تاثير المركز العالمي للأشخاص في قواعد القانون الدولي الخاص
اذا كان للانسان حضور لشخصيته العالمية في الوسط المادي بشكل مطلق عند قيامه بنشاط او تصرف او دخوله طرفاً في علاقة قانونية ،فأن هذه الشخصية لاتكون بنفس هذا المستوى في الوسط الافتراضي (الانترنيت ) بمناسبة استخدامه واستعماله للبيانات والمعلومات المتاحة في هذا الوسط ، بعبارة اخرى اي ان هنالك فرق بين المركز القانوني للانسان وهو يعيش على ارض الواقع والمركز القانوني له و هو يتحرك في مجلات افتراضية الكترونية تحتوتيها منظومة الانترنيت .
ان للمستخدمين و المستفدين (المشتركين) في الانترنيت القدرة والقابلية في التعبير عن بعض الحقوق والحريات بوسائل الكترونية نذكر منها على سبيل المثال تكوين البريد الاكتروني (الايميل) Email والمراسلات التي تحصل من خلاله ، فالبريد الالكتروني يعد وسيلة سهلة لارسال الرسائل والبيانات واستقبالها من خلال وسيط الكتروني (الاجهزة, شبكة الاتصالات) ،فالانسان من خلال هذا الوسيط يبدأ في الدخول في العالم الافتراضي، ومن هنا تبدا العالمية النسبية للانسان والتي تقوم على ثلاثة مقومات للشخصية تتمثل بما ياتي :-
الاول:- عالمية نسبة الى الاشخاص غير المشتركين او المستخدمين للشكبة (الانترنيت).
ثانياً:- عالمية نسبة للبيئة الالكترونية التي يتعامل من خلالها (تبادلا, تواصلا)
ثالثا:- عالمية نسبة الى التعامل ببعض الحقوق لاجميع الحقوق اي انه سوف تكون له عالمية نسبية نسبة لبعض الحقوق دون البعض الاخرمقابل ماكان له من عالمية مطلقة في الوسط المادي على اساس ما له من شخصية قانونية اذ انه يكون قادراً على القيام بجميع انواع التصرفات والتمتع بجميع انواع الحقوق في الوسع المادي بوسائل تقاليدية .
واذا كانت الشخصية العالمية المطلقة للانسان كما ذكرنا تسمح له بالتعامل و التصرف بجميع انواع الحقوق وتسمح له بالدخول في جميع انواع العلاقات العقدية و غير العقدية ، فان الشخصية العالمية النسبيه تقلص من المساحة التي يتحرك فيها الانسان على مستوى الحقوق والمعاملات والعلاقات وقد اكدت ذلك الكثير من الانظمة القانونية . لقد تعرضت بعض التشريعات بالتنظيم للمعاملات الالكترونية والتي من خلالها نستطيع ان نستدل على العالمية النسبية للانسان اذ ان هذه التشريعات حددت نطاق سريانها فلم تجعل جميع انواع الحقوق موضوعا للتعبير عنها بوسائل الكترونية انما اخرجت بعض من هذه الحقوق لا سيما تلك المتعلقة بالاشخاص اي التي يغلب عليها الطابع الشخصي ومنها الزواج , الوصية , الميراث , الهبه من دائرة التعامل في المحيط الالكتروني ،وكذلك التصرفات المتعلقة بالاموال المادية المتمثله بالعقارات نذكر من هذه التشريعات على سبيل المثال القانون الفدرالي الامريكي لسنة 2000 ، وقانون المعاملات الكندي – الصيني والايرلندي – امارة دبي والاردن، وقد كان التوجه الاوربي الصادر في 8 يونيو 2000 الموقف نفسه .
. ان المبررات التي تقف وراء استثناء الانظمة القانونية المذكورة في اعلاه لبعض الحقوق المتصله بالاشخاص ( الزواج – الميراث – الهبه ... الخ ) او المتصله بالاموال العقارية منها.
ان التصرفات الاولى تكون فيها شخصية اطراف العلاقة محل اعتبار وذلك يفرض الحضور الشخصي المادي وجاهيا اي يقتضي التواصل والحضور في الوسط المادي وان تعاملهم او تواجدهم في الوسط الافتراضي لا يغني عن ذلك بل لا يمكن ان تحقق العلاقات اثارها القانونية بشكل مستقر ،هذه الاعتبارات والمبررات تتكرر نفسها في النوع الثاني اي ان موضوع هذه التصرفات المادية لا يمكن ادراكها والانتفاع بها الا على هذا الحال ( المادي ) .
فلا يمكن الوقوف على حقيقتها في الوسط الافتراضي نظرا لخطورة واهمية هذه العلاقات والأموال بالنسبة لإطرافها والغير .
وفي اطار موقف المشرع العراقي لم يقم بتنظيم تشريعي للمعاملات الالكترونية . انما تضمن موقفه بعض الاشارات الضمنية لهذا النمط من المعاملات وقد تكون هذه الاشارات غير مقصودة ولكن نظرا لعموميتها واطلاقها يمكن ان تتطور لاستيعاب المعاملات الالكترونية. ونذكر على سبيل المثال المادة 88 من القانون المدني العراقي اذ نصت على ان " التعاقد بالتلفون او اي وسيلة اتصال اخرى يعد تعاقدا بين اطراف غائبين في المكان حاضرين في الزمان " المادة 104 من قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 المعدل بقانون 46 لسنة 2000 التي اكدت على ان للقاضي ان يستفاد من وسائل التقدم العلمي في استنباط القرائن القضائية .ان موقف المشرع العراقي في المادتين المذكورتين ورد على سبيل الاطلاق فوسائل الاتصال بعد ان كانت مقتصره على نمط معين اصبحت في الوقت الحاضر في حالة توسع وتعدد ويدخل الانترنيت كاحد هذه الوسائل فالنص المذكور اعلاه يمكن ان ينسحب على هذه الوسيله فيضحى المتعامل من خلالها في علاقة عقديه له شخصية عالمية نسبية بالنسبة لنمط من العلاقات والحقوق القابلة للتعامل بها الكترونيا .اما المادة الثانية فاعطت للقاضي دورا ايجابيا في التحري عن القرائن القضائية من خلال ما وصل اليه العالم من وسائل التقدم العلمي، ولعل الانترنيت احد هذه الوسائل التي يمكن ان تقدم لنا ادلة او قرائن من نمط خاص فالدليل في الوسط المادي يتمثل في الغالب بالطبيعة المادية ومنها الورقية ولكنه يضحى من طبيعة اخرى في الوسط الافتراضي حيث يضحى الدليل للاورقي , وسوف نلاحظ لاحقا كيف اثرت العالمية النسبية للانسان في القواعد الاجرائية . وعلى وجه التحديد قواعد التقاضي والاثبات.
امام هذه المواقف التشريعية نستنتج حقيقة وهي ان التعامل عبر شبكة الانترنيت والعلاقات المتكونه من خلالها تتحدد في نمط من طبيعة خاصة الامر الذي يقتضي ان لا يكون هذا النمط صالح لجميع انواع الحقوق وانما هو نسبي يصلح للبعض منها وهو ما يؤكد الحقيقة موضوع بحثنا الا وهي العالمية النسبية للانسان .