معلومات البحث الكاملة في مستودع بيانات الجامعة

عنوان البحث(Papers / Research Title)


تطبيق مبدأ الفصّْل بين السُّلطات في الدساتير العراقية


الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)

 
باسم جاسم يحيى الفتلاوي

Citation Information


باسم,جاسم,يحيى,الفتلاوي ,تطبيق مبدأ الفصّْل بين السُّلطات في الدساتير العراقية , Time 9/30/2021 5:57:36 PM : كلية العلوم الاسلامية

وصف الابستركت (Abstract)


تطبيق مبدأ الفصّْل بين السُّلطات في الدساتير العراقية

الوصف الكامل (Full Abstract)









" تطبيق مبدأ الفصّْل بين السُّلطات في الدساتير العراقية "
Application of The Principle of Separation of Powers In Iraqi Constitutions

بحثٌ تقدَّم بهِ كلٌّ مِنْ:

م.م باسم جاسم يحيى
م.م أمين رحيم حميد م.م باسم محسن نايف



1440 ه 2019 م
المُلَخَّص
لمَبْدأ االفَصْلِ بَيْنَ االسُّلُطات أهَمِيَّة كبيرة فهو يُعَدُّ حجر الزاوية في الأَنْظِمَة الديِمُقْراطِيَّة لأنَّه يُسْهِمُ في حماية الحريات والحد من الإستبداد السلطوي وكذلك يُسْهِمُ في تحقيق المَشْروعيَّة وقيام الدَوْلَة االقانُونْيَّة , وفي إبراز فوائد تقسيم وَظائِف الدَوْلَة وتقسيم العمل وزيادة الفاعلية .إلّا إنَّ تَطْبيقْه يختلف بإختلاف طبيعة وشكل الديِمُقْراطِيَّة االنِيابيّة السائدة في الدَوْلَة والمتلائمة مع أوضاعها وظروفها بإعتبار أنَّ الديِمُقْراطِيَّة االنِيابيّة قد تأخذ شكل االنِظام االنِيابيّ البرلماني وقد تأخذ شكل االنِظام االنِيابيّ الرِئاسيّ وقد تأخذ شكل االنِظام االنِيابيّ المَجْلِسِيّ ( نِظام حكومة الجمعية االنِيابيّة ) وكلَّ شكلٍ من هذه الأشكال الثلاثة يُمثِّل الديِمُقْراطِيَّة االنِيابيّة. ولكن بالرغم من أهَمِيَّة هذا المَبْدأْ إلّا إنَّ الدَساتير االعِراقِيَّة لم تنص عليه صراحةً إلَّا في قانُونْ إدارة الدَوْلَة للمرحلة الإنْتِقاليَّة ودُسْتُور جُمْهورِيَّة االعِراق لعام 2005 .
الكلمات المفتاحية : االسُّلُطات , دُسْتُور , التَشْريعِيَّة , التَنْفيذيَّة , تَطْبيقْ , مَبْدأْ الفَصْل .










Abstract
To Principles Of Separations Betweens Authorities The Great Importances. It Is The Cornerstones Of Democratice Systems Because It Contributes To Protections Of Freedomss And The Reductions Of Authoritarians Tyranny. The Principles Of Segregation Contributes In The Legitimacy, And Doing The Legal State. As It Highlights, The Benefits Of Division Of State Functions, Division Of Labour And Increase Efficiency. However, Its Application Differss According To The Nature And Form Of Representatives Democracy Prevailing In The States And Adapted To Its Conditionss And Circumstancess. Considering That Representative Democracy May Take The Form Of The Parliamentary Systems Of Parliament And May Take The Form Of The Presidential Systems Of Parliament And May Take The Form Of The Parliamentary System (Parliamentary Assembly Government System), Each Of These Three Forms Represents Representative Democracy. Despite The Importance Of This Principle, Iraqi Constitutions Have Been Explicitly Stipulated Only In The State Administration Of The Transition And The Constitution Of The Republic Of Iraq For The Year 2005.
KEYS WORDS : AUTHORITIESS , CONSTITUTIONS , LEGISLATIONS , EXECUTIVES , APPLIICATIONS , PRINCIPLES OF SEPARATIONS .







المقدِّمة
أَوَّلًا: التعريفُ بالبَحْثِ وأهَميَّته
يقتضي مَبْدأأْ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطات( ) ضرورة تخصُّص هيئات الدَوْلَة في وَظائِف محددة تتولى القيام بها مع مراعاة الحفاظ على وحدة الدَوْلَة, ومعنى ذلك قيام علاقة بَيْنَ االسُّللُطات طالما أنَّ هذه االسُّللُطات تُمثِّل كيان واحد وهو الدَوْلَة( ), فينبغي إيجاد سبل للتعاون في ممارسة هذه االسُّللُطات لإِخْتِصاصاتها ومن ثم المساواة بَيْنَها فلا تسيطر أو تطغى أحدها على الأخرى لغرض تحقيق التَوازُنْ السِياسيّ( ), إذ أنَّ السمة الأساسية للنِظاام البرلماني تتمثَّل في أُسلوب االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطات فهو ليس فصلاً مطلقاً يجعل كل سلطة مستقلة ومتباعدة عن االسُّلْطَة الدُسْتُوريَّة الأخرى بل يكون االفَصْلِ فصلاً مرناً ونسبياً (4) .
ولمَبْدأْإ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطات أهَمِيَّة كبيرة فهو يُعدُّ حجر الزاوية في الأَنْظِمَة الديِمُقْراطِيَّة(5) إلّا إنَّ تَطْبيقْه يختلف بإختلاف طبيعة وشكل الديِمُقْراطِيَّة االنِيابيّة السائدة في الدَوْلَة والمتلائمة مع أوضاعها وظروفها بإعتبار أنَّ الديِمُقْراطِيَّة االنِيابيّة قد تأخذ شكل االنِظام االنِيابيّ البرلماني وقد تأخذ شكل االنِظام االنِيابيّ الرِئاسيّ وقد تأخذ شكل االنِظام االنِيابيّ المَجْلِسِيّ ( نِظام حكومة الجمعية االنِيابيّة ) وكلَّ شكلٍ من هذه الأشكال الثلاثة يُمثِّل الديِمُقْراطِيَّة االنِيابيّة (6) .
ولكن بالرغم من أهَمِيَّة هذا المَبْدأْ إلّا إنَّ الدَساتير ااالعِراقِيَّة لم تنص عليه صراحةً إلَّا في قانُونْ إدارة الدَوْلَة للمرحلة الإنْتِقاليَّة ودُسْتُور جُمْهورِيَّة االعِراق لعام 2005 ، إذ نصَّ قانُونُ إدارةِ الدَوْلَةَ على :(... يَقومً االنِظامُ الإتِّحاديُّ على ... واالفَصْلِل بَيْنَ االسُّلُلطات ...)(7) ، وأكَّدَ على هذا المَبْدأْ في مَوْضِعٍ آخَرٍ ، إذْ نَصَّ على أنْ:(تَكُونُ... مُنْفَصِللةً ...)(8).
أمَّا دُسْتُورُ جُمْهورِيَّةُ االعِراقِ لِعامِ 2005م ، فَقًدْ نًصَّ على:(تَتَكوَّنُ االسُّلُطاتُ االإتِّحادِيَّةُ, ... تُمارِسُ إِخْتِصاصاتِها ومُهِمّاتِها على أَساسِ مَبْدأْ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّلُلطاتِ)(9)، وَذلكَ يَرْجِعُ إلى أنَّ الدُسْتُورَ قدْ أكَّدَ في المَبادِئِ الأَساسِيَّة على أنَّ االعِراقَ دَوْلَةٌ إإتِّحادِيَّةٌ نِظامُ الحُكْمُ فيها وجُمْهورريٌّ وبَرْلَلمانِيٌّ ودِيمُقرااطِيٌّ(10) .




