عنوان البحث(Papers / Research Title)
الفروق الدلالية
الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)
عدوية عبد الجبار كريم الشرع
Citation Information
عدوية,عبد,الجبار,كريم,الشرع ,الفروق الدلالية , Time 6/19/2011 7:34:38 AM : كلية الدراسات العليا
وصف الابستركت (Abstract)
الفروق الدلالية
الوصف الكامل (Full Abstract)
بسم الله الرحمن الرحيم
الفروق اللغوية والدلالية بين الفاظ القرآن الكريم
د مثنى عبد الرسول الشكري
دكتورة عدوية عبد الجبار الشرع
جامعة بابل -كلية الدراسات القرآنية - قسم علوم القرآن
القرآن الكريم كتاب معْجِز، فهو معجزة الرسول محمد (صلى الله عليه واله ) للمشركين؛لانهم كانوا اصحاب فصاحة وبيان وبلاغة ،فكان القرآن الكريم يفوقهم فيها .
واسلوب القرآن الكريم متجانس ومنسجم بعضه مع بعض ،وكانه صورة واحدة ،أو جسد واحد في البناء ، والتركيب ،والمعنى ... وغيرها .
فالخطاب القرآني ، يضع الكلمات في المكان المناسب الذي تستحقه ، وحسب ما يقتضيه المقام ،بحيث يراعي النسق العام الذي وردت فيه هذه الكلمات .
فيرصف بعضها بجنب بعض بدقة متناهيه وعجيبة ،وحتى الكلمات نفسها،يصوغها صياغة بحيث تكون مراعية للنسق القرآني، فتقوي المعنى اكثر لمناسبتها له.
وتكون للمفردة في النسق القرآني فاعلية كبيرة جداً،وظلال قوية،وكأنها توحي من موقعها بمعنى كامل ومفهوم،فأذا أتحدت مع بقية المفردات اعطت المعنى قوة اكبر .
والقرآن الكريم كالبحر في عمقه،والخير الذي فيه كثير،والعلم الذي فيه عظيم،ولا زال الانسان يقف عاجزاًعن الالمام به والاحاطه بعلومه جميعها.ويتضمن أسلوب القرآن الكريم ظواهر لغوية عديدة،وفروقا دلالية كثيرة،وردت منسجمة مع النسق القرآني من الناحية الصوتية والافرادية والتركيبة والدلالية .
وكان بحثي أنموذجا بسيطا تضمن بعضا من هذه الفروق التي بحثتها في عدد في كتب اللغة،والتفاسير، والبلاغة،وكتب الفروق اللغوية،فكان الاعجاز العظيم واضحا بيناً ورائعاً في تلك الفروق ،حيث تناولت الالفاظ:(أنفجرت وانبجست)و(سنابل وسنبلات)و(يختصمون ويخصمون).
1-الانفجار والانبجاس:
وردت لفظتا(انفجرت)و(انبجست)في الخطاب القرآني في موضع واحد لكل منها.
فوردت لفظة (انفجرت)في سورة البقرة،أما لفظة(انبجست)فوردت في سورة الاعراف،وكانتا تمثلان فعلا سرديا ًذا مضمون حدثي واحد،وهو قصة موسى( عليه السلام)،وأستسقاؤه لقومه (بني اسرائيل)في التيه،حيث كان يحمل معه حجراً قيل انه من جبل الطور يشبه رأس الشاة ،وقيل أنه كان حجراًمربعا منفصلاً له اربع جهات،تنبع من كل جهة ثلاث عيون أذا ضربه موسى (عليه السلام،أما في حالة استغنائهم عن الماء ورحيلهم فأن العيون سوف تجف.
فكان لكل سبط من أسباط بني اسرائيل الاثني عشر،عين يشربون منها،فلا يدخل سبط على غيره في شربه .
فورد ها السرد وهو استسقاء موسى (عليه السلام) لقومه بتعبيرين مختلفين،تارة بلفظة(انفَجَرَتْ)وتارة اخرى بلفظة(انبجست).
ففي سورة البقرة،قال تعالى :(وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ )
اما في سورة الاعراف فقال تعالى: (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .
ان كل لفظة في القرآن الكريم لاتاتي عبثاًاو محض مصادفة ،بل تأتي في مكانها الذي خصصه الله (عزوجل)لها لتؤدي دورها في اكمال هذا النسيج البلاغي الرائع.
