معلومات البحث الكاملة في مستودع بيانات الجامعة

عنوان البحث(Papers / Research Title)


التنظيم القانوني للتعيين في التشريعات العراقية


الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)

 
باسم جاسم يحيى الفتلاوي

Citation Information


باسم,جاسم,يحيى,الفتلاوي ,التنظيم القانوني للتعيين في التشريعات العراقية , Time 9/30/2021 6:00:02 PM : كلية العلوم الاسلامية

وصف الابستركت (Abstract)


التنظيم القانوني للتعيين في التشريعات العراقية

الوصف الكامل (Full Abstract)


" التنظيم القانوني للتعيين في التشريعات العراقية "
مدرس مساعد باسم جاسم يحيى
جامعة بابل / كلية العلوم الإسلامية
07818003848
basimjasim79@gmail.com


" Legal Regulation Of Appointment In Iraqi Legislation "
BASIM JASIM YAHYA Asst.Lect.
University Of Babylon/The College Of Islamic.Sciences
07818003848
basimjasim79@gmail.com

الكلمات المفتاحية: التَنْظِيم, التَعْيين, إجْراءات, الرِقابَة, الشُروط .
Keywords: Regulation, Appointment, Procedures, Control, Conditions.

المُلَخَّص
يُعَدُّ التَعْيين في الوَظيفَة العامَّة من الموضوعات المهمَّة في العصر الحديث, خاصةً بعد تطوُّر دور الدَوْلَة وإنتقالها مِنَ الدَوْلَة الحارسة الى الدَوْلَة التي تُقدِّم خدمة للشعب مِنْ خلال ممارستها لأنشطتها المرفقية عن طريق أدواتها المختلفة, ويُعَدُّ المُوَظَّفين العموميين أدواتها التي تُمارِس مِنْ خلالهم هذه الأنشطة فهم يُمثِّلونها ويعملون لحسابها وبالتالي فإنَّ نجاحها مُتوقِّفٌ على حُسْنِ إختيارها لموظَّفيها, فنظَّمت التَشْريعات المختلفة شروط وإجْراءات وآليات تَعْيينِهم ومراكزهم القانونِيِّة مسبقًا وفرضت على كلِّ ذلك أدواتها الرِقابيّة المختلفة ضمانًا لتحقيق العدالة والمساواة بين المتقدِّمين وصيانةً لمبدأ المَشْروعيَّة.
فلموضوع التَنْظِيم القانونِيِّ للتَعْيينِ في التَشْريعات االعِراقيّة أهميَّة كبيرةً كونه يُسلِّط الضوءَ على كيفية تَنْظِيم هذه التَشْريعات لهذه العَمَليَّة المهمة, خاصّةً وأنَّ المُوَظَّف العام هو واجهة الدَوْلَة ونجاحها في ممارسة أنشطتها مرهونٌ بحُسْنِ إختيارها لموظَّفيها وعلى أساس الكفاءة وبما يضمن العدالة والمساواة بين الجميع. ولكن بالرغم من تلك الأهميَّة إلّا أنَّ هذه التَشْريعات ماتزالُ عاجزةً عن التَنْظِيم الدقيق لهذه العَمَليَّة للوصول بها الى مستوى الطموح من الجودةِ والرقيِّ.
الكلمات المفتاحية: التَنْظِيم, التَعْيين, إجْراءات, الرِقابَة, الشُروط .







Abstract
Appointment In Public Office Is An Important Subject In The Modern Era, Especially After The Development Of The Role Of The State And Its Transfer From The Custodial State To The State That Provides Service To The People Through The Practice Of Its Annexation Activities Through Its Various Tools. The Public Servants Prepare Their Tools Through Which They Practice These Activities For Its Own Account And Therefore Its Success Depends On The Good Selection Of Its Employees. The Various Legislations Have Regulated The Conditions, Procedures And Mechanisms Of Their Appointment And Their Legal Positions In Advance And Imposed All Their Various Regulatory Tools To Ensure That Justice And Equality Of Applicants And The Maintenance Of The Principle Of Legality.
The Issue Of The Legal Organization Of Recruitment In Iraqi Legislation Is Of Great Importance Because It Highlights How To Organize This Legislation For This Important Process, Especially Since The Public Servant Is The Front Of The State And Its Success In Practicing Its Activities Depends On Its Good Choice Of Its Employees And On The Basis Of Efficiency And Ensuring Justice And Equality Among All. However, Despite This Importance, This Legislation Is Still Unable To Accurately Organize This Process To Reach The Level Of Ambition Of Quality And Progress.
Keywords: Regulation, Appointment, Procedures, Control, Conditions.






المقدِّمة
أولًا : التعريف بالبَحْثِ وأهَميتَّه
تُمارِس الدَوْلَة أنشطتها المختلفة بوساطة موظَّفيها, ومن ثمَّ يكون هؤلاء المُوَظَّفون أداتها لتحقيق أهدافها, وفي ضوء الإعتبارات المختلفة المتَّصِلة بمبدأي المساواة والكفاءة ومقتضياتهما نجد أنَّ المشرِّع االعِراقيّ يسعى إلى وضع الضَوابِط والشُروط التي يَلزَم عدم الخروج عنها . فمِن غير الجائز أنْ تُترَك عملية تعيين المُوَظَّفين العموميين تتم بصورةٍ عشوائيةٍ حسبَ أهواء الرؤساء الإِداريَّين , ومن ثمَّ يلزَم وضع مجموعةٍ من الضَوابِط والشُروط لشغل الوَظائِف العامَّة لتحقيق الاهداف المرجوَّة من الجهاز الإِداريَّ , إذ يجبُ عدم التمييز والتفرقة بين بين الأفراد الَّذين تتوافر فيهم شروط تولِّي الوَظيفَة العامَّة , بمعنى المساواة بينهم في الحصول على الوَظيفَة العامَّة .
حيث يُعتبر موضوع التَعْيين في الوَظائِف العامَّة مِن أخطر الموضوعات في العمل الإِداريَّ لِما يُمكِن أنْ يشوبها عيبٌ أو إنْحِراف في إسْتِعْمال السلطة من الجِهَة المخوَّلة قانونًا بالتَعْيين .
ثانيًا : مشكلة البحث
بما إنَّ الوَظيفَة العامَّة هي حقٌ لكلِّ مواطنٍ عراقيٍّ وذلك بنصِّ دُسْتور جُمْهوريَّة االعِراق الحالي لعام2005(1) فيكون التَعْيين هو الوسيلة التي يستطيع الفَرْد مِن خلالها الوصول إليها, فإذا كان المتقدِّم لشغلها مؤهَّلًا للحصول عليها فيجب أنْ يُمكَّن منها وبما يتلائم مع كفائته. فمشكلة البحث تتمحوَّر حول هل فِعْلًا حقَّقت التَشْريعات االعِراقيّة العدالة والمساواة بين جميع المواطنين االعِراقيّين في الحصول على الوَظيفَة العامَّة, ووضعت الضَوابِط والشُروط الكفيلة بتحقيق ذلك, وأوجدَت السُبُل الكفيلة بعدم تعسُّف الإدارة أو إنْحِرافها في إسْتِعْمال سلطتها في التَعْيين وأخضاعها لوسائل رقابية.


ثالثًا: منهجية البحث
لقد إتَّبعتُ في كتابة هذا البحث منهجًا موضوعيًا تحليليًا, إذ تناولتُ موضوع التَعْيين كدراسة تحليلية للتشريعات االعِراقيّة التي تناولتْ التَعْيين في وظائف الدَوْلَة كقانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة رقم 24 لسنة 1960 المُعَدَّل(2) , وقانون االخِدْمَة الجامِعِيَّة رقم 23 لسنة 2008 المُعَدَّل(3), وقانون االخِدْمَة الخاجية رقم 45 لسنة2008(4) وبعض التَشْريعات الأُخرى .

رابعًا : خطة البحث
إقتضتْ طبيعة البحث تقسيمه إلى مبحثين: في المبحث الأَوَّل منه سأتناول مفهوم التَعْيين مُقسَّمًا إلى مطلبين, سيكون المَطْلَب الأَوَّل مُخصَّصًا للتعريف بالتَعْيين وطبيعته القانونِيِّة وضمن فرعين , الفَرْع الأَوَّل للتعريف بالتَعْيين, والفَرْع الثانِيّ لطبيعته القانونِيِّة . أمّا المَطْلَب الثانِيّ فسيكون مُخصَّصا لبيان شروط التَعْيين وضمن فرعين, الفَرْع الأَوَّل لبيان الشُروط المُتعلِّقة بطالب التَعْيين, والفَرْع الثانِيّ لبيان الشُروط المُتعلِّقة بالجِهَة الإِداريَّة التي تتولّى التَعْيين . أمّا المبحث الثانِيّ فسيُخصَّص لبيان إجْراءات التَعْيين والرِقابَة على قراره وضِمن مطلبين , المَطْلَب الأَوَّل لبيان إجْراءات التَعْيين وضِمن فرعين, الفَرْع الأَوَّل لإجْراءات التَعْيين في الوَظائِف الخاصة, والفَرْع الثانِيّ لإجْراءات التَعْيين في الوَظائِف غير الخاصة, أمّا المَطْلَب الثانِيّ فسأُبيِّن فيه الرِقابَة على قرار التَعْيين وضِمن فرعين, الفَرْع الأَوَّل سأُبيِّن فيه ماهيَّة الرِقابَة , والفَرْع الثانِيّ سأُورِدُ فيه التطبيقات القَضائِيَّة المتعلِّقة بالتَعْيين , ثم أختِمُ ذلك بخاتمةٍ موضِّحًا فيها أهم النتائج التي توصَّلتُ لها وبعض التوصيات .





المَبْحَثُ الأَوَّل
مفهوم التَعْيين
لمْ تَعُدْ الوَظيفَةُ العامَّةُ(5) مُقْتَصرةً على فئة معينَّة من المواطنين كما كان في الماضي, بل أصبحت حقًّا عامًّا يتمتع به المواطنون على قِدَم المساواة . وقد أدّى إنتشار التعليم ومجانيَّته إلى جعل هذه المساواة حقيقية وفعلية بعد أنْ كانت مجرد مبدأ نظري, الأمر الَّذي ترتب عليه نتيجةً بالغة الأهميَّة وهي زيادة عدد الصالحين لتولي الوَظائِف العامَّة زيادة هائلة(6).
كما يُلاحَظ أنْ يُراعى تطبيق مبدأ المساواة الدُسْتوري في عموم الدَوْلَة للتَعْيينِ في الوَظيفَة العامَّة, فلا يجوز التمييز والتفرقة بين المواطنين أمام حق التَعْيين سواء كان ذلك التمييز بسبب الجنس أو الأصل أو المعتقد أو الإنتماء إلى طبقة إجتماعية معينة(7).
وهذا ما نصَّ عليه دُسْتور جُمْهوريَّة االعِراق الحالي لعام 2005, إذ نصَّت المادة (14) منه على أنَّ "االعِراقيّين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس , أو العرق ,أو القومية ...." وكذلك نصَّت المادة (16) منه على انَّ " تكافؤ الفرص حقٌّ مكفول لجميع االعِراقيّين, وتكفل الدَوْلَة إتخاذ الإجْراءات اللازمة لتحقيق ذلك ".
ولبيانِ مفهوم التَعْيين سنُقسِّم المَبْحَث إلى مَطْلَبين: المَطْلَب الأَوَّل للتعريف بالتَعْيين وطبيعته القانونِيِّة, والمَطْلَب الثانِيّ للشروط القانونِيِّة للتَعْيينِ .