ثانِيًا: مُشْكِلَة البَحثِ
تَتَركَّزُ مُشْكِلةُ البَحْثِ في الإجابةِ عنْ التَساؤلاتِ التي يُثيرها مَوْضوعُ البَحْثِ وَمِنْها: هلْ طَبَّقتْ الدَساتِيرُ العِراقِيَّةُ بِدْءً مِنَ القانُونْ الأَساسِيُّ االعِراقيُّ لِسنةِ 1925م وإنْتِهاءً بِدُسْتُورِ عام 200م مَبْدأْ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّلُلطاتِ مِنَ الناحِيَةِ النَظَريَّةِ والعَمَلِيَّةِ أمْ لَمْ تُطَبِقْهُ؟ .
ثالثًا: مَنْهَجيَّة البَحْثِ
تَبَعًا لِطَبيعةِ مَوضوعِ البَحْثِ سَنْعتَمِدُ المَنْهَجَ التَحْليليُّ لِبَعضِ الآراءِ الفِقْهيَّةِ والنُصوصِ الدُسْتُوريَّةِ.
رابعًا: تَقْسيمُ البَحْثِ
إسْتيعابًا لِموضوعِ البَحْثِ وإتمامًا للدِراسةِ سَنُقسِّمُ هذا المَوضوعَ إلى مَبْحَثَينِ، فَضْلاً عنْ هذهِ المُقَدِّمَةِ والخاتِمَةِ يَتَضَمَّنُ المَبْحَثُ الأوَّلُ: تَطْبيقْاتِ مَبْدأْ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّلُلطاتِ قَبْلَ عام 2003م , وسَنُقسِّمُهُ إلى مَطلَبَينِ نُخصِّصُ الأوَّلَ إلى تَطْبيقْاتِ مَبْدأْ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ في القانُونِ الأساسيِّ لعام1925م ، ونُكرِّسُ الثاني إلى تَطْبيقْات مَبْدأْ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطات في دساتير االنِظام الجمهوري قبل 2003، أمَّا المَبْحَثُ الثانيَ : فسَنُخَصِّصُهُ إلى تَطْبيقْاتِ مَبْدأْ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ بَعْدَ عامِ 2003 م ، وسَنُقسِّمهُ إلى مَطْلَبينِ أيضًا نُوَضِّحُ في الأوَّلِ قانُونَ إدارةِ الدَوْلَةِ ااالعِراقِيَّةِ للمَرْحَلةِ الإنْتِقاليَّةِ لعام 2004م , ونُكرِّسُ الثانيَ لِدُسْتُورِ االعِراقِ لعامِ 2005م.

تَمْهيدُ
تَطْبيقْ مَبْدأْ الفَصْللِ بَيْنَ السُّللُطات في الدَساتير االعِراقِيَّة
مَبْدأْ االفَصْلِ بَيْنَ االسُّللُطات بِمَفْهومِهِ التَقْليديِّ يَعني أنْ تَسْتَقلَّ كلُّ سُللْطَةٍ مِنْ سُللُطاتِ الدَوْلَةِ الدُسْتُوريَّةِ الثلاثِ بِمُمارَسَةِ مَهامِّها التي حَدَّدَها لَها الدُسْتُورُ مِنْ غَيرِ أنْ تَتَعدّاها , إلّا إنَّ تَطَوُّرَ الأَنْظِمَةُ السِياسيّةُ المُخْتَلِفةُ الذي نَتَجَ عَنْهُ مَبْدأْ االفَصلْلِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ سَواءً كانَ االنِظامُ ( مَجْلِسيٌّ أم رِئاسيٌّ أم بَرْلَمانيٌّ ) أدّى إلى وَجودِ هيأةً مُنْتَخبةً مِنَ الشَعْبِ تُمارِسُ االسُّلْطَةَ االتَشْريعِيَّةَ نِيابَةً عَنْه تُسَمّى بالمَجْلِسِ االنِيابِيِّ (االبَرْلَمانْ) , يُودِعُها الشَعْبُ تَخْويلَ سُلْطَةَ االتَشْريعَ وإْقرارَ السِياساتَ ومُساءَلَةَ الحُكومَةَ .
إلّا أنَّ هذه الهَيْأةَ في الواقعِ لا تَظْهرُ على شِكلٍ واحدٍ في النَماذِجِ السِياسيّةِ القائِمةِ في العالمِ، فهيَ تَخْتَلفُ مِنْ دَولةٍ إلى أُخْرى حَسْبَ االنِظامِ السِياسيِّ المُطبَّقِ فيها , إذْ يَتبايَنُ وَضعِ االسُّللْطَةَ االتَشْريعِيَّةَ و دور االسُّللْطَةُ االتَنْفيذيَّةُ وفعاليَّةُ االسّلُلْطَةُ القَضائِيَّةُ بِحْسبِ مُقْتَضياتِ االنِظامِ السِياسيِّ, فقدْ تكونُ لهذهِ الهَيأةَ سُلُطاتٍ تَعْمَلُ وِفْقًا لمَبْدأِ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ على دَرَجةٍ مِنَ االتَوازُنِ مِنْ عِدَةِ نواحٍ سَواءً تتعلقُ بالتَكْوينِ أو بالإخْتِصاصِ أو بالتأثيرِ المُتبادَلِ, وقَدْ يكونُ تَكوينُها مُزدَوجاً وهنا نكونُ إزاءَ نِظامِ الثُنائيَّةِ البرلمانيَّةِ(نِظامُ المَجْلِسِيّنِ), وثُنائيَّة االسُّللْطَةِ االتَنْفيذيَّةِ( رِئاسةُ الدَوْلَةِ و رِئاسةُ الوزراءِ), بِوَصْفهِ نِظامًا مُؤسَّسيًّا يَعملُ على تقويَةِ وتعزيزِ الديِمُقْراطِيَّةَ، لأنَّهُ يُنوِّعُ التمثيلَ السِياسيَّ والشَعبيَّ في مُؤسساتِ الدَوْلَةِ، ويُحقِّقُ المساواةَ في التمثيلِ، منْ حَيثِ المُساواةِ بَيْنَ جَميعِ الولاياتِ وتَمثيلها في مَجلسٍ، والمساواةِ بَيْنَ جَميعِ المواطنينَ في الدَوْلَةِ وتَمثيلهَم في مجلسٍ آخرٍ.
ولِكي يَتحقَّقُ مَبْدأُ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ لابدَّ مِنْ تَطْبييقِ النظريِ مِنهُ على الواقعِ العمليِّ, ولكي نَعرِفُ مَدى تَطْبيقِ ذلكَ يَترتَّبُ علينا بَحثَ تَطْبيقْااتِ مَبْدأْ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ في الواقعِ العمليِ للدَساتيرِ ااالعِراقِيَّةِ بشيءٍ منَ التفصيلَ. لذا سوفَ نُقسِّمُ هذا البَحثَ إلى مَبْحَثَينِ:
المَبْحَثُ الأوَّلُ: تَطْبيقْااتُ مَبْدأْ الفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ قَبلَ عام 2003 م
المَبْحَثُ الثانيُ : تَطْبيقْااتُ مَبْدأْ الفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ بَعْدَ عام 2003 م





