معلومات البحث الكاملة في مستودع بيانات الجامعة

عنوان البحث(Papers / Research Title)


النظامُ النيابيُّ في العراق" " دراسة تحليلية


الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)

 
باسم جاسم يحيى الفتلاوي

Citation Information


باسم,جاسم,يحيى,الفتلاوي ,النظامُ النيابيُّ في العراق" " دراسة تحليلية , Time 9/30/2021 5:52:43 PM : كلية العلوم الاسلامية

وصف الابستركت (Abstract)


النظامُ النيابيُّ في العراق" " دراسة تحليلية

الوصف الكامل (Full Abstract)


" النظامُ النيابيُّ في العراق" " دراسة تحليلية"

بحثٌ تقدَّم بهِ كلٌّ مِنْ:

م.م. باسم جاسم يحيى

م.م. أمين رحيم حميد م.م. مصطفى عماد محمد




1440هـ 2018 م

المقدمة
اولاً- أهمية الموضوع :
لأهمية النظام النيابي نجد أنَّه الأكثر شيوعاً في العالم المعاصر ، إذ لا يباشر الشعب السلطة بنفسه بل يقتصر دوره على إختيار نواب يمارسون الحكم بإسمه ، لذلك نجد أنَّ دستور 2005 أخذ به إذ جاء فيه "جمهورية العراق دولة إتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق" .

ثانياً- مشكلة البحث:
تتركز مشكلة البحث في الإجابة عن التساؤلات التي يُثيرها موضوع البحث ومنها: ما هو مفهوم النظام النيابي ، وما أركانه؟ وهل طُبِّق النظام النيابي في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ؟ .
ثالثاً - منهجية البحث:
تبعاً لطبيعة موضوع البحث سنعتمد المنهج التحليلي لبعض الآراء الفقهية والنصوص الدستورية.
رابعاً- تقسيم البحث:
إستيعاباً لموضوع البحث وإتماماً للدراسة سنُقسِّم هذا الموضوع إلى مطلبين ، فضلاً عن هذه المقدِّمة والخاتمة يتضمن المطلب الأول مفهوم النظام النيابي، وسنُقسِّمه إلى ثلاثة فروع نتناول في الفرع الأول تعريفه ونشأته ، ونُخصِّص الفرع الثاني لبيان أركانه، والفرع الثالث لصور الحكم الديمقراطي، أمَّا المطلب الثاني فسنتناول فيه تطبيق النظام النيابي في العراق وسنُقسِّمه إلى فرعين نُبيِّن في الفرع الأول طبيعة النظام السياسي في العراق، ونُكرِّس الفرع الثاني للتفسير الصحيح للنظام السياسي في العراق0
المطلب الأول
مفهوم النظام النيابي
للوقوف على مفهوم النظام النيابي ، لابدَّ لنا من تعريفه وبيان نشأته في الفرع الأول، وبيان أركانه في الفرع الثاني، ومن ثم يقودنا البحث إلى دراسة صور الحكم الديمقراطي في الفرع الثالث .
الفرع الأول
تعريف النظام النيابي ونشأته
سندرس تعريف النظام النيابي ، وتطوره التاريخي في فقرتين وعلى النحو الآتي
أولاً: تعريف النظام النيابي
يُعرَّف النظام النيابي بأنَّه (النظام الذي تكون فيه الهيئة التمثيلية المنتخبة بموجب الدستور مالكة للتعبير عن إرادة الأمة)(1)،وعُرِّف أيضا بأنَّه :النظام الذي نجد فيه أنَّ الشعب لا يحكم نفسه بنفسه كما هو الحال في الديمقراطية المباشرة ، وإنَّما يحكم الشعب نفسه بواسطة نواب له أو ممثلين عنه، ومن ثم تنحصر وظيفة المواطنين السياسية في إختيار النواب أو الممثلين عنهم لمباشرة شؤون الحكم(2)، وهناك جانب اخر من الفقه يسميه النظام التمثيلي ويفضل مصطلح النظام التمثيلي على مصطلح النظام النيابي ، لأنَّه ترجمة حرفية للمصطلح الفرنسي (Respentatif Regime) ، وذلك منعاً للخلط بين النظام النيابي ،الذي يُستخدَم لدى جانب من الفقه كمرادف للنظام البرلماني Regime Parlementaire)) الذي هو احد أشكال النظام التمثيلي (3).
يتبيَّن لنا من التعريفات السابقة للنظام النيابي إنَّه في هذا النظام لا يزاوِل الشعب الحكم بنفسه ، كما هو الحال في الديمقراطية المباشرة، التي سادت في اليونان ، ولا يُشارِك النواب في بعض شؤون الحكم كما هو الحال في سويسرا في دستور سنة 1802 ثم دستور 1874 في المادة (123) حيث لا يجوز إجراء أيَّ تعديلٍ في الدستور سواء كان كلياً أم جزئياً ، إلّا إذا وافقت عليه أغلبية المواطنين والولايات (4) 0