المَطْلَب الأَوَّل
التعريف بالتَعْيين وطبيعته القانونِيِّة
لتوضيح هذا المَطْلَب لابدَّ من تقسيمه إلى فرعين, في الفَرْع الأَوَّل نتناول التعريف بالتَعْيين, وفي الفَرْع الثانِيّ نبيِّن الطبيعة القانونِيِّة للتَعْيينِ .
الفَرْع الأَوَّل
تعريف التَعْيين
أولًا: التَعْيين لغةً: له معنيان الأَوَّل, إسمٌ(تعيين), مصدر عُيِّنَ: أي تم تَعْيينِه في وظيفة جديدة(تنصيبه , تسميته ), تعيين الأهداف ك أي تحديدها. والثانِيّ, فعلٌ (عَيَّنَ): عَيَّنَ , يُعيِّنُ, تعيينًا فهو يُعَيِّن والمفعول مُعيَّن. عيَّنَ الرجل: أي أخذ أو أعطى بالعيِّنة : أي السَلَف(8).
ثانيًا: التَعْيين إصطلاحًا: لم يُشِرْ المشرِّع االعِراقيّ إلى تعريف التَعْيين سواء في قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة رقم 24 لسنة 1960 المُعَدَّل أم في التَشْريعات الأخرى وإكتفى فقط بالإشارة إلى مصطلح التَعْيين في المادة السابعة من قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة المذكور أعْلاه والتي جاء فيها: " لا يُعيَّن لأول مرة في الوَظائِف الحكومية إلّا مَن كان ... ". وكذلك ورد ذكره في المادتين (5) و(6) من قانون االخِدْمَة الجامِعِيَّة رقم 23 لسنة 2008 المُعَدَّل اللتان نصتا على : م5 " يتولى وزير التعليم العالي والبحث العلمي أو مَن يُخوِّله ما يأتي: أولًا- تعيين أو إعادة تعيين مَن تتوفر فيه شروط التَعْيين في االخِدْمَة الجامِعِيَّة في مركز الوزارة ...". م6 " اولًا- يتولّى رئيس الجامعة أو الهيأة أو المَرْكَز أو من يخوله وبتوصية من مجلس الجامعة أو الهيأة أو المَرْكَز:1- تعيين أو إعادة تعيين مَن تتوفر فيه شروط التَعْيين في االخِدْمَة الجامِعِيَّة. 2- نعيين المُوَظَّفين من الفنيين والإِداريَّين ...", وكذلك في المادة (4) من قانون االخِدْمَة الخارجيَّة رقم 45 لسنة 2008 والتي نصَّت على : " أولًا- يُعيَّن المُرشَّح المستوفي للشروط في السِلْك الدِبْلوماسيّ لأول مرة بعنوان ملحق بقرار من الوزير...". ويمكن تفسير ذلك بأنَّ المشرِّع قد ترك أمر تعريف التَعْيين إلى الفقه ليتولّى هذه المهمة.
وقد أورَد الفقه القانونِيِّ عدَّة تعريفات لمصطلح التَعْيين منها :- دخول الفَرْد للوظيفة العامَّة لأول مرة وشغل أُولى درجاتها الوظيفية(9), وقد عرَّفه البعض بأنَّه :- إجراءٌ تتخذهُ السلطاتُ المتخصِّصةُ قانونًا لتقليد وظيفة من الوَظائِف إلى الشخص الَّذي يطلب العمل وتوافرت فيه الشُروط القانونِيِّة لشغل تلط الوَظيفَة(10), أو هو الإجراء الَّذي تتخذه الإدارة بقصد إسناد وظيفةٍ ما للمُوَظَّف(11). وممّا تقدَّم يمكن تعريف التَعْيين بأنَّه:- عملٌ إداريٌّ قانونيٌّ فرديٌّ يصدرُ مِن السلطةِ المختصَّةِ يتمُّ بموجبهِ إنشاءُ مركزٍ قانونيٍّ لشغلِ الوَظيفَة العامَّة , وذلك من أجل غايةٍ أساسية هي تمكين الفَرْد من أداء مهام الوَظيفَة بكفاءة خدمةً للمصلحة العامَّة .
ولم يُعرِّف القضاء االعِراقيّ التَعْيين وأكتفى في قراراته بالإشارة إلى توافر شروطه أو عدم توافرها.

الفَرْع الثانِيّ
الطبيعة القانونِيِّة للتَعْيينِ
ممّا لاشكَّ فيه أنَّ قرار التَعْيين يُعدُّ عملًا إداريًّا قانونيًّا فرديًّا يترتب عليه خضوع المُوَظَّف العام(12) لمَرْكَزٍ قانونيٍّ تَنْظِيميٍّ تُحدِّده القواعد القانونِيِّة المُحدَّدة سَلفًا, أي أنَّ المُوَظَّف في مَرْكَز تَنْظِيمي يخضع لما تضعه الدَوْلَة من قواعد لتَنْظِيم هذا المَرْكَز دون أن يكون للمُوَظَّف الحق في الإعتراض عليها طالما إلتزمتْ بالقَوانين والأنْظِمَة التي تحكم مَرْكَزه, ويترتب على إنَّ المُوَظَّف في مَرْكَزٍ تَنْظِيميٍّ نتائجَ مهمَّةٍ منها(13):- أولًا:- لا أثر لرضا الشخص أو موافقته في ترتيب الآثار القانونِيِّة لتَعْيينِه في المَرْكَز الوظيفي , وواجبات ومسؤوليات وحقوق المُوَظَّف تُحدِّدها الدَوْلَة بغض النظر عمَّن سيشغل الوَظيفَة, وبعد صدور قرار التَعْيين تترتب آثار المَرْكَز القانونِيِّ الَّذي حدَّده القانون للمُوَظَّف. فإرادة المُوَظَّف لا دخل لها في تحديد المَرْكَز القانونِيِّ وآثاره بل إنَّ القَوانين والأنْظِمَة هي التي حدَّدتها, ولا دخل لها كذلك في إنهاء هذا المَرْكَز القانونِيِّ فتقديم المُوَظَّف طلبًا للإستقالة لا يُنهي علاقته الوظيفية بل يظل موظَّفًا حتى بعد تقديم الطلب ولحين البت فيه من قِبَل الإدارة بالقبول بقرار صريح أو ضمني , أمّا الإدارة فإنّها تستطيع أنْ تنهي العلاقة بين المُوَظَّف والوَظيفَة إذا رأت أنَّ بقائه فيها يُشكِّل ضررًا بالمَصْلَحَة العامَّة.
ثانيًا- تسري على المُوَظَّف التعديلات التي تتم على قوانين وأنظمة االخِدْمَة التي تُنظِّم مَرْكَزه, ولا يتوقَّف سريانها على رضاه, لأنَّه في مركز تَنْظِيمي ويخضع لهذا المَرْكَز الَّذي تملك الدَوْلَة وحدها سلطة إنشائه وتعديله وإلغائه طالما كانت هذه التعديلات تقتضيها المَصْلَحَة العامَّة.
ثالثًا- لا يجوز للإدارة مخالفة الأحكام المُتعلِّقة بالمَرْكَز التَنْظِيمي للمُوَظَّف وليس لها أن تنتقص شيئًا ممّا ينص عليه حتى ولو كان ذلك بصيغة الإتِّفاق مع المُوَظَّف, فالمَرْكَز الوظيفي مُلزِم للطرفين للمُوَظَّف وللإدارة ويُعدُّ باطلًا أيَّ إتفاقٍ يُخالفه لأنَّه من النظام العام .

