عنوان البحث(Papers / Research Title)
مسرحية (الحسين الآن) رؤية درامية مغايرة
الناشر \ المحرر \ الكاتب (Author / Editor / Publisher)
محمد حسين محمد حبيب الحبيب
Citation Information
محمد,حسين,محمد,حبيب,الحبيب ,مسرحية (الحسين الآن) رؤية درامية مغايرة , Time 5/22/2011 7:10:07 PM : كلية الفنون الجميلة
وصف الابستركت (Abstract)
نقد مسرحي اعرض عراقي جديد
الوصف الكامل (Full Abstract)
مسرحية (الحسين الآن) رؤية درامية مغايرة
د. محمد حسين حبيب
خارج التوقيت العاشورائي ولمدة خمسة أيام , شاهدنا مؤخرا وعلى مسرح جاسم العبودي في قسم الفنون المسرحية ببغداد عرض مسرحية (الحسين الآن) تأليف وإخراج (أ.د. عقيل مهدي يوسف) الذي طالبنا - قبل معاينة (خياله) هذا - أن نختار موقفنا (الآن) بين (روح السلام وخرافة الغلبة) بحسب كلمته في برنامج العرض . وما يحسب للعرض وصانعيه تقديمه خارج التوقيت المعتاد سنويا في ذكرى عاشوراء وهذا تأكيدا منهم أن دراما الفواجع والدم تخترق الزمان والمكان ولا تعرف لها توقيتا محددا وذلك هو سر بقائها ورمز إنسانيتها .
ومايحسب ايضا لهذا العرض انه عمد الى التجريب المسرحي صياغة درامية على صعيدي النص والاخراج المسرحي غايرت السائد والمالوف لعدد كبير من عروض مسرحية عراقية وعربية تناولت واقعة الطف وفاجعة الامام الحسين ع حين لجأت مثل هذه العروض الى اعتماد الحادثة التاريخية بحسب تسلسلها التاريخي وشكلها الطرازي وما سبقتها او سايرتها او لحقتها عدد من الاحداث الثانوية للحدث الرئيس وهو مقتل الامام بوصفه حدثا جللا اتسم بمكانة ربانية مقدسة . فجاء العرض مستندا على ثلاثة شخصيات فقط : ( شخصية الحسين جسدها د. جبار خماط , وشخصية يزيد جسدها د. خالد احمد مصطفى , وشخصية هند جسدتها هديل محمد رشيد ) مختصرا العرض بذلك ومكثفا بتجريبية عالية , العدد الكبير من شخصيات لازمت الواقعة واحداث سايرت ايام الدم تلك , لكن المؤلف المخرج شغلته رؤياه المعاصرة ليجعلنا معه نحاول الإجابة على تساؤلاته الرامزة والدالة على فاجعتنا الأكبر ( أزماتنا العراقية الآن ) والممتدة من 61هجرية إلى يومنا هذا .
عمد نص العرض إلى إضفاء صفة التعددية لدى شخصية (الشمر) , في حين عمد الى ثبات الشخصية الواحدة مع شخصية (الحسين) فقد برع الفنان (د. خالد احمد مصطفى) ان يؤدي عدة شخصيات او هكذا بدت لنا مختلفة وان حملت ذات الاسم (الشمر) لكنها ايضا ( يزيد / الجنرال / فتى العصر / البهلوان / الساحر / المهرج / المخنث ) وفق اداء مسرحي تمثيلي عالي الحرفية وبجهد ادائي خلاق اعطى لكل شخصية حقها على صعيدي الشكل والاداء , برغم ان رؤيا العرض جعلت كل هؤلاء هو (الشمر) نفسه تلك الشخصية المتوالدة ابدا الى (الآن) والمتواجدة بيننا لكن صعوبة اكتشافها تكمن في توظيفها (الأنا والقناع) بطريقة عجيبة ومستندة على ميراث شاذ يمتد منذ زمن (أمه التي أرضعته الفاحشة) بحسب العرض نفسه . وما يضفي للعرض تجريبيته أيضا توظيفاته الادائية للتمثيل الايمائي والرقص الدرامي والانشودة المعاصرة عبر ثنايا العرض وتحولات ايقاعه المنضبط الذي احتكم الى جماليات الخطاب الدرامي (السمعيبصري) حين وظف المؤثر الصوتي المتوافق مع الشكل البصري خالقا بذلك الجو الدرامي المراد الاحساس به وبسخونة المشاعر الذي يبثها العرض الى المتلقي بهدف تحقيق تواصلية مسرحية مستندة الى (الرسالة) و(المستقبل)بكسر الباء .. ولان شفرات العرض تفاعلت مع اللاشعور الجمعي لدى المتلقي وموقفه الاصل مع الفاجعة الاصل فقد حققت التفاعلية مرادها وقبضت على فكر التلقي وشعوره عموما .
