عنوان البحث(Papers / Research Title)
جماليات الالم الانساني
الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)
محمد حسين محمد حبيب الحبيب
Citation Information
محمد,حسين,محمد,حبيب,الحبيب ,جماليات الالم الانساني , Time 5/6/2011 8:49:41 PM : كلية الفنون الجميلة
وصف الابستركت (Abstract)
نقد مسرحي لمسرحية ندى المطر دراما عراقية راقصة
الوصف الكامل (Full Abstract)
جماليات الألم الإنساني في مسرحية (ندى المطر)
دراما عراقية راقصة
د. محمد حسين حبيب
من يمنحني وطنا لا يغص بالموتى والقتلة ؟ .. على متانة الفكر المستتر وراء هذه الجملة الحوارية بوصفها الركيزة المحورية لفضاء نص العرض , تأسست الصياغة الدرامية للعرض المسرحي الدرامي الراقص ( ندى المطر ) الذي قدمته ( مجموعة الرقص الدرامي العراقية ) بقيادة مشرفها الفني ( طلعت السماوي ) مؤسس المجموعة وصانع هذا العرض إعدادا وتدريبا وإخراجا , وعلى قاعة المسرح الوطني ببغداد , بمناسبة يوم الرقص العالمي في 29 نيسان 2011 وهي المرة الأولى الذي يحتفل به المسرح العراقي منذ الاتفاق دوليا على تحديد هذا اليوم عام 1982 من قبل لجنة الرقص الدولية احياءا لذكرى مصمم الرقصات الفرنسي وأستاذ الباليه (جورج نوفر) توفي عام 1810م .
لان (الرقص طريقة مختلفة للتعبير عن الأشياء) بحسب ( مارتا جراهام ) .. ولان حركة الجسد هي ميزان حرارة الروح , تبلور مفهوم ( دراما دانس ) (فن الخشبة المعاصر) عالميا ومن ثم عربيا , على وفق مرجعية مسرحية اسست لمفاهيم حركة الجسد التي لها امتدادتها التاريخية منذ ( غوردن كريغ و مايرخولد و ادولف ابيا و غروتوفسكي وانطوان ارتو و يوجينيوباربا و ليشيك مونجيك و الفن ايلي ) واخرين ممن عمدوا الى ايجاد البديل الصوري في تشكيل خطابهم المسرحي الحديث وفق لغة جسدية استندت الى اليات جمالية فلسفية صورية فنية راقصة بمساندة المؤثر الصوتي الموسيقي والايقاعي .
في ( ندى المطر ) لهاث جسدي ايقاعي نحو البحث عن وطن يغص بالمخلصين المنتمين , يبدأ مع قافلة من نور شكلتها لنا المجموعة وهي تقتحم الفضاء الاسود لتتشظى فجأة مولدة تشكلات جسدية متحركة وسط فضاء مضبب .. أمام هذه الصورة الافتتاحية للعرض , أيمكن ان يقف الناقد متعبدا وليس قاضيا ناصحا – بحسب ما اراده الفيلسوف الجمالي الايطالي (بنديتوكروتشه) - ؟ ازعم ان نعم هي ماينبغي البوح بها ازاء هذه الرؤية الاخراجية التي سعت لتكون وكأنها تجديد تام حيث كل شيء فيها يجهد الا ان يخاطب الروح , مثلما جاهد العرض الدرامي الراقص هذا ان يفيد من ابتكار حداثوي كبير هو ( مجموعة قوانين لغة الجسد التعبيرية الراقصة ) ليفوز – ونحن معه كمتلقين – بالتعبير الواضح عن الحقيقة , لنصل الى ابسط مفاهيم الجمال , لانه اذا تم الوصول الى تلك الحقيقة المسكوت عنها , يكون الجمال قد ادى مهمته ولهذا يرى ( هيغل ) : ان الدين والعلم لا ينوبان عن هذه المهمة الجمالية .. كما ان محتوى الفن وهدفه لا يختلفان عن محتوى الدين والفلسفة .