المَطْلَب الثانِيّ
شروط التَعْيين
هنالك عدة شروط يجب أنْ تتوافر في عملية التَعْيين حتى تُرتِّب أثرها القانونِيِّ, وهذه الشُروط منها ما هو مُتعلِّقٌ بمَن يروم التَعْيين , ومنها ما يتعلَّق بالجِهَة المخوَّلة بذلك , وللإحاطة بتلك الشُروط لابدَّ من تقسيم هذا المَطْلَب إلى فرعين: نُخصِّص الفَرْع الأَوَّل منه للشروط الخاصة بطالِب التَعْيين, والفَرْع الثانِيّ للشروط المتعلِّقة بالجِهَة الإِداريَّة التي تتولّى التَعْيين وكالآتي :
الفَرْع الأَوَّل
الشُروط الخاصة بطالِب التَعْيين
هنالك عدة شروط حدَّدها المشرِّع االعِراقيّ والتي يَلزَم توافرها فيمَنْ يروم التَعْيين في وظائف الدَوْلَة , وهذه الشُروط هي: أولًا- الجنسية: وهي رابطة قانونية وسياسية بين الفَرْد والدَوْلَة, توجِب عليه الولاء لها وتوجِب عليها حمايته(14), وهو أولُ شرطٍ إشترطه المشرع االعِراقيّ في المتقدِّم للتَعْيينِ, وأغلب الدول الحديثة تشترط فيمَن يتقدَّم للتَعْيينِ في الوَظائِف العامَّة أن يكون حاملًا لجنسيتها, وذلك لأنَّ المُوَظَّف العام يعمل بإسم الدَوْلَة ولحسابها ويُمثِّل قوَّتها ويعرف أسرارها, كما إنَّ الوَظيفَة العامَّة تُعدُّ مصدرًا للحقوق والإمتيازات المالية والوظيفية التي يتمتع بها المُوَظَّف العام والمواطنون هم بالتالي الأحقُّ بها من الأجانب(15) .
كما إنَّ الدَوْلَة تضع هذا الشرط لأسباب سياسية وأمنية إلّا في حالة الضرورة عند نقص الخبرة أو الكفاءة لتولِّي وظيفةٍ ما. وقد حدَّد قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة رقم 24 لسنة 1960 المُعَدَّل هذا الشرط في المادة (7/1 ) منه والتي نصَّت على "... 1- أن يكون عراقيّا أو متجنسًا ومضى على تجنسه مدةً لا تقل عن خمس سنوات ..." فالمتجنس يختلف عن المواطن , فالمواطن الأصلي يحمل جنسية دولته بصورة أصلية أمّا المتجنس فهو من يكتسب جنسية الدَوْلَة بعد مضي مدة زمنية معينة ليتم التثبت من ولائه لهذا البلد وعدم خيانته . وتجدر الإشارة إلى أنَّ بعض التَشْريعات ومنها التشريع االعِراقيّ أعْلاه قد أضافت شرطًا إضافيًا في المتجنس لتَعْيينِه في الوَظيفَة العامَّة وهو مضي مدة زمنية على تجنسه والتي حددها قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة في المادة (7/1) بخمس سنوات(16).
كما نصَّت على هذا الشرط بعض التَشْريعات االعِراقيّة الأخرى كقانون االخِدْمَة الخارجيَّة رقم 45 لسنة 2008 إذ نصَّت المادة (4/ثانيًا) منه على " يُشترَط فيمن يُعيَّن في السِلْك الدِبْلوماسيّ ما يأتي: أ- أن يكون عراقي الجنسية." كذلك نص المادة (36/أولًا)من قانون التَنْظِيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المُعَدَّل(17) إذ جاء فيها " يشترط في من يعين قاضيًا بعد نفاذ هذا القانون أن يكون عراقيًا بالولادة ومن أبوين عراقيين بالولادة ومن أصل غير أجنبي متزوجًا ومتخرجًا في المعهد القضائي ".
وكذلك نص المادة (41/أولًا) من قانون الإدعاء العام رقم 159 لسنة1979 (18) إذ جاء فيها " يشترط في من يعين في جهاز الإدعاء العام , بعد نفاذ هذا القانون , أن يكون عراقيًا بالولادة متزوجًا ومتخرجًا في المعهد القضائي ".وكذلك نص المادة (4/أولًا) من قانون االخِدْمَة العسكرية رقم 3 لسنة 2010 المُعَدَّل(19) إذ جاء فيها " يُشتَرط في مَنْ يُمنَح رتبة ملازم في الجيش أن يكون: أ- عراقيًا ومن أبوين عراقيين." أمّا قانون االخِدْمَة الجامِعِيَّة رقم 23 لسنة 2008 فلم يتطرق في المادتين (5) و(6) لشروط التَعْيين ونصت مادته (18/أولًا) على " تُطبَّق أحكام ... و قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة رقم 24 لسنة 1960 ... فيما لم يرد به نص خاص في هذا القانون ".
ثانيًا- السن القانونِيِّ: حددت المادة(7/2) من قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة الحد الأدنى لسن المتقدِّم للتَعْيينِ وهي إكماله الثامنة عشرة من العمر , وحسنًا فعل المشرِّع االعِراقيّ فمِن الضروري أن يتمتع المتقدِّم للتَعْيينِ بنضجٍ وتفكيرٍ صحيح تؤهلانه لتحمل أعباء ومسؤوليات الوَظيفَة العامَّة, وهذا هو الأصل العام إلّا إنَّ المشرِّع االعِراقيّ خرج عن هذا الأصل بإستثنائه الفتيات االعِراقيّات المتقدمات للتَعْيينِ بوظيفة ممرضة من هذا الشرط وإكتفى بإكمالهن السادسة عشرة من العمر, ويتم إثبات السن القانونِيِّ للمتقدِّم للتَعْيينِ بالإستناد إلى بطاقة الأحوال المَدَنِيَّة أو سجل النفوس, وفي حال تعذر ذلك يتم اللجوء إستثناءً إلى تقدير السن بإحالته إلى لجنة طبية مختصة لتقرر سنه القانونِيِّ ويكون قرارها غير قابل للطعن فيه(20).
إلّا إنَّ هناك تشريعات أخرى قد حدَّدت سنًا معينة للتَعْيينِ في وظائف معينة لخصوصية هذه الوَظائِف كقانون االخِدْمَة الخارجيَّة رقم 45 لسنة 2008 إذ نصَّت مادته (4/ثانيًا/ب)على " يُشترَط فيمن يُعيَّن في السِلْك الدِبْلوماسيّ ما يأتي: "... ب- لا يقل عمره عن (22) إثنين وعشرين ولا يزيد عن (35) خمسة وثلاثين سنة ". وكذلك نص المادة(4/أولًا/ب) من قانون االخِدْمَة العسكرية رقم 3 لسنة 2010 المُعَدَّل إذ جاء فيها " يُشتَرط في مَنْ يُمنَح رتبة ملازم في الجيش أنْ يكون: ... ب- أكمل (20)عشرين سنة من عمره ولا يزيد على (26) ستة وعشرين سنة لمنتسبي الجيش ووزارة الدفاع ".
ثالثًا- اللياقة الصحية: إشترطت المادة(7/3) من قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة أن يكون المتقدِّم للتَعْيينِ ناجحًا في الفحص الطبي وسليمًا من الأمراض المعدية ومن الأمراض والعاهات الجسمية والعقلية التي تمنعه من القيام بواجبات الوَظيفَة المتقدِّم للتَعْيينِ بها بموجب قرار صادر من السلطات الطبية المختصة وفقًا لنظام خاص. وهناك تشريعات أخرى ايضًا نصت على هذا الشرط كقانون االخِدْمَة الخارجيَّة رقم 45 لسنة 2008 إذ نصَّت مادته (4/ثانيًا/د)على " يُشترَط فيمن يُعيَّن في السِلْك الدِبْلوماسيّ ما يأتي: "... د- سالم من الأمراض المعدية والعاهات العقلية التي تمنعه من القيام بوظيفته المعين فيها بموجب قرار من اللجنة الطبية المختصة ". وكذلك نص المادة(4/أولًا/ه) من قانون االخِدْمَة العسكرية رقم 3 لسنة 2010 المُعَدَّل إذ جاء فيها " يُشتَرط في مَنْ يُمنَح رتبة ملازم في الجيش أن يكون:... ه- مُستوفيًا شروط اللياقة البدنية والسلامة الصحية ".
وحِكْمَتْ هذا الشرط هي ضمان قدرة المتقدِّم للتَعْيينِ من الناحية الصحية على تحمل أعباء الوَظيفَة , بالإضافة إلى ذلك ضمان صحة باقي المُوَظَّفين الَّذين سيعمل معهم في الوَظيفَة, وكذلك ضمان صحة الأفراد الَّذين سيتعامل معهم ويُلبّي حاجاتهم المتعلقة بإختصاص الوَظيفَة التي سينتمي لها(21).
رابعًا- حُسْن السيرة والأخلاق: إشترطت المادة(7/4) من قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة أن يكون المتقدِّم للتَعْيينِ:" حسَن الأخلاق وغير محكوم بجناية غير سياسية أو بجنحة تمس الشرف كالسرقة والاختلاس والتزوير والاحتيال". كذلك نص على هذا الشرط قانون االخِدْمَة الخارجيَّة رقم 45 لسنة 2008 إذ نصَّت مادته (4/ثانيًا/ه)على " يُشترَط فيمن يُعيَّن في السِلْك الدِبْلوماسيّ ما يأتي: "...ه- أن يكون حسن السيرة والسلوك وغير محكوم عليه بجناية أو جنحة غير سياسية" . وكذلك نص المادة(4/أولًا/ج) من قانون االخِدْمَة العسكرية رقم 3 لسنة 2010 المُعَدَّل إذ جاء فيها " يشترط في من يمنح رتبة ملازم في الجيش أن يكون:... ج- حسن الأخلاق والسمعة والسلوك وغير محكوم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف أو جرائم الإرهاب أو الجرائم الماسة بأمن الدَوْلَة الداخلي و الخارجي ".
وحُسْنُ الأخلاق هي مجموعة الصفات الحميدة التي يتمتع بها الفَرْد وتشيع عنه فيكون موضع ثقة عند الآخرين(22). فهي مجموعة صفات يتمتع بها الفَرْد وتظهر في تعامله اليومي مع بقية الأفراد داخل المجتمع بحيث يُصبِح مَوضِع ثقة داخل المجتمع, وإنَّ إشتراط حُسْنُ الأخلاق في المتقدِّم للتَعْيينِ هو توجُّه حسن من قِبَل المشرع ودليلٌ على حرصهِ الشديد لإستبعاد سيِّئي السمعة من ميدان الوَظيفَة العامَّة.
والأصل أنَّ كلَّ شخصٍ يُعتَبر حَسَن السيرة والسلوك ما لم يتم إثبات العكس, ويقع عبء هذا الإثبات على عاتق الإدارة والتي يجب عليها أنْ تُسبِّب قرارها لأنَّه يخضع لرقابة القضاء الإِداريَّ(23).
خامسًا- الشهادة الدراسية المعترَف بها: إشترطت المادة(7/5) من قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة أنْ يكون المتقدِّم للتَعْيينِ " حائزًا على شهادة دراسية مُعترَف بها ".
لم يَشترِط قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة شهادة دراسية معينة للتَعْيينِ في الوَظيفَة العامَّة وكلُّ ما ورد فيه هو أنْ تكون الشهادة الدراسية معترف بها, وقد كان التوجُّه في ظل قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة نحو إعتبار الحد الأدنى للشهادة الدراسية المطلوبة للتَعْيينِ هي شهادة الدراسة الابتدائية, ثم بعد ذلك صدر قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 644 بتاريخ 31/5/1977 والَّذي منع تعيين خريجي الدراسة الإبتدائية والمتوسطة في الوَظائِف الداخلة في ملاك المُوَظَّفين(24). ثم صدر قرار للمجلس ذاته بالرقم 948 بتاريخ 23/8/1977(25) حيث إستثنى خريجات الدراسة المتوسطة المقبولات في دورة معهد خدمات الطيران لتخريج المضيفات من أحكام القرار (644). وبعد ذلك صدر قرار للمجلس ذاته بالرقم (1446) بتاريخ 11/2/1978(26) والَّذي خوَّل المؤسسة العامَّة للموانئ االعِراقيّة تعيين خريج الدراسة الإبتدائية بوظيفة إطفائي إستثناءً من القرار رقم 644 .
وعليه فإنَّ الحد الأدنى للشهادة الدراسية المعترف بها للتَعْيينِ كانت كقاعدة عامة هي الشهادة الإعدادية بإستثناء الحالات التي ذُكرت سابقًا.
إلّا إنَّه بصدور قانون رواتب موظفي الدَوْلَة والقطاع العام رقم 22 لسنة2008(27) نصَّ في المادة (4/أولًا) منه على: " مع مراعاة الأحكام المتعلِّقة بوصف الوَظائِف يُعيَّن حملة الشهادات الدراسية التالية أو ما يعادلها بالرواتب المنصوص عليها فيما يلي وفقًا لجدول الرواتب والعلاوات السنوية الملحق بهذا القانون:-
أ- مَن لا يحمل شهادة دراسية في المرتبة الأَوَّلى من الدرجة العاشرة ...
ب- حملة شهادة الدراسة الإبتدائية في المرتبة الرابعة من الدرجة العاشرة ...
ج- حملة شهادة الدراسة المتوسطة في المرتبة الأَوَّلى من الدرجة التاسعة ...." .
وبذلك يكون قد حسم الأمر بالنسبة للحد الأدنى للشهادة الدراسية المطلوبة للتَعْيينِ في الوَظائِف العامَّة وأجاز تعيين حتى من لا يحمل شهادة دراسية وذلك لوجود وظائف لا تستلزم شهادة دراسية كالمنظِّفين أو تكتفي بالإبتدائية كالحراس والسواق والحرفيين وغيرهم .
وتجدر الإشارة إلى إنَّ هناك وظائف تستلزم درجة علمية معيَّنة كالطبيب والمهندس فهنا يجب أنْ يكون المتقدِّم للتَعْيينِ فيها من ذوي الإختصاص الدقيق(28) . كما إنَّ هناك تشريعات خاصة تشترط للتَعْيينِ في وظائف معينة شهادات عليا كقانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رقم 40 لسنة 1988 المُعَدَّل(29) إذ نصَّت مادته (24) على: " تتألف الهيئة التدريسية في الجامعات والمعاهد الفنية من:1-الأساتذة. 2- الأساتذة المساعدين.3- المدرسين 4- المدرسين المساعدين". ونصت مادته (25) على:" 1- يشترط في من يعين أو يمنح لقب مدرس مساعد أن يكون حائزًا على شهادة الماجستير أو ما يعادلها ..." وكذلك نصَّت المادة (1) من قانون االخِدْمَة الجامِعِيَّة رقم 23 لسنة 2008 المُعَدَّل على :" أولًا- تسري أحكام هذا القانون على موظف االخِدْمَة الجامِعِيَّة .ثالثًا- يقصد بموظف االخِدْمَة الجامِعِيَّة, كل موظف يقوم بممارسة التدريس الجامعي والبحث العلمي...ممن تتوافر فيه شروط عضو الهيئة التدريسية, المنصوص عليها في قانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رقم 40 لسنة 1988 أو أي قانون يحل محله " ومن ذلك نستنتج إنَّ الحد الأدنى للشهادة المطلوبة للتَعْيينِ في االخِدْمَة الجامِعِيَّة هي الماجستير أو ما يعادلها .
وهناك تشريعات خاصة تشترط للتَعْيينِ في وظائف معينة بالإضافة للشهادة المطلوبة خبرة عملية وممارسة في ذات مجال التخصص لفترة محددة, كما في قانون التَنْظِيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المُعَدَّل حيث إشترطت المادة (36/أولًا) منه لتعيين القاضي أن يكون متخرجًا من المعهد القضائي, وكذلك فيما يخص تعيين المحامين في وظيفة القضاء إشترطت المادة(36/ثالثًا) أنْ يكون المحامي قد أمضى مدة ممارسة في مهنة المحاماة لا تقل عن عشرة سنوات ولم يتجاوز عمره الخامسة والأربعين, إستثناءً من شرط التخرج من المعهد القضائي.
وكذلك قانون الإدِّعاء العام رقم 159 لسنة 1979حيث نصَّت المادة (41/أولًا) منه على إشتراط أنْ يكون المتعيِّن في جهاز الإدعاء العام متخرجًا من المعهد القضائي. وكذلك المادة(20) من قانون مجلس الدَوْلَة رقم 65 لسنة 1979 المُعَدَّل(30) حيث إشترطت في مَنْ يُعيَّن رئيس أو نائب أو مستشار أنْ يكون حائزًا لشهادة البكالوريوس في القانون كحد أدنى بالإضافة إلى ذلك أنْ تكون لديه ممارسة فعلية بعد التخرج من الكلية مدة لا تقل عن( 22) سنة في المحاماة أو في وظيفة قضائية أو قانونية في دوائر الدَوْلَة والقطاع العام وتكون مدة الممارسة (20) سنة لمن يكون حاصلًا على شهادة الماجستير في القانون و(18) سنة لمن يكون حاصلًا على شهادة الدكتوراه في القانون سواء كانت هذه الممارسة قبل أو بعد حصوله على هاتين الشهادتين. وكذلك نص المادة (21) من ذات القانون حيث إشترطت فيمن يعين بوظيفة مستشار مساعد أن تكون لديه شهادة البكالوريوس في القانون بالإضافة إلى ذلك أن تكون لديه ممارسة لا تقل عن (15) سنة على الوجه المبين في المادة (20) وتكون مدة الممارسة (13) سنة للحاصل على الماجستير و(11) سنة للحاصل على الدكتوراه على الوجه المبين في المادة (20) أيضًا.
الفَرْع الثانِيّ
الشُروط المتعلِّقة بالجِهَة الإِداريَّة التي تتولّى التَعْيين
يُعتبَر هذا الشرط أهم ما يُميِّز المُوَظَّف العام عن غيره من عمّال الإدارة, ومؤدّاه في صدور القرار الإِداريَّ بالتَعْيين مِنْ قِبَل الجِهَة الإِداريَّة صاحبة الإختصاص قانونًا, أي أنْ تكون مخوَّلة بذلك بموجب القانون, وقد حدَّد المشرع االعِراقيّ عدة جهات لِتولّي مهمة التَعْيين وهذه الجهات تختلف تبعًا لإختلاف المُوَظَّف المُراد تَعْيينِه وكذلك تبعًا لنوعية وحساسية الوَظيفَة المُراد تَعْيينِه بها.
وقد حدَّدت المادة(8/2) مِن قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة الجِهَة المخوَّلة بالتَعْيين بمجلس االخِدْمَة العامَّة إلّا إنَّها إستثنت من صلاحية المجلس مَنْ يُعيَّن بالوَظائِف الآتية: ( الوَظائِف الخاصة , عميد, مدير عام, مفتش عام, وزير مفوض, متصرف, مدون قانوني) فهذه الوَظائِف يجب أنْ تتم بمرسوم جمهوري يصدر بناءً على إقتراحٍ من الوزير المختص وموافقة مجلس الوزراء .
إلّا إنَّ مجلس االخِدْمَة العامَّة قد تم إلغائه بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (996) في 2/8/1979(31) وبذلك أصبحت جهات عدة مُخوَّلة بالتَعْيين سواءً كان التخويل بنصٍ دُسْتوري أم بنصٍ قانوني, وهذه الجهات هي :1- مجلس النواب: وذلك إستنادًا إلى نص المادة (61/خامسًا) من دُسْتور جُمْهوريَّة االعِراق لسنة 2005 النافذ والَّذي يختص بالموافقة على تعيين كلٍّ مِنْ: أ- رئيس وأعضاء محكمة التمييز الإتِّحادية, ورئيس الإدِّعاء العام, ورئيس هيئة الإشراف القضائي, بالأغلبية المطلقة بناءً على إقتراحٍ مِن مجلس القضاء الأعلى. ب- السفراء وأصحاب الدرجات الخاصة , باقتراحٍ مِن مجلس الوزراء. ج- رئيس أركان الجيش, ومعاونيه, ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق, ورئيس جهاز المخابرات, بناءً على إقتراحٍ من مجلس الوزراء.
2- الوزير المختص أو مَنْ يُخوِّله صلاحية التَعْيين مِنْ موظفي وزارته إذا أجاز له المشرِّع تخويل هذه الصلاحية. فقد نصَّت المادة(5/أولًا) من قانون االخِدْمَة الجامِعِيَّة رقم 23 لسنة2008 المُعَدَّل على: " يتولّى وزير التعليم العالي والبحث العلمي أو مَنْ يُخوِّله ما يأتي: أولًا-تعيين أو إعادة تعيين من تتوفر فيه شروط التَعْيين في االخِدْمَة الجامِعِيَّة في مركز الوزارة ..." .
كذلك نصت المادة (6/أولًا) منه على:" أولًا: يتولَّى رئيس الجامعة أو الهيأة أو المَرْكَز أو مَن يُخوِّله وبتوصية مِنْ مجلس الجامعة أو الهيئة أو المَرْكَز:1- تعيين أو إعادة تعيين مَنْ تتوفر فيه شروط التَعْيين في االخِدْمَة الجامِعِيَّة. 2- تعيين المُوَظَّفين من الفنيين والإِداريَّين ...".
3- هنالك جهاتٍ إداريَّةٍ أخرى خوَّلها المشرِّع صلاحية التَعْيين, وبذلك تكون هذه الجهات مُختصَّةً قانونًا بذلك وهذه الجهات هي : أ- رؤساء الدوائر غير المرتبطة بوزارة , وكذلك المحافظون فهؤلاء لهم سلطة التَعْيين في حدود ما خوَّلهم المشرع من صلاحيات(32), كنص المادة(31/سابعًا/1)من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008(33) المُعَدَّل التي نصَّت على :- " يُمارِس المُحافِظ الصلاحيات الآتية/1-إصدار أمر تعيين المُوَظَّفين المحليين في المحافظة ممَّن هم في الدرجة الخامسة فما دون من درجات السُلَّم الوظيفي المنصوص عليها في القانون الَّذين تم ترشيحهم من الدوائر المختصة وفقًا لخطة الملاك التي وافق عليها المجلس ".