فالانفجار،في أصل اللغة :هو الانشقاق ،وانفجر الماء انفجاراُ انفتح ،والمتفجر:الموضع الذي يتفجر منه الماء .
ومن المجاز:انفجر عليهم العدو اذا جاءهم بغتة بكثر ،وانفجرت عليهم الدواهي،وفَجَرَالراكب عن السرج :مال عنه ،وسرنا في منفجر الرملة .
أما الإنبجاس :فهو من البَجْس:وهو الإنشقاق في قِرْبه ،أو حجر أو أرض . وانبجس الماء من السحاب والعين:انفجر وتبجس:تفجَر،وسحائب بجّس وبجّسها الله :وذلك من كثرة الوَدَكِ،وبه فَرَحه يبجسها الظفر . مما سبق نرى أن معنى (الانفجار والانبجاس)في اللغة واحد، وهو:خروج الماء؛إلا أنه أختلِفَ في كيفية تدفق هذا الماء في التعبيرين السابقين فالبعض يقول :((أن خروج الماء يكون في بدايته انبجاساً ثم يصير أنفجاراً))،ففي الانبجاس يكون خروج الماء قليلاً؛لأن(( الانبجاس يعني :الشق الضيق ثم يتفجر ويخرج بسة كبيرة،والإنفجار هو الشق الكبير،لذلك لايتناقضان))اذاً،فالانفجار هو خروج الماء بكثرة، والانبجاس خروجه بقلة،وتناول هذا الفرق بين الانفجار والانبجاس بالدراسة والتفكير والتدبر العلماء،من المفسرين واللغويين القدماء والمحدثين ،فكانت آراؤهم تقريباً واحدة .
فمن هذه الآراء،أن الانفجار والانبجاس يختلفان في الكثرة والقلة،وأن ورودهما في النسق القرآني لأجل الترتيب والتسلسل،فكان رأي النيسابوري أنه:((لعله انبجس اولاًثم انفجر ثانياً،وكذا العيون تظهر الماء قليلاًثم يكثر لدوام خروجه أو لعل حاجتهم تشتد تارة فينفجر وتضعف اخرى فينبجس))وكان للطبرسي الرأي نفسه،قال:((الانفجار:الانشقاق،والانبجاس أضيق منه فيكون أولاًانبجاس ثم يصير أنفجاراً، (فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عيناً) ورأينا في قوله في سورة الأعراف(فأنبجست)لأن الانبجاس هو الانفجار إلا أنه أقل ،وقيل:أنه لايمتنع أن يكون ،أول ما يضرب عليه العصا كان ينبجس عند الحمل،وينفجر عند الوضع)) .
أما السيوطي ،فكان الانفجار عنده أبلغ من الانبجاس في كثرة الماء،فجاء مناسباًلسياق ذكر النعم التعبيرية في سورة البقرة ، وهو ماذهب اليه الكرماني،من أن((الانفجار:انصباب الماءبكثرة،والانبجاس:ظهور الماء،فوردتا متناسبتين في سياقهما؛لأن في البقرة(كُلُواْ وَاشْرَبُواْ)فَذكِرَ بلفظ بليغ،وفي الاعراف(كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)،وليس فيه(واشربوا)فلم يبالغ فيه)) .
وذكر الدكتور فاضل السامرائي فضلا عما سبق من الفروق بين الانفجار والانبجاس،أن سورة البقرة مقام تعداد النعم،وأن موسى(عليه السلام)هو الذي استسقى ربه،فناسب اجابته بأنفجار الماء،فكان كل تعبير يناسب موطنه،وايضاً أن الله تعالى:قال لموسى(عليه السلام):أضرب بعصاك الحجر ولم يوح إليه وحياً فناسب ذلك انفجا الماء الكثير الغزير بخلاف ما ورد في سورة الأعراف،فجاء بالانبجاس.
وقيل:أن الماء أول ما انفجر كان كثيراً ثم َقلّ بعصيانهم،فعبّر في مقام المدح بالإنفجار وفي حالت الذنب بالإنبجاس.
