قراءة نافع وابنِ عامر ففيها ثلاثة أوجه، أحدهما: أنَّ (قِيَماً) مصدرٌ كالقيام وليس مقصورًا منه، قال الكسائيّ والأخفش والفرّاء، فهو مصدر بمعنى القيام الذي يُراد به الثباتُ والدوامُ ... الثاني: أنه مقصورٌ من (قيام)، فحذفوا الألف تخفيفًا كما قالوا: خيَم في (خِيام) و (مِخْيَط) و(مِقْول) في: (مِخْياط) و(مِقْوال). والثالث: أنه جمع (قِيمة) كـ (دِيَم) في جمع دِيْمَة، والمعنى: أنَّ الأموالَ كالقيم للنفوس لأنَّ بقاءها بها ... وأمَّا قراءةُ باقي السبعة فهو مصدرُ (قام) والأصلُ قِوام، فَأُبْدلت الواوُ ياءً للقاعدةِ المعروفة)) ( )، فقيم يحتمل المصدر من طريقين، ويحتمل الجمع، أمّا قيام فهو مصدر لا غير، ولم يغفل السمين الحلبيّ عن قراءة (قِوام) إذ قال: ((وأما قراءة عبد الله بن عمر ففيها وجهان، أحدهما: أنه مصدر قاوَمَ كـ لاوَذَ لِواذاً، صحَّت الواو في المصدر، كما صحت في الفعل. والثاني: أنه اسم لما يقوم به الشيء، وليس بمصدرٍ كقولهم: هذا مِلاك الأمر، أي ما يُمْلك به))( )، فهي تحتمل المصدر، واسم الذات. وعند عقد الموازنة بين توجيهات العلماء الذين سبقوا المقداد السيوريّ من جهة وتوجيهات المقداد من جهة أخرى نجد أن توجيهات المقداد السيوري لهذه القراءات كانت قريبة من التوجيهات التي ذكرها كل من الزمخشريّ، والعكبريّ، وأبو حيان الأندلسيّ، والسمين الحلبيّ.
2. المحصَنات والمحصِنات في قوله تعالى: ???? ? ? ? ? ? ?? [سورة النساء / 24] قال المقداد السيوريّ: ((وقُرئ بفتح الصاد، كما قلناه، وبكسرها على أنه اسم الفاعل؛ لأنهن أَحْصَنَّ فروجهنَّ بالتزوج)) ( )، وتوجيه القراءتين ههنا بيّن جلي، فصيغة (المُحصَنات) تدلُّ على اسم المفعول، أي وقع عليهنّ الإحصان، بزوجهن؛ لأنّ الزوج يحصن زوجته بأن يعفّها وتعفّه. وصيغة (المُحصِنات) تدل على اسم الفاعل، أي قمن بالإحصان، فأحصنَّ أنفسهن وحفظنها من الأجانب وهذا عرض لتوجيهات العلماء الذين سبقوا المقداد السيوري يهدف إلى بيان مدى تأثره بمن سبقه في توجيه هاتين القراءتين. قال الزجاج: ((القراءَة بالفتح. قد أجْمَعَ على الفتح في هذه، لأن معناها اللاتي أحْصِنَّ بالأزواج. ولو قرئت والمُحصِناتِ لجاز، لأنهُنَّ يحْصِنَّ فروجهن بأن يتزوجن. وقد قرئت التي سوى هذه ( المحْصَنَاتِ) و (والمحصِناتِ) )) ( )، فعدَّ القراءة الصائبة ههنا بالفتح، وهذا يعني صيغة اسم المفعول، ويبدو أنه لم يعلم بوجود قراءة بكسر الصاد، وهي ليست من القراءات السبع، بل هي قراءة: طلحة بن مصرف، والحسن البصري، وعلقمة( ). وقال الواحديّ: ((واختلف القراء في: (الْمُحْصَنَاتُ) فقرأوا بفتح الصاد وكسرها في جميع القرآن، إلاّ التي في هذه الآية، فإنهم اجتمعوا على الفتح فيها، فمَن قرأ بالكسر جعل الفعل لهنّ، ومَن قرأ بالفتح جعل الفعل لغيرهُنَّ)) ( )، ففعل ما فعله الزجاج حين أنكر قراءة الكسر، وزاد عليه أن بيّن المعنى الذي يترتب عنه. وقال االعكبري: ((وَالْجُمْهُورُ عَلَى فَتْحِ الصَّادِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ، وَذَاتُ الزَّوْجِ مُحْصَنَةٌ بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّ زَوْجَهَا أَحْصَنَهَا؛ أَيْ: أَعَفَّهَا؛ فَأَمَّا الْمُحْصَنَاتُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَيُقْرَأُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَكِلَاهُمَا مَشْهُورٌ، فَالْكَسْرُ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ أَحْصَنَّ فُرُوجَهُنَّ أَوْ أَزْوَاجَهُنَّ، وَالْفَتْحُ عَلَى أَنَّهُنَّ أُحْصِنَّ بِالْأَزْوَاجِ أَوْ بِالْإِسْلَامِ، وَاشْتِقَاقُ الْكَلِمَةِ مِنَ التَّحْصِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ.)) ( )، ولا يخفى أنّ العكبريّ قد فطن إلى نكتة لم يلتفت إليها مَن سبقه، فالمحصَنات –بفتح الصاد- مَن أحصنهنّ الزواج أو الإسلام، فالإسلام أقرّ العقود الشرعيّة، ورتّب الحياة ونظّم العلاقات الإنسانية بصورة تضمن صيانة المراءة في حال