عنوان البحث(Papers / Research Title)
اشكالية الاستقلال في المسرح العربي المعاصر
الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)
محمد حسين محمد حبيب الحبيب
Citation Information
محمد,حسين,محمد,حبيب,الحبيب ,اشكالية الاستقلال في المسرح العربي المعاصر , Time 6/17/2011 10:31:59 AM : كلية الفنون الجميلة
وصف الابستركت (Abstract)
خلاصة بحث اكاديمي اسهم فيه الباحث في مهرجان القاهرة الدولي 2008
الوصف الكامل (Full Abstract)
إشكالية الاستقلال في المسرح العربي المعاصر
د. محمد حسين حبيب
عادة ما تنحو مفردة ( الاستقلال ) الوجهة السياسية أو الوطنية , وأحيانا تتخذ المفردة نفسها الوجهة الذاتية ذات الطابع الفردي , وأحيانا أخرى تلتصق هذه المفردة بمفردة أخرى لتشكل مصطلحا جديدا يمكن أن نتدارسه بالفحص والتحليل , وهذه هي الركيزة المحورية لهذه الورقة التي تحاول الوقوف عند مصطلح ( الاستقلال المسرحي ) بوصفه ظاهرة مسرحية جديدة تحاول أن تؤسس لها كيانا مسرحيا متميزا , وسط هذا الكم الهائل من الكيانات المسرحية بمسمياتها المتعددة , وتباين مديات الإبداع الجمالي فيها .
ففي مفهوم الاستقلال المسرحي يتوجب القول بان المسرح صوت إعلامي مدوي , ولذا فقد عد المسرح وسيلة إعلامية مهمة كمختلف الوسائل الإعلامية الأخرى لكن ما يميزه عن هذه الوسائل , القدرة التأثرية على الناس في طرحه لقضاياهم المصيرية فضلا عن امتلاكه عناصر جذب جمالية وفكرية تفسح المجال اكثر لقدرته التأثيرية , وهنا تكمن خطورة المسرح , وما تفسير حذر الكثير من السلطات الحاكمة منه في أي زمان ومكان و متابعتها له ومحاولة تسييسه احيانا على وفق ايديولوجية معينة , الا دليل على دوره الخطير والمؤثر في صفوف الجماهير برغم تمايز مستويات الوعي في ما بينهم .
وفوق هذا تحاول هذه الوسيلة الاعلامية ( المسرح ) ان تكون مستقلة ولها كيانها الخاص بها ايمانا منها بحرية التعبير الفني , فجاء مصطلح ( المسرح المستقل ) بوصفه تيارا جديدا يحاول ان يضع نفسه وسط قائمة طويلة من الكيانات المسرحية التي تتقارب مع مفهومه احيانا وتتختلف عنه احيانا اخرى , ونورد بعض من هذه التيارات المسرحية بمسمياتها الواردة نفسها في المعجم المسرحي : ( المسرح الحر ) و ( المسرح البديل ) و ( المسرح المعارض ) و ( المسرح الحميمي ) و ( المسرح المضطهد ) و ( مسرح الحياة اليومية ) و ( المسرح العفوي ) و ( مسرح العصابات ) كما تجدر الاشارة ايضا الى اشكال مسرحية اوربية معارضة نجد فيها اقترابا من حيث المفهوم الفكري للمسرح المستقل , مثل : ( المسرح التجريبي ) و ( المسرح الشعبي ), كذا الحال مع تسمية ( المسرح التجاري ) و ( المسرح السياسي ) وهناك ايضا ( المسرح التحريضي ) و ( مسرح الهواة ) .. اما ( المسرح المؤسساتي ) فهو الوحيد الذي يقف على النقيض من المسرح المستقل كتسمية ومفهوم .