والرآي_والله اعلم_أن نسق الآية في سورة البقرة،أراد الله (عزوجل)فيه إظهار تمام النِعَمْ على بني اسرائيل دون التدرج في اعطائها لهم،حتى لاتكون لديهم حجة على الله ورسوله،فانجاهم قبلها من ال فرعون الذين كانوا يسومونهم سوء العذاب ،وهو خلاص معْجِز وكبير،ثم تَكفّل بطعامهم،وكان بألّذه وهو(المن والسلوى)،وهو طعام أهل الجنة،وهذا تمام النعمة عليهم أيضاً.ثم سقاهم بماء يتفجر من العيون ،فذكر تمام النعمة من السقي وهي إنفجار الماء.ولم يذكر كيف بدأ الماء بالانبثاق ومراحله حتى انتهى إلى الإنفجار.
فوردت الكلمة مناسبة في معناها لبقية الأنساق في السورة الكريمة بتعدد نِعَم الله (عزوجل)على بني اسرائيل،وكيف كان منتهى الكرم والجود يقابله منتهى النكران والجحود.
وايضاًقوة الأمر في سورة البقرة في الفعل (اضرب)ووقوعه الحتمي القوي ؛لأتهم امر من الله (عز وجل)جاء مناسباً لإنفجار الماء فيها.
أما في سورة الأعراف ،فكان أمر الاستسقاء من الله (عزوجل)لموسى (عليه السلام ) بالإيحاء(وأوحينا الى موسى)،فورد الامر مخففاً ب(أن)التفسيرية وكأنها تخفف من حِدّة الضرب(أن اضرب بعصاك).فنلحظ ليناًورخاوةً وهمساً،جاءت منسجمةً مع لفظة(انبجست)والتي تكون صفات حروفها تدل على الهمس والرخاوة،والجهر والشدة ايضاً.
2-سنابل وسنبلات:
وردت في النسق القرآني الكريم صيغة جمع في موضع،ثم وردت صيغة جمع أخرى في موضع آخر،تمثلان عددا واحدا وهو(سبعة)،وذلك في سورتيّ:(البقرة ويوسف)،والصيغتان هما(سنابل وسنبلات).ففي سورة البقرة،وردت في قوله تعالى:( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) .
فدلت صيغة الجمع فيها على الكثرة.
أما في سورة يوسف،فوردت في قوله تعالى:( وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) .
فكان التعبير في هذا النسق القرآني بصيغة الجمع الدال على القلة،وهي( سنبلات)حينما رأى الملك في المنام سبع سنبلات خضرٍ قد انعقد حبها،وسبعاً أخَر يابسات وقد أستحصدت وادركت فالتوت اليابسات على الخضر على غلبن عليها فاضطرب الملك بسببه ؛ لانه ((شاهد أن الناقص الضعيف استولى على الكامل القوي فشهدت فطرته بانه ليس بجيد وأنه منذور بنوع من أنواع الشر،الا أنه ما عرف كيفية الحال فيه والشيء اذا صار معلوما من وَجْه وبقيّ مجهولاً من َوجْهٍ آخر،عظم تشوق الناس الى تكميل تلك المعرفة،وقويت الرغبة في اتمام النقص،فجمع الكهنه وذكرها لهم)) .
إن الاختلاف الوارد في النسقين السابقين لصيغتي الجمع،وجِّه بعدة توجيهات منها أن((آية البقرة سيقت في بيان المضاعفة والزيادة،فناسب صيغة جمع الكثرة،وآية يوسف لحظ فيها (أربعة)،وهو قليل،فأتى بجمع القلة ليصدق اللفظ المعنى)).وقيل أربعة؛لأنهم عَدّوا اليابسات سبعاً أيضا،والدليل على ذلك،((إن الكلام مبني على انصبابه إلى هذا العدد في البقرات السمان،والعجاف،والسنابل الخضر،فوجب أن يتناول معنى الأخر(السبع)،ويكون قوله وأخر يابسات بمعنى وسبعاً أخر،أن يعطف قوله-وأخر يابسات_على سنبلات خضر يقتضي ان تدخل في حكمها،فتكون معها مميزاً للسبع المذكورة)) .