المَبْحَثُ الثانِيّ
إجْراءاتُ التَعْيين والرِقابَةُ على قَرارِه
للوقوف على مضمون هذا المبحث لابدَّ لنا من تقسيمه إلى مَطْلَبين: نتناول في المَطْلَب الأَوَّل إجْراءات التَعْيين , والمَطْلَب الثانِيّ الرِقابَة على قرار التَعْيين.
المَطْلَب الأَوَّل
إجْراءات التَعْيين
سكت قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة رقم 24 لسنة 1960 المُعَدَّل عن تحديد إجْراءات التَعْيين, وإكتفى فقط بتحديد الجِهَة المخوَّلة بالتَعْيين والتي هي مجلس االخِدْمَة العامَّة(34), وإستثنى من إختصاص المجلس في هذا المجال وظائف معينة في المادة (8)منه , وقد حدَّد لهذه الوَظائِف المستثناة طريقة الإختيار وهي عن طريق إقتراح من الوزير المختص وموافقة مجلس الوزراء ومن ثمَّ يصدر بها مرسوم جمهوري.
وعلى الرغم من وجود تشريعات خاصة تحكم عملية تعيين فئات معينة من المُوَظَّفين إلّا إنَّ قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة يُعتبر الأساس الَّذي يحكم الوَظيفَة العامَّة, وهذه التَشْريعات ترجع له في أي أمرٍ لم يتم معالجته فيها, وقد خوَّل قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة مجلس االخِدْمَة العامَّة مهمّة إجْراءات التَعْيين وبيَّن هذه الإجْراءات في الفصل الخامس منه, إلّا أنَّه قد إستثنى من صلاحية المجلس المذكور تعيين بعض الفئات الوظيفية لخصوصيتها .
وللإحاطة بهذا الموضوع سنُقسِّم هذا المَطْلَب إلى فرعين: نتناول في الفَرْع الأَوَّل منه إجْراءات التَعْيين في الوَظائِف الخاصة, وفي الفَرْع الثانِيّ إجْراءات التَعْيين في الوَظائِف غير الخاصة وكالآتي:
الفَرْع الأَوَّل
إجْراءات التَعْيين في الوَظائِف الخاصَّة
لقد حدَّدت المادة(8/2) مِن قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة الجِهَة المخوَّلة بالتَعْيين بمجلس االخِدْمَة العامَّة إلّا إنَّها إستثنت من صلاحية المجلس مَنْ يُعيَّن بالوَظائِف الآتية: ( الوَظائِف الخاصة , عميد, مدير عام, مفتش عام, وزير مفوض, متصرف, مدون قانوني) فهذه الوَظائِف يجب أنْ تتم بمرسوم جمهوري يصدر بناءً على إقتراحٍ من الوزير المختص وموافقة مجلس الوزراء . وبذلك فإنَّ التَعْيين في هذه الوَظائِف الخاصة يتم بطريقة الإختيار الحر للإدارة إذ يجري التَعْيين فيها بإقتراحٍ من الوزير المختص( بترشيحه لِمَنْ يراه مُؤهلًا لشغلها) ومن ثمَّ إستحصال موافقة مجلس الوزراء عليه ثم بعد ذلك يصدر به مرسومٌ جمهوري.
وبعد تشريع دُسْتور جُمْهوريَّة االعِراق لسنة 2005 النافذ نصَّت المادة (61/خامسًا)منه على:" يختص مجلس النواب بما يأتي:...خامسًا:- الموافقة على تعيين كلٍّ مِنْ: أ- رئيس وأعضاء محكمة التمييز الإتِّحادية, ورئيس الإدِّعاء العام, ورئيس هيئة الإشراف القضائي, بالأغلبية المطلقة بناءً على إقتراحٍ مِن مجلس القضاء الأعلى. ب- السفراء وأصحاب الدرجات الخاصة , باقتراحٍ مِن مجلس الوزراء. ج- رئيس أركان الجيش, ومعاونيه, ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق, ورئيس جهاز المخابرات, بناءً على إقتراحٍ من مجلس الوزراء.
وبذلك يكون الدُسْتور قد حدد الإجْراءات الخاصة بتعيين كل وظيفة من الوَظائِف الخاصة .
الفَرْع الثانِيّ
إجْراءات التَعْيين في الوَظائِف غَيرِ الخاصَّة
بعد أنْ تمَّ إلْغاء مجلس االخِدْمَة العامَّة بقرار مجلس قيادة الثورة رقم 996 بتاريخ 2/8/1979 أُوكِلَت صلاحية التَعْيين للوزراء المختصين أو مَن يُخوِّلونهم مِنْ موظفي وزاراتهم مِنْ أصحاب الدرجات الخاصة(35), وعلى إثر ذلك الإلْغاء أصدرت وزارة المالية تعليمات لتسهيل تنفيذ قرار إلْغاء مجلس االخِدْمَة العامَّة بعنوان تشكيل لجان للتَعْيينِ في ديوان كل وزارة وبرقم 119 لسنة 1979(36), حيث نصَّت هذه التعليمات على تأليف لجنة أو أكثر في ديوان كل وزارة بأمرٍ مِنْ الوزير المختص تتكون من رئيس لا تقل وظيفته عن معاون مدير عام وعضوين لا تقل وظيفة كل منهما عن مدير, ومِنْ ضِمن إختصاصات هذه اللجنة النظر في طلبات التَعْيين.
وقد حدَّدت هذه التعليمات في مُلحَقِها الإجْراءات اللازمة للتَعْيينِ وهي كالآتي:
1- الإعلان عن الوَظيفَة الشاغرة في صحيفة يومية وفي لوحة إعلانات كل وزارة والدوائر المختصة يتضمن كافة تفاصيل الوَظيفَة الشاغرة .
2- تقديم الطلبات لشغل الوَظيفَة الشاغرة وفقًا لإستمارة طلب الدخول للوظيفة العامَّة.
3- عند إنتهاء المهلة المحددة لتقديم الطلبات والتأكد من توافر المؤهلات المطلوبة لشغل الوَظائِف المعلن عنها في المتقدمين تتبع اللجنة الإجْراءات الآتية لغرض ترشيح المؤَهلين للتَعْيينِ:- أ- إذا كان عدد المتقدمين لشغل الوَظائِف المعلن عنها أكبر من عدد هذه الوَظائِف فعلى اللجنة إجراء إختبار للمتقدمين بالمقابلة أو بالإمتحان . ب- أذا كان من ضمن المؤهلات المطلوبة لشغل الوَظائِف الشاغرة إجادة مهنة معينة كالترجمة أو الضرب على الآلة الكاتبة فيجري إختبار تحريري وبعد ذلك يتم الترشيح للتَعْيينِ من بين الناجحين وفقًا لمعدل النجاح في الإختبار .
4- بعد الإنتهاء من تلك الإجْراءات السابقة تعلن لجنة التَعْيينات في لوحة إعلانات الوزارة والدوائر المختصة جدولًا بأسماء المتقدمين ومؤهلاتهم وسنة تخرجهم ومعدلهم الدراسي والدرجة التي حصلوا عليها في الإختبار التحريري- بالنسبة لمن تم إختبارهم تحريريًا وللوظائف التي تتطلب ذلك الإختبار-,أما بالنسبة للمتقدمين الَّذين لم يتم قبولهم لإكتمال العدد المطلوب فيبقون بالإحتياط لوظائف مماثلة وسيسقط حقهم في التَعْيين بعد مرور سنة من تاريخ إعلان الجدول المذكور.
والجدير بالذكر أنَّ دُسْتورنا الحالي قد نصَّ في المادة(107) منه على:" يؤسَّس مجلسٌ, يُسمّى مجلس االخِدْمَة العامَّة الإتِّحادي, يتولّى تَنْظِيم شؤون الوَظيفَة العامَّة الإتِّحادية, بما فيها التَعْيين والترقية, ويُنَظَم تكوينهِ وإختصاصهِ بقانون". وقد صدر بالفِعل قانون مجلس االخِدْمَة العامَّة الإتحادي بالرقم (4) لسنة 2009(37) وقد نصَّ في المادة(2) منه على: " يؤسَّس مجلس يُسمى(مجلس االخِدْمَة العامَّة الإتِّحادي) يرتبط بمجلس النواب ...". ونصَّت المادة(9)منه على: " يتولّى المجلس المهام الآتية: أولًا- تنفيذ قانون االخِدْمَة العامَّة الإتّحادي عند تشريعه وتنفيذ كل ما يتعلق بالوَظيفَة العامَّة الإتحادية في القَوانين النافذة . ثانيًا- التَعْيين وإعادة التَعْيين والترقية في االخِدْمَة العامَّة ويكون ذلك من إختصاص المجلس حصرًا وعلى أساس المعايير المهنية والكفاءة. ... سادسًا– وصف الوَظائِف العامَّة وشروط إشغالها بالتنسيق مع الأجهزة المختصَّة في وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي والجهات الأخرى ذات العلاقة. ... تاسعًا- وضع السياسات والضَوابِط الكفيلة بتحقيق التوازن بين عدد المُوَظَّفين في دوائر الدَوْلَة المختلفة وبين االخِدْمَة المؤدات. ... خامس عشر- للمجلس إختبار الأشخاص المراد تَعْيينِهم أو إعادة تَعْيينِهم بالمقابلة أو بالإمتحان التحريري أو بهما معًا...". وقد نصَّت المادة(16) منه على: "تؤسِّس الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم مجلس خدمة مدنية يتولَّى جميع شؤون الوَظيفَة المَدَنِيَّة التي هي من صلاحيات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم, وعلى أساس مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص والكفاءة والعدالة . وجاء في الأسباب الموجِبة لهذا التشريع :" من أجل تَنْظِيم شؤون الوَظيفَة العامَّة وتحريرها من التسييس والتحزُّب وبناء دولة المؤسسات وتشكيل مؤسسة مهمَّتها تطوير العمل في دوائر الدَوْلَة وبلورة القواعد الأساسية السليمة وتأمين العدالة والحيادية وضمان معايير الكفاءة في التَعْيين وإعادة التَعْيين والترقية وتطبيقًا للمادة (107) من الدُسْتور. وتشريع هذا القانون يُعَدُّ خطوةً في الإتِّجاه الصحيح آملين تطبيق ما نصَّ عليه وإستكمال بقية الخطوات ومنها الإسراع في تشريع قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة العامَّة الإتِّحادي .
وبذلك فإنَّ المتقدِّم للتَعْيينِ إذا كان مستوفيًا للشروط القانونِيِّة اللّازمة لتَعْيينِه في الوَظيفَة الشاغرة المُعلَن عنها تقوم الجِهَة الإِداريَّة المختصَّة بإصدار القرار الإِداريَّ النِّهائي بتَعْيينِه فيها, ويشتمل هذا القرار على إسم المُوَظَّف المُعيَّن وعنوانه الوظيفي والدرجة الوظيفية ومرتبتها وكذلك يشير إلى توفر الإعتماد المالي وكذلك يذكر فيه السند القانونِيِّ الَّذي إستندت عليه الجِهَة الإِداريَّة في إصدارها له, وبصدور هذا القرار يكون المتقدِّم للتَعْيينِ قد إتَّصفَ بصفة المُوَظَّف العام وتبدء الرابطة الوظيفية بينه وبين الدَوْلَة , وبذلك تترتب الآثار القانونِيِّة لقرار التَعْيين.
