الأبداع في لوحة مدرسة أثينا ل ا رفائيل
تبرز مها ا رت التفكير الأبداعي فيها بشكل جلي فنلاحظ مثلا :
مهارة الأصالة: متحققة بشكل واضح في جونب عدة منها :
1. قدرة ( ا رفائيل) الوصفية الفائقة في توزيع الشخصيات على مساحة اللوحة
بشكل متساو (ب ا رعة في تمثيل العمق وتوزيع المجموعات ) فليس هناك رمز
معيّن يلتفّ حوله الباقون ويحيطونه بعلامات الاحت ا رم والتبجيل فالجميع هنا
متساوون وهم منشغلون، بلا استثناء، بالحركة الدائبة والتفاعل وتبادل النقاش
في ما بينهم.
وحاول أن يجعل اللوحة تجسيدا للحقيقة المكتسبة من خلال العقل، وهو لم يختر
للوحة شخصيات مجازية أو أسطورية كما درج على ذلك الفنّانون في زمانه، بل
فضّل أن تضمّ اللوحة شخصيات حقيقية لمفكّرين وفلاسفة مشهورين وضعهم
داخل إطار معماري كلاسيكي تتّسم تفاصيله بالفخامة والمهابة والجلال وكل
الشخصيات التي صوّرها ا رفائيل في "مدرسة أثينا" تشكّل اليوم ركائز ودعامات
مهمّة في الفكر الغربي المعاصر .
2. تصدر المبنى ( التصميم المعماري للوحة ) سلم من أربع درجات شديدة
الأرتفاع وبعرض الصورة كلها وبهذا هيأ الفنان لأحداث لوحته منصتين
الأولى الف ا رغ أدنى درجات السلم والأخرى الأنبساط الذي يعلوها (أصالة).
3. تصميم المجموعة الرئيسة التي تضم أفلاطون وأرسطو إذ وضع العملاقين
على جانبي المحور الرئيس للصورة بحيث تلتقي نقطة التلاشي بينهما بكل
وضوح وهدوء ور ا زنة فارضا التوازن على الصورة .
4. شخصيتي أفلاطون وسق ا رط الواقفين وسط الحشود بشكل مهيمن على التكوين
الفني كله حيث أن موقع الشخوص المشتغلين بالعلوم الطبيعية قد أحتواهم
أدنى اللوحة تاركين الف ا رغ العلوي لفلاسفة الفكر والتأمل.
5..الب ا رعة في تضاؤل النسب كلما أمعنا عمقا صوب الخلفية وذلك عند تطبيق
مقياس النسب .
6.ب ا رعة التنسيق والتكوين المعماري المجلل للوحة حيث يحتل الفيلسوفان
موضعيهما داخل فجوة العقد الخلفي الأخير وكان من المحتمل أن نفقد أثرهما
بين معالم الصورة المتعددة لولا هالة العقد التي تطوقهما التي يمضي صداها
يتردد من خلال الخطوط المتحدة المركز للعقود المتتالية وهكذا ندرك أهمية
التكوين المعماري في الصورة فلو فصلناه لأنهار التكوين الفني بكامله.
7. تشكل المجموعة الملتفة حول (بيثاجو ا رس) في الطرف الأيمن من أمامية
اللوحة تكوينا بارعا فنشهد فيلسوفا مهيبا بالمجانبة يكتب جالسا على مقعد خفيض
مستندا بقدمه على متكأ ومن و ا رئه شخص واقف منحن فوقه يتطلع الى ما بين
يدي الفيلسوف مشكلا ب أ رسه مع بقية الرؤؤس باقة من الأقواس.
وثمة شخص آخر الى يسار الفيلسوف الجالس يمسك بلوح كتابه ملتفتا صوب
يمينه والى جوار هذين الشخصين فيلسوف واقف يسند بفخذه كتابا ولعله يق أ ر
بصوت عال مدلا على قوله بأشارة من أصبعه الى ما مدون وقد تشكلت ذ ا رعاه
وساقاه في تكوين آسر وخلاب وما من شك في أن ا رفائيل قد أقحم هذا الشخص
على هذه المجموعة لأسباغ الكمال الفني على تكوينها .
