عنوان البحث(Papers / Research Title)
عصر التنافسية
الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)
عبد الكريم كامل عبد الكاظم ابو هات
Citation Information
عبد,الكريم,كامل,عبد,الكاظم,ابو,هات ,عصر التنافسية , Time 19/02/2013 06:41:58 : كلية الادارة والاقتصاد
وصف الابستركت (Abstract)
لقد وجد منهج التفكير الاقتصادي الجديد ( اللبرالية الجديدة ) مقدمته الرئيسة في تحرير الاقتصاد من الهيمنة الحكومية بدعوى صعوبة اخضاع اتجهات تطور الاقتصاد للمؤسسة الحكومية ..اذ لاتستطيع هذه المؤسسة الحكومية ان تخلق البيئة الاستثمارية التنافسية المناسبة بل انها سوف تضعف او تشلّ قدرة المؤسسة الخاصة على إعادة إنتاج آليات دفع وتنشيط الاقتصاد . ولمعالجة هذه الإشكالية دفعت بمفاهيم التحرير وإعادة الهيكلة والانفتاح ........ الخ ، وبما تنطوي عليه من افتراضات، إلى واجهة البحث والاهتمام . ولم يكن ميدان التجارة بعيدا عن الفهم الجديد .
الوصف الكامل (Full Abstract)
عصر التنافسية
أولا : المدخل يعد تحرير المبادلات التجارية مطلبا أساسيا من مطالب اللبرالية الجديدة New – Liberalism يتعين على جميع الدول الراغبة للعمل في إطار منظمة التجارة العالمية " W T O " الاقرار بما تمخضت عنه اجتماعات ومؤتمرات الــG A TT من أنظمة وقواعد تحكم في ميزان العلاقات الاقتصادية الدولية ( العالمية ) يأتي إلغاء الحماية التجارية وفتح الأسواق وحرية انتقال السلع والأموال وإزالة القيود الكمية والتعريفية في مقدمة آليات التحكم في أنظمة التبادل الدولي ومن ثم تحديد أهلية أية دولة للنفاذ إلى الأسواق العالمية ، وعلى هذا السياق سارت غالبية الدول ، وأضحى قبول أية دولة في عضوية الــG A TT يرتبط بجميع عناصر اتفاقية جولة اورغواي URGUAY ROUND التي تم التوقيع عليها في مدينة مراكش عام 1994 من القرن الفائت . هذه الاتفاقية ركزت على تحسين الوظائف التقليدية لاتفاقية الــG A TT وخفضت الحواجز التعريفية الجمركية وحواجز أخرى بنسبة الثلث . وبإزاء موافقة الدول الموقعة تعهدت الدول المتقدمة صناعيا وتكنلوجيا على مساعدة الدول التي تتخذ تدابير لتحرير مبادلاتها التجارية فيما يتعلق بتحسين الأداء الاقتصادي فيها ، غير إن اللافت للنظر في ظل الاجماع الدولي على السير في خطى التحرير والانفتاح التجاري أن قبول مبدأ الحماية غير التعريفية Non – Tariff barriers او الـــ N T B قد خطط له النفاذ حتى ما بعد عام 2005 وهو الموعد الذي وضع لتنفيذ ما اتفق عليه في إطار الجات من مراحل ، و يعني هذا استخدام قوانين منع الاغراق Anti – Dumping وشرط الحماية على نحو لا يخلو من عشوائية وانتقائية ومن ثم تضييق المساحة التي تتحرك فيها الدول الأقل تطورا للانفتاح على الأسواق العالمية ، في حين برز مبدأ الشفافية Transparency بعدّه الوحيد لحماية المنتوجات الوطنية عن طريق التعرفة الجمركية دون غيرها من تدابير الحماية Protectionism من مثل الصدارات او الاستيرادات او منع الدعم للصادرات أي إن الوسائل السعرية ( الرسوم الجمركية ) صارت تمثل الوسيلة الوحيدة للحماية وليست الوسائل الكمية أي ( N T B ) إن الدول المنظمة إلى W T O صار عليها مراعاة شروط آلية الاندماج بالنظام التجاري العالمي الذي عرف أيضا بالنظام المتعدد الأطراف ، فيعاد إلى الواجهة استخدام مدخل التجارة Approach لمواجهة المشكلات التي يتعين على الاقتصادات النامية مواجهتها . وهذه مفارقة ، اذ أن هذه الدول ستواجه من جرائها مخاطر شتى ، في ظل النسبة المتواضعة لحصتها في بنية التجارة العالمية ( عدا النفط ) مما