أما في سورة البقرة،فَمّثِّلَ للمنفق في سبيل الله على نفسه ،كـ((مثل باذر حبّة،وسبيل الله :دينه،وقيل:الجهاد ،وقيل:جميع أبواب الخير، والمنْبِت هو الله،ولكن الحَّبة لما كانت سَبَباً أسنِدَ إليها الإنبات كما يسند إلى الأرض والى الماء،ومعنى إنباتها سبع سنابل،أن تخرج ساقا ًيتشعب منها سبع شعب لكل واحد سنبلة،وهذا التمثيل تصويرللاَضْعاف سواء وجد في الدنيا سنبلة بهذه الصفة أو لم توجد،على أنه قد يوجد في(الجاووس)و(الذرة)وغيرهما مثل ذلك)). ويوجهه بعضهم الى ان ((القرآن الكريم يعمد الى تصوير اضعاف الجزاء الذي يناله المنفق في سبيل الله ،وابتغاء مرضاته،في اوجه الخير والبر،بصورة حسية منتزعة اجزاؤها من الطبيعة النباتية،فهي كحبة مباركة انبتت سبع سنابل ثم لم تلبث تلك السنابل ان ازدانت بالحب الكثير الفياض ،حتى أن كل واحده منها، حملت مائة حبة،فثارت الحبة المنبة سبع مائة ببركة الله فيها وعنايته بها )).
ونلحظ مرجعية هذه الاية وكأنها جواب لقوله تعالى:( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
ولو((قال قائل:وهل رأيت سنيلة فيها مائة حبة،أو بلغتك،فضرب بها مثل المنفق في سبيل الله ماله،قيل:ان يكن ذلك موجوداًفهو ذاك والا فجائز ان يكون معناه كمثل سنبلة انبتت سبع سنابل،في كل سنبلة مائة حبة،ان جعل الله فيها ويحتمل ان يكون معناه في كل سنبلة مائة حبة يعني انها اذا هي بذرت انبتت مائة حبة،فيكون ما حدث عن البذر الذي كان منها،من المائة حبة مضافا اليها لانه كان عنها)).
نلحظ ان الاختلاف في قوله تعالى:(سبع سنابل) عن قوله تعالى :(سبع سنبلات)يتجلى فضلا عما تقدم فيما يأتي:
1-إن الخطاب القرآني دائما يميل إلى تقريب الشيء إلى الذهن العربي المسلم،من باب الترغيب أو الترهيب،لأهمية الأمر،بأمثلة واقعية حسية، فيعمل هذا التمثيل على تنشيط ذهن السامع بطريقة الإيجاز على وجه لطيف.
ففي قوله تعالى:( أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ) فالسنبل معروف وهو على وزن(فنعل)وقيل:الأصل في معنى مادته(الستر)،وسمي به لأنه يستر الحبات التي تشتمل عليها في الاغلفة .
وورد التمثيل بما لا تحقق له في الخارج،وهو اشتمال السنبلة على مائة حبة ،وفيه ان المثل كما نعرف لايشترط فيه تحقق مضمونه في الخارج،وانبات الحبة الواحد سبعمائة حبة ليس بعزيز الوجود على الله (عزوجل) فقوله تعالى:( وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)،أي يزيد عل سبعمائة لمن يشاء ،فهو الواسع لامانع من جوده ولامحدد لفضله.اذاًهي كثرة معنوية.واذا كانت هذه الكثرة المعنوية فاننا نستطيع ان نزيد فيها من دون حدود للعدد،ثم ان السنابل وردت في خطاب الهي يدل على كرم الباري (عزوجل)لذلك فالكثرة تكون فيها طبيعية.
أما في سورة( يوسف)،فانما بناؤها على إخبار الملك عن رؤياه(سبع سنبلات)فلا طريق للحظ قلة ولا كثرة؛لانه اخبار برؤيا ،فوجهه الاتيان من ابنية الجموع بما يناسب المراد وهو قليل؛لان ما دون العشرة قليل،فافترق القَصْدَان ،وجاء كل على ما يجب)) .
أي ان السنبلات تعبر عن شيء حسي،في خطاب لرؤيا بشرية في تفسير حالة واقعية ستحدث،ولذلك اسْتعمِلَ هذا التحديد في العدد.