مهارة الطلاقة : يمكن ملاحظتها من خلال :
1. جمع ا رفائيل ممثّلين لكافّة فروع المعرفة من هندسة ورياضيات وفلك وأدب
وموسيقى وفلسفة حيث اختار كلا من (أفلاطون) و(أرسطو)، اللذين يظه ا رن
في وسط المشهد وهما منهمكان في الحوار، ليكونا محكّمين للنقاشات في
الندوة في مقدّمة اللوحة الى اليمين نرى (اقليدس)وهو يشرح نظريّته لتلاميذه
وفوقه مباشرة يظهر( ز ا ردشت) ممسكا بكرة أرضيّة مجسّمة.
بينما يبدو (ديوجين) في الوسط متمدّدا على الدرج و?الى اليسار وغير بعيد عن
ديوجين يظهر (هي ا ركليتوس) الفيلسوف المتشائم مستندا إلى قالب من الرخام
ومسجّلا ملاحظاته على الورق.
وهي ا ركليتوس هنا يأخذ ملامح (مايكل انجيلو) وهي إشارة أ ا رد ا رفائيل من و ا رئها تكريم
انجيلو والإشادة بعمله الذي كان قد أنجزه للتوّ في سقف كنيسة سيستين ولم ينس
( ا رفائيل) أن يرسم نفسه أيضا إذ يبدو واقفا في أقصى يمين اللوحة وقد اعتمر قبّعة
سوداء و?الى اليسار يظهر (فيثاغو ا رس) وهو يدوّن ملاحظاته في ك اّ رس.
وغير بعيد منه نرى (أبن رشد) وهو ينصت باهتمام إلى ما يجري وفوق قليلا
تظهر ام أ رة يقال إنها (هيباشيا) وهي أشهر شاعرة وخطيبة وفلكية وعالمة رياضيات
من النساء، وقد برز اسمها وذاعت شهرتها في زمن مكتبة الاسكندرية وفي اللوحة
أيضا يظهر (سق ا رط) و(زينوفون) و(ابيكوروس) "أو (ابيقور بالعربية") و(بطليموس)
وسواهم.
2. التكوين الفني للوحة أنطوى على مجموعات متناثرة وأف ا ردا تعبي ا ر عن تشعب
الجدل الفلسفي .
مهارة الأفاضة: ويمكن ملاحظة تحققها في نقاط عدة منها :
3. مجموعة علماء الطبيعة يحيطون بأرسطو بأبحاثهم العلمية بينما الفلاسفة
الميتافيزيقين يحيطون بأفلاطون .
4. تأبط أفلاطون كتابه (تيماوس) مشي ا ر بسبابته الى السماء ربما رم ا ز لنظرية
المثل على حين يمسك أرسطو كتابه (الأخلاق) مشي ا ر بكفه الى الأسفل رم ا ز
لأيمانه بكل ماهو واقعي في الحياة .
5. أمامية اللوحة تظفر بأكبر قدر من تنوع وضعات الشخوص التي رسمت
كبيرة الحجم وقد تقوست أبدانها متشابكة متعانقة .
مهارة المرونة وتبرز في أماكن عدة من اللوحة منها :
1. أحتشاد خلفيتها فوق المنصة بزخم من العناصر ال أ رسية بينما يطغى
الت ا رصف والتماثل حول الشخصيتين الرئيسيتين ن ا ره يعود فيسترخي على أحد
الجانبين كي يتيح للكتلة العليا أن تتدفق فوق الدرج فيغيب التوازن الذي
مايلبث أن يعود أد ا رجه من خلال التعارض الواضح بين مجموعات
الشخوص في أمامية اللوحة (مرونة).
2. تناول ا رفائيل العلاقة بين الشخوص والف ا رغ الذي يحتلونه بأسلوب مبتكر حيث
ترتفع العقود الضخمة عاليا فوق الشخوص مت ا رجعة صوب العمق والمشهد يشارك
أبطال اللوحة هذا السكون الوادع
إن القيمة الحقة لمثل هذه الصورة تكمن في التنسيق العام والت ا ربط بين عناصرها
وما ينطوي عليه الف ا رغ من إيقاع متناغم وحركة متدفقة إذ لاينصرف فيها الجهد
الأساسي للفنان الى الأشكال الفردية أو الى العلاقات السيكولوجية بل ينحصر همه
في كيفية ترتيب الشخوص فوق سطح اللوحة وتنسيق العلاقة بين مواقعها في الف ا رغ
وهذا هو الحس المميز النادر الذي أنفرد به ا رفائيل .