ثانياً: نشأة النظام النيابي
تُعَدُّ إنكلترا مهد النظام النيابي فيها نشأ وتطور وإكتمل عبر تاريخ طويل وقد نشأ تدريجياً كنتيجة طبيعية وحتمية للظروف التاريخية، والضرورات الإجتماعية التي عاشتها، فقد إستقرت عامة ملوك إنكلترا على الرغم من تأثير الملكية في عام 1066 على قاعة النظام المطلق ،على جمع مجلس كبار الحائزين على الأراضي (أراضي التاج) من أجل إستطلاع رأيهم في شؤون الحكم وفرض الضرائب ، وكان هذا المجلس مكوَّناً من الأشراف ورجال الدين ، يحدد الملك عدد أفراده وبقيَّة تشكيله(5)، وكانت آراء المجلس إستشارية إذ لم يكن الملك يتقيد بهذه الآراء ، وفي عام 1254 حدث تطور مهم في تشكيل المجلس الذي أصبح يسمى (البرلمان) فبعد أن كان مكوَّناً من الأشراف ورجال الدين دعا الملك هنري الثالث فارسَين منتخَبين من كل مقاطعة ثم آخرَين من المدن ، ممَّا احدث نزاعاً تسبب في إنقسام البرلمان إلى مجلسين مجلس اللوردات ومجلس العموم إعتباراً من عام 1261 ، وعند صدور وثيقة الحقوق عام 1869 والذي كان يمثل نقطة البداية في قيام الملكية (الدستورية) وفي عام 1928 انتهت عدت إجراءات تتعلق بالنظام الإنتخابي بحيث أصبح إقتراعاً عامَّاً سرِّياً ومباشِراً ، فأصبح النظام الإنكليزي نظاماً تمثيلياً ديمقراطياً وإنَّ السلطة فيه تعود إلى الشعب يمارسها نوابه بإسمه(6) ، وهكذا فإنَّ النظام النيابي قد نشأ وتطور رأساً في دولة ملكية (إنكلترا) إذ تحول النظام الإنكليزي وعِبرَ حُقَب زمنية طويلة من ملكية مطلقة ، إلى ملكية مُقيدَّة بالبرلمان(7).
أمَّا في فرنسا فإنَّ مجلس الطبقات العامة المكوَّن من النبلاء ورجال الدين ، وممثلي الطبقة الثالثة ، كما كانت تسمى من أهالي المقاطعات والمدن وبعد أنْ توسَّع دور هذا المجلس عام 1614 دعاه الملك لويس الثامن عشر إلى إجتماع في 5 آذار عام 1789 من أجل الحصول على دعمه لفرض ضرائب جديدة غير إنَّ الملك فوجئ بأنَّ ممثلي طبقات الشعب كانوا مزودين من مفوضيهم بعرائض تتضمن رغبتهم في إصدار دستور ينظم قواعد الحكم ، وتحقيق المساواة بين المواطنين في الحفاظ على النظام الملكي ، وفي 17 حزيران 1789 تحوَّل المجلس إلى جمعية وطنية ، وفي 26 آب 1789 أصدرت الجمعية الوطنية إعلاناً للحقوق أكدت فيه أنَّ الأُمة هي صاحبة السيادة(8) 0