2-ان النسق العام في السورة كان له اضاءات على الصيغة نفسها،ففي سورة يوسف(عليه السلام)،لوكانت الصيغة المعبرة عن الرؤيا هي (سنابل)بدلاًمن(سنبلات)،لما كان هناك توافق في نسق الآية،او انسجام بين التراكيب،فهناك صيغ في الآية تناسب (سنبلات)معها،وهي(بقرات،ويابسات)،وهو رأي الدكتور عبد الهادي خضير*،في ان لنسق الآية العام تأثيراًفي التراكيب،حتى ترد منسجمة معها.
3-ورد التمثيل بصيغة الجمع الدال على القلة في سورة( يوسف)؛لأن في تأويلها تمثل عدد سنين الخير والنماء،وعدد سنين الجدب والقحط،لذلك تعطي صيغة القلة هذه اشراقة أمل تدل على انتهاء هذا الضيق أو العسر،أما لو وردت بصيغة الكثرة ،قد تسبب الجزع،وقلة الصبرعلى ما سيصيبهم من قحط.
4-اما ورود العدد(سبعة)بالذات؛فسببه أن العرب كانت تتفاءل به كثيراً.لذلك كان يرد العدد او مضاعفاته في القرآن الكريم للمبالغة والتوسع دائماً،كما في قوله تعالى:( إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ) ،فلم يكن المقصود من العدد (سبعين)في الآية العدد الحقيقي المجرد،انما كان للمبالغة في الشيء،ولم يرد العدد مجرداًالا في آية واحدة،وهي الآية في سورة يوسف في رؤيا الملك؛ولعل السبب في ذلك كونها رؤيا بشرية بصرية؛لذلك كان العدد مجرداً.والله اعلم.
3-( يَخِصِّمُونَ)و(يختصمون):
ورد الفعل (يختصمون)في مواضع كثيرة من الآيات القرآنية الكريمة ،فكان يرد مؤكداً في مكان ،وغير مؤكد في مكان أخر يبدو شبيهاًً به،لسبب دعا إلى استعمال كل تعبير في موطنه المناسب له.
فورد الفعل في سورة(آل عمران)بقوله تعالى:(ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) .
وورد الفعل المضارع نفسه في سورة(الشعراء)في قوله تعالى:(قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ) .
وفي سورة(ص)قوله تعالى:(مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) .
اما سورة(يس)فقد ورد فيها الفعل المضارع مشدداً،في قوله تعالى:(مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) .
فالخصم،((والخصومة:الاسم من التخاصم والاختصام،يقال:اختصم القوم، وتخاصموا،وخاصم فلان فلاناً،مخاصمةً،وخصاماً)) ، و((هذا يوم التخاصم،وخاصمته فخصمته اخصمه،واخصم صاحبه:لقنه حجته حتى خصم،واخذ يخصم الراوية وعصمها فرفعها أي بطرفها الأسفل وطرفها الأعلى)) .
ومن المجاز:((قولهم في الأمر إذا اضطرب:لا يسد منه خصم الا انفتح خصم أخر))،والخصومة الواردة في سورة (آل عمران)،يخبر الله (عز وجل)فيها الرسول الكريم محمداً(صلى الله عليه واله وسلم)بخفي ما كتموا من العلم عندهم ،أي اليهود، لتحقيق نبوته والحجة عليهم لما ياتيهم به مما اخفوا منه.وهو التخاصم في من يكفل (مريم )عليها السلام،عندما ولِدَتْ،حيث كان التخاصم بين الرهبان لأن أمها نذرتها للمعبد إذ قالت :(رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ).
وكان من بين العباد زوج خالتها زكريا(عليه السلام)،فقال لهم بأنه أحق في كفالتها منهم،واستمر النزاع فيما بينهم،حتى احتكموا بان يلقوا أقلامهم التي يكتبون بها التوراة إلى النهر،فإذا وقف قلم احدهم،كان هو الكفيل لمريم(عليها السلام).
وعندما تم ذلك،كان قلم زكريا(عليه السلام) هو الذي يقف من بين أقلام الرهبان.