تطبيقها. وقال السمين الحلبي: ((فأمَّا الفتحُ ففيه وجهان، أشهرهما: أنه أَسْند الإِحصان إلى غيرهن، وهو إمَّا الأزواج أو الأولياء، فإن الزوج يُحْصِنُ امرأته أي: يُعِفُّها، والوليَّ يُحصِنُها بالتزويجِ أيضاً والله يُحْصِنُها بذلك. والثاني: أن هذا المفتوحَ الصادِ بمنزلة المكسور، يعني أنه اسمُ فاعل، وإنما شَذَّ فتحُ عين اسم الفاعل في ثلاثة ألفاظَ: أَحْصَنَ فهو مُحْصَن وأَلْقح فهو مُلْقَح، وأَسْهَب فهو مُسْهَب. وأمَّا الكسر فإنه أسند الإِحصان إليهن؛ لأنهن يُحْصِنَّ أنفسهن بعفافهن، أو يُحْصِنَّ فروجهن بالحفظ، أو يُحْصِنَّ أزواجهن))( )، وصفوة قوله: أنّ كسر الصاد يدلّ على صيغة اسم الفاعل، وأنهن قُمْنَ بالإحصان، وفتح الصاد يدلُّ على وقوع الإحصان عليهن. ويتضح بعد هذا العرض أنّ الوجه لذي ذكره المقداد السيوريّ هو الوجه الذي ذكره أغلب من سبقوه، وإن كان عدد منهم غير مطلع على وجود قراءة بكسر الصاد في هذا الموضع تحديدًا. أما العلماء الذين جاؤوا بعد المقداد السيوريّ فلم تختلف توجيهاتهم عمّا ذُكر، إذ إن القراءتين لا تحتملان توجيه آخر سوى صيغتي اسم الفاعل واسم المفعول، وإن اختلفوا في تفصيلات لطيفة.
3. السَّلم والسلام في قوله تعالى: ???? ? ? ? ? ? ? ?? [سورة النساء / 94] قال المقداد السيوريّ: ((وقرأ حمزة، وابن عامر (السَّلْم) بغير ألف، والباقون (السلام) بالألف، ومعناهما واحد)) ( )، ففعل ما جعلنا نعتاد عليه، وعدَّ القراءتين بمعنى واحد، على الرغم من اختلاف دلالة (السَّلْم) و (السَّلام)، ولم يذكر لنا هذا المعنى الواحد. وهذا عرض لتوجيهات العلماء الذين سبقوا المقداد السيوريّ؛ لغرض الموازنة بين توجيه المقداد السيوري وتوجيهات مَن سبقوه في توجيه هاتين القراءتين. قال الفراء: ((وقوله: ?وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً? ذكروا أنه رَجُل سلَّمَ على بعض سرايا المسلمين، فظنوا أنه عائذ بالإسْلام وليس بمسلم فقُتِلَ. وقرأه العامة: السلم. والسلم: الاستسلام والإعطاء بيده)) ( )، فالسلام بمعنى إلقاء التحية، والسلم بمعنى الاستسلام. وقال الطبري: ((فقرأ ذلك عامة قرأة المكيين والمدنيين والكوفيين: (السَّلَمَ) بغير ألف، بمعنى الاستسلام. وقرأ بعض الكوفيين والبصريين: (السَّلامَ) بألف، بمعنى التحية ... والصواب من القراءة في ذلك عندنا: (لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) ، بمعنى: من استسلم لكم، مذعنًا لله بالتوحيد، مقرًّا لكم بملَّتكم. وإنما اخترنا ذلك، لاختلاف الرواية في ذلك: فمن راوٍ رَوى أنه استسلم بأن شهد شهادة الحق وقال:إنّي مسلم، ومن راوٍ رَوى أنه قال: السلام عليكم، فحياهم تحية الإسلام ومن راوٍ رَوى أنه كان مسلمًا بإسلامٍ قد تقدم منه قبل قتلهم إياه، وكل هذه المعاني يجمعه (السَّلَم)؛ لأن المسلم مستسلم، والمحيي بتحية الإسلام مستسلم، والمتشهد شهادة الحق مستسلم لأهل الإسلام، فمعنى (السَّلم) جامع جميع المعاني التي رُويت في أمر المقتول الذي نزلت في شأنه هذه الآية))( )، فذكر ما ذكره الفراء، وزاد عليه أن فضل قراءة (السلم) وحجته أن السلم أعمُّ وأشمل من (السلام)، وهو يشمل روايات أسباب النزول كلها على خلاف (السلام) الذي يأتي للتحية فحسب. وقال الزجاج: ((قُرِئت السلام بالألف، وقرئت السَّلمَ. فأما السلام فيجوز أن يكون من التسليم، ويجوز أن يكون بمعنى السِّلِمْ، وهو الاستسلام، وإلقاء المقادة إِلى إِرادَةِ المسلمين. ويروى في التفسير أن سبب هذا أن رجلًا انحاز وأظهر الإسلام فقتله رجل من المسلمين وأخذ سَلبَه. فأعلمَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ أن حق من ألقى السلمَ أن يُتَبين أمرُه)) ( )، فالسلام عنده يحتمل معنيين: معنى التحية، ومعنى الاستسلام والانقياد. وفضّل النحاس قراءة (السلام) إذ قال: ((والحديث يدلّ على ذلك؛ لأنه يُروى أن مرداسا الفدكيّ مرّ بغالب فقال: السلام عليكم، فقام إليه غالب فقتله وأخذ ماله، فأنزل الله جلّ وعزّ: ??? ? ? ? ? ? ? ??. ومن جيّد ما