أمَّا في أمريكا فقد تمسَّك سُكَّان المستعمرات البريطانية الثلاث عشرة بميثاق الحقوق لسنة 1689 وتمسَّكوا بما قرَّر من حريات ، مثل حرية الرأي ، حرية الفكر ،حرية الإجتماع ووجود المحلفين في المحاكم الجنائية ، فضلاً عن تمسُّك الأهالي بإنتخاب ممثلين عنهم يتولون فرض الضرائب، وعلى إثر صدور عدة قوانين إنكليزية تحدُّ من الحريات التجارية للمستعمرات نشبت حرب الإستقلال ، التي إنتهت بقيام الولايات المتحدة الأمريكية على قاعدة النظام النيابي الديمقراطي ، وتأسس مؤتمر يتكوَّن من مندوبين عن المستعمرات (الدول) في مرحلة التحالف ، تحوَّل إلى مجلس نيابي ينتخبه الشعب بعد الإستقلال ويتكون من مجلسين ، أحدهما يمثل الشعب الامريكي ، ويسمى مجلس النواب وثانيهما يمثل الدول الأعضاء في الإتحاد ، ويسمى مجلس الشيوخ(9)0




الفرع الثاني
أركان النظام النيابي
يتسم النظام النيابي بمجموعة من الأركان والتي سنوضحها بالفقرات الآتية:
أولاً : أنْ تكون الهيئة النيابية منتخبة
من أجل أن تتمتع الهيئة النيابية بصفتها التشريعية لابدَّ أنْ تكون هذه الهيئة منتخبة ، لأنَّها تتولى وضع القوانين ، وهذه المهمة تتم نيابة عن الشعب ، ولكي يتحقق معنى النيابة أنْ يفصح الشعب عن رأيه بأنْ يقوم بتشكيل هيئة النيابة بواسطة الإنتخاب ، وعلى هذا الأساس فإنَّ هيئة يتم تشكيلها بوسيلة غير الإنتخاب كالتعيين أو الوراثة لا تُعَدُّ هيئة نيابية(10).فإنتحاب الهيئة النيابية بواسطة الشعب هو الذي يُضفي على النظام النيابي إسمه وطابعه (11) 0
ثانياً: أنْ تكون مدة الهيئة النيابية مؤقتة
إذا كانت القاعدة الأساسية في النظام النيابي أنَّ الشعب هو مصدر السلطات ويمارس سلطاته من خلال المجلس النيابي الذي إنتخبه ، فالحفاظ على تلك السلطة يقتضي إرجاعها إلى صاحبها من أجل ممارستها خلال مدة زمنية ، وإذا كان تجديد البرلمان ضروري لتعزيز سلطة الشعب في مراقبة نوابه فيستحسن أن لا تكون مدة النيابة قصيرة جداً أو طويلة جداً ، لأن جعلها قصيرة ينال من إستقلال النائب عن ناخبيه ويجعله خاضعاً لتأثيرهم ، بينما طول مدة النيابة من شانه الإخلال بمبدأ تمثيل الشعب نتيجة إضعاف رقابة نوابه عليه(12) ، لذا نجد الاتجاه الغالب في الدساتير الحديثة تجعل فترة العضوية تتراوح بين بين أربع أو خمس سنوات ، وهذا ما أخذ به دستور جمهورية العراق
إذ نصَّ على أن ( تكون مدة الدورة الإنتخابية لمجلس النواب أربع سنواتٍ تقويمية، تبدأ بأول جلسةٍ له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة )(13) 0
ثالثاً: أنْ تتمتع الهيئة النيابية بسلطات فعلية
لا يكفي عنصر الانتخاب وحده لإضفاء الصفة النيابية بل لا بدَّ أنْ تكون لهذا المجلس المنتخب سلطات فعلية نهائية، وتظهر هذه السلطات النهائية أساساً في أداء الوظيفة التشريعية بأنْ يكون للبرلمان حق إقتراح القوانين وأنْ يكون صاحب الحق الوحيد في الموافقة النهائية على جميع القوانين ، وأنْ يستحيل إصدار أيَّ تشريع إلّا بعد موافقته ، بإعتباره صاحب الإختصاص التشريعي في الدولة، يضاف إلى وظيفة التشريع ما يتمتع به البرلمان من سلطاتٍ في المجالات السياسية والمالية، وعلى ذلك فلا يمكن إضفاء الصفة النيابية على أنظمة تتشكل برلماناتها على أساس الإنتخاب ، إلّا أنَّها لا تتمتع إلّا بسلطاتٍ إستشارية، وأنَّ السلطة الفعلية النهائية تكون بين أيدي غيرها أفراداً أو هيئات(14).
رابعاً: تمثيل عضو الهيئة النيابية للشعب بأجمعه
تبنَّت الثورة الفرنسية هذا المبدأ وأصبح ركناً من أركان النظام النيابي فيما بعد وقد جاء إهتمام رجال الثورة الفرنسية ومَنْ تبعهم في توضيح وترسيخ هذا المبدأ رداً على ما كان شائعاً مِن أنَّ أعضاء الهيئات العمومية هم وكلاء عن دوائرهم الإنتخابية وليسوا ممثلِين عن الأمة كلِّها، إنًّ إهتمام الثورة الفرنسية لم يبق فكراً نظرياً أو فلسفياً فقط ، وإنَّما تجسَّد فيما قرره دستور 1971 في مادته السابعة إذ جاء فيها: (إنَّ النائب يمثل الأمة جميعها لا الدائرة التي قامت بإنتخابه)،وقد نصَّت كثير من الدساتير عليه منها الدستور اللبناني لعام 1926 والمعدَّل عام1990 إذ قرَّر في المادة (27) منه بأنَّ (عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء)(15) 0