المَبْحَثُ الأوَّلُ
تَطْبيقْات مَبْدأْ الفَصْللِ بَيْنَ السُّللُطات قبل عام 2003
لَمْ تُشِرْ الدَساتيرُ ااالعِراقِيَّةُ قَبْلَ عامِ 2003م بِصورةٍ صَريحةٍ إلى مَبْدأِ االفَصْلِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ, وسَنُحاولُ في هذا المَبْحَثِ تَوضيحَ الواقعِ الفِعليِّ , وهلْ يوجدُ تَطْبيقٌ لهذا المَبْدأِ أم لا , وذلكَ مِنْ خِلالِ مَطْلَبينِ نُخَصِّصُ الأَوَّلُ إلى تَطْبيقِ مَبْدأِ االفَصْللِ بَيْنَ االسّلُلُطاتِ في القانُونِ اللأَساسيِّ لعامِ 1925م، ونُكرِّسُ الثانيَ لتَطْبيقِ مَبْدأِ االفَصلْلِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ في دَساتيرِ االنِظامِ الجُمْهوريِّ قَبْلَ عامِ 2003م .

المَطْلَبُ الأوَّلُ
تَطْبيقُ مَبْدأُ الفَصلْلِ بَيْنَ السّلُلُطاتِ في القانُونِ الأساسيِّ لعامِ 1925م
يذهبُ بعضُ الفقهِ إلى أنَّ دُسْتُورَ االعِراقِ الأوَّلِ (القانُونُ الأَساسيُّ لعامِ 1925م) قَدْ تَبَنَّى االنِظامَ البَرْلَمانيَّ (11). وقدْ أقرَّ صَراحةً في بَعضِ النصوصِ تَبنِّيهِ للنِظامِ االنِيابيِّ (12), وذلكَ مِنْ خلالِ أخذهِ بثنائيَّةِ االسُّللْطَةِ االتَنْفيذيَّةِ وجَعلهِ الوزارةَ مَسؤولةٌ أَمامَ البرلمانِ(13), وقدْ نصَّتْ المادةُ (25) والمادةِ (26)على هذا المضمون ,إنَّ الواقعَ العَمليَّ كانَ ليسَ كذلِكَ بالنسبةِ للنِظامِ السِياسيِّ في االعِراقِ في ظلِّ دُسْتُورِ عام1925ِم , و الحقيقةُ أنَّ الإِخْتِصاصاتَ التي مُنِحَتْ للملكِ كانتْ عديدةً ومؤثِرة ًولمْ تَكنْ مُجردَ تسطيرٍ بالدُسْتُورِ, بلْ كانَ المَلكُ يُباشرُها فِعلْاً , على الرَغمِ مِنْ إنَّ االنِظامَ وِفْقاً لدُسْتُورِ عام1925ِم كانَ نِظامٌ بَرْلَمانيٌّ (14). كما إنَّ التَطْبيقَ العَمليَّ لهذا االنِظامِ عزَّزَ مِنْ سُلطةِ رَئيسِ الدَوْلَةِ , وأصبحَ هوَ المُهيمِنُ, بِحسبِ النصوصِ الدُسْتُوريَّةِ وواقِعِ التَطْبيقِ العمليِّ (15), فكانَ هناكَ إخْتلالُ تَوازنٍ دُسْتُوريٍّ وفِعْليٍّ حقَّقَ فيها المَلكُ هَيْمنةً على الوزارةِ والبرلمانِ (مَجلسِ الأمَّةِ ) واالسُّلْطَةِ القَضائيَّة (16). حيثُ إنَّ تَطْبيقَ مَبْدأأِ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ لمْ يَشهدْهُ الواقعُ العَمَليُّ في دُسْتُورِ عامِ 1925م رُغمَ أنَّ شِكلَ االنِظامَ نيابيٌّ إلّا إنَّ تدخُّلُ المَلِكُ في إِخْتِصاصاتِ االسُّللُطاتِ االتَشْرييعِيَّةِ(17) واالتَنْفييذيَّةِ وحتى االسّلُلْطَةِ القضائيَّةِ(18), فقد أَخذَ بمَظاهرِ وقَواعدِ البَرلمانيَّةِ التقليدية , لكن تدقيق النصوص الدُسْتُوريَّة الخاصة بنِظام الحكم يظهر ترجيح كفة االسُّللْطَة االتَنْفييذيَّةِ على كَفةِ االسُّللْطَةِ االتَشْرييعِيَّةِ , إذْ لا يَظهرُ فَصْللٌ بَيْنَ االسُّللُطاتِ بلْ إختلالُ التَواازُنُ لصالحِ رَئيسِ الدَوْلَةِ (المَلكُ) على حسابِ كلٍّ منَ الوزارةِ ومجلسِ الأمّةِ. إضافةً إلى ذلكَ ذهبَ بَعْضُ الِفقهِ بإثارةِ السؤالِ الآتيَ وهوَ مَدى صِحَّةَ ما ذهبَ إليهِ المشرُّعُ في المادتين (113) و( 114)(19) عندَما ساوى بَيْنَ سُللطةِ االسُّللْطَةِ االتَشْرييعِيَّةِ في تَعْديلِ أو إِلْغاءِ القوانينَ النافِذةَ ، وبَيْنَ سُللطةِ المَحْكَمةِ العُليا في إصدارِ أحكامٍ بإلغاءِ تَشْريعٍ نافذٍ لِعدمِ دُسْتُوريتَّهِ ، ألَا يُمَثِّلُ ذلكَ إخْلالاً بمَبْدأأِ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ وتَعديًا منْ جانبِ المَحكمةِ العُليا على االسُّللْطَةِ االتَشْرييعِيَّةِ في مُمارسةِ إخْتِصاصَها ؟. كما نَستفيدُ منْ نصِّ المادةِ (86) أنَّهُ ليسَ منَ الضروريِّ أنْ يَصدُرَ الحُكمُ بإلغاءِ القانُونِ كلِّهِ، فقدْ يَقتَصِرُ الإلْغاءُ على بَعضِ النصوصِ الواردةَ فيهِ ، وذلكَ متى كانَت هذهِ النصوصُ لا تمَسُ جَوهرَ القانُونَ أمَّا إذا كانَتْ هذه النصوصُ جوهريَّةً فيهِ ، وهي التي صَدرَ القانُونُ منْ أجلِ تَقرَيرها ، أو كانت هذهِ النصوصُ مُترابطةً فيما بَيْنَها تَرابطاً لا يقبلُ التًجزِئَة . فعندئذٍ يجبُ أنْ يَصْدرَ الإلغاءُ شامِلاً للقانُونِ كلِّهِ وليسَ لجزءٍ منهُ. وتَطْبيقْاً لما سبقَ صَدَرَ حُكمِ المحكمةُ العُليا بِموجبِ الإرادةِ المَلكيَّةِ المُرقَّمةِ (367) لسَنةِ 1939م، الذي قرَّرتْ فيه أَنَّ المادَتين مُخالِفَتين لِلدُسْتُورِ... " (20) .

