عنوان البحث(Papers / Research Title)
خُصُوصِيَّةُ الشكل في القرارِ الإِداريِّ
الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)
باسم جاسم يحيى الفتلاوي
Citation Information
باسم,جاسم,يحيى,الفتلاوي ,خُصُوصِيَّةُ الشكل في القرارِ الإِداريِّ , Time 9/30/2021 5:48:05 PM : كلية العلوم الاسلامية
وصف الابستركت (Abstract)
خُصُوصِيَّةُ الشكل في القرارِ الإِداريِّ
الوصف الكامل (Full Abstract)
" خُصُوصِيَّةُ الشكل في القرارِ الإِداريِّ " " دِراسَةٌ مُقارَنَةٌ" مدرس مساعد باسم جاسم يحيى قسم علوم القرآن/كلية العلوم الإسلامية /جامعة بابل /العراق basimjasim79@gmail.com
" The Specificity Of The Form In The Administrative Decision" Acomparative Stady"" BASIM JASIM YAHYA Asst.Lect. Department Of Quranic Sciences / The College Of Islamic Sciences/ University Of Babylon/ Iraq basimjasim79@gmail.com
1441هـ 2020م
المُلَخَّص تتولّى الإدارةُ العامَّةُ إدارةَ شؤونِ الدولةِ وتسييرَ أُمورِها بما لها مِنْ سُلُطاتٍ وإمتيازاتٍ منحها إيّاها المُشرِّعُ تحقيقًا للمصلحةِ العامَّةِ, وإنَّ أخطرَ هذهِ الإمتيازاتُ هو حقَّها في إصدارِ قراراتٍ مُلزِمةٍ بإرادتها المنفردة وبالتالي فالأفراد يجدون أنفسهم في مواجهةِ قرارٍ مُلزَمين بتنفيذهِ دون أنْ يكون لهم الحقَّ في رفضهِ أو إبداء رأيهم فيه, وبما إنَّ هذه الإرادة الباطنة للإدارة ينبغي لها الظهور بمظهرٍ خارجيٍّ حتى يعلم بها الأفراد المعنيون بتنفيذها وهذا الظهور هو ما يُطلَق عليه " شكل القرار الإداري" لذا فهو يُعَدُّ ضمانةً للأفرادِ لأنَّه يُحيطهُم عِلمًا بما تُقرِّره الإدارة تجاههم. ويُعَدُّ عيبَ الشكلِ في القرارِ الإداريِّ من أسبابِ الطعنِ فيه بالإلغاءِ لأنَّه ينصَبُّ على رُكنٍ أساسيٍّ من أركانِ القرارِ الإداريِّ لا يستقيمَ بدونه, فالإدارةُ مُلزَمةٌ بأنْ تُفرِغَ إرادتَها بالشكل الذي يُحدِّده القانون وللقضاء الإداري سلطةَ إلغاءِ القرارِ المعيبِ بعيبِ الشكلِ. وتَبرزُ أهمَّة ركن الشكل في خصوصيَّته لأنَّه يُنظِّمُ ويضبطُ عملَ الإدارةِ في صورةٍ محدَّدةٍ دقيقةٍ وقانونيَّةٍ ممَّا يَستتبِعَهُ ضمانَ مشروعيَّةَ القرارَ الذي تُصدِره الإدارة, فإلتزام الإدارة به يُؤدِّي إلى تحقيق المصلحة العامَّة لأنَّه يُظهِر إرادة الإدارة في صورٍ ومظاهرٍ خارجيةٍ معلومةٍ للأفرادِ بِغيةَ الإلتزامَ بها وتنفيذها. الكلمات المفتاحية: خُصُوصيَّةُ الشكل, ماهيَّةُ الشكل, تَمْييزُ الشكل, صُوَرُ الشكل, أثَر تخلُّف الشكل .
Abstract The Public Administration Assumes The Management Of The Affairs Of The State And The Conduct Of Its Affairs With The Powers And Privileges Granted To It By The Legislator In Order To Achieve The Public Interest, And The Most Dangerous Of These Privileges Is Its Right To Issue Decisions That Are Binding On Their Individual Will, And Therefore Individuals Find Themselves With A Refusal To Confront Them Without Facing Their Opinion On It, And Since This Inner Will Of The Administration Should Appear In An External Appearance Until The Individuals Concerned With Its Implementation Know About It And This Appearance Is What Is Called The "Administrative Decision Form" So It Is Considered A Guarantee For Individuals Because Debriefed Note Determined By The Administration Towards Them. And The Defect Of The Form In The Administrative Decision Is One Of The Reasons For Challenging It With Cancellation Because It Sets Forth A Basic Pillar Of The Administrative Decision That Cannot Be Rectified Without It, Because The Administration Is Obligated To Empty Its Will In The Form Determined By The Law And The Administrative Judiciary Has The Power To Cancel The Defective Form. The Importance Of The Corner Of The Form Emerges In Its Privacy Because It Organizes And Controls The Work Of The Administration In A Specific, Accurate And Legal Form, Which Entails Ensuring The Legitimacy Of The Decision Issued By The Administration, Because The Administration’s Commitment To It Leads To The Achievement Of The Public Interest Because It Shows An External Manifestation Of The Will Of The Administration. Key Words: Specificity Of Shape, What Is Shape?, Shape Discrimination, Shape Pictures, Impact Of Shape Retardation .
1. المُقدِّمَة 1. 1. أوَّلًا : التعريفُ بالبحثِ وأهميَّته يتجسَّد دور الإدارة العامة في إدارة الدولة وتسيير شؤونها وبما يُحقِّق النفع العام, لأجل ذلك منحها المشرِّع إمتيازات سُميَّت إمتيازات السلطة العامة والتي من أهمها وأكثرها خطورةً على حقوق الأفراد وحرياتهم حقها في إصدار قراراتٍ إداريةٍ ملزمةٍ وبإرادتها المنفردةِ لتحقيق الآثار القانونية التي تسعى لتحقيقها. إلّا إنَّ ذلك لا يعني أنَّ المشرِّع قد ترك الإدارة حرةً في إستعمال ذلك الإمتياز دون أنْ يُقيِّدها بضابطٍ محدَّدٍ بل إنَّه وضع لها إطارًا عامًا ينبغي عليها عدم تجاوزه وهو مبدأ المشروعية والذي يعني خضوعها لسيادة القانون بمعناه العام وإلّا فإنَّ ماتُصدِرُه من قراراتٍ معيبةٍ بعيب عدم المشروعية سيكون عُرضةً للطعن فيه بالإلغاء أمام القضاء الإداري من قِبَلِ كلِّ ذي مصلحة. ويُعرَّف القرار(1) الإداري بأنَّه: عملٌ قانونيٌّ من جانبٍ واحدٍ يصدرُ بإرادة إحدى السلطات الإداريةٍ في الدولة وتُحدِثُ آثارًا قانونية بإنشاء وضعٍ قانونيٍّ جديد أو تعديل أو إلغاء وضعٍ قانونيٍّ قائم(2). ولكي يكون هذا القرار سليمًا من الناحية القانونية لابدَّ أنْ تتوافر فيه أركانٍ محدَّدةٍ والتي تُعتَبر مُقوِّمات صحته وهي وِفقًا للرأي الراجح في الفقه والقضاء خمسة أركانٍ هي( الإختصاس, السبب, الشكل, المحل, الغاية) وينبغي توافرها صحيحة في كل قرار إداري وإلّا كان معيبًا بعدم المشروعية وبالتالي يكون عُرضةً للطعن فيه بالإلغاء(3). وهناك جانب من الفقه يُرجِعُ هذه الأركان إلى طائفتين: طائفة الأركان الشكلية وتضم ركني (الإختصاص والشكل), وطائفة الأركان الموضوعية وتضم الأركان (السبب, المحل, الغاية)(4). وعليه فإنَّ عيب الشكل في القرار الإداري يُعَدُّ من أسباب الطعن فيه بالإلغاء لأنَّه ينصب على ركنٍ أساسي من أركان القرار الإداري لا يستقيم بدونه, فالإدارة ملزمة بأن تُفرِغ إرادتها بالشكل الذي يُحدِّده القانون وللقضاء الإداري سلطة إلغاء القرار المعيب بعيب الشكل. وهذا مانص عليه مُشرِّعنا في المادة(7/ه)من القانون رقم 106 لسنة 1989(5) قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979(6) والذي جاء فيها: يُعتَبر من أسباب الطعن بوجهٍ خاص ما يأتي:... 2- أنْ يكون الأمر أو القرار قد صدر خلافًا لقواعد الإختصاص أو معيبًا في شكله ..." وكذلك في المادة(7/خامسًا) من القانون رقم 17 لسنة 2013(7) قانون التعديل الخامس لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 والتي نصت على: " يُعَدُّ من أسباب الطعن في الأوامر والقرارات بوجه خاص ما يأتي:- "... 2- أنْ يكون الأمر أو القرار قد صدر خلافًا لقواعد الإختصاص أو معيبًا في شكله أو في الإجراءات أو في محله أو في سببه. ...". وكذلك نصَّ عليه قانون مجلس الدولة المصري رقم 47 لسنة1972(8) في المادة(10) منه والتي جاء فيها: " ... ويُشترَط في طلبات إلغاء القرارات الإدارية النهائية أن يكون مرجع الطعن عدم الإختصاص أو عيبًا في الشكل ... ". وتبرز أهمَّة ركن الشكل في خصوصيته لأنَّه يُنظِّم ويضبط عمل الإدارة في صورة محدَّدة دقيقة وقانونية ممَّا يستتبعه ضمان مشروعية القرار الذي تصدره الإدارة, فإلتزام الإدارة به يؤدي إلى تحقيق المصلحة العامة لأنَّه يُظهِر إرادة الإدارة في صور ومظاهر خارجية معلومة للأفراد بغية الإلتزام بها وتنفيذها .