وقد نصَّت المادة(16/1) من قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة على:"1- يستحق المُوَظَّف راتب وظيفته عند التَعْيين بدءً من تاريخ مباشرته بوظيفته, واذا لم يُباشِر خلال عشرة أيام من تاريخ تبلغه بالتَعْيين عدا أيام السفر المعتادة يُعدُّ أمر التَعْيين ملغيًا, ولجهة التَعْيين في حالة تقديم عذر مشروع إمهال المُوَظَّف مدة لا تزيد على ثلاثين يومًا من تاريخ تبلغه بالتَعْيين لغرض المباشرة, وبإنقضائها يُعدُّ أمر التَعْيين ملغيًا". كما نصت المادة(14/1) على:"1- يكون المُوَظَّف عند أول تَعْيينِه تحت التجربة لمدة سنة واحدة في خدمة فعلية ويجب إصدار أمر بتثبيته في درجته بع إنتهائها إذا تأكدت كفائته وإلّا فتُمدَّد مدة تجربته ستة أشهر اخرى ". وبذلك فإنَّ على المُوَظَّف الَّذي تم تَعْيينِه أن يباشر مهام وظيفته خلال المدة المنصوص عليها أعْلاه لكي يحتفظ بمركزه الوظيفي .
المَطْلَب الثانِيّ
الرِقابَةُ على قرارِ التَعْيين
هنالك ضوابط وأُسس حدَّدتها التَشْريعات االعِراقيّة تتم في ضوئها عملية التَعْيين في الوَظائِف العامَّة, وهذه الضَوابِط والأُسس وضِعَت لتحقيق غيةٍ أسمى وهي العدالة والمساواة في تمكين الجميع من الوصول إلى الوَظيفَة العامَّة دون تمييز إذا إستوفى المتقدِّمون لشغلها الشُروط المطلوبة. ولكي تتحقق هذه الغاية لابدَّ أنْ لا تُترَك عملية التَعْيين دون رقابةٍ تَضمِن عدم تعسُّف الإدارة أو إنْحِرافها في ممارسة سلطتها في إجراء هذه العَمَليَّة القانونِيِّة, خاصةً وإنَّها تتم بإرادتها المنفردة وبذلك يُمكِنُ أنْ يشوبها عيبٌ يؤدي إلى إنْحِرافها عن أهدافها المرجوَّة. كما يُمكِن أنْ يُصيبَ المتقدِّمين ضررٌ جرّاء هذا التعسُّف أو الإنْحِراف, وبالتالي لابدَّ مِنْ وجود وسائل رقابية تُقوِّم هذا الإنْحِراف وتُعوِّض المتضررين منه. وللإحاطة بهذا المَطْلَب لابدَّ من تقسيمه إلى فرعين: في الفَرْع الأَوَّل منه نبيِّن ماهيَّة الرِقابَة, وفي الفَرْع الثانِيّ نورِدُ أهمَّ الأحكام والقرارات القَضائِيَّة ذات الصلة بموضوع البحث .
الفَرْع الأَوَّل
ماهيَّة الرِقابَة
ينبغي على الإدارة أنْ تلتزم في ممارسة أعمالها حدود القانون وأنْ تخضع له تطبيقًا لمبدأ المَشْروعيَّة, الَّذي يعني الخضوع التام للقانون سواءً من جانب الأفراد أم من جانب الدَوْلَة, ويُمثِّل هذا المبدأ من جهةٍ الضابط العام للدولة في علاقاتها مع الأفراد , ومن جهةٍ أُخرى صمَّام أمانٍ بالنسبة لحقوق الأفراد وحرياتهم(38), فهو مبدأ سيادة القانون على جميع مَنْ في الدَوْلَة سواءً القابقضين على السلطة أم المواطنين العاديين لا فرق بينهم(39) , وعليه يجب على الادارة أنْ لا تخرج في ممارسة أعمالها عن نطاق القانون وإلّا كانت هذه الأعمال متَّصِفةً بعدم المَشْروعيَّة. فالسيادة للقانون وهذا ما أكده دُسْتورنا الحالي في المادة (5) منه. ولضمان تطبيق هذا المبدأ ولكي تلتزم الإدارة في أعمالها حدود القانون كان لابدَّ من إخضاع هذه الأعمال للرقابة.
وللوقوف على ماهيَّة الرِقابَة لابدَّ من تعريفها, وبيان أنواعها, وما هو النوع الأكثر فاعلية من هذه الأنواع وكما يأتي :-
أولًا- تعريف الرِقابَة : الرِقابَة لغةً تعني قوة سلطة التوجيه والأمر, وكذلك تعني السهر أو الملاحظة أو الحراسة أو المخالفة أو الإنتظار أو الرصد, كما تعني المراجعة أو التفتيش أو الإختبار. والرِقابَة بمعنى المراقبة , والمراقِب: من يقوم بالمراقبة, والرقيب وهو من أسماء الله الحسنى وهو الحافِظ الَّذي لا يغيب عنه شيء, ومن يلاحِظ أمرًا والحارِس(40) .
وعلى الرغم من شيوع مصطلح الرِقابَة قانونيًا وسياسيًا وإقتصاديًا إلّا إنَّ الفقه لم يستقر على معنى محدد له, فالإتِّفاق على تعريفٍ محدَّدٍ للرقابة مِنْ أهمِّ الصعوبات التي واجهت الفقه القانونِيِّ لما لها مِنْ مدلولاتٍ مختلفةٍ تختلف بإختلاف الأنْظِمَة المطبَّقة في الدول وبإختلاف المستوى الرِقابيّ المتَّبَع .
وقد عُرِّفَت الرِقابَة بتعاريفٍ مختلفةٍ تبعًا لإختلاف تصور وفلسفة كل فقيه, فعرَّفها البعض بأنَّها:" تقوم على التأكد ممّا إذا كان الشيء يحدث طبقًا للخطة الموضوعة والتعليمات الصادرة والمبادئ المحددة وإنَّ غرضها هو الإشارة إلى نقاط الضعف أو الأخطاء بقصد معالجتها ومنع تكرار حدوثها وهي تطبَّق على كلِّ شيء". وهناك مَنْ عرَّفها بأنَّها: " عبارة عن عملية مستمرة لمقارنة الإنجازات الفعلية للعمليات المنظمة مِنَ الإنجازات المخططة بشكلٍ عام أو تفصيلي ". وعُرِّفت أيضًا بأنَّها:" التأكد مِنْ تنفيذ الأهداف المخططة بأعلى كفاية ممكنة ومتَّصِفة بشرعية الأعمال الإِداريَّة لتصحيح ما يُكشَف من أخطاء وإنْحِرافات"(41) , وعُرِّفت كذلك بأنَّها: " عملية تكشف عن الإنْحِرافات أيًّا كان موقعها سواءً في ذلك الإنْحِرافات عمّا يجب أن يُنجَز أو الإنْحِرافات مِنَ الإجْراءات, والعمل على مواجهتها بالأسلوب الملائم حتى تُصحَّح ولا تظهر مرة
أخرى في المستقبل(42). ويُمكِنُ تعريف الرِقابَة بشكلٍ عام بأنَّها: " إجراءٌ تقوم به سلطةٌ مختصةٌ بقصد الوقوف على عملٍ معيَّن والتأكد مِنْ أنَّه قد تمَّ وِفقًا للقانون وللهدف الَّذي وُضِعَ له " .
ثانيًا- أنواع الرِقابَة: تُقسَّم الرِقابَة على أعمال الإدارة إلى نوعين رئيسين هما:1- الرِقابَة غير القَضائِيَّة: وتعني خضوع نشاط الإدارة لرقابة أجهزة لا تحمل صفة قضائية, وهذه بِدَوْرِها تُقسَم إلى قسمين: أ- الرِقابَة السياسية: والتي يمارسها البرلمان والصحافة والأحزاب السياسية والنقابات بمختلف انواعها. ب- الرِقابَة الإِداريَّة: وتعني قيام السلطة الإِداريَّة سواء كانت مركزية أم لا مركزية بتصحيح ما يشوب قراراتها من أخطاء تخالف القواعد القانونِيِّة.2- الرِقابَة القَضائِيَّة: وتعني إسناد سلطة الرِقابَة على أعمال الإدارة إلى الفضاء(43). ولإتمام الفائدة سنتناول هذين النوعين بشيءٍ من التفصيل:-
النوع الأَوَّل : الرِقابَة غير القَضائِيَّة: يُقسَم هذا النوع إلى قسمين:-
القسم الأَوَّل: الرِقابَة السياسية :- تتحقق هذه الرِقابَة عندما تقوم السلطات السياسية سواء كانت سلطة سياسية فردية أم سلطة سياسية جماعية بممارسة الرِقابَة على أعمال الإدارة, وتُعَد هذه الرِقابَة رقابة شاملة حيث تُمارَس على الأشخاص كما تمارَس على الأعمال(44), وتتم ممارسة هذا النوع من الرِقابَة من قِبَل هيئة سياسية منفصلة عن باقي سلطات الدَوْلَة, وغالبًا ما يُراعى في هذه الهيئة تنوُّع الخبرات فيها, حيث يجري العمل على أنْ تضم هذه الهيئة في عضويتها خبرات سياسية و إقتصادية وقانونية ويجري تشكيلها عن طريق التَعْيين من قبل السلطة التشريعية أو التنفيذية أو بالإنتخاب من قِبَل الشعب. وأيًّا كان الطريق المُتَّبع في تشكيلها فإنَّ أهم ما يُميِّزها هو عدم تقيدها بوجود العناصر القَضائِيَّة(45).
القسم الثانِيّ: الرِقابَة الإِداريَّة:- وهذه الرِقابَة تقوم بها الإدارة نفسها, فهي رقابة ذاتية تتولّاها الإدارة لتُراجِع أعمالها لترى مدى توافقها مع القانون مِنْ عدمه , ومِنَ المعلوم أنَّ الإدارة تسعى في جميع أعمالها لتحقيق الصالح العام ولكن يجب أنْ تكون هذه الأعمال طِبقًا لمبدأ المَشْروعيَّة. فالإدارة تقوم بمراجعة أعمالها وتقويمها فقد تلغي أو تعدِّل أو تسحب العمل المخالف للقانون وبما ينسجم مع مبدأ المَشْروعيَّة, وبذلك تتجنب الإدارة الجهات الرِقابيّة الأخرى مِنَ التصدي لها. ويمتد نطاق هذا النوع من الرِقابَة إلى المَشْروعيَّة والموائمة معًا, فهي رقابة مشروعية من حيث موافقتها للقانون بمعناه العام ورقابة موائمة من حيث تناسبها مع الهدف الَّذي تسعى الإدارة إلى تحقيقه(46), وتتناول جميع تفاصيل العَمَليَّة الإِداريَّة السابقة واللاحقة إضافةً إلى إنَّها قد تمارَس من داخل الجهاز الإِداريَّ ذاته عن طريق مراقبة الرئيس لمرؤوسيه أومن الوحدات الرِقابيّة متخصصة في ذلك الجهاز وحينها تسمى الرِقابَة الداخلية, أو قد تمارَس من قِبَل مؤسسات متخصصة بالرِقابَة الإِداريَّة والمالية تستقل عن مَنْ يخضع لرقابتها وعند ذلك تسمى بالرِقابَة الخارجيَّة(47), كديوان الرِقابَة المالية لدينا والَّذي وُسِّعَت صلاحياته بالقانون رقم 31 لسنة 2011(48) إذ منحه صلاحية التحقيق الإِداريَّ في حالات معينة حدَّدها هذا القانون , ثم صدر القانون رقم 104 لسنة 2012(49) قانون التعديل الأَوَّل للقانون أعْلاه فأضاف للديوان صلاحية التحقيق في الحالات التي يطلب منه مجلس الوزراء إجراء التحقيق فيها.