لقد هيمن الاحساس بالالم على المتلقي والقبض على ضميره جماليا كما برع ( هاملت ) شكسبير في القبض على ضمير الملك كلوديوس اثناء مشهد التمثيلية الجسدي الصامت حين اعادوا ادائيا طريقة قتل هاملت الاب , وهكذا كان (السماوي) هنا في نداه المطري الراقص وهو يؤسس للجمال الجسدي الحركي وفق وجهة نظر الناقد الجمالي البريطاني (هربرت ريد) للجمال بانه : وحدة العلاقات التشكيلية بين الاشياء التي تدركها حواسنا . فعناصر سينوغرافيا العرض قد توحدت وتوافقت حركة راقصة وايقاعا وصوتا وصورة ولونا وهي تتوزع فضاء المسرح بهارمونية منضبطة جماليا ومترعة بالقهر والاستلاب الانساني الذي عانت وتعاني منه المرأة العراقية بشكل خاص والانسان العراقي بشكل عام .
مجموعة المؤدين الراقصين الشباب هنا كانوا من غير المحترفين والدارسين بل هم – وبحسب السماوي نفسه – من راقصي الشوارع تم جمع العديد منهم واختيار من لديه الرغبة الفنية في نحت وصقل وتدريب موهبته في الرقص الدرامي , وهكذا جاءت النتيجة بعد اكثر من ثلاثة اشهر من التدريب اليومي المستمر ولساعات طويلة وهذا ما يتطلبه هذا النوع من فنون الاداء المسرحي الدرامي الراقص , ليثبت (السماوي) لنا من خلال مجموعته الشبابية , ان لا وجود للنفعية في انتماء الفنان وحبه لعمله وادواته , وهو ما اكده الفيلسوف الفرنسي (هنري برغسون) حيث يمكن عندها نقل الحقيقة الواقعة لانفعالات الفنان ولما يدركه الى الاخرين . فتم التعبير هنا عن الالم الانثوي بواقع استفحلت فيه الذكورة سلبا .
لقد تآلف الجسدان (الانثوي والذكوري) على وفق منظومة انفرادية منها وجماعية ليشكلا معنى الحياة وما ينبغي ان تكون عليه من توافقات وتضادات عبر المواقف المشهدية المتراتبة , وكان اللون ( في الزي و الضوء ) قد حقق ترميزاته بانفعال الحدث الدرامي نفسه مع ذات التلقي . وحيث ان السماوي بوصفه ( صائغ العرض ) قد وحد تشكيلات فضائه الصوري بوحدة موضوعية متناغمة مستغلا جغرافية المسرح جماليا , فخطوطه الهندسية بدأت من عمق المسرح الى وسطه , ومن يمين مقدمة المسرح الى وسطه وانتهاء بعمقه مرة اخرى , لنحصل على ميزانسين هندسي اتخذ من الخط العمودي و الأفقي وحتى المائل , قاعدة ارضية محسوبة شكليا وإيقاعيا وبذلك تم تفعيل جغرافية المكان وانتماؤه لحركة أجساد المؤدين وانفعالاتهم الخارجة من دبكات الساق وهي تضرب ماتحتها رقصا وألما , لتتحول الاشياء كلها بعد ذلك الى فكر متحرك وراقص , ويزداد التناغم ضراوة حين جمع العرض لأكثر من صورة متحركة في ان واحد ما بين عمق المسرح ومقدمته , حيث لا تشتت في التلقي , بل هناك خطابا صوريا صوتيا ملونا راقصا في بوتقة ( المعنى ) و ( المبنى ) قابضة بجدارة على ضمير المتلقي . ذلك ما تحقق في غالبية مشاهد العرض الراقصة .