1. 2. ثانيًا: مشكلة البحث بما أنَّ الإدارة العامة هي مَنْ تتولّى شؤون الدولة وتسيير أمورها بما لها من سلطات وإمتيازات منحها إيّاها المشرِّع من أجل تحقيق المصلحة العامة وإنَّ أخطر هذه الإمتيازات هو حقها في إصدار قرارات ملزمة بإرادتها المنفردة وبالتالي فالأفراد يجدون أنفسهم في مواجهة قرار ملزمين بتنفيذه دون أن يكون لهم الحق في رفضه أو إبداء رأيهم فيه, وبما إنَّ هذه الإرادة الباطنة للإدارة ينبغي لها الظهور والتجسُّد بمظهر خارجي حتى يعلم بها الأفراد المعنيين بتنفيذها وهذا التجلّي والظهور هو ما يُطلَق عليه " شكل القرار الإداري" لذا فهو يُعدُّ ضمانة للأفراد لأنَّه يُحيطهم عِلمًا بما تُقرِّره الإدارة تجاههم, فمشكلة البحث نتركز في مدى الخصوصية التي يتمتع بها ركن الشكل ومدى الأثر المترتب على تخلُّفه في القرار الإداري؟, وكيف تعامل المُشرِّعَيْن والقضاء الإداري العراقي والمصري مع هذه الخصوصية مِنْ حيث الموازنة بين حرية الإدارة بالإفصاح عن إرادتها وبين ضرورة تجلّي هذه الإرادة بمظهر خارجي كضمانة حقيقية لحقوق وحريات الأفراد النافذة بحقهم هذه الإرادة؟. 1. 3. ثالثًا: منهجية البحث إتَّبعت في كتابة هذا البحث منهجًا تحليليًا مقارنًا إذ تناولت خُصُوصِيَّة الشَّكل في القرارِ الإداريِّ ضِمْنَ قانون مجلس شورى الدولة(مجلس الدولة حاليًا) رقم 65 لسنة 1979 وتعديلاته وبعض القوانين الخاصة بالمقارنة مع قانون مجلس الدولة المِصْري رقم 47 لسنة 1972وبعض القوانين الخاصة, وكيفية تَعامُلْ القضاءُ الإداريُّ العراقيُّ والمصريُّ مع هذه الخُصوصيَّة . 1. 4. رابعًا: خطة البحث إقتضت طبيعة البحث تقسيمه إلى مقدمة وثلاثة مطالب: في المطلب الأول منه سأتناول ماهيَّة الشكل في القرار الإداري مُقسَّمًا إلى فرعين, سيكون الفرع الأول مُخصَّصًا للتعريف بالشكل في القرار الإداري, والفرع الثاني لتمييز الشكل عن الإجراء في القرار الإداري. أمّا المطلب الثاني فسيكون مُخصَّصا لبيان صُوَر الشَّكل وضمن ثلاثة فروع, الفرع الأول لبيان شكلية الكتابة, والفرع الثاني لبيان شكلية التسبيب, والفرع الثالث لبيان شكلية التوقيع. أمّا المطلب الثالث فسيُخصَّص لبيان أثر تخلُّف الشكل على صحة القرار الإداري وضِمن ثلاثة فروع, الفرع الأول لبيان أثر تخلف الشكل الذي أوجبه القانون, والفرع الثاني لبيان أثر تخلف الشكل الذي لم يوجبه القانون, والفرع الثالث لبيان مدى إمكانية تصحيح عيب الشكل في القرار الإداري, ثم أختِمُ ذلك بخاتمةٍ موضِّحًا فيها أهم النتائج التي توصَّلتُ لها وبعض التوصيات . 2. المطلب الأوَّل: ماهيَّةُ الشكل في القرارِ الإداريِّ سبق أنْ قلنا بأنَّ القرار الإداري هو تعبير عن الإرادة الملزمة للإدارة العامَّة وبالتالي فهو يحتاج إلى أنْ يتجلَّى بمظهرٍ خارجيٍّ لأنَّه يتوجَّه بالأمرِ إلى أفرادٍ يأمرهم بشيءٍ ما أو ينهاهم عن شيءٍ, لذا فمن الضروري أنْ يكون له شكلٌ خارجيٌّ حتى يتمكن هؤلاء الأفراد من معرفته وإدراك مضمونه. وإذا كان الشكل والإجراء يأتيان في الدراسات الفقهية وعبر أحكام القضاء على أنهما مترادفان بحيث أنَّ ذكر أحدهما يغني عن الآخر إلّا إنَّ الفقه يحرص دائمًا على التمييز بينهما, إذ يفصل بينهما معيار زمني وجزائي(9). لذا ولمعرفة ماهيَّة الشكل في القرار الإداري لابدَّ من تعريفه أولًا ومن ثمَّ تمييزه عن الإجراء في القرار الإداري وفي فرعين مستقلين . 2. 1. الفرع الأوَّل: التعريفُ بالشكل في القرارِ الإداريِّ يُعرَّف شكل القرار الإداري بأنَّه الصورة التي تُفرِغُ فيها الإدارة إرادتها الملزمة بإصداره(10), فهو الإطار أو القالب الذي يحتوي على مضمون القرار الإداري بمعنى آخر هو اللباس الخارجي الذي يظهر فيه القرار الإداري ويُصَبُّ فيه مضمون التعبير الإرادي لجهة الإدارة, فهو لصيق بجسم القرار الإداري ولا يمكن فصله عنه ويُعدُّ داخلًا فيه وأحد مكوناته(11). فالقرار الإداري ككلِّ عملٍ قانونيٍّ يجب أنْ يتجسَّد في مظهرٍ خارجيٍّ بأنْ تُعلِن الإدارة عن إرادتها وما دامت لم تُفصِح عن هذه الإرادة فلا يمكن أنْ يترتَّب على إرادتها اثرٍ ما وهذا هو الأصل ولكنَّ المشرِّع وفي سبيل حماية الأفراد من عنت الإدارة إفترضَ في بعض الأحوال أنَّ الإدارة أعلنت عن إرادتها حتى ولو إلتزمت الصمت المطبق فكثيرًا ما يتقدَّم الأفراد إلى الإدارة بطلباتٍ فتتعمَّد عدم الرد عليها بالقبول أو الرفض ويكون سكوتها تعنُّتًا وتعسُّفًا منها ومع ذلك يمتنع على الأفراد الطعن في قراراتها لإنعدام هذه القرارات وتلافيًا لهذا الموقف قرَّرَ المشرِّع أنَّ سكوت الإدارة مدة معينة يُعتَبر قرارًا(12) بالرفض أو القبول وبحسب ما يُقرِّرَه المشرِّع ويسمّى قرارًا ضمنيًّا فالقاعدة العامة في تفسير صمت الإدارة هي إعتبار هذا الموقف من جانب الإدارة بمثابة صدور قرارًا بالرفض إلّا إنَّه إستثناءًا من هذه القاعدة هنالك حالات تعتبر بمثابة صدور قرارًا بالقبول(13). وقد نصت على هذا النوع من القرارات المادة (7/ و)من القانون رقم 106 لسنة 1989 والمادة(7/سابعًا/أ, ب) من القانون رقم 17 لسنة 2013 , والمادة (6/ ثالثًا) من قانون التضمين رقم 31 لسنة 2015(14) حيث إعتبرت هذه المواد سكوت الإدارة عن البت في طلبات التظلُّم المقدَّمة إليها خلال (30) يومًا من تقديمها بمثابة قرارًا صادرًا منها برفض تلك الطلبات , وكذلك نصَّت على هذا النوع من القرارات المادة (24) من قانون مجلس الدولة المصري إلّا إنَّها حدَّدت الفترة التي يعتبر فيها سكوت الإدارة عن البت في طلبات التظلُّم المقدَّمة إليها بمثابة قرارًا صادرًا منها برفض تلك الطلبات بـ(60) يومًا من تاريخ تقديمها. كما أنَّ المشرع إعتبر السكوت في حالات أُخرى بمثابة قرارًا بالقبول ومن هذه الحالات ما نصَّت عليه المادة (4/ رابعًا) من نظام إجازات البناء رقم 2 لسنة 2016(15) والتي جاء فيها : " تبت البلدية بطلب إجازة البناء بالقبول أو الرفض خلال 15 خمسة عشر يوم عمل للإستعمالات السكنية وخلال 30 يوم عمل للإستعمالات الأُخرى من تاريخ تسجيله واردًا لدى الجهة المختصة ويُعَدُّ عدم البت بالطلب خلال الفترة المذكورة قبولًا له ...". وكذلك المادة(42) من قانون البناء المصري رقم 119 لسنة 2008(16) والتي نصَّت على :" يُعتَبَر إنقضاء المدة المحدَّدة لإصدار الترخيص دون البت فيه بمثابة الموافقة عليه ..." . وقد تصدّى المشرعين العراقي والمصري أيضًا لحالة أخرى من حالات عنت الإدارة وهي حالة رفضها أو إمتناعها عن إصدارِ قرارًا كان من الواجب عليها إصداره وفقًا للقانون فإعتبر هذا الرفض أو الإمتناع بمثابة قرارًا ويسمّى هذا القرار سلبيًا وذلك في المادة(7/ه/3) من القانون رقم 106 والمادة (7/سادسًا) من القانون رقم 17, وفي المادة (10) من قانون مجلس الدولة المصري. ولمعرفة ما إذا كان سكوت الإدارة عن الرد على الطلب المقدَّم إليها يُشكِّل قراراً سلبياً أو ضمنياً, يستوجب تحديد ما إذا كانت الإدارة مُلزَمةً بالرد على هذا الطلب مِن عدمه حيث يُرتِّب المشرع أثراً مختلفاً على السكوت في كل حالة, فإذا كانت غير مُلزَمَةٍ بالردِّ يُولَد قراراً ضمنياً بالرفض أو القبول حسب ما يُرَتِبُه المشرع وإذا كانت مُلزَمة بذلك يُولَد قراراً سلبيًا(17). 2. 