الفرع الثالث
صوَّر الحكم الديمقراطي
سنحاول في هذا الفرع بيان صوَّر الحكم الديمقراطي في ثلاثة بنود وعلى النحو الآتي:
أولاً: الديمقراطية المباشرة
نشأت هذه الصورة من نظام الحكم في المدن الإغريقية القديمة وتتمثل في مباشرة الشعب للسلطة بنفسه دون وسيط ، إذ يجتمع المواطنون في هيئة عمومية للتصويت على مشروعات القوانين ، وتعيين القضاة والموظفين ، وتعتبر الديمقراطية المباشرة ، النموذج المثالي للحكم الديمقراطي(16).
ثانياً: الديمقراطية غير المباشرة(النيابية)
تقوم هذه الصورة على أساس وجود برلمان مُنتخَب ينوب عن الشعب (17)، فالحكم النيابي يُفرِّق بين صاحب السلطة( الشعب) وبين من يمارس السلطة ( النواب ) بينما لا يُفرِّق بينهما الحكم المباشر فصاحب السلطة هو من يمارسها فعلاً (18)0ويتضح من ذلك أنَّ الشعب لا يُمارِس السلطة بنفسه كما هو الحال في الديمقراطية المباشرة ، ولا يُشارِك في ممارستها مع مَن ينتخبهم من النواب كما يحدث في نظام الديمقراطية شبه المباشرة.
ثالثاً: الديمقراطية شبه المباشرة
يُعتبَر النظام شبه المباشر نظاماً وسطاً بين نظام الديمقراطية المباشرة ونظام الديمقراطية غير المباشرة ( النيابية ) وهو مزيج منهما (19)0
فالشعب يشترك في ممارسة السلطة بجوار الهيئة النيابية في عدة مظاهر وهي:-
1- الإستفتاء الشعبي: يُقصَد به الوقوف على رأي الشعب في موضوع دستوري أو في مشروع قانون(20) 0
2- الإعتراض الشعبي: يعني إعطاء الحق لعدد مُعيَّن من الناخبين بالإعتراض على قانون صادر من البرلمان في خلال مدة زمنية معينة(21).
3- الإقتراح الشعبي :يُقدِّم إسلوب الإقتراح الشعبي وسيلة للشعب للمبادرة إلى إقتراح مشروعات قوانين قد يراها ضرورية أو ملائمة ، فإذا طلب عدد محدد من المواطنين عرض إقتراح على البرلمان فإنَّ على البرلمان أن يدرُس الإقتراح ويصوت عليه ، ويأخذ الإقتراح عدة أشكال فقد يكون الإقتراح مجرد فكرةً أو مبدأً ، وقد يأتي الإقتراح في شكل قانون تمت صياغته في مواد محددة (22).
4- إقالة النائب بواسطة الناخبين: يستطيع الناخبون إقالة نائبهم عن طريق تقديم طلب بذلك من عدد معين منهم(23).
5- الحلُّ الشعبي: وفي هذه الحالة يمكن بأغلبية معينة طلب حل هيئة البرلمان وذلك لإجراء إنتخابات جديدة(24).
6- عزل رئيس الجمهورية: لقد أعطت بعض الدساتير حق عزل رئيس الجمهورية بواسطة الشعب إذا طلب ذلك عدد معين من الناخبين على أساس فقدانه لثقة الشعب ، وقد أخذ به دستور المانيا لسنة 1991 المعروف بدستور فايمار ، الذي أجاز عزل رئيس الجمهورية إذا جاءت نتيجة الإستفتاء الشعبي مؤيِّدةً لذلك(25) 0