ان تكون مستقلا يعني ان تكون حرا , ولهذا وجدنا ان مصطلح ( المسرح الحر ) من اقرب المسميات الى مصطلح المسرح المستقل , ويذكر ان المسرح الحر يرتبط بالمخرج الفرنسي اندريه انطوان ( 1858 – 1943 ) وقد انشأه في باريس وقدم فيه مسرحيات واقعية وطبيعية من الربرتوار المعاصر وبحسب المعجم المسرحي فقد " اختار انطوان اسم المسرح الحر للتعبير عن رغبته في التحرر من التقاليد والاعراف المسرحية السائدة, وفي الاستقلال عن المؤسسات الرسمية والتوجه الى جمهور جديد , وفي تجديد الحركة المسرحية من خلال تقديم نصوص غير معروفة لكتاب شباب . وقد عرض هذا المسرح خلال عمله القصيرة اكثر من مائة مسرحية جديدة , وساهم في اطلاق شهرة مؤلفين امثال السويدي اوغست سترندبرغ ( 1849-1912 ) والنرويجي هنريك ابسن ( 1828 – 1906 ) . "
هذه المواصفات للمسرح الحر نجد فيها مقاربة موضوعية مفاهيمية مع المسرح المستقل ويمكن ان نجد ايضا مقاربات اخرى مع ما ذكرناه من مسميات مسرحية , ولهذا ارتأى الباحث ايراد عدة تقسيمات لهذا الاستقلال المسرحي بهدف تجنب الخلط المفاهيمي للمصطلح ومحاولة فرز المعنى المراد الوصول اليه قدر الامكان . وهذه التقسيمات المقترحة هي : اولا – (الاستقلال المسرحي الانتاجي) : وهو معنى بالدرجة الاساس باستقلال الفرقة المسرحية ماديا عن أي جهة داعمة او مؤسسة حكومية ما , حيث انها أي الفرقة تمول نفسها ذاتيا ومصدرها في هذا التمويل القائمون عليها انفسهم ومن مالهم الشخصي الامر الذي ربما يشكل مستقبلا تكوين خزين مالي من ايرادات عروضهم المسرحية واعتمادهم على هذا الخزين المدور .. وهذه الحالة معرضة للربح وللخسارة فالامر مرهون بنجاح العرض المقدم او فشله جماهيريا .
ولدينا تجربة المسرح الاستهلاكي المعروف بالتجاري في اكثر البلدان العربية لعروض هبطت بمستواها نحو فكرة (الجمهور عاوز كده ) جاعلة الربح المادي هدفها الاساس , وهي برغم انها حققت استقلالها المادي فعلا , الا انها اساءت للمسرح ولرسالته الاخلاقية والتربوية والجمالية . ثانيا : ( الاستقلال المسرحي السياسي ) : وهو ان لاترتبط الفرقة المسرحية باية مؤسسة من مؤسسات الدولة الحاكمة او أي حزب فيها او اتجاه ديني او أية منظمة اخرى تابعة لتكتلات معلنة او مخفية , داخلية او خارجية , والابتعاد عن أي ايديولوجية معينة يمكن ان توفر لها دعما ما لاغراض ترويجية دعائية خارج الدور الابداعي للمسرح , لان الفرقة يمكن ان تتحول حين ذاك الى وسيلة دعاية رخيصة انضوت تحت هذه المؤسسة او ذلك الحزب , ولهذا يجب ان لا تقع الفرقة المسرحية المستقلة في مثل هذه الهوة السحيقة حفاظا على سمعتها الفنية .
ثالثا : ( الاستقلال المسرحي الجمالي ) : هذا النوع من الاستقلال هو ما نسعى الى فرزه وبيان تجلياته الفكرية والفنية على مستوى الخطاب المسرحي الذي تصوغه الفرقة المسرحية المستقلة جماليا , فهي وان – احيانا – حصلت على دعمها المادي من الدولة مثلا , الا انها تمتلك حرية انتاج خطابها المسرحي على وفق رؤية مسرحية ومعالجة فنية ترتكز على مقتضيات العمل المسرحي نفسه واسلوب اخراجه المرهون بحالة الابداع والالهام واللجوء الى الحلم والى ما وراء الاشياء بغية التحليق بقيم انسانية عليا , ووضع اسقاطات فكرية تحتمل القراءة والتاويل والتحليل والترميز لبواطن الاشياء , لتؤسس بعد ذلك المعنى الاستقلالي الصريح جماليا عن قناعة وايمان وصدق القائمين على التجربة جميعهم . ويمكن ان تتحول هذه التجربة الى ظاهرة او اتجاه او اسلوب مسرحي جمالي يجد له امتدادا في الاخرين يولد لديهم تفاعلا جماليا متواصلا.
