النقد القصصي عند الدكتور عبد الإله احمد
د. أحمد رحيم كريم اللبّان
كلية الآداب / قسم اللغة العربية
القسم الثاني
منهجه النقدي وقضايا المضمون القصصي
منهجه العام: تبنى الدكتور عبد الإله احمد المنهج التاريخي والنقدي والوصفي بحسب قوله في كتابه (نشأة القصة وتطورها في العراق) :" ولما كان البحث لا يدرس نشأة القصة العراقية حسب ،وإنما يحاول أيضا أن يرسم تطورها ،لذلك حاولت أن اجمع بين المنهج التاريخي والمنهج النقدي الذي يقيم هذا النتاج ويضعه في مكانه الملائم من سلم التطور[...] فالعراق الحديث لم يدرس بعد الدراسة العلمية الجادة،التي تعتمد التحليل والتفسير لواقع التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية[...] ومن هنا كان علي أن أقوم بمهمة رسم ملامح التطور الفكري ، الذي شهده العراق بين الحربين ." فهو يرى أن مهمة النقد القصصي أن تلاحق تطور البنى الفكرية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية من خلال ما يعكسه الواقع القصصي لواقع المجتمع العراقي فالأدب يعكس أحوال المجتمع الذي يعيش فيه الاديب .بلحاظ هذا التصور كانت عنايته بالفن القصصي تنطلق من معاينة المضمون على حساب الشكل أو بنية الفن القصصي نفسه في اغلب أعماله النقدية في دراسة القصة العراقية إذ انه لم يستطع أن يُحدّث منهجه في كتابه (الأدب القصصي في العراق) إذ أعاد قوله السابق نفسه بلفظه() من دون تغيير في المنهج والرؤية في دراسته للماجستير (نشأة القصة وتطورها في العراق) فلم يقدر على الخروج من أسوار منهجه الذي أصبح ملكة راسخة فيه وهو اقرب إلى ما يسميه جيروم ستولنيتزبـ (النقد السياقي) إذ نجد ثمة إقصاء لدلالات البنية القصصية. ولابد من معرفة حدود المنهج التاريخي في الكتب النقدية ومن ثم معرفة هذا المنهج عند الدكتور عبد الإله احمد. فالمنهج التاريخي يقتضي دراسة الأديب والحركات الأدبية بحسب ما يطرأ من تطور فني أو اجتماعي أو سياسي أو ديني لغرض معرفة مراحل تطور الأدب بحسب بيئته وزمانه وأحواله وظروفه المتغيرة فهو يعيننا على معرفة تطور وسيرورة التفكير واللغة الأدبية ونضج الأساليب في كل عصر. وهذا يعني أن النصوص الأدبية هي مرآة لمجتمعها وعلى هذا الأساس سوف يكون الأدب المدروس عبارة عن مجموعة من النصوص الأدبية الغاية من دراستها ملاحظة مدى التجاذب والانعكاس ما بين الأدب والواقع وبالعكس وعلى ذلك فعلاقة الباحث لا تخلو من ذاتية في ظل هذا المنهج بدءا من جمعه واختياره للنصوص المدروسة وانتهاء بفحصها وتحليلها ، أضف إلى ذلك أن حال الأدب في المنهج الاجتماعي ومن قبله التاريخي سوف ينظر إلى الأدب على انه لغة " واللغة كائن اجتماعي تصطلح عليه الجماعة للإبلاغ والتعبير. وبما ان الأديب لا يخلق لغته وإنما يتسلمها من المجموعة التي يعيش فيها، فان اثر الجماعة ينتقل بواسطتها إلى إنتاج الأديب" ، ولذلك سوف تكون قيمة الأدب بحسب ما يعطيه أو يكشفه لنا من قيم وأحوال الفرد والمجتمع على حد سواء، ولم يخرج الدكتور عبد الإله احمد عن حدود المنهج التاريخي الوصفي من حيث تتبعه لمراحل تطور القصة العراقية منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية وما بعدها فهو يبدأ برصد الظواهر في القصة ويوزع النتاج القصصي العراقي على مراحل تاريخية وفنية ومن ثم يبدأ بمعاينتها وتحليل مضمونها ومدى علاقة المضمون القصصي بالواقع الفردي للقاص والواقع