قيل فيه... : مرّ المسلمون برجل في غنمه فقال: سلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنمه فنزلت ??? ? ? ? ? ? ? ?? هكذا الحديث بالألف. وقرأ أهل الحرمين وأهل الكوفة: (لمن ألقى إليكم السّلم)، وذلك جائز؛ لأنه إذا سلم فقد ألقى السلم والعرب تقول: ألقى فلان إليّ السّلم أي انقاد واستسلم، وقال الله جلّ وعزّ: ??? ? ? ? ?? [سورة النحل / 87]، وقرأ أبو رجاء: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم) بكسر السين وإسكان اللام)) ( ). وقال السمرقندي: ((وأما من قرأ (السَّلامَ) فلأن مرداساً قال لهم: السلام عليكم. وأما من قرأ (السلم) فهو الدخول والانقياد والمتابعة، يعني إنِ انقاد لكم وتابعكم فلا تقولوا له: لست مؤمناً، وأسلم واستسلم بمعنى واحد، أي دخل في الانقياد. كما تقول: أشتى الرجل إذا دخل في الشتاء، وأربع إذا دخل في الربيع.)) ( )، فذكر أن (السلام) للتحية ، و(السلم) للاستسلام والانقياد. وقال الواحدي: ((وقرئ: (السلام)، فمن قرأ بالألف فله معنيان: أحدهما: أن يكون السلام الذي هو تحية المسلمين، أي لا تقولوا لمن حياكم بهذه التحية: إنما قالها تعوذًا، فتقدموا عليه بالسيف لتأخذوا ماله، ولكن كفوا عنه، واقبلوا منه ما أظهره. والثاني: أن يكون المعنى: لا تقولوا لمن اعتزلكم (وكف يده عنكم فلم يقاتلكم): ?لَسْتَ مُؤْمِنًا? ... وأصل هذا من السلامة؛ لأن المعتزل طالب للسلامة. ومن قرأ (السَّلَم) أراد الانقياد والاستسلام إلى المسلمين ومنه قوله: ?? ? ? ? ?? [سورة النحل/ 87] أي: استسلموا, ولَمّا يُراد منهم)) ( )، فبيّن أنّ قراءة (السلام) تحتمل معنيين: معنى التحية، ومعنى السلامة، و(السلم) تعني الاستسلام والانقياد. وقال الزمخشري: ((وقرئ: (السلم) و (السلام)، وهما الاستسلام. وقيل: الإسلام. وقيل: التسليم الذي هو تحية أهل الإسلام)) ( )، ويبدو من ظاهر قوله أنه يذهب إلى أن القراءتين بمعنى واحد، وإن احتملتا معاً أكثر من معنى. وقال ابن عطية: (( (السَّلم) بتشديد السين وفتحه وفتح اللام، ومعناه: الاستسلام، أي: ألقى بيده واستسلم لكم، وأظهر دعوتكم، وقرأ بقية السبعة (السلام) يريد سلم ذلك المقتول على السرية، لأن سلامه بتحية الإسلام مؤذن بطاعته وانقياده، ويحتمل أن يراد به الانحياز والترك، قال الأخفش: يقال: فلان سلام إذا كان لا يخالط أحدا، وروي في بعض طرق عاصم (السِّلم) بكسر السين وشده وسكون اللام وهو الصلح، والمعنى المراد بهذه الثلاثة يتقارب)) ( ).
وقال الفخر الرازي: ((قالَ تَعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السِّلمَ لَسْتَ مُؤمنًا) أرادَ الانقيادَ وَالاسْتِسْلَام إِلى المسلِمِين، ومنه قَوله: ?? ? ? ? ?? [النَّحْلِ: 87] أَيِ استسلموا للأمر، ومن قَرَأَ السَّلامَ بِالأَلِفِ فَلَهُ مَعْنَيانِ: أَحَدُها: أَنْ يَكونَ المُرادُ السَّلام الَّذي يكون هو تَحِيَّة المسلمين، أي لا تقولوا لمن حيّاكم بهذه التحية إِنَّهُ إنما قالها تَعَوُّذًا فتقدموا عليه بالسَّيْفِ لِتَأْخُذوا ماله ولكن كُفُّوا واقبلوا منه ما أظهره. والثّاني: أن يكون المعنى: لا تقولوا لمنِ اعتَزلكم ولمْ يقاتلكم لَسْتَ مُؤْمِنًا، وأصْلُ هذا مِنَ السّلامة لأنَّ المُعْتَزِل طالبٌ للسَّلامة)) ( )، ولم يختلف قوله عما قاله الواحدي. وقال العكبري: ((و (السَّلَامَ) : بالألف التّحيّة، وَيُقْرأ بفتح اللام من غير ألِفٍ، وبإسكانها مع كسرة السِّين وفتحها، وهو الاسْتِسْلَامُ والصّلح)) ( )، فلم يأتي بما هو جديد. وقال القرطبي: (( (السَّلَمُ)، و(السِّلم)، و(السلام) واحد، قاله البخاري. وقُرئ بها كلّها. واختار أبو عُبيدٍ القاسم بن سَلّامٍ (السَّلامَ). وَخالَفَهُ أهلُ النَّظر فقالوا: (السَّلَمَ) هاهُنا أَشْبَهُ، لأنَّهُ بمعنى الانقياد وَالتّسليم، كما قال عزّ وجلَّ: ??? ? ? ? ? ? ? ?? [سورة النحل: 28] فَالسَّلَمُ الاستسلام والانقياد. أَي: لا تقولوا لمن ألقى بيده واسْتَسْلم لكم وأظهر دعوتكم: لست مؤمنا. وقيل: السلام: قوله: السَّلام عليكم، وهو راجع إلى الأول، لأنّ سلامه بتحيَّة الإسلام مُؤْذِنٌ بِطاعته وانقياده، ويحتمل أن يُراد بهِ الانحِيازُ والتَّركُ)) ( )، فعد القراءات الثلاث بمعنى واحد، ثم نقل آراء من سبقوه، ووصف مَن فضل قراءة (السَّلم) بأنه من أهل النظر؛ مما يدل على موافقته لهم. وقال البيضاوي: ((??? ? ? ? ? ?? لمن حياكم بتحية الإسلام. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة السلم بغير الألف أي الاستسلام والانقياد وفسر به السلام أيضاً. لَسْتَ مُؤْمِناً وإنما فعلت ذلك متعوذا)) ( )، فالسلام بمعنى التحية ويحتمل الاستسلام والانقياد، والسلم الاستسلام والانقياد لا غير. وقال أبو حيان الأندلسي: ((السَّلَامَ بِأَلِفٍ. قَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الِاسْتِسْلَامِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ، وَابْنُ كَثِيرٍ. مِنْ بَعْضِ طُرُقِهِ، وَجَبَلَةُ عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَاصِمٍ: بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ، وَهُوَ مِنَ الِاسْتِسْلَامِ. وَقَرَأَ أَبَانُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ: بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَهُوَ الِانْقِيَادُ وَالطَّاعَةُ.)) ( ) وقال السمين الحلبي: ((فأما (السلام) فالظاهر أنه التحية. وقيل: الاستسلام والانقياد، والسَّلَم - بفتحهما - الانقياد فقط، وكذا (السلم) [الآية: 208] بالكسر والسكون. والجحدري بفتحها وسكون اللام)) ( ) فلم يبتعد عمّا ذكره الزجاج. بعد هذا العرض لتوجيه المقداد السيوري وتوجيهات العلماء الذين سبقوه وعقد الموازنة بينها، والتأمل في التوجيهات جميعها يتضح أن توجيه المقداد السيوري كان قريبا من التوجيه الذي ذكره كلٌّ من: الزمخشري، والقرطبي، إذ ذكرا أن القراءتين بمعنى واحد أو قد يتحد معناهما. وجدير بالذكر أن الآلوسي ذكر أيضا أن القراءتين بمعنى واحد ( )
ثانيًا: التوجيه الصرفي في الأفعال: 1. يَطَّوَّعَ وتَطَوَّع في قوله تعالى: ??? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ??? [سورة البقرة / 158] قال المقداد السيوريّ: ((وأصل التطوع: التبرع، مِن (طاع يطوعُ طَوْعاً) إذا تبرّعَ، وقرأ حمزة، والكسائي (يَطَّوَّعْ) بالياء وتشديد الطاء وسكون العين، والباقون بالتاء، وفتح العين على أنّه فعل ماض، وعلى الأول هو مضارع مجزوم بأداة الشرط))( )، فوجه قراءة (يطَّوع) على أن أصلها (يَتَطَوَّعَ) بصيغة المضارعة، ثم أُدغمت التاء في الطاء. ووجه قراءة (تَطَوَّعَ) على أن الفعل ماض. أمّا جزم الفعل المضارع في القراءة الأولى فمردّه إلى أنه فعل الشرط لأداة الشرط (مَن)، وهو توجيه حسن بَيدَ أنه ليس من مبتدعات المقداد السيوريّ إذ سبقه إليه عدد من العلماء، وسيتضح هذا جليًّا عن طريق هذا العرض الذي يهدف إلى بيان مدى تأثر المقداد السيوريّ بمَن سبقه في توجيه هاتين القراءتين: قال الفراء: ((تنصب على (جهة فعل). وأصحاب عَبْد اللَّه وحمزة (ومن يطَّوع) لأنها فِي مصحف عَبْد اللَّه (يتطوع))) ( )، بيَّن وجه القراءتين، وذكر معهما دليلاً يُعلي من شأن قراءة (يطّوع) إذ وردت في رسم مصحف عبد الله بن مسعود بإظهار التاء. ووافق الطبري (ت 310 هـ) الفراء، وزاد عليه تفصيلاً إذ قال: ((اختلف القرَاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قُراء أهل المدينة والبصرة:(ومَن تَطوَّعَ خَيرًا)، على لفظ المضيّ بـ(التاء) وفتح (العين). وقرأته عامة قراء الكوفيين: (وَمَنْ يَطَّوَّعْ خَيرًا) بـ(الياء) وجَزم(العين) وتشديد (الطاء)، بمعنى: ومن يَتطوع. وذُكر أنها في قراءة عبد الله: (ومَنْ يَتطوَّعْ)، فقرأ ذلك قُرّاء أهل الكوفة، على ما وصفنا، اعتبارًا بالذي ذكرنا من قراءَة عبد الله -سوى عَاصم، فإنه وافق المدنيين- فشددوا (الطاءَ) طلبًا لإدغام التاء في الطاء. وكلتا القراءتين معروفة صحيحة، متفقٌ معنياهما غيرُ مختلفين - لأن الماضي من الفعل مع حروف الجزاء بمعنى