وتكرر الأمر ثلاث مرات،فأصبح نصيب كفالتها له.وكان هذا الأخبار للرسول محمد(صلى الله عليه واله)ليعرف ذلك ويخبر اليهود،فيعلموا انه الرسول الحق وان كلامه من جهة الوحي فيدحضهم به
ونلحظ أن هذه الخصومة ليست خصومة شر،إنما هي خصومة خير،ولم تستمر طويلاً،بل انتهت بسرعة،وان دل الفعل المضارع على التكرار والاستمرار فالفعل يشير بدوام هذه الخصومة إلى ألان،إلا أن هذا يعود لتأكيد منزلة مريم(عليها السلام )بين قومها وحبهم لها،ولا سيما رجال الدين اليهود( الرهبان)،وكأنه تمهيد لظهور عيسى (عليه السلام)،حتى لا يرفضه اليهود في بدء دعوته لان كبار الرهبان تخاصموا من اجل كفالة امه،فكيف هو!لذلك جاء فعل التخاصم من دون تشديد ولا قوة، فهو تخاصم لطيف.
أما الخصومه الواردة في سورة الشعراء،(وهم فيها يختصمون)،فهي خصومة أهل النار مع معبوديهم[40].عندما القوا فيها فنلحظ ان هذه الخصومة ضعيفة ايضاً؛فلا جدوى منها،لان النتيجة واحدة، ولايستطيعون ان يغيروها،فجاءت الخصومة خالية من الشدة،فهي يشوبها الياس،والندم والجدال وهو مستمر دائم بفعل استمرارية الفعل المضارع وتكراره في(يختصمون).
وفي سورة(ص)كانت الخصومة في شأن آدم(عليه السلام)،حين قال الله تعالى:(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).
فهذه الخصومة ليس فيها شِدّة؛لأنها منتهية أيضا،فهي خصومة اشبه بجدال ضعيف فالخصمان غيرمتكافئين في القوة،فهو جدال الملائكة مع رب العزة في خلافة أدم(عليه السلام)على الأرض.
وانتهى الجدال او الخصومة بتأكيد الله (عز وجل)بأنه يعلم ما لا يعلمون.
وأراد الله ان يخبر الرسول(صلى الله عليه واله وسلم)بهذه الخصومة((ليحتج بهافي صحة نبوته وبأن ما ينبيء به عن الملا الأعلى واختصامهم أمر ما كان له به من علم قط،ثم علمه،ولم يسلك الطريق الذي يسلكه الناس في علم ما لم يعلموا،وهو الاخذ من اهل العلم،وقراءة الكتب،فعلم ذلك لم يحصل الا بالوحي من الله )).
و(اذ يختصمون)متعلقه بمحذوف؛((لان المعنى ماكان لي من علم بكلام الملأ الاعلى وقت اختصامهم.و(اذ قال)بدل من اذ(يختصمون)،فأن قلت :ما كان التقاول بينهم،انما كان بين الله تعالى وبينهم،لان الله (سبحانه وتعالى) هو الذي قال لهم وقالوا له،فأنت بين امرين:اما ان تقول الملأ الاعلى هؤلاء، وكان التقاول بينهم ولم يكن التقاول بنهم،واما ان نقول التقاول كان بين الله وبينهم فقد جعلته من الملأ الاعلى،قلت:كانت مقاولة الله سبحانه بوساطة ملك..والمراد بالاختصام التقاول على ما سبق)) .
والفعل المضارع دل على الاستمرار والتكرار في الخصومة؛ليوحي الله (جل وعلا)انه تحدى جميع خلقه في الملكوت الاعلى بـ(أدم و ذريته).فيشعر الفعل المضارع،بأن هذا التحدي أو الخصومة لازالت قائمة حتى الان؛ليحاسب بني أدم انفسهم في كل عمل يودون القيام به؛و((لتحذير الجنس البشري من عداوة ابليس الابدية)) .
ففعل الخصومة ورد في الآيات السابقة مناسبا للنسق القرآني الذي وردت به،وهو نسق لايحتاج الى شدة او قوة.لذلك ورد الفعل المضارع(يختصمون)غير مشدد.
أما في سورة (يس) فقد ورد الفعل المضارع(يختصمون)بالتشديد،حيث سكّنت (التاء)ونقِلت فتحتها إلى (لخاء)(يَخَتْصِموْنْ)ثم ذابت(لتاء)في(الصاد)وشددت،(يَخَصِّمون)،وبعدها كسرت(الخاء)مراعاة لكسرة(الصاد)لان الصاد هنا قوية بسبب التضعيف (يَخِصِّممون)،فأصبحت قوية في بنيتها،ومن ثم في معناها .