الاجتماعي. بيد أننا نرى أن من أهم الملاحظ التي أثارها منهجه عليه هو خلوه من مقدمة تبين للقارئ فهم الدكتور عبد الإله احمد لفن القصة العراقية بحسب ما بدا له من مراحل تطور هذا الفن في العراق ويبدو أن الدكتور أحس بذلك فقدم مسوغا مفاده:" كان لابد لي من أن انطلق من تصور صحيح واضح للفن القصصي، لكي يكون حكمي على القصص العراقية اقرب إلى الدقة والصواب. ومن هنا حرصت على أن ارجع إلى الكثير من الدراسات العربية والمترجمة والأجنبية، التي عنيت بدراسة الفن القصصي،على انني لم استطع إلا أن أقف موقف الحذر، فقد كان من التحكم أن أُطبق المقاييس النقدية المتطورة ،على نتاج قصصي ناشئ، يحاول أن يتلمس أو يتحسس طريقه، ولم ينطلق كتّابه أساسا، من تصور كامل للفن القصصي، ولم يتمثلوا جوانبه على نحو فيه الثقافة الفنية أو الإدراك الكامل لمقومات هذا الشكل. لذلك حاولت جهدي، أن انظر إلى النتاج القصصي العراقي نظرة نسبية ، تحاول أن تستوعب واقع الفترة الزمنية التي كتب فيها ومستوى كتّابه" ، بيد أن هذه المهمة خارج نطاق بحثه وأنها لن تأتي بجديد ، ولكننا نرى أن ذلك من مهمته لأنه اقر مبدأ تقسيم ومتابعة تطور فن القصة في العراق على مراحل وجعل نظرته للقصة نظرة نسبية مرنة من حيث التحرك والملاحظة والاستقراء والتفسير فهو في صميم عملية (تجييل الأدب) القصصي العراقي ولو قدم لنا الدكتور عبد الإله احمد مفاهيم القصة عند كتّابها في كل مرحلة من مراحل نشوء القصة العراقية ونضجها لتجنب الكثير من النقود التي وجهت إلى منهج دراسته. أما الأمر الآخر فإننا نتفق مع الدكتور شجاع مسلم العاني من ان اعتماد المنهج التاريخي الوصفي كاف لدراسة القصة من دون إضافة المنهج النقدي إليه لان المنهج التاريخي هو منهج نقدي أيضا ولا يوجد ثمة منهج من مناهج النقد الأدبي القديمة والحديثة اسمه المنهج النقدي . فضلا عن هذا فان عملية (تجييل الأدب) محفوفة بعدة معوقات وليس من السهل اعتمادها في دراسة الأدب إذ من الممكن ألا تظهر ثمة ظواهر متف
علاقة فن القصة بالاتجاهات الفكرية والاجتماعية والسياسية :- يرى الدكتور عبد الإله احمد انه لا يمكن أن ينمو فن ما ولاسيما فن القصة إلا إذا تضافرت له عدة مقومات لعل من أهمها استقرار الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي فهو يقول بشان ذلك " والواقع ان وجود مفاهيم واضحة متطورة للأدب القصصي الحديث في هذه الفترة في العراق، أمر متعذر، فبالإضافة إلى ما ذكرنا عن واقع الفئة المثقفة الطبقي،فان تأخر بدء النهضة العامة في العراق،إلى مطلع القرن العشرين،لم يتح لأدبائه فترة كافية لتمثل الأدب القصصي ،بحيث يستقر لديهم مفهوم واضح ومتطور عن طبيعته، ناهيك عن توفر ظروف موضوعية في هذه الفترة القصيرة لإنضاجه" ، وقد يتخطى نمو فن القصة هذه العناصر إلى نضج وعي القاص بأهمية الحركات والمذاهب الأدبية والفنية كالواقعية والرومانسية والكلاسيكية وغيرها فضلا عن هذا وعيه وإدراكه لماهية فن القصة وعناصر بنائها من جهة ومدى تساوق الوعي مع نضج التجربة وعلاقتها بالواقع المعيش من جهة أخرى إذ يقول بشان ذلك:" ولعل مما يكمل هذه الصورة أن نلحظ استمرار اضطراب المفهوم القصصي لدى بعض الأدباء والقراء على السواء، فقد ظل منتشرا بينهم مفهوم ساذج للقصة "، ولذلك فهو يصنف حركة تطور فن القصة في العراق إلى اتجاهين كبيرين هما :
1/ القصة الساذجة .
2/ القصة الفنية .