المطلب الثاني
تطبيق النظام النيابي في العراق
سنتناول هذا المطلب في فرعين نُبيِّن في الفرع الأول طبيعة النظام السياسي في العراق وندرس في الفرع الثاني التفسير الصحيح للنظام السياسي في العراق .

الفرع الأول
طبيعة النظام السياسي في العراق

بيَّنت المادة (1) من دستور العراق لعام 2005 طبيعة النظام السياسي في العراق حيث نصت على (جمهورية العراق دولة واحدة مستقلة , ذات سيادة كاملة , نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني ) .....) . وبذلك فإنَّ النظام السياسي في العراق بموجب نص المادة سالفة الذكر هو نظام نيابي .
إنَّ النظام النيابي يتمثَّل دور الشعب فيه بإنتخاب نواب له يمثلونه في البرلمان , وينتهي هذا الدور بمجرد إنتهاء الإنتخاب , ولا يشترك الشعب في النظام النيابي مع الهيئة المنتَخبة في إدارة شؤون الحكم بل تتولى الهيئة المنتخَبة هذه المهمة لوحدها (26) 0
وفي هذا الصدد يقول بعض الفقه: إنَّ وصف الحكم بأنَّه برلماني يُثير العديد من الإشكاليات ومنها:
- إختلاف وتباين المسمّى عن المضمون , فتسمية النظام البرلماني يستلزم بالضرورة تطابق التسمية مع مضمون الأحكام الدستورية التي نظمته ولكننا نجد إختلاف في مضمون القواعد الدستورية الواردة في الدستور والتي نظمت الأسس العامة للنظام البرلماني , والعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية , مما حدا بالبعض إلى توصيف النظام بأنَّه نظام مجلسي أو نظام مختلط 0
- إنَّ إجراء مقارنة موضوعية للقواعد المنصوص عليها في الدستور مع القواعد العامة للنظام البرلماني التقليدي , والقواعد الحاكمة لنظام الإتحاد الفدرالي , ستتضح من خلالها درجة الإختلاف بينها 0 مما يدعونا إلى التساؤل عن حقيقة نظام الحكم الذي جاء به الدستور وعن المقاصد الحقيقية التي إبتغاها واضعي الدستور؟ .
- إنَّ الأخذ بنظام الحكومة النيابية يتطلَّب الأخذ بنظام نيابي خالص يكون خلواً من أي مظهر من مظاهر النظام الديمقراطي المباشر أو شبه المباشر . ولكنَّ مشرعنا الدستوري قد تبنَّى النظام النيابي وإختار في ذات الوقت بعض مظاهر النظام الديمقراطي شبه المباشر،وبالعودة إلى نصوص الدستور نجد أنَّ المشرع الدستوري قد أخذ بممارسات لا تتلائم مع طبيعة النظام النيابي , إذ أخذ بالإستفتاء العام في أكثر من مادة من مواد الدستور , ممَّا يجعل النظام السياسي في العراق لا ينطبق عليه وصف النيابي بقدر إنطباق هذا النظام مع الديمقراطية شبه المباشرة التي يحتفظ فيها الشعب إلى جانب إنتخابه لممثليه بحق تقرير بعض المسائل الهامة وفقاً لوسائل معينة ، ويذهب البعض إلى القول