يعني أن الاتكال على هذا المدخل والعمل به سيعيق تطورها حتما ، وسيثير الشكوك حول الدور الذي تلعبه عملية إزالة الحواجز الجمركية وخفض الدعم للسلع الزراعية وبالأخص الغذائية منها كعوامل مجربة لتعزيز قدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية . إن إزالة القيود الجمركية ( وهي قيود سعرية ) بالدرجة الرئيسة ورفع الدعم الحكومي عن المنتوجات الزراعية سيؤدي إلى رفع أسعارها في الدول المنتجة لها ، وبالتالي تدهور موازينها التجارية من جانب ومن جانب آخر ان الدول النامية وباستثناء الدول الحديثة التصنيع ** والدول الناشئة أو الأسواق الناشئة Emarging markets لا تتمتع بمزايا نسبية يعتد بها في السوق العالمية فيما تبدو الدول المتقدمة وخلافا لذلك في وضع أفضل بكثير وبما لا يقارن بوضع الدول النامية ، الأمر الذي جعل وسيجعل المتاجرة بين الدول بمثابة تجارة بين طرفين غير متكافئين ، وقد يزداد الوضع سوءا عند إدخال القدرات التكنولوجية لدى الدول المتقدمة لإجراء المقابلة بين الدول على المستويين الاقتصادي والتكنولوجي ، وهو ما سيعرض الصناعية التحويلية في الدول النامية لضغوط عصر العولمة التجارية او عصر التنافسية Competitiveness ذلك أن تطبيق عناصر اتفاقية الجات في ميدان صناعة الألبسة والمنسوجات وإلغاء التعرفية وحصص التصدير سيقضي على المزايا النسبية إن وجدت فعلا" وسيضعف القدرة على المنافسة فيما لايمكن للصناعات البتروكيمياويات وصناعات الحديد والصلب وبعض الصناعات الغذائية من المجالات التي بمنأى عن ضغط الدول المتقدمة وبشكل يبطل فعالياتها , وكذلك الحال في مجال الخدمات بمختلف عناوينها وفروعها فلن تكون بالتأكيد بأفضل حال خاصة اذا ما عرفنا أن الدول النامية هي مستورد صافي للخدمات ومن ثم لم يكن بمقدورها النفاذ بيسر إلى الاسواق العالمية سيما وإن مسألة النفاذ إلى هذه الأسواق أصبح يمثل جوهر التنافسية .
التنافسية سمة العصر : لقد وجد منهج التفكير الاقتصادي الجديد ( اللبرالية الجديدة ) مقدمته الرئيسة في تحرير الاقتصاد من الهيمنة الحكومية بدعوى صعوبة اخضاع اتجهات تطور الاقتصاد للمؤسسة الحكومية ..اذ لاتستطيع هذه المؤسسة الحكومية ان تخلق البيئة الاستثمارية التنافسية المناسبة بل انها سوف تضعف او تشلّ قدرة المؤسسة الخاصة على إعادة إنتاج آليات دفع وتنشيط الاقتصاد . ولمعالجة هذه الإشكالية دفعت بمفاهيم التحرير وإعادة الهيكلة والانفتاح ........ الخ ، وبما تنطوي عليه من افتراضات، إلى واجهة البحث والاهتمام . ولم يكن ميدان التجارة بعيدا عن الفهم الجديد . فيما سبق أشرنا إلى الحدود المعرفية لمنهج التفكير اللبرالي الجديد و المسألة الرئيسة هي إننا نعيش عالم ما بعد الميزة النسبية وهو عالم في ظاهر الحال يرفض ما قرّ في الأذهان من تفسيرات او تأويلات لكيفية قيام علاقات تجارية واقتصادية ما بين الدول استعيرت من النظام الفكري الكلاسيكي وفسرت لنا كيف تقوم المبادلات التجارية ما بين الدول . غعالم اليوم يركز على مفهومين جديدين هما : التنافسية والكفاءة Efficiency التكنولوجية كمصدر للميزة وللقدرة على المنافسة بل ولتوفير الميزة النسبية فما عادت مفاهيم الوفرة والشحة في الموارد ليست بكافية لوضع تفسير مقبول بشكل مطلق ما عدا أفكار محدودة بقيت على المستوى النظري مجالا للتأمل ، ذلك أن الفهم الجديد يشدد لا على مدى وفرة الموارد في دولة معينة ، بل على المحتوى الرئيس ( التكنولوجيا – المعرفة ) لهذا المورد ومدى توافقه مع معايير النظام التجاري المتعدد الأطراف ، وبإزاء ذلك كان من الطبيعي أن تتراجع مفاهيم