وهو عندما يدرس علاقات القصة بالجوانب الاجتماعية يأخذ مدى تصوير القصة لواقعها وكأنه يبحث في بنى المجتمع الثاوية والقارة في المضمون القصصي فهو يفترض أن ثمة انعكاساً للمجتمع في وعي الأديب والقاص وان ثمة طباقاً بين التجربة والمضمون الحامل لها وهو القصة إذ نراه يغوص في مرجعيات الوعي القصصي والمؤثرات التي من الممكن أن يتأثرها فهو عندما ينظر إلى السلطة السياسية يبحث في موضوع علاقة المثقف بالسلطة وعندما يبحث في الجوانب الفكرية التي تنضج الوعي القصصي يتناول علاقة الصحافة واثر القراء في إثراء التجربة القصصية ومن ثم يأخذ بتقصي وعي القاص بأدواته الأسلوبية والتعبيرية والتي من خلالها يستطيع الناقد أن يكتشف نمو مهارات القاص البنائية ومدى انصياعها لديه من خلال حيوية تجاربه التي تنطلق من فلك التجارب الإنسانية العامة التي يتحد ويتوحد الفرد في الجماعة وتؤول الجماعة غائرة في الفرد. فهو يرى –أي الدكتور عبد الإله احمد على مستوى علاقة القاص بالنقد الأدبي مثلا ان نقد القصة مرتهن بسيرورة تطور فن القصة نفسه وبالأدب عموما وفي رأيه " أن عملا أدبيا ناضجا لابد أن يدفع القارئين والأدباء إلى كتابة نقد ناضج . وان استقرار الحياة الأدبية وتناميها لابد أن يطور الأنواع الأدبية المختلفة وأيضا لابد أن ينمي هذه الحركة النقدية التي تشف عن رسوخ القيم الفنية من المجتمع وازدهارها. فتسهم بعد ذلك في عملية إنضاج الأدب ودفعه إلى الإمام" إذن فالدافع الذاتي وراء نضج الوعي القصصي لدى القاص فهو أساس نجاحه في وصول تجربته إلى القراء وتأثيرها بهم وهي ما يسعى إليه القاص من غاية جمالية لأدبه فضلا عن هذا فالدكتور عبد الإله احمد يشخص أسباب ضعف الأدب والنقد القصصي في مرحلة الخمسينيات إلى عدة جوانب لعل من أهمها :
1/ طبيعة الحياة في العراق وجوّه المتقلب .
2/ تأخر انفتاح العراق الحضاري على العالم المتطور .
3/ اضطراب المقاييس الأدبية وما رافق ذلك من بلبلة وفوضى بسبب ما صاحب بعض الاتجاهات الفكرية الحديثة من غموض .
4/كثرة الأساليب الجديدة الواردة والمبتدعة .
5/ انعدام الحرية الفكرية ،ولعل هذا هو أهم عامل مؤثر في تطور الأدب العراقي الحديث .
ولهذا السبب يرجع الدكتور عبد الإله احمد سبب ضعف فن القصة في العراق إلى عدم تمكن القصاص من أدوات التعبير وضعف طرائق عرضهم لمضامين القصص فضلا عن عدم استيعابهم لماهية فن القصة وعناصر بنائها، فهو يصنف القصص إلى نوعين –كما قلنا سابقا- (القصة الساذجة) و(القصة الفنية). والأولى يحدد سذاجتها بلحاظ المبالغة في تصوير وتقديم أحداث الواقع مما يتصل بالحياة المعيشة، وكأنها اقرب إلى القصص الشفاهي الارتجالي الذي يلخص القاص فيه ما شاهده أو سمعه من الناس أو غيره مما حدث في الواقع لغاية النصح والإرشاد واخذ الموعظة. فهو ينظر إلى القصة من زاوية نمو التجربة القصصية للقاص وتوزيع سيرورة نضجها إلى مراحل وهو يحدد تطور التجربة القصصية لدى القاص من خلال أمرين:
الأمر الأول: وعي القاص لفن القصة وتطوراته المحلية والإقليمية والعالمية والإفادة منها وتجاوز تجاربه وتجديد مهاراته في كل قصة يكتبها .
الأمر الثاني: تطوير التجربة القصصية من خلال طرحه لموضوعات قصصية جديدة بوسائل عرض وتقنيات مبتكرة تخص بناء الفكرة والأسلوب القصصيين