المستقبل. فبأيّ القراءتين قرأ ذلك قارئٌ فمصيبٌ)) ( )، ونلاحظ أنه نسب (يَتَطَوَّع) – بإظهار التاء - إلى عبد الله ابن مسعود، في حين نسبها الفراء رسم مصحفه، وتابعهما كلٌّ من الزجاج (ت 311 هـ) ( )، والنحاس (ت 338 هـ)( )، والثعلبيُّ (ت 427 ه)( ). وفصل القول الواحديّ (ت 468 هـ)، وزاد في الأقوال من التفاصيل ما لم يذكرها من سبقه، إذ نبصر في توجيهه ملمح الدلالة الصرفيّة، وقد رجّح إحدى القراءتين إذ قال: ((فيه وجهان من القراءة: أحدهما: (تَطَوَّعَ) على تَفَعَّل ماضيًا وهذه القراءة تحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون موضع تطوَّع جزمًا، وتجعل (مَن) للجزاء، وتكون الفاء مع ما بعدها من قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) في موضع جزم... الثاني: أن لا تجعل (مَن) للجزاء، ولكن تكون بمنزلة الذي، وتكون مبتدأً به، ولا موضع حينئذ للفعل الذي هو (تَطَوَّعَ)، والفاء مع ما بعدها في موضع رفع... الوجه الثاني من القراءة: (يَطَّوَّعْ) بالياء وجزم العين، وتقديره: يَتَطَوَّع إلا أنّ التاء أُدغم في الطاء لتقاربهما، وهذا حسن؛ لأنّ المعنى على الاستقبال، والشرط والجزاء الأحسن فيهما الاستقبال، وإن كان يجوز أن تقول: مَن أتاك أعطيتَهُ، فتُوقع الماضي موقعَ المستقبل في الجزاء، إلا أنّ اللفظ إذا كان وافق المعنى كان أحسن )) ( )، فأعطى لقراءة صيغة المضي وجهين: يكون الفعل في محل جزم في إحداهما، ولا محل له في الثانية، تبعا لنوع (مَن) التي تحتمل الشرطيّة والموصوليّة، وعدّ صيغة المضارع أرجح؛ لأنه أنسب وأليق بأسلوب الشرط فضلًا عن الظفر بدلالة الحال والاستقبال. وقال ابن عطية (ت 542 هـ): ((وقرأ قوم من السبعة وغيرهم (ومَنْ يَطَّوَع) بالياء من تحت على الاستقبال والشرط، والجواب في قوله (فَإِنَّ)، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم (تَطَوَّعَ) على بابه في المضي، فـ (مَنْ) على هذه القراءة بمعنى الذي، ودخلت الفاء في قوله: (فَإِنَّ) للإبهام الذي في (مَنْ))) ( )، والإبهام وحدَهُ غير كافٍ لدخول الفاء، وإنما يجوز دخول الفاء على خبر الأسماء الموصولة؛ للإيذان بأن ما بعدها نتيجة لما قبلها، فغرض الدخول دلاليّ مقصود، وليست كل (مَن) تأتي بعدها الفاء. وقال العكبري (ت 616 هـ): (( (وَمَنْ تَطَوَّعَ): يُقرأ على لفظ الماضي، فـ (مَنْ) على هذا يجوز أنْ تكونَ بمعنى الَّذي، والخبرُ (فَإِنَّ اللَّهَ) والعائد محذوفٌ تقديرُهُ (لَهُ)، ويجوز أَنْ يكونَ (مَنْ) شرطًا، والماضي بمعنى المستقبلِ. وقُرِئَ: (يَطَّوَّعُ) على لفظ المستقبلِ، فـ (مَنْ) على هذا شرطٌ لَا غير; لأَنَّهُ جزم بها، وأدغم التاء في الطَّاءِ)) ( )، فلم يخرج عن حَيّز ما ذكره سابقوه. وقال أبو حيان الأندلسيّ (ت 745 هـ): (((تَطَوَّعَ) فعلًا ماضيًا هنا، وفي قولهِ: ?فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ? [سورة البقرة / 184]، فَيَحْتَمِلُ (مَنْ) أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً. وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: يَطَوَّعْ مُضَارِعًا مَجْزُومًا بِمَنِ الشَّرْطِيَّةِ، وَافَقَهُمَا زَيْدٌ وَرُوَيْسٌ فِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَانْتِصَابُ خَيْرًا عَلَى الْمَفْعُولِ بَعْدَ إِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ، أَيْ بِخَيْرٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَرَأَ: يَتَطَوَّعُ بِخَيْرٍ. وَيَطَّوَّعُ أَصْلُهُ: يَتَطَوَّعُ، كَقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ، فَأُدْغِمَ))( ) وقال السمين الحلبيّ (ت 756 هـ):((يَطَّوَّعْ بالياء فعلاً مضارعاً، وقرأه الباقون: (تَطَوَّع) فعلاً ماضياً. فأمَّا على قراءتهما فتكونُ (مَنْ) شرطيةً ليس إلاَّ، لعملِها الجزمَ. وأصل يَطَّوَّع. يَتَطَوَّع فأُدْغِم على نحو ما تقدّم في (يطّوّف)، وهي في محلِّ رفعٍ بالابتداء، والخبرُ فعلُ الشرطِ على ما هو الصحيحُ كما تقدَّم تحقيقُه)) ( ). وعند الموازنة بين توجيه المقداد السيوري وتوجيهات من سبقه يتضح قرب الوجه الذي ذكره مع أغلب التوجيهات التي سبقته، ولكنه وجَّه القراءتين من دون بيان الوجه الدلاليّ المقصود في كل قراءة. وجدير بالذكر أن العلماء الذين جاؤوا بعده وَجَّهَ عدد منهم القراءتين توجيهًا قريبًا من الوجه الذي ذكره المقداد السيوري، ومنهم: الآلوسي (ت 1270 هـ) ( )، وابن عاشور (ت 1393هـ) ( ). 