وطرائق للقياس وتستحدث مفاهيم وطرائق للقياس جديدة تعبر عن خواص التجارة العالمية المعاصرة فصار بالإمكان إيجاد تفسير مقبول لظاهرة انتزاع دول صغيرة الحجم من مثل ( سنغافورة – تايوان – هونك كونك ) فرصا ممتازة في ميدان التنافس العالمي وبما أتاح لها قدرة على إدارة صراعها التجاري بكفاءة دونما حاجة كبيرة للاحتماء بالتكتل من مخاطر المجابهة بالرغم من أن إنشاء التكتلات الاقتصادية والتجارية ما زال يمثل إحدى سمات عصر عولمة رأس المال والسلع بإزاء تكتل المؤسسات والشركات الخاصة الاقتصادية – التكنولوجية التجارية العملاقة بفعل عمليات الاندماج Consilidation والدمج Merger الهائلة التي تجري على الساحة العالمية حتى بدأنا نرى إن المواجهة في هذا العصر ما عات بين تكتلات الدول بل بينها وبين تلك التكتلات الاقتصادية والتجارية والشركات العابرة للقارات . لقد آل الوضع العالمي إلى خارطة تتمازج فيها سياسات دول صغيرة الحجم وضئيلة الموارد الطبيعية وسياسات دول متقدمة صناعيا وتكنولوجيا واقتصاديا وبيدها مفاتيح الريادة الدولية في ظل هيمنة واسعة لتكتلات دولية ومؤسسات قافزة على الحدود والكل ينزع نحو تحقيق أقصى الفوائد الممكنة التي يتيحها النظام التجاري المتعدد الأطراف خاصة بعد أن صار تحفيز النمو الداخلي يتم بوساطة استخدام كفء للموارد في الخارج وصار من المتعذر على الطرفين المتبادلين أن يتساويا بالمنافع Benefits كما تفترض الميزة المقارنة ، التي ما عادت تفسر حسب سامويلسن Saumuelson قيام التجارة ما بين الدول في الصناعات الكثيفة الاستخدام التكنولوجية العالية والعمالة الماهرة (1) . هذا هو منطق المجابهة التجارية الجديدة ، حيث تجري عملية تقدير شاملة لحجم الفوائد المتحققة . فلا بد من أن تختل القيم المتبادلة Values لصالح أحد الأطراف بفعل مستويات التطور العلمي – التكنولوجي بالدرجة الرئيسة او تحت تأثير آليات سعر الصرف ، وهنا صار العالم بإزاء اختلال عميق في معادلة المبادلة الدولية ولدته آليات نظام تجاري معقد فرضته رياح التغيير العالمية التي حصلت ما بعد الحرب العالمية الثانية من القرن الماضي وتستمر حتى عقدنا الحالي الذي نعيش. ومن هنا كان ارتباط خطاب التنافسية بشكل وثيق بالعولمة يسري على الشركات مثلما يسري على الأمم سواء كان نشاطها يندرج في قطاع السلع المتتاجرة عالميا أم في غيره من القطاعات، وسواء كانت السلع تنتج فرديا ام تقدم جماعيا فالكل يخضع الآن على قدم المساواة لمعايير خطاب القدرة التنافسية (2) . ثمة سمات أفرزها وضع التجارة العالمية منها : هيمنة احتكار القلة في السوق Oigopoly والحواجز واقتصاديات الحجم الكبير والإقفال التكنولوجي الشيء الذي جعل قيام التجارة بين الدول بمنتجات ذات عوامل إنتاج متماثلة ممكنا . فثمة دول تتخصص بالتكنولوجيا المتقدمة وبمهارة عمل عالية وقوة عمل عالية الأجور ورأسمال كبير ودول تختص بقدر مؤثر من العمل غير الماهر ومستويات متدنية من الأجور وضعف رأس المال ، وفي مثل هكذا ظروف فإن النتيجة الطبيعية ستكون تخصص البلدان المتقدمة صناعيا بالتكنولوجيا المتطورة ، فيما ترك التكنولوجيات البسيطة للدول الأخرى ، فتتم المبادلة في الأسواق العالمية على وفق هذه الآلية (3) ، وتهجر السلع المصنعة دول الشمال نحو دول الجنوب ، فإن كان الشكل التبادلي هذا هو ما يميز عصر التجارة المعولمة فإنه بالوقت نفسه يمثل الشكل الواقعي والأكثر سطوعا والمعبر عن عدم التكافؤ ، الذي لن يؤدي في أفضل نتائجه إلا إلى إعادة ترتيب شروط جديدة لهيمنة رأس المال العالمي من خلال استمرار العمل بمعادلة التبادل