اما عن الاستقلال في المسرح العربي فنشير الى انه من بين معطيات عديدة انتجتها حركة النهضة العربية هي الاستجابة السريعة التي حققتها مجالات فنية وعلمية متعددة لترسيخ هذه النهضة عبر مديات ابداعية يقظة بدات من الجذور الاولى للحضارة العربية مرورا بجميع العصور التاريخية المتعاقبة التي كان فيها العربي صاحب اليد الاولى في تفعيل جل المستويات الحياتية والاخذ بها قدما نحو مناطق النهوض ومواجة ( الآخر ) ومعرفته والتصدي له بجميع الوسائل المعرفية منها والمادية .
من هنا كانت الاستجابة التي حققها ( المسرح العربي ) في النهوض والبحث عن (هويته المستقلة ) الغائبة وإيجاد السبل السريعة التي من شانها تأصيل المسرح والتعريف بجميع ملامحه التراثية بغية الكشف عن مساحات أدبية موروثة والتحاور معها أو إعادة إنتاجها مسرحيا في ضوء قراءة جديدة و تسعى هذه القراءة هي الأخرى إلى نوع من الاستقلالية المنتظرة .. عندها كانت الانطلاقة الأولى في موسمها الأول للبحث عن ألذات الأصل وتفعيل هويتها لتواجه الآخر المستورد – بفتح الراء – مواجهة معرفية واعية .
لقد هيمن البحث – ولا يزال – على الساحة المسرحية العربية وصار هو الظاهرة الأولى التي يبحث عنها ولها عدد غير قليل من المسرحيين العرب إلى جانب عدد قليل من المستشرقين وعلى مستويات فنية متعددة تنظيرية منها وتطبيقية .
كان اول لقاء جرى على المستوى العربي في بيلاجيو 1936م أعقبته بعدها المهرجانات المسرحية العربية التي كانت ومازالت تقام في القاهرة ودمشق والرباط إلى جانب مهرجانات عراقية كلها كانت تبحث جاهدة عن السبل الكفيلة التي تصل بها الى هوية المسرح العربي الخالصة واستقلاليته . ولقد ظهرت الدراسات والنصوص المسرحية التي انجزها العدد الأكبر من الكتاب والنقاد والباحثين والمخرجين العرب أمثال : (توفيق الحكيم و يوسف ادريس و علي الراعي و محمود ذياب و عبد الكريم برشيد و الطيب الصديقي و سعد الله ونوس و قاسم محمد و سامي عبد الحميد و فاضل خليل و عز الدين المدني و محمد المديوني و روجيه عساف و حسن المنيعي و وليد اخلاصي و فرحان بلبل و يوسف العاني و عادل كاظم و سلمان قطاية و علي عقله عرسان و عبد الحميد يونس و محمد كمال الدين و عبد الحليم كركلا .. والقائمة تطول , هذا فضلا عن الفرق والجماعات المسرحية العربية التي اثرت بشكل فاعل ومباشر للنهوض بتاصيل المسرح العربي وهويته , من هذه الفرق والجماعات نشير الى ابرزها مثل : ( جماعة المسرح الاحتفالي , و جماعة مسرح الحكواتي , و مسرح السرادق و مسرح السندباد السياسي و مسرح الفوانيس و مسرح الفرجة و فرقة المسرح الفني الحديث العراقية .