بأنَّ نظام الديمقراطية شبه المباشرة في حقيقته ما هو إلّا نظام نيابي مطَّور , خلاصته جعل البرلمان على إتصال مباشر بجمهور الناخبين(27)،وبما إنَّ الدستور العراقي قد أخذ بأهم صور الديمقراطية شبه المباشرة ألا وهو الإستفتاء العام أو الشعبي فإنَّ النظام السياسي في العراق هو نظام ديمقراطي شبه مباشر . لكون الديمقراطية شبه المباشرة لا تشترط أنْ يأخذ النظام السياسي بجميع صورها ويكفي الأخذ بصورة واحدة من هذه ، الصور وتضمينها في الدستور كما فعل المشرع الدستوري العراقي ( 28).
الفرع الثاني
التفسير الصحيح للنظام السياسي في العراق
بعد أنْ إتضح لدينا بأنَّ النظام السياسي الفعلي المطبَّق في العراق هو نظام الديمقراطية شبه المباشرة وليس النظام النيابي لكون الدستور قد نصَّ على الإستفتاء العام والذي يُعَدُّ أهم مظهر من مظاهر نظام الديمقراطية شبه المباشرة , وجبَ علينا تسليط الضوء على هذا المظهر المهم . لذا سنتناول هذا المظهر في بندين , نبيَّن في البند الأول مفهوم الإستفتاء العام وفي البند الثاني تطبيقات الإستفتاء العام في ظل الدستور العراقي لعام 2005 . وكما يلي :
اولاً : مفهوم الإستفتاء العام
يُعدُّ الإستفتاء العام أهم صورة من صور الديمقراطية شبه المباشرة ويُعرَّف بأنَّه :( عرض موضوع عام على الشعب لأخذ رأيه فيه بالموافقة أو الرفض )(29) .
وعُرِّف أيضا بأنَّه (العودة إلى الشعب لأخذ رأيه أو قراره في موضوعٍ ما , وذلك لعدم كفاية رأي أو قرار البرلمان فيه ) . وبذلك فإنَّ الإستفتاء العام يختلف عن الإنتخاب الذي يُقصَد به :( مكنة مقررة للمواطنين الذين تتوفر فيهم الشروط القانونية للمساهمة في إختيار الحكام وفقاً لما يرونه صالحاً لهم ) (30) .
فالإستفتاء يتلخص في أخذ رأي الشعب في مسألة معينة , أما الإنتخاب فهو إختيار الشعب لممثليه.
ويتفرَّع الإستفتاء العام إلى عدة أنواع نذكرها تباعاً :-
1- من حيث موضوع الإستفتاء : قد يكون إستفتاءاً دستورياً عند تعلُّقه بموضوع دستوري كإقرار الدستور أو تعديله , وقد يكون تشريعياً عند أخذ رأي الشعب في مشروع قانون , وقد يكون سياسياً في حالة إجراء الإستفتاء بشأن أمرٍ من الأمور السياسية العامة(31) .
2- من ناحية ميعاد إجرائه : فهو إمّا أنْ يكون سابق على صدور القانون أو لاحق له .
3- من ناحية ضرورة إجرائه : فهو يتفرع إلى إستفتاء إجباري يتحتم إجرائه بصدد موضوع أو موضوعات محددة , وإستفتاء إختباري أو جوازي يجوز فيه الرجوع إلى الشعب لأخذ رأيه أو عدم الرجوع (32).
4- من ناحية قوته الملزمة : يتفرع إلى إستفتاء ملزم يتقيَّد به البرلمان وآخر إستشاري يستأنس به .