وتجدر الإشارة إلى إنَّ هناك نوعين من الرِقابَة الإِداريَّة ترتبط بالأُسلوب الَّذي يتَّبعه المشرِّع لتحقيقها , فعادةً ما يَتَّبع المُشرِّع أكثر من أسلوب لهذه الرِقابَة للوصول إلى الهدف المُراد منها وهو أنْ تحترم الإدارة مبدأ المَشْروعيَّة وتحقيق المَصْلَحَة العامَّة, وهذان النوعان هما:
1- الرِقابَة الذاتية أو التلقائية: وهذه الرِقابَة تمارسها الإدارة تلقائيًا دون طلبٍ من متضرر, مستندةً في ذلك إلى وجوب تقييم أعمالها بما يتوافق مع مبدأ المَشْروعيَّة وبما يؤديه هذا التقييم
من نتائج من سحبٍ أو إلْغاء أو تعديلٍ للقرار(50) .
2- الرِقابَة بناءً على تظلُّم: ويُعدُّ التظلم من الوسائل التي يمنحها المشرِّع للأقراد للمطالبة بعدول الادارة عن قرارٍ إتخذته بحقِّهم وذلك أمّا بتعديله أو إلغائه أو سحبه وإحلال آخر محله, فيكون طريق التظلم الإِداريَّ أمرًا لابدَّ من سلوكه إبتداءً ليُمكِنَ بعد ذلك قبول الطعون الموجَّهة ضد القرارات الإِداريَّة أمام القضاء الإِداريَّ(51) , وهذا يعُرَف بالتظلُّم الوجوبي. وقد يُجيز المشرِّع لذي المَصْلَحَة أنْ يتظلَّم مِن القرار الإِداريَّ فهذه منحة لذي المَصْلَحَة فله أنْ يستنفذ مراحل التظلُّم الإِداريَّ وله أنْ يطعن في القرار مباشرةً دون حاجة للتظلُّم مِن القرار وهذا يُعرَف بالتظلُّم الجوازي .
ويُعرَّف التظلم الإِداريَّ بأنَّه: عرض الفَرْد حاله على الإدارة طالباً منها إنصافه, بأنْ يتقدَّم صاحب الشأن إلى الجِهَة الإِداريَّة مُصدِرة القرار أو إلى هيئاتها الرئاسية كتابةً بطلب سحب القرار الَّذي أصدرته لعدم مشروعيته أو لعدم الملائمة , فهو كل ما يُفيد تمسُّك المتظلِّم بحقه ومطالبته بإقتضائه(52) . وهو يُعَدُّ طريقةً مِنَ الطرق أو وسيلةً مِنَ الوسائل القانونِيِّة التي تسمح بإستصدار قرار إداري متَّفِق مع القانون. فهو وسيلة قانونية لفض المنازعات الإِداريَّة منْ قِبَل الإدارة نفسها سواء أكانت إستجابتْ الإدارة إلى مصالح صاحب الشأن كليًّا أم جزئيًّا . ويمكن تصنيفه بالنظر إلى الجِهَة التي يُقدَّم إليها إلى ثلاثة أنواع: (التظلم الولائي) وهو التظلُّم الَّذي يُقدَّم إلى الجِهَة التي أصدرت القرار, و(التظلُّم الرئاسي) وهو الَّذي يُقدَّم إلى رئيس مُصدِر القرار, و(التظلُّم أمام اللِّجان الإِداريَّة) وهو التظلُّم الَّذي يُقدَّم إلى لجنة إدارية يُنشئها المشرِّع لهذا الغرض(53) . ولكي يُنتِج التظلُّم أثره لابدَّ أنْ تتوافر فيه الشُروط الآتية:1- أنْ ينصب على قرار إداري نهائي. 2- أنْ يكون القرار المطعون فيه مِمّا يُجدي التظلُّم منه(54) .
وغاية المشرِّع مِن فرض التظلُّم مِن بعض القرارات قبل الطعن فيها امام القضاء هي إعطاء الفرصة للإدارة في مراجعة نفسها بصدد قرارها المُتَخَذ إذ لربما تُلغيه أو تعدله أو تسحبه وتُحِلَّ آخر محله وبذلك تنتفي الحاجة للطعن فيه طالما إستجابت الإدارة لما يريده المُتظلِّم فَيَقِلَّ الزَّخْمُ على القضاء , وفيه أيضًا مصلحة للأفراد فهو يُجنِّبهم تحمُّل نفقات الطعن أمام القضاء الإِداريَّ.
وقد أخَذَ المشرِّع االعِراقيّ بالتظلُّم الوجوبي في المادة(15) من قانون إنضباط موظفي الدَوْلَة والقطاع العام رقم14 لسنة 1991 المُعَدَّل, وذلك في مجال طعون المُوَظَّفين بالعقوبات الإنضباطية التي تُفرَض عليهم إستنادًا للمادة(8) مِن هذا القانون. ويجب أنْ يُقدَّم التظلُّم إلى الجِهَة التي أصدرت القرار بفرض العقوبة خلال(30) يوماً مِن تاريخ تبلغ المُوَظَّف به , وعلى هذه الجِهَة البت فيه خلال (30) يوماً من تقديمه إليها وإذا إنتهتْ هذه المدة دون البت فيه, يُعدُّ ذلك رفضاً للتظلم. ويُشتَرط أنْ يُقدَّم الطعن لدى مجلس الإنضباط العام( محكمة قضاء المُوَظَّفين حاليًا) خلال(30) يوماً من تاريخ تبلُّغ المُوَظَّف برفض التظلم حقيقةً أو حكمًا , ويعتبر القرار غير المطعون فيه خلال المدة أعْلاه وقرار المحكمة الصادر نتيجة الطعن باتاً .
وليس فقط في مجال طعون المُوَظَّفين بل أيضاً أخذ المشرع االعِراقيّ بالتظلم الوجوبي أمام الجِهَة الإِداريَّة المختصة مِن جميع القرارات التي يُراد الطعن فيها أمام محكمة القضاء الإِداريَّ , فبموجب المادة (7) من قانون مجلس شورى الدَوْلَة رقم 106 لسنة 1989 المُعَدَّل يُشترَط قبل تقديم الطعن أمام هذه المحكمة أنْ يتظلم صاحب العلاقة لدى الجِهَة الإِداريَّة المختصَّة والتي عليها البتّ في التظلم خلال(30) يوماً مِن تاريخ تسجيله لديها, ويجب على المتظلِم أنْ يُقدِم طعنه أمام المحكمة خلال (60) يوماً مِن تاريخ إنتهاء مدة الثلاثين يوماً المذكورة وإلّا سقط حقه في الطعن. وبموجب المادة (5/سابعاً/ أ , ب) مِن قانون التعديل الخامس لقانون مجلس شورى الدَوْلَة رقم 17 لسنة 2013 تم تحديد مدة (30) يوماً تبدأ مِن تاريخ تبلغ صاحب العلاقة بالقرار أو إعتباره مبلَّغاً يجب خلالها تقديم التظلم لدى الجِهَة المختصة .
النوع الثانِيّ: الرِقابَة القَضائِيَّة:- تُعَدُّ رقابة القضاء على أعمال الإدارة أهمَّ وأجدى صور الرِقابَة والأكثر ضماناً لحقوق الأفراد وحرياتهم لِما يتميَّز به القضاء مِن إستقلالٍ وما تتمتع به أحكامه مِن قوةٍ وحجيَّةٍ تُلزِم الجميع بتنفيذها وإحترامها . والأصل هو خضوع جميع القرارات الإِداريَّة النهائية لرقابة القضاء إعمالاً لمبدأ المَشْروعيَّة. ومِن المُستقِر وجود نوعين مِن نُظُم الرِقابَة القَضائِيَّة على أعمال الإدارة, الأَوَّل يسمى نظام القضاء الموَّحد والثانِيّ يسمى نظام القضاء المزدوج(55) .
ففي نظام القضاء الموَّحد تنحصر الرِقابَة القَضائِيَّة في دائرة ضيقة وذلك بمظهرٍ واحد مِن مظهري الرِقابَة وهو قضاء التعويض فقط, حيث لا توجد إلّا جهة قضائية واحدة تختص بالفصل في جميع أنواع المنازعات سواء نشأت بين الأفراد بعضهم ببعض أو بينهم وبين الإدارة(56), وفي نظام القضاء المزدوج تكون الرِقابَة القَضائِيَّة في نطاقٍ أوسع , حيث يقوم هذا النظام على أساس وجود جهتين قضائيتين مستقلتين , جهة القضاء العادي وتختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أو بينهم وبين الإدارة عندما تتصرَّف كشخصٍ عادي, ويُطبِّق القضاء على هذا النزاع أحكام القانون الخاص, وجهة القضاء الإِداريَّ وتختص بالفصل بالمنازعات التي تنشأ بين الأفراد والإدارة عندما تتصرَّف كشخصٍ مِن أشخاص القانون العام, ويُطبِّق القضاء على هذا النزاع أحكام القانون العام. فوِفقاً لهذا النظام تَخضَع جميع القرارات الإِداريَّة لرقابة القضاء الإِداريَّ إلْغاء وتعويضاً إلّا في إستثناءاتٍ معيَّنةٍ(57) .
وتجدر الإشارة إلى إنَّ محكمة القضاء الإِداريَّ في االعِراق تمَّ إنشاؤها بموجب القانون رقم 106 لسنة 1989 (58) قانون التعديل الثانِيّ لقانون مجلس الدَوْلَة رقم 65 لسنة 1979المُعَدَّل, إذ حدَّد هذا القانون إختصاص المحكمة بالنظر في صحة الأوامر والقرارات الإِداريَّة التي تصدر من المُوَظَّفين والهيئات في دوائر الدَوْلَة والقطاع العام. وبإنشاء هذه المحكمة أصبح االعِراق يأخذ بنظام القضاء المزدوج. ثم بعد ذلك صدر القانون رقم 17 لسنة2013(59) قانون التعديل الخامس لقانون مجلس الدَوْلَة والَّذي تم بموجبه إنشاء محاكم إدارية أخرى في المادة (2/أولًا)منه, بالفقرات (د-المحكمة الإِداريَّة العليا. ه- محاكم القضاء الإِداريَّ. و- محاكم قضاء المُوَظَّفين( التي حلَّت
محل مجلس الإنضباط العام )).
وفيما يخص ولاية القضاء الإِداريَّ فقد كان التوجه سابقًا نحو إستثناء بعض الأعمال القانونِيِّة من ولاية القضاء الإِداريَّ لخصوصيتها كأعمال السيادة وبعض القرارات الأخرى كما نصَّت على ذلك المادة(10) من قانون التَنْظِيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المُعَدَّل, والمادة(7/خامسًا/ أ, ب, ج) من قانون رقم 106 لسنة 1989, وبالتالي فهي تُعتَبر مُحصَّنة من الطعن فيها أمام القضاء.
إلّا إنَّ دُسْتورنا الحالي نصَّ في المادة(100) منه على: " يُحظَر النص في القَوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري ضد الطعن". ونصَّت المادة(1) من القانون رقم 17 لسنة 2005(60) قانون إلْغاء النصوص القانونِيِّة التي تمنع المحاكم من سماع الدعوى على: " تُلغى النصوص القانونِيِّة التي وردت في القَوانين والقرارات الصادرة من مجلس قيادة الثورة (المنحلّ) إعتبارًا من 17/7/1968 لغاية 9/4/2003 التي تقضي بمنع المحاكم من سماع الدعاوى الناشئة عن تطبيق القَوانين وقرارات مجلس قيادة الثورة ( المنحلّ)".
وبذلك أصبحت ولاية القضاء الإِداريَّ تشمل جميع القرارات الإِداريَّة النهائية التي تتنافى مع مبدأ المَشْروعيَّة ومنها قرارات التَعْيين في وظائف الدَوْلَة .