2. عَقَدَتْ وعاقَدَتْ في قوله تعالى: ???? ? ? ? ?? [سورة النساء / 33] قال المقداد السيوري: ((وقُرئ (عَقَدَتْ) و (عاقَدَتْ) والمعنى واحد)) ( )، فعدَّ القراءتين تدّلان على المعنى نفسه على الرغم من أن صيغة (فَعَلَ) تختلف دلالتها الصرفيّة عن صيغة (فاعَلَ)، فالأولى صيغة الفعل الماضي، وتفيد الحدوث في الزمن الماضي، أمّا صيغة (فاعل) فهي تفيد ما أفادته أختها وزيادة، فهي تفيد المشاركة. وهذا ما التفت إليه الطبريّ إذ قال: ((اختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأه بعضهم: ??? ? ??، بمعنى: والذين عَقَدَتْ أيمانُكم الحلفَ بينكم وبينهم. وهي قراءة عامة قَرَأَةِ الكوفيين. وقرأ ذلك آخرون: (والذين عاقَدَت أيمانُكم) ، بمعنى: والذين عاقدت أيمانكم وأيمانهم الحلفَ بينكم وبينهم. قال أبو جعفر: والذي نقول به في ذلك: إنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة أمصار المسلمين بمعنى واحد ... وذلك أن الذين قرأوا ذلك: (عاقدت)، قالوا: لا يكون عَقْد الحلف إلا من فريقين ... على أن معنى ذلك أيمانكم وأيمانُ المعقود عليهم، وأن العقد إنما هو صفة للأيمان دون العاقدين الحلف ... وأما (عاقدت أيمانكم)، فإنه في تأويل: عاقدت أيمانُ هؤلاء أيمانَ هؤلاء، الحلفَ. فهما متقاربان في المعنى، وإن كانت قراءة من قرأ ذلك: (عقدت أيمانكم) بغير (ألف)، أصح معنى مِن قراءة مَن قرأه: (عاقدت)، للذي ذكرنا من الدلالة المُغنية في صفة الأيمان بالعقد، على أنها أيمان الفريقين من الدلالة على ذلك بغيره.)) ( )، وكلامه لا يخلو من اضطراب فهو التفت إلى معنى المشاركة في صيغة (فاعل)، ثم عدّهما بمعنى واحد، وعاد بعدها ليفرق بينهما، وعدهما بعدها متقاربتين، ولكن قراءة (عقدت) أصحُّ معنى. وقال النحاس: ((والذين عاقدت أيمانكم أي بالحلف، وقرأ حمزة ?وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ? أي بالحلف، وهي قراءة بعيدة لأن المعاقدة لا تكون إلّا من اثنين فصاعدا فبابها فاعل، وقراءة حمزة تجوز على غموض من العربية يكون التقدير فيها والذين عقدتهم أيمانكم الحلف، وتعدّى إلى مفعولين، والتقدير: عقدت لهم أيمانكم الحلف، ثم حذف اللام مثل ?وَإِذا كالُوهُمْ? [سورة المطففين/ 3] أي: كالوا لهم، وحذف المفعول الأول؛ لأنه متصل في الصّلة)) ( )، فأشار إلى معنى المشاركة، وفضل صيغة (فاعل) على صيغة (فعل)؛ لأن المعاقدة تستلزم المشاركة، ولا أجد ضرورة إلى التقدير الذي أوجبه بغير موجب في قراءة (عقدت). وقال السمرقندي: ((قرأ أهل الكوفة حمزة والكسائي وعاصم: والذين عقدت أيمانكم بغير ألف، والباقون بالألف. قال أبو عبيدة: والاختيار عاقدت بالألف؛ لأنه من معاقدة الحلف، فلا يكون إلا بين اثنين. ومن قرأ: عقدت، معناه عقدت لهم أيمانكم فأضمر فيها لهم)) ( )، فلم يبتعد عمّا ذكره النحاس. وقال الواحدي: ((واختلف القراء في قوله: (عَاقَدَت)، فقرأ أهل الكوفة (عَقَدَتْ) بالتخفيف من غير ألف، والباقون (عَاقَدَت) بالألف. وهذا أشبه بهذا المعنى؛ لأن لكل نفر من المعاقدين يمينًا على المُخالفة، وجعل الأيمان في اللفظ هي المعاقدة، والمعنى على الحالفين الذين هم أصحاب الأيمان، فالمعنى: والذين عاقدت حلفهم أيمانُكم. حذف الذكر للعائد من الصلة إلى الموصول. وهؤلاء الذين قرأوا في المفاعلة حملوا الكلام على المعنى، حيث كان من كل واحد من الفريقين يمين. ومن قرأ (عَقَدَتْ) كان المعنى: عقدت حلفَهم أيمانكم، كالأول، إلا أنهم حملوا على لفظ الأيمان، لأن الفعل لم يُسند إلى أصحاب الأيمان في اللفظ، إنما