2. الفرع الثاني: تَمْييزُ الشكل عن الإجراء في القرارِ الإداريِّ قلنا بأنَّ الشكل هو الإطار أو القالب الذي يحتوي على مضمون القرار الإداري, بمعنى أنَّه اللباس الخارجي الذي يظهر فيه القرار الإداري ويُصَبُّ فيه مضمون التعبير الإرادي للإدارة. فالشكل لصيق بالقرار ولا يمكن فصله عنه وهو بذلك يُعَدُّ داخلًا فيه وأحد أركانه بعكس الإجراء الذي يُعدُّ خارجاً عن القرار جسمًا ومضمونًا فهو عنصرٌ خارجيٌّ وسابقٌ في وجوده على الشكل(18). ولكي تُظهِر الإدارة إرادتها الملزمة في صورة قرار إداري قد تتخذ بعض الإجراءات التي يتطلَّبها القانون, وتُعرَّف هذه الإجراءات بأنَّها عملٌ أو مجموعة أعمال مادية تقوم بها الإدارة تمهيدًا لإتخاذ القرار الإداري(19) , بمعنى هي عمليات مختلفة يَمُرُّ بها القرار الإداري منذ التحضير له إلى ما قبل صياغته في الإطار أو القالب الذي يَظهَرُ فيه أمّا الشكل فهو الإطار أو القالب الذي يظهر فيه(20). فهما يختلفان من حيث الزمن والجزاء فالإجراء يأتي دائمًا سابقًا على الشكل وغالبًا ما يؤدّي تخلُّفه إلى بطلان القرار الإداري, وهناك العديد من القرارات القضائية التي قضت ببطلان القرار الإداري نتيجة لتخلُّف الإجراء السابق لصدوه, منها قرار لمحكمة قضاء الموظفين بالرقم 518/2019 بتاريخ 27/2/2019 في الدعوى رقم 148/م/2019 والذي جاء فيه: "... سَبقَ أنْ حصلت موافقة مكتب مجلس الوزراء ...على تكليف المدَّعي بمهام المدير العام... وبالتالي فإنَّ إعفاء المدَّعي من منصبه يتطلَّب إبتداءً الوقوف على رأي الجهة التي أصدرت أمر تكليفه بالمنصب المذكور عملًا بالتوجيهات المركزية الصادرة عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء لذا قرَّرت المحكمة بالإتِّفاق الحكم بإلغاء الأمر الوزاري المرقم1861 في 13/1/2019 لمخالفته التوجيهات المركزية سيما وأنَّ أمر تكليف المدَّعي صادر من مكتب رئيس الوزراء ...", وبنفس المضمون قرارها بالرقم: 614/2019 بتاريخ 10/3/2019 بالدعوى رقم 355/م/2019(21), فالإجراء ليس لصيقًا بالقرار على عكس الشكل. وتهدف الإجراءات الإدارية غير القضائية إلى إعطاء الإدارة الوقت الكافي لدراسة القرار الذي تُزمِعُ إصداره وأنْ تُحيط نفسها عِلمًا بكلِّ الظروف المحيطة والسابقة على القرار وأنْ تستعين بمشورة أهل الرأي والخبرة أو إشراكهم بشكلٍ أو بآخرٍ في عملية إصدار وتكوين فحوى القرار وعلى ذلك يأتي القرار الإداري مُحققًا لأهدافه وغاياته ومؤمِّنًا لحقوق ومصالح المخاطَبين به. وهذه الإجراءات كثيرة ومتنوعة ولا تقع تحت الحصر فبعضها يتطلَّبُها المشرِّع وبعضها تتطلَّبُها أحكام القضاء الإداري وبعضها مكفولةٌ بالدستور والمبادئ القانونية العامة(22). ومن أمثلة هذه الإجراءات هي الإجراءات الخاصة بالتعيين حسب قانون الخدمة المدنية العراقي رقم 24 لسنة 1960 المعدَّل(23) وتعليمات الخدمة المدنية رقم 119 لسنة1979(24) , وحسب دستور جمهورية العراق لسنة 2005(25), وكذلك إجراءات التعيين والإعفاء والإقالة المنصوص عليها في قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم21 لسنة 2008(26)المعدَّل. وكذلك الإجراءات الخاصة بالتضمين التي حددتها المادة (4) من قانون التضمين رقم 31 لسنة 2015 وكذلك الإجراءات الخاصة بإجازة البناء والتي حددتها المادة(4) من نظام إجازات البناء رقم 2 لسنة 2016 وغير ذلك من الإجراءات. وفيما يخصُّ إجراءات التعيين التي حدَّدتها التشريعات العراقية نورِد قرارًا لمحكمة القضاء الإداري بالرقم 38 بتاريخ 1/4/2010 نصَّ على: " إنَّ التعيين في الدرجة الخاصة والإستفادة من مزايا هذه الدرجة يتطلَّب إتِّباع الآلية المنصوص عليها في الفقرة(ب)من البند( خامسًا) من المادة(61) من الدستور"(27), وقرارها بالرقم 5515/2019 بتاريخ 3/12/2019 بالدعوى رقم 5158/ق/2019 والذي جاء فيه :"... وحيثُ أنَّ المادة (39/ثالثًا) من قانون المحافظات... منحت المحافظ مكنة إصدار الأمر الإداري بتعيين القائممَّقام ومدير الناحية وحيث أنَّ هذا التعيين رهينٌ بإتِّباع الإجراءات المنصوص عليها في القانون المذكور من حيث الترشيح للمنصب والتصويت عليه على وفق القانون ليأتي الأمرُ الإداريُّ تابعًا لهذه الإجراءات ومُكمِّلًا لها... وحيث أنَّ المادة 51 من قانون المحافظات المذكور آنفًا نصَّت على إنَّ " كلُّ أمرٍ فيه إعفاءٌ أو إقالةٌ ورد في هذا القانون يسبقه جلسة إستجواب الشخص المعني" ... وحيث أنَّ المدعى عليه إضافةً لوظيفته أصدر القرار محل الطعن بدون إستجواب المدعي, وعليه تجد هذه المحكمة بأنَّ الأمر الصادر... فاقدًا للسند القانوني مما يجعل الأمر الإداري الطعين مخالفًا للقانون وحريًا بالإلغاء ..."(28) وكذلك نصَّت المواد من (16-19) من قانون العاملين المدنيين في وظائف الدولة المصري رقم 47 لستة 1978 المعدَّل(29) على الإجراءات التي تسبق إصدار قرار التعيين. ومن الإجراءات أيضًا التحقيق وحق الدفاع المقدَّس إجراء كفله الدستور للأفراد قبل إصدار القرار الإنضباطي بحقهم (م19/رابعًا) من دستور جمهورية العراق لعام2005, (م10) من قانون إنضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدَّل(30). (م69) من الدستور المصري لسنة1971(31). (م79) من قانون العاملين المصري والتي إشترطت التحقيق الكتابي مع العامل وسماع أقواله وتحقيق دفاعه ويجب أنْ يكون القرار الصادر بتوقيع الجزاء مُسبَّبًا مع إمكانية أنْ يكون الإستجواب أو التحقيق شفويًا بالنسبة لجزاء الإنذار والخصم من الأجر لمدة لا تتجاوز ثلاثة أيام. هذا وتجدر الإشارة إلى إنَّ الفقه الإداري لم يتَّفق حول ما إذا كان الإجراء يُعَدُّ جزءً من ركن الشكل أم إنَّه مستقلٌ عنه, فذهب جانب إلى القول بانَّه جزءٌ منه على إعتبار إنَّ الشكل ما هو إلَّا مظهرًا خارجيًا يتخذه القرار للإفصاح عن إرادة الإدارة المنفردة فلامجال للفصل بين الإجراء المُتَّبع لإصدار القرار وبين شكله(32), بينما ذهب جانبٌ آخر إلى القول بضرورة الفصل بينهما وإعتبار كلٍّ منهما سببًا مستقلًا عن الآخر إستنادًا إلى تعريف كلٍّ منهما(33) . ونحن مع هذا الرأي الأخير وهو ما أخذ به فعلًا المشرع العراقي في القانون رقم17 لسنة 2013 قانون التعديل الخامس لقانون مجلس شورى الدولة حيث نصت المادة (7/خامسًا) على: " يُعَدُّ من أسباب الطعن في الأوامر والقرارات بوجه خاص ما يأتي:- "... 2- أنْ يكون الأمر أو القرار قد صدر خلافًا لقواعد الإختصاص أو معيبًا في شكله أو في الإجراءات أو في محله أو في سببه. ...". على خلاف القانون رقم 106 لسنة 1989 قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة إذ كانت تنص المادة (7/ه) منه على: يُعتَبر من أسباب الطعن بوجهٍ خاص ما يأتي:... 2- أنْ يكون الأمر أو القرار قد صدر خلافًا لقواعد الإختصاص أو معيبًا في شكله ". وهو ما كان مُطابِقًا لتوجُّه المشرِّع المصري في قانون رقم 47 لسنة 1972 في المادة(10) منه والتي جاء فيها: " ... ويُشترَط في طلبات إلغاء القرارات الإدارية النهائية أن يكون مرجع الطعن عدم الإختصاص أو عيبًا في الشكل ... ". وقد بدأ القضاء الإداري العراقي في السنوات الأخيرة بالأخذ بالرأي القاضي بالفصل بين الشكل والإجراء وإعتبارهما سببين مستقلين يترتب على عيب أحدهما بطلان القرار وما يؤكِّد هذا التوجُّه قرار محكمة القضاء الإداري بالرقم 5515/2019 بتاريخ 3/12/2019 بالدعوى رقم 5158/ق/2019 والذي جاء فيه :"... وحيثُ أنَّ المادة (39/ثالثًا) من قانون المحافظات... منحت المحافظ مكنة إصدار الأمر الإداري بتعيين القائممَّقام ومدير الناحية وحيث أنَّ هذا التعيين رهينٌ بإتِّباع الإجراءات المنصوص عليها في القانون المذكور من حيث الترشيح للمنصب والتصويت عليه على وفق القانون ليأتي الأمرُ الإداريُّ تابعًا لهذه الإجراءات ومُكمِّلًا لها... وحيث أنَّ المادة 51 من قانون المحافظات المذكور آنفًا نصَّت على إنَّ " كلُّ أمرٍ فيه إعفاءٌ أو إقالةٌ ورد في هذا القانون يسبقه جلسة إستجواب الشخص المعني" ... وحيث أنَّ المدعى عليه إضافةً لوظيفته أصدر القرار محل الطعن بدون إستجواب المدعي, وعليه تجد هذه المحكمة بأنَّ الأمر الصادر... فاقدًا للسند القانوني مما يجعل الأمر الإداري الطعين مخالفًا للقانون وحريًا بالإلغاء ..." 