المَطْلَبُ الثانيُ
تَطْبيقُ مَبْدأأَ الفَصْللِ بَيْنَ السُّللُطاتِ في دَساتيرِ النِظامِ الجُمْهوريِّ قَبْلَ عامِ 2003م
أَوَّلًا / دُسْتُورُ عامِ 1958م
أمّا دُسْتُورُ االعِراقِ لعامِ 1958م فَقَدْ قرَّرَ نِظامًا جُمْهوريًّا (21), وَمَنَحَ االسُّللْطَةَ االتَشْريعِيَّةَ و االتَنْفيذيَّةَ لِمَجلسِ الوُزراءِ , لِذلكَ كانَ هناكَ غيابٌ لمَبْدأِ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ فالنُصوصُ الدُسْتُوريَّةُ لمْ تَتَضَمَّنْ موادًا تُبَيْنُ العَلاقةَ بَيْنَ السُللْطَتينِ االتَشْرييعِيَّةِ و االتَنْفييذيَّةِ (22) لذلكَ فقدْ عانَ الدُسْتُورُ مِنْ خَلَلٍ كَبيرٍ في تَطويرِ مَهامَّ المُؤَسَساتِ الدُسْتُوريَّةِ (23).
ثانِيًا / دُسْتُورُ 4 نَيْسانَ عامَ 1963م
أمّا دُسْتُور 4نَيْسانَ عام 1963م فقد حَصَرَ المَجلسَ الوطنيَّ لِقيادةِ الثَورةِ جَميعَ الصَلاحيَّاتِ االتَشْرييعِيَّةِ و االتَنْفييذيَّةِ وبَعضًا مِنَ الإِخْتِصاصاتِ القضائييَّةِ بَيْنَ يَديْةِ ولا وجودَ يُذكَرُ لمَبْدأأِ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ مطلقًا(24).
ثالِثًا / دُسْتُورُ 22 نَيْسانَ عامَ 1964م
كانَ الدُسْتُورُ مقتضبًا ويَحوي على سبعِ عشرةَ مادةٍ (25) ويَرَى بعضُ الفقهِ إنَّ هذا الدُسْتُورَ جاءَ مُعبِّرًا عنْ إرادةِ القابِضينَ على االسُّللْطَةِ أيْ رَئيسِ الجُمْهورِيَّةِ , وبشأنِ طَبيعةَ االنِظامَ السِياسيَّ فإنَّ جانبًا منَ الفِقهِ يَذهبُ إلى القولِ بأنَّ الدُسْتُورَ لمْ يَتَبَنَ االنِظامَ الرِئااسيَّ أو البَرلماانيَّ أو المَجْللِسِيَّ وإنَّما أخذَ بنِظامِ تَركيزِ االسُّلْطَةَ بِيَدِ رَئيسِ الجُمْهورِيَّةِ وبالفعلِ مَنحَ رَئيسَ الجُمْهورِيَّةَ صَلاحياتٍ واسِعةٍ تَفوقُ الصلاحيّاتِ الواردةَ في الدُسْتُور السابِقِ والذي كانَ دورهُ شَكليًّا بهِ ، أمَّا المؤسساتِ الدُسْتُوريَّةُ الموجودةُ إلى جانبهِ فهيَ مُؤسساتٍ شَكْليَّةٍ ولا دورَ لها في مُمارَسَةِ شُؤونَ الحُكمِ(26) أمّا االسُّللْطَةُ االتَشْرييعِيَّةُ فقدْ مَنَحَها الدُسْتُورُ للمَجلسِ الوطنيِّ لقيادةِ الثَورةِ في المادةِ الثالثةِ منه.
هذا على المُستوى النظريِّ أمّا الواقعُ فيُشيرُ إلى عَكسِ ذلكَ فَلمْ يَعقدُ المَجلسُ الوطنيُّ أيَّ جِلسةٍ للنظرِ في مشروعِ قانُونٍ أو غيرهِ كما لم يكنْ لهُ دَورًا أو مُشارَكةً أو فَعاليَّةً (27).
ويُفهَم مِمَّا تقدَّم أنَّ دُسْتُورَ 22 نَيْسانَ عام 1964م قدْ جَعلَ االسُّلْطَةَ االتَنْفيذيَّةَ في مَرْكزِ الصَدارةِ والمُتمثِّلةُ برَئيسِ الجُمْهورِيَّةِ بِسَببِ الصَلاحيّاتِ الوااسِعةِ التي يَتَمتَّعُ بها أمَّا االسُّلْلطَةُ االتَشْرييعِيَّةُ فكانَ دَورَها ثانويًا وهيَ تابِعةٌ لرَئيسِ الجُمْهورِيَّيةِ كما لا وجودَ لها على الواقعِ العمليِّ وعليهِ لامجالَ للحَديثِ هنا عَنِ هَيمنةِ االسُّللْطَةُ االتَشْرييعِيَّةُ . فقد أوْكَلَ مَهمةَ سنَّ القَوانينَ إلى مَجلسِ الوزراءِ وتُعرَضُ مَشروعاتِ القوانينَ على المجلسِ الوَطنيِّ لقيادةِ الثورةِ للتصديقِ عَليها لذلكَ فقدْ إجتَمعَت مَهمّاتِ السُللْطتينِ االتَشْرييعِيَّةَ واالتَنْفييذيَّةَ بِيَدِ مَجْلِسِ الوُزراءِ تَحْتَ طائلةِ التَصديقِ أو الإعتراضِ مِنْ قِبَلِ المَجلسَ الوطنيَّ, فللمجلسِ الوطنيِّ المُصادَقةُ على مشروعاتِ القَوانينِ التي يُقِرُها مَجلسُ الوُزراءُ فإذا أصرَّ مَجلسُ الوُزراءُ على رأيِهِ السابِقُ , فَلرَئيسِ الجُمْهورِيَّةِ حقَّ التَصْديقِ أو الرَفْضِ أو التَعْديلِ , ومنْ ثمَّ لا يوجَدُ مكانٌ لمَبْدأأِ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ في ظلِّهِ(28).