هذه . لم تكن أشكال التبادل الدولي التاريخية بأقل قسوة مما يجري في عالم اليوم ، وثمة نموذج تاريخي قد أثار حوارا شاملا حول أفضل الطرائق للتخلص من قيود التقسيم الدولي للعمل التقليدية وبلوغ الأهداف المرغوبة ، والمقصود هنا النموذج الياباني الذي قد يكون كافيا للوصول إلى خلاصات مفيدة للدول الأخرى . فقد عرف عن اليابان أنها بلد افتقد للموارد وقد امتلك في القرن السابع عشر صناعة فولاذ مهمة في وقت لم تكن قد امتلكت فيه خامات الحديد ، غير أن الأمور سارت باتجاه آخر ، فقد حسب أن اليابان وفي المرحلة التاريخية الممتدة من بداية خمسينات القرن العشرين وحتى منتصف تسعيناته تمكنت من بلورة نموذجها الإنمائي الخاص ، عبر سلسلة من العمليات التكنولوجية المثيرة للاهتمام بالاعتماد شبه التام على المعونات الامريكية (4) . إن ضعف الموارد وارتفاع تكاليف الانتاج في اليابان نتيجة لارتفاع قيمة الين مقابل الدولار الأمريكي كان دافعا للدولة لتصميم ستراتيجية وطنية لنشر ومضاعفة الاستثمارات في الخارج ، وخاصة في الدول المستقرة سياسيا وأيضا في الدول التي كانت تتميز بانخفاض الأجور مقارنة باليابان فتحولت الصناعات ذات العمالة الكثيفة ( النسيج مثلا ) إلى كوريا وتايوان من خلال تأسيس شركات تابعة ومشروعات مشتركة * * وقد لعبت التكنولوجيا وتطوير المعرفة العلمية – البحثية ( R & D ) في الإستراتيجية الجديدة هذه في خفض المخاطر الناجمة عن مشكلة نقص الموارد دورا مؤثرا ، فقد تقدمت عملية إدخال الاتوماتية Autamation في المصانع وإدخال وحدات المعالجة Micro – Process التي تم إحضار أنظمتها من الولايات المتحدة الأمريكية وتطويرها ومن ثم استخدامها في الكومبيوترات الشخصية وأجهزة التلفزيون والفيديوات وآلات التصوير والاستنساخ وآلات التحكم في السيارات ووسائط النقل الاخرى (5) . في إشارة منه إلى أهمية النموذج الياباني في حفز النمو الاقتصادي ينوه لسترثروLester Thurow باقتداء التنانين الصغيرة في حوض المحيط الهادئ بالنموذج الياباني الذي اجتذبها ودفع بحكوماتها إلى تقديم السوق المحلية المحمية للشركات التنافسية بقوة في الأسواق الأجنبية فتعايشت الحماية والتنافس مع الاستراتيجيات الوطنية الحكومية التي دفعت بالصناعات الرئيسة إلى الأمام (6) ، فعلمّت كوريا وتايوان وسنغافورة العالم أن الطريق إلى الكفاءة هو النمو الموجه نحو التصدير(7) Export – led growth . في مكان آخر أشرنا إلى الرابطة الوثيقة ما بين التنافسية والعولمة فمن المفترض أن تؤدي عملية التحرير Liberalization إلى تحريك الموارد من الاستخدامات الأقل انتاجية إلى الأكثر مما يتيح للبلد إنماء الدخل ومعالجة مشكلة البطالة الدائمة والخطيرة في المقام الأول ، غير أن الامر لا يسير على هذا الافتراض ، فثمة إشكالات تولدها آليات العولمة التجارية تكبح عوامل النمو الداخلي وبالتأكيد تقليص فرص النفاذ إلى الأسواق ونعني إشكاليات مثل الضغط باتجاه إلغاء الحواجز الجمركية ورفع الحماية عن المنتوجات الزراعية ( الحرمان من دخل عمليات التصدير ) . تحديد الحصص ، إلغاء الدعم عن الصناعات الوطنية ، فتح الأسواق أمام السلع الأجنبية المصنعة ........ الخ . مما يحول دون تنمية القدرات التنافسية وتزايد الوضع سوءًا , كما اقترنت عمليات كهذه بمطالب المؤسسات الدولية والعالم المتقدم من تدابير التقشف المالي والخصخصة في حين إن التجربة كشفت عن إن عمليات النمو قد حفزت في كل البلدان المتقدمة وزادت من كفاءة اقتصاداتها وتنافسيتها من خلال الحماية الممنوحة لبعض صناعاتها (8) . وهذا ما عملت وأخذت به الولايات المتحدة الامريكية متشبثة بالمادة ( 301 ) من القانون الامريكي ، وما هدفت اليه قوانين هولمس – بورتن ( 1996 ) وآماتو- كندي من فرض الوصاية الأمريكية على المجموعة العالمية (9) ، ولعل أشد الأبعاد خطورة على وضع المبادلات التجارية الدولية الناجمة عن انتشار التنافسية وتحولها إلى المقاربة المطلقة للعلاقات ما بين الدول وما بين الشركات العالمية ما يتمثل في تنامي المعارضة العالمية لها على خلفية عجز البلدان الضعيفة عن تأسيس قواعد التنافسية المطلوبة وتأخرها في اللحاق بالدول المتقدمة في ميدان المتاجرة بالسلع والخدمات ، فتتنامى الأصوليات الوطنية الداعية إلى العودة إلى الحمائية كتدبير وقائي للحد من مخاطر الانتفاح التجاري وعمليات التحرير ، التي بقدر ما وجدت لها في البدء تفهما في ، واجهت فيما بعد اعتراضات عملية ( الاحتجاجات الشعبية في الدول المتقدمة ) لما تركته من آثار مدمرة على سوق العمل والأجور . ففي الوقت الذي نصت فيه الــ WTO على التبادلات الحرة فيما بين المناطق والدول ، ظهر أن الحمائية كانت مرشدا Victor لسلوك الدول الصناعية المتقدمة التي غالبا ما كانت تسعى إلى وضع التشريعات القانونية الداخلية لحماية منتوجاتها الوطنية ، فاخذت الدول الحديثة التصنيع بالتصدي لهذه السياسات من خلال مبدأ الحماية ، وإن كان بشكل متدرج لتخفيف الآثار السلبية للاستيرادات الأجنبية لذا صرنا نلمس أن الوضع العالمي بدأ يمتاز بثنائية ( التنافسية – الحمائية ) فما عادت للتنافسية السيطرة التامة حتى مع نفاذ أحكام وقواعد الــ WTO كما ليس هناك من ماركنتيلية جديدة مطلقة ، وفي هذا تكمن مفارقة اخرى من مفارقات التجارة العالمية المعاصرة .
ثالثا : تنافسية المنتوج العراقي فيما يتصل بموقع العراق في التجارة الدولية نعتقد بعدم وجود خيار بين أن يقبل او لا يقبل العراق بالتعاقد او الانتماء إلى الــWTO فالموقف حسم على الاقل من وجهة نظر حكومية لصالح الخيار الأول ( القبول ) ، فالسعي على هذا الطريق متواصل عبر استكمال بعض الاجراءات العملية ، فلم تعد هناك من إجراءات كمية او غير كمية يعتدّ بها تعيق الانفتاح التجاري للعراق خاصة وإنه استسلم كليا لشروط وقواعد الاقتصاد الحر غير أن المسألة الاكثر أهمية من وجهة نظرنا تكمن في الكيفية التي تمكن العراق من إضعاف تأثيرات الاندماج التجاري السلبية في السوق العالمية ووسائل الإفادة الممكنة من قواعد العمل التجاري وهذا يقودنا بالضرورة إلى التوقف عند : 1- الهيكل الانتاجي : باستثناء النفط من أحكام وشروط التبادل الحر في إطار الــWTO واستبعاده من معادلة المبادلة الدولية فقد فقدَ العراق إحدى مميزاته الموردية الممتازة وبالتالي لم يعد من الممكن النظر إلى المورد النفطي كمتغير مؤثر في المعادلة إلا بقدر الآثار الخلفية التي يتركها تطور الصناعة النفطية على القطاعات الأخرى ، والوصول إلى نتيجة مقبولة في هذا المجال تعتمد على عنصري الزمن والتحديث التكنولوجي للبنى الانتاجية ، فالربط الوثيق بين الاستغلال الامثل لمتغير او عنصر الزمن واختيار التكنولوجيا الملائمة يمثل حاجة قائمة اذا ما تحصلت الرغبة في حفز النمو الكلي اعتمادا على مخرجات الصناعة النفطية . تقتضي الحكمة أن تتم عملية تعجيل التحديث التكنولوجي لمرافق وفروع الصناعة النفطية من خلال منهج خفض الكلفة والاختيار السليم للتكنولوجيا المستخدمة بالعمليات الانتاجية المرافقة للصناعة النفطية المتهالكة بفعل الزمن على الاقل . وهنا لا بد من التذكير بأن الاتكاء على مخرجات الصناعة النفطية والتمكن من إدماجها بالدورة السلعية سيبقى مقيدا بفاعلية