أُسنِد إلى الأيمان)) ( )، فسار قريبا من مسار من سبقه. وقال الفخر الرازيّ –بعد ذكر القراءتين-: ((الِاخْتِيَارُ: عَاقَدَتْ، لِدَلَالَةِ الْمُفَاعَلَةِ عَلَى عَقْدِ الْحَلِفِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ)) ( )، ففضل صيغة المفاعلة بسبب إفادتها المشاركة. وقال العكبري: (( وَيُقْرَأُ عاقدت بالألف والمفعول محذوف؛ أي: عاقدتهم، وَيُقْرَأُ بغير ألف والمفعول محذوف أَيضًا هو والعائد تقديره: عقدت حَلِفَهم أيمانُكم. وقيل: التّقدير: عَقَدَتْ حَلِفَهُم ذَوو أيمانكم فحذف المضاف؛ لأنَّ العاقد لليمين الحالِفون لا الأَيمانُ نفسها))( )، فاستبعد أن يكون الأيمان فاعلا للفعل. وقال القرطبي (ت 671 هـ): ((رَوى عَليُّ بن كبشة عن حمزة (عَقَّدَتْ) بتشديد القاف على التكثير. والمشهور عن حمزة (عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) مخفَّفة القاف، وهي قراءة عاصم والكسائيِّ، وهي قراءة بعيدة، لأنَّ المعاقدة لا تكون إِلَّا من اثنين فصاعدًا، فبابها فاعَلَ))( )، وكلامه قريب جدا مما ذكره النحاس، واستعمل ألفاظ النحاس نفسها. بعد هذا العرض لتوجيهات العلماء الذين سبقوا المقداد السيوري يتضح أنه تفرد بذكر هذا التوجيه، فهو عد القراءتين بمعنى واحد، ولم يلتفت إلى معنى المشاركة الذي ذكره من سبقه، وربما مرد ذلك إلى أن الأصل في القراءات عنده أن يتحد معناها. وقد تردد الطبريّ بين عدّهما بمعنى واحد، وإفادة المشاركة في قراءة عاقدتم. ? 3. لمستم ولامستم في قوله تعالى: ??? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? [سورة النساء / 43] ذكر المقداد السيوري قراءة الكسائي (لمستم) بدلاً من (لامستم) وقال: ((واللمس والملامس كنايتان عن الجماع)) ( )، ويبدو أنه يعد القراءتين بمعنى واحد، وهو ما فعله مع قراءتي (عقدت) و (عاقدت). وفيما يأتي عرض لتوجيهات العلماء الذين سبقوا المقداد السيوريّ: قال أبو عبيدة: ((اللماس النكاح: لمستم، ولامستم أكثر)) ( )، ويبدو أنه أيضا يعدُّ القراءتين بمعنى واحد، بَيدَ أنّ استعمال (لامس) أكثر من استعمال (لمس). وقال الطبري: ((واختلفتِ القَرَأَةُ في قراءة قوله: (أو لامستم النساء). فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين: (أَوْ لامَسْتُمُ) بمعنى: أو لَمَسْتُم نساءَكم ولَمَسْنَكم. وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيّين: (أو لمستم النساء) بمعنى: أو لمستم، أنتم أيها الرجال، نساءكم. وهما قراءتان متقاربتا المعنى؛ لأنه لا يكون الرجل لامسًا امرأته إلا وهي لامِستُه. فـ (اللمس) في ذلك يدلُّ على معنى (اللِّماس)، و(اللماس) على معنى (اللمس) من كل واحد منهما صاحبه. فبأي القراءتين قرأ ذلك القارئ فمصيب؛ لاتفاق معنييهما.))( )، فذهب إلى أن صيغة (لامس) تفيد المشاركة، والمشاركة هنا من الرجل والمرأة، على خلاف (لمس) التي تفيد قيام الرجل بالفعل، وإن كان لمس الرجل لزوجته ينتهي إلى حصول الملامسة منها بصورة عرضية. وقال العكبري: (( (أَوْ لَمَسْتُمْ) : يُقْرَأُ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَبِأَلِفٍ وَهُمَا بِمَعْنًى. وَقِيلَ: لَامَسْتُمْ مَا دُونَ الْجِمَاعِ، أَوْ لَمَسْتُمُ لِلْجِمَاعِ)) ( )، فهو يذهب إلى اتحاد معناهما، وينقل بعدها قولاً مفاده: (لامس) لما هو دون الجماع، و(لمس) للجماع، ولا يخلو هذا القول من غرابة، ولا سيما إذا ما أخذنا بالحسبان أن صيغة المفاعلة قد تفيد المشاركة من الطرفين، ولا تفيد صيغة (فعل) هذا المعنى. وقال القرطبي: ((قرأ حمزة والكسائيُّ: (لَمَسْتُمْ) وفي معناه ثلاثة أقوال: الأوّل: أن يكون لمستم جامَعْتُمْ. الثّاني: لَمَسْتُمْ: باشَرْتُمْ. الثّالث: يَجمعُ الأمرَين جَميعًا. و (لامَسْتُم) بمعناه عند أكثر النَّاس، إلَّا أنه حكي عن محمد بن يزيد أنه قال: الأولى في اللغة أن يكون (لامَسْتُم) بمعنى قبلتم أو نظيره؛ لأنَّ لكلّ واحدٍ منهما فِعْلًا. قال: وَ(لَمَسْتُمْ) بمعنى غشيتم وَمَسِسْتُم، وليس للمرأة