3. المطلب الثاني : صُوَرُ الشكل في القرارِ الإداريِّ الأصل أنَّ الإدارة غيرَ مُقيَّدةً في صورةٍ محدَّدة للإفصاح عن إرادتها ما لم يأمرها المشرع بإتباع شكلٍ معينٍ في إصدار قراراتها ففي هذه الحالة تلتزم الإدارة بإتِّباع هذا الشكل(34), وبذلك فالأصل لا يُشتَرط أنْ يصدر القرار الإداري في شكلٍ مُعيَّنٍ كما أنَّه ليس للقرارات الإدارية أشكالًا يتم حصرها فقد يكون القرار مكتوبًا وقد يصدر شفويًا, كما أنَّه ليس له صِيَغٌ معيَّنةٌ يتمُّ إصدارهُ بأحدها بل يمكن أنْ يكون بكلِّ ما يمكن أنْ يحمل معنى إتِّجاه إرادة الإدارة في نطاق سلطتها الملزمة إلى إحداث أثرٍ قانونيٍّ معيَّنٍ طالما كان هذا الأثر ممكنًا وجائزًا قانونًا فيكون هذا الإتِّجاه الإراديُّ مُتضمِّنًا قرارًا إداريًا(35). فمِنْ صُوَر الشَّكل أنْ يصدر القرار شفويًا أو كتابةً , وفي الشكل الكتابي أنْ يحتوي القرار على ديباجةٍ تتضمن الأسانيد القانونية التي إستند عليها مُصدِر القرار, وكذلك أنْ يتضمن القرار الأسباب التي دعت إلى إصداره أو أنْ يأتي على شكل مواد مرقمة متسلسلة حاملًا توقيع مُصدِره وتأريخ إصداره إلى غير ذلك من الأشكال. وإذا كان من الصعب حصر جميع أشكال القرار الإداري إلّا إنَّ هناك بعض الأشكال حصلت على إهتمامٍ بالغٍ من الفقه فكانت محلَّ دراسةٍ وإختلافٍ فقهيَّين حول أهميَّتها والأثر المترتِّب على تخلُّفها وهي شكلية الكتابة وشكلية التسبيب وشكلية التوقيع(36). وسنتناول بالتتابع هذه الصور في ثلاثةِ فروعٍ : 3. 1. الفرع الأوَّل: شكليَّة الكتابة في القرارِ الإداريِّ وتعني هذه الشكلية أنْ يَصدر القرار مكتوبًا, فالكتابة ظاهرة عامّة وشائعة بالنسبة للقرارات الإدارية للوضوح والشفافية ولتسهيل عملية الإثبات, والأصل أنَّ الكتابة ليست عنصرًا من عناصر صحة القرار الاداري فالإدارة غيرَ مقيَّدةٍ بشكلٍ معيَّنٍ تُفصِحُ فيه عن إرادتها المُلزِمة ما لم يُحتِّم عليها المشرِّع إتِّباعَ شكلٍ مُعَّينٍ صراحةً أو ضِمنًا. فصدور القرار بشكلٍ مكتوبٍ أمرهُ متروكٌ تقديرهُ للإدارةِ فهي تملك الخيار بين الشكل الشفوي أو الكتابي للقرار الإداري, والمشرِّع هو وحده الذي يملك تقييد تقدير الإدارة في هذا المجال فعندما يتطلَّب النص التشريعي صراحةً أو ضمنًا سواء بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ عنصر الكتابة فهنا تتحوَّل (سلطة الإدارة من تقديريةٍ الى مقيَّدةٍ)(37)عندها يتعيَّن عليها إحترام شكلية الكتابة متى قرَّرت إصدار القرار(38). وبهذا فالشكل الكتابي للقرار قد يكون مفروضًا ضمنًا ويستفاد من طبيعة القرار نفسه فعندما يتطلَّب القانون من الإدارة أن يتم التصديق على القرار من جهةٍ معينَّةٍ أو هيئةٍ معينَّةٍ أو لجنةٍ معينَّةٍ أو مسؤولٍ إداريٍّ معيَّنٍ أو أنْ يُنشَر القرار في جريدةٍ معينَّةٍ او أنْ يُعلَن عنه بطريقةٍ معينَّةٍ كأن يتم وضعه في مكانٍ معيَّن كلوحة الإعلانات أو أنْ يُسبَّب القرار فإلزام التسبيب هنا بمثابة إشارةٍ من المشرِّع للإدارة بضرورة صدور قرارها بالشكل الكتابي فكلِّ تلك الإيماءات توحي بضرورة أن تُظهِر الإدارة إرادتها بالشكل الكتابي(39). ومن النصوص القانونية التي فرضت الشكل الكتابي عند إصدار القرار الإداري: نص المادة(8) من قانون إنضباط موظَّفي ... والتي إستخدمت عبارات (بإشعار الموظف تحريريًا, بأمرٍ تحريريٍّ, بقرارٍ مسبَّب) عند فرض العقوبات الواردة فيها على الموظَّف المُخالِف . وكذلك المادة(2/ثالثًا, رابعًا)من قانون التضمين ,كذلك المادة(4/رابعًا, خامسًا)من نظام إجازات البناء. كذلك (م79) من قانون العاملين المصري والتي إشترطت أنْ يكون القرار الصادر بتوقيع الجزاء مُسبَّبًا(وهو بذلك يستدعي أنْ يكون مكتوبًا). إلى غير ذلك من الحالات التي يشترط فيها القانون بمعناه العام الكتابة عند إصدار الإدارة لقراراتها والتي سوف نتطرق لبعضها لاحقًا في هذا البحث لتجنب التكرار. وللكتابة في القرارات الإدارية أهميَّة كبيرة فهي تُحقِّق الوضوح والإستقرار في المراكز القانونية فلهذه الأهميَّة ولخطورة ما يترتَّب عليها من آثارٍ فإنَّ الإدارة العامة تسعى إلى إصدارها بالشكل الكتابي وبصيغٍ معينَّة متضمِّنةً البيانات الأساسية الواضحة سواء عن جهة إصدارها أم عن موضوعها وتاريخ نفاذها كما إنَّ هذه القرارات دائمًا ما تصدر متضمنةً في ديباجتها الأسانيد القانونية التي تستند إليها وهذا مايؤكِّده الواقع العملي في العمل الإداري سواء في العراق أم في مصر. 3. 2. الفرع الثاني: شَكليَّة التسبيب في القرارِ الإداريِّ يعني تسبيب الإدارة لقرارها ذكرها في صُلبهِ للدوافع التي حَدَتْ بها لإصداره لإحاطة المخاطَب بالقرارِ بالأسبابِ التي دعت لإصداره. والأصل أنَّ الإدارةَ غير ملزمة بتسبيب قراراتها إلّا إنَّه إستثناءً من هذا الأصل أوجب المشرِّعُ على الإدارةِ تسبيب بعض قراراتها ذات الطبيعة الخاصة لإرتباطها بحقوق الأفراد وحرياتهم العامّة على نحوِ ما هو مقررٌ بالنسبة للقرارات التأديبية( الإنضباطية)(40). وقد أكَّدت هذا المبدأ القانوني المحكمة الإدارية العليا بقرارها بالدعوى رقم147/قضاء موظفين- تمييز/ 2016 الصادر بتأريخ 13/9/2018 والذي جاء فيه:" يكون قرار فرض العقوبة غير صحيح إذا خلا من أسباب فرضها"(41). فتسبيب القرار يعني ذكر سبب القرار الإداري في متنه والأصل أنَّ الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها إلّا إذا ألزمها المشرِّع بذلك فعدم التسبيب كقاعدة عامّة لا يؤثِّر على مشروعية القرار الإداري إلّا أنَّ تلك القاعدة تصطدم مع مبدأ الشفافية والوضوح في العمل الإداري وكذلك مع ضرورة تسهيل الرقابة القضائية في حالة النزاع حول مشروعيتها, فإفراغ الإدارة لأسباب القرار في صلبه يجعل المخاطَب به يستطيع بمجرد قراءة القرار والإطِّلاع عليه معرفة الأسباب التي بُنيَ عليها والتي دفعت الإدارة لإتِّخاذه وهو ما يُحقِّق الهدف الرئيسي الذي شُرِّع التسبيب من أجله. فهو يُشكِّل ضمانةً للمخاطَبين بالقرار إذ بذلك يعلمون بالدوافع التي كانت وراء القرار الذي صدر بحقِّهم ويستطيعون حال عدم صِدقها أو صِحَّتها التظلُّم من القرار أو الطعن فيه أمام القضاء الإداري(42). فالتسبيب يُعدُّ عنصرًا شكليًّا في القرار الإداري وهو يختلف عن السبب الذي يُعَدُّ عنصرًا موضوعيًّا ويُعرَّف بأنَّه: الحالة الواقعية أو القانونية التي تسبق صدور القرار وتدفع الإدارة للتعبير عن إرادتها الملزمة في إحداثِ أثرٍ قانونيٍّ مُعيَّنٍ من خلال ذلك القرار(43). فهو الحالة الواقعية أو القانونية التي تُبَرِّر إصدار القرار الإداري وتُشكِّل سبب وجوده وتُصدِر الإدارة قرارها بناءً عليه ولولا وجوده لما أصدرت قرارها, فسبب القرار الصادر بقبول إستقالة الموظف هو تقديم طلب الإستقالة من جانب الموظف ووجود نصٍّ قانونيٍّ(44). وبذلك فالسبب يُعدُّ من عناصر القرار الموضوعية التي لا يخلو منها أيَّ قرارٍ إداريٍّ سواء كان مكتوبًا أم شفويًّا, صريحًا أم ضمنيًّا. وقد أكَّدت هذا المبدأ المحكمة الإدارية العليا بقرارها رقم:461/قضاء موظفين- تمييز/ 2013 بتأريخ 10/8/2014 والذي جاء فيه:" يُشتَرط لصحَّة القرار الإداري وجود ركن السبب"(45). والتسبيب يُساعِد على بسط رقابة القضاء على أسباب القرار الإداري وفحصها في وجودها المادي وتكييفها القانوني مانعًا بذلك إنحراف الإدارة وحاميًا حقوق الأفراد وحرياتهم. ولتحقيق تلك الغاية ينبغي أن يكون التسبيب كافيًا بأن يكون مُباشرًا ومُعاصرًا لصدور القرار الإداري وأن يكون مُفصَّلًا, فذكر الاسباب بصورةٍ عامّةٍ مجهولةٍ او غامضةٍ يُعَدُّ قصورًا في التسبيب, وهذا ما أكَّده القضاء الإداري(46). وكما هو الشأن بعنصر الكتابة فإنَّ التسبيب كعنصرٍ شكليٍّ غيرُ لازمٍ في القرار الإداري من حيث الأصل ما لم يتطلَّبه القانون أو القضاء أو جرى به عرف في بعض القرارات الإدارية, فإذا كانت الكتابة غيرَ مُلزِمَةٍ للإدارة فكذلك التسبيب لأنَّ التسبيب هو كتابة أسباب القرار في صلبه وعلى ذلك إذا تطلَّب المشرع أو القضاء التسبيب فهذا مفاده تطلب عنصر الكتابة في نفس الوقت بالنسبة للقرار المفروض نسبيبه بنص(47) . ومن النصوص التي أوجبت التسبيب : نص المادة (79) من قانون العاملين المصري " ... ويجب أن يكون القرار الصادر بتوقيع الجزاء مسبَّبًا, وكذلك نص المادة (8) من قانون إنضباط ... والتي إستخدمت عبارات (بإشعار الموظف تحريريًا بالمخالفة, بأمرٍ تحريريٍّ تذكر فيه المخالفة, بقرارٍ مسبَّب) عند فرض العقوبات الواردة فيها على الموظَّف المُخالِف. كذلك المادة(4/ خامسًا)من نظام إجازات البناء نصَّت على:" لا يجوز رفض طلب إجازة البناء أو أيًّا من الطلبات المتعلِّقة بها إلّا بقرارٍ مسبَّبٍ من البلدية". والمادة (24) من قانون مجلس الدولة المصري "... ويجب أنْ يُبَت في التظلم قبل مضي ستين يومًا من تاريخ تقديمه وإذا صدر القرار بالرفض وجب أنْ يكون مُسبَّبًا..." ولا يوجد ما يقابل هذه المادة في قانوني مجلس الدولة العراقي (106لسنة 1989 , 17لسنة2013 ). وهنا يثور تساؤل فيما إذا كانت الإدارة غير ملزمة قانونًا بالتسبيب ولكنَّها بادرت من تلقاء نفسها طواعيةً بذكر الأسباب التي دعتها لإتِّخاذ قرارها فهل تخضع هذه الشكلية لرقابة القضاء؟ وقد أجابت على هذا التساؤل المحكمة الإدارية العليا في مصر بقراريها:( بالطعن رقم 3945 لسنة 37ق بتأريخ 29/4/1994, ورقم 798 لسنة37ق بتأريخ 17/1/1995) بعدم وجود ما يمنع ذلك طالما أنَّ الإدارة أفصحت عن هذه الأسباب طواعيةً وطُرِحَت على المحكمة وأصبحت بذلك عنصرًا من عناصر الدعوى الثابتة بالأوراق(48). وبذلك فالقرار الإداري وإن كان غير مُسبَّبٍ إلّا إنَّه يجب أن يُبنى دائمًا على سبب. نستنتج مما تقدم أنَّ الإدارة غير ملزمة بإظهار السبب الذي دفعها لإصدار قرارها إلّا أنَّه إستثناءً تكون مُلزَمة بهذا الإظهار إذا كان المشرِّع قد ألزمها بذلك وعندها إذا لم تلتزم بهذا الإظهار وأصدرت قرارها خاليًا من ذكر أسبابه عندها يكون قرارها معيبًا بعيب الشكل(عدم التسبيب) الذي أوجبه المشرع. أمّا إذا لم يُلزمها المشرِّع بالتسبيب كان قرارها صحيحًا لأنَّه يحمل دائمًا قرينة الصحة التي تتوافر في كل قرار إداري حتى يثبت العكس. 3. 3. الفرع الثالث: شكليَّة التوقيع في القرارِ الإداريِّ قُلنا إنَّ الكتابة ليست شرطًا في صحة القرار الإداري أو في وجوده عند غياب النص المُلزِم وعلى ذلك يصح القرار غير المكتوب أي الشفوي وعند إدِّعاء الإدارة بوجود مثل هذا القرار فَعليها إثبات وجوده وصِحَّته وإعلانه أو نشره بصورةٍ كاملة للمُخاطَب به وإلّا فلا قرار أصلًا. وتوقيع القرار من مُصدِره ِهو شكل هام في القرار المكتوب حيث يثبت صدور مثل هذا القرار من صاحب الإختصاص الذي خوَّله القانون سلطة إصداره وبإعتباره كذلك فإنَّه يسري عليه ما يسري على الكتابة بصورةٍ عامّةٍ أي أنَّه غير مُلزِم عند غياب النص الآمر بذلك والمسالة في هذا الفرض تدور حول إثبات وجود القرار غير المكتوب وبالتالي غير الموقَّع أو المكتوب والذي لا يحمل توقيعًا لمُصدِره ويقع عبء إثبات ذلك على عاتق الإدارة وإذا نجحت الإدارة في إثبات وجود القرار غير المكتوب فإنَّ غياب التوقيع يجعل مثل هذا القرار غير نافذٍ في حق المخاطَبين به حيث ينتفي معه العلم الكافي النافي للجهالة بمضمون القرار وعناصره ومنها صدور القرار من الجهة المختصة قانونًا بإصداره , وقد إستقرَّ الفقه والقضاء الإداريين على أنَّ التوقيعَ شكليَّةٌ جوهريةٌ في القرارات المكتوبة بإعتباره من البيانات الأساسية في المحررات الرسمية. هذا عن التوقيع الأصلي الصادر من صاحب الإختصاص بإصدار القرار فماذا عن صور التوقيع الأخرى وهما التوقيع المجاور والتوقيع الزائد فبالنسبة للتوقيع المجاور فيعني أنْ يُذيَّل القرار بتوقيعين في آنٍ واحدٍ أحدهما للمختص بإصداره والثاني للمختص بتنفيذه أو للمسؤول سياسيًا عنه متى نص القانون على ذلك, وهي قاعده أساسية في النُظم البرلمانية(49)حيث وجوب ظهور توقيع الوزير المسؤول عن تنفيذ القرار على هذا القرار حتى في الحالات التي لا يكون فيها هو المختص بإصدار القرار اصلًا . والتوقيع المجاور لا يُستَنتج ولا يُفتَرض فوجوده المادي على هذا القرار أمرٌ هامٌ بالنسبة للأعمال المُتَطلَّب بشأنها ولا يُغني عن الوجود المادي إجراءٌ آخر كإشتراك الوزير في الإجتماع الذي صدر فيه القرار. أمّا بالنسبة للتوقيع الزائد فهو يوجد في الحالات التي يوجد فيها توقيع إضافي على القرار الإداري على خلاف حالات التوقيع المجاور أمّا لأنَّ صاحبه من غير المختصين بتنفيذه وأمّا لأنَّه كذلك ولكن لم يتطلبه القانون المُنَظِم لإختصاص مُصدِره . ولذلك فهو غير ذي أهمية بالنسبة للقرار الذي يحمله فصاحب هذا التوقيع فضولي وتوقيعه زيادة لم يتطلَّبها القانون . فالقرار لا يُنسَب إلّا لمُصدِره ويجوز له تعديله أو إلغائه دون حاجةٍ لمثل هذا التوقيع الزائد مرة ثانية . أمّا إذا لم يكن من بين هذه التوقيعات الزائدة توقيع صاحب الإختصاص فإنَّ التوقيع الزائد يتحوَّل إلى مخالفة لقواعد الإختصاص ويُعتَبر القرار صادرٌ من غير مختص ويتعيَّن إلغائه لعدم الإختصاص(50). وتجدر الإشارة إلى أنَّه يجوز تفويض التوقيع على القرارات الإدارية والذي يعني قيام الرئيس الإداري بتفويض مرؤوسيه صلاحية التوقيع على المخاطبات الرسمية والأوامر الإدارية إبتداءً ويُخوِّل مرؤوسيه توقيع هذه القرارات بدلًا عنه لتخفيف الأعباء المترتِّبة على كثرة التوقيع وفي حالة توقيع القرار من المفوَّض بالتوقيع فالأمر هنا يحتاج الى شيءٍ من التفصيل فإنْ كان التوقيع هو توقيع مَنْ يملك سلطة إصدار القرار نفسه فيُعتَبر القرار صادرًا عن ذي السلطة نفسه ومنسوبًا إليه وحده أمّا إذا كان توقيع المُفوَّض هو توقيع نيابة عن مَنْ فوَّضه تلك الصلاحية فيجب أنْ يُفصِح عن هذه النيابة فيُقال عن الوزير أو عن رئيس الدائرة وفي كِلتا الحالتين يكون القرار صادرًا عن ذي الإختصاص الأصيل. أمّا إذا وقَّع القرار دون الإشارة إلى أنَّه يُوَقِّع بالنيابة فعندئذٍ يكون القرار معيبًا لا يقبل التنفيذ إلّا إذا صَحَّحَ التوقيع أمّا إذا لم يُصَحَّح ومضى القرار فنفذ دون إعتراضٍ من أحدٍ فإنَّ نفاذه هذا يُعدُّ صحيحًا حتى يُطعَن فيه(51). وفي قرار للمحكمة الادارية العليا بالدعوى رقم 261/قضاء موظفين-تمييز/2018 بتأريخ 1/3/2018 حدَّدت فيه مبدأً قانونيًّا جاء فيه:" يكون قرار العزل صحيحًا إذا وقَّعه الوكيل بصفته وزيرًا بالوكالة " (52). 4. المطلب الثالث : أثَر تَخلُّف الشكل على صِحَّةِ القرارِ الإداريِّ تعرَّفنا في المطلبين السابقين على ماهيَّة الشكل في القرار الإداري من حيث تعريفه وتمييزه عن الإجراء, وكذلك تعرَّفنا أيضًا على صوره الشائعة في العمل الإداري أمّا في هذا المطلب فسوف نتعرَّف على الأثر المترتِّب على تخلُّفه في صحة القرار الإداري, فهنا يكون التطبيق العملي لرقابة القضاء الإداري وكيف سيبسط سلطته الرقابية على القرارات التي تصدر عن الإدارة. فبالنسبة للشكل الذي يفرض القانون على الإدارة ضرورة مراعاته عند إصدار قرارها ويُرتِّب البطلان جزاءً لتخلُّفه أو لعدم مراعاته بصورة سليمة فلا يوجد خلاف بهذا الصدد لأنَّ القانون نفسه الذي فرض هذا الشكل رتَّب البطلان جزاءً لتخلُّفه. لكنَّ الأمرَ مختلِفٌ بالنسبة للشكل الذي لم يفرضه القانون ولم يرتِّب البطلان جزاءً لتخلُّفه أو لعدم مراعاته بصورةٍ سليمةٍ فهل هناك معيارًا لدى القضاء للتعامل مع هكذا حالات وبالتالي تعتمد عليه في إصدار أحكامها؟. وهناك ايضًا مسالةً أخرى تثورُ وهي هل بالإمكان معالجة العيب الذي يُصيب الشكل وإصلاحه تحقيقًا للمصلحتين العامًة والخاصة أم أنَّه ليس بالإمكان ذلك ؟. لذا وللتعرًّف على أثر تخلُّف الشكل على صحة القرار الإداري لابدَّ لنا من تقسيم هذا المطلب الى ثلاثة فروع: الفرع الأول لأثر تخلُّف الشكل الذي أوجبه القانون, والفرع الثاني: لأثر تخلُّف الشكل الذي لم يوجبه القانون, أمّا الفرع الثالث: فلمدى إمكانيَّة تصحيح العيب الذي يصيب الشكل في القرار الإداري. 4. 