ولكن , جاءت بعض مشاهد العرض مستندة على ( الملفوظ الحواري ) متمثلة بشخصيات مثل (المرأة) اداء الفنانه (ميلاد سري) و(الحكيم الاعمى) اداء الفنان (حقي الشوك) الامر الذي جعل العرض يخرج عن سياقه الصوري الذي تأسس منه ولاجله وهو (الدرامة الراقصة) الذي ينتمي اصحابه ومنظروه ويؤمنون بان الرقص لديهم اصدق تعبير عما يريدون , لقد اوجد السماوي بديله الصوري خارج كل ما هو حواري في ثلثي مشاهد العرض , فلماذا اراد لهذه المقتبسات الحوارية النصية من مصادرها المعلنة في برنامج العرض وهي ( لطفية الدليمي و شاكر السماوي و سحر خليفة و احلام مستغانمي ) ان تلقى صوتيا لا حركيا ؟ مع الاشارة الى ان هذه المنطوقات اعلنت عن احتراف مؤديها ومقدرتهم العالية , الا انها وبرغم من كل ذلك قد خلخلت جمالية ايقاع العرض السمعيبصري .. ولذا نجد ان في الايماء الى الالم اشاريا افضل بكثير واسمى من ان تقول انني اتالم , وتحديدا في هكذا نوع ادائي مسرحي عالي .
ومن جديد يكشف العرض عن نزعته الطقوسية المستندة على الوعي الجمعي وهو يحاكي قضية معاصرة تتمثل بعذاب المرأة العراقية والامها وتساؤلاتها والبحث عن كينوتها الاصل , وهي تنسج معاناتها بالتلاقح مع سمو ورفعة الايماءة الجسدية وتحلقها الجماعي لان الراقصين هنا قد تحرروا اصلا من قيود كل ما هو حواري ومنطوق لفظي من شانه تحجيم المعنى المراد التحليق به ومعه , وهذا يحيلنا مباشرة الى بعض من سمات عروض ( يوجينيوباربا) المحتكمة الى ذات النزعة والاسلوب , وما هذا التداخل الذي نشهده بين شخصيات العرض واحداثه المنتمية الى فترات تاريخية مختلفة وصولا للحاضر الا التاكيد على الاسلوب نفسه .
كانت مشاهد مثل : مشهد المعبد وتوظيف صوت الحصى ( الجلمود ) ايقاعيا مع الرقص , و مشهد الشموع , و اكثر من مشهد جمعت الصورة الخلفية مع الامامية , ومشهد الفارس الجريح اداء الفنان (عمر ضياء الدين ) مع المجموعة , هذه المشاهد قد احتلت جمالية (ندى المطر) بتتابعية تظافرت فيها مكوناتها السينوغرافية لتحقيق ما يمكن تحقيقه من ابداع خلاق وواعي .. حتى نصل الى المشهد الاخير .. حيث جنح العرض نحو توظيف تقانة فنية انمازت عن مسار العرض برمته , وهي نزول سايك ابيض وكانه – للوهلة الاولى - شاشة عرض سينمائية , ليكشف لنا السايك فعلا عن وثائق وصور حقيقية ومشاهد واقعية ممنتجة , تتبدى فيها الم المرأة العراقية وبؤسها ومعاناتها المريرة وسط واقع أمر , هذه الصور والوثائق تترى علينا مع الموسيقى والايقاعات الصوتية المستمرة , لتشطر هذه الشاشة فجأة , وبطريقة خيال الظل , ترقص المجموعة تحت كل هذا الألم , فاصبح التعبير عن الالم والعذابات بجمال الحركة وايقاعات الموسيقى ليتداخل كل شيء بصري مع ما هو سمعي ووثائقي عبر جمال كولاجي معبر وسط جو درامي راقص تفاعل معه المتلقي بحرارة وروحية عالية حين وفر له العرض كل هذه المتعة الجمالية المتألمة والصارخة والمستنجدة بالفن وبالجمال ملاذا آمنا لها .. عله يوصلها ويوصلنا لمنطقة خلاص آمنة .
تحميل الملف المرفق Download Attached File
|
|