ثانياً : تطبيقات الإستفتاء العام في ظل دستور العراق لعام 2005
توجد الكثير من التطبيقات التي أوردها المشرع الدستوري العراقي للإستفتاء العام في الدستور كما توجد بعض صور الإستفتاء التي نصَّت عليها بعض التشريعات الأخرى والتي سنبينها فيما يلي:
1- الإستفتاء العام الخاص بإقرار الدستور :- وقد بيَّنت ذلك المادة (144) من الدستور حيث نصَّت على :( يُعَّد هذا الدستور نافذاً بعد موافقة الشعب عليه بالإستفتاء العام , ونشره في الجريدة الرسمية , وتشكيل الحكومة بموجبه ) .
وقد سبقت المادة (144) من الدستور المادة (61/ب) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية , حيث نصَّت على: ( تُعرَض مسوَّدة الدستور الدائم على الشعب العراقي للموافقة عليه بإستفتاءٍ عام. وفي الفترة التي تسبق إجراء الإستفتاء، تُنشَر مسوَّدة الدستور وتوَّزع بصورة واسعة لتشجيع إجراء نقاش عام بين أبناء الشعب بشأنها) (33).
2- الإستفتاء العام لإتخاذ لغة محلية :- حيث نصَّت المادة (4/خامساً ) من الدستور على: ( لكل أقليم أو محافظة إتخاذ أيَّة لغة محلية أُخرى لغةً رسميةً إضافيةً , إذا أقرت غالبية سكانها ذلك بإستفتاءٍ عام )(34) .
3 - الإستفتاء العام لغرض تكوين الأقاليم :- حيث نصَّت المادة (119) من الدستور على (يحق لكل محافظة أو أكثر , تكوين أقليم بناء على طلب بالإستفتاء عليه ....) (35).
والجدير بالذكر إنَّ المادة (53/ج) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية تضمنت نفس مضمون المادة المذكورة آنفا حيث نصَّت على ( يحق للمحافظات خارج أقليم كردستان، فيما عدا بغداد وكركوك، تشكيل أقاليم فيما بينها، وللحكومة العراقية المؤقتة أن تقترح آليات لتشكيل هذه الأقاليم، على أنْ تُطرَح على الجمعية الوطنية المنتخبة للنظر فيها وإقرارها ويجب الحصول بالإضافة الى موافقة الجمعية الوطنية على أي تشريع خاص بتشكيل أقليم جديد على موافقة أهالي المحافظات المعنية بواسطة إستفتاء ) (36).
كذلك فقد أورد القانون رقم (13) لسنة 2008 قانون الإجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم العديد من صوَّر الإستفتاء العام , إذ نصَّت المادة (2) منه على: (يتم تكوين أيَّ أقليم عن طريق الإستفتاء ويُقدَّم الطلب ...) (37).
وجاء الفصل الرابع من القانون يُبيِّن إجراءات الإستفتاء بشكل مُفصَّل في المواد من (5-10).
4- الإستفتاء العام الخاص بالمناطق المتنازع عليها :- والذي بينته المادة (140) من الدستور الخاصة بالإستفتاء على محافظة كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها بعد إكمال مرحلتي التطبيع والإحصاء السكَّاني المنصوص عليها في نفس المادة (38).
5- الإستفتاء العام الخاص بتعديل الدستور :- والذي نصَّت عليه المواد( 126) والمادة (142 ) من الدستور , حيث نصَّت المادتان السابقتان على ضرورة عرض التعديلات الدستورية على الشعب للإستفتاء عليها وذلك بعد موافقة مجلس النواب على هذه التعديلات (39) .
6- الإستفتاء العام حول الاتفاقية المبرمة بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية: - الأصل في عقد المعاهدات والإتفاقيات بين العراق والدول الأخرى أنْ يتم بناء على قانون يصدر من قبل مجلس النواب العراقي بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس طبقاً للمادة (61/ رابعا ) من الدستور , وتُعدُّ الإتفاقية أو المعاهدة نافذة بعد المصادقة عليها ونشرها في الجريدة الرسمية دون الحاجة إلى إجراء إستفتاء عام بذلك (40) .
ولكن بموجب قانون تصديق الإتفاق بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأمريكية بشأن إنسحاب القوات الأمريكية من العراق وتنظيم أنشطتها خلال وجودها المؤقت فيه , رقم (51) لسنة 2008 , نصَّت المادة (2/أولاً) من قانون التصديق على : ( أولاً : تُعرَض إتفاقية إنسحاب القوات الأمريكية من العراق وتنظيم أنشطتها خلال وجودها المؤقت فيه على الشعب العراقي للإستفتاء الشعبي العام في موعد أقصاه يوم 30 تموز 2009 . ثانياً : تُنظِم المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات عملية الإستفتاء الشعبي العام وفق مقتضيات الدستور والقانون ) .
كما تضمنت المادة (3) من قانون التصديق على إلزام الحكومة العراقية بنتائج الإستفتاء الشعبي العام .
وعملياً فإنَّ إستفتاء على هذه الإتفاقية لم يُجرَ ولم يُعمَل بنصوص قانون التصديق المذكورة التي تضمنت ضرورة القيام بعملية الإستفتاء .
7- أشارت المادة (131) إلى الإستفتاء العام بنصِّها على: ( كل إستفتاء وارد في هذا الدستور يكون ناجحاً بموافقة أغلبية المصوتين , ما لم ينص على خلاف ذلك ) (41) .
8- كمبدأ عام نصَّت المادة (20) من الدستور على حق المواطنين في المشاركة في الشؤون العامة إذ جاء فيها : ( للمواطنين رجالا ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية , بما فيها حق التصويت والإنتخاب والترشيح ) (42).
يظهر لنا من التطبيقات المتقدِّمة للإستفتاء العام بأنَّ النظام السياسي في العراق أخذ بنظام الديمقراطية شبة المباشرة بالرغم من وجود نص المادة (1) من الدستور التي تنص على الشكل النيابي لنظام الحكم ، وكان من الأفضل عدم النص على شكل النظام السياسي في الدستور وترك مسألة تحديد ذلك الى اجتهاد الفقه الدستوري(43).