رابِعًا / دُسْتُورُ 29 نَيْسانَ عامَ 1964م
أمَّا بالنسبةِ إلى دُسْتُورِ التاسع والعشرين منْ نَيْسان 1964 فقدْ تمَّ إرساءِ نِظامٍ يقومُ على االفَصْلِ بَيْنَ االسُّلُطاتِ على نحوٍ مُتوازنٍ ومُتعاونٍ على غرارِ االنِظامِ البَرلمانيَّ(29) التقليديِّ مع وجودِ صَلاحياتٍ واسِعةٍ لرَئيسِ الجُمْهورِيَّةِ تَجعلُ من هذا االنِظامِ نِظامًا وَسَطًا بَيْنَ االنِظامينِ الرِئاسيِّ والبَرلمانيِّ ولكنَّ الواقعَ الدُسْتُوريَّ يؤكِّدُ بأنَّ رَئيسَ الجُمْهورِيَّةً ظلَّ مُحتًفِظًا بسُلُطاتِهِ ومُحاوَلةُ إنفرادهِ باالسُّلْطَةِ (30) .
خامِسًا / دُسْتُورُ عامِ 1968م
في ظلِّ دُسْتُورِ عامِ 1968م جَمَعَ مَجْلسُ قِيادةَ الثَورةَ بَيْنَ يَديهِ السُللْطَتينِ االتَشْرييعِيَّةِ واالتَنْفيذيَّةِ مَعَ الإعترافِ بوجودِ سُللطةٍ قَضائيَّةٍ مُستَقلَّةٍ وبهذا لا وجودَ لمَبْدأأِ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ في ظلِّهِ(31).
سادسًا / دُسْتُورُ عامِ 1970م
كانَ النصُّ في دُسْتُورِ عامِ 1970م على مَبْدأأِ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ بِشكلٍ االنِظاامِ االنِيابيِّ ظاهريًّا(32) وقَدْ أَخَذَ الدُسْتُورُ في البدايةِ بِجَوهرِ االنِظالمِ الرِئاسيِّ الذي يَقومُ على أَساسِ الدَمجِ بَيْنَ وَظيفتيْ رَئيسِ الدَوْلَةِ ورَئيسِ الحُكومةِ غَيرَ أنَّ تَعديلَ الدُسْتُورَ عامِ 1973 م قدْ أَعادَ إلى الوجودِ مَجلسَ الوزراءِ وبذلكَ إبْتعدَ االنِظلامُ السِياسيُّ بَعضَ الشَيءِ عَنْ االنِظاامِ الرِئاسيِّ, ولكنَّ التأكيدَ على دورِ رَئيسِ الجُمْهورِيَّيةِ يجعلُ نِظامَ الحكمِ نِظامًا مختلطًا, ولكنَّ الواقعَ الدُسْتُوريَّ والسِياسيَّ يُؤكِّدُ أنَّ االسُّللُطاتَ جَميُعها مُتركزةً بيدٍ واحدةٍ وهو رَئيسُ الجُمْهورِيَّةُ وحدهُ (33), حيثُ جعلَ الدُسْتُورُ منه سُللطةً تَشرييعيَّةً مُستقلَّةً لا تَخضعُ لأيَّ قيْدٍ في المادةِ (42) من الدُسْتُورِ(34).
سابِعًا / مشروعُ دُسْتُورُ عامِ 1990م
إنَّ مشروعَ دُسْتُورَ عامِ 1990م قد أقرَّ االنِظاامَ الرِئاسيَّ بنصِّ المادةِ الأُولى فأعْطى للرَئيسِ حقَّ الإعتراضَ التَشْريعيَّ على قَراراتِ المَجْلسِ, ولكنَّهُ أَعْطى خِلافًا لِخَصائِصِ االنِظاامَ الرِئاسيَّ حقَّ حَلَّ أيًّ مِنَ المَجْلِسِيّنِ (35), وقدْ أَعْطى هَيْمنةً لرَئيسِ الجُمْهورِيَّةِ على االسُّالُطاتِ الأُخرى منْ خلالِ الصَلاحياتِ الواسعةِ التي يَملكُها (36), مقابلَ تقييدِ سللطةَ المَجْلسَ الوطنيَّ في تَقديمِ مشاريعَ القَوانينَ (37), فلا يُمكنُ أنْ يكونَ هُنالكَ مَبْدأأٌ للفَصللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ إنْ لمْ يُشَرْ لَها أَوَّلًا وأنْ يتمَّ دَعْمَها بمشروعِ الدُسْتُورِ نَفسُه بلْ كانَ العكسُ وهذا ما كانَ واضِحًا من خلالِ توسيعَ صلاحيّاتِ رَئيسِ الدَوْلَةِ.


المَبْحَث الثاني
تَطْبيقْاتُ مَبْدأأِ الفَصْللِ بَيْنَ السُّللُطاتِ بعدَ عامِ 2003 م
بالرغمِ منَ النصِّ صَراحةً على مَبْدأْ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطات في الدَساتير التي صَدرتْ بعدَ عامِ 2003م إلّا أنَّه لا يوجدُ تَطْبيقٌ فِعْليٌّ لهذا المَبْدأِ والسببُ في ذلكَ بِجَعلِها االسُّللْطَةَ العُليا نَظريًّا (االسُّلْطَةُ االتَشْرييعِيَّةُ) التي تُمثِّلُ الشَعبَ وبالتالي تَنبثِقُ عَنها االسُّللُطاتُ الأُخرى بِحَيث تكونُ مسؤولةً أمامَها ، ولتوضيحِ ذلكَ سنُقسِّم هذا المَبْحَثَ إلى مَطْلَبَينِ نُخصِّصُ الأَوَّلُ إلى قانُونِ إدارةِ الدَوْلَةِ ااالعِراقِيَّةِ للمرحلةِ الإنْتِقاليَّةِ لعامِ 2004م، ونوضِّحُ في الثاني دُسْتُورُ عام 2005م.