ونزلت هذه الآية في الأقوام التي كذبت انبياءها،ولم تؤمن بهم،فتوعدهم الله (عزوجل)((بصيحة واحدة-وهذه والله أعلم-نفخة الفزع،فينفخ في الصور نفخة الفزع والناس في اسواقهم ومعاييشهم يختصمون ويتشاجرون على عادتهم فبينما هم كذلك اذ أمر الله (عزوجل )باسرافيل فنفخ في الصور نفخة يطولها ويمدها فلا يبقى أحد على وجه الارض الا اصغى ليتاً ورفع ليتاً-وهي صفحة العنق-يتسمع الصوت من قبل السماء)).
ويجوز((ان يكون المعنى يخصمون مجادلهم عند انفسهم فحذف المفعول به ومعنى يخصمون يغلبون في الخصام خصومهم)) .
إذن هي خصومة شديدة شدة حبهم للدنيا وتمسكهم بها،ورفضهم للرسل وعنادهم لهم.لذلك جاءت اللفظة مناسبة بشدتها وتضعيفها لشدة الخصومة،والذي يؤكد هذه الشدة ويقويها صوتا(الصاد والتاء)المدغمان،فصوت(التاء)شديد،وصوت(الصاد) اطباقي،لذلك ولدا شدة أكثر وقوة اكبر-والله اعلم-.
فالاسلوب القرآني أسلوب بلاغي رائع،في كل لفظة بل بكل حرف فيه،وضع في مكانه المناسب ولمعنى مقصود،ولم تراع في هذا الموضع الآية وحدها ولا السورة وحدها بل روعية في هذا الوضع الاسلوب القرآني ككل .
المصادر والمراجع:
*-القرآن الكريم
1-الاتقان في علوم القرآن،جلال الدين السيوطي(ت 911هـ)،تح:محمد أبي الفضل ابراهيم،ط4،المكتبة العصرية،بيروت-لبنان،1988م.
2-أساس البلاغة،جار الله الزمخشري،دار صادر-بيروت،1979م.
3-أسرار التكرار في القرآن ،محمود بن حمزة الكرماني،دار الاعتصام ن1987م ،وسماه البرهان في متشابه القرآن.
4- البرهان في علوم القرآن،بدر الدين الزركشي (ت794هـ)،تح:محمد ابي الفضل ابراهيم،مطبعة البابي الحلبي،مصر،1958م.
5- التبيان في تفسير القرآن،ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي،المطبعة العلمية،النجف،1957م.
6-التعبير القرآني،د.فاضل السامرائي،دار الكتب للطباعة والنشر،الموصل،1988م.
7-تفسير فضائل القرآن ،ابن كثير اسماعيل الدمشقي،دار الاندلس ،بيروت،1966م.
8-تفسير الجلالين،للامامين:جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي،علق عليه:العلامة محمد كريم راجح،مكتبة النهضة-بغداد،ط5،1988م.
9-تفسير غرائب القرآن،ابن قتيبة،عيسى الحلبي،(د.ت).
10-التفسير الكبير ومفاتيح الغيب،الفخر الرازي محمد بن ضياء الدين،دار الفكر،دمشق ،ط1،1401هـ.
11-جامع البيان عن تاويل القرآن،الطوسي،البابي الحلبي،ط3،1388هـ.
12-الطبيعة في القرآن الكريم،د.كاصد ياسر الزيدي،دار الرشيد-بغداد،1980م.
13-العين،الخليل بن احمد الفراهيدي(ت 175هـ)،تح:مهدي المخزومي ود.ابراهيم السامرائي ،1980-1985م.
14-فقه اللغة العربية،د.كاصد ياسر الزيدي ،دار الكتب للطباعة،جامعة الموصل،1987م
15-الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الاقاويل في وجوه التاويل،الزمخشري(ت538هـ) دار المعرفة للطباعة والنشر،بيروت-لبنان،(د.ت).
16-لسان العرب،ابن منظور ،تح:محمد عبد السلام هارون،بيروت-لبنان،1988م.
17-مجمع البيان في تفسير القرآن،الطبرسي،دار الفكر،بيروت،1966م.
18-معترك الاقران في اعجاز القرآن،السيوطي،طبع:دار الفكر العربي،(د.ت)،القاهرة.
تحميل الملف المرفق Download Attached File
|
|