الخاتمة
في ختام بحثنا لموضوع النظام النيابي وتطبيقه على دستور 2005 توَّصلنا إلى بعض النتائج هي ثمرة هذه الدراسة، وسنورد أهما إتماماً للفائدة العلمية والعملية وهي: -
1- يتضح لنا بأنَّ النظام النيابي يتألف من أربعة أركان هي (وجود هيئة نيابية منتخبة ) و (أنْ تتسم فترة عمل الهيئة النيابية بالتأقيت ) و (تمتع الهيئة النيابية بسلطات فعلية ) و (تمثيل عضو الهيئة النيابية للشعب بأجمعه ).
2- يتضح لنا كذلك بأنَّ دور الشعب في الديمقراطية النيابية يتوقف بمجرد إنتخاب الهيئة النيابية التي تمثله , بعكس الديمقراطية شبه المباشرة التي يُشارِك فيها الشعب الهيئة النيابية المنتخبة من قبله في بعض مسائل الحكم المهمة , وبذلك يُعدُّ نظام الديمقراطية شبه المباشرة نظاماً نيابياً متطوِّراً كما أسماه البعض .
3- تبيَّن لنا من خلال الدراسة بأنَّه لا يُشترَط تحقق كافة صور الديمقراطية شبه المباشرة لكي يُعدُّ النظام نظاماً ديمقراطياً يأخذ بالديمقراطية شبه المباشرة إذ يكفي تحقق صورة واحدة لكي يُعدُّ كذلك وهو ما تحقق في دستور العراق لعام 2005 عند إيراده لصورٍ عدة لصورة الإستفتاء الشعبي .
4- إنَّ المادة (1) من دستور العراق أخذت بالنظام النيابي ولكن من قراءة واقع النصوص الواردة في الدستور يتبيَّن لنا بأنَّ الدستور أخذ بنظام الديمقراطية شبه المباشرة وكان من الأفضل عدم النص على شكل نظام الحكم في الدستور وترك ذلك لإجتهاد الفقه الدستوري لتحديد شكل نظام الحكم الفعلي .
5- خلصنا إلى أنَّ قانون التصديق على إتفاق جمهورية العراق والولايات المتحدة الأمريكية بشأن إنسحاب القوات الأمريكية من العراق وتنظيم أنشطتها خلال وجودها المؤقت فيه رقم 51 لسنة 2008 , قد نصَّ على ضرورة إجراء الإستفتاء العام على الإتفاق المذكور وتُعدُّ نتيجة هذا الإستفتاء ملزِمة للحكومة العراقية , إلّا إنَّ هذا الإستفتاء لم يُجرَ وظلَّ نص القانون غير مفعَّل .

الهوامش

تحميل الملف المرفق Download Attached File

تحميل الملف من سيرفر شبكة جامعة بابل (Paper Link on Network Server) repository publications

البحث في الموقع

Authors, Titles, Abstracts

Full Text




خيارات العرض والخدمات


وصلات مرتبطة بهذا البحث