التصرف بإزاء هذين المتغيرين ، فقد يفرض هذا القيد تباطؤًا في مدى الاستفادة من الثروة النفطية لإنماء القاعدة الإنتاجية وتحديث هيكل إنتاجي يمثل النفط كمادة أولية مدخلا له Input ومخرجا Out put يتمثل بالمنتوجات الصناعية النفطية التي تتصف بالقدرة على تضمين السلع المنتجة قدرات تنافسية مهمة وبمستوى جدير بأن يدخلها سوق المنافسة العالمية . غير إن الحال في الصناعة التحويلية قد يكون أكثر تعقيدا وصعوبة خاصة اذا ما تباطأت عملية إدماج مخارج الصناعة النفطية فيها وفي ظل تدني مستويات الانتاج والانتاجية حيث ما زال هذا القطاع في العراق دون مستوى القدرة على إطلاق عملية نمو صناعي إيجابي الأثر والتأثير سواء أ كان ذلك بمقياس الأهمية النسبية له في الناتج المحلي الاجمالي أوفي هيكل الصادرات ودرجة اشباع الطلب الداخلي أم كان بمقياس سرعة الاندماج بالدورة السلعية . إن العديد من الدول التي خرجت من دائرة الدول النامية وتخطت حواجز التخلف قد بدأت طفرات الإنماء فيها بتطوير الصناعات التحويلية في إطار ما عرف بالأدب الاقتصادي بــ( نماذج التصنيع الموجه نحو التصدير ) الذي قاد إلى إثارة الأسئلة حول الاستراتيجيات الملائمة للنمو الصناعي الواجب اعتمادها لتحقيق الطفرة المرجوة وهي استراتيجيات لم تحض باهتمام جدي ّ في العراق واستعيض عنها بتوجيهات دول ومؤسسات أفاضت على العراق بمناهج وأفكار لا جدوى منها مستوحاة من دراسات وأبحاث ذات اتجاه فكري واضح ومؤسس على مقدمات غير عملية ولا تناسب أجواء البيئة المحلية العراقية ، بل هي أصلا ( الدراسات والابحاث ) أعدت في زمن لم تتوفر فيه أية قواعد للمعلومات والإحصاءات الدقيقة التي تعطي صورة مكتملة عن الوضع ، وبإزاء مثل هذا الاهمال الذي يبدو متعمدا ، تعطلت عملية تطوير الصناعة الوطنية حتى وصل الأمر إلى الدعوة لتصفية الصناعة التحويلية برمتها وعرضها في مزادات الاستثمار المحلي والأجنبي . في مثل هذه الأحوال لن يكون الحديث عن ميزة تنافسية أمرا مجديا خاصة وإن مخرجات الصناعة التحويلية أصبحت لدى بعض الدول المجاورة أكثر كفاءة ( نوعا وكما وأقل كلفة ) من نظيراتها في العراق . فينحشر العراق بالزاوية الضيقة ويجعل من المستحيل في مثل هذه الظروف على المنتجات الصناعية العراقية من أن تجد طريقها نحو أسواق دول الجوار فضلا عن الأسواق الدولية . كما لا نجد في القطاع الزراعي الوضع إيجابيا ، فالزراعة العراقية في أسوء حالاتها سيما من حيث مساهمتها في الناتج المحلي الاجمالي وهيكل الصادرات وتدهور معدلات الانتاج لذلك يبدو البحث عن مدى توفر الميزة التنافسية في المنتوجات الزراعية أمرا متعذرا تحت وطأة ارتفاع تكاليف الانتاج ومحدودية الكميات المنتجة وتدهور الأسعار وعزوف غالبية الفلاحين عن الاستمرار بالعمل الزراعي نتيجة للتحولات الاجتماعية التي طرأت بعد 9 / 4 / 2003 واختيار المدن موطنا للعمل مما افقد القطاع الزراعي اليد العاملة المجربة ، دون أن ننسى ما واجهه القطاع الزراعي من منافسة المنتوجات الزراعية الأجنبية نتيجة الانفتاح وبمستويات لا نظير لها على دول الجوار للاستيراد غير المنضبط والعشوائي لتمويل السوق الداخلية بالمنتوجات وخاصة الغذائية منها ، فتعرضت كل أنواع الزراعات لموجه قاسية من التحديات واقترنت بتحدي المياه الناجمة عن سياسات دول الجوار مما فاقم وضع الزراعة العراقية . والأمر لا يتوقف عند هذا التنافس بل إنه حتى في ظل منتج زراعي عراقي يمتلك مواصفات المنتج التنافسي وقادر على الحصول على الموقع المناسب في السوق العالمية ( وهو افتراض غير قائم فعلا ) فإن المشكلة الشائكة