الفَرْعُ الثانِيّ
التَطْبيقاتُ القَضائِيَّة
أصدر القضاء الإِداريَّ االعِراقيّ العديد مِنَ المبادئ والأحكام والقرارات القَضائِيَّة تطبيقًا لدوره الرِقابيّ في الحفاظ على مبدأ المَشْروعيَّة, وسنورِدُ بعضًا منها وبما يتَّصل بقرار التَعْيين:
أولًا: القرارات الصادرة/ المتعلِّقة بمدى توافر شروط التَعْيين : قلنا بأنَّ التَشْريعات االعِراقيّة إشترطت في المتقدِّم للتَعْيينِ توافر شروط معينة, فإذا تخلَّف شرطٌ منها توجَّب عدم تَعْيينِه ولكن قد يحصل أنْ تكون هذه الشُروط متوفرة عند التَعْيين إلّا إنّه بعد صدور قرار التَعْيين قد ينتفي أحدها عند ذلك يصاب قرار التَعْيين بعدم المَشْروعيَّة ممّا يستوجب تقويمه, وفي هذا الصدد نورِد بعض الأحكام القَضائِيَّة:-
1- قرار مجلس الدَوْلَة بالرقم 7154 بتاريخ 12/11/2010 نصَّ على: " في حالة ثبوت عدم توفر شروط التَعْيين المنصوص عليها في المادتين (7), (8)من قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة رقم 24 لسنة 1960 في المُوَظَّف عند التَعْيين لأول مرة تُلزَم الإدارة بإقصائه"(61).
2- قرار للمحكمة الإِداريَّة العليا بالرقم 133/2017 بتاريخ 23/11/2017 نصَّ على: " ... ثانيًا: " يُقصى المُوَظَّف المعيَّن لأول مرة على أساس شهادة دراسية مزوَّرة ..."(62).
3- قرار للمحكمة الإِداريَّة العليا بالرقم 54/55/قضاء موظفين/تمييز/2014بتاريخ 19/2/2015 نصَّ على: " يُقصى المُوَظَّف المعيَّن لأول مرة إذا تخلَّف فيه شرطٌ أو أكثر مِنْ شروط التَعْيين"(63). وبنفس المضمون قرارها رقم 273/قضاء موظفين /تمييز/2015 بتاريخ 27/3/2015 (64).
ثانيًا: القرارات الصادرة/ المتعلِّقة بالحدِّ الأعلى للسن القانونِيِّ : فيما يخص الحد الأعلى للسن القانونِيِّ للتَعْيينِ نورِد قرارًا لمجلس الدَوْلَة بالرقم 1/2014 بتاريخ 15/1/2014 جاء فيه: " أولًا: لم يُحدِّد القانون السن الَّذي يمتنع فيها التَعْيين بالوَظيفَة العامَّة طالما كانت دون السن القانونِيِّ للتقاعد. ثانيًا: للإدارة أنْ تشترط في بعض الوَظائِف عدم بلوغ المرشح للتَعْيينِ سن معينة على وفق طبيعة الوَظيفَة المرشح إليها"(65) .
ثالثًا: القرارات الصادرة/ المتعلِّقة بالجِهَة الإِداريَّة المخوَّلة بالتَعْيين - فيما يخص شرط أنْ تكون الجِهَة الإِداريَّة مخوَّلة بالتَعْيين نورِد قرارًا لمجلس الدَوْلَة بالرقم 12/2010 بتاريخ 27/1/2010 جاء فيه: "المحافظ مخوَّل بإتخاذ الإجْراءات الإِداريَّة والقانونِيِّة للمُوَظَّفين العاملين في المحافظة"(66) .
رابعًا: القرارات الصادرة/ المتعلِّقة بإجْراءات التَعْيين - فيما يخصُّ إجْراءات التَعْيين التي حدَّدتها التَشْريعات االعِراقيّة نورِد قرارًا لمحكمة القضاء الإِداريَّ بالرقم 38 بتاريخ 1/4/2010 نصَّ على: " إنَّ التَعْيين في الدرجة الخاصة والإستفادة من مزايا هذه الدرجة يتطلَّب إتِّباع الآلية المنصوص عليها في الفقرة(ب) من البند ( خامسًا) من المادة(61) من الدُسْتور"(67).
خامسًا: القرارات الصادرة/ المتعلِّقة بممارسة الإدارة للرقابة الإِداريَّة - فيما يخص ممارسة الإدارة للرقابة الإِداريَّة نورِد قرارًا للمحكمة الإِداريَّة العليا بالرقم 463/قضاء موظفين/ تمييز/ 2013 بتاريخ 10/8/2017 جاء في: " مِنْ حق الإدارة إعادة النظر في القرار الإِداريَّ المعيب عيبًا جسيمًا"(68) .