1. الفرع الأوَّل: أثَر تخلُّف الشكل الذي أوجَبَهُ القانونُ الأصل أنَّ الإدارة غير مُقيَّدة بشكلٍ معيَّنٍ في إصدار قراراتها بل لها الحرية المطلقة في إختيار الشكل الذي تُظهِر فيه إرادتها الباطنة وضمن نطاق مبدأ المشروعية, ولكنَّ المشرِّع إستثناءً قد يفرِض عليها شِكلًا مُعيَّنًا لإظهار هذه الإرادة تحقيقًا للمصلحة العامّة ولمصلحة الأفراد في آنٍ واحد. فبالنسبة للمصلحة العامّة فإنَّ إصدار القرارات الإدارية وِفقًا للشكل الذي يتطلَّبه القانون يُجنِّب الإدارة مواطن الزلل والتسرُّع لأنَّها ستسلك وبدقة السُبُل التي رسمها لها القانون في إصدار قراراتها ممّا يؤدي إلى حُسن سير المرافق العامّة وإنتظامها(53), وأمّا بالنسبة لمصلحة الأفراد فإنَّ إصدار القرارات الإدارية وِفقًا للشكل الذي يتطلَّبه القانون يعمل على حُسن إصدار هذه القرارات بحيث يكون ضمانة لهم في مواجهة سلطات الإدارة الواسعة وإمتيازاتها الخَطِرة ويُؤدِّي ذلك إلى تفادي إتِّخاذ قرارات سريعة وإرتجالية وغير مدروسة وغير ملائمة وغير عادلة وفيها تعسُّف للأفراد ومساس بحقوقهم وحرياتهم, فقواعد الشكل تمنح الإدارة فرصةً معقولةً للتروِّي والتدبُّر وبذلك تقلُّ القرارات الطائشة(54) . إنَّ إلتزام الإدارة بقواعد الشكل لا يجد مصدره في القانون بمعناه الضيِّق فقط وإنَّما في جميع مصادر المشروعية أي بمعناه العام فإذا أوجب القانون على الإدارة وجوب اتِّباع شكلٍ معيَّن في إصدار قرار معيَّن وجب عليها إصدار قرارها وفقا لهذا الشكل وإلّا كان قرارها معيبًا وبالتالي مُستوجبًا للبطلان ومن أمثلة الشكل الذي أوجبه القانون تسبيب القرارات التأديبية(الإنضباطية) وقرارات رفض منح التراخيص(55). وهذا ما نصَّت عليه المادة(8) من قانون إنضباط ... والتي إستخدمت عبارات (بإشعار الموظف تحريريًا بالمخالفة, بأمرٍ تحريريٍّ تذكر فيه المخالفة, بقرارٍ يتضمن الأسباب, بقرارٍ مسبَّب), وكذلك المادة(4) من نظام إجازات البناء رقم 2 لسنة 2016 والتي نصَّت على: " ... رابعًا- تبتُّ البلدية بطلب أجازة البناء ... خامسًا- لا يجوز رفض طلب إجازة البناء أو أيًّا من الطلبات المتعلِّقة بها إلّا بقرارٍ مُسبَّبٍ من البلدية ". وكذلك المادة (44) من قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 المصري والتي جاء فيها: " يجوز بقرار مسبَّب من المحافظ المختص ... وقف الترخيص بالبناء ... " وكذلك نصَّت المادة (79) من قانون العاملين المصريين رقم 47 لسنة 1978 على: " لا يجوز توقيع الجزاء على العامل إلّا بعد التحقيق معه كتابةً ... ويجب أنْ يكون القرار الصادر بتوقيع الجزاء مُسبَّبًا ومع ذلك يجوز بالنسبة لجزاء الإنذار والخصم من الأجر لمدة لا تتجاوز ثلاثة أيام أنْ يكون الإستجواب أو التحقيق شفاهةً على أنْ يثبت مضمونه في القرار الصادر بتوقيع الجزاء " . ونصت المادة(24) من قانون مجلس الدولة المصري على: " ... يجب أنْ يُبَتَّ في التظلُّم قبل مضي سنين يومًا من تاريخ تقديمه وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مُسبَّبًا...". وفي قرارٍ للمحكمة الإدارية العليا جاء فيه:" تسبيب قرار فرض العقوبة شكلية يستوجبها القانون يترتب على عدم مراعاتها بطلان قرار فرض العقوبة" (56). وقد يوجِب القانون الشكل بنصٍ صريحٍ أو قد يُستفاد ضِمنًا من النص ومن أمثلة القرارات التي يوجب القانون صدورها بالشكل الكتابي وتتضمن الأسانيد والتأريخ والتوقيع عليها(57): المراسيم الجمهورية وقرارات مجلس الوزراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء والقرارات أو الأوامر الوزارية والقرارات التي يصدرها المسؤولون التنفيذيون وفقًا للصلاحيات الممنوحه لهم وكذلك الأوامر الجامعية التي يصدرها رؤساء الجامعات والأوامر الإدارية التي يصدرها عمداء الكليات. وقد أكَّدت ذلك المحكمة الإدارية العليا بقرارها الذي جاء فيه:" ... لوحظ ... عدم وجود أمر تحريري بتكليف المُعترِض بواجب مراقبة الإمتحانات... كما إنَّ ما جاء بتكليف المُعترِض عن طريق الـ?ايبر ليس له سند من القانون في العمل الإداري السليم حيث إنَّ أوامر التكليف يجب أن تصدر بصورةٍ تحريريةٍ...." (58) . 4. 2. الفرع الثاني: أثَر تخلُّف الشكل الذي لمْ يوجبه القانون لا يثور الخلاف حول الشكل الذي يفرضه القانون على الإدارة في إصدار قراراتها ويُرتِّب البطلان جزاءً لتخلُّفهِ أو عدم مُراعاتهِ بصورةٍ سليمةٍ, لكنَّ المسالةَ تثورُ في حالةِ لم يَفرِض المُشرِّع البطلان كجزاءٍ لتخلُّف الشكل في القرار الإداري. وكما هو معلوم فإنَّ القضاء الإداري قضاءٌ تجريبيٌّ ويبني أحكامه على أساس مصالح الإدارة والأفراد على حدٍّ سواءٍ وهو لا يتعامل مع الحالات المعروضة أمامه بصورةٍ متساويةٍ من حيث القيمة والجزاء. وحتى لا تتكبَّل الإدارة بأشكالٍ لا تنتهي وللحيلولة دون صدور القرارات الإدارية بصورةٍ مُتسرِّعة وغير مدروسة ٍولحماية مصلحة الأفراد فقد باين القضاء في أحكامه على أثر تخلُّف الشكل ولم يحكم بإلغاء القرار الإداري إلّا إذا كان الشكل جوهريًا في القرار الإداري أمّا إذا كان ثانويًّا فلا يُرتِّب البطلان جزاءً لتخلُّفه(59) . ولكنْ ما هو المعيار الذي إعتمده القضاء في التفرقة بين الشكل الجوهري وغير الجوهري في القرار الاداري؟ وللجواب على هذا التساؤل نقول إنَّ من إستقراء أحكام القضاء نجد أنَّه لا يعتمدُ معيارًا مُحدَّدًا بل إنَّه يتعامل مع الحالات المعروضة أمامه حسب طبيعة كلِّ حالةٍ ممّا دفع الفقه إلى البحث عن معيارٍ محدَّدٍ يعتمدهُ القضاءُ إلّا إنَّ الفقهَ لم يتَّفق على معيارٍ واحدٍ بل إختلف فيما بينه في تحديد هذا المعيار وإنقسم إلى إتِّجاهين: الإتِّجاه الأول إعتمد المعايير الشخصية, والإتجاه الثاني إعتمد المعايير الموضوعية . أولًا: إتِّجاه المعايير الشخصية للتفرقة بين الشكل الجوهري والثانوي, وأنصار هذا الإتِّجاه ايضًا لم يتَّفقوا فيما بينهم بل إنقسموا الى فريقين:1- فريق إعتمد معيار المصلحة المحمية بالشكل(الغاية من الشكل): فرَّق أنصار هذا المعيار بين ما إذا كان الهدف من الشكل هو حماية مصلحة الأفراد أو حمايتهم والادارة معًا في آنٍ واحٍد فهنا يكون الشكل جوهريًا, وبين ما إذا كانت الغاية منه حماية مصلحة الإدارة فقط فهنا يكون الشكل ثانويًا. إلّا أنَّه لم يسلم من النقد فجميع الأشكال لها صلة وثيقة بمصالح الأفراد والإدارة على حدٍّ سواء بالإضافة إلى ذلك فإنَّه وإن كانت الأشكال مقررة ًلصالح الإدارة فهي كذلك تكون للصالح العام كما إنَّ هذا المعيار يجعل من دعوى الالغاء الموضوعية بطبيعتها يجعلها دعوى شخصية. 2- فريق إعتمد معيار أثر الشكل على المركز القانوني للمدَّعي: أنصار هذا المعيار يربطون بين أثر تخلُّف الشكل والآثار الضارة التي أصابت مركز الطاعن فإن تحققت هذه الآثار الضارة لعيب الشكل فيكون جوهريًّا وإلّا كان ثانويًّا(60). ثانيًا: إتِّجاه المعايير الموضوعية : يعتمد أنصار هذا الإتِّجاه على تحليل عناصر القرار الإداري ذاتها بالإرتباط مع القواعد القانونية التي تفرضها, إلّا إنَّهم لم يتَّفقوا فيما بينهم وإنقسموا إلى ثلاثِ فِرَقٍ:1- فريق إعتمد معيار أثر العيب على مضمون القرار: فيُعَدُّ الشكل جوهريًا إذا كان تخلُّفه أو العيب فيه قد أثَّر على مضمون القرار بحيث لم يكن القرار لِيَصدُرَ بهذا المضمون لو إحترمت الإدارة الشكل أمّا إذا لم يؤثِّر على مضمون القرار فيكون ثانويًّا. وهو المعيار السائد في القضاء الإداري ويُطبِّقه في أغلب أحكامه(61).2- فريق إعتمد معيار الموضوعات محلِّ التنظيم: فوِفقًا لهذا الرأي هناك موضوعات يمكن بِصددها إعتبار الشكل جوهريًّا وموضوعات أخرى لا يمكن إعتبارها كذلك, وبالتالي لا يستوجب عيبه الإلغاء إلّا إنَّ هذا المعيار معزول فقهًا وقضاءً.3- فريق إعتمد معيار الغاية التي من أجلها قُرِّرَت الأشكال: يرى أنصار هذا الفريق أنَّ الشكل ليس غايةً في ذاته بل هو وسيلة لتحقيق غاية, فالعبرة بالغاية الموضوعية للشكل وهذه تُبحَث على ضوء عناصر القرار الإداري نفسه فكل عناصر القرار وحدةً واحدةً ويجب البحث عن غاية الشكل داخل هذه الوحدة فالشكل الجوهري هو الذي يُدخِلُ عنصرًا موضوعيًّا على مضمون القرار ويساعد على تحقيق هدف القرار أمّا إذا لم يرقَ الشكل إلى هذا المستوى فهو ثانويًّا(62). نستنتج من كلِّ ما تقدَّم في الفرعين السابقين من هذا المطلب أنَّ القرار الإداري لا يبطل لعيب الشكل إلّا إذا كان الشكل جوهريًا بنص القانون ( يوجبه القانون) أو كان الشكل جوهريًا بطبيعته وهذا ما إتَّفق عليه الفقه والقضاء الإداريين كمبدءٍ عام ولكن إنحصر الإختلاف الفقهي حول كيفية التمييز بين ما إذا كان الشكل جوهريًّا أم ثانويًّا وعلمنا أنَّ القضاء الإداري يعتمد في أغلب أحكامه على معيار أثر عيب الشكل في مضمون القرار فالشكل يكون جوهريًّا إذا كان عيبه أو تخلُّفه قد أثَّر في هذا المضمون بحيث لولاه لما صدر القرار بهذا المضمون المغاير للمضمون الذي سيصدر به القرار لو لم يصبه ذلك العيب. 