التي تواجه البلد إنما تتمثل بالمطالب المعلنة من قبل الدول المتقدمة ومؤسساتها الفاعلة لرفع الدعم الحكومي عن مستلزمات الإنتاج وعن المنتوجات الزراعية ، ومن هنا نرى أنه في ظل واقع زراعي متدهور وبطالة واسعة ستجد الدولة نفسها فيه متساوقة تماما في سياساتها الزراعية مع أهداف منظمة التجارة العالمية في تحرير المنتجات الزراعية ، في حين تزداد توجهات الدول المتقدمة نحو دعم منتجاتها الزراعية وتوفير الحماية الوطيدة لها . أما الخدمات وحقوق الملكية الفكرية وهي من الميادين التي منحتها منظمة التجارة العالمية WTO وقبل ذلك الجات اهتماما خاصا فإن الوضع مثال لعدم التوازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين ، فالمعلوم هنا أن الــ WTO منحت الدول المتقدمة وضعا مميزا لكونها الدول المنتجة للخدمات والدول المصدرة والناشرة الأولى للأعمال الفكرية والعلمية وهذا الموقف تعبير عن نزعات عصر العولمة نحو تأمين مصالح الدول المتقدمة للحصول على أكبر المنافع من التجارة بالخدمات ، والخاسر الأكبر هو الدول النامية ومنها العراق . إن منابع المعرفة والتكنولوجيا ومصدرها هي الدول الصناعية المتقدمة ولما كانت المعرفة – التكنولوجيا هما المتغيرات الأكثر أهمية للميزة التنافسية المستديمة في المدى الطويل فإنهما سيعتمدان على تطوير مهارات الأفراد وهذا شأن ( أي تطوير المهارة ) لن يكون بمقدور العراق او غيره من الدول استخدامه لتحسين كفاءة منتجاته وقدراتها التنافسية إلا بعد انقضاء زمن ليس بالقصير . ومع إن العراق يمتلك قدرات معرفية – تكنولوجية وبمستوى يكفي لخلق منتجات تنافسية غير إن المشكلة التي تثور هنا هي انعدام البيئة المناسبة والحاضنة لمنتجات العقل الإنساني فبإزاء تدني مخصص البحث والتطوير وهو القاعدة الأساسية للتنافسية وزيادة المحتوى التكنولوجي للمنتجات الوطنية وغياب برنامج وطني شامل لتوفير قواعد مؤسسية للبحث والتطوير سيكون وضع العراق في غاية التعقيد والصعوبة . إن انضمام العراق إلى الـــWTO ليس بلا جدوى إذ بإمكانه الاستفادة من المزايا التفضيلية التي يمنحها النظام التجاري المتعدد الأطراف للمتعاقدين من مثل الامتيازات الممنوحة للرسوم الجمركية وآليات النفاذ إلى الأسواق وطرائق تيسير الحصول على التكنولوجيات المتقدمة في بعض الصناعات وتطوير شبكة المعلومات فضلا عن الدفع باتجاه التركيز على بناء مؤسسات إدارة السياسات التجارية والتنسيق ما بين الجهات ذات الصلة بالتجارة للتخلص من التعارض بالاهداف والخطط التي تضعها المؤسسات المعنية حتى يتمكن العراق من تحقيق غاياته من الانفتاح التجاري والانخراط في الشبكة الدولية المعقدة للتبادل السلعي وغير السلعي ورفع مستوى تنافسية منتوجاته في الأسواق العالمية حسبنا أن نقول : إنه في ظل افتقاد العراق لمنتوجات تصدير مميزة ( كلفة متدنية وطلب خارجي في الأسواق ) فليس من طريق آمن أمامه سوى التعامل مع المنتجات التي تمثل إرادة البشر فيها الدور الأكبر ونعني بها المنتجات المتميزة بالكثافة التكنولوجية والمعرفية وهذا يقتضي دراسة تجارب الأمم الاخرى التي تقدمت في مضمار تطوير منتجات ذات قدرة تنافسية ، والمقترح يتمثل بالالتفات إلى تجارب دول النمو الآسيوية فرادى او مجتمعة وامتثال خطواتها من منظور الخصائص الوطنية للصناعية والبيئة السلمية للإنتاج الوطني ويحضرنا هنا عرض المقدمات الآتية : أولا : إن العراق يمتلك القدرات التكنولوجية والمعرفية الكافية لتطوير منتجات وطنية تمنح قدرات تنافسية جيدة سواء أكان على مستوى المنتجات الصناعية القائمة أم تلك التي يمكن استنباطها