اختراق القيم: مصطلح تربوي جذوره نفسية أطلقه (لأول مرة) كمصطلح جديد في مجال العلوم التربوية والنفسية وهو نافع لإقامة عليه عشرات الدراسات ويعرف بأنه : تفريغ القيمة (الاخلاقية او التربوية، أو الدينية) من محتواها الجوهري مع بقاء قوامها الظاهري فيتوهم الغالب أن المقصود يحملها وفي حقيقته يخلو منها أو من كثير من مصاديقها) إن ظاهرة اختراق القيم هي أخطر من ظاهرة ضرب القيم وتحطيمها لأن الاولى توهم المرء إنه يمتلكها ويحافظ عليها وهو عكس ذلك، أمّا في الثانية فهو في حرب معها وسيكون هناك تيار يحارب من اجلها، أمِا الاولى فقلة مناصريها لأسباب نفسية واجتماعية.
تكثر ظاهرة اختراق القيم في فئات المجتمع المتدينة - ظاهرا-، والعشائرية، التي تحثها النفس الامارة بالسوء الى ضرب القيمة ومن ورائها الشيطان، ولكن عقلها الواعي لايريد ذلك، فيتدخل العقل الباطن ليحدث حالة من الاستقرار النفسي فيوهم الشخص بأنه متمسك بالقيمة الاخلاقية او الدينية، وفي نفس الوقت متحرر من ضوابطها الصارمة.
امّا ظاهرة ضرب القيمة فهي تكثر في الفئات المتحررة من المجتمع والتي لايهمها الضوابط القيمية، وذلك لخلل في تركيبتهم التربوية تمتد جذورها لمرحلة الطفولة.
*أمثلة واقعية لاختراق القيم:
- الرزق الحلال: الكثير ممن يعمل في وظائف الدولة يتبجح بأنّ رزقه حلال، ولو سألته كم من الوقت يقضيه في العمل المنتج من أصل (8 ساعات) واجبة وهنا ستختلف الاجابة من موظف الى أخر فمن ساعة الى أكثر أو أقل، وهذا بسبب إيهام العقل الباطن له بالرزق الحلال ولو طبقه على المعايير الشرعية لوجد فيه اشكالا كبيرا.
- التدين الظاهر: ظاهرة كثيرا ما نشاهدها في المجتمع لأشخاص يطيلون اللحى (للرجال) ويحملون مسبحة يؤدون الواجبات، وبعض المستحبات ، ويتحدثون بأمور الدين، ولكن لا يتورع من الواسطة، أو الغيبة، او ظلم الاخر ما استطاع اليه سبيلا، أي إنه اذا ما محص بالبلاء أو المواقف قل الديانون.
-التواضع الخادع: قيمة عليا حث عليها ديننا، هناك بعض الاشخاص يتحدث فيها كثيرا إيهاما للسامع إنه يمتلكها، ولكن في نفس الوقت تراه يحب الظهور وتسليط الاضواء عليه، يحب المقدمة في كل شيء، لايحب من يسبقه ، يتحدث بالانا من حيث لايشعر، بل قد يصل به الحال الى استبعاد من يستشعره منافسا له، ومع كل هذا يمثل حالة التواضع الخادع.
-الحجاب: قيمة اسلامية عليا تحافظ كثير من النساء عليها فتعتني كثيرا بحجاب الرأس فقط عند الكثير ولكن لا مانع لديها من لبس مايبرز جسدها، في حين أنّ الحجاب الذي دعا اليه الدين ( لايصف ولايشف)، فنجد هذه القيمة قد فرغت من محتواها.
-الزوج أو الزوجة الصالح/ة: قيمة يبحث عنها كل من يريد أن يزوج ابنه او بنته عن صفة الصالح، ولكن هذه القيمة تخترق عندما يجدون بعض الجمال أو المال في المقابل، ولأنهم لايريدون خداع عقلهم الحاضر، يتبنى العقل الباطن خلع مجموعة من الصفات غير الموجودة بالزوج أو الزوجة ، او يوهم بقابلية التغيير و التوبة والصلاح، فلهذا نجد حالات الطلاق الكثير التي تنذر بتفكك المجتمع.
وهناك العشرات من القيم التي تمّ اختراقها لمجال لتفصيلها نفصلها بأذن الله تعالى في مورد آخر.
الباحث
أ.د سيف طارق العيساوي
جامعة بابل/ التربية الاساسية