اما شخصية (الحسين) برغم الحذر التي اكتنفها تأليفا وأداء , الا انها بدت واضحة بموقفها الثابت والتناول الدرامي الثابت لها ايضا حين لجأ المؤلف الى توظيف ذات المقولات التاريخية المقتبسة من مدوناتها الإسلامية الأصل عبر ملفوظها الحواري , مقولات مثل : ( مثلي لا يبايع مثله ) و ( الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم ...) وهذه المقولة فيها إسقاط واضح على وضعنا الحالي الذي ابتلينا بأمثال هؤلاء مع الأسف .. مع محاولة إضفاء الهيبة التي تليق بمثل هذه الشخصية التي جسدها لنا حركة وصوتا وفعلا داخليا الفنان (د. جبار خماط) وفق الايقاع المناسب للشخصية الثابتة في الموقف والفكر والدين . كذلك جاءت الفنانة (هديل محمد رشيد) وهي تجسد شخصية هند وهي كانت وسطا متألما بين الذابح والمذبوح , بين الحاكم والمحكوم , وهي وان تعددت وظائفها الادائية الا انها ظلت ذلك الصوت المدوي والمحذر للخطر المخبوء وللدم العراقي المسفوك (الآن) و (غدا) حتى لحظة القرار , لحظة الخيار , لحظة الخلاص القادمة .
حتى في تشكيله المنظري , جاء العرض مختزلا مكثفا لمفرداته الديكورية التي صممها (أ.د. نجم حيدر) التي تصدرتها عرش يزيد وبجانبه كتلة من الرسائل التي ارسلها اهل الكوفة مبايعين الحسين ع تهيمن على الفضاء ومن فوقه كتلة اغصان يابسة كثيفة لم تعشب وهي ذات دلالة زمنية وفكرية , الى جانب ما يقتضيه المشهد والموقف الدرامي من استخدامه لملحقات ديكورية اتسمت بدلالة ورمزية عالية في التناول والتحول الدلالي المراد الايحاء له . وكانت الاضاءة ( حيدر عدنان و عباس فليح ) قد لاحقت الفعل الدرامي وكشفت دلالتها اللونية المراد التعبير عنها وفق ذات الايقاع البصري الذي توافق مع سينوغرافيا العرض بكافة تشكيلاته الصورية الثابته منها والمتحركة .. وكذا الحال مع الازياء للفنانة ( أ.د. امتثال الطائي ) والموسيقى التعبيرية للفنان ( أ.د. طارق حسون فريد ) كل هذه الاسماء بخبراتها الاكاديمية الفنية أضفت على العرض سمة تكاملية جمالية ارتقت مع موضوع العرض ذاته الذي اتسم اصلا بهذه التكاملية الانسانية الممتدة منذ اكثر من الف واربعمائة عام .
لقد امتلك عرض مسرحية (الحسين الآن) جرأة واضحة في التناول لان الصياغة الدرامية التجأت الى التجريب الذي من شانه ان يفتح الباب على مصراعيه – ومع هذه الحادثة التاريخية – كي تفسح المجال امام رؤى اسقاطية أوسع واكبر مستقبلا .. وختاما يمكن القول .. انه برغم التناص الواضح الذي وقع فيه العرض وفي مشهده الاخير مع مسرحية (الحر الرياحي) للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد حين اعلن الشمر عن ندمه الواضح وخواء احلامه وهو يردد ذات الابيات الشعرية : ( املأ ركابي فضة او ذهبا / اني قتلت السيد المحجبا ... ) لكن العرض هنا يبشرنا ويطمئننا برسالة الحسين التي ترفعها (هند) في نهاية المسرحية وهي تؤكد علينا إننا لابد و ( سنسمع آذان الفجر ) قريبا .. لان الفجر دائما هو آت .. وزاد فينا هذا العرض إصرارنا على انتظاره .
www.mhhabeeb.com
تحميل الملف المرفق Download Attached File
|
|