المَطْلَبُ الأَوَّلُ
قانُونُ إدارةِ الدَوْلَةِ العِراقِيَّةِ للمرحلةِ الإنْتِقاليَّةِ لعام 2004م
نصَّ قانُونُ إدارةِ الدَوْلَةِ ااالعِراقِيَّةِ للمرحلةِ الإنْتِقاليَّةِ لعامِ 2004 م في المادةِ الرابِعةِ مِنهُ على : أنَّ (نِظامَ الحُكْمِ... ويَقومُ على أساسِ ... واالفَصْللِ بَيْنَ االسّلُلُطاتِ ...). وإذا عُدنا للنصِّ نَجدُ أنَّ القانُونَ قدْ تبنَّى االنِظامَ الجُمْهوريَّ في االعِراقِ للفترةِ الإنْتِقاليَّةِ شَكلًا للحُكمِ وأَخذَ باالنِظامِ الإتِّحاديِّ شَكلًا للدولةِ , كما بنى االنِظامَ السِياسيَّ فيهِ على أَساسِ االفَصْللِ بَيْنَ االسّلُلُطاتِ(38).
ويَتَضِحُ أنَّ هذا الدُسْتُورَ هو أولُ دُسْتُورٍ عراقيٍّ يَنِصُّ في أَحْكامهِ صَراحةً على مَبْدأأِ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ. لكنْ البعضُ منَ الِفقهِ إنتقدَ إيرادَ كلمةَ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ في المادةِ الرابِعةِ منَ الدُسْتُورِ ورأَى أنَّهُ منَ الصَوابِ إيرادُ كللمةَ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ ضِمنَ المادةِ التي تتعلَّقُ بتوزيعِ الإِخْتِصاصاتِ بَيْنَ سُللُطاتِ الدَوْلَةِ الإتِّحاديَّةِ الثلاثِ(39)، ولكنْ نتساءَلُ هنا عنْ طَبيعةَ االنِظامَ السِياسيَّ في هذا الدُسْتُورِ وهلْ طُبِّق مَبْدأأَ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ ؟.
البعضُ منَ الفقهِ الدُسْتُوريِّ االعِراقيِّ يَرى بأنَّ الدُسْتُوورَ لمْ يَأخذْ بمظاهرِ صورةٍ واحدةٍ منْ صُورِ النُظمَ االنِيابيَّةَ المعروفةُ وِفقًا لمَبْدأأِ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ ونَقصِدُ بذلكَ( االنِظامَ البرلمانيَّ, واالنِظامَ الرِئاسيَّ, واالنِظامَ المَجْلِسِيَّ ) وإنَّما أخذَ ببعضِ مَظاهرِ تلكَ الصُورِ وإنْ نصَّ في الفقرة الرابِعةِ والعشرينَ منهُ على أنَّها منفصلة. ومنْ خلال تحليلِ مَضامينَ الدُسْتُوورِ نجدُ بأنَّهُ قدْ أخذَ ببعضِ ملامحَ االنِظاامَ البَرللمانيَّ في معظمِ نُصوصهِ وبَعضَ مَلامِحَ االنِظالمَ المَجْلِسِييَّ فيما يتعلَّقُ برُجحانِ كفةَ االسُّللْطَةَ االتَشْرييعِيَّةَ (40).
وتَتمثَّل مظاهر هَيمَنةَ االسُّللْطَةَ االتَشْريعيِيَّةَ في قانُونِ إدارةِ الدَوْولَةِ للمرحلةِ الإنْتِقاليَّةِ بالأمورِ الآتيةِ :
1- إِخْتِيارُ مَجلسَ الرِئاسةَ بأَغلبيةِ الثلثينِ, وإقالةُ أيَّ عُضوٍ منَ أعضاءِ المَجلسَ بأَغلبيةِ ثَلاثِ أَرباعِ أَصواتِ أَعضائِها لعدمِ الكفاءةِ والنزاهةِ (م36 ف أ) .
2- وجوبُ حصولَ مَجلسَ الوزراءِ على ثِقةِ الجَمعيَّةِ بالأَغلبيَّةِ المُطلقةِ عِندَ تأليفِ الحكومةِ (م 38 ف أ)
3- مراقبةُ الجَمعيَّة لأداءِ الهيئاتِ االتَنْفيذيَّةِ ولها حقُّ إستجوابَ المَسؤولينَ التنفيذيينَ بمنْ فيهم أعضاءَ مَجلسَ الرئاسةَ ومَجلسَ الوزراءَ (م 33 ف ز).
4- مَسؤوليَّةُ رَئيسِ الوزراءِ أمامَ الجمعيَّةِ ولها سَحبَ الثِقةَ منْ رَئيسِ الوزراءِ أو الوزراءِ مُجتمعينَ أو مُنفردينَ (م40 ف ز ).
ويَتَّضِحُ مِمَّا تقدَّم أنَّ هذا الدُسْتُورَ رُغمَ أنَّهُ أولُ دُسْتُورٍ عراقيٍّ يَنصُّ في أحْكامهِ صَراحةً على مَبْدأأِ االفَصْلِ بَيْنَ االسّلُلُطاتِ, إلَّا أنَّ مِنْ حَيثِ الواقعَ التَطْبيقْيَّ نَجدُ أنَّ االسُّللْطَةَ االتَشْرييعِيَّةَ تُهَيمِنُ على االسّلُلْطَةِ االتَنْفييذيَّةِ, ولا يُوجَدُ تَواازنٌ بَيْنَهما.