بالبحث . ثانيا : وضع إستراتيجية وطنية لبناء التنظيمات والمؤسسات وإنماء قدراتها في مجال تحقيق الاستفادة من الملكيات الفكرية ، فثمة أبحاث ودراسات علمية متميزة وفريدة فيما توصلت إليه من نتائج ينطوي استخدامها على مردودات مالية وتكنولوجية لا حدود لها على مستوى التحديث والتطوير التكنولوجي . ثالثا : الشروع على نطاق واسع بتعبئة الموارد باتجاه إعادة بناء الصناعة الوطنية وتحديثها وإعادة هيكلة بعض منها وفقا لإستراتيجية تعنى بتطوير الموارد من أجل خلق المنتوجات ذات القدرات الفنية والتكنولوجية الجيدة . رابعا : الإفادة من الفرص التي توفرها بعض هيئات ومؤسسات المجتمع الدولي في إطار سياسات الإنماء والمساعدة للدول الأضعف والأكثر تضررا نتيجة لسياسات الحروب وسياسات هدر الموارد في ميدان التنمية التكنولوجية وتحسين قنوات التوزيع وشبكة المعلومات والاتصالات لتوسيع إمكانية النفاذ إلى الأسواق . خلاصة القول : إن موجة الانفتاح التجاري وعولمة التجارة وتدفقات رأس المال على النحو الذي يشهده العالم اليوم إنما تعبر عن اتجاه عالمي واقعي لا مناص من التعامل الإيجابي معه . فما من خسائر تلحق دولة دون غيرها ، وما من منافع تصيب دولة دون أخرى ، ولكن التباين والتمايز يبقى محصورا في مستويات الخسائر والأرباح وهذا أمر بتقديرنا يتعلق بالمستوى الذي تظهر عليه الدولة المتاجرة من ناحية قدرتها على التصدير ومدى مقبولية المنتج في الأسواق ( من ناحية السعر والنوع والكمية ) خاصة اذا ما نظرنا إلى المسألة من زاوية قواعد العمل والسياسة في إطار النظام التجاري العالمي حيث يمكن لها أن تؤمن قدرا ملموسا من أمن الدول ضد الفوضى الشاملة التي يمكن أن تنبعث عن موجة تحرير التبادلات التجارية وتذبذبات أسعار صرف العملات وصراعات مراكز التحكم في عالم شديد القسوة على من يتكئ على مورد واحد في إدارة اقتصاده .
أ.د.عبدالكريم كامل ابوهات اقتصادي عراقي ak.abuhat@yahoo.com
المصادر والهوامش : ** الدول حديثة التصنيع تشمل : المجر – بولندا – الهند – الصين – الأرجنتين – البرازيل – المكسيك – الجيك – هونك كونك – تايوان – كوريا – سنغافورة – تايلند – اندنوسيا – ماليزيا – الفيلبين . 1- سامويلسون بول ، نوردهاوس وليم – علم الاقتصاد – ترجمة مكتبة لبنان ، ناشرون ، ط1 ، 2006 ، بيروت – لبنان ، ص 727 . 2- هبرست بول ، جراهام تومسون – العولمة – الاقتصاد العالمي وإمكانات التحكم ، ترجمة د. فالح عبد الجبار ، ط2 ، 2009 ، بغداد – بيروت – أربيل – منشورات الجمل – ص 169 . 3- المصدر نفسه ، ص 181 . وأيضا ينظر : الدليل السنوي والعلم والصناعة والسياسة في اليابان / ص 24 . *** عن المعجزة اليابانية : يمكن العودة إلى دراسة بول كيكانتل وستيفن سكنر الموسومة ( اللا مساواة الدولية في عصر العولمة ) ضمن كتاب ( اللا مساواة العالمية ) لمجموعة مؤلفين – ترجة د. فالح عبد القادر فهمي – بيت الحكمة ، ط1 ، بغداد ، 2004 ، ص ص 93 – 163 . 4- المصدر نفسه . 5- المصدر نفسه . 6- لسنر ترو – المتناطحون – المعركة الاقتصادية القادمة بين اليابان وأوربا وأمريكا – مركز الإمارات للدراسات والبحوث الستراتيجية – ترجمة محمود أبو زيد – ط2 – أبو ظبي – 1995 – ص 196 . 7- المصدر نفسه ، ص 194 . 8- جوزيف ستيجلتز – العولمة ومساؤها – ترجمة فالح عبد القادر فهمي – بيت الحكمة – ط1 – بغداد – 2003 – ص ص 22 – 32 . 9- روجيه غارودي – العولمة المزعومة – الواقع – الجذور – البدائل – تعريب – محمد السبيطلي – دار الشوكاني – صنعاء – 1988 ، ص 64 .
تحميل الملف المرفق Download Attached File
|
|