4. 3. الفرع الثالث: مدى إمْكانيَّة تصحيح عيب الشكل في القرارِ الإداريِّ تعرَّفنا فيما سبق على إنَّ الأشكال وُجِدَت لتحقيق غايةٍ مُهمةٍ جدًا وهي إمّا تكون لمصلحة الأفراد او لمصلحة الإدارة أو لمصلحة الإثنين معًا وفي آنٍ واحدٍ, وعلمنا أيضًا أنَّ ليس كلَّ عيبٍ يُصيب الشكل يؤدي إلى بطلان القرار الإداري المعيب وإنَّ لكلِّ حالةٍ ظروفها وأحوالها الخاصة ولذلك قلنا إنَّ القضاءَ الإداريَّ قضاءٌ إنشائيٌّ تجريبيٌّ فهو يبحث دائمًا عن إستنباطِ أحكامٍ جديدةٍ جرّاء ما يُعرَض أمامه من حالاتٍ لمواكبة التطورات المستمرة. لذا سعى إلى إيجادِ حلولٍ فعّالةٍ لتجنُّب إلغاء القرار الإداري المعيب من خلال إمكانيَّة الإبقاء عليه بعد تصحيح العيب الذي أصابه ومن أبرز هذه الحلول هما حالتي الإستيفاء اللّاحق للشكل وحالة إستحالة إتمام الشكل وسنُسلِّط الضوء على هاتين الحالتين البارزتين :- أولًا- طريقة الإستيفاء اللّاحق للشكل :- وِفقًا لهذه الطريقة لا يُؤدِّي تخلُّف الشكل المقرَّر لإصدار القرار بموجبه لإحداث أثره في إبطال القرار إذا تمكَّنت الإدارة التي أصدرتهُ من إستيفائهِ بتداركها للشكل الذي أغفلته, وهذا ما يُلاحَظ من أحكام المحكمة الإدارية العليا في مصر والتي بيَّنت أنَّ عيب مخالفة الشكل لا يؤدي إلى بطلان القرار الإداري إذا قامت الإدارة بتدارك ما فاتها بإستيفاء الشكل دون أن يكون من شأن ذلك التدارك التأثير في مضمون القرار وملائمة إصداره(63), ولكنْ لا يوجد هنا حُكمًا عامًّا لكلِّ الحالات لذا ينبغي التمييز وبحسب كلِّ حالةٍ وعلى النحو الآتي:1- حالة الخطأ المادي: فإذا كان الإغفال ناجمًا عن خطأٍ ماديٍّ في بعض بيانات الشكل للقرار الإداري كالتوقيع أو التسبيب فلابأس هنا من إعادة تصحيح مثل هذا الخطأ الماديّ . 2- حالة عدم تاثير التصحيح على مضمون القرار: فهنا يقبل القضاء الإداري إعادة إتمام هذا الشكل في تاريخٍ لاحقٍ لصدور القرار وهذا لا غُبار عليه إذ يتخلَّف كلَّ أثرٍ للشكل على مضمون القرار فهنا لن نكون بصدد شكلٍ جوهريٍّ وِفقًا للمعيار السائد في الفقه والقضاء(64). 3- حالة(سحب القرار)(65) وإصدار قرارٍ آخرٍ بدلًا عنه مُستوفيًا للشكل الناقص أو الغائب: إنَّ جواز هذه الحالة يختلف الحكم عليه حسب تأريخ السحب للقرار المعيب, فإذا تمَّ خلال ميعاد الطعن (60يوم) فيكون السحب سليمًا بل(واجبًا على الإدارة إحترامًا لمبدأ المشروعية)(66) والسحب ينصب هنا على القرار كاملًا لا على العيب الذي لحق به. أمّا إذا تمَّ السحب خارج هذا الميعاد وصدر قرار جديد مستوفيًا الشكل فإنَّ قاعدة عدم رجعية القرارات الإدارية تحول بين هذا القرار الجديد وبين تصحيح العيب الشكلي الذي لحق بالقرار السابق الذي يضلُّ معيبًا وقابلًا للطعن بالإلغاء. إذ قد تتوافر مصلحةً جِديَّةً للطاعن في إزالة هذا القرار وآثاره من الساحة القانونية والقرار المُصَحَّح الجديد لا يسري إلّا من تأريخ صدوره بالنسبة للإدارة ومن تأريخ العلم به بالنسبة لذي الشأن(67) . فالأصل أنَّ القرار المشوب بعيب الشكل في إصداره يقع باطلًا بحيث يتحصَّن ضد الإلغاء بفوات المدَّة إلَّا أنَّه إستثناءً من هذا الأصل فإنَّ ذلك القرار يُصبِحُ معدومًا بحيث لا يُرتِّب أثرًا ولا يكتسب حصانةً ولا يُكسِبُ حقًا متى كانت مخالفته لرُكن الشكلِ جسيمةً لدرجة الإنعدام بحيث ينسحب عنه وصف القرار الإداري لكونه لا يعدو أنْ يكون عقبةً ماديَّةً يتعيَّن على القضاء إزالتها بحكمٍ يكشفُ عن هذا الإنعدام والذي يعتبر أنَّ القرار لم يصدر أصلًا(68). وتجدر الإشارة إلى إنَّ الفقه غير متَّفق بشأن إمكانية تصحيح الإدارة لقرارها المعيب بعيب الشكل بعد صدوره فقال البعض بإمكانية الإدارة تصحيح الشكل بعد صدور القرار للحيلولة دون إلغائه. في حين ذهب البعض الآخر إلى رفض هذا التوجُّه لأنَّ فيه مخالفة للهدف الذي شُرِّع الشكل من أجل تحقيقه فمِنْ جهةٍ يصطدم مع مبدأ عدم الرجعية ومِنْ جهةٍ أخرى سوف يجعل الإدارة لا تكترث بإحترام الشكل عند إصدار قراراتها معتمدةً على قدرتها على تصحيحها لاحقًا الأمر الذي يجعلها تُصدِرُ قراراتها بصورةٍ مُتسرِّعةٍ ودون تَروٍّ ولا تدبُّر ممّا يستتبع ذلك من فقدان الشكل لكلِّ قيمةٍ قانونيةٍ ولكلِّ فائدةٍ عمليةٍ(69) ونحن مع الرأي الثاني لرجاحة مُبرِّراته وأيضًا لإستقرار المراكز القانونية وإحترام الحقوق المكتسبة. ثانيًا- طريقة الإستحالة (إستحالة إستيفاء الشكل):- قد يستحيل على الإدارة إتمام الشكل اللازم في إصدار قرارها وهذه الإستحالة قد تتحقق لأكثر من سببٍ, وإنْ كان إعمال مبدأ المشروعية يقتضي لصحة القرار الإداري أنْ يكون مُستوفيًا للشكل الذي تطلَّبه القانون إلّا إنَّ هذا المبدأ يحدُّ مِنْ إطلاقهِ قاعدة (أنَّ لا تكليفَ بمستحيلٍ), وأسباب هذه الإستحالة هي:1- حالة الضرورة المُلجأة أو الإستحالة المادية: فالإستحالة المادية تعفي الإدارة من إتمام الشكل ولا يترتب البطلان على قرارها ويخضع تقدير مدى توافر حالة الضرورة التي يكون بموجبها للإدارة إصدار قرارها متخليةً عن الشكل المقرَّر لإصداره يخضع لتقدير القاضي حال فحصه لمشروعية القرار فيما يتعلَّق بإحترامه للشكل المقرَّر قانونًا, ولابدَّ للقاضي أن يضع في إعتباره أن تكون الإستحالة طويلة الأمد مع إضطرار الإدارة لإصدار القرار لمنعِ ضررٍ يحيق المخاطب به حال تأخرها في ذلك(70) والضرورة يجب أنْ تُقدَّر بقدرها وهذا مبدأٌ أكَّدته المحكمة الإدارية العليا في العراق(71). 2- حالة الضروف الإستثنائية : هي ظروف طارئة تُهدِّد المصلحة العامة بخطرٍ جسيم يعيق المرافق العامّة عن أداء دورها حيث يتعذَّر مواجهة آثار هذا الخطر في ضوء قواعد المشروعية العادية أمّا لِتعذُّر إتِّباعها أو لعدم كفايتها(72), وتعفي مثل هذه الظروف الإدارة من إتمام الشكل ولو كان جوهريًّا إلّا أنَّه ينبغي أن تُقدَّر بِقَدرِها وتخضع لرقابة القضاء ولا يمكن قبول إدِّعاء الإدارة بوجود ظرفًا إستثنائيًّا حال بينها وبين إتمام الشكل إلّا إذا تبيَّن فِعلًا وجود هذا الظرف وأنَّ وطأته وشِدَّته قد حالت فِعلًا عن إتمام الشكل(73) . 3-حالة الإستحالة بفعل صاحب الشأن: وهنا تكون الإستحالة بفعل المخاطَب بالقرار وبالتالي فيجوز للإدارة إتِّخاذه رغم تخلُّف هذا الشكل حيث َّأنَّ موقفه الشخصي قد جعل في حكم المستحيل على الإدارة إتمام الشكل والقاعدة المنطقية هنا على ذي الشأن أن يتحمَّل تبعت موقفه المتعنِّت فلا يأتي بعد ذلك ويهاجم القرار الصادر في حقه ويطلب بطلانه لإغفاله شكلًا جوهريًّا(74) .4- حالة السبب الأجنبيي : وهو سبب غريب عن الإدارة وعن ذي الشأن على السواء فإذا حال هذا السبب بين الإدارة وبين إتمام الشكل فإنَّ القرار يكون صحيحًا وإن كان جوهريًّا(75). 5. الخاتمة 5. 