المَطْلَبُ الثانيُ
دُسْتُورُ العِراق لعامِ 2005 م
إنَّ دُسْتُورَ االعِراقِ لعامِ 2005م نصَّ في المادةِ الأُلى منه على :إنَّ(جُمْهورِيَّة االعِراقِ دَوْلَةٌ إتِّحادِيَّةٌ... ) ونصَّت المادةُ السابعةُ والأربعينَ على : ( تَتَكَوَنُ االسُّللُطاتُ الإتِّحااديَّةُ ... تُماارِس إِخْتِصااصاتِها ومهمها على أَأساسِ مَبْدأأِ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ ). حيث نظَّمَ الدُسْتُورُ عملَ هذه ِاالسُّلُطاتِ فيما بَيْنَها وبَيَّنَ إِخْتِصاصاتها في البابَيْنَ الثالثَ والرابِعَ منهُ ، ( م 48 - 115 ) ، كما حَصَرَ الدُسْتُورُ إِخْتِصاصاتِ االسُّلُطاتِ الإتِّحاديَّةِ في المادة ( 110 ) في حينِ جَعلَ بعضَ الإِخْتِصاصاتِ مشتركةً بَيْنَ الحكومةِ الإتِّحاديَّةِ والأقليمِ في المادة (114), وسنُسلِّط الضوءَ على مدى تَطْبيقْ االفَصْلِ بَيْنَ االسُّلُطاتِ المشار إليها في نص المادة( 47) من الدُسْتُور , من خلالِ الْتَصَوُّرات الفقهيةِ والأحكامِ القضاائيَّةِ وعلى النحو الآتي:-
أَوَّلًا: الْتَصَوُّراتُ الفقهيَّةُ في طَبيعةِ النِظامِ السِياسيِّ في دُسْتُورِ عامِ 2005م
الْتَصَوُّرُ الأَوَّلُ:- يرى أنَّ االنِظامَ الذي تبنَّاهُ الدُسْتُوورُ هو نِظاامٌ برلتمانيٌّ ينضوي تحتَ طائفةِ االنِظامَ البَرلماانيَّ التقليديَّ في شِكلهِ وجَوهرهِ. حيثُ أعلنَ الدُسْتُورُ صَراحةً تبنّيه للنِظاامِ البرالمانيِّ ، و أخذَ بالأُسسِ العامّةِ التي يُرتَكزُ عليها في النُظمِ البرالمانيَّةِ التقليديَّةِ من حيثِ الأخذِ بثنائيَّةِ االسُّللْطَةِ االتَنْفييذيَّةِ إضافةً إلى االفَصْللِ المرِنِ بَيْنَ السُللطتينِ االتَشْرييعِيَّةِ واالتَنْفييذيَّةِ.
امَّا الْتَصَوُّرُ الثانيُ:- فيرى أنَّ االنِظاامَ الذي أخذَ به الدُسْتُورُ هو نِظاامٌ برلماانيٌّ مُتطوِّرٌ يقتربُ إلى حدٍّ ما منَ االنِظاامِ شبهِ الرِئااسيِّ .إذ يتمتعُ رَئيسُ الجُمْهورِيَّةُ بإِخْتِصااصاتٍ فِعليَّةٍ يمارسُها بنفسهِ من دونِ مشاركةِ وزرائهِ، كما أنَّ االفَصْللَ بَيْنَ شَخصيَّة رَئيسِ الدَوْلَةِ وشخصيَّةَ رَئيسِ مَجلسَ الوزرااءِ لا يَعني أنَّ الدُسْتُوورَ مَنحَ مَجلسَ الوزرااءَ الإِخْتِصااصاتَ المعروفةَ في االنِظاامِ البرلماانيِّ ، إذ جعلَ االسُّللْطَةَ االتَنْفيذيَّةَ لرَئيسِ الجُمْهورِيَّةَ وبجانبهِ هيأةٌ ( مجلسَ الوزرلاءِ) يرأسَها رَئيسِ الوزرلاء (41) .
فيما يرى الْتَصَوُّرُ الثالثُ:- أنَّ االنِظامَ الذي جاء به الدُسْتُورُ نِظاامٌ مجللسيٌّ ، إذ عملَ المشرِّعُ على تركيزِ االسُّللْطَةَ لصالحِ االسُّللْطَةِ االتَشْريعيِيَّةِ متمثلةً بِمجلللسِ النوابِ . وجمعَ لمَجللسَ النوابِ السللطتينِ االتَشْريعِيَّيةِ و االتَنْفييذيَّةِ . غير أنَّ مجيلسَ النوابِ وإنْ كان يملك هاتينِ السللطتينِ ، إلّا أنَّه يُمارِسُ بشكلٍ رئيسيٍ وظيفةَ التشريعِ ، ويترك لطرفيِ االسّلُلْطَةَ االتَنْفييذيَّةَ (رَئيسِ الجُمْهورِيَّةَ ومَجلسَ الوزراءَ ) ممارسةَ مهامَ االسّلُلْطَة االتَنْفيذيَّةَ ، ويتدخَّل مجلس النوااب من خلال عدة إِخْتِصااصات تدخل في ميدان االسُّللْطَة االتَنْفيذيَّة ، ومنها إِخْتِيار رَئيسِ الجُمْهورِيَّة ، ومَنْحْ الثقة لمجلس الوزرااء ( رئيسًا وأعضاءً ) ومراقبة عمل الجهازين التنفيذيين ومُسائلتهم أمامه ، والموافقة على تعيين كبار الموظفين ، ومن ثم فإن الدُسْتُور قد رجَّح كفة مجلس النواب على الحكومة ، ومنح المجلس مركزاً دُسْتُورياً خاصاً .
أمَّا الْتَصَوُّر الرابِع فَيَرى:- أنَّ الدُسْتُورَ أوْجَدَ نِظاامًا هجينًا، أسااسَه االنِظامُ البرلماانيُّ ، ولكنَّه مُطعَّم بقواعد من االنِظاامين المَجْلِلسِيُّ والرِئااسيُّ ، وإذا أردنا التقريب والتبسيط ، فإنَّ االنِظام الذي أقامه الدُسْتُور هو االنِظاامُ البرلماانيُّ بِهَييمنة مَجلسيهِ ، وهو أضعف الأَنْظِمَة .
أمَّا الْتَصَوُّرُ الخامسُ:- والذي نؤيِّدهُ كونّه يتَّسمُ بالدِّقهِ والموضوعيَّةِ في تفسيرِ طبيعةِ االنِظاامِ السِياسيِّ فَيَرى أنَّ الدُسْتُوورَ لمْ يأخُذْ بنِظاامٍ برللمانيٍّ خاللصٍ، فهذا االنِظااامُ يفترضُ وجودَ علاقةٍ أُفقيَّةٍ بَيْنَ المؤسساتِ الدُسْتُووريَّة التي تمارِسُ االسُّللْطَةَ ، أمَّا في االعِراقِ فقد كانت العلاقةُ بَيْنَ المؤسساتِ التي تُمارِسُ االسُّلْطَةَ علاقةً عموديَّةً متَدرجةً فعلى قمَّة الهرم يوجدُ مجلسَ النوّاب وبعدَه رَئيسُ الجُمْهورِيَّةُ ، ثم مجلسُ الوزراءُ ، إذ تَضَمَّن الدُسْتُورَ قواعدَ تُجسِّد االنِظاامَ المُختلَط الذي يَجمعُ مظاهرَ االنِظاامَ البرلماانيَّ واالنِظاامَ الرِئااسيَّ ، وأخذَ في ذاتِ الوقتِ ببعضِ مظاهرِ االنِظامِ المَجْلِسِيِّ (نِظامَ حكومةَ الجمعيةَ االنِيابيّة)(42)، وبذلك يكون االنِظاامُ السِياسيُّ في دُسْتُورِ عامِ 2005م قد خَرَجَ على مَبْدأأِ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ.
إنَّ الدُسْتُور وإنْ نصَّ على االنِظام االنِيابيِّ البرلمانيِّ إلّا إنَّ من تحليلِ النصوصِ الدُسْتُووريَّةِ نجدُ بأنَّه قد خرَجَ عن القواعدَ العامةَ لذلك االنِظاام من خلال إختلاال التَواازُنْ بَيْنَ السللطتينِ االتَشْرييعِيَّةِ واالتَنْفييذيَّةِ لصالِحِ الأُولى(43) , وبالتالي فإنَّ االنِظاام السِيااسيِّ في دُسْتُورِ عامِ 2005 م هو نِظاامٌ نيابييٌّ يجمعُ ملامحَ االنِظاامين البرلماانيِّ والمَجْلِلسِيِّ.
امَّا بشأن هيمنت االسُّللْطَة االتَشْرييعِيَّةِ وبالتحديدِ مجلسَ النواابِ فإنَّ الدُسْتُورَ قد تَضمَّن تلكَ الهيمنَه بدلالةِ الإِخْتِصاصات التالية:-
1- إتِّساعِ سللطتهِ في مماارسةِ الإِخْتِصاصااتِ االتَشْريعِيَّةِ, وبالتحديد القوانين الماليةِ وغيابِ أيَّ وسيلةٍ تُلزِم مجلسَ النواابِ من إكمالِ التشريعاتِ المطلوبةِ.
2- التدخُّل في ميدانِ الوظيفةِ االتَنْفيذيَّةِ.
3- تعديلُ الدُسْتُورَ.
4- مسائلةُ رَئيسَ الجُمْهورِيَّةَ و رَئيسَ مجلسَ الوزراءَ و الوزراءَ(44) .
5- ممارسة بعضَ الوَظائِفَ االتَنْفيذيَّةَ سواءً في ظلِ الظروفِ الإعتياديةِ أم في الظروف الإستثنائيَّةِ كالموافقة على إعلان الحرب وحالة الطوارئ.
6- الحلّ الذاتي للبرلمان .
7- إتِّساع إِخْتِصاصاته في المجال الرقابي على رَئيسِ الجُمْهورِيَّة والخروج عن قواعد االنِظاام البرلماني عبْر مسائلته سياسياً إضافةً إلى المسائلة الجنائية ومسائلة رَئيسِ مجلس الوزراء والوزراء سياسياً.