في هذا فِعْلٌ)) ( )، ففصل أكثر من سابقيه، وأعطى للمس ثلاثة معان، وعدَّ لامس بمعنى المماسة. وقال في موضع آخر: ((فإن قيل: الْمُلَامَسَةُ مِن بابِ الْمُفَاعَلَةِ، وَلَا تَكُونُ إلَّا مِنَ اثْنَيْنِ، وَاللَّمْسُ باليد إنّما يَكونُ مِن واحِدٍ، فثبت أنَّ الْمُلَامَسَة هي الجماع. قلنا: المُلامَسَةُ مُقْتضاها التقاء البشرتين، سَواءً كان ذلك مِن واحد أو مِن اثنَين، لأنّ كُلَّ واحدٍ منهما يُوصف لَامِسٌ وملموسٌ. جواب آخر: وهو أنّ الملامسة قد تكون من واحد، ... فإن قيل: لمّا ذكر اللَّه سبحانه سبب الحدث، وهو المجيء مِنَ الغائط ذكر سبب الجنابة وهو الملامسة، فبيّن حكم الحدث والجنابة عندَ عدم الماء، كما أفادَ بَيان حكمهما عند وجود الماء. قلنا: لا نمنع حَمْلَ اللّفظ على الجِماع واللَّمس، ويفيدُ الحكمين كما بيّنّا. وقد قرئ (لَمَسْتُمْ) كما ذكرنا)) ( )، فأقرَّ معنى المشاركة في طريقين. وقال البيضاويّ: ((أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ أو ماسستم بشرتهن ببشرتكم، وبه استدل الشافعي على أن اللمس ينقض الوضوء. وقيل: أو جامعتموهن. وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي المائدة (لمستم) ، واستعماله كناية عن الجماع أقل من الملامسة)) ( )، فذهب إلى أنَّ استعمال (لمس) للمجامعة أقل من استعمال (لامس)، وهذا يتوافق مع الدلالة الصرفية لصيغتي (فعل) و(فاعل)، ففاعل تفيد المشاركة، وهي بهذا أقرب إلى معنى الجماع من صيغة (فعل). وقال السمين الحلبيّ: ((وقرأ الأخوان هنا وفي المائدة: (لَمَسْتم) والباقون: (لامستم) فقيل: (فاعِل) بمعنى فَعَل، وقيل: لمَس: جامَع، ولامسَ لما دون الجماع.)) ( ). ويتضح بعد هذا العرض أن الوجه الذي ذكره المقداد السيوريّ كان قريبًا من الوجه الذي ذكره العكبريّ، فالعكبريّ صرّح بكون القراءتين بمعنى واحد، وإن نقل بعدها قولًا بخلافه. ? نتائج البحث بعد صحبة المقداد السيوريّ ومرافقته الممتعة، وبعد الاطلاع على توجيهاته الصرفيّة للقراءات القرآنية توصلتُ إلى مجموعة من النتائج، من أهمها: 1. اتضح أن علماء الحلة –ومنهم المقداد السيوريّ- لم يتحدثوا عن التوجيه بوصفه مصطلحًا لغويًّا، ولم يولوا الجانب النظري شطرًا من عنايتهم، ولكن مَن يقلب صفحات كتبهم يجد فيها المزيد من التوجيهات السديدة، وكان ابن إدريس سباقًا في هذا الميدان. 2. اتضح أن المقداد السيوري وجّه القراءات القرآنيّة توجيهًا صرفيًّا في ستة مواضع، تقاسمتها الأسماء والأفعال مناصفة، وله توجيهات صوتية ونحويّة ودلاليّة يضيق المقام عن ذكرها في هذا البحث الذي اختصّ بالجانب الصرفي فقط. 3. تبيّن أن تطبيقات المقداد السيوري العمليّة للتوجيه تشهد له بالبراعة وطول الباع، فهو يذكر أصوب التوجيهات ويعضدها بحجج مقنعة تدل على سبر أغوار اللغة والخوض في غمارها. 4. بيّن المقداد السيوري أصل الكلمة التي اختصّت بها القراءة، وضبطها في عدد من المواضع، وبيّن موقعها الإعرابيّ في عدد من المواضع، ولا يخفى على القارئ العلاقة بين البنية الصرفية والموقع النحويّ. 5. أولى المقداد السيوريّ الدلالة الصرفيّة اهتمامًا بيّنًا، وأوضح دلالة كلّ من القراءتين، وحاول في أكثر المواضع أن يرجع القراءتين إلى معنى عام واحد. 6. تصحُّ القراءة عنده؛ لموافقتها لسنن العرب في كلامها، فيستقيم التوجيه عنده، إذا لم تخرج القراءة عمّا جرت عليه لهجة فصيحة من لهجات العرب، وكان المقداد السيوري عالمًا بلهجات العرب. 7. قد تتدافع القراءات عنده في موضع واحد، إلاّ أنه يقف منها موقف العالم المتبحر بأصول اللغة والدين، فيعرض لكل قراءة توجيهها. 8. ظهر أنه أفاد ممن سبقه في توجيهاته في مواضع، إلا إنه انماز برقي عرضه وجمال سرده، ديدنه التيسير على من قرأ. وقد أجاد أيما إجادة في عرض آراء من سبقه، ولم يكتف بالعرض بل ناقش تلك الآراء، وضعّف ما يدخله الوهن منها، وأيّد ما يستحق التأييد، وشفع مناقشته بأدلة مفحمة وحجج متينة.
الهوامش
تحميل الملف المرفق Download Attached File
|
|