1. أولاً : النتائج في خِتامِ بحثنا لموضوعِ "خُصُوصِيَّة الشكل في القرارِ الإداريِّ- دراسةٌ مقارنَةٌ " توصَّلنا إلى بعضِ النتائجِ هي ثمرة هذه الدراسة، وسنورِدُ أهمَّها إتماماً للفائدة العلمية والعملية وهي:- 1- يُعرَّف شكل القرارِ الإداريِّ بأنَّهُ " الصورَةُ أو المظهَرُ الخارجيُّ الذي تُفرِغُ فيهِ الإدارةُ إرادتها المُلزِمَةُ ويُصَبُ فيهِ مَضمونَ التعبيرَ الإراديَّ للإدارةِ ", والذي يختلفُ عن الإجراءِ الذي يُعرَّفُ بأنَّهُ " عملٌ أو مجموعةُ اعمالٍ ماديَّةٍ تقومُ بها الإدارةُ تمهيدًا لإتخاذِ القرارَ". 2- لم يُفرِّق المشرِّع العراقي في القانون رقم 106 لسنة 1989(قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979) بين الشكل والإجراء بل كان يعتبرُ الإجراءَ جزءً من الشكل وبهذا فهو كان يتطابق مع توجُّه المشرِّع المصري في قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972, إلّا إنَّه إعتبرَهُما سببين مُستقلَّين من أسباب الطعن بالإلغاء في القانونِ رقمِ 17 لسنة 2013( قانون التعديل الخامس لقانون مجلس...) وقد كان موَّفقًا في ذلك, وقد أكَّد هذا الإختلافَ والإستقلالَ القضاء الإداريُّ العراقيُّ في عدةِ قراراتٍ. 3- يختلفُ الشكل عن الإجراء من خلال تعريفهما من حيث الزمن والجزاء المترتِّب على تخلُّفهما فالإجراء يأتي سابقًا للشكل وغالبًا ما يؤدي تخلُّفه الى البطلان بينما الشكل يأتي لاحقًا للإجراء ولا يترتَّب البطلان على تخلُّفه كأصلٍ عام إلّا في حالتين هما إذا كان الشكل يوجبه القانون(جوهريًا بنصِّ القانون) أو كان جوهريًّا بطبيعته, كما أنَّ الفقه لم يتَّفِق على التفرقة بينهما فالبعض رفض هذه التفرقة في حين نادى البعض الآخر- ونحن نؤيِّده- بضرورة التفرقة بينهما وإعتبارهما سببين مستقلَّين وهو ما أخذ به المشرِّع العراقي وسار على نهجه القضاء الإداري . 4- الأصلُ أنْ تُعلِن الإدارة عن إرادتها الباطنة بأنْ تُظهِرها للعلن بأيِّ شكلٍ من الأشكال حتى نكون أمام قرارٍ إداريٍّ وفي حالة عدم إعلانها عنها فلا نكون أمام أيِّ قرارٍ إلّا إنَّ المشرِّع وفي سبيل تحقيق المصلحة العامة ومصلحة الأفراد في آنٍ واحدٍ إفترضَ أنَّ الإدارةَ قد أعلنت عن إرادتها حتى وإنْ إلتزمت الصمت, فرتَّب على هذا الصمت -لِمُدَةٍ يُحدِّدها المشرِّع- قرارًا ضِمنيًّا أمّا بالإيجاب أو بالسلب وهي حالة الطلبات التي يُقدِمها الأفراد لها للبتِّ فيها. 5- إنَّ المشرِّع وفي سبيل حماية مصالح الأفراد من عَنَت الإدارة تدخَّل وقرَّرَ أنَّه في حالة رفض الإدارة إو إمتناعها عن إتخاذِ قرارٍ كان من الواجب عليها إتِّخاذه عادًّا هذا الموقف بمثابة قرارٍ سلبيٍّ وللتفرقة بين هذين القرارين ننظر إلى مدى الحُريَّة التي تتمتع بها الإدارة بالردِّ على طلبات الأفراد فإنْ كانت غير مُلزَمة بالردِّ عندها نكون أمام قرارٍ ضمنيٍّ أما إذا كانت مُلزَمة بذلك كنّا أمام قرارٍ سلبيٍّ. 6- إنَّ الإدارةَ غيرَ مُلزَمَةٍ كأصلٍ عامٍّ بإصدارِ قراراتها بشكلٍ مُعيَّن إلّا إنَّه إستثناءً قد يَفرضُ عليها القانونُ شكلًا مُعيَّنًا عند إصدارها لتلك القرارات, كما أنَّ ليس للقرار الإداريِّ أشكالًا بالإمكانِ حصرها وليس له صِيَغًا معينَّةً يصدر بموجبها بل يمكن أن يكون بكلِّ ما يحمل معنى إتِّجاه إرادة الإدارة في نطاق سلطتها المُلزِمة إلى إحداثِ أثرٍ قانونيٍّ معيَّنٍ طالما كان هذا الأثر مُمكنًا وجائزًا قانونًا فيكون هذا الإتِّجاه متضمنًا قرارًا إداريًّا, ولكن هناك بعض الصور الشائعة للشكل في العمل الإداري والتي إشترطها القانونُ لإصدارِ القرارِ في عدةِ نصوصٍ لِخُصوصيَّتها وخُصوصِيَّة الحالاتِ التي تُعالِجُها هذه القراراتُ وهذه الصور هي: الكتابة, والتسبيب, والتوقيع. 7- هناك تشريعاتٍ عديدةٍ أوجبت أنْ يصدر القرار بشكلٍ معيَّنٍ(الكتابة, التسبيب, التوقيع) منها: م(54, 73, 80) من دستور عام 2005 , م(2) من قانون التضمين رقم 31 لسنة 2015, م(31, 39, 51) من قانون المحافظات... رقم 21 لسنة 2008, م(4) من نظام اجازات البناء رقم 2 لسنة 2016, م(5, 6) من قانون الخدمة الجامعية رقم 23 لسنة 2008 , م(8) من قانون إنضباط...رقم 14 لسنة 1991, م(79) من قانون العاملين المصري رقم 47 لسنة 1978 , م(44) من قانون البناء المصري رقم 119 لسنة 2008, م(24) من قانون مجلس الدولة المصري رقم 47 لسنة 1972 ...إلخ. 8- إنَّ القرارَ الإداريَّ لا يبطل لعيبِ الشكلِ إلّا إذا كانَ الشكلُ جوهريًا بنص القانون( يوجبه القانون) أو كان الشكل جوهريًا بطبيعته وهذا ما إتَّفق عليه الفقه والقضاء الإداريان كمبدءٍ عام ولكنَّ الخلافَ الفقهيَّ إنحَصَرَ حول كيفيَّة التمييز بين ما إذا كان الشكل جوهريًّا أم ثانويًّا وعلمنا أنَّ القضاء الإداري لا يعتمد معيارًا ثابتًا يُطبِّقه في كل ما يُعرَض أمامه إلّا إنَّه يعتمد في أغلب أحكامه على معيارِ أثرِ عيب الشكل في مضمون القرار فالشكل يكون جوهريًّا إذا كان عيبه أو تخلُّفه قد أثَّر في هذا المضمون بحيث لولاه لما صدر القرار بهذا المضمون المغاير للمضمون الذي سيصدر به القرار لو لم يصبه ذلك العيب. 9- أنَّ القرار المشوب بعيب الشكل في إصداره يقع باطلًا كأصلٍ عامٍّ بحيث يتحصَّن ضد الإلغاء بفوات المُدَّة إلَّا أنَّه إستثناءً من هذا الأصل فإنَّ ذلك القرار يُصبِحُ معدومًا بحيث لا يُرتِّب أثرًا ولا يكتسب حصانةً ولا يُكسِبُ حقًا متى كانت مخالفته لرُكن الشكلِ جسيمةً لدرجة الإنعدام بحيث ينسحب عنه وصف القرار الإداري لكونه لا يعدو أنْ يكون عقبةً ماديَّةً يتعيَّن على القضاء إزالتها بحكمٍ يكشفُ عن هذا الإنعدام والذي يعتبر أنَّ القرار لم يصدر أصلًا. 10- إنَّ القضاءَ الإداريَّ قضاءٌ إنشائيٌّ تجريبيٌّ فهو يبحث دائمًا عن إستنباطِ أحكامٍ جديدةٍ جرّاء ما يُعرَض أمامه من حالاتٍ لمواكبة التطورات المستمرة. لذا سعى إلى إيجادِ حلولٍ فعّالةٍ لتجنُّب إلغاء القرار الإداري المعيب من خلال إمكانيَّة الإبقاء عليه بعد تصحيح العيب الذي أصابه ومن أبرز هذه الحلول هما حالتي الإستيفاء اللّاحق للشكل وحالة إستحالة إتمام الشكل. وقد إختلف الفقه بشأن إمكانية تصحيح الإدارة لقرارها المعيب بعيب الشكل بعد صدوره فقال البعض بإمكانية الإدارة تصحيح الشكل بعد صدور القرار للحيلولة دون إلغائه. في حين ذهب البعض الآخر- ونحن نُؤيِّده- إلى رفض هذا التوجُّه لأنَّ فيه مخالفة للهدف الذي شُرِّع الشكل لتحقيقه. 5. 2. ثانيًا: التوصيات 1- ندعو المشرِّعَ العراقيَّ إلى النصِّ صراحةً على إعتبارِ الشَّكلِ منَ النظامِ العامِّ يترتَّبُ البطلانُ على عيبهِ أو إغفالهِ أو مُخالفتهِ عند إصدار القرار الإداريِّ, طالما كانت الغايةُ أو الهدفُ الأساسيُّ الذي إبتغاه المشرِّعُ من هذا الركن هو تحقيق المصلحةِ العامّةِ والتي هي نفسها مصلحة الأفراد في ذات الوقت . 2- ندعو القضاءَ الإداريَّ عُمومًا سواءً كان العراقيَّ أم المصريَّ إلى الثبات على معيارٍ مُحدَّدٍ يعتمده في التمييز بين ما إذا كان شكل القرار جوهريًّا أم ثانويًّا وذلك لما لذلك المعيار من دورٍ في إستقرارِ الأحكام ِالقضائيَّةِ وبالتالي يؤدي إلى نوعٍ من الضغطِ على الإدارةِ للتروِّي والتدبُّر عند إصدار قراراتها ليخرج القرار بالشكل الذي يتطلَّبه القانون لأنَّه سيُلغى حتمًا إذا إنطبقَ عليه ذلك المعيار المحدَّد . 3- ندعو القضاءَ الإداريَّ عمومًا سواءً كان العراقي أم المصري إلى إعادةِ النظرِ بالحلِّ الذي أوجده للحيلولة دون إلغاءِ القرارِ المعيب بعيب الشكل ألا وهو الإستيفاءُ اللّاحِقُ للشكلِ بعد صدور القرار لِما يحملهُ هذا الحل من أبعادٍ تُهدِّدُ مبدأَ المشروعيةَ من جهةٍ, وتهدِّد مصلحةَ الأفراد من جهةٍ أُخرى لأنَّه سيجعل الإدارة لا تكترث بالأشكال المطلوبة عند إصدارها لقراراتها بذريعة إمكانيَّة تصحيحها لاحقًا وبالتالي يؤدِّي ذلك إلى الفوضوية في إصدار القرارات وتضاربها مِمّا يؤدّي إلى عدم إستقرارٍ للمراكز القانونية وتهديدٍ للحقوق المكتسبة . ***وآخِرُ دَعْوانا أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمينْ*** 6. الهوامش
تحميل الملف المرفق Download Attached File
|
|