كما تتجسَّد مظاهر إختلال التَواازُنْ وضعف مركز االسُّللْطَة االتَنْفيذيَّة في الآتي:-
1- االسُّللْطَة المحدودة التي يُمارِسها مجلس الوزراء.
2- تجريد مجلس الوزراء من أيِّ وسيلةٍ دُسْتُوريَّة فاعلةٍ يستطيعُ من خلالها التأثير على مجلس النواب(45) .

ثانِيًا: التَطْبيقاتُ القَضائِيَّة
من التَطْبيقْات القضائية التي توضح الخروج من بعض االسُّلُطات على مَبْدأأْ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطات هي قرار المحكمة الإتِّحاديَّة الذي ذهبَ إلى أنَّهُ :- ( لَيْسَ لمَجللسِ النوّاب أنْ يُصدِرَ قراراتٍ تَختَصُّ بها االسُّللْطَةُ االتَنْفيذيَّةُ إذ يتَمثَّل دورهُ في مُراقبَة أداءَ االسُّللْطَةَ االتَنْفييذيَّةَ ولا يقومُ بأداءِ مَهامِها ، كما أنَّ ذلك يُخالِفُ مَبْدأأَ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطاتِ الذي أَخَذَ بهِ دُسْتُوورُ جُمْهورِيَّةُ االعِراقِ)(46).
وفي قرارٍ آخر للمحكمة ذهبت فيه إلى إنَّ :- (نص المادة(4/أَوَّلًا) الوارد في قانُونْ هيئة النزاهة رقم (30 لسنة 2011) يُمثِّل خرقاً لمَبْدأأْ االفَصْللِ بَيْنَ االسّلُلُطات وتجاوز على إِخْتِصاصاات االسّلُلْطَة االتَنْفييذيَّة وخروج على الصلاحيات المناطة بمجلس النوااب في المادة(61) من الدُسْتُور لذلك فهو غير دُسْتُوري) حيث منح هذا النص الحق لمجلس النواب أيّ أنَّ مجلس الوزراء يتولى الترشيح وإنَّ مجلس النواب يتولى المصادقة على الترشيح من المؤَهلين للمناصب المذكورة لذا فلا يجوز إعطاء حق الترشيح والمصادقة عليه لجهة واحدة فإنَّ ذلك يُعدُّ خرقاً لمَبْدأأْ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطات الذي نصت عليه المادة(47) من الدُسْتُور (47).
الخاتِمَة
أَوَّلًا : النَتائِج
في ختام بحثنا لموضوع تَطْبيقْ مَبْدأْ االفَصْلِ بَيْنَ االسُّللُطات في الدَساتير ااالعِراقِيَّة توصَّلنا إلى بعض النتائج هي ثمرة هذه الدراسة، وسنورد أهمَّها إتماماً للفائدة العلمية والعملية وهي:-
1- إنَّ النصَّ على مَبْدأأْ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطات في الدَساتير له أهَمِيَّة كبيرة فهو يُعدُّ حجر الزاوية في الأَنْظِمَة الديِمُقْراطِيَّة إلّا إنَّ تَطْبيقْه له الأهَمِيَّة الأكبر وهذا التَطْبيقْ يختلف بإختلاف طبيعة وشكل الديِمُقْراطِيَّة االنِيابيّة السائدة في الدَوْلَة والمتلائمة مع أوضاعها وظروفها.
2- إنَّ من دراسة الواقع الفعلي في دساتير االعِراق قبل عام2003 يُبَيْنَ عدم وجود مَبْدأأْ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطات بسبب هيمنت إحدى االسُّللُطات على باقي االسُّللُطات, أمّا الدَساتير بعد عام 2003 أشارت إلى مَبْدأأأْ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطات بشكل صريح.
3- تبَيْنَ لنا من خلال الدراسة أنَّه وبالرغم من النص صراحةً على مَبْدأْ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّلللُطات في قانُونْ إدارة الدَوْلَة للمرحلة الإنْتِقاليَّة لعام 2004 إلَّا إنَّ الواقع العملي يشير إلى إنَّ االسُّللْطَة االتَشْريعِيَّة لها هيمنت على باقي االسُّللُطات .
ثانِيًا : التَوْصِيات
1- ندعو المشرِّع الدُسْتُوري إلى تعديل بعض المواد التي تخلُّ بمَبْدأْإ االفَصْللِ بَيْنَ االسُّللُطات في دُسْتُور 2005 والتي تمنح االسُّلللْطَة االتَشْريعِيَّة صلاحيات واسعة تجاه االسُّللْطَة االتَنْفيذيَّة .
2- نأمل من المشرِّع الدُسْتُوري الأخذ بنظر الإعتبار في الأحكام القضائية الصادرة من المحكمة الإتِّحاديَّة العليا والتي أوضحت الخرق الواضح لمَبْدأْإ االفَصْللِ بَيْنَ االسّلُلُطات الذي نصَّت عليه المادة (47) من دُسْتُور عام 2005 .
***وآخِرُ دَعْوانا أنِ الحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمين***

الهوامش

تحميل الملف المرفق Download Attached File

تحميل الملف من سيرفر شبكة جامعة بابل (Paper Link on Network Server) repository publications

البحث في الموقع

Authors, Titles, Abstracts

Full Text




خيارات العرض والخدمات


وصلات مرتبطة بهذا البحث