لقد قدمت هذه الفرق والجماعات باسماء مخرجيها ومؤسسيها نتاجات مسرحية كبيرة الى جانب التنظيرات والدراسات الاكبر اهمية حققت من خلالها تطورات ملموسة جدا اسهمت في الوقوف عند تجليات العرض المسرحي العربي فنيا وفكريا للوصول الى استقلالية جمالية , هذا فضلا على الدور الذي أداه النقد المسرحي العربي الذي اخذ على عاتقه مهمة الحكم والتفسير والتقريب بين وجهات النظر الموضوعية لأنه – أي النقد – هو المسئول الأول والأخير عن إعلان هوية المسرح العربي واستقلاليته , إذا ما وجدها الهوية الحقيقية التي تستحق فعلا الإعلان عنها والترويج لها .
لقد وجدت المحاولات العربية نفسها في حيرة , ذلك ان القراءة لثقافتنا الموروثة وجدت نفسها بين امرين لا ثالث لهما : الاول الجري وراء اشكال التعبير الغربي المستورد من الاخر . والثاني محاولة التمسك بالجذور التراثية شكلا ومضمونا الى جانب الاشكال والمضامين المحلية ضمن مرجعياتها الشعبية المتوارثة .
هذه الثنائية جعلت المسرح في حالة تحد كبيرة . يضاف الى هذه الانشطارية ان جل الواجهات المسرحية العربية بدأت شيئا فشيئا تخلو من تراثنا العربي الأمر الذي يؤدي حتما الى حفر هوة عميقة في ثقافة الجيل المعاصر والأجيال المتعاقبة .
لكن اذا كان لابد من فرز بعض من هذه الجهود العربية الفردية منها والجماعية التي حققت استقلالية فنية وفكرية من بين ماقدمته على صعيد التنظير والتاليف والاخراج المسرحي ونخص بالذكر : توفيق الحكيم و يوسف ادريس وعبد الكريم برشيد و روجيه عساف و قاسم محمد , مع التنويه الى وجود مشتركات اسلوبية في المعالجة والتوظيف التراثي وسينوغرافيا العرض المسرحي والبحث عن الامكنة المغايرة وغير ذلك لكن الاستقلال الجمالي بشكل عام قد تحقق بتباينات ابداعية بين هذا وذاك الا انها في النهاية تصب في مجرى واحد , مع ضرورة الاشارة الى خطاب المسرحي اللبناني عبد الحليم كركلا الذي يمتلك استقلالية جمالية خاصة كونه اعتمد لغة الرقص الدرامي الحديث في تشكيل خطابه المسرحي العربي عبر التوظيفات التاريخية والفلكلورية نفسها لكن باسلوب ادائي حديث ولغة مسرحية جديدة وهي لغة الجسد . لقد آمن كركلا بان للجسد قدراته الخلاقة وإمكانياته الجمالية لا بوصفه جسدا يتحرك , بل جسدا يفكر وينتج المعنى والجمال صانعا توازنا ما بين الروح والجسد من جهة وما بين الجسد والواقع من جهة اخرى , ان تجربة مسرح عبد الحليم كركلا في مسرحه الراقص وفي محاولته الجمالية في تكوين لغة مسرحية جديدة راقصة في خطاب العرض المسرحي العربي - حيث أسس عام 1970 اول مسرح عربي راقص - تعد اول تجربة عربية اعتمد فيها منتجها (توظيف جميع إمكانيات الممثل النفسية والجسدية، التي تنبع من كيانه وغرائزه وأحاسيسه، فدربه على الحركة والإيماء والتشكيل، وأبعده عن التناقض، بين تكنيك التدريب الداخلي أو الروحي، أي تجسيد الدور بالإشارات الداخلية.).
..................................................................................................
# هذه المقالة هي خلاصة المبحث الأول من الورقة النقدية التي ألقاها كاتبها في المحور النقدي لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته العشرين 2008م .
http://www.mhhabeeb.com/
تحميل الملف المرفق Download Attached File
|
|