الخاتِمَة
أوَّلاً : النتائِج
في ختام بحثنا لموضوع "التَنْظِيم القانونِيِّ للتَعْيينِ في التَشْريعات االعِراقيّة" توصَّلنا إلى بعض النتائج هي ثمرة هذه الدراسة، وسنورِدُ أهمَّها إتماماً للفائدة العلمية والعَمَليَّة وهي:-
1- لم تُحدِّد التَشْريعات االعِراقيّة تعريفًا للتَعْيينِ وإكتفتْ فقط بالإشارة إليه, الأمر الَّذي دفع الفقه القانونِيِّ لتعريفه بتعريفاتٍ عدة, وقد توصَّلنا من مجمل هذه التعريفات إلى تعريفه بأنَّه" عملٌ قانونيٌّ فرديٌّ يصدرُ من جهةٍ إداريةٍ مختصَّةٍ يتمُّ بموجبهِ إنشاءُ مركزٍ قانونيٍّ لشغل الوَظيفَة العامَّة خدمةً للصالح العام", ويكون المُوَظَّف في مركزٍ تَنْظِيمي يخضع لِما تضعه الدَوْلَة مُسبقًا مِنْ قواعد لتَنْظِيم هذا المَرْكَز.
2- هنالك شروطًا للتَعْيينِ حدَّدتها التَشْريعات االعِراقيّة فهذه يجب أنْ تُستوفى, منها ما يتعلَّق بطالِب التَعْيين وهذه قد تكون شروطًا عامة يستلزمها التَعْيين في جميع الوَظائِف, وقد تُضيف إليها بعض التَشْريعات الخاصة شروطًا للتَعْيينِ في وظائف محددة تستلزمها طبيعة هذه الوَظائِف. ومنها ما يتعلَّق بالجِهَة الإِداريَّة التي تتولّى التَعْيين إذ إنَّ المشرِّع قد خوَّل عدة جهات بذلك سواءً بنصٍّ دُسْتوري أم بنصٍّ قانونيٍّ عاديٍّ وبحسب طبيعة كل وظيفة. كما أنَّ هناك إجْراءات خاصة للتَعْيينِ يجب أنْ يتم بموجبها وإلّا كان قرار التَعْيين معيبًا بعدم المَشْروعيَّة.
3- هنالك ضوابط وأُسس حدَّدتها التَشْريعات االعِراقيّة تتم في ضوئها عملية التَعْيين في وظائف الدَوْلَة, وقد وضعها المشرع تحقيقًا للعدالة والمساواة بين الجميع طالما إستوفوا الشُروط المطلوبة قانونًا, فهذه يجب أنْ تُراعى وإلّا كان قرار التَعْيين معيبًا بعدم المَشْروعيَّة وبالتالي يجب تقويمه لأنَّه خاضعٌ للرقابة (من قِبَلِ جهاتٍ خوَّلها المشرِّع تلك المهمة), والتي تعني إجراءٌ تقوم به سلطةٌ مختصَّة بقصد التأكد من أنَّ القرارَ قد تمَّ وفقًا للقانون وللهدف الَّذي وُضِعَ له أم لا. وهي إمّا تكون رقابة غير قضائية (سياسية, إدارية تلقائية أو بناءً على تظلَّم) أو تكون رقابة قضائية يمارسها القضاء الإِداريَّ متمثلًا بـ(محكمة قضاء المُوَظَّفين, محكمة القضاء الإِداريَّ, المحكمة الإِداريَّة العليا) والَّذي أصبحت له الولاية الشاملة على جميع القرارات الإِداريَّة النهائية الصادرة من الجهات الإِداريَّة المختلفة في الدَوْلَة, وقد أصدر العديد من المبادئ والأحكام والقرارات القَضائِيَّة بهذا الصدد.
ثانيًا: التَوْصِيات
1- ندعو المشرِّع االعِراقيّ إلى الإسراع في تشريع قانون االخِدْمَة المَدَنِيَّة العامَّة الإتِّحادي لما سيكون له مِنْ دورٍ كبير في تَنْظِيم كل ما يتعلَّق بالوَظائِف العامَّة وبالأخص عملية التَعْيين في وظائف الدَوْلَة بالتنسيق بين الجهات المختلفة المعنية بتوفير الدرجات الوظيفية الشاغرة والتخصيصات المالية اللازمة لها, لإستيعاب الأعداد الهائلة من شبابنا الصالحين للتَعْيينِ إلّا إنَّ قلة الوَظائِف الشاغرة وشيوع آفة الفساد وتدخُّل عوامل المحسوبية والمنسوبية والمحاصصة المقيتة تحول دون الإستفادة من طاقاتهم الكبيرة وإستثمارها في خدمة الصالح العام.
2- ندعو المشرِّع إلى إعتماد نظام المنافسة والإختبار في التَعْيين حتى بالنسبة للوظائف الخاصة لما له من دورٍ كبير في تحقيق العدالة والمساواة في تولّي هذه الوَظائِف, خاصةً وأنَّه يعتمد على إختبار المؤهلات المطلوبة بصورة عملية بعيدًا عن أمْزِجة وإنتقائيَّة القائمين على عملية التَعْيين وضغوط الآخرين عليهم, وبالتالي يتم شغل هذه الوَظائِف من بين المتنافسين وحسب الترتيب التسلسلي لدرجاتهم التفاضلية من الأعلى إلى الأدنى.
3- ندعو المشرِّع إلى تقليل السن القانونِيِّ للإحالة على التقاعد وتشجيع المشمولين به على طلب الإحالة من خلال منحهم كامل المستحقات المالية أُسوةً بأقرانهم ممَّن في االخِدْمَة قدر المستطاع أو بفارقٍ ضئيلٍ جدًا تثمينًا لسنين عمرهم التي قضوها في خدمة الصالح العام وحتى لا يتأثر وضعهم الإقتصادي والإجتماعي والنفسي بعد التقاعد, وبذلك يتم إيجاد درجات وظيفة شاغرة لإستيعاب الأعداد الكبيرة من الطاقات الشابة وإعطائهم الفرصة لإظهار هذه الطاقات وإستثمارها في خدمة الصالح العام ممّا يُسهِمُ في تطوير البلد وإستقراره وإزدهاره.


***وآخِرُ دَعْوانا أنِ الحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمين***

الهَوامِش

تحميل الملف المرفق Download Attached File

تحميل الملف من سيرفر شبكة جامعة بابل (Paper Link on Network Server) repository publications

البحث في الموقع

Authors, Titles, Abstracts

Full Text




خيارات العرض والخدمات


وصلات مرتبطة بهذا البحث